في حموة الشارع الإيراني غضبا من نتائج الانتخابات ’ وصفت نفسها المعارضة بأنها في حالة انتفاضة سياسية عارمة وعامة ’ ولا يعرف احد إلى أين تنتهي تلك الحالة من الغليان . ولم يكن في علم الطرفين المحافظ ولا الإصلاحيين المدى الذي سيمتد فيه الموج الإيراني أو يطل التنين برأسه بعد تاريخ مكبوت ’ ففلت الشارع أكثر من قدرة المعارضة أو المرشحين الخاسرين والذين يتهمون احمدي نجاد بالتزوير . تلك الحالة السياسية أخرجت المكبوت الإيراني الطويل لدولة دخلت مأزقا سياسيا في العمق من حالة الدولة الدينية المتزمتة إلى دولة أمنية أو بوليسية في مجتمع مدني حاول خلال الشهور الأولى من الحملة الانتخابية للرئاسة للتعبير عن مكنوناته ’ من خلال الحملات التي كانت تنطلق إلى انتخاب البرلمان أو نواب البلديات ’ غير إن المسار اليومي للدولة في السنوات الأخيرة كشفت أكثر وفي مظاهرها اليومية الملموسة مدى تدخل أجهز الإعلام والاستخبارات والقضاة في كل صغيرة وكبيرة في الحياة المدنية بما فيها ملاحقة الجيل الشاب في مظهره الاجتماعي وسلوكه المتعلق بحضارة الغرب والخارج معتبرين – تيار التشدد من المحافظين- إن ذلك خروج عن خط الثورة واستنفارها الأول العظيم . كانت إيران دائما تحمل المخاضات التاريخية الكبرى مثل بقية الشعوب ’ وهذا المنطق التاريخي جعل المراقبين يفسرون الأحداث من منظارين ’ الأول برؤية إن الانتفاضة استنفرت قواها واستنفذتها عند مرحلة الانتهاء من الانتخابات فيما يرى المنظور الثاني ’ أن الانتفاضة تستعد إلى مرحلة ثانية وبحاجة إلى التقاط الأنفاس لكي تستأنف احتجاجاتها بعد إعادة قراءة ما حدث خلال الأسابيع اللاحقة لنتائج الانتخابات وما تمخض عنها من قتل أبرياء واعتقال العشرات وجرح الكثيرين مما ادخل الحزن في البيت الإيراني وافقده الثقة في النظام والثورة وبدا يستعيد ذهنه حول أسئلة كثيرة. وكان من خطأ ممارسة النظام دخوله بعنف مفرط في مواجهة حركة الشارع الغاضب ’ في زمن الإعلام والصورة والأخبار الطيارة ’ مما جعل النظام محاصرا من كل الجهات في الداخل والخارج ’ غير إن الداخل هو البالون الذي يتمدد بسرعة تفوق قدرة الدولة الأمنية التي حّولت مناخ إيران فجأة إلى حالة طوارئ ’ مما يعني نقل مناخ الانتخابات الحرة إلى مناخ عكسي فاجأت الناس بشكل مثير ومرعب ’ وكلما حاولت العائلات إقامة مجالس تأنيب وجدت نفسها معرضة للرفض والمراقبة ’ مما فرض نفسه على النخب والصفوة السياسية في القمة وعلى الشارع الواسع من الشعب الإيراني المختنق بأزمات معيشية كثيرة. هذا التلاقي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي معا ’والمتمظهر في قمة الهرم جاء واضحا في الأيام الأخيرة ’ مما ادخل الرئيس نفسه في حالة ارتباك مع التيار المحافظ والمرجعية العليا ورجال الدين ومجلس تشخيص النظام ’ فاخذ يضرب بسيفه يمينا وشمالا فأقال ما يقرب النصف من حكومته ’ والتي عددها 21 وزيرا مخالفا المادة 136 من الدستور الإيراني الذي لا يجيز في حالة إقالة نصف الحكومة أن يكون وضعها شرعيا مما يعني إن مجلس النواب يسحب منها ثقته ويعيد للانتخاب مرة أخرى. حاول الرئيس استخدام شطرنج عجوز في ترك وزير الثقافة كرقم فقط للموازنة ولكن الوزير رفض من تلقاء نفسه بعد أن وجد كرامته السياسية والشخصية لا تسمح له بالبقاء ’. ما قالته جريدة كيهان’ أعمق وابعد من ذلك باتهام مشائي ’’ بارتباطه بدولة أجنبية ’’ وانه يعد من العناصر الخطرة جدا لافتة إلى وجود اتصالات سرية بين جهات تدير مشائي والولايات المتحدة ’’ ولمجرد التوغل في عمق تلك الخطابات نرى مدى الصدع الناجم في جسد الهرم وقمته ’ فيما راحت أصوات المعارضة تدق في جسد الدولة الدينية ومؤسساتها طالبة من المرشد اتخاذ إجراء لإنهاء ’’ دولة الأمن ’’ التي فرضت في أعقاب الانتخابات الرئاسية فيما امتدت دعوتهم لرجال الدين في قم إلى وضع حد ’’ للقمع ’’الذي تمارسه السلطات والمناشدة بإطلاق سراح المعتقلين ’’ . بين منطقي دولة الأمن والقمع تدخل المؤسسة الدينية ودولتها السياسية في قمة الأزمة باحثة عن مخرج جديد لديمقراطيتها المشوهة التي بدت برأس حاد وأظافر مخيفة إزاء معارضة سلمية ومدنية ’ قد تدخل في المرحلة الثانية إلى حالة أوسع من الخلاف قد لا تقبل بنصف الحلول ’ وإنما تنتظر من موقف المؤسسة الدينية حلا ناجعا يرضيها أو بوضع المؤسسة الدينية أمام جمهورها الواسع في امتحان صعب للغاية . وسيكون إطلاق سراح المعتقلين دون شرط أو قيد سؤال يثير أسئلة عديدة للانتفاضة في مرحلتها الثانية وفي مناخات التأبين لقتلى كانوا يرددون بأصواتهم ’’ يسقط الدكتاتور ’’ فهل بالفعل بعد إقالة الرئيس لنصف وزرائه وتعيين ’’صهره ’’ دخل تلك المنطقة الرمادية من حكمه ؟ أمام انتفاضة يونيو فرصة تاريخية لن تتكرر ’ هو التفافها وراء متاريس الشارع المدنية وبناء جبهة عريضة ’ أعلن عنها الزعماء في الأيام الأخيرة مما يعني إننا أمام اصطفاف إيراني جديد في الدولة الدينية السياسية المترهلة بعد أربعة عقود من هيمنتها دون أي تغيير أو تجديد .
