مع خروج مؤتمر جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» الاستثنائي بقرار المشاركة، انفتحت أمام الجمعية مجموعة من القضايا التي يمكن أن نطلق عليها صفة: الاستحقاقات، أو الملفات، أو الإستراتيجيات المرحلية، التي يتطلبها قرار المشاركة، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
1. علاقة «وعد» مع القوى الممثلة للتيار السياسي الإسلامي. فقد ورثت «وعد» من مرحلة مشاركتها في انتخابات 2006، وما تلاها من تطورات على ساحة التحالفات السياسية تركة حددت علاقاتها مع هذا التيار، هي اليوم بحاجة إلى التوقف عندها ومراجعتها. والمراجعة لا تعني بالضرورة التراجع عنها، لكنها في الوقت ذاته، تقتضي النظر إليها من جديد، وبرؤية الخبير المجرب القادر على القراءة بعمق وموضوعية إفرازات تلك المرحلة ونتائجها السياسية والتنظيمية المباشرة على العمل السياسي بشكل عام، وعلى التيار الوطني الديمقراطي، ومن بين صفوفه «وعد» على نحو خاص، كي تخرج هذه القراءة الحصيفة من كل ذلك ببرنامج للتحالف، أو التنسيق معه في حال موافقة الطرفين، وليس «وعد» وحدها بناء أي شكل من أشكال التنسيق فيما بينهما للمرحلة القادمة.
2. علاقة «وعد» مع التيار الوطني الديمقراطي المنظم. وهنا، ولكي لا نظلم «وعد» دون سواها من الجمعيات الأخرى، ينبغي على الجميع، وكما يقول الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدته المشهورة «القدس عروس عروبتكم»، (لا أستثني أحدا)، امتلاك الشجاعة الكاملة والوقوف علنا والاعتراف بأن ليس هناك من جمعية بريئة من وضع التشظي المأساوي الذي تعاني منه جبهة هذا التيار، إن صح لنا الحديث عن جبهة. بوسع كل جمعية على حدة أن تلقي باللوم على الأخرى، لكن «من منهم بلا خطيئة فليرمِ الأخرى بحجر». وبفضل هذا الموقف غير المفهوم ولا المبرر، بقيت مهمة تشييد جدران بناء هذه التيار في أسفل سلم أولويات كل جمعياته. وبالتالي كانت هي أكثر من سواها الأكثر خسارة جرّاء هذا التمزق، الذي ينخر صفوفه.
3. علاقة «وعد» مع منهم خارج هذين الإطارين، ولن نغوص عميقا في محيط هذه «القوة السياسية»، لكونها تشمل الكثير من الأفراد والمؤسسات المتناقضة المصالح، وللبعض منها برامجه الخاصة التي قد تتناقض وبرامج التيار الوطني الديمقراطي، ومن ثم هي بحاجة إلى جردة أخرى، كي لا نحمل «وعد»، أو سواها من الجمعيات الأخرى مسؤولية حمل هذا العبء. الذي قد ينوء كاهلها جميعا تحت ثقله.
كان لابد من الاستعانة بهذه المقدمة المقتضبة التي توصلنا إلى ما نحن بصدد معالجته، والذي هو تناول الحديث المتصاعد عن «القائمة الانتخابية الموحدة» التي يمكن للتيار الوطني الديمقراطي أن يخرج بها، وأن يخوض، بالتالي انتخابات 2010 تحت رايتها. انقسم شارع التيار الديمقراطي إلى عدة فرق عند تناوله هذه المسألة. فهناك من ذهب بعيدا، ولديه الحق فيما دعا إليه، كونه يعبر عن طموح بعيد الأفق، في دعوته إلى ضرورة الإعلان عن تلك القائمة وفي أسرع وقت. وساق الكثير من الأدلة، والشواهد، والمبررات التي تعزز دعوته لقوى هذا التيار كي تنظر في هذه المسألة بجدية وتدرس نتائجها الإيجابية على العلاقات القائمة بينها أولا، وعلى نتائج الانتخابات ثانيا. مقابل هذه الدعوة، نجد هناك، ومن بين صفوف ذلك التيار، من يرى أن المرحلة ما تزال مبكرة، من وجهة نظره، لأي حديث عن مثل هذا الشكل الراقي من أشكال التحالف، التي ما تزال ظروف العلاقات التي تحكم جمعيات التيار الوطني الديمقراطي لا تسمح بها، أو بالأحرى غير مهيأة لنسجه. يعرض من يدعو لذلك قائمة طويلة من النتائج الفاشلة والانعكاسات السلبية لمشروعات سابقة حاولت جمعيات هذا التيار التوصل إلى صيغ تعاون عندما طرقتها، وبالتالي فليس هناك ما يشجع، في الوقت الحاضر، إلى الذهاب إلى مستوى «القائمة الانتخابية الموحدة». وبين هذين القطبين، هناك دعوات تقف في منتصف الطريق بينهما، مقترحة مجموعة من الصيغ التي تقترب من هذا القطب أو تدنو من ذاك، دون الانحياز المطلق الكامل لأي منهما.
من الخطأ الخروج، وفي مقالة صحافية متواضعة مثل هذه بقرار حاسم وصريح حول أفضل الصيغ، وإن كنا لا نملك منع أحلام «القائمة الانتخابية الموحدة» من دغدغة عواطف المواطن المتطلع بلهفة كي يراها وقد فكت قيود أسرها التي ربطتها بها خلافات ذلك التيار الضيقة الأفق، وتحولت إلى حقيقة واقعة بدلا من استمرار بقائها حلما في مخيلة ذلك المواطن. لكن واقع الأمر يفرض على المواطن الرضوخ للحقيقة المرة التي تضع القرار الذي لا يملكه أحد سوى القوى ذاتها، بين أيديها، طامحا أن هذا لا يعني أيضا ترك الحبل على القارب، والانتظار، مهما كانت المبررات، حتى يأتي الفرج من الخارج. بكلمات أدق، وطالما أن كل من قوى التيار لا يكف ادّعاء «وصله بليلى، وليلى منهم جميعا براء»، والمقصود بليلى هنا «العمل الوطني الديمقراطي المشترك»، فلم يعد هناك أي ما يفسر رفضهم الجلوس إلى طاولة حوار واحدة، والوصول إلى قرار حاسم يحدد الصيغة الأفضل القابلة للتحقيق على أرض الواقع التي تنظم الإستراتيجية الانتخابية لذلك التحالف.
من حق كل جمعية أن تحتفظ ببرنامجها الانتخابي بشكل مستقل، ومن حق كل واحدة منها، أيضا، أن تنسج التحالفات السياسية التي تنسجم وخطها السياسي، لكن ليس من حق أية واحدة منها ان تدير ظهرها للأخرى، أو أن تتخاذل في الاقتراب من بعضها البعض في طريقها نحو الصيغة التحالفية الانتخابية الأفضل التي تتناسب والظروف التي ما تزال تحكم العلاقات فيما بينها. وإن كان من واجب المواطن الباحث عن مجتمع ديمقراطي في مملكة دستورية دعم هذا التيار، فمن الأولى بهذا التيار أن يحترم هذه الرغبة وأن يجسد ذلك الاحترام، على أرض الواقع. فلم يعد هناك من يقبل المساومة على الخروج بقائمة، أو حتى قوائم، وهذا أضعف الإيمان، تعكس تلك الروح التحالفية المطلوبة.
الوسط السبت 16 يناير 2010م