كنا خلال الأسابيع القليلة الماضية شهوداً على حملة انتخابية حامية الوطيس خاضها المتنافسون على عضوية مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين. ولا يمكن المرور أمام السخونة التي رافقت التنافس الانتخابي في الغرفة مرور الكرام، حيث نظر إليه الكثيرون على انه نقطة تحول في اهتمامات ما بات يعرف اليوم بـ «بيت التجار» في اتجاه أن يكون له موقف إزاء خيارات التنمية للبرامج المطروحة في هذا السياق من قبل أكثر من جهة من جهات الدولة. لكن رغم ذلك نقول إن قطاع رجال الأعمال في البحرين، ممثلاً بدرجة أساسية في غرفة التجارة والصناعة، مازال يُقدم رجلاً ويؤخر أخرى فيما يتصل بانخراطه في الشأن السياسي العام. إن الحذر والتردد هو الطابع الغالب على سلوك هذا القطاع الذي لا نعرف بالضبط ماذا يريد سياسياً واقتصادياً. وللتدقيق نقول إن أرباب هذا القطاع ربما يعرفون ماذا يريدون، لكن المجتمع لا يعرف هذا الذي يريدونه، لأنهم حتى الآن لم يتقدموا برؤية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية – اجتماعية – سياسية. وما زال هذا القطاع محكوماً بالذهنية الحذرة، لكي لا أقول الخائفة، التي وسمت أداءه العام قبل الإصلاحات السياسية، حين كان ممثلو هذا القطاع يخشون رد الفعل الرسمي من مطالباتهم أو مواقفهم، وبذا فإنهم لم يفعلوا ما فعلته قطاعات شعبية أخرى في المطالبة بما تحسبه حقوقاً لها، لأنه لم يكن لديها ما تخسره، فيما كانت حسابات رجال الأعمال مختلفة بالنظر لخشيتهم على مصالحهم من الضرر. في البلد اليوم آلية حراك سياسي – اجتماعي نشطة، وها نحن قاب قوسين أو أدنى من الاستحقاق الانتخابي النيابي في العام القادم الذي نريد أن نعرف كيف سيتعاطى قطاع رجال الأعمال والتجار معه: هل يفكر هذا القطاع بالدفع بممثليه مباشرة إلى أتون هذا الاستحقاق مع ما يتطلبه ذلك من تقديم برنامج انتخابي بمفردات واضحة على الأصعدة الاقتصادية – الاجتماعية كالموقف من برامج إصلاح سوق العمل مثلاً وكالموقف من أجندة التيارات الإسلامية من تفاصيل الأداء السياحي في البلد، وكالموقف من الحركات المطلبية للنقابات والحركة العمالية ومن الاحتجاجات السلمية والتظاهرات والاعتصامات وسواها؟ وقبل هذا كله: ما هي رؤية القطاع الخاص لدوره السياسي في العلاقة مع الدولة والمجتمع؟ ما هي تفاصيل هذه الرؤية على صعيد المطالبة بتقاسم الثروة والسلطة بين الدولة والمجتمع؟ خاصة وإن مثل هذه المطالبة إذا أتت من قطاع نوعي صاحب تأثير مثل قطاع رجال الأعمال سيكون لها وقع وتأثير مختلف. وليست واضحة كذلك علاقة هذا القطاع مع مكونات التيارات السياسية في البلد، خاصة منها تلك التي تلتقي معه في الرؤية الاجتماعية وفي الحريات الشخصية وفي التعاطي مع الطابع المنفتح المتسامح للمجتمع البحريني، وهو طابع يتعرض لمخاطر تقويضه أو الحد منه من قبل بعض التيارات المحافظة التي بحجة تقليم الأظافر يمكن أن تقطع الأصابع. لقطاع رجال الأعمال دور لا يمكن لأية قوة سياسية أو اجتماعية أخرى أن تؤديه بالنيابة عنه، لأن للقوى الأخرى قاعدة تمثيلها المختلفة اجتماعياً وسياسياً وتقاليدها الخاصة بها، وبرامجها المعبرة عن طموحات ومطالب وآمال قطاعات جماهيرية أخرى، ونحن بانتظار هذا الدور.
صحيفة الايام
23 نوفمبر 2009
ماذا يريد قطاع رجال الأعمال؟
الآثار الاقتصادية للتجنيس السياسي في البحرين
فرضت معضلة التجنيس السياسي في البحرين نفسها بقوة على واجهة الأحداث طيلة أكثر من ثماني سنوات أعقبت التصويت على ميثاق العمل الوطني في العام 2001، فقد كشفت تداعيات قضية التجنيس ولا زالت الكثير من الانعكاسات السلبية على الكثير من الأوضاع في مملكة البحرين، ولعلنا نجد في التصريحات الأخيرة لسعادة وزير الداخلية أفضل تعبير لها، وهو الرجل الأول المعني برسم السياسات الأمنية في البلاد والتي دعا من خلالها في شهر سبتمبر الماضي من هذا العام إلى ضرورة مراجعة سياسات منح الجنسية وذلك لأسباب سماها بالسياسية والاقتصادية والأمنية، مما يؤشر بوضوح إلى ما أوصلتنا إليه تلك السياسات من مخاطر باتت تضرب بقوة في جدار أمننا الوطني من خلال مكوناته السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي تشكل مظلة الأمن المجتمعي في إطارها العام والشامل. كما مثلت سياسات التجنيس المتبعة طيلة السنوات الثماني المنقضية هاجسا مقلقا بامتياز للكثير من مقومات البناء المجتمعي السليم في المجتمع البحريني،علاوة على أنها أضرّت كثيرا بعوامل الثقة التي أسس لها ميثاق العمل الوطني الذي لا يزال بمعية دستور البلاد يمثلان مرجعا لخيارات الوطن المستقبلية في التصالح والوئام والثقة بين الحاكم والمحكوم، بما يمثلانه من ثوابت يجمع عليها الجميع من دون استثناء، والتي يمكن تكثيفها في العودة إلى معايير أساسية محددة لعل من بينها معايير المواطنة والحقوق والمسئوليات المفصلة بشكل واضح وجلي في كليهما.
فالقضية إذا لم تكن مجرد مزايدات تتحدث عنها قوى المعارضة السياسية أو مجرد مماحكات فارغة لا تستند إلى مضامين وبراهين كما تذهب إلى ذلك ردود الأفعال والتصريحات الرسمية التي تعجز عن مجرد الإقناع بأن ما تقوم به من سياسات حيال قضية التجنيس هي فعل وطني أو حتى قانوني، بقدر ما تسعى من خلاله بعض الأطراف الرسمية لإدامة تلك السياسات والاستفادة من الوقت والظروف معا لخدمة هذا التوجه الذي يظل مرفوضا من السواد الأعظم من الشعب الذي بات مقتنعا أكثر من أي وقت مضى بأن ما يجري من سياسات من هذا القبيل إنما هو على حساب مصالحه الأساسية بالدرجة الأولى ومستقبل الوطن كذلك.
