بالمجمل نستطيع أن نقول هناك متسع ولكن بشروط تقتضيها الشهور القليلة المتبقية . نستطيع أن نقول إن لدى هذه الطبقة مفاتيح كثيرة لكي تلتف حولها قوى وشخصيات كثيرة ولديها إطار يسّهل مهمات تحركها في التحضير لإنشاء الجنين الجديد للتنظيم المستقبلي (حزب – جمعية سياسية ) إذ تشكل غرفة التجارة أرضية ومادة خصبة كقوة للانطلاق بحصان وماكينة التجار . ولكن لكل حركة سياسية هناك عقل وكاريزما ومبادرة ، تصبح من مهماتها تعليق الجرس في عالم عاش الصمت طويلا، . المسألة مهمة ولكنها ليس من الصعب العثور على الخاتم السحري، فلدى الغرفة كوعاء تجاري قوائم الأسماء والعضوية، وجل هؤلاء صامتون لكونهم لم يجدوا الخيارات الأفضل مما هو موجود فصبوا أصواتهم لشخصيات رشحت نفسها غالبيتهم من الوسط الديني، ولكنهم أيضا لم يمانعوا من التصويت للشخصيات المستقلة التي شكلت داخل المجلس “كتلة المستقبل “وحول الأمرين سنتوقف بعض الشيء في مجرى حديثنا عن مسألة الاستعداد العاجل للدورة الثالثة . لدى المبادرين إمكانية فرز ما بين خمسين ومائة من قائمة الغرفة، وهي زبدة ما يمكن الانطلاق به نحو فكرة التأسيس لاحقا . وفي ذلك الاجتماع سيتم توزيع قوائم الأسماء وسيتم التحرك تجاههم وبنوع من الدقة والتنظيم كمراعاة الشخصيات الأنسب في عملية الاتصال. ولكي يتم الاتصال بشكل ديناميكي، فان ضرورة تقسيم الأسماء على مجموعات للتداعي والنقاش حول أهمية عملية تأسيس تلك الجمعية المدافعة عن مصالح التجار كطبقة أولا وكقوة اجتماعية ثانية وككتلة سياسية قادمة عليها التحلي بنوع من الصبر، بعد استخلاص نتائج تلك الاجتماعات ستبرز الكثير من الآراء والمقترحات . وخلال تلك الاجتماعات الساخنة وقد تكون الصاخبة، ومن المهم إلى من قام بالمبادرة امتصاص كل تلك التشنجات والمخاوف والتردد التاريخي، وعلى تلك الكاريزمات منها أن تكون خلاقة ومرنة وقادرة على حصر المشاكل وتحديد الأولويات وتأجيل التباينات الكثيرة لما بعد انتهاء الانتخابات . في فضاء تلك الاجتماعات ستنبثق أسئلة من أهمها ما قيمة هذه الجمعية وهل بإمكاننا إيصال شخصيات من التجار والمتعاطفين موقفا وفكرا مع ليبراليتها في نقل البحرين نحو عالم أكثر انفتاحا وحريات بدل تلك الجمعيات المتشددة . هل بإمكان هذه الجمعية سحب أصوات الكثيرين من التجار بفئاتهم الثلاث، الصغرى والمتوسطة والكبرى من صناديق اقتراع المتشددين؟ لماذا كان خيار التجار صعبا في الدورتين ؟ هل هناك قناعة فعلية لديهم بمرشحين متشددين للاتجاهات الدينية أم أنهم كانوا مجبرين على التصويت لمن كانوا يرونه مناسبا في مناخ الخيار بين السيئ والأسوأ يصبح نوعا من المفاضلة الدرامية ! أليس غالبية أصوات التجار ذهبت لمن لا يستحقونها وإنما لعبت العائلية والجوانب المذهبية والطائفية دورا فيها وهي صفة لم تكن من طبيعة هذه الطبقة إن لم تجد في الخيارات الصعبة الانحياز لتلك الصناديق المريرة في تاريخنا السياسي.. كما لن تتخلف الشخصيات المحسوبة على كتلة المستقبل عن منح جهودها لإنجاح كتلة التجار. تبقى جمعيات ديمقراطية “قومية ويسارية” لن ترى في أصواتها بعيدا عن المرشح لتلك الطبقة في حالة إعلانه التنافس مع تلك الكتل الدينية التي احتكرت الدورتين وليس بمستبعد احتكاره للمرة الثالثة بنسب مماثلة فيما لو تخلفت القوى الأخرى وفي مقدمتهم الطبقة التجارية عن مشاركتها النشطة وبسرعة . تبقى مسألة مهمة وأخيرة أن تضع تلك الكاريزمات التجارية في ذهن أعضائها، بأن الدورة الثالثة ليست إلا تمريناً عاماً لمعرفة الجوانب العملية من قدراتها ، إذ يشكل تأسيس الجمعية مشروعا استراتيجيا وليس انتخابيا فقط وبعدها ينفض القوم . لهذا ستحتاج طبقتنا التجارية لنوع من صبر أيوب إذ ستتجرع المرارة والانتكاسات ولكن عليها النهوض المرة تلو المرة بهدف بلوغ وتحقيق أهدافها في الدفاع عن طبقتها والليبرالية التاريخية الجديدة في معتركنا السياسي فمن قبلها تجرعت تلك الجمعيات الموجودة في الساحة، مرارة وظروف أقسى تدركها طبقتنا التجارية والتي كثيرا ما عاصرها الجيل الثاني بنفسه في حقبة الاتحادات الطلابية في الخارج . وبإمكان تلك العناصر أن تلعب دورا حيويا في اللحظة الراهنة . قد نعود للتحدث حول دور هذه الطبقة كحلقة مهمة في العصب الاقتصادي للوطن وبأهمية أن يتحول مشروعها السياسي لأبعد من الدورة الثالثة، فأهمية كل مشروع هو البذرة التي ستنبت حصادا لأحلامها الواسعة مستقبلا للمشاركة في القرار السياسي.
