المنشور

لا تصالح


 
ولد أمل دنقل في عام 1940 بقرية “القلعة” في صعيد مصر . 

كان والده عالماً من علماء الأزهر، حصل على “إجازة العالمية” عام 1940، فأطلق اسم “أمل” على مولوده الأول تيمناً بالنجاح الذي أدركه في ذلك العام . وكان يكتب الشعر العمودي، ويملك مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي، التي كانت المصدر الأول لثقافة الشاعر .  

فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة، فأصبح، وهو في هذا السن، مسؤولاً عن أمه وشقيقيه .

أنهى دراسته الثانوية بمدينة قنا، والتحق بكلية الآداب في القاهرة لكنه انقطع عن متابعة الدراسة منذ العام الأول ليعمل موظفاً، لكنه كان دائم “الفرار” من الوظيفة لينصرف إلى ” الشعر”. عرف بالتزامه القومي والوطني وقصيدته السياسية الرافضة.
 
أمل دنقل ليس كغيره من الشعراء، فهو المسكون دوماً بالأمل والخوف والكبرياء. في شعره شيء من التطلع إلى المستقبل بعينين تريان ما لا يراه الآخرون، وهذا هو ديدن الشعر، فهو يتطلع إلى المستقبل، مستشرقاً آفاقه، ومؤكداً رفض الواقع المستلب.

عرف القارىء العربي شعره من خلال ديوانه الأول “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” (1969) الذي جسد فيه إحساس الإنسان العربي بنكسة 1967 وأكد ارتباطه العميق بوعي القارىء ووجدانه. صدرت له ست مجموعات شعرية هي :

البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” – بيروت 1969 ،

تعليق على ما حدث” – بيروت 1971 ،

مقتل القمر” – بيروت 1974 ،

العهد الآتي” – بيروت 1975 ،

أقوال جديدة عن حرب البسوس” – القاهرة 1983 ،

أوراق الغرفة 8 ” – القاهرة 1983 .





أصيب امل دنقل بالسرطان وعانى منه لمدة تقرب من ثلاث سنوات وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته “اوراق الغرفه 8″ وهو رقم غرفته في المعهد القومي للاورام والذي قضى فيه ما يقارب ال 4 سنوات ، وقد عبرت قصيدته السرير عن آخر لحظاته ومعاناته . لم يستطع المرض أن يوقف أمل دنقل عن الشعر حتى قال عنه احمد عبد المعطي حجازي ((انه صراع بين متكافئين ،الموت والشعر ” .

رحل امل دنقل عن دنيانا في 21 مايو عام 1983م لتنتهي معاناته مع كل شيء . 


 



 



لا تصالح


 


(1 )


لا تصالحْ !


.. ولو منحوك الذهب


أترى حين أفقأ عينيك


ثم أثبت جوهرتين مكانهما ..


هل ترى..؟


هي أشياء لا تشترى ..:


ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،


حسُّكما – فجأةً – بالرجولةِ،


هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،


الصمتُ – مبتسمين – لتأنيب أمكما ..


وكأنكما


ما تزالان طفلين !


تلك الطمأنينة الأبدية بينكما :


أنَّ سيفانِ سيفَكَ ..


صوتانِ صوتَكَ


أنك إن متَّ :


للبيت ربٌّ


وللطفل أبْ


هل يصير دمي – بين عينيك – ماءً؟


أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء ..


تلبس – فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟


إنها الحربُ !


قد تثقل القلبَ ..


لكن خلفك عار العرب


لا تصالحْ ..


ولا تتوخَّ الهرب !


(2)


لا تصالح على الدم.. حتى بدم !


لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ


أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟


أقلب الغريب كقلب أخيك؟ !


أعيناه عينا أخيك؟ !


وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك


بيدٍ سيفها أثْكَلك؟


سيقولون :


جئناك كي تحقن الدم ..


جئناك. كن – يا أمير- الحكم


سيقولون :


ها نحن أبناء عم .


قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك


واغرس السيفَ في جبهة الصحراء


إلى أن يجيب العدم


إنني كنت لك


فارسًا،


وأخًا،


وأبًا،


ومَلِك !


(3)


لا تصالح ..


ولو حرمتك الرقاد


صرخاتُ الندامة


وتذكَّر ..




( إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة )


أن بنتَ أخيك “اليمامة ”


زهرةٌ تتسربل – في سنوات الصبا –


بثياب الحداد


كنتُ، إن عدتُ :


تعدو على دَرَجِ القصر،


تمسك ساقيَّ عند نزولي ..


فأرفعها -وهي ضاحكةٌ –


فوق ظهر الجواد


ها هي الآن.. صامتةٌ


حرمتها يدُ الغدر :


من كلمات أبيها،


ارتداءِ الثياب الجديدةِ


من أن يكون لها – ذات يوم – أخٌ !


من أبٍ يتبسَّم في عرسها ..


وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها ..


وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،


لينالوا الهدايا ..


ويلهوا بلحيته ( وهو مستسلمٌ )


ويشدُّوا العمامة ..


لا تصالح !


فما ذنب تلك اليمامة


لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،


وهي تجلس فوق الرماد؟ !


(4)


لا تصالح


ولو توَّجوك بتاج الإمارة


كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ..؟


وكيف تصير المليكَ ..


على أوجهِ البهجة المستعارة؟


كيف تنظر في يد من صافحوك ..


فلا تبصر الدم ..


في كل كف؟


إن سهمًا أتاني من الخلف ..


سوف يجيئك من ألف خلف


فالدم – الآن – صار وسامًا وشارة


لا تصالح،


ولو توَّجوك بتاج الإمارة


إن عرشَك: سيفٌ


وسيفك: زيفٌ


إذا لم تزنْ – بذؤابته – لحظاتِ الشرف


واستطبت – الترف


(5)


لا تصالح


ولو قال من مال عند الصدامْ


“.. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام ..”


عندما يملأ الحق قلبك :


تندلع النار إن تتنفَّسْ


ولسانُ الخيانة يخرس


لا تصالح


ولو قيل ما قيل من كلمات السلام


كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟


كيف تنظر في عيني امرأة ..


أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟


كيف تصبح فارسها في الغرام؟


كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام


– كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام


وهو يكبر – بين يديك – بقلب مُنكَّس؟


لا تصالح


ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام


وارْوِ قلبك بالدم ..


واروِ التراب المقدَّس ..


واروِ أسلافَكَ الراقدين ..


إلى أن تردَّ عليك العظام !


(6)


لا تصالح


ولو ناشدتك القبيلة


باسم حزن “الجليلة ”


أن تسوق الدهاءَ


وتُبدي – لمن قصدوك – القبول


سيقولون :


ها أنت تطلب ثأرًا يطول


فخذ – الآن – ما تستطيع :


قليلاً من الحق ..


في هذه السنوات القليلة


إنه ليس ثأرك وحدك،


لكنه ثأر جيلٍ فجيل


وغدًا ..


سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،


يوقد النار شاملةً،


يطلب الثأرَ،


يستولد الحقَّ،


من أَضْلُع المستحيل


لا تصالح


ولو قيل إن التصالح حيلة


إنه الثأرُ


تبهتُ شعلته في الضلوع ..


إذا ما توالت عليها الفصول ..


ثم تبقى يد العار مرسومة ( بأصابعها الخمس )


فوق الجباهِ الذليلة !


(7)


لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم


ورمى لك كهَّانُها بالنبأ ..


كنت أغفر لو أنني متُّ ..


ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ .


لم أكن غازيًا،


لم أكن أتسلل قرب مضاربهم


لم أمد يدًا لثمار الكروم


لم أمد يدًا لثمار الكروم


أرض بستانِهم لم أطأ


لم يصح قاتلي بي: “انتبه “!


كان يمشي معي ..


ثم صافحني ..


ثم سار قليلاً


ولكنه في الغصون اختبأ !


فجأةً :


ثقبتني قشعريرة بين ضلعين ..


واهتزَّ قلبي – كفقاعة – وانفثأ !


وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ


فرأيتُ: ابن عمي الزنيم


واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم


لم يكن في يدي حربةٌ


أو سلاح قديم،


لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ


(8)


لا تصالحُ ..


إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة :


النجوم.. لميقاتها


والطيور.. لأصواتها


والرمال.. لذراتها


والقتيل لطفلته الناظرة


كل شيء تحطم في لحظة عابرة :


الصبا – بهجةُ الأهل –

صوتُ الحصان – التعرفُ بالضيف –
همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي –
الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ –
مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ


وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة


كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة


والذي اغتالني: ليس ربًا ..


ليقتلني بمشيئته


ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته


ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة


لا تصالحْ


فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ ..


( في شرف القلب )


لا تُنتقَصْ


والذي اغتالني مَحضُ لصْ


سرق الأرض من بين عينيَّ


والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة !


(9)


لا تصالح


ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ


والرجال التي ملأتها الشروخ


هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم


وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ


لا تصالح


فليس سوى أن تريد


أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد


وسواك.. المسوخ !


(10)


لا تصالحْ


لا تصالحْ

اقرأ المزيد

التجنيس السياسي… فليُسمع صوت الوطن!


رفعت الجمعيات السياسية الست عريضتها النخبوية المناهضة لسياسات التجنيس السياسي  إلى جلالة الملك عبر إرسالها بالبريد المسجل في التاسع عشر من شهر أكتوبر الماضي، بعد أن تعذر على ممثلي الجمعيات الالتقاء بجلالته لتقديمها لشرح مخاوف الناس والوطن، وهي ليست بخافية على جلالته، نظرا لما مثلته تلك السياسات على مدى أكثر من ثمان سنوات مضت من قلق وحالات احتقان مجتمعية ظهرت للسطح بعض مخاطرها الأمنية والاقتصادية التي لا زالت تتوعدنا بما هو أسوأ في القادم من السنين إذا ما استمر طوفان التجنيس، وما يعنيه من تهديد لهويتنا الوطنية التي تؤكد كافة الشواهد والتداعيات أنها أصبحت أمام تحديات حقيقية جراء تلك السياسات التي اكتست طابعا ممنهجا وليس عشوائيا كما كان يقال سابقاً.  

 الجمعيات الست في مناشدتها تلك لخصت  بوضوح لب المشكلة التي  يؤلمنا حقا  القول أنها تجاوزت حدودها المحلية لتلقي بتبعاتها على العديد من دول جوارنا الخليجي، حيث تتورط  بعض العناصر من المجنسين الجدد في عمليات إرهابية وجرائم لا نعلم حتى اللحظة مدى اتساعها مستقبلا، خاصة إذا ما استمرت تلك السياسات، فإنها حتما ستفضي مع الوقت خلق واقع إقليمي جديد لا نستبعد أبدا أن يكون متوترا بفعل ما  سيحدثه من حالة عدم الثقة تجاه كل ما هو بحريني، مع دول تمثل بالنسبة لنا عمقاً جغرافياً واستراتيجياً ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة وأن البعد الشعبي يظل حاضراً على الدوام في تلك العلاقات التاريخية القائمة على  الأخوة والجيرة والمصاهرة والوشائج التاريخية، بالإضافة إلى العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين دولنا.  

يمكننا فهم تلك المخاوف من خلال الخطوات التطمينية التي قام بها سعادة وزير الداخلية البحريني عندما أعلن وربما للمرة الأولى عن توجه البحرين لوضع ضوابط لمنح الجنسية  البحرينية معللا ذلك بالمستجدات السياسية والاقتصادية والأمنية، بما يتوافق مع ما دأبت قوى المعارضة السياسية التحذير منه لسنوات دون أن يتم الإصغاء لتحذيراتها المتكررة،  فالقضية  ذاتها طرحت مرارا على مجلس النواب في فصله التشريعي الأول وشكلت لجنة تحقيق حول التجنيس السياسي، طالب  تقريرها النهائي الذي تم رفعه للحكومة من بين ما طالب بضرورة وضع ضوابط منح الجنسية بحسب ما جاء في الدستور وفي قانون الجنسية البحريني الصادر منذ العام  1967،كما تكرر تداول القضية  في الفصل التشريعي الثاني وعلى المستوى الشعبي من خلال العديد من الفعاليات بغية وضع الحلول لها.

المسألة إذا ليست طارئة أو أن المعارضة لم تقم بدورها كما يجب، فقد سيّرت الكثير من المسيرات والإعتصامات والعرائض والندوات سواء بشكل جماعي أو حتى على مستوى  الجمعية السياسية الواحدة، كما أن حبر أقلام كوادر المعارضة السياسية لا زال جاريا محذرا من مخاطر التجنيس على كل المستويات، لكن السمة الغالبة في التعاطي الرسمي مع هذه القضية المقلقة هي التجاهل وعدم الإصغاء، حتى جاءت  تصريحات  وزير الداخلية الأخيرة  بعد ما جرى من تداعيات في دول الجوار، بالدعوة لوضع ضوابط لمنح الجنسية البحرينية بسبب ما أسماه بالمستجدات السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو قول تعب الزمان ولم نتعب في ترديده والتحذير من عواقب تلك السياسات.

قوى المعارضة السياسية الممثلة في الجمعيات الست ومن خلال العريضة  النخبوية التي وقّع عليها زهاء 192 شخصية سياسية ووطنية ومثقفة،  ناشدت جلالة الملك بالوقف الفوري للتجنيس لحين الاتفاق على رؤية وطنية يتم التوافق  عليها بين مختلف مكونات المجتمع وقواه السياسية والمجتمعية تؤدي لصياغة قانون عصري يتناسب مع ظروف المملكة وإمكانياتها ومصالح أبناءها، وهي لذلك – أي القوى السياسية -  تمد يدها متطلعة  لمبادرة شجاعة لوقف عملية التجنيس القائمة مؤملة أن يطوى هذا الملف بتوافق يبني الوطن ويعزز الثقة بين السلطة والمجتمع. 

 يهمنا أن نذّكر هنا أن مبادر ة الحوار الوطني  التي  أطلقها المنبر الديمقراطي التقدمي منذ أشهر قليلة كانت قد اقترحت  حوارا وطنيا مسئولا وصبورا لمناقشة مختلف القضايا والملفات العالقة التي من بينها ملف التجنيس السياسي باعتباره ملفا يبعث على انفصام عرى الثقة بين القيادة والشعب ويؤسس لحالة من عدم الاطمئنان في العلاقة بين الطرفين، في ظل المخاوف المتزايدة من  وجود مخططات ونهج يؤسس لتقسيم شعب البحرين بين أقلية وأغلبية وعلى أسس طائفية ومذهبية بغيضة  كثيرا ما حذرنا منها ومن تبعاتها.  

فالتجنيس السياسي  في البحرين لم يعد يحتاج منا إلى الكثير لكي يتم التحقق منه فهو موجود في كل شبر من هذا الوطن، وقد أصبح عامل استنزاف حقيقي للكثير من الموارد والخدمات التي نلمس كل يوم حجم الضغط المهول عليها جراء القفزة  السكانية الرهيبة التي فاجأت  الجميع بعد إيضاح الحكومة المقدم للبرلمان في سبتمبر/أيلول  2007 بأن عدد السكان قد بلغ أكثر قليلا من المليون نسمة بعد أن كان عدد السكان الرسمي قبل اقل  من سنة من ذلك التاريخ  يبلغ 743 ألف نسمةً فقط وبنسبة فاقت 5و8%، وببساطة تعزو الحكومة تلك الزيادة إلى الأعداد المتزايدة من العمالة الأجنبية  بسبب المشاريع التنموية!! 

 لن نعيد  طرح المزيد من الحقائق حول ما أحدثه التجنيس من تداعيات أمنية واقتصادية واجتماعية فهي كثيرة ومرئية من قبل الجميع، وها هي  معدلات الجريمة ونوعيتها تتزايد بشكل غير مسبوق، فيما تعجز الحكومة عن دعم مشاريع الخدمات الأساسية من إسكان وتعليم وصحة وكهرباء وماء وغيرها، فقد قلصت موازنة المشاريع كثيرا لصالح تضخم ميزانيات الدفاع والأمن وبشكل خاص الباب الأول (باب الأجور والرواتب)، علما بأن الغالبية العظمى من المجنسين يوظفون بكثافة في تلك الوزارتين.  وللتغلب على شح الميزانيات، يتم الإيعاز الرسمي باللجوء نحو الاقتراض من الداخل والخارج وفي ذلك زيادة لحجم الدين العام الذي بدوره يرهق كاهل الدولة  بزيادة خدمة الدين  التي لا شك أنها ستنعكس سلبا على تعطيل العديد من المشاريع الحيوية المستقبلية والحالية، كما يحدث للمدينة الشمالية الموعودة وغيرها من المشاريع  الحيوية الأخرى.

معضلة التجنيس ليست عصية على الحل ولن يعيقنا كقوى سياسية رفض استلام عرائض المعارضة المطالبة بإيجاد حلول لها، من أجل التسليم بمخاطر التجنيس واعتباره أمرا اعتياديا يحدث في كل الدول كما يذهب إلى ذلك باستمرار الخطاب الرسمي، فالتجنيس  السياسي وبالرغم من انفلاته  من دون قيود، يبقى أمر يمكن السيطرة عليه وضبطه إذا وضعنا مستقبل الوطن أمامنا  لنحميه بحرص ومحبة، فمعضلة التجنيس تحتاج  فقط إلى قرارات شجاعة سنظل ننتظرها ونعمل  بإصرار على سرعة تحقيقها بكل الوسائل السلمية المتاحة التي كفلها الدستور، ومعنا في ذلك كل شرفاء هذا الوطن من الغيورين على مستقبله ومصالح أبناءه، ونعرف جيدا أن دربنا   الوعر هذا ليس مفروشا بالورود لكنه صوت الوطن الذي نحمل أمانة الدفاع عن مصالحه والذي آن الأوان له بأن يسمع. 