لقد التقت تصريحات سعادة وزير الداخلية الأخيرة حول ضرورة إعادة النظر في سياسات التجنيس، وما توصل إليه الجانب الرسمي من حقائق على الأرض حول قضية التجنيس مع ما دأبت على ترديده قوى المعارضة السياسية الرافضة لتلك السياسات طيلة السنوات الثماني الماضية، وهي سنوات من المفترض أن تكون سنوات إصلاح حقيقي بحسب ما توافقت عليه الإرادة الشعبية عند التصديق الشعبي الجارف على ميثاق العمل الوطني بنسبة هي بالفعل أفضل إفصاح شعبي عن مكنونات هذا الشعب بالعيش بوئام ومحبة وانسجام بين القيادة والشعب وبين الشعب بمختلف مكوناته وطوائفه وأعراقه وإثنياته. وفي السياق نفسه ترى قوى المعارضة السياسية أن التصريحات اللاحقة لوزير الداخلية في النصف الأول من شهر أكتوبر الماضي والتي قسّم من خلالها من تم تجنيسهم بحسب انتماءاتهم المذهبية وليس على أساس ما حدده الدستور وقانون الجنسية البحريني من ضوابط واشتراطات، وما تعنيه تلك التصريحات من مخاطر حقيقية حول دواعي التقسيم المذهبي والطائفي على لحمة وتماسك النسيج الاجتماعي في البحرين، فان تلك التوجهات الرسمية باتت تتطلب ضرورة إجراء مراجعة حقيقية ومخلصة، حتى لا تربط إجراءات منح الجنسية ربطا ميكانيكيا بنزعات طأفنة المجتمع والشأن العام لصالح حسابات سياسية أصبحت حديث الشارع البحريني، ليتم معها تعمد خلط الأوراق وتغييب الحقائق التاريخية. وبحسب طبيعة سياسات التجنيس السياسي الجارية في الوقت الراهن وما تحمله من مضامين لا تتسق أبدا مع المصالح الوطنية العليا للبلاد، نظرا لما تمثله من مخاطر حقيقية على الهوية الوطنية وقوة النسيج الاجتماعي والمصالح الحيوية لكل فئات الشعب دون استثناء، فلم يعد خافيا ما أفرزته سياسات التجنيس من مخاطر مباشرة وغير مباشرة على الكثير من وجوه الحياة وجملة من التعقيدات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والأمنية، التي لا يمكن التنبؤ بتداعياتها المريرة مستقبلا، وها هي قد بدأت معالمها في البروز في مختلف مدن وقرى البحرين وأحياءها التي بدأت تعج بالمجنسين من مختلف الملل والقوميات في ظل الغياب الواضح للالتزام القانوني بما جاء في الدستور وفي قانون الجنسية البحريني، حيث تؤكد كافة الشواهد على انه قد تم تجاوز الكثير من الضوابط والاشتراطات توطئة لحسابات سياسية وانتخابية ضيقة، دون التفكير بوعي ووطنية لما ستقود إليه تلك السياسات في الوقت الراهن وفي المستقبل من مصاعب يتعذر الخروج منها، وقد حتّمت تلك السياسات على الطرفين الرسمي والشعبي ضرورة التعاطي مع جملة من المتغيرات المرتبطة بسيرورة الحياة اليومية للمواطن البحريني اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا أيضا. فبالإضافة إلى زيادة معدلات الجريمة ونوعية الجرائم المعروضة أمام المحاكم والتي فرضت على السلطات الأمنية مؤخرا اللجوء إلى نقل بعض فئات المجنسين من مواقع سكناهم إلى مواقع أخرى حفاظا على السلم الاجتماعي جراء تفشي معدلات الجريمة في مناطق بعينها مكتظة بالمجنسين، وما ارتبط بها بشكل مباشر أو غير مباشر محليا أو على شكل تداعيات إقليمية، لتصل شظاياها لبعض من دول الجوار، والتي تؤشر بوضوح إلى سلسلة من المتاعب التي لم تجد لها حتى الآن تعاملا موضوعيا وعاقلا يضع الأمور في نصابها، بدلا من انفلات عقالها وما يعنيه من جموح خطير لسنا على استعداد لتحمل تبعاته بكل تأكيد.
لقد فرضت تلك السياسات مجموعة من التحديات الاقتصادية أمام السلطات ذاتها وأمام الناس الذين بدأوا منذ فترة ليست بالقصيرة في تلمس انعكاساتها السلبية، خاصة أمام ما أملته السياسات الاقتصادية والنهج الذي درجت على رسمه السلطات منذ زمن في التعاطي مع الشأن المعيشي اليومي للمواطن، فالبحرين التي باتت تجاهد منذ سنوات لتلبية متطلبات الزيادة المضطردة في عدد السكان وما تمثله من ضغوط مستمرة على جملة من الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها بحسب ما تفرضه شروط الاقتصاد ألريعي من التزامات دستورية على السلطات، وفي ظل تناقص الموارد ومحدوديتها وتقلص الموازنات المرصودة للخدمات عاما بعد عام، وما تتيحة أسعار النفط وحجم مبيعاته من فرص أمام عجلة الاقتصاد الوطني، تظل محل صعود وهبوط باستمرار، وهي السلعة الأساسية التي يعتمد على مواردها اقتصادنا الوطني بنسبة تفوق 75% من الدخل القومي.
فقد بلغت نسبة الزيادة في عدد السكان بحسب ما أعلنه الجانب الرسمي في شهر سبتمبر/أيلول من العام 2007 نسبة تفوق 5و8% وهي نسبة لا تتناسب مع معدلات النمو الاقتصادي بالدرجة الأولى، وقد بقيت نسب النمو السكاني في ما مضى مراوحة بين 3و2-7و2% ، ولم نجد بعد ذلك مبررا رسميا لتلك القفزة الكبيرة في معدل النمو السكاني هذا سوى التعلل بنسبة زيادة أعداد الأجانب نتيجة الطفرة التنموية! وهو أمر لا تجد فيه قوى المعارضة السياسية أي مسوغ موضوعي مقبول لتلك القفزة الهائلة في عدد السكان، والتي حدثت خلال فترة لا تتجاوز العامين، حيث كانت 743 ألفا في العام 2006 لتصل مع نهاية سبتمبر 2007 إلى ما يفوق المليون نسمة، وهي زيادة لا يمكن مقاربتها بما أعلنه لاحقا سعادة وزير الداخلية في سياق رده على سؤال نيابي في نوفمبر / تشرين 2008 حول أعداد من تم تجنيسهم في الفترة بين 2001 حتى 2008 والتي أكد أنها بلغت ما مجموعه 14667 فردا فقط!
كما أن تلك الزيادة الكبير جدا في عدد السكان في بلد هو في الأصل محدود الموارد والمساحات والأراضي والميزانيات وتعانى بناه التحتية من تقادم مستمر، وتعجز موازناته العامة عن تلبية جزء مهم من احتياجات مواطنيه المعيشية من إسكان وصحة وتعليم وطرق ومجاري وكهرباء وماء وغيرها، خاصة بعد أن خفضت ميزانية المشاريع والطرق إلى الحد الأدنى لتصل 300 مليون دينار عن كل عام في موازنة 2009-2010 والتي تآكلت عنوة لصالح تضخم غير مسبوق لميزانيات الدفاع والأمن، حيث يبقى تسارع وتيرة التجنيس أحد الأسباب الرئيسية لذلك وبشكل جلي في مصاريف الباب الأول في وزارات الداخلية والدفاع والحرس الوطني والأمن الوطني، وذلك بالنظر إلى أن الغالبية العظمى ممن يتم تجنيسهم تقدم لهم فرص عمل في تلك المرافق الأمنية، وهي كلفة اقتصادية مضاعفة للدولة في مرافق غير منتجة أصلا، على الرغم من أهميتها الاستثنائية، فهي وبحسب طبيعة الأعداد الكبيرة من المجنسين العاملين فيها تعتبر احد مواقع استنزاف الموارد الوطنية عبر الأجور والامتيازات وكذلك عبر تحويلاتهم المالية نحو الخارج والتي زادت تبعا لها حجم الأموال المحوّلة للخارج خلال السنوات الأخيرة، بحسب تقارير رسمية صادرة عن بنك البحرين المركزي خلال السنوات الأخيرة، وما يعنيه ذلك من تناقص في السيولة والعملات الصعبة،هذا بالإضافة إلى ما تقوم به الدولة من مشاريع مكلفة لاستيعاب تلك الأعداد الضخمة من المجنسين من حيث بناء المساكن والمدن والمرافق وتهيئة للأراضي الشحيحة أصلا، لصالح بناء أحياء سكنية كاملة ومدن معزولة لاستيعاب تلك الأعداد مجهولة العدد من المجنسين، والتي تبقى مرئية بوضوح في العديد من مظاهر الحياة اليومية من شوارع وطرق ومدارس ومستشفيات وجامعات وخدمات، والتي أصبحت عاجزة بالفعل عن استيعاب المزيد ما لم يتوقف طوفان التجنيس السياسي الذي تتم المراهنة عليه لصالح حسابات سياسية واضحة دون النظر إلى كل تلك الإفرازات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة.
ومع بروز تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وما فرضته على البحرين من محاولة للتأقلم مع الأوضاع المالية الصعبة التي تسببت فيها تراجعات أسعار النفط بداية إلى أقل من أربعين دولارا للبرميل أي بأقل مما هو مرصود لها في موازنتي الدولة للعامين 2007- 2008 والتي عاودت الانتعاش قليلا مؤخرا لتصل 70 دولارا للبرميل في المعدل، فقد تقلصت قدرة الوزارات المعنية على القيام بالتزاماتها أمام حزمة المشاريع المنتظر تنفيذها، وتراجع الحديث عن بناء المدينة الشمالية التي يفترض أن تستوعب في مراحلها الأولى 13000 وحدة سكنية وتم الاكتفاء فقط بردم البحر المخصص لها مما وفرته الموازنة السابقة، هذا في الوقت الذي ازدادت فيه الطلبات الإسكانية لتصل إلى أكثر من خمسين ألف طلب بعد أن كانت في حدود 40 ألفاً ، ويتوقع بلوغها أكثر من 80 ألفا خلال الخمس سنوات القادمة، كما تقلصت قدرة الحكومة على بناء مدارس ومراكز صحية ومستشفيات ومرافق جديدة تحت الضغط المستمر على الخدمات، وما نتج بعد ذلك من توزيع غير عادل للموازنات ومتطلبات عملية التنمية الشاملة، حتى أن سمو رئيس الوزراء كان قد وجه حكومته في النصف الأول من شهر أكتوبر الماضي بسرعة تجهيز مستشفى الملك حمد في المحرق لتفادي مزيد من الضغط الواضح على الخدمات الصحية التي يقدمها المستشفى الرئيسي الوحيد منذ عهد الحماية البريطانية وهو مركز السلمانية الطبي ، وتشهد كافة التقارير على تسبب ذلك في تراجع ملحوظ في الخدمات الصحية وصل إلى حد وقوع عدد من الوفيات وشح في الأسرة وقلة حيلة الميزانيات المرصودة للأدوية والأجهزة العلاجية والصحية، كما تم رفض المناشدات النيابية الأخيرة بفتح المستشفي العسكري أمام عموم المواطنين بغرض استيعاب الطلب المتزايد على الخدمات الصحية.