صحيفة الايام
16 اغسطس 2009
المرحلة الثانية من انتفاضة يونيو
رؤيتنا الاقتصادية والحقائق المربكة
كثيرا ما تفصح الأرقام والحقائق التي يتم نشرها محليا عن مدى الحاجة إلى تفكير مختلف تجاه الكثير من القضايا التنموية التي تبقى محل مداولات مجتمعية مستمرة، نتيجة ما تحدثه تلك الأرقام والحقائق من تماس مباشر وغير مباشر بقضايا التنمية وبرامجها المعلنة، وكثيرا ما تؤشر على مواطن خلل وسلبيات في التعاطي الرسمي أو الشعبي مع تلك الحقائق والأرقام. من بين تلك المؤشرات التي لا زالت ترمي بضلالها الكثيفة على الكثير من وجوه التنمية، تبرز مشاكل مثل البيروقراطية الرسمية، ونسبة النمو السكاني المضطرد، وانعكاسات ذلك على مستوى ونوعية الخدمات التي تقدمها الدولة للمجتمع من تعليم وإسكان وبيئة وصحة وكهرباء وخدمات أخرى أساسية، هذا بالإضافة إلى ما يحدثه الفساد من خلل وتراجع معيق لمسار التنمية. كثيرة هي الأمثلة الممكن استعراضها هنا وما يرشح حولها من حقائق وإحصاءات رسمية، والتي نجتزىء من بينها ما أفصح عنه مصرف البحرين المركزي مؤخرا من خلال إحصائية إدارة الاستقرار المالي للربع الأول من العام الجاري، والتي بينت أن التوقعات الرسمية لعدد السيارات في المملكة سيصل مع حلول العام 2018 إلى أكثر من مليون سيارة، وأن نسبة الزيادة في عدد السيارات ستصل في الفترة بين 2003 حتى 2011 إلى 99%، ويتوقع أن تصل بحلول العام 2015 إلى 191%، كذلك توقعت الإحصائية أن يصل عدد السيارات مع نهاية العام الجاري إلى أكثر من ألف سيارة. كان المدير العام لإدارة المرور قد أكد مطلع العام الجاري على عدم قدرة شوارع وطرقات البحرين على استيعاب هذا العدد الهائل من السيارات الذي بلغ أكثر من 400 ألف سيارة مسجلة على الطرقات، في حين بلغ عدد رخص السياقة الجديدة في العام الماضي فقط أكثر من 21 ألف رخصة، متوقعا أيضا أن سرعة السيارات على الطرقات ستتناقص، تبعا لتلك الأرقام،على الرغم مما تقوم به وزارة الأشغال من مشاريع تطوير واسعة، تتمثل في الشوارع التي يفترض أن تكون سريعة ومن جسور وأنفاق. أعرف أن لغة الأرقام كثيرا ما تكون مملة للبعض، ولكن ليس هناك من مفر، فبالنظر إلى حجم ونوعية الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها في مرفق من المرافق الحيوية، والذي لا يمكن أن يؤخذ بمعزل عن بقية الخدمات التي تقدمها الدولة وتحظى بأولوية لدى المواطن، ونستطيع أن نؤشر على الكثير من الخدمات المقدمة من خلال قراءة بانورامية للمشهد العام لتلك الخدمات الأساسية، لنصل من خلالها إلى حقائق مخيفة، حقا يتعذر معها قبول طبيعة التعاطي الرسمي وحتى الشعبي معها. وهكذا يصبح مشروعا طرح الكثير من التساؤلات حول قدرة وجدوى الخطط والبرامج الحكومية تجاه مشاريع البنية التحتية من إسكان وكهرباء وصحة وتعليم وبيئة وتخطيط عمراني، خاصة إذا ما علمنا بطبيعة المعالجات المقترحة والتي لا ينقصها التعاطي البيروقراطي وشحة الموازنات وعجز الكثير منها عن القيام بمهماتها، وقبل هذا وذاك غياب نهج التخطيط القائم على دراسات علمية حقيقية. فها نحن نسمع عن قرب البدء في تنفيذ جسر البحرين-قطر والذي سيزيد من حدة الضغط المروري في شوارعنا وطرقاتنا لتصبح معه الجسور والأنفاق التي يتم إنشاءها الآن وكأنها غير مستوعبة لما سيجري من زيادة المركبات على الطرق، خاصة وأن الدراسات الأولية لخطوط القطارات المقترحة لا زالت تراوح في غرف الاجتماعات وأدراج المسؤولين وليس معلوما فيما إذا كانت ستوجد لها الميزانيات المطلوبة! على ذات المنوال يمكننا أن نفهم جدوى مختلف المشاريع ومدى قدرتها على أن تلبي الأهداف الموضوعة لها، خاصة وان كل المؤشرات تقول أن نسبة الزيادة السكانية باتت تلقي بثقلها ومصاعبها على الموارد العامة لتتسبب في تعطيل المشاريع الإسكانية التي تشكو هي الأخرى من شح الأراضي وضرورات اللجوء للاستملاك بكل ما يعنيه من تكلفة مالية باهضة، وكذا الحال بالنسبة لزيادة المدارس والمستشفيات وبقية المرافق. ليظل السؤال شاخصا يبحث عن إجابات شافية نتمنى أن لا يطول انتظارنا لها حول قدرة رؤية البحرين الإقتصادية 2030 على إحداث النقلة المأمولة ضد كل ذلك التداخل في المؤشرات والأرقام والحقائق التي أصبحت واقعا لا يمكننا كدولة الهروب منه.
صحيفة الايام
16 اغسطس 2009
كارثة الثروة السمكية
بعد الضربة القاصمة التي تلقتها الطبقة الوسطى البحرينية جراء الارتفاعات الشاهقة في اسعار العقار نتيجة لفتح الباب “سداح مداح” للمستثمرين الخليجيين لتملك العقار في البحرين والهجوم الرأسمالي الشرس والبشع على البحر وشواطئه الوديعة، ها هي الثروة السمكية على موعد مع كارثة محققة جراء عمليات الدفان المتوحشة وعمليات شفط الرمال من قاع البحر بعمق أربعين كيلومترا داخل مياهنا الاقليمية والتي أدت إلى هدم وتجريف بيوت الاسماك التي استغرقت عملية بنائها عشرات ومئات السنين.
فكان أن شح عرض السمك البحريني في السوق وارتفع سعر “الهامور” إلى 6 – 7 دنانير للكيلوغرام الواحد، واختفى “الشعري” وتضاءل محصول “الصافي”!
والله زمان يا عبدالرحمن رفيع، شاعرنا البحريني الأصيل، الآن إذ نستعيد قصيدتك السبعينية الشهيرة “آه منك يا زمان الشعري الربعه بثمان”. وأين “الربعه” التي كانت تساوي مايقرب اثنين كيلو من كيلو اليوم؟!
إنها كارثة بمعنى الكلمة. وعلى أبناء الشعب البحريني توقع أن يتم تقنين صيد أنواع معينة من الأسماك مثل الصافي وذلك على غرار ما هو معمول به مع الروبيان.
والخوف أن يأتي يوم يعز فيه الصيد البحري أمام هذا الجشع الرأسمالي المنفلت العقال. فلكأن لا من شاف ولا من درى. وقلبي عليك ياوطني، فلقد كثرت الغربان!
فماذا عسـى المرء ينتظر من حكومـة “تلطيـش” اقتصادي وتشطير مجتمعي، ومن برلمان ضرير ومضر، ومن متنفذين داخل السـلطة لا يتورعون عن “حرث” وجرف البحر بأدوات صيدهم الجائرة في سبيل اشباع نهمهم وجشعهم الرأسمالي –
ماذا عساه ينتظر سوى هذا الحصاد المر؟!
14 أغسطس يوم الاستقلال الوطني في البحرين
14 أغسطس، لماذا يجب الاحتفال به يوم وطني للاستقلال في البحرين؟ أي شعب من شعوب العالم، عندما يكون محتل من شعب آخر، يناضل لطرد المحتل أو الغزاة المحتلين من بلاده، ويحتفل بتاريخ خروج المحتل، ويشكل ذلك اليوم حدثاً تاريخياً في حياته، يوم الاستقلال الوطني، والسيادة الوطنية والحرية، ربما يقول، قائلاً، بان البحرين، كانت محمية باتفاقية مع الانجليز في عام 1820، بموجب تلك الاتفاقية تحصل على الحماية من قبل الانجليز، التسميات والعناوين، لا تختلف كثيراً في مواضيع مثل الاتفاقية، أو الحماية، أو غيرها بكلمات، البلاد كانت مسلوبة الإرادة، إضافة إلى ذلك وجود قواعد عسكرية، ومسئولين بريطانيين، وجيش من الأجانب أتوا بهم إلى البحرين من بلدان شتى، وتحديداً من بلدان المستعمرات البريطانية، فماذا يعني ذلك، ليس احتلال.
وبسبب الحديث عن المستعمر البريطاني، يذكر د.عيسى أمين في مقدمة كتاب “ساحل القراصنة”، المترجم “تشارلز بلجريف”/ (كان أول دخول للانجليز إلى الخليج عن طريق البحر، وكأن البحر والأمن البحري بالنسبة لشركة الهند الشرقية هاجساً دائماً ومصدر قلق تحولت معه السفن التجارية، وبالتدريج إلى سفن شبه عسكرية وعسكرية كاملة في النهاية (1820).
وكان اتفاق الشاه عباس الكبير في (1622) مع الانجليز على طرد البرتغاليين من الخليج بعد أن كانوا قد استقروا فيه على مدى مائة عام وتحكموا في سواحله وثرواته من “اللؤلؤ” وكونوا لأنفسهم نقاطاً بحرية ومواقع استراتيجيه من لشبونة إلى جوا في الهند.
يذكر المترجم في الكتاب، في عام 1521 دخل البرتغاليون البحرين والتي كانت آنذاك تابعة للإحساء وكلا الاثنين تابعين لسلطات هرمز، كان السبب في دخول البحرين هو طلب ملك هرمز من البرتغاليين مساعدته في الحصول على الضرائب المتراكمة لدى حاكم الإحساء، احتلت القوات الهرمزية والبرتغالية البحرين وتوفي ملكها بعد إصابته بالجراح، اسمه “مقرن”.