 

نشرة التقدمي نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

تحديات العلمانية البحرينية (5)

إن التحولات التي جرت للجمهور العريض في مدينتي المحرق والمنامة كانت متناقضة، الجمهور دخلَ في حالةِ يأسٍ شديدة بعد القضاء على حركة الهيئة، لم تعدْ المنشوراتُ الصاخبةُ تحركهُ، الإذاعاتُ التي لاتزال فوارةً بالجملِ الملتهبةِ لاتزالُ مسموعةً غير أنها تنزلُ على حديدٍ بارد.
تركتْ حركةُ الهيئةِ الناسَ بلا قيادة، لم تنشىءْ أي مجموعة بديلة، لم تؤسسْ فكراً منتشراً بين المتعلمين، لم تتركْ تراثاً أدبياً يكوّن هويةً أو تياراً، بدتْ الحركة ونتائجها أشبه بانفجارٍ كبير لم يخلف أثراً، أو إرثاً. فالحركةُ الصاعقةُ المليئةُ بالخطبِ الرنانةِ والاجتماعات الحاشدة واللقاءات الحماسية، كانت تبدو للجموع أنها خالدة، فيكفي منظر هذه الحشود التي تخرجُ من الحارات ومن القرى وتندفع لأمكنة الاجتماعات، والورق الصادر من القيادة الذي يدعو لكذا وكذا من القرارات والتي تـُلبى، يكفي هذا كله لاقتناع هذه الجماهير بأنها باقية بهذا الشكل للأبد.
لكن الجماهير اختفت فجأة! والسطورُ الملتهبةُ لم تعد تحرك أحداً!
كان ثمة أحساس واسع النطاق بأن ثمة أخطاءً كبيرةً حدثت، لكن أين؟ ومن الذي ارتكبها؟ كانت أسئلةً تدورُ في الفضاء بلا إجابة!
أذكرُ كتيباً صغيراً قرأته بعد سنواتٍ من كهف الحزن الشعبي هذا، بعنوان (المد والجزر في الحركة السياسية)، وهو مكتوبٌ بخط اليد ويتم نسخه وقراءته وتداوله، ثمة عقلٌ في هذا الكتيب يتساءلُ لماذا حدث ما حدث؟ لكنه لا يناقش تلك التجربة الخمسينية عبر تحليل ملموس لطبيعتها الاجتماعية ولأدواتها الفكرية والسياسية المخلتفة، بل من خلال تجريد عام.
يطرح الكتيبُ هذا التصور العام للحركات السياسية، وأن المجتمع مثل البحر فيه المد وفيه الجزر، والناس يحدث لها ما يحدث للبحر، تتمدد وتنكمش، وعلى المناضلين أن يكونوا في كل وقت، خاصة وقت الجزر حين يحدث اليأس، ويفقد الناسُ الحماسة للسياسة!
ليس في الكتيب على ما أتذكرُ أي حيثيات سببية عميقة، ويتم دمج المجتمع بالطبيعة بشكلٍ ميكانيكي، فلا تُدرسُ بُنيةُ الواقع الراهنة، وما يجرى فيها من أوضاعٍ اقتصاديةٍ واجتماعية وتحولاتٍ، وعلاقة ذلك بمعاشِ الناس وأفكارهم.
لكن الكتيب عبّر عن رؤيةٍ جديدة بدأت تدخلُ الواقع الوطني.
أجل كانت ثمة بذور تنمو. فمن الحشود كان ثمة نشطاء شباب تبعوا تلك الأحداث وتحمسوا مثلها، وحين اختفتْ لم يعرفوا كيف يوظفون طاقاتهم. حين نقرأ ما كتبه الشاعر قاسم حداد في كتابه(ورشة الأمل) عن لحظات الهيئة وكيف انغمرَ هو الفتى بالحشود متحمساً مذهولاً مما يحدث، ثم تتالت فتراتٌ من التخمر التي تحولت شعراً سياسياً حاداً ورغبة في إسقاط الواقع بذلك النفس المحرقي الصاخب، فندرك أن صخب الفترة قد امتد للجماعات الشبابية الصاعدة في ذلك الحين، على طريقتين: استمرار خط الهيئة خاصة خطها العامي الحماسي الذي سوف يتنامى في الجماعاتِ القوميةِ والتجمعات التنظيمية الفضفاضة والمتصفة بغياب البرامجية الدقيقة، أي سوف يستمر خط الحماسِ المتأجج الذي يضعُ رغباتهِ وحماسه محل الواقع. وتغدو أداته البارزة: العنف، ويعتبر نفسه جزءًا من كيان عربي سواء تمظهر عند الخليج أو اتسع ليشمل الوطن العربي. وخطٌ آخر سوف يدرسُ الواقع بتحليليةٍ أكبر ويبرمج أعماله السياسية. ويربط نفسه بالبلد خاصة.
إن مسألة التحليلية وقراءة الواقع وسببياته مسألة مهمة، وهي تحتاجُ إلى أداةٍ فكرية، وإلى مصادر وحلقات درس وعمل، ولهذا فإن الشباب الذين تأملوا حركةَ الهيئة وارتبطوا ببعضِ أنشطتِها وبأعمالٍ اجتماعية ونضالية كانت من موجتِها، سوف يتوجهون للجمع بين البحث وتكوين مؤسسات تعليمية وثقافية على شكل أندية ليحركوا الجمهور بشكل آخر، غير الصخب السياسي، محاولين كسر اليأس الذي أطبق على النفوس سنين عديدة.
إن استمرار التجمعات الفضفاضة، غير الداخلة في علاقة تحويلية يومية للجمهور البسيط في مواقع عمله وأحيائه، والتوجه الجديد بإيجاد بنية تنظيمية دقيقة مثقفة مُحولة الواقع، وتستند إلى برنامج، هذه طبيعة المخاض الذي تولد من حركة الهيئة.
إن هذه الاتجاهات كانت في الحراك القومي وكذلك البذرة التقدمية معاً، فكلها تقريباً أججها المركزُ المصري الناصري، للنضال الوطني، وهذا ما جعلها ضمناً من خط العلمانية المرتفعة فوق تمزق المذاهب وصراعها، فكانتْ وريثة الهيئة كذلك وحضورها الاجتماعي، وهو أمرٌ مثل جبهوية شعبية في ذلك الأفق الفكري الوطني المتصاعد. كانت نضالاً على المستوى القومي بدرجةٍ كبيرةٍ ونضالاً على المستوى المحلي، حتى من دون تباين ودرجة من الاستقلال بين القومي والوطني، وهذا ما سيؤدي إلى فصل للجانب الآخر، أي للجانب الوطني أكثر من الجانب القومي في المرحلة التالية.
لكن هيئة الاتحاد كانت من الناحية الفكرية لا تقدم سوى شعارات، وتجمعُ قوى الطائفتين في حراك سياسي مشترك، من دون هيئة تنظيمية توحيدية فكرية، لعجزها عن قراءة المذاهب، ولعدم قدرتها على إيجاد ايديولوجية لأنها لم تكن بمستوى ذلك، ولم يعطها الوقت مثل هذه الإمكانية لصهر القوى الطليعية في فكر سياسي وطني.