صحيفة الايام
2 اغسطس 2009
الليبرالية التجارية في البحرين ومحنتها الانتخابية (2)
ليبـــــرمـــــان ليــــــــس الاستثنـــــــــــاء
كتب محررا مجلة ‘تايم’ الأمريكية رومش راتنسار وتيم مكريغ من القدس مقالاً في عدد المجلة الصادر في الثالث عشر من يوليو الجاري، حول افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي، تناولا فيه شخصية هذا اليهودي المولدافي (مالدافيا كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي) الذي هاجر مع عائلته من مالدافيا إلى إسرائيل في عام ,1978 وهو الحلم الذي ظل يراوده دائماً، بحسب قوله، حيث عمل حارساً ليلياً في أحد الأندية الليلية وسجل في الجامعة العبرية. ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت فيها قدماه الأراضي الفلسطينية المحتلة دأب وثابر على إظهار حماسه وولائه للصهيونية ولكيانها المغتصب، حيث انخرط في أنشطة اليمين الإسرائيلي المتطرف حتى أصبح أحد ‘قبضايات’ حزب الليكود النشطين في أوساط المستوطنين، وعزز ذلك بقرار انتقاله هو وزوجته في أواخر الثمانينيات إلى إحدى مستوطنات الضفة الغربية للإقامة هناك وتعزيز حركة الاستيطان وموقع المستوطنين، حيث لازال يقيم هناك ويتوجه إليها عندما يحل الظلام في عربة مصفحة خشية تعرضه لهجمات السكان العرب المقيمين في الجوار. في تلك الفترة التقى نتنياهو الذي أُعجب به وصعَّده في مراتب الحزب العليا ليصبح أحد نجوم الليكود اللامعة ورئيس أول حملة انتخابية لبنيامين نتنياهو للفوز برئاسة الحكومة الإسرائيلية، وكان ذلك في العام .1996 وفي نفس العام الذي انهارت فيه حكومة نتنياهو (1999) انشق ليبرمان عن حزب الليكود ليؤسس حزب ‘إسرائيل بيتنا’ (!) الأكثر يمينية وعنصرية من حزب الليكود، مستغلاً في ذلك أصوات المهاجرين الروس سواء الذين يقيمون في المستوطنات أو المدن الإسرائيلية. ومن يومها وهو يزايد بعنصريته وتطرفه اليميني على أعتى القيادات السياسية العنصرية واليمينية الإسرائيلية. فذهب لحد التهديد بتدمير السد العالي وإغراق مصر والتهجم بوقاحة على الرئيس حسني مبارك معبراً في إحدى تجليات نزقه وصفاقته عن غضبه من عدم قيام الرئيس المصري بزيارة إسرائيل. وقد كان من الطبيعي توقع صدور مواقف مشابهة من شخص مرتزق يحاول أن يقلد بوضاعة وانحطاط زعماء البيض العنصريين الذين استعمروا القارة السمراء في القرنين التاسع عشر والعشرين ومارسوا سياسة الابارتيد ضد سكانها الأصليين على النحو الذي مارسه الرجل الأبيض ضد السكان الأصليين لأمريكا الشمالية والتي تذهب بعض المصادر التاريخية الأمريكية إلى أنه أباد خلالها 60 مليوناً من أولئك السكان (الهنود الحمر). فهو، أي ليبرمان، نادى بتطبيق سياسة الترانسفير ضد العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر (عرب 1948) ما لم يقسموا ويثبتوا الولاء للدولة العبرية، كما طالب باتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل إسرائيل دولة يهودية خالصة أي أن تؤول فلسطين المحتلة عام 1948 لليهود حصراً فيما يصبح الفلسطينيون كما سكان جنوب أفريقيا الأصليين من السود، قاطنين لهم حقوق العمال الوافدين الأُجراء! على أية حال، إن هذا ‘الليبرمان’ الذي يرطن الإنجليزية بكلنة قبيحة ويجوب أوروبا وأمريكا اللاتينية ويستقبله قادة أوروبا (بحفاوة أو على مضض، لا فرق)، في وضع محرج ومخزي للكلاسيكيات الأوروبية المعتدة بتراثها وتقاليدها الديمقراطية والحقوقية الإنسانية - نقول إن هذا الـ’ليبرمان’، ليس ‘الأبارتيدي’ (التطهيري العرقي) الوحيد في الحكومة الإسرائيلية