وتعمل الحكومة خلال الفترة الحالية على تدبير قرض يبلغ 250 مليون دينارا عبر البنوك المحلية والأجنبية لتسهيل وتلبية بناء المزيد من الوحدات الإسكانية، حيث يعني الاتجاه المستمر للاستدانة زيادة حجم الدين العام الذي بقي لسنوات في حدود نسبه المقبولة عالميا، كما يعني أيضا زيادة خدمة الدين على كاهل الموازنة العامة للدولة، والتي ستفضي حتما لتأجيل الكثير من المشاريع الخدمية الحيوية للمواطنين في المستقبل القريب.
ها هي وزارة الإسكان لا زالت تفكر في إمكانية استكمال توزيع الطلبات الإسكانية لعامي 1992-1993، وأن الميزانية المتوقعة لمشروع بدل الإسكان الخاص بمن تجاوزت سنوات انتظارهم لخدماتها الإسكانية أكثر من خمس سنوات سوف تبلغ مع حلول العام 2014 إلى ما يزيد على 55 مليون دينار، حيث يعزو وزير الإسكان ذلك بحسب تصريحاته الأخيرة إلى زيادة التركيبة الديموغرافية للبحرين، مما يدلل بصورة واضحة إلى أن أحد أهم المصاعب التي تزيد من صعوبة الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمواطنين هو الزيادة السكانية المضطردة والتي تنسب في جزء منها إلى الأعداد المضافة من المجنسين كل عام لنسب النمو الطبيعية والتي تحتاج إلى السكن والعلاج والتعليم والتعليم الجامعي وفرص العمل أيضا. كما أن نجاح سياسات التوظيف طيلة السنوات الأربع الماضية وما دعمها من مشاريع رديفة مثل الـتأمين ضد التعطل وقبله المشروع الوطني للتوظيف وصولا إلى ما أعلن في النصف الثاني من أكتوبر الماضي من إستراتيجية لتوظيف الخريجين الجامعيين، تبقى جهودا محمودة، لكنها في ظل الزيادة المفرطة في عدد السكان وزيادة جرعات التجنيس تبقى محل شك في قدرتها على الإبقاء على حجم البطالة عند الحدود المقبولة.
إسقاطا على ما سبق من تحديات ومصاعب جمة بدت معالمها واضحة أمام الجميع، يمكن القول أن ضرورة التأسيس لفهم موضوعي رافض لسياسات التجنيس المستمرة دون توقف بات أمرا ملحا وبشدة، وهذا هو بالضبط ما طالبت به وأفردت له مختلف قوى المعارضة السياسية فرادى ومجتمعين كثير من مساحات النقاش والمطالبات والعرائض التي لم تتوقف حتى الآن، والتي فضحت من خلالها تلك السياسات ومراميها ومخاطرها المحدقة بهيبة الوطن ومصالحه، وبات الأمر برمته يفرض على الجميع من حكومة وقوى سياسية ومجتمعية وضع المصالح الوطنية أمامهم والتوجه لطاولة حوار موضوعي هادف يسعى لخلق حالة توافق مجتمعية تضع حدا لاستمرار تلك السياسات وما تفرزه من تداعيات اقتصادية ومعيشية واجتماعية وأمنية، تبقى حلولها ممكنة الآن، لكنها ستكون وخيمة ومتعذرة فيما لو قيظ لحالة التجاهل الراهنة التي تبديها الحكومة تجاه هذه القضية من الاستمرار والتي ستعني مزيدا من التحديات والمصاعب أمام الدولة والمجتمع وستضر حتما بوحدة وتلاحم نسيجنا الوطني وبتعميق عوامل انعدام الثقة القائمة أصلا.
لماذا نحتفل بتكريم المناضل أحمد الشملان؟
لماذا يحتفل المنبر الديمقراطي التقدمي بالمناضل أحمد الشملان لمدة أسبوع كامل، شاملا عالم الفن التشكيلي والفن الغنائي والشعر والأدب والسيرة الذاتية لمن عاصروه ومن رفاقه والمقربين منه.
لقد سمعت مديحا عن أحمد الشملان منذ منتصف السبعينيات حيث قمة العطاء النضالي إبان الحركة السياسية فكان الرفاق في الجبهة الشعبية حينها يذكرون أحمد الشملان بالمناضل الصلب والمثقف الناضج فكريا والمستوعب للنظرية بشقيها المادي والجدلي كما كانوا يذكرون إمكانياته لفهم كتاب رأس المال الذي كان يستعصي فهمه على الكثير من المناضلين، ومنذ تلك الفترة طال إعجابي بهذا المناضل ليكون نبراسا أضيء به الطريق، وإذا تكلمنا عن الصمود والتحدي فهما ميزتان من ميزات المناضلين الحقيقيين الذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل مبادئهم ومعتقداتهم الفكرية.
ولكن هل هذا السبب الوحيد الذي يدعونا للاحتفال بهذه المناسبة؟ فالكثير من المناضلين سواء في تيار جبهة التحرير الوطني البحرانية أو التيارات الأخرى من القوميين أو التيارات الدينية الذين يملكون الطاقات الجبارة من المناضلين الصلبين، فالجنود المجهولون في هذا المجال كثيرون.
رفاق كثيرون تشهد الزنازن ويشهد الجلادون بقوة صمودهم ولكن أبت الظروف أن يستمروا في العملية النضالية لذلك لا نجدهم في الساحة السياسية ونفتقدهم في الميدان وسيظلون من الجنود المجهولين إذا لم يبحث الرفاق في مذكرات التاريخ لتعزيز مكانتهم وإعادة الاعتبار لهم وإلا سيظلون حتما جنودا مجهولين.
الميزة الأخرى التي يتحلى بها هذا المناضل العنيد والصلب هي امتلاكه للإرث النضالي ليصبح رصيدا ليس للمناضل أحمد الشملان فقط بل رصيدا مكملا وجزءا أساسيا لتاريخ الحركة النضالية في البحرين امتدادا من حركة القوميين العرب الذي التحق في صفوفها في سن مبكرة أثناء دراسة المرحلة الثانوية في الكويت وثم التحق بالحركة الثورية 68 – 71 وثم التحق بالجبهة الشعبية لتحرير ظفار والخليج العربي والتي انبثقت منها الجبهة الشعبية في البحرين حيث تقلد الكثير من المواقع القيادية إلى أعلى هرمها.
ونتيجة للتجربة النضالية العميقة الاطلاع المستمر في مجال الوعي الفكري كعاملين أساسيين في تحولاته الفكرية والتحاقه بجبهة التحرير الوطني البحرانية.
وهنا نتساءل: هل هذه الميزة النضالية المتمثلة بالتاريخ الحافل من التجربة النضالية سبب أساسي يدعونا للاحتفال بهذا المناضل؟ فحتما الجواب: ليس لهذا السبب؛ فالكثير من رواد العمل السياسي في هذا الوطن تحلوا بهذه الصفة حيث شاركوا في تأسيس تيارات قومية وتيارات يسارية ولكن توقفهم جاء لأسباب حددها الزمان والمكان مرتبطة بظروف موضوعية وذاتية لعبت دورا في سيرتهم النضالية.
أحمد الشملان الإنسان والأديب والشاعر والناقد. لقد جسّد ذلك في إحساسه ومشاعره وحول الواقع وجسد الهموم والقضايا اليومية على شكل أدب وقصة وشعر ومسرح وكان دائم الحضور في المنتديات الثقافية وقلمه حاضر في الصفحات الأدبية وكنا نتابع هذا الهم سنين.