صحيفة اخبار الخليج
4 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

الشعب الذي لم يتزعزع إيمانه بعروبته

لم يعان شعب عربي تبعات الصراع العربي – الإسرائيلي والقضية الفلسطينية ويدفع أثمانا باهظة لهذا الصراع من قوته ودمائه وعمرانه كما عانى الشعب اللبناني وعلى الأخص مناطقه ومدنه وقراه الجنوبية المتاخمة لفلسطين المحتلة. يكفي انه الشعب العربي الوحيد الذي خاض على ارض وطنه حربا أهلية طويلة ضروسا أكلت الاخضر واليابس طوال 15 عاما ونيفا وشردت وهجرت عشرات الآلاف من ابنائه وقتلت وأصابت عشرات الآلاف الآخرين، وكانت هذه الحرب كما يعلم الجميع وتابعوا فصولها على خلفيات القضية الفلسطينية وتعقد النضال من اجل تسويتها تسوية تحررية عادلة ناجزة تنهي الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية وتمنح الشعب العربي الفلسطيني حق تقرير المصير وحق العودة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وأيا كان اليوم تقييمنا لما ارتكبته القوى الوطنية اللبنانية وفصائل المقاومة الفلسطينية من اخطاء قاتلة خلال تلك الحروب في مواجهة القوى اليمينية اللبنانية المؤتمرة للمشروع والمخطط الامريكي الاسرائيلي للإجهاز على المقاومة الفلسطينية واقامة نظام سياسي لبناني مرتهن بذلك المشروع وتنصيب القوى اليمينية على رأس ذلك النظام، الا ان تلك القوى الوطنية اللبنانية لم تتحالف وتقدم اغلى التضحيات ونكران الذات والسمو فوق الحقوق والمصالح القطرية الا باسم القضية الفلسطينية ومن أجلها، وهي تضحيات كلفتها الكثير من تآكل شعبيتها وبخاصة في الاشكاليات المعقدة التي اضطرت فيها إلى التغاضي عن الكثير من التجاوزات المؤلمة والمحرجة التي مارستها الفصائل الفلسطينية التي استضافتها واحتضنتها مناطق ومدن وقرى لبنانية وعلى رأسها بيروت العاصمة وحيث كانت معظم تلك الفصائل تتصرف على ارض لبنان كأنها دولة داخل دولة من دون احترام لسيادته ولا لمشاعر شعبه.
والاكثر من ذلك فقد تحمل هذا الشعب البطل الصامد على امتداد ما يقرب من 30 عاما من احتلال جنوبه اقسى واعنف الضربات التأديبية الوحشية الاسرائيلية العنصرية، تارة انتقاما من عمليات المقاومة الفلسطينية المنطلقة من اراضيه، وطورا آخر واخيرا انتقاما من عمليات المقاومة اللبنانية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي التي احتلت جنوب وطنها باسم مطاردة المقاومة الفلسطينية التي يحتضنها الشعب اللبناني ثم لقن المحتل درسا لم يلقنه أي بلد عربي آخر حيث دحر قواته وارغمها على الانسحاب المذل في مشهد اسطوري تاريخي قل مثيله في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي منذ احتلال فلسطين.
وان المرء لينتابه الاعجاب والاكبار بهذا الشعب العربي العظيم حينما يتأمل اليوم أيما تأمل انه بالرغم مما قدمه من تضحيات جسام من أجل القضية الفلسطينية، وبالرغم مما تحمله من مصائب وويلات مديدة ضريبة لاحتضانه فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى الرغم من كل تجاوزاتها بحق محتضنيها ومستضيفيها على امتداد ثلاثة عقود، وعلى الرغم من كل الضربات الانتقامية الوحشية الاسرائيلية لاحتضانه تلك المقاومة الفلسطينية وحمايتها التي تحملها بملحمة من البسالة والصمود المنقطعة النظير، فإنه لم يكفر ابدا بالقضية الفلسطينية أو يأسف على دفعه بكل اعتزاز وشموخ فواتير الدفاع عنها واحتضان واستضافة المكافحين والمقاتلين الفلسطينيين باسمها.
ولو كان من شيمة ومعدن هذا الشعب العربي اللبناني الابي النزعة الانعزالية عن قومية القضية الفلسطينية، والمن على الفلسطينيين بما قدمه من تضحيات كبيرة من أجل قضيتهم، كما يفعل بعض الأطراف الرسمية العربية التي اعتادت ممارسة هذا “المن” على الفلسطينيين كلما تم تذكيرها بخروجها عن ساحة الصراع العربي – الاسرائيلي والتخلي عن أبسط التزاماتها القومية، لكان هذا الشعب اللبناني في مقدمة ليس من يحق له “المن” فحسب، بل الكفر بهذه القضية برمتها أكثر من كفر أهلها بها.
وكل الحروب التي خاضتها دول الطوق، أو على الادق أجبِرت على خوضها ضد اسرائيل انما كانت تخوضها في المقام الأول دفاعا عن وجودها ودفاعا عن شرفها وأمنها القومي، ودفاعا عن كرامتها وهويتها الوطنية والقومية قبل ان يكون ذلك تكرما منها وتضحية من اجل سواد عيون الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية، كما تحاول انظمة بعض تلك الدول ايهام شعوبها بذلك ديماغوجيا.
بعد نحو اربعة عقود عجاف من هذه الملحمة النضالية الصمودية الطويلة التي خاضها الشعب اللبناني منذ تمركز المقاومة الفلسطينية على ارضه عام 1970 بعد طردها من الاردن على اثر مجازر “ايلول الأسود” مازال هذا الشعب يثبت انه واحد من اقوى الشعوب العربية صلابة في تمسكه وايمانه الذي لا يتزعزع بعروبته وافتخاره بها وفي اعتزازه بشرف الدفاع عن قضية جاره الشقيق الشعب العربي الفلسطيني حتى يرث الله الارض ومن عليها.
كانت آخر مناسبة كبرى عامة علنية يبدي فيها هذا الشعب الصغير بحجمة الكبير بشموخه وإبائه في الاعتزاز بعروبته في مهرجان الالعاب الفرانكفونية التي جرت في سبتمبر الماضي إذا لم يكتف هذا الشعب بمواجهة تلك المناسبة بالتطنيش وعدم الاكتراث بل ان من حضر من الجمهور ارسل بما يكفي من الايماءات والرسالات في اعتزازه بعروبته بحضور كبار القوم من الفرنسيين. تصف احدى الصحفيات اللبنانيات مظاهر هذا الاعتزاز ليس من قبل الشعب فحسب بل من القائمين على تلك المناسبة الكبرى، فالاعلان عن الالعاب كتب بالعربية، والكليبات التي تروج للحدث تتكلم العربية مما أثار دهشة المراسلين الفرنسيين وتعمد الحاضرون الوقوف مرتين لعلمهم الوطني، وحينما خطب امين الفرانكفونية عبدو ضيوف خطابه بالفرنسية لم يلق آذانا صاغية بل جوبه بالضوضاء، وحينما جاء دور الرئيس ميشال سليمان تحدث في البدء بالفرنسية، لكنه سرعان ما اضطر إلى التحدث بالعربية ازاء تملل الحاضرين الواضح فحظي بالتصفيق الكبير عندئذ، ذلك هو معدن الشعب اللبناني الأصيل في عروبته والتمسك بها، فرغم كل صروف الدهر والمحن لم يتزعزع إيمانه قط بعروبته.

صحيفة اخبار الخليج
3 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

تحدياتُ العلمانية البحرينية (4)