الحالية. نعم هو الأكثر تعبيراً وفضحاً للطبيعة الاستعمارية البلطجية الإسرائيلية (برسم سجله القذر الذي كشفت عنه الشرطة الإسرائيلية نفسها التي تحقق في جرائم النصب والاحتيال وغسيل الأموال التي ارتكبها مستخدماً أسماء شركات وهمية)، ولكنه ليس استثناءً. فهناك نتنياهو الذي وضع مع حلفائه المتطرفين فكرة يهودية الدولة الإسرائيلية موضع التنفيذ بتقديم قانون بهذا الشأن للكنيست والتصويت عليه. وهناك وزير التعليم جدعون سار الذي أمر بحذف كلمة ‘النكبة’ من الكتب الدراسية في المدارس العربية في إسرائيل، بما يعني محاولة محو جريمة تشريد شعب بأكمله واغتصاب أرضه لإنشاء وطن للمستعمرين عليها، من ذاكرة هذا الشعب! وهناك أعضاء الائتلاف الحكومي من الأحزاب الدينية المتطرفة والمغرقة في عنصريتها وإقصائيتها. وهناك القطاع الأوسع من الإسرائيليين الذين يصوتون في استطلاعات الرأي لصالح تفريغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من سكانها الأصليين (الفلسطينيين) وقصر العيش فيها على السكان اليهود أو إقامة العوازل والفواصل بين اليهود والفلسطينيين تعبيراً عن عدم رغبة اليهود في التعايش مع الفلسطينيين، (والغريب أن ساستهم ‘مستذبحون’ من أجل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية وإقامة علاقات اقتصادية ثنائية ومتعددة الأطراف معها)! إسرائيل على أية حال، لم تأت بجديد عندما ألقت في وجه العالم بليبرمان، فارضةً إياه وزيراً لخارجيتها يحتفى به ويستقبل كأي وزير خارجية لدولة سوية صحيحة المنشأ والتكوين والهوية. فقد قدمت قبله شارون (كدت أقول نيرون) وشامير وبيجن وأشباههم. وإسرائيل لم تأت بجديد حين تعلن سفور مذهبها الإقصائي على رؤوس الأشهاد، فهذا هو ديدنها منذ التأسيس وهذه هي ايديولوجيتها. إنما الجديد المخزي هو أن أوروبا ‘المتحضرة’ التي أقام ساستها الفاسدون الدنيا ولم يقعدوها لمجرد أن زعيم الحزب اليميني في النمسا (هايدر) المناهض للصهيونية التلفيقية والتوسعية الإجرامية، فاز في الانتخابات وأصبح مستشاراً للنمسا. ولم يهدأ لهم بال إلا بعدما تمكنوا من إجبار الرجل على الرحيل عن وزارته قبل رحيله النهائي عن الدنيا في حادث سيارة مؤخراً - هذه الأوروبا هي نفسها التي فتحت ذراعيها لليبرمان، وهي نفسها التي ركعت لضغوط الصهاينة وألغت قوانينها التي تجيز محاكمة من ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خارج أراضيها (إسبانيا مؤخراً والنرويج قبلها)! أما الطامة الكبرى فهي عندما نصحوا ذات يوم على خبر استقبال هذا المرتزق في إحدى العواصم العربية!
صحيفة الوطن
1 اغسطس 2009
صور من «إيران ـ الكويت والعراق»
ستجدون في هذا الملف ‘’نهاية الأسبوع’’ صور متناثرة، ربما حزينة، أو استفزازية، غير أنها موجودة في داخلنا وليست فيما هو خارج عنا، هذه الصور نلتقطها من مخزون الذاكرة، أو من عدسات كاميرا، لا فرق، ما دامت هذه للتذكير وأخذ العبر والدروس ‘’مما كان، وكيف كان، ولماذا لم يكن غير ذلك؟
الصورة الأولى التقطت قبل 19 عاماً لـ’’هابيل وقابيل’’ ومن ورائهما هناك من زرع فتنة بينهما، ويروى: أن سفيرة الولايات المتحدة إبريل غلاسبي ‘’أعطت صدام حسين ضوءاً أخضر لاجتياح الكويت ليصبح عند أميركا مبرراً للسيطرة على الخليج’’، هذه فرضية من الفرضيات يتم تحديثها بين الحين والآخر، قد تكون صحيحة أو مبالغ فيها، سيان، لكن الأكيد كانت هناك أرضية لوجود مغامرة مجنونة ‘’تفتش عن الاقتصاد’’ قام بها مهووس فجر الثاني من أغسطس/آب ,1990 فجر ‘’الخميس الأسود’’ بالنسبة للكويتيين والعراقيين، ولنا جميعاً أيضاً.