صحيح لدينا مناضلون يتميزون بقدرتهم الأدبية وكتابة الشعر والنقد؛ ولهذا نقول ليس هذا السبب الذي يدفعنا للاحتفال بتكريم هذا المناضل.
أحمد الشملان الصحافي الحقوقي الذي ظل يكتب المقالات الصحافية في صحفنا المحلية والخليجية موضحا الحقوق العامة للمواطنين ورافعا راية العدالة والإنسانية لدرجة أننا نعتبر المقالات الصحافية والتحليلات التي يكتبها أحمد الشملان بمثابة موقف سياسي نتثبت به في ظل الانقطاع والحصار الثقافي.
ولكن نقول مرة أخرى ليس هذا السبب الوحيد الذي يدفعنا للاحتفال بتكريم هذا المناضل؛ فالكثيرون من المناضلين من شعبنا ممن كتبوا بدمائهم المقالات الملتهبة والمواقف الناضجة المعبرة عن هموم وطموح شعبنا ولكن أين هؤلاء من ذلك فنحن نفتقدهم في الليلة الظلماء.
أحمد الشملان الأديب الشاعر والناقد والحقوقي والسياسي كلها صفات نعتز بها لهذا المناضل الذي افتقدته الساحة منذ تعرضه للجلطة التي أسكتت صوتا كان يرنُّ في أحلك الليالي الظلماء والأيام الملتهبة بعنفوانها من جراء المطاردات البوليسية وفي ظل الغيوم السوداء الملبدة بالأمطار المخيفة التي تبيد كل من يتظاهر أو يتجرأ أو يرفع رأسه متحديا هذا الواقع…
فكان أحمد الشملان الإنسان الذي تحدى كل هذا الواقع ورفع صوته عاليا ليسمعه جماهير شعبنا في إذاعة لندن حيث يعرب استنكاره لكل الممارسات البوليسية ضد شعبنا كمدافع صلب وأمينا على هذه المطالب؛ ما ذاع صيته في جميع أنحاء البحرين وفي القرى النائية لدرجة أن هناك حكايات تُردد في المجالس الشعبية لو أن المناضل أحمد الشملان رشح نفسه في هذه القرى حتما سيكون مرشحها الوحيد وأنا أقول أيضا هذا تعبير عن الواقع وعن شخصيته في صفوف الجماهير لتبنيه مطالب العامة من الجانب الإنساني والاجتماعي وهذا الشيء الوحيد الذي يفتقده الكثير من المناضلين.
وهذا السبب الحقيقي الذي يدفعنا للاحتفال بهذا المناضل الصلب لما يتميز به من نفَس طويل تعبيرا عن استمراريته في النضال، وأمام كل المنعطفات التاريخية أثبت شموخه وأمام كل الجسور استطاع العبور فكانت مشعة ومضيئة تنير كل الطرقات وكل الحارات لتشمل كل زاوية في الوطن.
نعم هذا هو السبب الحقيقي لهذا الاحتفال والذي بحاجة إلى نموذج من أمثال المناضل أحمد الشملان ثري بعطائه.
فكانت مشاركته في الحركة السياسية ابتداء من حركة القوميين العرب وانتهاء بجبهة التحرير الوطني البحريني الذي يمثل المنبر الديمقراطي التقدمي امتدادا لهذا التيار.
كان التاريخ النضالي لأحمد الشملان بمثابة دروس في النضال يقدمها لنا وتتوارثها الأجيال.
لقد كان حاضرا في انتفاضة 65 العمالية وكان أيضا حاضرا ضمن التيارات المناهضة للاستعمار امتدادا من حركة القوميين العرب إلى الحركة الثورية.
ومن ثم إلى جبهة ظفار والخليج العربي ومن ثم إلى الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي والتي انبثقت منها الجبهة الشعبية في البحرين وأخيرا جبهة التحرير الوطني البحرانية التي تمثلها المنبر الديمقراطي التقدمي حاليا.
لقد كان حاضرا ومؤسسا للعريضة النخبوية ومن ثم العريضة الشعبية حيث تسلمت من المناضل شخصيا نسخة من العريضة النخبوية لعرضها على أصدقائنا ورفاقنا ولأقوم بواجبي تجاه هذا الوطن.
لقد تعرض مناضلنا لاعتقالات لا أول ولا آخر لها، ألا يكفي هذا النفَس الطويل واستمراريته في العطاء والنضال لأن يكون سببا أساسيا ورئيسيا يدفعنا للاحتفال بهذا المناضل وتكريمه.
نعم لقد كان أحمد الشملان المناضل والإنسان والحقوقي والصحافي والمبدع والأديب والشاعر، صفات لا يمكن أن يتحلى بها أي مناضل آخر.
فهنيئا لك يا «أبو خالد» بهذه المناسبة، وتستحق أكبر من ذلك.
ولمعرفة المزيد من تاريخ هذا المناضل لابد من قراءة الكتاب الذي ألفته زوجته فوزية مطر «سيرة مناضل وتاريخ وطن».
الوسط 18 نوفمبر 2009م
مقدار الاستفادة من تقرير ديوان الرقابة
رئيس ديوان الرقابة المالية حسن الجلاهمة رفع التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية للعام 2008 إلى القيادة السياسية ومجلس النواب في مطلع الشهرالجاري، ونشرت الصحف تغطياتها للتقرير، باعتبار أن مراقبة المال العام وحمايته وصونه شأن وطني يعني الجميع. ولايمكن لأي متفحص أن يشك في قدرات وإخلاص رئيس ديوان الرقابة، وهو الذي تم اختياره لهذا المنصب قبل سبع سنوات، وتولى الإشراف على إصدار ستة تقارير سنوية لحد الآن بحسب الصلاحيات المتاحة وضمن القانون الذي حدد مهام الديوان.
وفي 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، جاء في التصريح الحكومي الصادر عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية مايأتي: «خصص مجلس الوزراء جانبا كبيرا من جلسته لبحث الملاحظات التي أوردها ديوان الرقابة المالية فى تقريره السنوي على الحساب الختامي الموحد للدولة للعام 2008م والحسابات الختامية للوزارات والأجهزة الحكومية وفي هذا الصدد فقد أصدر صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر توجيهاته الكريمة لكافة الوزارات والأجهزة الحكومية بتنفيذ التوصيات الواردة فى تقرير ديوان الرقابة المالية 2008 وإعداد تقرير مفصل بشأنها يرفع إلى مجلس الوزراء خلال أربعة أسابيع من تاريخه ومن ثم إخطار ديوان الرقابة المالية بما سيتم اتخاذه من خطوات بشأن تنفيذ ملاحظاته».
تقرير ديوان الرقابة المالية 2008 يبلغ وزنه كيلوغرامين وربع الكيلوغرام، وهو من الحجم الكبير وعدد صفحاته يبلغ 564 صفحة مصقولة من وزن 115 غراما… وهذه الصفحات تمثل ملخصات لتقاريرعديدة لابد وأن الديوان كان قد أرسلها إلى الوزارات المعنية منذ مطلع العام 2009. بمعنى آخر، فإن الوزارات والجهات التي ورد اسمها في التقرير لابد وأنها تسلمت جميع هذه التقارير بحجمها الكامل، ولو طبعت هذه التقارير جميعها فإن وزن التقرير الجامع لها سيصبح على الأقل 20 كيلوغراما. وعليه، فإن إعطاء فرصة 4 أسابيع أخرى للاطلاع على التقرير يعتبر وقتا إضافيا، إذ إنه من المفترض أن جميع هذه الوزارات كانت قد بدأت منذ شهور عديدة بذلك.
ثم أن هناك أسئلة أخرى حول التقارير التي صدرت في السنوات الماضية، إذ لانعلم لحد الآن ماذا فعلت الوزارات والجهات المعنية تجاه الملاحظات التي أبديت على مدى فترات طويلة، وكل ما نراه عندما تنشر الصحف ملخصات من التقرير أن الجهات المعنية تصدر بيانات «مطاطة» يمكن فهمها بصورة مختلفة بحسب الزاوية التي يختارها من يقرأ الردود. وفي الوقت ذاته، فإن عددا من النواب لديهم تصريحات مكررة يطلقونها بشكل عمومي للتعليق على أي موضوع، وتتم إعادة إطلاق تلك التصريحات فيما يخص المعلومات التي تتوافر من ديوان الرقابة المالية. إنه ومهما كانت طبيعة المعلومات المتوافرة في تقرير ديوان الرقابة، إلا أن الملاحظ أن مقدار الاستفادة منها – من قبل الجهات المعنية – مازالت متواضعة.