كانت حركة العامة بعد الخمسينيات هي التي أوصلت البحرين إلى الاستقلال وإلى حدوث التحولات في الاقتصاد والوعي.
في الخمسينيات مع احتكار المحرق قيادة العمل السياسي الشعبي، كان من الصعب إحداث الاستقلال. كان الارتباطُ واضحاً بالخارج، كان البلدُ يرتبط بإذاعة صوت العرب، وبرموز مصر، وكان هذا غير مقبول في عُرف السياسة البريطانية بأي شكل من الأشكال وقتذاك.
كانت بريطانيا لاتزال تهيمنُ على بقاع الخليج، ولا تتصور عملية الانسحاب من(شرق السويس)، وكانت تضربُ عُمان بالقنابل فلا يمكن أن تتخلى عن شبر من الأرض عبر الصراخ.
وشكلت المحرق بتلك القيادة نهجاً مضاداً كلياً للقيادة البريطانية، وحين اقتحمت قواها العسكرية المدينة، بعد حدوث(الفوضى) وحفاظاً على (السلام الاجتماعي)، فقد انتهت لغةُ الهياج القومية المطلقة، لكن لغة الهياج النسبية سوف تستمر إلى حين.
أخذت المنامة في البروز في القيادة السياسية، فالحركةُ الاقتصاديةُ راحتْ تتنامى في هذه المدينة التي أخذت تتوسعُ وتلتهمُ البساتين والخلاءَ والشواطئ، وصارت مركز الحركة الاجتماعية وظهرَ العمالُ كطبقةٍ واسعة فيها، وبعدما كانوا مادةً لحركةِ الهيئة نزلوا مدافعين عن وضعهم المعاشي، ودخلتْ مصطلحاتٌ جديدةٌ في الحياة الفكرية، بل منهجيةُ وعي مختلفة: كلمات مثل الامبريالية والطبقات، والانتاج، والبناء الاجتماعي، والسببيات والقوانين الاجتماعية، وماذا يعني الاستعمار اقتصادياً وغيرها، كان دخولها بمثابةِ منهجيةٍ جديدةٍ وتأملاً أكثر عمقاً من الخطاب السياسي السابق. وهو أمرٌ انعكس على طبيعة المنظمات السياسية، وصغرها ونوعيتها المتماسكة المطلعة، وتنامي روابطها مع الناس كذلك.
الفروقُ كبيرةٌ بين مصطلحاتِ الجماعاتِ بين المدينتين وأساليب العمل السياسي.
كان تتويجُ الحركة التي نبتتْ في المحرق هو العنف الكاسح، هو الحرائق التي التهمت أبنيةً، وكان هذا تعبيراً عن المضمون الداخلي للحركة، فهي ليس لديها شيء اجتماعي تطرحه، شيءٌ يضيفُ للبلدِ نقلةً سياسية أعلى. إنها تظاهراتٌ حادة مستمرة تشعر بالفوران العاطفي كل يوم من دون نقلة جديدة، وقد أصيبتْ الجماهيرُ بمسٍ سياسي، لا تقبل فيه أي مراجعة لشيء، حتى تقفز في لحظة الهياج العارمة إلى أكبر شيء من العنف وفرض إرادتها بالقوة النارية!
هناك دائماً الجندي المجهول للعنف، والذي سوف يكونُ بديلاً لمناقشةِ من المتسبب في الحرائق والتكسير والقتل؟ والأصابع المختلفة سوف تشيرُ إلى جهاتٍ متعددة، وبطبيعة الحال سوف تتداخل الإراداتُ السياسية لجهات، ويحدث التنصلُ منها جميعاً، وهي مشتركة في العنف جميعاً.
ومن هنا فالذين قاموا بالعنف والذين حرضوهم والذين خططوا بمهارة لإحداث ذلك وهم ينتظرون بقواتهم الدخول إلى المدن، والذين أرادوا الانتقام من مؤسسات أجنبية رأوا فيها صورة المحتل، كل هذه القوى لن تعترف بما فعلته، ويشترك في هذا (المتحضر) الأجنبي و(المتخلف) الوطني.
لن تُناقش تلك البذورُ السياسيةُ والشعارية التي زُرعت في أرضِ الكراهية المطلقة، في ذلك الاصطفاف العدائي الرهيب: بين الشعب الذي يُحقر ويفقر وقوى التسلط المطلقة في فرض الأحكام.
وبعد هذا يحل الهدوءُ ويتمُ طمس ذكرى الضحايا ويتوارى المجرمون وتبدأُ مسيرةٌ سياسية جديدة، تسدل الستار على الماضي ذي الأشباح المخيفة، لكن ذكريات العنف والحماس الأهوج سوف تتركُ بصماتِها غير المرئية في النفوس والعقول. البسطاء الذين تم جرهم في غمرة الانفعالات الحادة والذين لم يخسروا شيئاً كثيراً واختفوا وعادوا لبيوتهم سالمين، ستترك الأحداثُ أشياء كبيرة في نفوسهم، سوف ينظرون باحتياط أكبر للمتعلمين الذين جروهم لمثل هذه الأحداث، سيشعرون بخيبةٍ هائلةٍ بأن كل ما فعلوه وتعرضوا له من عنف وضرب وخوف من العقاب وما ضحوا به من مال ووقت، لم يغير شيئاً في الواقع، الواقعُ الظاهرُ الذي يلمسونه، غير قادرين على التغلغل لما تحته، بل يرونهُ قد صار أسوأ، فهذه القوى العسكرية الأجنبية قد اقتحمت الدروب، واقتادت شباباً كثيرين للسجون، وحل صمتٌ، وحل يأس.
لهذا حين تبدأ المنامة بالنضال الوطني يكون ذلك بشكلٍ جديد، مغاير لما سبق!
ومن تلك الكتل الكبيرة غير المسيطر على انفعالاتها وجيشانها العنيف تخرج جموعٌ مُنظمة، وتتشكلُ نضالاتٌ صغيرةٌ مدروسة، وتتوسع، ولا تحدث أضراراً في المباني حتى ولو بالتكسير الطفيف!
كانت هذه نقلة تمت في بضع سنوات، ولها سببياتها!
ومن حيث الأفكار تكون العلمانية البحرينية قد انتقلت إلى خطوة أبعد، بل قفزة، رغم أنها لم تؤسس نفسها جيداً ولم تدرس تاريخها بعمق، ولم تحلل المذاهب والواقع، بل توجهت للنضال القومي، والنضال الأممي التقدمي ، وهكذا في بضع سنوات قليلة تكون قد حلقت في الفضاء السياسي على هيئةِ نخب صغيرة. وتبقى الجماهيرُ العاديةُ مشاركةً في شعاراتِ كلِ مرحلةٍ حسب مقاربتها لحياتها الاقتصادية وما تقوم به تلك الشعارات من تغيير تلك الحياة ذات الفقر والبطالة وسوء السكن.
(يتبع)

صحيفة اخبار الخليج
3 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

هل هو صراع للأجيال؟

يوم كانت فرنسا تعيش ربيع باريس الشهير في عام 1968 حيث ثورة الطلاب التي أجبرت الجنرال ديجول على الاستقالة، وقادت إلى «ربيعات» مشابهة في بقاع مختلفة من الأرض، قال الكاتب ادغار موران إن الثورة كانت في أحد وجوهها تعبيرا عن تمرد الشبان التواقين إلى الحرية. حينها ثار جدل طويل عن مفهوم صراح الأجيال، وعما إذا كان يمكن له أن يكتسب مثل هذا الطابع العنيف الذي اكتسبه في ربيع باريس رغم أن حججا قوية وقفت ضد هذا المفهوم من زاوية أن الصراع كان في جوهره تعبيرا عن تناقضات اجتماعية أعمق ليس بين الأجيال وإنما بين دعاة العدالة من جهة وخصومهم من جهة أخرى. وما يصح على فرنسا يصح على المجتمعات الأخرى بدون استثناء، ويبدو مفهوما أن طاقات الشباب هي الرافعة الحيوية لدعوات التغيير كما تدل على ذلك تجارب عديدة آخرها ما حدث مؤخرا في ايران، حيث كان الشبان والشابات هم القوة المحركة والفاعلة في المسيرات الحاشدة التي ملأت شوارع طهران، وهو ما يتكرر في بلدان عديدة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن التركيبة السكانية في البلدان النامية هي في غالبها تركيبة شابة، من حيث غلبة الشبان على سواهم ممن هم في المراحل العمرية الأخرى. بيد أن هذه الوقائع لا تحجب حقيقة ذلك التفاوت القيمي والسلوكي العميق بين الأجيال الجديدة والأجيال الأقدم، وهو تفاوت صائر إلى التعمق والتجذر لا إلى التلاشي أو الاضمحلال بسبب التطورات المذهلة في المعارف والعلوم ومناهج التربية والتعليم وتأثيرات وسائل الإعلام والاتصال، حيث لدى الأجيال الشابة أو الجديدة بالذات قابليات أكثر للتعاطي معها والتأثر السريع بما تضخه من مواد. وإذا كان مصطلح «صراع الأجيال» يثير قدراً كبيراً أو صغيراً من التحفظ لدى الكثيرين لأنه يشي بالعدائية والتنافر الشديد في الطبائع والميول بين أبناء الأمس وأبناء اليوم، مما قد يستدعي التفكير في تعبير أكثر ملائمة، فان ذلك لا يمكن أن يحملنا على تجاهل أن ثمة سوء فهم قائم بين هذه الأجيال. ففي الوقت الذي تبدو فيه الأجيال الأقدم متعالية في نظرتها لمن هم أصغر منها، وميالة للاعتقاد بأن هؤلاء تنقصهم الخبرة ولم تعركهم الحياة بعد في أتونها، وإن اهتماماتهم أبعد ما تكون عن الجدية، يبدو الجيل الجديد ميالا للشكوى من سطوة السلطة الأبوية التي يمارسها الكبار الذين لا يقدرون حق التقدير أن جيل اليوم ينشأ وسط معطيات حياتية وثقافية مختلفة جذريا عن تلك التي عاشها الآباء. وإن ثمة حاجة ماسة من الحرية والاستقلالية يجب أن تمنح لهذا الجيل كي يتدبر أموره بنفسه. وفي مجتمعات فتية قيد التشكل كمجتمعات الخليج لم تعبر برزخا طويلا وبطيئا من التحولات، وإنما شهدت قفزة سريعة واحدة من حال إلى حال تزداد هذه المسألة حدة. ثمة جيل جديد يتشكل وسط مؤثرات وقيم جديدة غير تلك التي عهدناها نحن، فما بالنا بمن هم أكبر منا، ولا يمكن الحكم على سلوك وتفكير هذا الجيل بالمعايير التي اعتمدناها نحن في الحكم على أنفسنا، ومن الناحية النظرية يبدو هذا القول سهلاً وجذاباً، لكننا عندما ننتقل إلى التطبيق سرعان ما نكتشف أننا أسرى التصرف الأبوي الذي شكونا من تعامل الجيل الأسبق معنا نحن أنفسنا عندما كنا شباباً.
 