هذه المغامرة استمرت يومين واستولت القوات العراقية على الكويت في 4 أغسطس/آب واحتلال الكويت لمدة 7 أشهر، ثم انتهت بتحرير الكويت في 26 فبراير/شباط 1991 بعد حرب الخليج الثانية، حيث كانت الأولى: مغامرة الحرب العراقية الإيرانية، وكلا الحربين حصدت آلاماً، وهناك أيضاً من تاجر ويتاجر بهذه الآلام إلى يومنا هذا، والدليل أن السجال القائم اليوم ـ عشية الذكرى الـ19 لاحتلال الكويت ما زال ينضح بالكثير رغم تغيير الظروف والمستجدات على الساحتين العراقية والكويتية.
النائب العراقي وائل عبداللطيف ‘’فرقعها’’ وطالب بما أسماه أرضا عراقية مقتطعة وَفق ‘’اتفاقية خيمة صفوان’’ التي يسميها البعض ‘’خيمة الإذعان’’، ويردون الكويتيون على عبداللطيف: بأن ‘’ترسيم الحدود بين البلدين تم وَفق اتفاقية الأمم المتحدة، وأن ما حدث في خيمة صفوان كان لوقف إطلاق النار وليس ترسيم الحدود.
فعل ورد فعل، تراشق بالتصريحات الاستفزازية، تصعيد في العلاقات بين البلدين اللذين أصبحا ‘’زبد على عسل’’ أو كادا، لولا مسألة ‘’الديون وتعويضات الحرب وقضية ترسيم الحدود، وبينهما مطالبات العراق بالخروج من البند السابع’’، والحبل على الجرار.
****
الصورة الثانية من إيران: فتاة رائعة الجمال تتشح بنصف حجاب، أحمر اللون يغطي نصف شعرها، نصف عنقها وينحدر متماسكاً على هيئة لوحة تعبيرية أبدعها فنان، وأيضاً يزيدها جمالاً ورونقاً، بينما اليد اليمنى تحاول بلمسة رقيقة إعادة توازن الوشاح وبرشاقة تتلألأ بربطتين، خضراوين على المعصم والإبهام، فيما اليد اليسرى مزينة بساعة وأساور مرفوعة في عنان السماء على هيئة ‘’تمثال الحرية’’، أما وجهها القمري تخرج من فمه صرخة تحدٍ ورفض لواقع، سائد تريد تغييره، وخلف الصورة هذه، جمهرة شبه مقموعة، أو نصف فارة من أرض معركة نصف عنوانها ‘’حرية التعبير’’ الذي لم يكتمل بعد في إيران، وغيرها من البلدان التي ما زال رجال ‘’الأمن’’، أو الشرطة فيها يحملون العصا .. الهراوات .. رذاذ الفلفل، وربما ‘’سبع رصاصات من كاتم صوت .. وأكثر’’.
هذه الصورة بثتها إحدى وكالات الأنباء في 15 يونيو/حزيران الشهر الماضي وتصدرت واجهات الصحف في شتى أنحاء العالم في اليوم التالي، وفيما بعد صارت ‘’بوسترات’’ يرفعها المحتجون الإيرانيون في تظاهراتهم سوية مع شعار ‘’أين ذهب صوتي؟’’، ويزينونها (هذه البوسترات) بصور ومشاهد قمع المتظاهرين من قِبَل رجال أمن ذوي السترات المدنية ‘’الباسيج’’، وغيرهم من الشرطة العسكرية بلباسهم المعتاد ودراجاتهم النارية، حيث لا يفرقون بين ركل امرأة أو شاب أمام عدسات وسائل الإعلام قبل حظرها من قِبَل السلطات في طهران، و .. أيضاً ما بعد، بعد حظرها (وسائل الإعلام العالمية)، حين سقطت ‘’ندى سلطاني’’ فانحنى كل بأس العالم ليرفعها بكاميرا هاتف نقال، وكيف لا؟ والشاعر العراقي ‘’كفاح عباس’’ قال في إحدى قصائده ‘’إن المسافة بين الرصاصة والقبر/ .. ضغطة سبابة جاهلة!!’’.
صحيفة الوقت
31 يوليو 2009
شهادات في هزيمة يونيو 67 (1)
مما لا ريب فيه ان هزيمة العرب في يونيو 1967 أمام إسرائيل هي أخطر واكبر الهزائم العسكرية والسياسية معا في تاريخهم الحديث، وبالرغم من مرور اكثر اربعة عقود على وقوعها مازال العرب يعانون نتائجها الكارثية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والحضارية، بل مازالوا يواجهون مضاعفاتها عاما بعد عاما دونما ان يتمكنوا من التخلص منها.
ومن نافلة القول ان احد الاسباب الرئيسية لذلك هو تغييب المراجعة والنقد الذاتي للعوامل التي افضت الى الهزيمة، وعلى الأخص من قبل الدول العربية التي خاضت جيوشها حرب عام 1967 ألا هي مصر وسوريا والاردن، وبصفة خاصة الدولة الأولى بصفتها اكبر هذه الدول وأقواها عسكريا التي كانت تحتضن وتتزعم المشروع القومي العربي لمواجهة إسرائيل ولتحرير فلسطين.