ومنذ أن دخلت السفن البريطانية إلى الخليج في عام 1820 وبعد الاتفاقيات مع المشيخات والإمارات في الخليج، بدأ النفوذ البريطاني يتزايد في المنطقة، وبعد اتفاقيات الحماية الموقعة مع حكام البحرين، بناء الانجليز مطار، في المحرق، بالإضافة إلى آخر في الصخير عسكري، وقاعدة عسكرية في الجفير في عام 1930، وظلت البحرين تحكم من قبل الانجليز.
يذكر القائد الوطني الكبير عبدالرحمن الباكر في كتابه “من البحرين إلى المنفى” (لقد كانت البحرين تحكم حكماً عسكرياً من قبل ضباط بريطانيين وكانت تابعة لحكومة بومباي في الهند أبان الحكم البريطاني منذ عام 1909 حتى عام 1938 حينما استبدل العسكريون بالمدنيين فقد تعاقب على حكم البحرين كثيرون من الضباط البريطانيين الشرسين كمثل السربرسي كوكس والميجر البن وجاء بعده الميجر ديلي الذي حكم البحرين حكماً عسكرياً ثم الميجر دكسن وبعد ذلك الكولونيل برابر والكولونيل هي والكابتن هكم بتام وغيرهم، مما لا أتذكرهم الآن، هؤلاء الذين كانوا يحكمون البحرين وما حكام البحرين البلاد إلا واجهات يبرزون حينما يراد منهم البروز، ويواصل في كتابه قائلاً، خفت وطأة الانجليز المباشرة على البحرين حينما استولى بلجريف مستشار حكومة البحرين السابق على الصغيرة والكبيرة فاخذوا يملون ما يريدون بواسطة بلكريف وهو ينفد سياستهم، كما يفعل الآن المستر سميث سكرتير حكومة البحرين.
هذه الحقائق وكيف لا تكون البحرين بلد مستعمر من قبل البريطانيين، ولا توجد سيادة وطنية على قرارها السياسي أو العسكري أو الاقتصادي.
وعندما يجري الحديث عن الاستقلال الوطني الذي ناله شعبنا، يجب التذكير هنا، جاء بفضل نضالات الحركة الوطنية في البحرين منذ منتصف القرن الماضي، وتحديداً ما قامت به هيئة الاتحاد الوطني “أعوام 54-1956″، بقيادة الباكر والشملان والعليوات وغيرهم من القادة الوطنيين، وواصلت حركتنا الوطنية نضالها ضد المستعمر البريطاني، فبعد قمع انتفاضة هيئة الاتحاد الوطني في أعوام 54 و 1956، رفعت جبهة التحرير الوطني البحرانية، الشعارات الوطنية الداعية لإسقاط الحماية البريطانية عن البلاد وإعادة قادة هيئة الاتحاد الوطني المنفيين وإطلاق سراح المعتقلين، ومن تلك الشعارات التي كانت تدعو للحرية (نريد الحرية للشعب والاستقلال للبلاد) (أخرجوا من بلادنا أيها المستعمرون، تسقط حمايتكم، لا نريد من أعداء شعبنا حمايتنا) وفي مواجهة مساعي الاستعمار والرجعية لتغذية النعرات الطائفية دعت الجبهة إلى وحدة الشعب.
(عززوا وحدتكم الوطنية ورصوا صفوفكم واقضوا على المؤامرة التي يحيكها الاستعمار لتصفية مكاسب كفاحنا الوطني)، (من أدبيات جبهة التحرير الوطني البحرانية).
وصاغت جبهة التحرير الوطني البحرانية، أول برنامج سياسي واضح المعالم والأهداف في عام 1962، (برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم)، ويشتمل البرنامج على 15 هدف نضالي حدده الحزب، اذكر منه بعض البنود:-
1. تناضل جبهة التحرير، من أجل البحرين دولة ديمقراطية ذات سيادة مستقلة استقلالاً حقيقياً، وذلك بإلغاء الحماية الاستعمارية ومعاهداتها الأسترقاقية غير المتكافئة وذيولها المفروضة على شعبنا.
2. تصفية القواعد العسكرية العدوانية البريطانية والأمريكية وجلاء القواعد الأجنبية عن بلادنا.
3. تناضل الجبهة من اجل إيجاد حكومة وطنية ديمقراطية تعمل لصالح الشعب البحراني، وتطهير جهاز الإدارة الاستعمارية من الإداريين الانجليز وأعوانهم، وتقيم نظام وطني ديمقراطي، بإقامة مؤسسات ديمقراطية تكفل الحريات الديمقراطية لجموع الشعب البحريني، وبرلمان ومجالس إدارة وبلدية ينتجها الشعب، تمثله حقاً وتضع دستوراً يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية لوطننا.
4. إنشاء جيش وطني للدفاع عن مكتسبات الشعب.
5. مساواة المرأة البحرانية بالرجل في كافة الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ناضلت الجبهة من اجل تحقيق تلك الأهداف، بجانب التنظيمات الوطنية والقومية في البلاد، التي تأسست بعد جبهة التحرير.
يذكر في الكلمة المركزية لجبهة التحرير الوطني البحرانية في احتفالاتها بالذكرى الثلاثين لتأسيسها في عام 1985 في عدد مجلة الفجر الصادرة عن الجبهة بالمناسبة.
إبان انتفاضة مارس المجيدة وضعت المقدمات الأولى لنيل الاستقلال و لمجمل التطورات اللاحقة في بلادنا، خاصة وان هذه الانتفاضة وآثارها رافقت مع سلسلة من التطورات الثورية في المنطقة كانطلاقة الثورة العمانية في يونيه عام 1965، وتصاعد ثورة الشعب اليمني المسلحة في الجنوب بقيادة الجبهة القومية من ثم انتصارها وإجبارها المستعمرين البريطانيين على الجلاء عن البلاد، مما حدا بهم إلى تعزيز ومضاعفة حجم وجودهم العسكري في البحرين فيما كان نضال الطبقة العاملة والجماهير الكادحة يتصاعد ضد الاستعمار وضد هجمة احتكاراته.
وجاءت هذه التطورات في مناخ دولي اتسم بتراجع الامبريالية البريطانية وتقهقرها وعجزها عن مواجهة ضربات شعوب مستعمراتها مما جعلها تعلن عن نيتها في الانسحاب من شرقي السويس، وما اقتضاه ذلك من اتخاذ تدابير لإحلال النفوذ الأمريكي المباشر مكان نفوذ الانجليز وإعداد أنظمة المنطقة لتصبح ركائز قوية لهذا النفوذ، وجاءت هذه التدابير تحت شعار “ملء الفراغ” الذي سينجم عن انسحاب بريطانيا.
وقد اقتضى تهيئة الأجواء لتمرير هذا المخطط توجيه ضربة قاسية لحزبنا في عام 1968، أريد بها اجتثاثه نهائياً، فتعرض العشرات من قياديين وكوادر الحزب للاعتقال والسجن والنفي.
ويتواصل السرد في كلمة الجبهة، (لكن بفضل التنظيم السري الجيد للحزب، والتفاف الجماهير حوله تبددت أوهام الاستعمار البريطاني والسلطة الرجعية، وتصاعدت النضالات التي أجبرت المستعمرين على الانسحاب في نهاية الستينات ونالت شعوب المنطقة استقلالها تتويجاً للنضال الذي خاضته وتعبيراً عن التغيير الجذري في تناسب القوى على الصعيد العالمي لصالح قوى التقدم والاشتراكية.
وكانت بلادنا واحدة من الدول التي نالت استقلالها الوطني، بعد المطالبات المستمرة من قبل شاه إيران بضمها، وبعد ممارسات الضغط عليه من قبل هيئة الأمم المتحدة تم إرسال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، الايطالي فيتوري جو ستاردي في شهر مارس من عام 1970، لاستقصاء الحقيقة من شعب البحرين، لقد ساهم مناضلي وأصدقاء جبهة التحرير من خلال الأندية الوطنية ومع شخصيات وطنية واجتماعية بحرينية، بان أكدوا على عروبة البحرين، وسلمت من قبل جبهة التحرير الوطني البحرانية مذكرة إلى ممثل الأمين العام، تؤكد على مواقف الجبهة من الادعاءات الإيرانية الباطلة، وتم تفنيد المزاعم وجاء الموقف الشعبي الرافض لضم البحرين لإيران بعد مقابلة الوفود الشعبية في قصر الرفاع لممثل الأمين العام، وبفضل تلك المواقف المبدئية لشعب البحرين وحركته الوطنية، تم الاعتراف بدولة البحرين من قبل هيئة الأمم المتحدة في الرابع عشر من أغسطس عام 1971، وأصبحت فيما بعد عضواً في الهيئة وجامعة الدول العربية.
