المنشور

في منتدى «الوسط » بشأن القائمة الانتخابية الموحدة للجمعيات السياسية المعارضة (2)… المعارضة فشلت في تحالفاتها وليس لديها مشروع وطني موحد…

أكد عدد من ممثلي الجمعيات السياسية أهمية إعادة ترميم العلاقة بين القوى المعارضة والعمل على إيجاد نوع من التوافق بين جميع الأطراف، وقالوا: «من الغباء اختزال الحراك السياسي في العمل النيابي فقط إذ يجب على القوى السياسية النظر لأبعد من ذلك».
وأضافوا أن «المعارضة فشلت فشلا ذريعا في موضوع التحالفات فيما بينها, كما فشلت في مواجهة مرحلة الاستحقاقات بسبب عدم وجود مشروع مشترك لديها ومنذ انهيار التحالف الرباعي لم تستطع أن ترسو على البر على رغم وجود تنسيق سداسي».
وقالوا في الجزء الثاني من «منتدى الوسط» بشأن «القائمة الانتخابية الموحدة للجمعيات السياسية المعارضة» إن غياب المشروع الوطني بين الجمعيات السياسية للتعاطي مع مجمل الأمور هو ما جعلها متفرقة وتعمل بشكل منفرد».
وأكدوا أهمية أن تفكر القوى السياسية بعقلية الوحدة الوطنية، وليس بعقلية ما تمتلكه من قواعد جماهيرية ودوائر انتخابية.
وقد تباينت آراء المشاركين في المنتدى في الجزء الأول منه ففي حين أكد عدد من المشاركين أن القائمة الموحدة للجمعيات السياسية المعارضة بجميع اتجاهاتها الفكرية ستساهم في وصول عدد من النواب الوطنيين ما يضفي على المجلس النيابي طابعا بعيدا عن الاصطفاف الطائفي الموجود في المجلس الحالي وقالوا: «عندما نطرح القائمة الموحدة فإننا نقوم بذلك من مبدأ حرصنا على تلاحم القوى السياسية في البلد وعلى الوحدة الوطنية».
رد المتحفظين على القائمة الانتخابية الموحدة بأنه ليس من المفترض أن تقبل القوى السياسية وخصوصا المعارضة بالتوزيع الحالي للدوائر الانتخابية وان تتحدث عن حصصها في هذه الدوائر الـ18.
وأكدوا أن ذلك يعد خطأ استراتيجيا وقالوا: «إن الدولة انتقصت من التمثيل الحقيقي للناس من خلال الدوائر الانتخابية غير العادلة».
وقد شارك في المنتدى كل من نائب رئيس كتلة «الوفاق» البرلمانية خليل المرزوق والأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن والأمين العام لجمعية العمل الإسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ ونائب رئيس اللجنة السياسية في جمعية التجمع القومي الديمقراطي سند محمد سند فيما اعتذر عن الحضور -لأسباب طارئة- نائب الأمين العام لجمعية العمل الديمقراطي «وعد» فؤاد سيادي.
وفيما يأتي نص الجزء الثاني من المنتدى:
* الأخ خليل المرزوق، هل انتم مع قائمة وطنية موحدة على مستوى البحرين تشارك فيها القوى المعارضة بغض النظر عن انتمائهم لأية جمعية كانت؟
– خليل المرزوق: لقد ذكرت سابقا أنني لا أملك هذا القرار ولا أعبر عن رأي «الوفاق» ولا تتحمل «الوفاق» ما سأورده من رأي…
– حسن مدن: هذا الكلام لا يجوز…
– المرزوق: إن «الوفاق» لم تناقش حتى قائمتها لكي يمكن الحديث عن تحالفات «الوفاق»، إن هذا الموضوع لم يدرس حتى الآن، لقد قلت سابقا، كان هناك خيار قائمة وطنية في 2006، ما يعني أن المبدأ موجود، وأن خيار قائمة وطنية على مستوى البحرين قائم، ولكن ما يهم هو التفاصيل وأنا لا أملك مثل هذه التفاصيل أو الإجابة عليها، هذه التفاصيل ترجع للأمانة العامة وشورى «الوفاق» وبعد ذلك مزاج الناخبين.
هناك تجربة سابقة في الدائرة السابعة في محافظة العاصمة، وهذه التجربة لها إيجابياتها وسلبياتها، والآن نحن نقيم هذه التجربة كما يقيمها الناخبون وحتى الجمعيات الأخرى تقيم هذه التجربة، كان ذلك خيار الناخبين، ولذلك على الناخبين أن يتعلموا من هذه التجربة كما نتعلم نحن، ليس من المقبول القول بأن خيار الناخبين كان موجها، يجب أن نحترم الناخبين إذ لا يمكن وصم جميع الناخبين بأنهم مسيرون، إن ذلك لا ينطبق على شعب البحرين، فالناس تستمع إلى نصائح العلماء والسياسيين وفي نهاية الأمر فإنهم من يقررون، هناك توجيهات صدرت ولم تتم الاستجابة لها.
أما موضوع أنكم أبناء هذه الدوائر وأن هذه الدوائر مغلقة على «الوفاق»، فإن ذلك يعني أن الكتلة التي رشحتها «الوفاق» هي التي فازت في الانتخابات في دوائر مختلفة وبنسب مختلفة، هذه معطيات ومؤشرات يأخذها السياسيون على أساس أن هذه الدوائر تحسب على هذا الطرف أو ذاك، أنا لم أقل إنه يجب عليكم الخروج من دوائركم.
– مدن: ولكنك قلت يجب علينا التفكير في دوائر أخرى؟
– المرزوق: دعني اسأل هذا السؤال، لو جاءت قائمة وطنية ونتجت في النهاية كتلة شيعية ولكن من جمعيات مختلفة…
– مدن: وما المشكلة في ذلك؟
– المرزوق: هل ذلك سيكسر الطائفية في المجلس؟
– مدن: طبعا، بدليل أن النواب الديمقراطيين في المجلس السابق كانوا ثلاثة نواب منهم اثنان من الطائفة الشيعية ولم يجرِ التعاطي معهم بصفتهم شيعة.
– المرزوق: لماذا إذا لا يقال عن السلف والإخوان والمستقلين السنة إن تركيبتهم طائفية، عندما ندخل بقائمة وطنية جميعها من الطائفة الشيعية حتى وإن كانت بتوجهات إسلامية أو غير إسلامية، فتبقى المسألة الطائفية موجودة.