ولعل التعتيم المحكم على خلفيات وقائع الهزيمة وما يرتبط بها من معلومات وضرب طوق من السرية المشددة حولها رغم مرور اكثر من 40 عاما على حرب 1967 يعكس الخوف من كشف اسرار الحرب لأن هذا الكشف يفرض مطالبة الناس بالنقد الذاتي والتصحيح والمراجعة في حين مازالت القاهرة غير مستعدة للإقدام على مجازفة سياسية كهذه من شأنها ان تفضي بدورها الى جدلين سياسي ومجتمعي موسعين يخرجان حدود الضوابط المرغوب فيها ويدحرجان رؤوسا مدينة في بقائها داخل الجيش والسلطة السياسية الى قيادات سياسية وعسكرية سابقة ضالعة في التسبب في هزيمة .1967
وقد يتطور هذا الجدل ذاته إلى فتح الباب على مصراعيه حول مدى شرعية السلطة القائمة ذاتها، أو على الأقل الطعن في شرعية مدى امتدادها لثورة يوليو التي تستمد شرعيتها منها.
الطوق الحديدي المضروب حول أسرار نكسة 1967 وكل الوثائق والمعلومات المهمة المرتبطة بها هو الذي ربما دفع محمد حسنين هيكل، أحد شهود الهزيمة، لعنونة سلسلة الاحاديث المتواصلة التي يرويها في قناة “الجزيرة” منذ مايو الماضي بـ “طلاسم 67”. وبالفعل فان هذا الغموض الذي يلف أسرار الهزيمة مازال أشبه بالطلاسم، وكلما اكتشِف أو أزيح الستار عن طلسم جديد، سواء من خلال شهادات أحد قادة الجيش المصري الذين شاركوا في الحرب، ام مما يرويه هيكل من احاديث، ام من شخصيات سياسية قيادية مصرية عاصرت وقائع النكسة، صعق المرء هولا من مدى حجم فساد القيادات العسكرية وضعف حسابات القيادتين العسكرية والسياسية، وبضمنها أبسط هذه الحسابات البسيطة العادية المفترضة لخوض حرب خطيرة ليس في ظل موازين مختلة بحدة لصالح اسرائيل عسكريا فحسب، بل في ظل غياب ادنى استعداد وأدنى جاهزية لتهيئة القوات المسلحة لخوض مثل تلك المعركة الخطيرة التي كان يجرى زجها حثيثا وبتهور فيها من دون تبصر او أدنى مبالاة بعواقبها الكارثية على مصر والامة العربية، فيما كل الشواهد المؤكدة استنادا إلى ما كشف عنه حتى الآن من “طلاسم” – على حد تعبير هيكل – تقطع يقينا بأن الجيش المصري يسير نحو كارثة مروعة، وذلك ما حدث تماما في حرب الأيام الستة المأساوية الفاجعة (من 5 إلى 10 يونيو 1967).
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، حليف مصر الناصرية الاساسي سياسيا وعسكريا، وعلى الأخص منذ اواخر التسعينيات، أخذت تتكشف تباعا طلاسم اسرار جديدة مجهولة حول هزيمة 1967 في غاية الاهمية والخطورة وذلك على ألسنة قادة سياسيين وعسكريين سوفيت سابقين ما كان بمقدورهم الادلاء بتلك الشهادات المهمة في ظل النظام الشمولي المركزي الحديدي السابق الذي كان يتصف كما هو معروف بالتكتم الشديد وفرض السرية حول الوثائق والمعلومات المتصلة بالحروب التي يخوضها أو يخوضها حلفاؤه، ولاسيما اذا ما انتهت بالهزيمة، كالحرب التي خاضتها حليفته مصر في وجه العدوان الاسرائيلي عام .1967
ولعل واحدا من أهم “الطلاسم” المتصلة بمقدمات الحرب والاستعدادات ما كشف عنه مؤخرا الخبير الاقتصادي السوفيتي الكبير بافل اكوبوف وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بالمباحثات البالغة الأهمية التي جرت بين وفد عسكري مصري على مستوى عال بقيادة وزير الحربية الفريق شمس بدران ومجموعة من القادة السياسيين والعسكريين السوفيت الكبار بقيادة عضو المكتب السياسي ورئيس الوزراء حينذاك اليكسي كوسجين، اهمية ذلك الاجتماع انه جاء بناء على طلب الرئيس جمال عبدالناصر للتعرف على مدى حجم وحدود الدعم والمساندة السياسيين والعسكريين اللذين ستقدمهما موسكو لمصر في حالة خوضها الحرب الوشيكة، وحيث كانت الاولى في منتهى الصراحة والوضوح في تحديد موقفها من الحرب لو اقدمت عليها مصر لا اسرائيل. علما بأن ثمة شهادات مصرية غير دقيقة روجت أن المباحثات اسفرت عن اعلان موسكو موقفها الداعم بقوة وبلا حدود الى جانب القاهرة حتى لو كانت هذه الأخيرة هي البادئة بالحرب.