فلا يحق لشعب البحرين، بان يحتفل باليوم الوطني للاستقلال والحرية من نير الاستعمار البريطاني مثل سائر الشعوب والبلدان التي نالت استقلالها الوطني بتضحيات ونضالات أبنائها، فلماذا يراد محوه من الذاكرة الوطنية.
ورقة مقدمة في الحلقة الحوارية التي اقامها قطاع الشباب والطلبة بالمنبر التقدمي
15 اغسطس 2009
الطبقات الاجتماعية وأزمة ما بعد الانتخابات في إيران
يميل البعض في الغرب وفي إيران إلى تصوير الأزمة الراهنة في إيران على أنها صراعٌ طبقي بين الطبقات العُليا المُترفة والطبقات الفقيرة الوسطى والدنيا. من ناحية، هم يؤكدون أن مُعسكر محمود أحمدي نجاد يُمثل مصالح الطبقة العاملة والفقراء، ومن الناحية الأخرى،
الطبقات الاجتماعية وأزمة ما بعد الانتخابات في إيران
طبقات اجتماعى درﮔير در بحران ﭙس از انتخابات ايران
Social Classes and the Post-election Crisis in Iran
بقـــــلم: فرزين يحدات
ترجمة: غريب عوض
يميل البعض في الغرب وفي إيران إلى تصوير الأزمة الراهنة في إيران على أنها صراعٌ طبقي بين الطبقات العُليا المُترفة والطبقات الفقيرة الوسطى والدنيا. من ناحية، هم يؤكدون أن مُعسكر محمود أحمدي نجاد يُمثل مصالح الطبقة العاملة والفقراء، ومن الناحية الأخرى، تتشكل القاعدة الاجتماعية للأصلاحيين في معظمها من الطبقات العلياء، المُعتادة على حياة الرفاهية واللامبالاة بمحنة الفقراء، إن لم يكن إحتقارهم.
إذا ما ألقينا بنظرة قصيرة إلى السنوات القليلة الماضية وإلى سير الحملة الانتخابية في إيران سوف تتكشف لنا صورة مختلفة. لقد وصل محمود أحمدي نجاد إلى سدة الحكم منذو أربع سنوات خَلَتْ، إذا افترضنا أن الانتخابات السابقة كانت، على نحوٍ مقبول، نظيفة، عن طريق وعد الطبقات الدنيا بإتخاذ إجراءات لتحسين وضعها الاقتصادي وضمان العدالة الاجتماعية ضد القياديين الفاسدين الذين جمعوا ثروات ضخمة على حسابها. ولكن الذي أنجزهُ محمود أحمدي نجاد كان عطاءات لفئات مُختارة ليشتري دعمها وولائها. إن هذا النوع من علاقة الراعي – والزبون بطبيعتها لا يمكن بنائها على نطاق واسع ليضم قطاعات كبيرة من الطبقات المحرومة في إيران؛ لا يمكنها إلا أن تكون نخبوية ومحدود النطاق. ومن ناحية أخرى، لقد نتج عن الإدارة السيئة للإقتصاد هلى يد محمود أحمدي نجاد وعصبتهِ زيادة إفقار الغالبية العظمى من الطبقات الدنيا في مناطق عديدة في إيران، خاصة في المُدن الكبيرة والصغيرة، والتي تضم الآن 70% بالمئة تقريباً من مُجمل السكان.
ومن ناحية أخرى، يستطيع الإصلاحيون احتساب من بين مؤيديهم قطاعات عريضة من الطبقات الاجتماعية المختلفة في إيران. بدأ مير حسين موسوي حملتهُ متوجهاً أولاً وقبل كلِ شيء نحو الطبقات الوسطى الدنيا في طهران ومُدُن الأقاليم. عندما أطلق على نفسه أولاً لقب رجل ذي مبدأ ثم بعد ذلك لقب الاصلاحي، كانت تلك محاولة منه لتعزيز قاعدته الاجتماعية بين الجماهير في جنوب طهران وبين طبقات مشابهة في المُدُن الأخرى. ولم تجد الطبقات الوسطى، التى كانت ستُعطي أصواتها لشخص مثل محمد خاتمي، لم تجد مير حسين موسوي المُرَشح الذي سوف يُساعدها في مطالبها لمزيد من الحريات الديمقراطية، والحقوق المدنية، والاستقرار على الصعيدين الداخلي والدولي، إلا فيما بعد. وعلى نفس الخط وجدت النساء، والشباب، والطلاب نفسها، مشدودة تجاه مير حسين موسوي لاعتقادهم بأنهُ بإمكانهِ مساعدتهم في التقليل من التمييز وفتح مزيد من المسالك الديمقراطية لأجلهم. والاصلاحيين بصفتهم مُرَشحين أصلاحيين، خاصةً مير حسين موسوي اعتمدوا على طيف واسع من المجتمع الإيراني من مختلف طبقات المجتمع، وبملاحظة حشود الحملة الانتخابية وبالمشاركة في الاحتجاجات فيما بعد، كان ذلك بمثابة نجاح في الحصول على الدعم المنشود.
أن مما ستتمخض عنهُ الأزمة العميقة الراهنة في إيران مُعلق على قدرة الطبقات المختلفة التي شاركت في الانتخابات وفي احتجاجات ما بعد الانتخابات على استعادة حيويتها. إن دور الطبقات الوسطى مُهمٌ جداً، لأن مطالبهم السياسية هي القادرة على إحداث تحول في طبيعة الدولة في إيران.
أعتماداً على الصور ولقطات الفيديو المُتاحة لنا، يبدو أنهُ حتى هذهِ اللحظة إن معظم صراخ وضجيج التذمر صدر من الطبقات الوسطى في طهران والمُدُن الكبرى الأخرى. السؤال الذي يطرح نفسهُ الآن هو كم هم مرنون وحيويون مواطنوا هذهِ الطبقات الوسطى؟ إن الطبقات الوسطى، كما هو معروف، لديها الكثير تخشى أن تخسره إذا هي شنت هجوماً مباشراً على الأنظمة المُستبدة. لقد حدث مثل هذا في الكثير من الاحداث الشبيهة في القرن العشرين في كثير من مناطق العالم (إن ما أطلق عليها أسم الثورات المُخملية يجب ألا تقارن بالقضية الراهنة في إيران، لأن النخبة الحاكمة في تلك الدول قد فقدت الكثير من شهية التمسك بالسلطة بأي ثمن؛ ولكن بالنسبة لقضية إيران فإن النخبة الحاكمة هي من الجيل الأول الذي أمسك بالسلطة عن طريق العُنف ولن تتخلى عنها بسهولة). ولكنني أعتقد أن الطبقات الوسطى في إيران أكثر متانة من المتوسط. فأصولها في مُعظمها من زمن قريب، حيثُ أنها تكونت خلال السنوات الثلاثون الماضية. فهي قد مرت بفترة الثورة والحرب. فتبدو أنها سئِمت كُلياً القيود المفروضة عليها من قِبل النظام. في الحقيقة تتكون الطبقة الوسطى في إيران من فئتين. أحدهما تشكلت فوق ما تبقى من طبقة بهلوي الوسطى التي كثيراً ما تمردت على نظام الشاه ولكنها اختارت البقاء في إيران بعد أن قادر جزء كبير من كوادرها إيران مباشرةً بعد الثورة الإسلامية. ويجب إضافة إلى هذهِ الفئة هؤلاء الذين عادوا من الشتات بعد نداء هاشمي رفسنجاني من أجل إعادة إعمار البلاد في نهاية الحرب العراقية الإيرانية.وتُشكل الفئتان أحدى جناحي الطبقة الوسطى الإيرانية الحالية. وكانت ولا تزال مُحبطة، بسسب الشعور بالتهميش، وهو سياسي في مُعظمه ولكنهُ اقتصادىٌ أيضاً، بالرغم من جهودها في المساهمة إعادة إعمار البلاد. كما أنها تشعر بأنهُ تمت خيانتها من قبل وعود هاشمي رفسنجاني، ثم خامنئي تلك الوعود التي لم يُفّ بها، المتعلقة بحقوقها المدنية. وهذهِ الفئة تتمتع بالمرونة، لأنها استطاعت البقاء خلال المواقف الصعبة. صحيح أن جزء كبير من هذهِ الفئة مُهتمٌ باللذة والمُتعة ونِعَم الحياة المادية إلى حد كبير، ولكن هذهِ الفئة إذا ما أبدت أهتمامها بالشأن العام فإن ردة الفعل لديها ستكون قوية.