——————————————————————————–
دعم الديمقراطيين في 2006
* ولكن حتى لو افترضنا أن من سيصل إلى المجلس من هذه القائمة جميعهم من الطائفة الشيعية ولا يوجد أي نائب سني فإن هذه القائمة ستمثل أغلب أطياف المجتمع البحريني وليس جمعية «الوفاق» فقط؟
– سند محمد سند: أولا سأعقب على ما طرحه الأخ خليل بخصوص تجربة القائمة الموحدة في انتخابات 2006، لم تكن هناك قائمة موحدة في 2006، وهذه أول مرة أسمع فيها هذا الكلام، كان هناك دعم للنائب عزيز أبل كونه شخصية لها شعبيتها وكونه أيضا رئيس المؤتمر الدستوري.
في الأطراف الرباعية كان هناك بحث عن هذا الموضوع ولكن لم يتم التوصل إلى أي نتيجة…
– المرزوق: ألا يحسب دعمنا الواضح والعلني لعدد من المرشحين الديمقراطيين؟
– سند: انتم في «الوفاق» قررتم دعم بعض المرشحين الديمقراطيين، ولكن هناك فرق بين دعم عدد من المرشحين وأن تكون هناك قائمة موحدة متفق عليها من قبل الجميع، هذه القائمة يجب أن يسبقها الاتفاق على المبادئ العامة للبرامج الانتخابية واجتماعات تنسيقيه مشتركة بين الجمعيات السياسية للاتفاق على هذه القائمة.
الجانب الآخر هو أننا اليوم أمام هذا الفرز الطائفي وهذه السلبيات العميقة التي تأصلت في الوطن ككل وأمام هذا الفساد المستشري فإنه يجب علينا التفكير بعقلية الوحدة الوطنية، ولمعالجة هذه الأمور فإن الجمعيات السياسية طرحت موضوع القائمة الموحدة، ولذلك عدة أسباب من أهمها مساعدة «الوفاق» في إزالة هذه الصبغة الطائفية عنها، فبالفعل يمكن للوفاق أن تتجاوز هذه المشكلة إذا دخلت مع القوى السياسية الأخرى في تحالف وطني وقائمة وطنية موحدة ومشروع موحد، هناك فرق بين الدخول من خلال قوى سياسية أو الدخول بطيف سياسي محسوب على الطائفة الشيعية.
* ولكن ما نلاحظه الآن على الساحة هو بدلا عن الحديث عن قائمة انتخابية موحدة هناك تبادل للتهم وهجوم كل طرف على الآخر، فقد رد الأخ خليل المرزوق على الملاحظات التي قيلت عن أداء المجلس النيابي بأن هناك ثلاثة أطراف تسعى إلى تقويض تجربة «الوفاق» وهي القوى المقاطعة للانتخابات والنواب السابقون الذين لم ينجحوا في انتخابات 2006 ومن لم يحالفهم الحظ في الدخول إلأى البرلمان أي المرشحون الذين لم يستطيعوا الوصول إلى البرلمان، ألا يعني ذلك بطريقة أخرى التهجم على جميع الحلفاء الحاليين للوفاق؟
– المرزوق: لكي نكون أكثر دقة، إن ما قلته هو «أن من يريد أن يبخس انجازات الوفاق وحراكها -بغض النظر عن صلاحيات المجلس إذ كان هناك حراك أدى إلى إنجاز- وقد أورت أدلة على أن هناك من قلل مما قامت به كتلة «الوفاق» في المجلس وقلت إن هذه التوجهات تأتي من هذا الباب. أنا لم أتهجم على القائمة الموحدة ولم أدعُ الناس إلى انتخاب أو عدم انتخاب القوى الأخرى، إنما الموضوع هو أنني وبصفتي نائب رئيس كتلة «الوفاق» والناطق الرسمي للكتلة أكدت أن الكتلة تحركت وأنتجت وهناك أطراف تبخس هذا الحراك وتجعل محصلته صفرا، كان من مسئوليتي الدفاع عن هذا الحراك؟
* وهل يمكن اعتبار ذلك بداية للحرب الانتخابية ؟
– المرزوق: لا وإنما ذلك لتوضيح الخطأ والدفاع عن ما قمنا به من حراك، أنا لا أفهم من قول القوى المقاطعة أن جميع إنجازات كتلة «الوفاق» صفر، إلا أنها تريد أن ترسخ فكرة أن المشاركة في هذا البرلمان لا تنتج شيئا، مجرد أن تعترف المقاطعة أن هناك عددا من الإنجازات فإن ذلك يخلخل موقفها، كما قلت أيضا أن السلطة لا تريد من الناس المشاركة في الانتخابات وإن هي أرادت ذلك فإنها تريد مشاركة ضعيفة، ولذلك فهي لا تريد لهذا المجلس أن يحصل على إنجازات كما تريد للناس أن تقتنع بأن هناك إنجازات لكي لا يكون هناك زخما انتخابيا، لقد انتقدت موقف البعض من منطلق موضوعي وعن إنجازات كتلة «الوفاق» ولم أتحدث عن الانتخابات المقبلة فليس لي علاقة بها.