وتكتسب شهادة اكوبوف الخبير السياسي الاقتصادي السوفيتي أهميتها لكونه يعد اليوم هو الوحيد من تبقى على قيد الحياة ممن شاركوا في تلك المباحثات المهمة المشتركة بين الجانبين الروسي والمصري، ناهيك عن خبرته كخبير معمر كبير صقلته التجارب على علم بالكثير من خفايا واسرار العلاقات السوفيتية المصرية في تلك الفترة فهو من مواليد عام 1926، اي يبلغ عمره اليوم 83 عاما، وتخرج في معهد الاقتصاد عام 1960، كما تخرج في الاكاديمية الدبلوماسية السوفيتية. وفي العام نفسه عين مستشارا اقتصاديا في سفارة بلاده بالقاهرة مدة خمس سنوات متواصلة، وعاد الى بلاده، ثم عين مرة اخرى مبعوثا ومستشارا دبلوماسيا من عام 1968 حتى عام 1977 في البعثة الدبلوماسية نفسها لبلاده بالقاهرة كما عين سفيرا في الكويت وليبيا، وشارك في العديد من مباحثات القمة الثنائية بين قيادة بلاده وقيادات عدة دول عربية، كل على حدة، في أوقات مختلفة قبل سقوط الاتحاد السوفيتي.
صحيفة اخبار الخليج
1 اغسطس 2009
بين فنزويلا وإيران
لعب النفط دورا وطنيا نضاليا مشتركا في تجربتي فنزويلا وإيران، كبلدين من العالم الثالث راحا يواجهان مخاطر السيطرة الأجنبية ومصاعب التنمية، وتغيير حياتيهما الاجتماعيتين التقليديتين.
فيما تشكلت بيروقراطية حكومية مضادة للديمقراطية في فنزويلا تصاعد نفوذ القوى العسكرية في إيران.
يقول أحد الصحفيين:
“حين تولى شافيز رئاسة فنزويلا عام 1999، كنت متفائلا جدا لأنني كنت من بين الذين شاهدوا عن قرب الانهيار الاقتصادي المأساوي لهذا البلد الغني بالنفط طوال أكثر من عقد من الزمن، وشعرتُ على غرار الكثير من الفنزويليين بأن ثورة شافيز الموعودة هي الشيء الوحيد الذي يستطيع تغيير أحوال هذا البلد. ولكنني اليوم وبعد مرور عشر سنوات بـتُ أقل تفاؤلاً إزاء مستقبل البلاد.
فعلى الرغم من سيطرة شافيز على الأفرع الثلاثة للحكم والأرباح التي تم جنيها خلال الطفرة النفطية من 2003 إلى 2008، فإن سجله ضعيف على نحو لافت، حيث يفوق معدل التضخم 30 في المائة، في وقت تضاعف فيه معدل جرائم القتل منذ أن وصل إلى الرئاسة، وباتت قلة المواد الغذائية أمراً متكرراً. وبموازاة ذلك، فإن الصحفيين يتلقون التهديدات، وعمال حقوق الإنسان يطردون بشكل جماعي. وخلال الأسابيع الأخيرة، استولى المسؤولون الحكوميون على أصول شركات نفطية أجنبية، وهددوا بإغلاق شبكة “جلوبوفيجن” التلفزيونية الإخبارية المحسوبة على المعارضة”،(بريان ولسون، مؤلف كتاب: الانقلاب على شافيز، الصمت والعقرب).
على الرغم من تعبير الصحفي المذكور عن (الاشتراكية) فإن متابعته للرأسمالية الحكومية في فنزويلا هي صائبة، وذلك بسببِ تفردِ الحكومة وعلى رأسها شافيز بالتحكم في الموارد وتضييعها بأشكال شتى.
فتغدو الحريات مرفوضة والتدخل في شؤون الدول الأخرى ومساعدة الدكتاتوريات سياسة مسيطرة، وهو أمرٌ يتناقضُ مع الشعارات المرفوعة.
إن نماذج البرجوازيين الصغار بشعاراتهم “الوطنية” والدينية العنيفة وعلى شكل مفرقعات هي سياسة دولية في مناطق تشهد ضبابا طبقيا كثيفا، وقد خلقتْ هذه الضبابية بعضَ الأنظمة القومية المناضلة ولكنها غير قادرة على الجمع بين التحرر الوطني والديمقراطية، بين البناء الداخلي وتقدير إرادة الشعب، فهذه العملية تتطلب تحولات كبيرة في حياة السكان مع اتساع الحريات، وهذه المجموعات تبدأ بشعارات صحيحة ومناوئة للتدخلات الأجنبية ولكن قدرتها على احترام الحريات وتوجيه الفوائض لتغيير حياة أغلبية السكان محدودة، فقد ظهرت فيها جماعاتٌ مهيمنة على الحكم وأدى فسادها إلى تراجعها عن الديمقراطية، ثم راحت تحكم قبضتها على السلطة وترفع أصواتها الجهادية.