ويتكون الجزء الثاني من الطبقة الوسطى الحالية في إيران من المُضطهدين سابقاً (المُستضعقين) الذين أستغلوا الفُرص السياسية، والتعليمية، والاقتصادية التي وفرتها الثورة لهم ليصلوا إلى وضع الطبقة الوسطى وطوّروا شهيتهم لمطالب مادية ومطالب سياسية على نحوٍ متزايد. وهؤلاء مُتَمسكون برغباتهم بشدة، ويعتبِرون أنفسهم هم الورثة الحقيقيون للثورة الإسلامية لأنهم أصبحوا من الطبقة الوسطى عن طريق نضالهم. إن أبناء هاتين الفئتين من الطبقة الوسطى هم الشباب الذين نزلوا إلى الشارع وهم طلاب الجامعات الذين تحدوا الحرس القديم. ونتيجة لتجربتهم أثناء بناء الطبقة الوسطى، فإن مواطنو الطبقة الوسطى في إيران أكثر متانة من الطبقات الوسطى التي كانت موجودة قبل الثورة. إن النساء في هاتين الفئتين مُثابرات بشكل خاص في مطالبهُنَ بسبب التهميش المُزدوج الذي قد شعرن بهِ خلال الثلاث عقود الأخيرة.
أما الطبقات الدنيا في مناطق الأقاليم فلديها اهتمامات ومطالب مُختلفة نوعاً ما. فأولوياتها هي العدالة الاجتماعية والقضاء على الإهانة المرتبطة بالفقر. ولكن يبدو أنها قد تأثرت في الآونة الأخيرة هي أيضاً ببعض اهتمامات الطبقات الوسطى مثل الحريات الشخصية، وتذوق ”كماليات“ السلع الاستهلاكية. وبالنظر إلى المناطق التي حدثت بها المسيرات والتظاهرات، على سبيل المثال، أحياء الطبقة العاملة بشكل متزايد، يبدو أن مزيد من أبناء هذهِ الطبقة أخذ يشترك في هذهِ الاحداث. وخلال ثورة عام 1979 كانت هذهِ الطبقة هي الجدار الذي استندت عليه تلك الثورة. لايوجد سبب يمنع هذا القطاع المُهم من الشعب الإيراني من إن لايهتم بإحداث التغيير في إيران. إذا قاموا بإضرابات في المصانع المهمة مثل صناعة النفط، بإمكانهم إحداث ضغطاً هائلاً على النُخبة الحاكمة في إيران.
مهما كان شكل النتيجة المباشرة للأزمة الراهنة في إيران، فإن هذهِ الطبقات والفئات المُتنوعة يمكنها بلوغ أهدافها على المدى المتوسط إلى البعيد إذا هي تبنت ستراتيجيات حكيمة وفقاً للتقلبات السياسية، تَشِدُ وتُرخي. حسب الضرورة.
انتهى،،،
Ghareeb1950@yahoo.com
رمزية تسقيط أبطحي أخلاقياً وإحراقه سياسياً
محمد علي أبطحي كان ومازال حتى لحظة القبض عليه في الحملة التي جردتها الأجهزة الأمنية الإيرانية ضد المعارضة الإيرانية التي خرجت إلى الشارع لتحتج على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية على خلفية دعاوى التزوير واسع النطاق الذي أفضى إلى ترجيح كفة مرشح النظام محمود أحمدي نجاد على كفة مرشح المعارضة مير حسين موسوي - كان أحد الرجال المقربين من الرئيس السابق محمد خاتمي، بل كان نائباً للرئيس خاتمي إبان رئاسته.
وقد عُرف أبطحي، كوجه كثير الإطلالات والاستضافات في أجهزة الميديا العربية، بفصاحة لغته العربية وبخطابه السياسي المعتدل الذي يعكس وجهة نظر التيار الإصلاحي الذي يمثله والذي يتمحور حول شخصية الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي المعروف بسعة اطلاعه وثقافته التعددية المتجاوزة للتابوهات الأيديولوجية الدينية.
ومحمد علي أبطحي هو أحد الأبناء الشرعيين للنظام السياسي الذي أنتجته الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه في عام ,1979 وهو من الجيل الشاب المتحمس للثورة ولشعاراتها الذي تقلب في خضم تحولاتها واستقطاباتها الموضوعية التي حتمتها التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسنوات الـ30 من عمر الثورة. وكان هو من ضمن من اختاروا طريق إحداث ثورة في الثورة، ثورة إصلاحية تعيد بث الروح والحياة في النظام الإسلامي الذي أشادته وتحول دون سقوطه كحال الثورات العالمية حينما تتخشب وتتخندق خلف نرجسيتها المهلكة.
محمد علي أبطحي هذا فاجأ الشارع الإيراني وصدمه قبل أن يفاجئ تياره الإصلاحي وهو ماثل مع بعض المعتقلين داخل إحدى قاعات المحاكم وقد ارتدوا بيجامات النوم (يقال إنها لباس السجن)، بإدلائه باعترافات يدين فيها نفسه ويوجه الاتهام لقيادات حركة الإصلاح وتحديداً الرئيس السابق محمد خاتمي الذي اتهمه بأنه ضالع في مخطط مع الرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني والمرشح الخاسر مير حسين موسوي لتهميش الولي الفقيه مرشد الثورة آية الله علي خامنئي.. مستطرداً في القول: ‘أؤكد لكل أصدقائي ولكل الأصدقاء الذين يسمعوننا، إن موضوع التزوير في الانتخابات كان كذبة تم اختلاقها من أجل إثارة أعمال الشغب كي تصبح إيران مثل أفغانستان والعراق وتقاسي الأمرين، ولو حصل ذلك لتبخر اسم الثورة ولما بقي لها من أثر’. هل هذا معقول؟
لقد استغرق الأمر 43 يوماً بالتمام والكمال كي ينجح الحرس الثوري وكافة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي استُنفرت لقمع حركة الاحتجاجات ضد تعويم أحمدي نجاد للمرة الثانية رئيساً للبلاد، في تقديم ‘الوجبة’ الأولى من المعتقلين وعلى رأسهم أحد الرموز البارزة في الحركة الإصلاحية وهو محمد علي أبطحي الذي تعمدت أجهزة الأمن والقضاء والإعلام التابعة للنظام تجليسه في الصف الأول ثم تصعيده المنصة لكي يدلي بالاعترافات التي تم الاتفاق معه في أقبية السجن لترديدها أمام التلفزيون الحكومي بهدف إحداث الصدمة والاضطراب والبلبلة في صفوف المعارضة، وذلك في ‘أبهى وأزهى صور التجلي’ لعقلية قيادات الأجهزة الأمنية في ‘العالم الثالث’. فلكم أن تتصوروا حجم البطش والتعذيب والابتزاز السياسي والأخلاقي الذي تعرض له المعتقلون وخصوصاً أبطحي لكي يدلي بهذه الأقوال الغريبة والمضحكة.
هو مشهد يعيد إلى الأذهان محاكمات ما تُسمى بـ ‘محاكم الثورة’ التي أنشئت بُعيد الثورة الإيرانية سنة 1979 من أجل ملاحقة وتصفية من يُسمَّوْن بأعداء الثورة ومبادئها وزعاماتها، والتي أصدرت ونفذت قبل ثلاثين عاماً أحكام الإعدام في المئات من كبار المسؤولين الإيرانيين زمن الشاه (حوالي 550 مسؤولاً) وذلك بأمر من ‘قاضي الثورة’ آنذاك صادق خلخالي الذي عرف بالقاضي الأحمر (كناية عن الدم) وذلك بتوجيه التهم الدارجة في مثل هذه الحالات الانقلابية ‘العالم ثالثية’ مثل ‘الخيانة العظمى’، و’العداء للثورة’، و’الإخلال بالأمن القومي’ و’العمالة للخارج’. إنها ذات المحاكم التي تحاكم اليوم أبناء الثورة أنفسهم الذين ارتأوا أنه لابد من إصلاحها كي لا يغدو تحنيطها مآلاً محتوماً مؤدياً نحو متحف المومياءات.