——————————————————————————–
إنجازات المجلس
– الشيخ محمد علي المحفوظ: قبل الحديث عن التحالف أود أن أعلق بشأن إنجازات المجلس، فالمجلس النيابي ليس هو «الوفاق» أو الأصالة أو غيرها، نحن لدينا اليوم مجلس نيابي مشكل من 80 شخصا وأي نجاح لا يمكن إلغاء دور الآخرين فيه، من المعروف أنه لا يمكن لأية كتلة من الكتل أن تحقق لوحدها نجاحا معينا، حتى أن مجلس الشورى يجب أن يشرك في هذا النجاح بسبب أن أي اقتراح يجب أن يمر أيضا عبر مجلس الشورى.
عندما نتحدث عن أداء المجلس النيابي فإننا لا نعني أداء كتلة «الوفاق» ولذلك لا يجب أن تأخذ كتلة «الوفاق» هذا الأمر بحساسية كبيرة، فأي نجاحات تتحدثون عنها يجب أن تشركوا الآخرين فيها بما في ذلك مجلس الشورى المعين.
الأمر الآخر هو أنه لا أحد منا يتحدث بغير إنصاف وبغير واقعية، فأكثر شخص تحدث عن أن «إنجاز المجلس صفر» هو رئيس كتلة «الوفاق» الشيخ علي سلمان، وعلى رغم جميع انتقاداتي لأداء المجلس إلا أنني لم أقل أبدا إن إنجازه صفر.
– المرزوق: لقد قال الشيخ علي سلمان ذلك في نهاية الدور الأول من الانعقاد وأنت شخصيا حضرت المؤتمر التنظيمي عندما تحدث الشيخ علي سلمان عن إنجازات الكتلة، فلماذا تركز على ما قاله الشيخ في نهاية الدور الأول من الانعقاد وتتجاهل ما ذكره في المؤتمر التنظيمي؟
– المحفوظ: في المفاصل التي كان يجب علينا شكر المجلس النيابي فيها قمنا بذلك، كما أشدنا بالمواقف الجيدة التي وقف فيها المجلس مواقف مشرفة وذلك موجود في وسائل الإعلام.
ما يخص التحالف وبغض النظر عن موقفنا من المشاركة فإن ذلك لا يلمع صورة المجلس النيابي ولا يضفي عليه الشرعية، إذ إن موضوع التحالف يرتبط بموضوع المعارضة بشكل عام، إن اختزال العملية السياسية في المجلس النيابي هي حالة من الغباء بسبب أن المجلس النيابي اليوم تدور حوله حالة من التجاذبات الكبيرة فالجميع يؤكد بمن فيهم الموالاة داخل المجلس أن هذا المجلس من دون مستوى الطموح، المهم في هذا الموضوع أن المعارضة ومنذ انهيار التحالف الرباعي لم تستطع أن ترسو على البر على رغم وجود تنسيق سداسي، إن المعارضة فشلت فشلا ذريعا في هذا الجانب، كما فشلت المعارضة في مواجهة مرحلة الاستحقاقات إذ لم يكن لديها مشروع مشترك، لو كان هناك مشروع مشترك لاستوجب ذلك دراسة هذا المشروع، إن ما حصل هو أن كل طرف أصبح لوحده، حتى في مسألة القائمة الموحدة التي يتحدث عنها المرزوق لم تكن بشكل واضح، كانت هناك عروض تقدم، حتى عندما عرض عليّ الترشح رفضت ذلك وقلت لهم إن بيننا تحالف فما هو الأساس الذي بني عليه هذا التحالف وحتى العرض الذي قدم لي كان مشروطا بخروجي من الدائرة التي أسكن فيها (أي بني جمرة) وأترشح في دائرة أخرى (دائرة سار)، كما أن العرض الذي قدم إلى النائب عزيز أبل صدر بقرار وطلب منه الترشح في الماحوز بدلا عن سار بسبب أنه من الأفضل أن يكون بعيدا عن الوهج، إن أرادت «الوفاق» أن تنجح شخصا يمكنها ذلك ولكن المشكلة ليست في من تختاره أو تقدم له عرضا، إذ إننا لسنا في مجلس معين ليتم الأمر بهذا الأسلوب، كما أنه لا يجب أن يكون العرض ضمن شروط معينة، ومع ذلك أرى أنه لا يجب الضغط على «الوفاق» لكي تتخلى عن بعض دوائرها، فـ»الوفاق» مشكلة من مجموعة من القوى بحيث لا تستطيع أن تحسم أمورها، وذلك ما خلخل التحالف الرباعي، ولنكن واقعيين، إن التحالف الرباعي الذي كان موجودا أراد وحاول أن يبقي هذا التناسق موجودا ولكن لم نتمكن من ذلك، إن هذا الأمر طرح في جلسات رسمية، هناك طرح بأنه يجب على كل جمعية أن تحاول الوصول إلى المجلس النيابي وبعد ذلك يمكن الحديث عن كتلة نيابية وطنية، إن هذا الطرح غير مجدٍ تماما.
أحد أخطاء الحركة السياسية في البحرين والتحالف الرباعي هو اعتبار العمل السياسي محصورا في المجلس النيابي على رغم معرفتهم أن مشاركتهم في البرلمان محدودة، لقد فرط الجميع في قوى تحالفية وحتى المؤتمر الدستوري انتهى بعد أن دفعت عليه مصاريف كبيرة وبذل فيه جهد كبير، لقد انهار كل ذلك بسبب أن البرنامج الوطني ليس موجودا.
كان من المهم الحفاظ على التجارب السابقة وعدم التفريط بها ومن يريد أن يشارك أو يقاطع الانتخابات فليكن له ذلك دون وجود حالة من العداء بين الأطراف المشاركة والأطراف المقاطعة، إن المجلس النيابي ليس هو كل العملية السياسية، أنا قريب من «الوفاق» وقريب من المنبر التقدمي ومن التجمع القومي ومن «وعد»، بغض النظر عن التباينات الموجودة، لقد أوجد التحالف حالة من العلاقة الودية والشخصية وانهار كل ذلك لعدم وجود مشروع مشترك، إن التحالف ليس توزيع مقاعد وإنما هو مشروع، يجب أن يكون لدى المعارضة بغض النظر عمن يدخل المجلس أو يبقى خارجا مشروعا وطنيا كبيرا يبدأ من التعديلات الدستورية وتندرج بعده الملفات الأخرى، كما يجب أن تكون هناك مواقف مشتركة وإن من يقوم بتسيير الملفات هو التحالف وليس الجمعيات، إن أية حركة أو جمعية مهما قويت ستبقى لوحدها ضعيفة، اختزال المعارضة في عدد من النواب خطأ كبير، نحن لسنا مثل الكويت، فالكويت متقدمة علينا في العمل البرلماني ولكننا متقدمون عليهم في العمل السياسي فلدينا تجارب وحركة سياسية منذ أكثر من 75 عاما.
من الجيد أن تسلط صحيفة «الوسط» الضوء على هذا الجانب المهم حتى نبرز جوانب أكبر ولذلك أنا طرحت مسألة الدراسة المعمقة للواقع، ليس من المفترض أن تتباحث المعارضة في عدد المقاعد التي يمكن أن تحصل عليها من خلال «الوفاق» لكي تكون هناك معارضة وطنية يجب أن يكون طرح المشروع المشترك أولا.