ولابد لذلك من غطاء، تجدهُ في الشعارات المعادية للاستعمار، وإذا كان رفض التبعية مهما ولكن لماذا التعسف ضد الشعب وهو مصدر السلطات والمقاوم الأساسي للهيمنة؟
هذا ما تبرره الفئاتُ التي استولت على النفط في كل من فنزويلا وإيران، وتغدو جذورها العسكرية والبيروقراطية مانعة إياها من اتخاذ مواقف وطنية شعبية ديمقراطية، فتلجأ إلى الصراخ تحجب به حقيقتها.
كان شافيز يبحث عن غطاءات لحجب هذه الحقيقة، وللصرف على دول “المواجهة”، كذلك قام الحرسُ الثوري الإيراني باستخدام هذه اللغة الثورية المنتفخة والفارغة، وأوجدَ دولَ المواجهة الخاصة به، ليس لتحرير الأراضي المحتلة، بل لتبرير مصروفاته الضائعة في الدهاليز البيروقراطية.
ومن المؤكد ان الحرس الثوري متجه للاستيلاء الكامل على السلطة في إيران في الشهور القادمة ووضع المنطقة العربية الخليجية في موقع الخطر الهائل، وهو ما سوف يؤيده شافيز بطبيعة الحال.
وكذلك شافيز لا تهمه مسائل الحرب والسلام في منطقة أمريكا اللاتينية، فحتى الدول التي ترفع شعارات الماركسية تخلت عن عقلية المواجهة الحربية، وركزت في التنمية وجمعت بين القطاعات العامة والخاصة في التغيير الداخلي، وطور بعضها آليات الديمقراطية لمجابهة الفساد.
وكان من الممكن لشافيز أن يصمت خلال مواجهة الشعب الإيراني للتعسف والقمع الحكوميين، لكن كشف نفسه على حقيقتها باعتباره دكتاتوراً متخلفاً أحمق، بدلاً من أن يقدم النصائح للنظام الإيراني للتخلي عن مثل هذه الطريقة القاسية، وأن يمد يده لجراح مئات الأسر الإيرانية التي تعرضت لفقدان أزواجها وشبابها، وظهر بصورة دكتاتوريي أوروبا زمن الفاشية المنتفخي الأوداج بالعبارات الثورية الرهيبة.
وتخلي النظامين عن الفهم الإنساني للدينين السائدين فيهما، يؤكد أن هذين الدينين ينسحبان من تأييد نظامين عسكريين، يقحمان الدينين بشكل حاد ومغاير لمضمونيهما، وهذا ما يتجلى في انضمام الكثيرين من علماء الدينين والمثقفين إلى الديمقراطية وإلى حقوق الإنسان وإلى عدم استخدام هذه الشعارات الميتة في محاربة الاستعمار لقمعِ الشعوب الفقيرة!
إن التضامن بين شعوب القارات الثلاث ضد الهيمنة الأجنبية هو الشعار العظيم الذي سوف يظل مستمرا، لكنه مغاير للتضامن بين الأنظمة العسكرية لقمع شعوب العالم الثالث هذه.
وأن تضيع الثروات النفطية النادرة الاستثنائية للصرف على هذه الفئات الهامشية في مواجهاتها الدونكيشوتية هو شيء مأساوي وساخر في آن معاً.
وفي الوقت نفسه نرفض كذلك استخدام القوة لتغيير هذه الأنظمة التي تعاني شعوبها سطوتها، وعلى شعوبها أن تواصل نضالها.
صحيفة اخبار الخليج
1 اغسطس 2009
نفرح أم نبتئس.. ؟!
لا أعرف حقيقة ما اذا كان على المرء أن يفرح أم يبتئس حينما يتابع ما ينشر في شأن أي قضية من قضايا التجاوزات أو ما يتم تداوله حول روائح الفساد التي تزكم الأنوف في بعض مواقع المسؤولية العامة .
صحيح أن الأمر في الآونة الأخيرة في ضوء تفجر بعض القضايا قد بدا من علامات الصحو واذا شئنا الدقة مؤشر يؤذن بأن ثمة جدية باتت متوفرة للنهوض بحقيّ المساءلة والمحاسبة على الأقل حيال ما ظهر الى العلن حتى الآن من تجاوزات وانحرافات وأخطاء في بعض الأجهزة الرسمية ولاشك أن أي تقدم ملموس على هذا الصعيد سيكون إنجازاً عظيماً لا ريب .