وهي تعيد إلى الأذهان أيضاً مهزلة محاكمة نورالدين كيانوري زعيم حزب توده الإيراني الذي اختطفته أجهزة المخابرات الإيرانية من بيته فجر إحدى ليالي شهر فبراير عام 1983 وسلطت عليه وعلى زوجته مريم وابنته أفسانه صنوفاً من التعذيب تواضعت أمامها تلك التي تعرض لها أيام سجنه في عهد الشاه على يد السافاك (جهاز الأمن إبان حكم الشاه). ويمكن لمن يريد الاستزادة الرجوع إلى موقع صحيفة الزمان العراقية والبحث باسم نور الدين كيانوري عن الخطاب الذي وجهه كيانوري في 5 فبراير 1989 إلى مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي والذي أطلعه فيه على كل ما تعرض له هو وزوجته وابنته ورفاقه في أقبية السجن على أيدي الجلادين.
وكل ذلك من أجل أن يدلي كيانوري باعتراف أنه وحزبه خططوا لانقلاب ضد نظام الجمهورية الإسلامية وهو الذي كان حليفاً ونصيراً للثورة وزعمائها!
وعلى ذلك فإن تقديم السلطات الإيرانية محمد علي أبطحي بذلك الشكل البائس (فقد 25 كيلوغراماً من وزنه أثناء الـ43 يوماً من الاعتقال) شكلاً ومضموناً، لم يحقق الهدف السياسي والمعنوي والأخلاقي المبتغى. فهو لم ينل من عزيمة ولا من سمعة رموز التيار الإصلاحي المعارض، بقدر ما فتح الباب والأعين على الجوانب الأخلاقية للنظام نفسه بعد أن أماطت أحداث الأسابيع القليلة الماضية اللثام عن كثير من الأقنعة وفتحت الأبواب مشرعة أمام مآلات سياسية واجتماعية وثقافية ونفسية غير متوقعة، مازالت الساحة الإيرانية حبلى وتمور بها، ذلك أن الشرخ الكبير والعميق الذي أحدثته تداعيات الانتخابات الرئاسية ليس بالأمر اليسير جبره.
صحيفة الوطن
15 اغسطس 2009
الثمار الأولى لليبرالية
فيما تشهد الحركات الشمولية العربية تدهورا مرئيا وغير مرئي، تستعيد الليبرالية بعض نشاطها، وهي تنمو في إرث محافظ متنوع.
غالباً ما تزدهر هذه الليبرالية على ضفاف الحكومات، على فيء القطاع العام، وبالتالي تعيش الليبرالية على التسطيح الفكري غالباً، فيوجد لها العدو البعبع سواء كان معارضة يسارية أو دينية، أو دولاً مناطقية محافظة.
بطبيعة الحال يغدو الدينيون كعدو المرحلة الرئيسي والخطر بالنسبة إلى الليبراليين، الذي في رأيهم تجب إزاحته لكي تنمو الحرية والفردية والوطن الذي يجب أن يخلو من الجمود.
لم تنمُ الليبرالية إلا برؤية احادية، فهي تنظر فقط في جهة واحدة، وإذا كان الدينيون يعوقون المشروع الفردي الحر لكونهم يريدون جماعة مسيطرا عليها في ماراشات عسكرية اجتماعية يومية، فإن ذلك لا يعني عدم قراءة فكرهم وجذوره التاريخية الطويلة وكيفية تفكيك أغلاله.
لا تظهر هنا حوارات بل سباب سياسي واجتماعي متفاوت المستوى، وفي أفضل الأحوال انتقادات سياسية. لكن حتى هنا لا تـُقبل الردود القادمة من الأطراف المنقودة باستمرار، إما لأنها تـُنتقد بشكل مجرد، وإما لعدم اهتمامها بالرد، فتقع القضايا غالباً بين الهجوم المستمر والتجاهل.
ويفترض في الليبرالية أن تفتح مساحات الحوار، وتجعل للردود والأجوبة سخونة تتوجه لبحث هذه المسائل المثارة. ولكن أول حقوق الليبرالية منتقصة. كان فولتير يقول “إنني مستعد لكي أدافع عن رأيك المغاير لي”.
في الأسبوع الماضي قرأت عينة من هذه المناوشات القلمية، حول تقدم إحدى الجماعات اليسارية بالاعداد لنفسها في مدينة المحرق عبر ندوات وكتابات صحفية وهي مع ذلك ذات جذور عريقة في المدينة.
أي أن مثل هذه الأمور طبيعية في تنظيم يفترض أن يقوم بعلاقات مستمرة مع شعبه.
اختيار هذه الجماعة تحالفاتها ليس نتاجاً فقط لاستقلالها في الصف اليساري، بل أيضاً لضعف الليبرالية والحريات في المجتمع، فالناس تسيطر عليهم المناخات المحافظة التي أُعطيت لها عقوداً طويلة لتشتغل في الميدان الاجتماعي، ومن دون دعم هذه القطاعات يصعب الحراك السياسي والوصول إلى البرلمان.
فيجد الليبراليون واليساريون أنفسهم بين كماشتين محافظتين، في وقت زمني انتخابي لا تتبلور فيه بسهولة وسرعة آراء الناخبين للتصويت العميق، فلا يتاح لهم ذلك، وعبر قيود شتى، إذًا يتوجه اليساري لاستثمار شعبية اتجاه ديني معين من أجل أن يكون له مكان في البرلمان.
وخلال هذه السنوات لم تقم قوى الليبرالية المفترضة بأي نشاط واسع بين الجمهور، وهو أمر لا تحققه الدعايات بل مواقف رجال الأعمال في دعم بعض الاتجاهات وتوسيع حضورها السياسي، فذلك يحتاج إلى دعم وهناك تخوف وبخل ومحدودية نظر بكل شكل.
فلانزال من حيث التاريخ الاجتماعي في أحضان الشموليات وهي التي تقرر طبيعة البرلمانات التي تظهر لا لتطور الحريات بل لتحددها وتقلصها، فهي تعمل على رفع معيشة الجمهور عبر اقتراحات ومشروعات لا عبر رؤى وقوانين لاجتثاث الفقر ومراقبة الشركات العامة وتغلغل رأس المال الأجنبي.
حين تتقلص الكماشتان سوف تتمكن القوى الليبرالية واليسارية من الوجود البسيط في المجالس المنتخبة.
أغلب الأفكار الداعية إلى الديمقراطية مصادرها هي الشمولية، أي من أجهزة الدول وثقافاتها السائدة خلال عقود.
ولهذا فإن الداعين إلى الليبرالية ينشأون مثل ما نشأ غيرهم، ورأسماليات القطاعات العامة التي احتكرت الإنشاء والإعلام تقوم بقولبة أي جدال سياسي في شعار وترفض التحليلات المعمقة، ويتركز في سؤال بسيط لماذا أنتم مع هذه الجهة؟ وهو سؤال مردود عليه فالقضية ليست تتركز في الوقوف في جهة بل محاولة التأثير في الانتخابات من خلال جماعة ذات حضور كبير، وبالتالي تجرى الاستفادة منها.
فيما قبل ذلك وأيام الوقوف ضد الانتخابات والبرلمان الراهن المحدود هي غيرها هنا مع دعم العملية السياسية السلمية، وتطويرها لكي تغدو ديمقراطية ووطنية.
ولهذا فإن قوى اليسار البحرينية أخذت تبتعد عن الوقوف الميكانيكي مع جهة ما ولا تنحصر في تحالف جامد، وأخذت تكون لها آراءها في مختلف جوانب الحياة، وتعترض على الجانبين الحكومي والقوى المذهبية السياسية اليمينية، معاً، فتجعل من الحداثة والوطنية والديمقراطية أهدافها، التي تقوم بتجذيرها في مختلف الجوانب.
إن أي قوة سياسية تنجذب نحو مثل هذه الأهداف وتتخلى عن النزعة الشمولية سوف تسهم بلا شك في عملية التحول هذه وتوسع صفوف العمل المشترك.