——————————————————————————–
المشروع الموحد للمعارضة
* ولكن ما هي النتائج المتوقعة لفشل الوصول إلى قائمة موحدة وهل يهدد ذلك التحالف بين الجمعيات الست؟
– المحفوظ: أرى أنه يجب طرح المشروع المشترك قبل الحديث عن القائمة الموحدة، يجب إعادة ترميم العلاقة بين القوى المعارضة كما يجب العمل على إيجاد نوع من التوافق بين جميع الأطراف، من الظلم اختزال التحالف بين القوى المعارضة في التحالف الانتخابي فقط بسبب أن القوى المعارضة يجب أن تنظر إلى البعيد.
* دكتور حسن مدن، هل ترى إمكانية انهيار التحالف السداسي كما حدث للتحالف الرباعي والمؤتمر الدستوري في حالة إصرار «الوفاق» على موقفها من استبعاد القوى المتحالفة معها من الاستحقاقات الانتخابية؟
– مدن: أرى أن كلمة «التحالف السداسي» مبالغ فيها ففي واقع الأمر لا يوجد تحالف بمعنى هذه الكلمة، ما هو موجود هو مجرد تنسيق.
* ولكن ألن يتأثر هذا التنسيق ويختفي أو يتحول لحالة من التشنج في العلاقة بين الجمعيات السياسية؟
– المرزوق: لا أعتقد بأن طرح هذه الأسئلة وتوجيهها بحيث تصب في جانب علاقة الجمعيات السياسية من خلال الاستحقاقات الانتخابية موفقة.
* ولكن بدأت تظهر على السطح بعض الحساسيات والانتقادات لموقف «الوفاق» من ذلك؟
– مدن: لو كان هناك تحالف لما احتجنا لهذه الندوة لنناقش موضوع القائمة الموحدة، هناك أشكال من التنسيق ضرورية للتواصل بين الجمعيات لطرح بعض الملفات، أعتقد بأن هناك دائما حاجة لمثل هذه الأطر، من دون أن نقلل من موضوع هذه الندوة وأهميتها وأتمنى من الأخ خليل والإخوة في «الوفاق» أن يتسع صدرهم للملاحظات والانتقادات التي توجه للمجلس، عندما نتحدث عن أداء المجلس فإن هذه الملاحظات ليست موجهة لهم بشكل خاص، وإن تحدثنا عن أداء «الوفاق» -وهذا أمر صحي بين شركاء العمل السياسي- فيجب أن تكون صدورنا واسعة وأن لا نستدعي كل هذا الاستنفار لأن العمل السياسي معقد جدا وتطرح من خلاله العديد من القضايا التي من الممكن أن نختلف حولها، ذلك ما نتأمل فيه وما عرفناه في علاقتنا المديدة مع الإخوة في «الوفاق» والشيخ علي سلمان ونتمنى أن يستمر هذا النهج.