صحيفة الايام
3 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

أسرة الأدباء (8) حملة الصليب وطريق الآلام

عرضنا وبصورة مكثفة مرحلة بزوغ فجر الأسرة وغرس الثمرة ومن ثم قطافها المتواضع في فترة لاحقة، ودخولها معركة الإبداع أولا ثم الدخول في معركة الحياة بسلاح ذلك الإبداع، وقدرة الأسرة على مواجهة المصاعب في بنية وفضاء ثقافي وسياسي اتسم بالحصار والخنق، بل ودخلت الأسرة الحقبة السوداء كما دخلها المجتمع مع قانون امن الدولة واستشهاد الشاعر العويناتي في عمره الإبداعي المبكر فخسرت الساحة الثقافية صوتا منتظرا. ومنذ الثمانينات حتى التسعينات، شهد العقد نتاجات جديدة وكثيفة، فانتقل القاص من تجربته في القصة القصيرة إلى المشروع الروائي، كما انتقل الشعر (التفعيلة) نحو عالم جديد من الحداثة والإبداع، حيث باتت الأسرة تشهد أمامها غيوماً متطايرة، دون أن يتوقف الإبداع عن رفد الأسرة بين فترة وأخرى بأصوات جديدة شابة، هم جيل الثمانينات بعد أن سبقهم جيل السبعينات والستينات. ولكن مع كل تتالي وتنوع الأصوات هل يغيب مشروع البحث عن الخلاص والألم عن ذهن وروح الكتاب؟ هل يتوقف »المسيح الجماعي للأسرة« عن حمل صليبه وعذاباته الصغرى والكبرى؟ و لو نبشنا ونقبنا في المفردات لوجدنا أن الصوت المشترك للأسرة ظل واحدا بتنوعاته كما هي تنوعات فرقة الاوركسترا السيمفوني، فليس المهم من أي مدرسة ومنهج وفكر كاتب الأسرة، وإنما خطابه عن أي مضمون يتحدث؟ ذلك هو المهم، فقد باتت الإشارة والمجاز والدلالات جميعها موجهة، تدين العنف والقهر والاغتيال والتعذيب والحصار، تنادي وتوقظ الوطن الذي دخل مجددا في قفص كبير من الكبت والقسر والطوق الجماعي. وقد اشرنا في بحثنا عن »ظاهرة القمع في القصة البحرينية« بحديثنا عن التجارب المتباينة والمنسجمة في الرؤيا والمواقف والموضوعات وبتنوعات اللغة وتقنياتها ما بين القاصين من الرعيل الأول من جهة والقاصين اللاحقين من جهة أخرى -وكذلك الشعراء- تشكل القاسم المشترك في إحساساتهم ومعايشاتهم لكوابيس القمع والإرهاب وجامعهم الوحيد في معاناتهم العميقة وفي كراهيتهم الشديدة لكل أشكال القمع والكبت الممارس ضد الإنسان وحريته في التعبير. نظرة واحدة على نتاج الثمانينات للقاص خلف أحمد خلف في مجموعته »فيزنار / 1985« فرغم انشداد ذاكرة الكاتب لمرحلة 65 فإنها من الجانب الآخر تتواصل حتى بعد اغتيال الشاعر، فيتحايل علينا خلف احمد خلف باستخدام لوركا البعيد والمذبوح في قريته فيزنار، فهل بإمكاننا أن نجرده من ذاكرة حادثة الشاعر سعيد العويناتي؟ من ذاكرة قصة »الجزيرة« فهناك تقبع ذاته ويقبع أصدقاؤه وخاله وكل عزيز لديه، حين قال لنا “كيف يكون وهما وجهه الذي لا ينسى يطل عليهم بعينيه الواسعتين البراقتين وجبهته ذات الخطوط العديدة (المقصود جبهة القوى القومية في أحداث 65) التي قال عنها ذات مرة في لهجة ساخرة في ظاهرها: إنها تعني أن لي أرواحا عديدة«. ولم يستطع أمين صالح في قصته »انفعالات طفل محاصر / 1977 من مجموعة الفراشات (1977)« أن يلغي صليبه ويهرب بين أزقة الجليل، أو يصبح يهوذا ويخون المسيح أو حتى بطرس فيتنكر له، فقد ظل أمين أمينا لصداقته للشاعر حداد من جهة وكان أمينا ومنسجما مع إبداعه وفكره، فمن يا ترى صديقه؟ الذي “صرخ حين أخذوه في ليلة من ليالي أغسطس؟”. لن يحتاج نقاد المرحلة القادمة بتذكر شهر أغسطس وحملة أغسطس التي تم فيها إلغاء الحياة النيابية واعتقال العشرات. سنجد تلك المعزوفة المشتركة عند الأخوين عبدالقادر وأمين، ولكن صاحب استغاثات في العالم الوحشي (1979) يمنحنا بكل بساطة مفاتيحه من عناوينه ومن استحضار ذاكرة سجين قضى خمس سنوات يوثقها عبدالقادر بشكل صارخ حين كتب بشكل مكشوف السبت 23 أغسطس 1975، إلا انه يدخلنا في لعبة الزمن وتداعياته فنراها في بداية الثمانين (1980). هكذا بدت قصة القمر من مجموعة مساء البلورات/1985 مرحلة وسمت كل النتاجات بروح مسكونة في السجن الاغترابي الرمزي والسجن الجسدي الفعلي، ومثلما كان كتابها محاصرين وسجناء، فان الأسرة كانت سجينة معهم تقاوم وتحمل صليبها الأبدي. كان علينا نحن الثلاثة، الدكتور حسن مدن، حمده خميس وآخرين في الخارج عبء سياسي أهم من العبء الثقافي من حيث الأولويات، ومع ذلك كانت أرواحنا مشدودة بتلك الأسرة ومثقفيها، فالقوى الوطنية تبعث الدعوات والبرقيات والاستنكارات والمناشدات، فيما راح ملصق مجيد مرهون والحداد وأعمال أدباء الأسرة توزع وتنشر في المحافل الطلابية والدولية، وبذلك كنا من حيث نريد أو لا نريد نمارس هدف وضع البحرين على خارطة الدنيا، ففي النهاية ربح الوطن بتلك المشاغبات السياسية من قنوات الإبداع ومنابر الثقافة. كان على مجلة الفجر الفصلية هذا العبء في ظروف قاهرة، فلم ننجح بأكثر من إصدار ستة أعداد كان للثقافة البحرينية حصتها. وإذا ما كانت الشموع تحترق وتتلاشى، فان للضوء مساحة ومسافة ضوئية عظيمة، هكذا ستتواصل الأغاني والأصوات الأدبية البحرينية داخل وخارج الأسرة، فجميعها كان يصب في نهر واحد.
 
صحيفة الايام
3 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

” ‬كوسي‮ ” .. ‬بلبل أحمد الشملان

 


يحتفل المنبر الديمقراطي التقدمي بأيام الشملان الثقافية ، ببرنامج منوع ثقافي تشارك فيه نخبة من فناني وأدباء الوطن خلال الفترة من 14 إلى 25 نوفمبر 2009 . 

وأن نحتفل بالشملان الإنسان أولاً ، يعني أن نحتفل برجل مسك الأدب بيد وباليد الأخرى مسك النضال الوطني ، مدافعاً عن الإنسان وعن كرامته. ولن أدخل بتعريف الشملان للقراء، لأني واثق أن أكثر القراء يعرفون الشملان، ويعرفون تاريخه الناصع الذي لا يحتاج لأن اعرفهم به. 
لقد مرّ في فترة تاريخية من تلك الجزيرة، مر جسر أحلام هؤلاء ، فكان للشاعر قاسم حداد وعلي الشرقاوي وعبد الحميد القائد وأنا وآخرين ، كانوا يفتلون وجع صبرهم بفتيل الانتظار ويحلمون بالعودة للوطن، على رغم أن هذه الجزيرة هي جزء لا يتجزأ من جغرافية الوطن. 
في تلك الجزيرة سكن أحمد الشملان مع صديقه عبد الله مطويع، وآخرين ، لم يقطع جدلهم سوى غفوة ليل، جاب سكونه ‘ بسطار ‘ العسس ، يعزف لحنه بلحن مجيد المرهون الذي لا ينقطع إلا بعد اشراقة شمس الصباح .

كنت أرى الشملان، يسرق النظر من نافذة زنزانته، يرقب المارون من السجناء ويكتب في ورقة من أوراق السجاير قصيدته الجديدة، دون كل أو ملل، وكان بجنه بلبل ألف الشملان صداقته، لأن البلبل تربى على يد الشملان منذ كان صغيراً، حيث أهداه له احد السجناء الذين كانوا يقضون وقتهم في العمل في زراعة الجزيرة ورعاية نخلها وأشجارها، وكان من هؤلاء السجناء الذين يتمتعون بفسحة من الحرية أوسع من السجناء الآخرين، قد تكون محكوميتهم قصيرة وقد يكونون قد تجاوزوا في محكوميتهم العشر سنوات، فجاز لهم مأمور السجن حرية أوسع من السجناء الآخرين. 

الشملان كان ينادي هذا البلبل’ بكوسي’ وكوسي كان وفياً لأنه كره عندما كبر مغادرة الشملان ، لكن الشملان أصر عليه أن يغادر ويتمتع بحريته، لكن وفاء كوسي حمله أن يبني عشه فوق شجرة قريبة من نافذة زنزانة الشملان، وظل كوسي في كل صباح يوقظ الشملان بتغريده، فيقوم الشملان ليطعمه من فتاة الخبز الذي يجمعه في كل يوم خصيصاً لكوسي .