الوسط 17 نوفمبر 2009م
أمور محيرة في تقرير الرقابة المالية
تقرير الرقابة المالية للعام 2008 صدر مطلع الشهر الجاري، وهذه هي سادس سنة يصدر بشأنها تقرير رقابي، وقد أشرت في مقال أمس إلى أنه يؤخذ على التقرير أنه يركز على الجانب الإجرائي أكثر من أي شيء آخر. كما أنني أتفق مع الملاحظات التي يبديها عدد من المتابعين للتقرير، إذ ينبغي أن يكون لديوان الرقابة المالية دور أكثر فاعلية وأن يساهم في صوغ المستقبل وأن يكون مصدرا حيويا يغذي الدولة بالمعلومات اللازمة لتطوير خططها واستراتيجياتها في مختلف القطاعات، وألا يركز على أنظمة الرقابة الداخلية فحسب. فعلى الرغم من أهمية النظم والإجراءات، فإن هناك أمورا أكثر أهمية تتطلب الالتفات، مثل كيفية إيقاف تبذير أموال الدولة في قطاعات شتى يمكن أن تضيع فيها الأموال من دون أن يعرف المرء شيئا عنها.
ديوان الرقابة المالية استعرض نحو 18 تقريرا، وأربعة فقط تتعلق برقابة الأداء، أما الباقي فكلها رقابة نظامية – إجرائية تتحدث عن مدى والتزام مسئولي الدولة والمؤسسات بالقوانين والأنظمة واللوائح والقرارات، وهذا كله لا ينظر إلى رقابة أداء هذه الجهات، أو ما يتعلق بأداء مشروعاتها. كما أن عملية اختيار الجهات – لفحص مدى التزامها بالإجراءات – تتم بشكل واضح. ويمكن للتقرير أن يستعيض عن تكثير عدد الصفحات بوضع تصنيف لدرجة خطورة هذه الملاحظة أو تلك، فقد تكون ملاحظة طولها سطر واحد، ولكنها خطيرة جدا، وأخطر بكثير من عشرات أو مئات الصفحات عن مخالفات إجرائية بحتة، فنحن لا نحتاج إلى تقرير ضخم بقدر ما نحتاج إلى تنبيه واضح ومباشر يتولد عنه إجراء ما لوقف ممارسة من ممارسات الفساد أو الهدر في المال العام.
إننا نرى أن هناك قضايا كبرى – كتلك المتعلقة بشركة ألمنيوم البحرين وتتداولها محاكم أميركية وغير أميركية – لم يكتشفها أحد تقارير الرقابة المالية، وهناك مشروعات ضخمة لعدة جهات حاليا، وهذه المشروعات تكلف الملايين والمليارات من الدنانير، ولكن ديوان الرقابة لا يتوجه نحو التدقيق فيها، وحتى موضوعات أصغر كان التقرير يشير اليها في سنوات ماضية – مثل عدم دفع فواتير الكهرباء من قبل فئات ليست في عوز مادي – أصبحت الآن غير واردة في أي صفحة من صفحات التقرير على الرغم من استمرار هذه الظاهرة .
الأمر الآخر هو أن ديوان الرقابة المالية لا يعقد أي مؤتمر أو بيان صحافي، وكأن إصدار التقرير قضية هامشية وليست ذات معنى، هذا في الوقت الذي تزداد المؤتمرات الصحافية عن كثير من القضايا. كما ان التقرير لا يصل إلى الصحافة إلا من خلال التسريب… فإذا كان تقريرا للمصلحة العامة، لماذا لا يباع لجميع الناس بحيث يمكن الاطلاع عليه بشكل ميسر؟ أسئلة محيرة تزداد مع قراءة كل صفحة في التقرير الضخم جدا.
الوسط 16 نوفمبر 2009م
بعد أن دشنها.. الغرب يحذر من اتساع نطاق الاتفاقات التجارية الثنائية
يلحظ المراقب لتطورات العلاقات الاقتصادية الدولية تزايد تعبير الأوساط الاقتصادية الغربية، العامة والخاصة، عن قلقها من تنامي واتساع نطاق الاتفاقات الثنائية التجارية خصوصاً في القارة الآسيوية التي من سماتها الواضحة في القرن الحادي والعشرين حيوية وديناميكية أدائها الاقتصادي. تقول هذه الأوساط إن الاتفاقات الثنائية التجارية (Bilateral Free Trade Agreements) يجب أن لا تشكل بديلاً للمفاوضات والاتفاقات متعددة الأطراف وتحديداً تلك الجارية في إطار منظمة التجارة العالمية، وأن لا تؤثر خصوصاً على جولة الدوحة (Doha Round)، وهي الجولة التاسعة، من مفاوضات تحرير التجارة العالمية المتعددة الأطراف. يذكر هنا أن الدول الصناعية الغربية المتقدمة، هي التي أطلقت هذا النوع من الاتفاقات التجارية الدولية كآلية ‘مستحدثة’ لتحرير التجارة البينية (الثنائية) بعد أن وصلت المفاوضات المتعددة الأطراف في إطار منظمة التجارة العالمية إلى طريق مسدود. الولايات المتحدة التي دشنت هذه الآلية خصوصاً مع جاراتها بلدان أمريكا اللاتينية ثم وبعد ذلك مع بلدان آسيوية وشرق أوسطية، تبغي بواسطتها تجاوز واقع انسداد أفق تقدم المفاوضات بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية منذ ما قبل انطلاق جولة الدوحة أواخر عام .2001 يرد الآسيويون بالقول إنهم لن يضعوا أيديهم على خدودهم وينتظروا ريثما تستأنف مفاوضات جولة الدوحة وتحقق تقدماً ينقذ النظام التجاري الدولي المتعدد الأطراف من مأزقه الحالي، وإنها عوضاً عن ذلك ستفتش عن شريك تجاري تبرم معه اتفاقية ثنائية أو حتى عدد من الشركاء مثل كتلة مجلس التعاون الخليجي أو كتلة الميركوسور الأمريكية اللاتينية على سبيل المثال. العجيب أن الدول الغربية بدأت تحذر الدول الآسيوية من مغبة مواصلة السير على هذا الخيار التفاوضي الثنائي على مصير النظام التجاري الدولي المتعدد الأطراف. مكمن القلق على ما يبدو هو الزيادة المضطردة في عدد الاتفاقات الثنائية التجارية الجاري إبرامها. فبعد أن كان عددها في عام 2001 (عام إطلاق جولة الدوحة من المفاوضات المتعددة الأطراف في إطار منظمة التجارة العالمية) 49 اتفاقية، فإن العدد ارتفع اليوم إلى 167 اتفاقية آخرها تلك التي وقعتها كل من الهند وكوريا الجنوبية والتي ستخلق للمصنعين الكوريين الجنوبيين فرصة استخدام الهند محطة تصدير لمنتجاتهم إلى الأسواق العالمية، فيما ستوفر للمبرمجين الهنود فرصة فتح فروع لأنشطتهم في كوريا وهو اتفاق متبادل على التمكين من النفاذ إلى الأسواق (Market Access). والراجح أن مثل هذه الاتفاقات التجارية الثنائية ستزداد في المقبل من الأيام وذلك نظراً لتوقف المسار التفاوضي على الصعيد المتعدد الأطراف (جولة الدوحة تحديداً) وتزايد نزعات الحمائية (Protectionism) تحت إغراءات مكافحة آثار الأزمة الاقتصادية. وليس صحيحاً ما يدعيه الغرب من أن هذه الاتفاقات الثنائية تنطوي على كثير من البيروقراطية والعمل الورقي والمحاباة لشركات بعينها على حساب شركات عالمية أخرى. فالاتفاقات التجارية الثنائية (FTAs) لا تختلف عن الاتفاقات التجارية المتعددة الأطراف ومنها تخصيصاً الاتفاقات التي يجري التفاوض على إبرامها في إطار منظمة التجارة العالمية إن لم تكن نسخة طبق الأصل منها. الفرق الوحيد بينهما هو النطاق (Scope)، فالأولى محدودة ضمن إطار دولتين أو مجموعة دول إقليمية، فيما الثانية ذات نطاق عالمي أوسع، فضلاً عن أن الأولى تشكل أساساً للثانية، أي أن المتفاوضين على إبرام اتفاقات تجارية ثنائية يأخذون في اعتبارهم ما كانوا قدموه سلفاً من التزامات (بخفض السقوف الجمركية الكمية وغير الكمية) لمنظمة التجارة العالمية ويزيدون عليها فتصبح الاتفاقات الثنائية بهذا المعنى (WTO+). كما إن القول بأن هذه الاتفاقات التجارية الثنائية تؤسس لممارسة جديدة في النظام التجاري الدولي قائمة على أساس التمييز من حيث إن هذه الاتفاقات توفر معاملة تفضيلية للدول طرفي التعاقد.