——————————————————————————–
قائمة الديمقراطيين
* في حالة عدم التوصل إلى قائمة موحدة تضم جميع الجمعيات السياسية المعارضة هل هناك توجه لتشكيل قائمة موحدة للتيار الديمقراطي ولماذا تطالبون «الوفاق» بهذه القائمة في حين أنكم لم تتفقوا على قائمة موحدة بينكم؟
– مدن: نحن في المنبر التقدمي ندعوا إلى مثل هذه القائمة وهذه الفكرة ليست وليدة اليوم وإنما هي قديمة، نحن نقول إن على التيار الديمقراطي أن يوحد صفوفه وقواه ويطرح برنامجه ورؤيته المستقلة ليس على قاعدة الخلاف مع «الوفاق» أو العمل الإسلامي أو غيرهم من شركائنا في العمل السياسي والنضالي الذي نتفق معهم من خلاله في أمور كثيرة، يجب أن نلاحظ أن المعارضة مكونة الآن من طيفين أساسيين طيف التيار الديمقراطي والطيف الإسلامي.
هناك مشتركات كثيرة بين التيار الديمقراطي وهذه المشتركات طويلة وقديمة ولم يجري صونها للأسف الشديد وإنما ضاعت في خضم الحراك والاستقطاب الذي شاهدناه منذ العام 2002.
من الواضح من خلال هذه الندوة أن القائمة الموحدة التي تضم الإسلاميين والعلمانيين المعارضين ليست واقعية -هذا ما فهمته أنا على الأقل- لذلك على التيار الديمقراطي أن يوحد قواه وأن يطرح برنامجه ويعمل على تنمية قواه بالتدريج، ليس المطلوب منا الآن أن نضاهي «الوفاق» في القوة الجماهيرية، فـ»الوفاق» تعمل بآليات أخرى مختلفة تماما عن آليات عملنا وحتى المقارنة لا تجوز ولا تصح لا سياسيا ولا اجتماعيا، ولذلك يجب أن نعمل وفق قوانا برغبة وروح التعاون والتنسيق وحتى التحالف مع أي قوى أخرى تتفق معنا في برامجنا.
من وجهة نظري ووجهة نظر المنبر الديمقراطي التقدمي إن ما هو أكثر جدوى وواقعية هو وجود قائمة للتيار الديمقراطي تبحث عن أشكال التنسيق مع جمعية «الوفاق» وجمعية العمل الإسلامي والشخصيات الوطنية أو أي قوى أخرى موجودة في المجتمع والتي بوسعها أن تمد يدها لهذا التيار.
* قلت أن هذه الفكرة لم تكن وليدة اليوم فما الذي منع التيار الديمقراطي من تشكيل قائمة موحدة في الانتخابات السابقة وهل هناك تنسيق يجري الآن لتشكيل هذه القائمة لانتخابات 2010؟
– مدن: نحن ندعوا إلى ذلك ونطرح هذه الفكرة للنقاش، وهناك شخصيات وتيارات ليبرالية ربما لا تتفق مع «الوفاق» مثلا وقد تلتقي معنا في بعض الأمور، قد تختلف معنا في البرنامج السياسي ولكن قد تتفق معنا في بعض الجوانب الاجتماعية، لدى التيار الديمقراطي إمكانيات لا يستثمرها وأرى أن هذه الفكرة صحيحة وقائمة، وأكرر أنه ليس الهدف من بناء التيار الديمقراطي أن يكون موجها ضد التيارات الإسلامية، إذ ليست هذه أولوياتنا أو هدفنا بل العكس نحن مع تعظيم القواسم المشتركة مع «الوفاق» ومع العمل الإسلامي وغيرها من القوى المناضلة ولكن على قاعدة استقلالية التيار الديمقراطي واستقلالية مواقفه ورؤيته.
– المحفوظ: لن أتحدث عن الانتخابات فموقفي واضح منها، فالمجلس النيابي أحد معالم الظلم للشعب البحريني وإن هذا الشعب الذي ضحى كثيرا يستحق أكثر من هذا المجلس، إن الصحافة لاتزال متفوقة على المجلس النيابي من خلال حراكها حتى أن الصحافة استطاعت أن تجمع القوى المتناقضة في حين أن المجلس لم يستطع أن يجمع أبسط الأشياء.
أرى أنه يوجد أمل في وجود معارضة عاقلة تجمع كل الأطراف، لقد نجحت المعارضة في إقامة تحالفات في أوقات سابقة ونجحت في إيجاد تواصل في فترات معينة، ولكنها في حاجة لبعض التواضع وبحاجة إلى التعقل والخروج من حالة المشاطرات والمزايدات، إن لدى المعارضة القدرة والوقت ولكنها بحاجة إلى الاستماع لبعضها بعضا بغض النظر عما تملكه من قواعد جماهيرية لأن التجارب قد أثبتت أنه لا تستطيع لا الطائفة الشيعية ولا الطائفة السنية ولا العلمانيون قيادة وطن لوحدها، المعارضة تحتاج إلى كل شخص ولذلك أقول للدكتور حسن مدن إن هناك أملا وأنا أطرح ذلك ليس من باب المزايدات ولكن من خلال تجربتي أجد أننا نستطيع أن نصل إلى تحالف جدي.
– المرزوق: سأنطلق من الإيجابية التي تفضل بها سماحة الشيخ المحفوظ وهي أن إجمال القوى سياسية والعمل السياسي في البحرين على انه استحقاق للمقاعد النيابية ليس صحيحا وأتفق معه على أن مستوى الصلاحيات لهذا المجلس ليس على مستوى استحقاقات شعب البحرين.
نحن نحتاج إلى حوار بيننا بعيدا عن الصحافة، فهذا الحوار يتطلب الحديث عن استراتيجية المعارضة وتحالفاتها واستحقاقاتها بالإضافة إلى أمور تفصيلية ومقدمات هذا التحالف وإن كان سينتقل إلى الشق الانتخابي فمن الطبيعي جدا أن لا يتم ذلك من خلال الصحافة، إن التنسيق والتحالف متروك للجمعيات وهي من تقود العملية ويجب أن تقود العملية بعيدا عن التعاطي الإعلامي لكي لا يولد هذا الضغط والضغط المضاد لأن ذلك سيؤثر بشكل سلبي على الجماهير المختلفة -ولا أحتكر الجماهير للوفاق فقط- إن ذلك سيولد ضغطا وشحنا لدى هذه الجماهير في حين أن الحوار البيني بين الجمعيات السياسية بعيدا عن التعاطي الإعلامي يمكن أن يوصل إلى نتيجة تتفق عليها القوى السياسية لتحصين العمل السياسي وصيانته. نحن في «الوفاق» قلنا إن المشاركة هي أداة من أدوات العمل السياسي ولم نختزل الحراك السياسي في المجلس وهناك ملفات نتحرك فيها سياسيا ونيابيا وحتى خارجيا، ولذلك فإن جميع القضايا التي تثار حاليا في الإعلام هي حالة استباقية قد تكون معيقة لأي تفاهمات أكثر من أنها قد تخدمها.
إنني أترك القرارات لأصحابها سواء في الجمعيات السياسية أو في «الوفاق».
* نحن نحاول أن ندفع باتجاه التحالف وليس إعاقته ولذلك نضغط في هذا الاتجاه وإن كان الأمر أتى سابقا لأوانه فإنه أفضل من أن يأتي متأخرا؟
– المرزوق: ذلك يعتمد على طريقة طرح الموضوع كما أنني أفضل أن يكون طرح هذا الموضوع بين الجمعيات بعيدا عن الإعلام.
* وهل يعني ذلك أن الباب مازال مفتوحا للدخول في تفاهمات بينكم وبين الجمعيات السياسية الأخرى؟
– المرزوق: لم يقم أحد بقفل الباب وقلت سابقا إن هذه القرارات التفصيلة ترجع للأمانة العامة وأنا أتحدث هنا برؤى تحليلية شخصية لا تعبر عن الأمانة ولا تلزمها.
– سند: كما ذكر الشيخ المحفوظ، فإن غياب المشروع الوطني بين الجمعيات السياسية للتعاطي مع مجمل الأمور هو ما يجعلنا متفرقين، لو كان المشروع الوطني موجودا ومتفقا عليه بين مختلف التيارات السياسية لتجاوزنا مرحلة التنسيق بين الجمعيات السياسية، ما هو موجود هو شكل من أشكال التنسيق ولم يرقَ إلى التنسيق الشامل للأسف الشديد، كنا نطمح بأن يرتقي التحالف الرباعي إلى أن نصل إلى هذا المشروع الذي يتحدث عنه الشيخ المحفوظ.
أما ما يتصل بقضية الاستحقاقات والقائمة الوطنية فإنه يجب على القوى السياسية ككل إسلامية وعلمانية أن تفكر بعقلية الوحدة الوطنية، وأن لا تفكر بعقلية أنها تمتلك دوائر معينة، يجب التفكير بالوطن ككل.