إن القوى اليمينية الحكومية والأهلية في حالة تداخل اجتماعية واقتصادية وعدم فرز، وداخل عملية التطور التي تلعب دورها بين الرأسماليتين الحكومية والخاصة، ومدى التحول فيهما، من العمالة والدخول وهياكل الاقتصاد المنوعة، ومدى استجاباتهما لحاجات الناس والتقدم، وهذه تنعكس على الأفكار والتنظيمات والمزاج الشعبي.
وتصويب الاقتصاد يلعب الحلقة الرئيسية هنا، فلابد من تصحيح وضع الاقتصاد ومقاربته لحاجات البلد، في الجدوى الاقتصادية والعمالة والتصنيع المتطور المختلف عن التصنيع الملوث الراهن، إلى آخر ما هنالك من مهام مركزية.
ان الظروف العامة سوف تجعل الكثير من القوى تلتقي وتتوحد في أعمال مشتركة، من تطوير الحريات ومن تنامي الانتماء إلى هذا البلد، ولهذا فإن التحليلات وعرض المطالب ونقد البرامج وكشف الواقع هي الجوانب الفكرية المهمة التي تجعل للحوارات فائدة وكشفا للنقاط المجهولة ولعدم اتخاذ المواقف الأحادية الجانب.
إن التنوير مهم لكن لا أن يأخذ طابع الهجوم على جماعة وتيار، بشكل دائم، فالأطراف الأخرى تستحق النقد أو الإضافة والاقتراحات.
صحيفة اخبار الخليج
15 اغسطس 2009
على أية طاولة تشتغلون؟
أحرص حين التفكير في شراء طاولة مكتب أن تكون هذه الطاولة عريضة وواسعة حتى تتسع لأوراق وملفات أكثر، وفي محل بيع الأثاث ترتسم في ذهني صورة للطاولة وهي تأخذ مكانها في المكتب بصورة مرتبة، وأقول إني سأتعلم من دروسي الماضية ولن أسمح للأوراق والملفات وقصاصات الجرائد وسواها أن تتراكم فوق الطاولة حتى لا تكاد تترك لي متسعاً ولو ضيقاً لكتابة حتى مقالي اليومي. ومن تجربتي فاني في أول أسبوعين أو ثلاثة من شراء الطاولة أواظب على ألا تتكدس عليها الأوراق، فاكتفي بزاوية صغيرة في طرفها أضع فيها ما أحسبه “أوراقاً هامة” أو أوراق احتاجها، وسوى ذلك أضعه في الأدراج أو رفوف المكتبة، وأظل أنظر بسعادة إلى سطح الطاولة الفارغ من كل شيء تقريباً، محرضاً على الشغل. لكن الأمر لا يطول على هذا الحال، “فمن شب على شيء شاب عليه” – كما يقولون، فسرعان ما تتراكم الكتب والأوراق والقصاصات والجرائد، ويختفي لون سطح الطاولة تحت ركام الورق والكتب، كما أراها الآن أمامي وأنا أكتب هذه السطور. ينفرني هذا المنظر، أكثر ما ينفرني، في الأوقات التي يتعين عليّ فيها إعداد ورقة أو بحث لندوة أو مؤتمر، لأني ما أن أنظر للطاولة وهي على هذا الوضع حتى أقرر تأجيل البدء في إعداد الورقة لحين ترتيب الطاولة، ولأني حريص على أن أقوم بنفسي بهذه المهمة، فإنه يتعين عليَّ انتظار اليوم الذي يكون فيه مزاجي مزاج شغل، وأنصرف إلى فرز الأوراق والقصاصات المتراكمة على الطاولة، وأبدأ ذلك غالباً منذ الصباح بهمة وحماس كي أعيد للطاولة “فضاءها الحر” الذي غيبته الأوراق، وأجد نفسي أغرق في قراءة تلك المكدسات، لاكتشف بعد حين أن الوقت مرَّ وأن الهمة تباطأت والحماس قد خف. صحيح أن الطاولة أصبحت مشرقة وخالية من ركام الورق، لكن مزاج العمل نفسه قد تبدد. حرضني على رواية هذه التجربة ما أرسله لي صديق عبر “الانترنت” عن دراسة شملت أكثر من خمسة آلاف مكتب لدراسة الجوانب النفسية لأصحابها، وقد قسمت أخصائية نفسية أجنبية، العاملين وراء المكاتب إلى تسعة أنواع، وفق الترتيب التالي: المكتب النظيف المرتب دليل على موظف من الطبقة الوسطى يريد أن يقول إنه ممتاز ولم يحصل على حقه، المكتب المدفون تحت أكوام الملفات والأوراق والأشياء المهملة يدل على تشتت ذهن صاحبه بين أكثر من شيء، المكتب الفوضوي الذي تتراكم عليه الكتب والرسومات والمذكرات صاحبه رجل يعيش على سجيته. أما المكتب الذي عليه صور الأولاد أو العائلة والأشياء الأخرى الشخصية صاحبه يشعر بالوحدة وعدم الأمان، والمكتب الذي به إضاءة تأثيرية ورموز للقوة صاحبه يتمتع بموهبة القيادة ولا يحب أن يتجاهل أحد تأثيره على الآخرين، فيما المكتب المحمل بعلب السجائر وفناجين القهوة والأوراق المتناثرة صاحبه مفكر تدفعه الحاجة إلى العمل، المكتب الذي عليه اسم صاحبه ووظيفته، صاحبه يطلب الاعتراف بأهميته ويحب المواجهة، المكتب الذي ليس به أية ملامح شخصية صاحبه غامض يحب السيطرة، المكتب المغلق النوافذ والداكن الألوان صاحبه محبط وضيق الصدر. إذا أردتم أن تعرفوا أنفسكم، إذاً، حددوا نوع المكتب الذي تعملون عليه.
صحيفة الايام
15 اغسطس 2009
عن الفساد والائتلاف والهيئة .. !