صحيفة الوطن
22 نوفمبر 2009
محمود درويش ومارون عبود
في الذكرى الأولى لرحيل الشاعر والأديب والمثقف الفلسطيني الكبير محمود درويش تم التنقيب عن بعض أعماله النثرية والشعرية والسياسية المجهولة أو التي كتبت منذ سنوات طويلة ولفها النسيان بعضها تجرى إعادة نشره في صحف عربية كالحياة وبعضها الآخر يتم تجميعه وتبويبه تمهيدا لاصداره في كتاب، والحق ان قامة أدبية إبداعية وثقافية بحجم درويش يستحق ان تتبنى جهة نشر عربية أو أكثر مشروعا كبيرا لإعادة طبع ونشر أعماله الكاملة على اختلاف أنواعها منذ ان بدأ الكتابة شابا يافعا حتى رحيله الفاجع، وجزء كبير من هذه الأعمال، كما نعلم، معروف لمثقفي”عرب 48″ حينما كانت كتاباتهم المنشورة في الداخل معزولة تماماً عن الرأي العام العربي وعلى الأخص خلال عقد ستينيات القرن الماضي، وهي بالضبط السنوات التي بزغ خلالها نجم درويش عربيا من خلال إعادة نشر بعض أعماله في بعض الصحف اللبنانية حتى أفرط مثقفون عرب في تقريظها كنموذج مما كان يعرف بـ “الأدب المقاوم” في الداخل فكانت صيحته المشهورة خجلاً من ذلك التقريظ “انقذونا من هذا الحب القاسي”، ومعظم هذه الأعمال أو كلها كانت تنشر في صحافة الحزب الشيوعي الإسرائيلي كمجلة “الجديد” و”الاتحاد” قبل هجرته الى المنفى عام 1970، وتشير الكاتبة ديمة الشكر إلى أنها صدرت في كتاب مستقل عن دار الهدى بمدينة الناصرة ولا يعرف إذا ما سيعرف الكتاب طريقه الى سوق الكتاب العربي في ظل المقاطعة أو لعدم وجود مشاريع للطبع المشترك بين دور نشر عربية في أراضي 48 وبين دور نشر ببعض البلدان العربية.
أما بعض أعماله الأخرى المشتتة التي لم يعد نشرها فهي تلك التي كتبها في المنافي التي تشتت بينها بدءا من بيروت ومرورا بفترة قصيرة في تونس وليس انتهاء بإقامته في فرنسا ثم عودته الى الضفة الغربية بعد اتفاقية أوسلو عام .1993
ومن بواكير كتاباته التي لفتت نظري وأعيد نشرها مقال نشرته مجلة “الجديد” تحت عنوان “مات مارون عبود …” وفيه يرثي بتأثر وجداني وعاطفة حارة متأججة رحيل الكاتب والمثقف اللبناني الكبير.
وأتذكر كانت أول مرة قرأت عن هذه الشخصية اللبنانية الفذة ما كتبه عنه الناقد اللبناني محمد دكروب في كتابه الموسوم “شخصيات في الثقافة العربية” حيث كتب كما أتذكر في الفصل الخاص به عما يتميز به عبود من حس أدبي مرهف في الكتابة عن الفلاحين وتراثهم الشعبي الذي يعبرون به عن مظلومياتهم وعن وطنيته الصادقة وكرهه الجارف لآفة الطائفية.
وفي هذا الصدد أتذكر ان دكروب وهو يقدمه في هذا الفصل من الكتاب لفت نظر القارئ الى إمعانه في تسمية ابنه الأكبر “محمد” تحديا منه للتقسيمات والانقسامات الطائفية في تبني الأسماء العربية.
وهذا ما أشار إليه درويش في مقاله أيضا “ومارون عبود هو الذي سمى ابنه محمداً، ومهما تكن أسباب التسمية، إلا أنها تظل عنوانا إنسانيا كبيرا لأخوة الطوائف واحتقارا جميلا للتمييز بين أديان الشعب الواحد الصغير…”. وبالفعل حينما رجعت الى كتاب دكروب وجدته قد أورد هذه الملاحظة في هامش الصفحة الأولى من الفصل المخصص عن عبود تحت عنوان “ملامح صورة مارون عبود.. الفلاح راوي الريف.. ديمقراطي لبناني عربي حتى العظم”.
أما ما أورده في الهامش فكان على إثر تكنيته في متن الصفحة الأولى بـ “أبومحمد” وفي الهامش يكشف دكروب النقاب عن سر هذه الكنية قائلاً “أطلق مارون عبود على ابنه الكبير محمد تحديا منه للنزوع الطائفي” وينقل دكروب في الهامش نفسه ما قاله عبود نفسه في أسباب تسمية ابنه محمداً “… ولأن لتسمية النبي محمد العربي مقاما ساميا في نفسي، وأحبه حبا جما، وأعجب بشخصيته الفذة.. ولأنني كرهت اسم ابني طائفيا كاسمي، فأريت أن أمزج الاثنين …”.
أما من جملة ما عبر عنه محمود درويش في رثائه لعبود غداة وفاته في أوائل الستينيات فيوصف ما خلفه من تراث عظيم هو عبارة عن تراث الشعب اللبناني “وسفيره الأدبي عند باقي الشعوب، وبعبارة فنية نقول إنه فولكلوره، ان الطابع العام المميز لقصصه ينحدر من أعماق القرية اللبنانية، والفلاح اللبناني البسيط الأصيل الذي يواجه الحياة مهما كانت ألوانها بالبسمة والمرح والأغنية والكرامة، ولا ينسى مارون عبود ان يسجل كل لفتة من العادات القروية.. النزاع الخالد الذي لا ينتهي بين الحماة والكنة.. عبودية الحب الخالد، والرضوخ لما يفرضه رب البيت على العروس التي يزوجها لمن يشاء هو.. ثم ــ وفوق كل شيء ــ علاقة الفلاح الالهية بأرضه والنشاط الذي لا يكل ليحصد الرغيف من الأرض …”.
وثمة مقال آخر جميل نشره الشاعر درويش في مجلة “اليوم السابع” في ثمانينيات القرن الماضي عن الشاعر الأسباني لوركا الذي قتلته قوات فرانكو الفاشية وقد جاء توقيت نشره تقريبا في منتصف المسافة الزمنية بين كتاباته الأولى في داخل أراضي 1948 وبين كتاباته الأخيرة الأكثر نضجاً في الأسلوب والأفكار التي لئن صح التقدير ميزت كتاباته منذ مطلع التسعينيات حتى وفاته وسنتناول في وقفة قادمة هذا المقال.
صحيفة اخبار الخليج
22 نوفمبر 2009
تكوينات الطبقة العاملة في البحرين (2)
إن الجسم الوطني من الطبقة العاملة هو الذي يلعب الدورين السياسي والنقابي، وسنجدُ تغيراتٍ كبيرةً في هذين الدورين خلال المرحلتين السابقتي الذكر: مرحلة الوطنية ومرحلة المناطقية العالمية.
لقد انقلبَ الواقعُ في الحياة الاقتصادية عنه في الحياتين السياسية والنقابية، فقد ساد العمالُ الأجانبُ في بُنية العمال وتحجم العمالُ الوطنيون.
كان العمال المسيسون الوطنيون والنقابيون البحرينيون في الشركات الكبرى قد مارسوا دورهم من خلال ذلك بالتناسق مع الحركة السياسية الوطنية الاجتماعية من خلال مطالبها المختلفة.
وهذا الواقع تعرضَ للتغيير مع تبدل البنية الاقتصادية، وفيضان العمال الأجانب.
يُلاحظ من خلال الإحصائيات تدفق العمال الأجانب نحو الخدمات الإنشائية، والأعمال الهامشية، وأعمال الملكيات الصغيرة الاسمية قانوناً، وقلة منها تتجه نحو الأعمال الإدارية الكبيرة، وهذه الفئة تنضم إلى القوى المالكة للمؤسسات الاقتصادية أكثر من ارتباطها بالعمال.
يوجهُ هذا التكوينُ العددي الكبير الواسعُ سهمَهُ الحاد في مجتمعٍ صغيرٍ على العمال اليدويين وذوي التعليم المحدود وغير ذوي الإمكانيات التقنية والعلمية، سواءً كانوا في المدينة أو القرية، لكن ما يجعل أكثرَ ضرباتهِ تتجهُ للعمالِ في الريف هو تماثلُ الشروط العملية بين العمال الأجانب والعمال الوطنيين الفقراء في القرى، واختلافها في الشروط الاجتماعية، فالمشرعُ يجلبُ عمالاً ريفيين ذوي أجور زهيدة جدا ويلقي بهم في سوقٍ ضيقةٍ مكتظةٍ وبشكل كثيف.