هكذا كان الشملان حنوناً على محبيه، وهكذا العلاقة التي بناها بينه وبين الكائنات الأخرى هي علاقة حنو ومحبة، و هذا الطائر أحب الشملان وظل له مخلصاً، فكيف بالإنسان الذي عاشر الشملان ، وعرف خصاله، لأن البيت دون عمد لا بد له أن ينهار، فالشملان عمد المحبين وروح لا تنطفئ جذوتها ، لأنها روح خلاقة بالحب والحياة .

وللشملان ..  حكاية الأخضر الباقي  فنار نهتدي به ونحبه  كلما تجاسر العمر، وقست لياليه الظلام  فنار يسكنه الأزرق .. وتحتضنه حكايات اليامال .. بين نخل وبحر .. ونهار تكبر فيه المدائن بالحلم .

هذه صورة بسيطة للشملان، ورفاقه الذين غزلوا جراحهم بملح الكلام، فكان شعراً وموسيقى وحياة.
أخيراً أقول خير ما فعلت أيها المنبر الديمقراطي، باحتفالك بهذا الإنسان، الشاعر الذي في رسالاته أكثر الحكايات معنى للحب .   


الوطن 2009-10-31 

 

اقرأ المزيد

هل تواصل الدول المتقدمة ضغوطها على النامية؟

مع اقتراب موعد انعقاد اجتماعات الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر أطراف الاتفاقية‮ (‬اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ‮ ‬‭(‬COP-15‭)‬‮ ‬والدورة الخامسة لمؤتمر أطراف الاتفاقية العامل بوصفه اجتماعاً‮ ‬لأطراف بروتوكول كيوتو‮ ‬‭(‬CMP-5‭)‬‮ ‬لتغير المناخ في‮ ‬كوبنهاغن في‮ ‬ديسمبر المقبل،‮ ‬تزداد وتتكثف الضغوط من جانب الدول المتقدمة على الدول النامية من أجل تغيير مواقفها والقبول بأخذ التزامات‮ (‬إلزامية وليست طوعية‮) ‬بالتخفيض‮ (‬تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة‮) ‬في‮ ‬فترة التخفيض الثانية اللاحقة لفترة التخفيض الأولى التي‮ ‬ستنتهي‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬‭.‬2012
فبعد أيام سيعقد اجتماع برشلونة‮ (‬من‮ ‬2‮ ‬إلى‮ ‬6‮ ‬نوفمبر‮ ‬2009‮) ‬وقبله في‮ ‬الفترة من‮ ‬28‮ ‬سبتمبر إلى‮ ‬9‮ ‬أكتوبر‮ ‬2009‮ ‬عقد اجتماع بانكوك،‮ ‬وذلك ضمن سلسلة الاجتماعات التحضيرية التي‮ ‬تعقدها أطراف التفاوض وتحديداً‮ ‬الدول المتقدمة والدول النامية على مدار السنة قبل الاجتماع السنوي‮ ‬لأطراف الاتفاقية والبروتوكول‮. ‬هدف هذه الاجتماعات هو تحديد ماهية مرحلة ما بعد عام‮ ‬‭,‬2012‮ ‬وهو العام الذي‮ ‬تنتهي‮ ‬فيه مرحلة التخفيض الأولى للانبعاثات والتي‮ ‬ابتدأت في‮ ‬عام‮ ‬2008‮ ‬وذلك بموجب بروتوكول كيوتو لعام‮ ‬‭.‬1997‮ ‬وهي‮ ‬مرحلة‮ (‬مرحلة التخفيض الأولى‮) ‬جرى الاتفاق بشأنها بين الأطراف على التزام الدول المتقدمة أو دول المرفق الأول‮ ‬‭(‬Annex I countries‭)‬‮ ‬بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة لديها وهي‮ ‬ستة‮ ‬غازات أبرزها‮ ‬غاز ثاني‮ ‬أكسيد الكربون‮ ‬‭(‬CO2‭)‬،‮ ‬الذي‮ ‬يشكل‮ ‬3‭,‬71٪‮ ‬من إجمالي‮ ‬الانبعاثات،‮ ‬إلى جانب‮ ‬غاز الميثان‮ ‬‭(‬CH4‭)‬،‮ ‬وأكسيد النتروز‮ ‬‭(‬N2O‭)‬،‮ ‬والهيدرو فلورو كربونات‮ ‬‭(‬HFC5‭)‬،‮ ‬والبيرو فلورو كربونات‮ ‬‭(‬PFC5‭)‬،‮ ‬وهكسا فلوريد الكبريت‮ ‬‭(‬SF6‭) -‬‮ ‬خفضها بما‮ ‬يزيد عن‮ ‬5٪‮ (‬تصل نسبة التخفيض المقررة على الاتحاد الأوروبي‮ ‬إلى‮ ‬8٪‮ ‬والولايات المتحدة‮ ‬7٪‮) ‬وصولاً‮ ‬لمستوياتها التي‮ ‬كانت سائدة سنة‮ ‬‭.‬1990
الدول المتقدمة تريد أن‮ ‬ينتهي‮ ‬مفعول اتفاق‮ ‘‬بروتوكول كيوتو‮’ ‬بانتهاء فترة التخفيض الأولى في‮ ‬عام‮ ‬2012‮ ‬وإنشاء اتفاق جديد وبديل للبروتوكول لا‮ ‬يستثني‮ ‬ولا‮ ‬يعفي‮ ‬من التخفيض هذه المرة الدول النامية بحيث‮ ‬يكون اتفاقاً‮ ‬شاملاً‮ ‬لكل الدول وملزماً‮ ‬لها جميعاً‮ ‬بحصص التخفيض المقررة تبعاً‮ ‬لما سيجري‮ ‬عليه اتفاق أطراف التفاوض‮.‬
وهذا‮ ‬غير معقول أبداً‮ ‬لأنه‮ ‬يعد تحايلاً‮ ‬واضحاً‮ ‬ومحاولة للالتفاف على الالتزامات المقررة على الدول المتقدمة بموجب الاتفاقية الإطارية‮ ‬‭(‬UNFCC‭)‬‮ ‬والبروتوكول‮ ‬‭(‬KP‭).‬‮ ‬فالاتفاقية والبروتوكول‮ ‬غير محددي‮ ‬المدة،‮ ‬وأما عام‮ ‬2012‮ ‬فهو لا‮ ‬يعدو أن‮ ‬يكون تاريخاً‮ ‬لانتهاء فترة التخفيض الأولى التي‮ ‬يتوجب على الدول المتقدمة خلالها تقديم ما‮ ‬يثبت قيامها بإجراء التخفيضات المقررة عليها خلال الفترة الأولى‮ (‬من‮ ‬2008‮ ‬إلى‮ ‬2012‮) ‬قبل الانتقال إلى فترة التخفيض الثانية‮.‬
وهكذا فلقد حولت الدول المتقدمة الاجتماعات التمهيدية في‮ ‬بون وفيينا وبانكوك إلى محطات لممارسة ضغوطات متواصلة على الدول النامية من أجل دفعها للقبول بأخذ التزامات بالتخفيض،‮ ‬وهي‮ ‬ستواصل نفس السياسة في‮ ‬اجتماع برشلونة‮. ‬وحتى خطة عمل بالي‮ ‬‭(‬Bali Action Plan‭)‬‮ ‬التي‮ ‬تم التوافق عليها في‮ ‬مؤتمر الأطراف الثالث عشر الذي‮ ‬عقد في‮ ‬بالي‮ ‬بإندونيسيا في‮ ‬عام‮ ‬2007‮ ‬يريدون تفسيرها على أنها أرضية لصياغة اتفاق جديد‮ ‘‬يخلف‮’ ‬بروتوكول كيوتو،‮ ‬مع أن الخطة تؤكد على القضايا الأربع الأساسية الواردة في‮ ‬الاتفاقية والبروتوكول وهي‮:‬
‮- ‬التكيف‮ ‬‭(‬Adaptation‭)‬
‭-‬‮ ‬التخفيف‮ ‬‭(‬Mitigation‭)‬
‭-‬‮ ‬التمويل‮ ‬‭(‬Financing‭)‬
‭-‬‮ ‬نقل التكنولوجيا‮ ‬‭(‬Technology Transfer‭)‬
وبالإضافة إلى توجه الدول المتقدمة المقصود لإغراق ورقة التفاوض‮ ‬‭(‬Negotiation Text‭)‬‮ ‬التي‮ ‬هي‮ ‬حصيلة نقاشات وتوافقات الاجتماعات التمهيدية‮ (‬اجتماع بون تخصيصاً‮) ‬والتي‮ ‬ستعرض كأرضية للنقاش والاتفاق في‮ ‬مؤتمر الأطراف في‮ ‬كوبنهاجن في‮ ‬ديسمبر المقبل‮ (‬يرجح أن‮ ‬يتم إدخال تعديلات أو إضافات أو حذف عليها في‮ ‬اجتماع برشلونه التمهيدي‮ ‬الأخير‮ (‬في‮ ‬نوفمبر المقبل‮) ‬‭-‬‮ ‬إغراقها بجملة من المقترحات المتشابهة والمتنافرة من أجل إرهاق وإرباك أطراف التفاوض للدول النامية،‮ ‬فإنها عملت على إدماج فريق العمل المعني‮ ‬بالالتزامات الإضافية لدول المرفق الأول تحت بروتوكول كيوتو وفريق العمل المعني‮ ‬بإجراءات التعاون طويلة المدى تحت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ،‮ ‬وذلك من أجل تعميم موضوع التزامات التخفيف ليشمل كافة أطراف التفاوض بما فيها الدول النامية‮. ‬إلا أن الأخيرة فطنت لهذه اللعبة ورفضت الدمج على أساس أن الاتفاقية والبروتوكول قد خلقا مسارين منفصلين للتفاوض وهو ما أكدته أيضاً‮ ‬خطة عمل بالي‮.
‬وللحديث صلة
 