هل يكون المسعى المعلن عنه مؤخراً في بعض الصحف المحلية والرامي إلى تأسيــــس ما سمي “الائتلاف الأهلي لأصدقاء اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد” تحت مظلة إحدى الجمعيات، قادراً على إضفاء مزيد من الانتباه الذي يصب في اتجاه يدفع إلى فرض الجدية الكافية – التي نحتاجها من سائر الوجوه – وهذه المرة في التعاطي مع موضوع الاتفاقية المذكورة وما تقتضيه المصادقة عليها من التزامات وما تفرضه من آليات. نقول ذلك لأنه لا يسعنا حتى الآن أن نستوعب ما كان قد صرح به وزير العدل في اليوم التالي مباشرة من إعلان موافقة مجلس الوزراء على المضي في المصادقة على تلك الاتفاقية والتمهيد لذلك بإحالتها الى السلطة التشريعية ، وكأنما كان ينقص التأخير الحاصل في المصادقة على الاتفاقية بعد أن تم التوقيع عليها في فبراير 2005 أن ينبرى لنا وزير العدل ليخبرنا بأنه الاتفاقية لن يتم تأسيس هيئة عليا لمكافحة الفساد ..!! مهم جداً من غير شك أن نعلم بأن إنشاء مثل هذه الهيئة ما هو إلا أحد الالتزامات المترتبة على التصديق على هذه الاتفاقية بل هي تشكل مفصلاًِ مهماً في محاربة الفساد المالي والإداري وحتى السياسي ، إلى جانب الآليات الأخرى التي تفرضها هذه الاتفاقية ومن بينها ما يتصل بقواعد سلوك الموظفين العموميين، وقوانين تعارض المصالح ونظام الإفصاح عن الذمة المالية، وحماية الشهود والأشخاص المبلغين عن قضايا فساد وحق الحصول على المعلومات، ومشاركة المجتمع في الحرب على الفساد ، والحوكمة في القطاع الخاص ، والانتخابات النزيهة وتمويل الأحزاب أو الجمعيات وتكريس ثقافة ملاحقة ومساءلة كل من ينتهك القانون ، والمهم الجوهري لمن شاء أن يقتحم ميدان التشخيص أن يدرك جيداً بأنه ليس من المعقول ولا من السهل أن نأخذ من الاتفاقية ما نشاء ونلغي منها ما نشاء تحت أي ذريعة كانت ، وهو أمر نرى فيه ما يضحك قبل أن يكون فيه ما يغيظ ، خاصة وأننا في وقت نحتاج فيه أكثر من أي وقت مضى إلى ما يؤكد جديتنا في التعاطي مع ملف الفساد برمته . المشهد لا يقف عند ما صرح به وزير العدل، حيث تبدي للعيان بوضوح متزايد بأن هناك أطرافاً أخرى أثارت حول ذات الموضوع ما يبعث على الدهشة ، وهنا نقف تحديداً أمام ما صدمنا مرتين، الأولى حينما اعترضت جمعية مصنفة بأنها حقوقية على إنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد بذريعة ” الخشية من انتشار المطالب بهيئات ولجان عليا حول كل موضوع أو حدث للرقابة على أعمال وممارسات الحكومة وبما تكون معه وكأنها أعلى درجة من الوزارات وجهات الحكومة مما يضعف الجهاز التنفيذي ويشتت اختصاصه مما يعد أمراً غير ملائم في مملكة دستورية.. ” !! . أما الصدمة الثانية فهي عندما نطق أحد الذين استثمروا المناخات الراهنة ليبرز نفسه باعتباره ناشطاً سياسياً – وما أكثر النشطاء هذه الأيام الذين علينا أن نلحظ بأنهم باتوا يسرفون في الظهور والكلام لدواعي أحسب أنها معلومة للجميع ، نطق هذا ” الناشط ” نافياً جملة وتفصيلاً استشراء الفساد في البحرين معتبراً أنما يقال عن الفساد هو شائعة مغرضة يروج لها المعارضون وذو المآرب السياسية المشبوهة من أفراد وجمعيات لتشويه سمعة البحرين، وأن الإدارة في ذروة عطائها وأن المسئولين جميعاً يتسابقون على ما يعكس فضائل العفة والنزاهة والاستقامة ونظافة اليد . كل الآراء أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها باعثة مع مؤشرات أخرى على الخشية من أن ذلك تنطوي على توجه يراد له أن يفرع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد من مضمونها ، كما أن ذلك تثير شكوكاً حول مدى الجدية في رفع شعار محاربة الفساد وفي صدقية تحويل ذلك الشعار إلى معركة حقيقية وواقع ملموس بصورة دائمة وفي كل اتجاه . هذا بالنسبة للرأي الأول ، أما فيما يخص الرأي الثاني فهو بالإضافة إلى أنه يثير تساؤلاً مربكاً عن دور مؤسسات المجتمع المدني وكيفية تقوية قدراتها في محاربة الفساد وفي الهيئات الوطنية العليا لمكافحة الفساد كون الاتفاقية الدولية تؤكد على الدور المحوري لهذه المؤسسات في منع الفساد ومكافحته وفي إنشاء تلك الهيئات ، فإنه أيضاً يفرض تساؤلاً عن المانع الذي يحول من قيام أكثر من هيئة وجهاز أهلي ورسمي يعني بالتصدي لكل أوجه ومظاهر الفساد والإفساد وحتى لا يكون خلف الأكمة ما خلفها . أما بالنسبة للرأي الأخير ، فهو رأي سمعناه أكثر من مرة وأخطر ما فيه ليس تحاشى الاعتراف بوجود فساد بل الأخطر هو محاولة شرعنة الفساد أو اختراع المسوغات اللازمة لنموه واستمراره ليعيق التنمية ويضرب أخلاقيات العمل وقيم المجتمع ، وربما كان هذا ” الناشط ” وغيره أن يتذكروا على الدوام بأن ملف الفساد كان ولازال هو أول هموم المواطن وكان على الدولة بمعنى من المعاني أن تشيع دوماً روح الأمل بـأنها تشمل هذا الملف بعنايتها القصوى وأنها جادة حقاً بكل عزم وحسم في محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين مهما كانوا وفي أي موقع كان ، فهم يستحقون أعسر حساب ، وأي تقاعس عن أداء الواجب في الحساب المطلوب واللازم هو خطيئة ترتكب في حق المواطن وفي حق هذه البلاد.
صحيفة الايام
15 اغسطس 2009
الارتقـــاء بالتعليـــم الجــــامعي
تستلزم تقدم العملية التعليمية سياسة اصلاحية واضحة تعمل على تحديث وتطوير المناهج والادوات التعليمية بشكل تتناسب مخرجاتها التنمية واحتياجات سوق العمل وتعمل ايضاً على تعميق الوعي الوطني والديمقراطي والولاء للوطن والانتماء اليه بعيداً عن التعصب الطائفي والقبلي والعشائري والتزمت العقائدي الذي تروج له العقول الدينية المتطرفة في المؤسسات التعليمية. نعم هناك حاجة لان تواصل وزارة التربية بثبات وحزم سياسة اصلاح التعليم ورفع مستوى الكفاءة في الجهاز التعليمي على مختلف المستويات. ومما له اهمية خاصة في هذا الاطار الجهود التي تبذلها هذه الوزارة للحد من ظاهرة “دكاكين” التعليم العالي التي من المؤسف اساءت للتعليم الجامعي وللبحرين ايضاً. بالطبع هناك جامعات خاصة لها مكانتها العلمية والتعليمية والادارية المشرفة ويمكن رؤية ذلك بصورة واضحة في برامجها وانظمتها المتبعة على الصعيد الاكاديمي والفني والكفاءات المؤهلة بالمعرفة وهذا ما عزز منجزاتها ومكانتها في المجتمع البحريني وبالتالي لا يمكن ان نضع هذه الجامعات التي تعد نموذجاً للتعليم العالي في سلة واحدة مع تلك الجامعات التي يجب ان تعيد النظر في سياساتها التعليمية والادارية والاكاديمية وخاصة ان هذه الجامعات متجهة بعدم التزامها باللوائح الاكاديمية والادارية والمالية والانشائية المنظمة لعمل الجامعات الخاصة ومتهمة ايضاً بوجود سلبيات في نظم وطرق واساليب التدريس مما يؤثر سلباً على التحصيل العلمي لدى الطلبة نظراً لعدم تدريب الدارسين على طرق البحث العلمي والتفكير وتفجير الطاقات والمهارات الابداعية من خلال المشاركة فردية كانت ام جماعية تصحيح اوضاع هذا النوع من الجامعات من مسؤولية مجلس التعليم العالي وخاصة ان هذه الاوضاع الخاطئة ظلت سنوات دون رقابة ومحاسبة!! ولذلك نتوقع من هذا المجلس ان يستكمل خطواته الاصلاحية لضمان حقوق الطلبة والجامعات ايضاً ولتقدم العملية التعليمية التي تعد من الاولويات ما بعد مرحلة الاصلاح وهنا لا بد من الاشارة الى تصريح وزير التربية د. ماجد النعيمي حينما قال: ان مجلس التعليم العالي وامانته يحرصان كل الحرص على الارتقاء بمخرجات التعليم العالي في مملكة البحرين ولا سيما مبادرات المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب تشمل جميع المراحل من المدارس الى الجامعات وان المجلس ليس بمعزل عما ينفذ من مبادرات وبرامج تطويرية منبثقة عن هذا المشروع من اجل الارتقاء بالتعليم الخاص وربطه بسياسة الدولة التنموية والرؤية الاقتصادية 2030 التي اعتبرت ان التعليم هو اساس للتنمية ولجعل المواطن البحريني هو الخيار الافضل في سوق العمل ويضيف ان المجلس يجعل نصب عينيه مصلحة الطلبة وحقوق اولياء امورهم ويتحمل معالجة اوضاعهم وفقاً لما هو مقرر في قانون التعليم العالي. الى هنا لا نختلف اطلاقاً حول توجهات وآمال وتطلعات مجلس التعليم العالي الحريصة على حقوق الطلبة والارتقاء بالسياسة التعليمية التي ينبغي ايضاً ان تكون منصفة مع الجامعات ولا سيما تلك التي كثر الحديث عن تجاوزاتها هذه الايام ولكن ما يجب الوقوف عنده هو تلك الاسئلة التي اذا ما أردنا للتعليم الجامعي الارتقاء لا بد ان تناقش باهتمام بالغ من بينها من المسؤول عن هذا الكم من الجامعات الخاصة؟ ولماذا خالفت هذه الجامعات اللوائح والانظمة الادارية والتعليمية؟ ولماذا غابت الرقابة عن هذه الجامعات كل هذه السنوات؟.
صحيفة الايام
15 اغسطس 2009