فوجدَ عمالُ القرى والأحياءِ الشعبية المدنية أنفسَهم يواجهون منافسين أشداءَ كثيرين، وبشروطٍ معيشيةٍ غير متساوية، فتغدو قوانين حساب قوة العمل الوطنية بشروط تجديد إنتاجها هنا غير شروط تجديد العمال الأجانب عيشاً وكلفة وفروق أسعار للعملات، بسبب تباين قيم المساكن وإعادة إنتاج العائلة معيشيا وتعليميا وغير هذا من متطلبات الحياة المختلفة بين البحرين والبلدان التي جاءَ منها العمالُ الأجانب، فمجيئهم من الأرياف والمناطق المهمشة في بلدانهم يجعل كلفتهم متدنية جدا، وردود أفعالهم على سوء المعيشة وفقد الحقوق ضعيفاً.
كما ان إسكان أغلبهم في المناطق الرثة، وحملهم الأمراض الجسمية، وغياب أي حس وطني أو حضاري في المناطق الجديدة التي سكنوا فيها وأغلبها في مدن البحرين العريقة في الحارات القديمة، يدمرُهم إنسانيا، ويجعل تجميع النقود لديهم بأي صورة عملية ملغية لطبيعتهم العمالية الكفاحية المفترضة، إضافة إلى سوء الطعام المقدم والمبيع إليهم من المطاعم الرخيصة السيئة المواد والطبخ، ورداءة المساكن التي يعيشون فيها بأشكال جماعية تعاونية، وغياب زوجات الأغلبية منهم، ان كل هذه الظروف أهلت الأغلبية الأجنبية من العمال لتلعب دورا سلبيا في تطور الحركة العمالية البحرينية، خاصة مع مجيء قيادات نقابية عمالية بحرينية ذات رؤى معينة.
ولقد ظهرت الحركةُ العماليةُ النقابية خلال العقد الأخير كنتاج ردود فعل لهذا الواقع الاقتصادي العمالي المتناقض، فثمة تدهور لمراكز تجمع العمال المواطنين، وغياب أي دور نضالي عمالي عام، وثمة كثرة للجزر العمالية المفصولة عن بعضها بعضا، وكثرة للعمال الموجودين خارج النقابات، إضافة إلى وجود الأغلبية العمالية الأجنبية جسماً موجوداً في البحرين ومؤثراً في اقتصادها وظروف معيشتها ولكنه خارج النقابات فعليا.
وليست مصادفة هذا التقابل بين قيادات نقابية دينية وجسم عمالي أجنبي معزول. لقد جاءت القيادات النقابية البحرينية ذات التفكير المذهبي كردِ فعلٍ على اقتحام العمال الأجانب الحياة البحرينية، مثلما دخل جمهور العمال الريفيين خاصة في تأييد كبير للحراك السياسي الديني.
ولهذا فقد واجهت الوجود العمالي الأجنبي الكثيف بشكل سلبي، فلعله يختفي بالتجاهل، وبالتالي فقد أضعفت من أوراق الطبقة العاملة في البحرين ككل، من حيث غياب درس هذا الوجود العمالي الأجنبي ورؤية مشكلاته وأوضاع بشره السيئة المنعكسة على البلد صحة وسكناً ومعيشةً ومصيراً عماليا.
إن الوعي الديني المحافظ انعكس في مشاعر كراهية الأجانب، وعدم إدخالهم في التكوينات النضالية المحلية، وبالتالي ضيع هذا أوراقاً مهمةً في النضال العمالي وفي التفاوضات وفي الصراع ضد الاستسهال في جلب العمال الأجانب ونشرهم في أي مكان وفي غياب حقوقهم وبجعلهم مادةً مؤثرةً ضد العمال البحرينيين.
صحيفة اخبار الخليج
22 نوفمبر 2009
أحمد الشملان.. قامة بحجم الوطن!
أحمد الشملان ، اسم يختزل عقودا وتاريخا من مسيرة خضراء عمدتها أجيال متعاقبة ممن حفروا أسماءهم في ذاكرة الوطن عبر تضحيات جسام لا شك أن نسبة غير يسيرة باتت تجهلها، ربما لعتمة المشهد وتشويش رؤيته ممن ولصالح من يتسلقونه عنوة، حيث تعبد الطرق أمامهم لتخريب تلك الصورة البانورامية الجميلة التي لن تبهت أبدا من ذاكرة الأجيال مهما علا الموج وادلهمت المسافات، فهي صورة خلقت لتبقى عنوانا لوطن سيظل موحدا رغم ما يعتريه من أمراض ومتاعب.
ماذا يعني أن تحتفي البحرين بأحمد الشملان؟ ولماذا الآن بالذات؟ وما مغزى تلك الجموع الغفيرة التي شاركت بحب وعرفان في احتفالية يقيمها المنبر الديمقراطي التقدمي منذ الرابع عشر حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، حيث تتناغم السياسة بالفن والأدب والشعر والمسرح، أسئلة ربما طرحتها مشاركات ومداخلات ورؤى وكتابات من ساهموا بإصرار على إنجاح هذا المهرجان الوطني الكبير، احتفاءاً وتكريما لشخصية وطنية استثنائية بكل المقاييس، فهو الحاضر بيننا بصمته المهيب وحضوره المبهر الطاغي، نحن رفاقه وتلامذته وكل الخيّرين في هذا الوطن، نستمد من جَلدِه وعزيمته قوة تعيننا على مواصلة الطريق، ومن صمته الناطق وشموخه عنفوان الولاء للأرض والوطن، ونتعلم من سيرته ومبادئه وخطى كل من رافقوا مسيرته الكفاحية دروسا ومواقف وعبر، علها تعيننا على فهم واقعنا بكل ما يعتريه من مرارات وتشابك وتداخل وضبابية وضياع، إلى حيث يكون العمل والإصرار والتشبث بالمبادىء وأخلاقيات العمل والصبر والنزاهة والزهد، من أجل رفعة الوطن، رغم وعورة الدروب وتعدد منعطفاتها، ومن أجل الثبات على المواقف التي قل نظيرها لمناضل خبرته أزقة المحرق ودروب مدن وقرى البحرين، كما خبرته الحجر المظلمة وساحات المنافي حتى رسمت بوضوح بصماتها على سحنته ومهابته التي تتلاشى أمامها ترهات من تيقنوا يوما أنهم قد نالوا منه.
رغم قسوة الظروف والمكابدة ها هو أحمد الشملان مبتسما متفائلا كعادته مصرا على أن يبعث فينا الأمل بمستقبل أفضل لهذا الوطن وأبناءه، نتعلم منه في صمته وحضوره، نتمسك من خلاله بأهداب الأمل التائه في ساحات العبث اليومي المزلزل لكيانات ومواقف ترتعش فرائصها مع أول هبة، نتعلم من مواقفه وثباته ومحبته التي تظللنا جميعا، لنقول معه أن لا مكان هنا لمن يقتسمون الوطن ويعبثون بمقدراته ويسعون جاهدين لأن يحرقوا الأخضر واليابس فيه، نزولا عند نزواتهم المريضة المشبعة بالقيح، ولمن لا يعرفون الشملان نقول عليكم أن تقرءوا فصولا من سيرته العطرة كما رصدتها بتواضع جم وأناة رفيقة دربه “أم خالد”، حيث المكابدة والألم والإصرار والتعلق بالوطن أملا ومحبة، والى حيث تتعدد الشهادات والمحطات والمواقع ذات البعد والهدف الواضح باتجاه الوطن والناس في مسيرة تلك القامة الوطنية الشامخة، لتعطي دفقا لا ينضب لمحورية شخصية أحمد الشملان القيادية في مسيرة العمل الوطني.
أن نحتفي بأحمد الشملان فإننا نحتفي بوطن يسمو أبدا فوق جراحات ونزوات رخيصة لاهثة دون كلل، كم كانت معيقة بحق لمسيرتنا الوطنية، دون أن يسعفنا اللهث والتدافع للتوقف قليلا عند محطاتنا الوطنية الكبرى لنقرأ شيئا من تاريخ الوطن الناصع الذي ساهم فيه “الشملان” ورفاقه وكل رجالات وشهداء هذا الوطن المخلصين، وهم امتداد أصيل لرجال سبقوهم في هيئة الاتحاد الوطني، رجال حفروا الوطن جميلا في مخيلتنا الأولى، ليكون وطنا جامعا لكل مكوناتنا الوطنية دون فرز مذهبي أو طائفي أو قبلي أو اثني، نحتفي بك “أبا خالد” لأنك كنت وستبقى عنواننا الأبرز لوحدة وطنية يراد لها أن تضرب وتمرغ في الوحل، كانت حاضرة على الدوام في فكرك وعملك وصبرك الطويل، في سبيل أن تبقى البحرين وطنا لنا جميعا، تلك الجميلة التي أفنت لأجلها أجيال متعاقبة سنوات الورد والعطاء، كان في مقدمتهم طيبي الذكر أحمد الذوادي ورفيق دربه عبد الرحمن النعيمي(شافاه الله) وشيخنا الراحل الجمري، غير عابئين بجلل الخطب ووحشة المسافات.