صحيفة الوطن
1 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد

سراب المصالحة بين جمهوريتي عباس وهنية

ما ان تنفس الفلسطينيون الصعداء بانتهاء ضجة الملاسنات الحادة بين السلطة الفلسطينية في رام الله التي “تحكم” الضفة الغربية وحركة “حماس” التي “تحكم” قطاع غزة على خلفية ضلوع الأولى في دفع مجلس حقوق الإنسان الدولي إلى إرجاء البت في تقرير جولدستون، حتى فجر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أزمة ثانية لا تقل خطورة عن الأزمة الأولى في سياق مسلسل طويل ممل وباعث على الاشمئزاز من الأزمات الصبيانية المتوالية المتصاعدة. والأزمة الجديدة تتمثل في انفراد “أبومازن” كرئيس مفترض لجمهورية فلسطين داخل معتقل الاحتلال الكبير الممتد على مساحتي الضفة والقطاع بإصدار مرسوم “جمهوري” بالدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في يناير القادم، أي بعد شهرين ونيف فقط حتى لو لم تتحقق خلال هذه الفترة القصيرة المصالحة المستحيلة بين “فتح” و”السلطة” القابضة على السلطة داخل سجن الاحتلال الكبير في الضفة من جهة وبين حركة “حماس” القابضة على السلطة داخل سجن الاحتلال الكبير في قطاع غزة من جهة أخرى.
نحن هنا إذاً أمام فصل جديد للتفرج المؤسف على الملهاة – المهزلة الفريدة من نوعها التي لم تمر بها أي حركة تحرر وطني في تاريخ العالم المعاصر، بل لم يسبق لحركة التحرر الفلسطينية ذاتها أن مرت بها منذ انطلاقتها المسلحة في يناير 1965م.
ومع أن كلا الفريقين يبذل قصارى جهده لإقناع شعبه والشعوب العربية جمعاء والعالم بسلامة طويته ونياته من أجل تحقيق المصالحة الوطنية لتغليب التناقض والصراع مع محتلي وطنه على التناقض والصراع الداخليين، ملقيا كامل المسئولية على الطرف الآخر ومخليا كامل ساحته من المسئولية، فإنه من الواضح أشد الوضوح أن كلا الطرفين على حد سواء يتقاسم تقاسما متوازنا ومتعادلا المسئولية عن استمرار صراعهما الدامي المستمر الذي من نافلة القول إن عدوهما الصهيوني هو المستفيد الوحيد منه، بصرف النظر عن دوره ودسائسه الخبيثة في تأجيج الفرقة والخلاف بينهما.
وليس أدل على توظيف كلا الطرفين قضية ومأساة شعبه لخدمة مكوثه وانفراده بكرسي السلطة الموهومة لأطول فترة ممكنة داخل المعتقل الكبير لشعبه تحت الاحتلال عدم تورع كليهما عن لغة التخوين بأقذع الألفاظ لقذف الآخر بها، وعدم تواني كليهما عن التصعيد الجنوني وإضافة الشروط التعجيزية كلما لاح في الأفق سراب إتمام المصالحة المستحيلة الموهومة بين الإخوة الأعداء.
فما ان لاح هذا “السراب” بإتمام “المصالحة” المزعومة عشية صدور قرار مجلس حقوق الإنسان بإرجاء تقرير “جولدستون” حتى وجدت “حماس” ضالتها المنشودة في هذا القرار وما تكشف من دور مفضوح للسلطة بالدفع باتجاه عدم إصداره للتشهير بها وبرئيسها وإطلاق وصلة إعلامية جديدة من مسلسل الردح الممل للتشهير بالرئيس وسلطته في وأد التقرير الذي أخذت “حماس” تذرف على تأجيله دموع التماسيح أنهارا، وتقيم الدنيا ولا تقعدها متوعدة بدورها بالرد عليه بإرجاء تصديقها على اتفاق “المصالحة” عقابا للسلطة الفلسطينية ورئيسها لدورهما “الخياني” في إرجاء تقرير حقوق الإنسان، هي التي لطالما انتقدت وهاجمت هذا التقرير تحديدا لما يتضمنه من انتقاد لها في إطلاق صواريخ على بعض المستوطنات والمناطق السكنية الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة، ناهيك عن عدم توانيها في كثير من الأحيان عن التعبير عن استخفافها بجدوى الأدوات والوسائل والأسلحة السلمية لمقاومة الاحتلال على اختلاف أشكالها من عصيان مدني، ووسائل وضغوط سياسية وثقافية ودبلوماسية متعددة.
وما هي سوى بضعة أيام معدودة من هذا الفصل الجديد من المأساة – الملهاة التي يتفرج عليها شعبهما وشعوبهما العربية وشرفاء العالم بقلوب تقطر دما وقرفا حتى أصدر رئيس جمهورية السلطة الفلسطينية محمود عباس فرمانه الرئاسي الجديد بإجراء الانتخابات الرئاسية ليس فقط داخل معتقل الضفة الغربية الكبير الذي يرأس سجناءه من أبناء شعبه المكبل داخل المعتقل المشترك تحت الاحتلال، بل يسري القرار على سجناء معتقل قطاع غزة الذي يرأس سجناءه الرئيس إسماعيل هنية. أما كيف ستتم مهزلة هذه المصالحة الموهومة في ظل قرار ينطوي على تدخل خارجي في شئون جمهورية هنية من قبل جمهورية عباس ومن ثم المساس بالسيادة “الوطنية” لجمهورية الأول في معسكر الاعتقال الكبير تحت الاحتلال بقطاع غزة فهذا ليس سوى طلسم من الطلاسم التي لا يستطيع فكها إلا صاحب الفرمان الجمهوري ذاته المتربع على عرش السلطة برام الله في جمهورية الضفة الغربية.
ولهذا فإن كلا الطرفين، بما أنهما متساويان في الحقوق والواجبات ومنتخبان بانتخابات حرة بكامل إرادة الشعب الفلسطيني الحر المستقل عن الاحتلال في الداخل أو الشتات لهما كامل الحق في أن يطعن كل منهما الآخر بافتقاده الأهلية الدستورية، إن في إجراء الانتخابات الرئاسية وإن في تعطيلها، فهل هنالك بعدئذ ملهاة ومهزلة أكثر من هاتين الملهاة والمهزلة اللتين تمر بهما القضية الفلسطينية على أيدي أبنائها أو على وجه الدقة على أيدي زعمائهم المتسلطين المتعطشين للسلطة المصادرين للقرار المستقل الحر لشعبهم وفصائله وقواه الوطنية والقوى المستقلة الأخرى؟
لعل المأساة الراهنة التي تمر بها القضية الفلسطينية أنها باتت مخطوفة مرتهنة في أيدي زعماء كلا الفصيلين المتناحرين “فتح” و”السلطة” من جهة، و”حماس” من جهة أخرى، على سلطة موهومة ألقت بها إليهما سلطة الاحتلال ليتقاتلا بشراسة عليها داخل معسكر الاعتقال الكبير المشترك.
فما كان يا ترى سيفعلان بحق بعضهما بعضا وبحق شعبهما من مذابح وكلاهما مازال تستبد به نزعة مريضة متأصلة من الشمولية والدكتاتورية المتشددة، لو وصل أي منهما حقا إلى الحكم في ظل دولة فلسطينية ولو شبه مستقلة أو شبه حرة؟
الله لا يري الشعب الفلسطيني ظرفا كهذا لكي لا نسمع عنه يترحم على عصر الاحتلال.

صحيفة اخبار الخليج
1 نوفمبر 2009

اقرأ المزيد