——————————————————————————–
مقتطفات من الجزء الأول للمنتدى:

المحفوظ:
– لو كان الوضع السياسي الموجود الآن طبيعيا وسليما, لكان من الطبيعي أن يتجه الحديث عن تحالفات القوى السياسية.
– المجلس النيابي ليس في المستوى المطلوب وليس على مستوى الطموح, ولا يستطيع أن يقدم شيئا, أنا اعتبرت هذا المجلس «مجلس شورى منتخب».
– القوى المعارضة تحتاج إلى دراسة معمقة وجادة للخروج برؤية واضحة إلى الناس.

——————————————————————————–
المرزوق:
– الأمانة العامة هي من سيحدد مساحة المشاركة واختيار المرشحين والتحالفات التي يمكن أن تكون في حالة المشاركة.
– الحديث عن قائمة انتخابية في 18 دائرة فقط يعني الاستسلام لهذه القسمة غير العادلة وكأننا مستسلمون للدولة بأن يكون حظ المعرضة لا يتعدى 18 مقعدا في البرلمان ولا يجب الحديث عن زيادة هذا العدد.
– على من يقول بعدم شرعية المجلس أن يحسم أمره, ولا يكون بين البينيين, بين عدم الشرعية و في نفس الوقت يحاول أن يدخل العملية الانتخابية.

——————————————————————————–
مدن:
– من مصلحة القوى السياسية أن توسع دائرة المشاركة وأن تدعوا الجماهير للمشاركة بهدف أن يكون المجلس المقبل أكثر تعبيرا عن مكونات المجتمع البحريني المختلفة.
– موقفنا ليس مرهونا بموقف «الوفاق» شاركت أم لم تشارك دعمت أم لم تدعم, نحن نريد أن نعتمد على قوانا وبرنامجنا ورؤيتنا وليس مهما عدد الأصوات أو المقاعد التي نحصل عليها.
– أرجو أن لا يفهم وفي أي حال من الأحوال أن جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي تستجدي أو تطلب من «الوفاق» أي مقعد.

——————————————————————————–
سند:
– انتخابات 2010 ستكون بداية لتغيير مقبل من حيث حجم المشاركة ونوعيتها.
– نحن لا نستجدي أي قوى أخرى لتكافئنا لأننا اتخذنا مواقف وطنية, فنحن لسنا متحمسين جدا للدخول في هذا المجلس.
– إذا اتفقت القوى السياسية على صيغة معينة من خلال تحالف سياسي معين للدخول فإن ذلك سيكون جيدا.

صحيفة الوسط
جميل المحاري
3 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

القائمة الوطنية ليست استجداء

ليس من الصحيح أو اللائق فهم موضوع أهمية النزول إلى الانتخابات النيابية وحتى البلدية في الانتخابات المقبلة من خلال قائمة موحدة للقوى الوطنية على أنها محاولة استجداء من قبل الجمعيات السياسية لتخلي «الوفاق» عن بعض دوائرها المضمونة, فلا أحد يطرح ذلك أبدا.
وقد أكد الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حسن مدن ذلك عندما قال في «منتدى الوسط» بشأن القائمة الموحدة للجمعيات السياسية المعارضة: «نحن شاركنا في انتخابات 2002 عندما قاطعت الوفاق وشاركنا في انتخابات 2006 عندما شاركت الوفاق وسنشارك في انتخابات 2010، ولذلك فإن موقفنا ليس مرهونا بموقف الوفاق شاركت أم لم تشارك دعمت أم لم تدعم… أرجو ألا يفهم وفي أي حال من الأحوال بأن جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي تستجدي أو تطلب من الوفاق أي مقعد, وليكن ذلك واضحا».
ولكن البعض قد لا يفهم أن القائمة الوطنية الموحدة التي من المفترض أن لا تقتصر على الدوائر الـ 18 المحسوبة على «الوفاق» فقط وإنما على جميع الدوائر التي قد تحصل القوى المعارضة على حصة معقولة فيها – في حالة التوافق عليها – ستكون في مصلحة «الوفاق» قبل أي طرف آخر.
فأولا, إن هذه القائمة ستبعد عن «الوفاق» عددا من التهم الموجهة إليها حاليا من أنها تريد الاستئثار لوحدها بالساحة الجماهيرية وتبعد جميع القوى المشاركة معها في فترة النضال السياسي السابقة عن الاستحقاقات التي يجب أن يجنيها الجميع, وتثبت بأنها مازالت الأقوى بين جميع أطياف المعارضة, وبذلك فإنها لا تختلف عن الحكومة في أي شيء عندما يصل الأمر إلى مسألة الشراكة في صنع القرار وتقاسم السلطة.
وثانيا، إبعاد تهمة الطائفية عنها وتخليص المجلس النيابي المقبل من الاصطفاف الطائفي الذي شلّ عمل المجلس الحالي.
وثالثا، الاستفادة من الخبرات الاقتصادية والسياسية التي قد تفتقر إليها كوادرها في بعض الدوائر, فليس خافيا على الجميع الأداء الضعيف لعدد من أعضاء كتلة الوفاق خلال المجلس النيابي الحالي, فالعمل النيابي لا يقتصر فقط على عدد الأصوات التي تمتلكها أي كتلة نيابية بقدر ما يمكن أن يقوم به النائب من دور في المراقبة على الأداء الحكومي والمشاركة في صياغة التشريعات والقوانين وقوة الطرح والتأثير في اللجان المختلفة في المجلس.
وليس أخيرا, تمثيل قوى وطنية أخرى مساندة لـ «الوفاق» وكسب تعاطف وتأييد الجماهير التابعة لها.
كما يمكن أن تكون مشاركة أكبر عدد من القوى السياسية في المجلس تبريرا لـ «الوفاق» في حالة الإخفاق في طرح وإدارة الملفات الوطنية كالتمييز وتكافؤ الفرص والتجنيس وغيرها من الملفات التي لا تزال عالقة حتى الآن, فحينها لن يقال بأن «الوفاق» قد أخفقت في طرح هذه الملفات وإنما سيُلام الجميع على ذلك.
 