نحتفي بالشملان رمزا لوحدتنا الوطنية، لتتعلم من سيرته الأجيال كيف يكون الوطن أغلى من بؤبؤ العين،وكيف يكون للنضال في سبيل الوطن معنى يتجاوز الزيف والحقد والكراهية، وكيف نصيّر الفجر الشارد بعيدا في متاهة العبث وطنا يزهو ليحتضن الجميع.
حتى »عنوان« المساومات »طفشوه« من دوامة المفاوضات!
ساد هرج ومرج في أوساط النخب العربية، السيادية الحاكمة والإعلامية المتعاطفة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وتوجهاته العالمية - خصوصاً منها الشرق أوسطية - المُعَوِّلة على وعوده ما قبل وما بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، جراء ارتداد أوباما وأركان إداراته عن وعودهما وإعادة اصطفافهما خلف ‘الوكيل’ الإسرائيلي.
إذ يبدو أن أوباما خيَّب آمالهم وأفسد رهاناتهم على قدرته في تحقيق ما كان وعدهم به من اختراق في جدار الموقف المتعنت الإسرائيلي الرافض لإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أراضيه المغتصبة وفقاً لما قررته، على أقل تقدير، قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
فلقد ‘ابتلع’ الرئيس أوباما، في سرعة البرق التي يحسد عليها، كلماته الطنانة ووعوده المعسولة بإلزام قادة إسرائيل بتجميد الاستيطان كمنطلق لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة والرامية - بحسب الإعلانات الأمريكية الممجوجة - لتطبيق ‘خارطة الطريق’ المفضية زعماً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
فبعد أن كانت ‘الملاحظات الدبلوماسية’ الأمريكية الناعمة، والناعسة أيضاً، تتوسل إسرائيل للموافقة على تعليق حركة البناء الاستيطاني ولو لمدة عام واحد فقط، إذا برئيسة الدبلوماسية الأمريكية هيلاري كلينتون توجه نداءاتها للفلسطينيين والعرب بأن يستأنفوا المفاوضات مع إسرائيل دون شروط مسبقة وذلك نزولاً عند المشيئة الإسرائيلية، وتقديم عربونات ‘سلام’ مجانية في صورة ما أسمته ‘خطوات بناء الثقة’ أو حوافز تشجيعية لإسرائيل، وهي تقصد بطبيعة الحال التطبيع الاقتصادي خصوصاً في مجال النقل والمواصلات والاتصالات.
فكان هذا الموقف، إضافة إلى موقف أوباما الذي أظهره خلال اللقاء الثلاثي الذي جمعه مع محمود عباس وبنيامين نتنياهو في نيويورك على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي والذي تراجع خلاله عن التزاماته التي كان أعلنها بشأن الاستيطان، كان بمثابة صعقة كهربائية داهمة لم يستطع عمرو موسى كتمان غيظه من هذا ‘الانقلاب’ الصاعق في موقف الإدارة الأمريكية فطفح يعبر عن استياء وزراء الخارجية العرب وانزعاجهم من هذا الخذلان الأمريكي المشين.
حتى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يمثل عنوان مرحلة المساومات (المسماة مفاوضات) العربية الأمريكية الإسرائيلية، لم يحتمل هول صدمة تحول أوباما من الضغط على الإسرائيلي لتجميد الاستيطان إلى الضغط على الفلسطيني للقبول بالعودة إلى دوامة المفاوضات، فلم يتمالك نفسه من شدة غصة الخذلان، فانتهز أول مناسبة للإعلان عن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية الفلسطينية التي كانت السلطة الفلسطينية في رام الله قد قررت إجراءها في يناير القادم.
ثم جاء اعتراف كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات يوم الحادي عشر من نوفمبر الجاري بفشل 18 عاماً من المفاوضات مع إسرائيل وإعلانه عن تكشف قناعة لدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس باستحالة إقامة دولة فلسطينية في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ليعكس حقيقة الحالة اليائسة التي استبدت فجأة بقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله.
المثير أن تهديد أبومازن بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة الفلسطينية المقبلة لم يستدعِ ردات فعل لا من واشنطن أو تل أبيب ولا من العواصم العربية رغم ما ينطوي عليه الفراغ السياسي الذي ستتركه مثل هذه الخطوة على الاستقرار الهش في المنطقة السريعة الاشتعال كما تدل الخبرة التاريخية. فباستثناء مشاعر الشفقة التي تلفظ بها رئيس الدولة العبرية شيمون بيريز خلال احتفال إحياء ذكرى اغتيال إسحاق رابين ومفادها نصاً ‘إن الجميع جرحه، نحن والأمريكيون، بل لدي شعور بأن الجميع ألقوا الحجارة عليه من دون مبرر وهذا ليس بالأمر البسيط’، وتعليق وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الذي أشارت فيه إلى أنها ‘تتطلع للعمل معه بأية صفة’، أي أن عدم ترشحه أو استقالته لا يعنيان شيئاً لواشنطن - باستثناء هذين التعليقين الشامتين لم نر تعليقات ذات بال للصحف الأمريكية أو الأوروبية الكبرى على هذا المستجد الموجه مباشرة لدعاوى ووعود الرئيس أوباما المنمقة للعرب والمسلمين والتي تكشَّف زيفها وبطلانها سريعاً فذهبت كغثاء السيل.
وزراء الخارجية العرب الأعضاء في لجنة مبادرة السلام العربية الذين اجتمعوا في القاهرة الخميس 13 نوفمبر الجاري في القاهرة، لم يجتمعوا لغرض تعضيد موقف محمود عباس الاحتجاجي على ما اعتبره ‘محاباة واشنطن لإسرائيل’ بالتلويح - على الأقل - بإحالة مبادرة السلام العربية، المرفوضة أصلاً من إسرائيل، إلى صدارة جدول أعمال القمة العربية المقبلة توطئة لسحبها أو تجميدها (على الأقل أيضاً)، وإنما اجتمعوا لتدارك الموقف الناشئ من تهديد محمود عباس بخلق فراغ سياسي (سوف يكون مفتوحاً بطبيعة الحال على كل الاحتمالات) ومحاولة ثنيه عن قراره.
طبعاً تهديد أبومازن بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة، فضلاً عما سُرب، قصداً، من أخبار عن نيته الاستقالة من منصبه ومعه كامل طاقم الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض، هو في النهاية مقامرة عنترية قد تخرج منها حركة فتح، في حال نُفذ التهديد على الأرض، صفر اليدين، لأنه قد يدفع بميليشيات الفصائل الفلسطينية الأخرى، وتحديداً حماس، للتحرك سريعاً لملء هذا الفراغ.
ولعل هذا بالذات ما يثير ظلال الشك حول مدى جدية ذلكم التهديد وأرجحية أن يكون تكتيكاً سياسياً وحسب، استُخدم اضطراراً، ضمن سباق الماراثون التفاوضي اللاهث، كورقة ضغط على الطرف الأمريكي بعدما تراجع عن موقفه السابق المشترِط تجميداً للاستيطان قبل استئناف المفاوضات، وعلى بعض الأطراف العربية التي وجدت قيادة السلطة الفلسطينية أنها مالت لتقبل هذا الموقف الأمريكي المتراجِع.
وقد يكون هذا التفسير المعقول جداً وراء ردات الفعل الأمريكية والعربية الباردة على تلويحات أبومازن بالانسحاب من الحياة السياسية الفلسطينية لخلق أزمة في صفوف فريق الاعتدال العربي.
وإذا ما صح مثل هذا التحليل - وهو كذلك على الأرجح - فإنه يرينا حجم الأزمة التي أدخلت قيادة حركة فتح، أكبر فصيل كفاحي في التاريخ النضالي للعشب الفلسطيني، ألا وهو حركة التحرير الوطني الفلسطيني ‘فتح’، في دوامتها والتي لم تسفر عن أي شيء بعد ثمانية عشر عاماً من التفاوض الصوري وفقاً لاعتراف كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات.
صحيفة الوطن
21 نوفمبر 2009