غير أن الأمر قد لا يبدو كذلك بالضبط ، وأن بدا فبصورة نسبيه لا مطلقة ، لأن المستقر في الوعي واليقين هو أن معركتنا ضد آفة الفساد أكثر كثيراً مما نظن، وأن التصدي لمكامن الخلل والانحراف ومواجهة الذين لم ينهضوا بمسؤولياتهم وواجباتهم في مختلف مواقع العمل والمسؤولية لازال دون الطموح وظل سقف الحساب أدنى من الحدود المعقولة، لذلك كان علينا على الدوام أن نستقبل بارتياح وترحاب وابتهاج أي مسلك طيب، كهذا الذي سلكه مؤخراً أعضاء مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية الذين في موقف يحسب لهم ونراه بأنه يسجل حساً بالواجب وشعوراً بالمسؤولية التي تراعي مبدأ احترام القانون حينما لجأ المجلس إلى النيابة للنظر فيما تكشف له من تجاوزات مالية وادارية محملة على ما يبدو بتفصيلات كثيرة أفاضت صحفنا المحلية في نشر ما أمكن نشره منها، مما فاجأنا وآلمنا في آن واحد خاصة أن ما جرى وهذا اللغط المثار يمس مؤسسة معنية بتعزيز الثقافة السياسية، ونشر وتنمية الوعي السياسي بين المواطنين ودعم التجربة البرلمانية والمجالس البلدية وتبيان دور السلطة التشريعية الرقابي والتشريعي وما الى ذلك من أهداف نبيلة .
اذا كان علينا أن نستقبل بارتياح وترحاب وابتهاج ذلك المسلك ، فإن علينا في نفس الوقت أن نبدي انزعاجاً وقلقاً ورفضاً لأمرين ، الأول ينطلق من إيماننا العميق بأن المتهم بريء حتى تثبت أدانته ولذلك ليس من اليسير قبول نشر إدانات مسبقة وقاطعة قبل أن يصدر القضاء حكمه ولا يخفى على أي حصيف تبعات ذلك .
أما الأمر الثاني فهو يتصل بما تناقله أو يتوقعه البعض بأن ثمة مسعى يستهدف محاولــــــة ” لفلفة ” ليس هذه القضية فحسب، بل وكل قضية تتصل بنزاهة العمل العام واذا كان ثمة أطرافاً لديها حساسية مفرطة مما ينشر إزاء تطورات القضية ذات الصلة بالمعهد المذكور والتي تلاحقت ليكتشف الرأي العام بأنها حافلة بالمضاعفات والتموجات والمنزلقات التي ملأت عناوين الصحف مصحوبة بعلامات الاستنكار والتعجب ، فإن هذه الأطراف التي ربما تفعل ذلك من زاوية ” أن الله أمر بالستر .. !! ” ، عليها أن تدرك أنه ليس من الحكمة ولا من المصلحة سواء فيما يخص قضية المعهد أو أي قضية أخرى التدخل لحسابات أو اعتبارات بعينها ، لنخرج في النهاية بحصيلة يمكن أن تختزل تحت عنوان ” أننا كنا ضحايا لبس غير مقصود ” أو غير ذلك من الذرائع التي تبقى الأمور على ما هي عليه ، أو تجعل سقف الحساب لا يتجاوز حدوداً معينة، الأمر الذي لاشك أنه يفتح الباب واسعاً لتأويلات في محلها لعل من بينها ما يشير إلى خلل فادح في منظومة القيم السائدة المعطلة لأي جهد يسعى للتصدي لكل مظاهر الفساد والتجاوزات بالدرجة المطلوبة من الاصرار والحزم لسد منافذ الفساد وملاحقة الضالعين فيه، والمسألة هنا لا تخص قضية معهد التنمية السياسية وإنما تخص موقفنا بشكل عام من الفساد برمته، وماذا فعلنا كي لا تكون محاربتنا له من باب التمنيات ..!! .
أيضاً يجب أن لا يغيب عن البال بالنسبة لمن يفسر أو يبرر سرعة نشر بعض التفاصيل ذات العلاقة بقضايا فساد وتجاوزات هنا أو هناك ، من زاوية الحرص على احاطة الرأي العام بهذه القضايا باعتبار أن ذلك كفيل بقطع الطريق عن أي محاولـة ” لفلفلة ” هذه القضية أو تلك ، ولكي تأخذ مسارها الطبيعي والمطلوب في التقصي والتحقق ومن ثم المحاسبة ، فإن صح ذلك التفسير أو التبرير فإن ذلك يشكل مفارقة لا تخلو من سخرية لأن مثل هذا التدخل أو المسعى أن حدث يأتي في وقت نحمل فيه عناوين وشعارات الإصلاح والرؤية الاقتصادية التي تضع محاربة الفساد ضمن أولوياتها.
لسنا بصدد حالة استثنائية أو فردية، فهناك عشرات من الملفات ، وعشرات من القصص والروايات التي تتعلق بممارسات وقضايا وتجاوزات وفساد أكبر حجماً وأكثر اثارة مما حدث في معهد التنمية السياسية لاتزال تحاصر بالصمت ، وما نحتاجه أن نفعّل كل الآليات التي لا تجعل الفساد يهيمن على أوردة وشرايين مجتمعنا دون رقيب أو حسيب .. نعم قد يغلق ملف هنا ، ولكن هناك الكثير من الملفات التي تستحق التأمل والمراجعة يما يعيد إلى الناس الأمل في الحاضر والمستقبل .
صحيفة الايام
1 اغسطس 2009