صحيفة الوسط
3 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

بين الأخلاق والسياسة

إنْ بنتيجة رصد الظواهر أو يسبب المعاناة الذاتية، أطلق كاتبان صحفيان مرموقان في الصحافة البحرينية الأسبوع الماضي إشارات تحذيرية مهمة عن ترافق هبوط أداء كثير من السياسيين بتدني المسلك الأخلاقي في التعامل مع بعضهم ومع حملة الأقلام والرأي العام عموما. تحت عنوان ‘نكايات السياسة’ كتب الأستاذ غسان الشهابي بأن ‘..السياسة استطاعت أن تشق لها طريقاً لا علاقة لها بالمشاعر أو الأخلاقيات، وسيكون غير سياسي من يدّعي ممارسة السياسة بسموٍّ خلقي..[1]’. وتحت عنوان ‘متوازيا الأخلاق والسياسة البحرينية’ كتب الأستاذ عقيل سوار ‘؟أن مشكلتنا السياسية تهون أمام مشكلتنا الأخلاقية، أو في أفضل الأحوال تتوازى معها..[2]’. وليس لدى كاتبينا العزيزين فقط، بل ولفرط ما وجده الناس من اختلاف بين أعمال وأقوال السياسيين، ومن نيل من حملة الرأي الآخر، ولما عرف في عالم السياسة بأن غريمي الأمس قد يمضيا هذه الليلة في سرير واحد، فقد تجذر في الوعي الاجتماعي في مجتمعنا ومجتمعات كثيرة أخرى أن السياسة بطبيعتها تتعارض والأخلاق، وأن العمل السياسي يتعارض بالطبيعة والسلوك الأخلاقي. ومع قرب الانتخابات النيابية والبلدية سنسمع كثيرا هذه المرة عن فنون التكنولوجيات السياسية، وسيرادفها الكثيرون بتفسير أن هذا المصطلح يعني بالضرورة تكنولوجيات الأساليب القذرة. و’سيبرر’ هذا الكلام ما سيتكشف فعلا من استخدامات لمثل هذه الأساليب في الحملات الانتخابية.
إن ما تجب الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن في بلدان ‘الديمقراطيات الموجهة’ لا تجد القوى الموجهة غضاضة من ترويج فكرة أن ‘السياسة عمل قذر’. ذلك أن تعزيز موقف اللامبالاة لدى الجماهير حيال السياسة يصب في النهاية لصالح بعض السياسيين أنفسهم. ويخلق ذلك أحيانا هالة من القدسية حول السياسيين التقليديين المتنفذين أو الصاعدين الجدد بأنهم ‘خدام الشعب’. وبالتالي فإن عزوف غالبية الجماهير عن السياسة يحمي نخب السياسيين من اختراق أناس من خارج الحلقات المغلقة التي تتشكل عن طريق التحالفات الجديدة ما ظهر منها وما بطن.
الفكرة الصحيحة التي من زاويتها يجب أن ينظر إلى هذا الأمر هي أن السياسة تكون قذرة بالضبط بالقدر الذي تكون عليه دواخل الناس الذين ينتهجون تلك السياسة. غير أن حديثنا ليس عن السمات الأخلاقية للسياسيين كأفراد، بل نحو معرفة العلاقة المتبادلة بين السياسي والأخلاقي بما هما سياسة وأخلاق.
من الوهلة الأولى يبدو أن السياسة تنتمي إلى عالم الأفعال، أما الأخلاق فإلى عالم الأفكار. أكثر من ذلك أن الأخلاق تنتمي إلى عالم الأفكار الأكثر خصوصية، والمرتبطة مباشرة مع الأفعال التي تضبطها وتنظمها هذه الأفكار.
وإذا ما جئنا إلى مكان السياسة في الواقع المتعدد المستويات فسنجد أن مصدر أية سياسة هو أيديولوجيتها، أي الأيديولوجية السياسية. بمعنى آخر، أن أية سياسة ليست سوى تجسيد لهذه الأيديولوجية أو تلك، وإن فاعلية السياسية على المدى البعيد (وليس مجرد النجاح الصدفي أو العابر) تأتي نتيجة التجسيد الملائم للأيديولوجيا في الأفعال. وليس للعلاقة المتبادلة بين الأخلاق والأيديولوجية السياسية طابع الخضوعية التراتبية. إنهما نوعان من الأفكار الخاصة ينتميان إلى ذات المستوى المسؤول عن ضبط وتنظيم الأفعال، ولذلك فمن الطبيعي أن يكملا بعضهما بعضا. وعلى المستوى التطبيقي للأيديولجية، أي على المستوى السياسي، يعتبر اتباع المعايير الأخلاقية ضروري ليس من أجل مراعاة حسن المظهرية واستجداء تأييد الجماهير، بل من أجل التطبيق الملائم للأيديولوجية المرتبطة بأخلاقيات معينة بلا انفصام.
إذا خرقت تلك المعايير تعرضت الأيديولوجية ذاتها إلى التشويه، وبالتالي تتحول ‘تجسيداتها’ إلى كومة من المصادفات لا تجسد تلك الأيديولوجية فعلا. يحدث هذا في حالات، منها لدينا: أن كثيرا من السياسيين من مواقع مختلفة يخفون أيديولوجياتهم ويوهمون أنفسهم والجماهير بأنهم يتحركون في فضاء ‘لا أيديولوجي’. الصنف الآخر يتمثل في التكيف الأيديولوجي الذي يكتسب نفس مضمون سابقه. النتيجة الحتمية هي فشل هذه السياسة في تحقيق نجاحات فعلية، لتثير مقابل ذلك الشكوك الشعبية وتجعل من وضع السياسيين محاطا بالمخاطر. وبالمقابل تدب الفوضى في مختلف مناحي حياة المجتمع.
هذه السياسات ليست بلا أخلاقيات فحسب، بل إنها تنفي خضوعها للأيديولوجية التي جاءت تحت رايتها، وتعتبر مصدرها المصلحة الآنية، وليست الأيديولوجية السياسية، وبالتالي السياسة البعيدة المدى. وعندما يحدث ذلك لا يحلو للاعبي ضفتي ‘الديمقراطية الموجهة’ الترويج لفكرة ‘السياسة عالم قذر’ فحسب، بل والأنكى من ذلك إبعاد المناوئين عن الساحة السياسية إما عن طريق ترسانة القوانين المقيدة للحريات أو عن طريق المكائد أو القمع الفكري أو التهديد باستخدام القوة أو استخدامها. غير أن أشكال القمع، من أي موقع جاءت، ليست سوى ثمرة لتخيلات الأخلاق الكاذبة، المبنية على أيديولوجية مغيبة أو مشوهة، حيث يهدف متبعوها إلى تقييد عقول الجماهير بدلا من إطلاقها.
مثل هذا التشويه للعلاقات المتبادلة الصحيحة والمطلوبة بين السياسة والأخلاق يشكل الطابع العام لحالات كثير من البلدان في عالم اليوم. لكنه في الوقت نفسه تعبير عن الأزمة الأيديولوجية للقوى السياسية التي تجعل من المصالح الآنية غايات سامية لها وتبرر وسائل تحقيقها على حساب المعايير الأخلاقية.

[1] راجع: صحيفة ‘الوقت’، 27 يوليو/ تموز .2009
[2] انظر: صحيفة ‘الوطن’، 30 يوليو/ تموز .2009

صحيفة الوقت
3 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

“حكايات عادية”.. الخليج بعيون مصرية (1-2)

تزامنت التحولات الاقتصادية والاجتماعية العاصفة التي شهدتها مصر في أوائل سبعينيات القرن الماضي تحت شعار “الانفتاح الاقتصادي” الذي رفعه الرئيس المصري الراحل أنور السادات لتبرير الاجهاز تدريجيا وحثيثا على كل مكتسبات ثورة يوليو “الاشتراكية” والتحول إلى نظام الاقتصاد الحر الرأسمالي.. تزامنت تلك التحولات مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي شهدتها بلدان الخليج العربي وعلى الاخص ذات الانتاج النفطي الكبير. وعلى كلا الجانبين: المصري والخليجي، ثمة تأثيرات متبادلة ألقت بإفرازاتها على منظومة القيم الاجتماعية التي كانت سائدة قبل التحولات المصرية الانفتاحية وقبل المتغيرات الخليجية النفطية.
فبفضل حرب اكتوبر 1973م التي جرى خلالها استخدام سلاح قطع النفط وما نجم عنه من ازمة اقتصادية غربية، وعلى الأخص في سوق الطاقة قفزت أسعار النفط صعوداً الى مستويات خيالية، وبسبب هذه الطفرة بعدئذ في الانتاج والأسعار عرفت اقطار الخليج انتعاشا ماليا واقتصادياً غير مسبوق انعكس ايجابا على ارتفاع الدخل القومي لهذه الاقطار وارتفاع مداخيل الافراد وانتعاش الاستثمارات. لكن هذه الوفرة المالية التي خلقها ارتفاع اسعار النفط كانت مخاتلة لم تنعكس على التوزيع العادل للثروات الوطنية ولو بالحدود الدنيا، على جميع فئات وطبقات شعوب الخليج إذ استأثرت بمعظمها فئات وشرائح محدودة تقبع في أعلى الهرم الاجتماعي ببلدان الخليج.
وفي مصر كان الوضع مشابها لكن من زاوية اخرى أي ليس من زاوية طفرة نفطية، بل من زاوية “انفتاحية طفيلية” فالانفتاح الاقتصادي الذي بشر به السادات طويلاً بأنه سينقل الشعب المصري بقدرة قادرة من حال الى حال أفضل، أو كما عبر في إحدى خطبه بأنه مع حلول عام 1980م سيصبح لدى كل مصري “عربية وفيلا” بفضل “الانفتاح الاقتصادي” والسلام مع اسرائيل، هذا الانفتاح الذي قيل إنه سيجلب الرخاء سرعان ما تبين للشعب المصري أنه لم يجلب لمصر، وتحديداً لفقرائها وطبقاتها المعدمة سوى الخراب والدمار الاقتصاديين على نحو اسوأ مما كانت عليه في زمن الحروب و”الاشتراكية” العربية.
وعلى الجانبين المصري والخليجي معاً كانت فاتورة تلك التحولات المصرية والمتغيرات الخليجية باهظة انعكست روحيا في اهتزاز منظومة القيم الاجتماعية من حيث شيوع قيم “الانانية” و”الخلاص الفردي”، والكذب والاحتيال وتفشي النزعات القطرية (بضم القاف) والتسفيه والحط من القيم القومية والاشتراكية.. وكل ذلك جرى أو تكلل على كلا الجانبين الخليجي والمصري بالتوازي مع صعود التيارات الدينية المتشددة التي رغم شعاراتها الدينية البراقة لم تستطع ان تحول دون استمرار تلك الظواهر والقيم الاجتماعية السلبية سواء التي جاء بها “الانفتاح” في أرض الكنانة أم التي جاء بها الرخاء النفطي المزعوم في بلدان الخليج.
ولأن الخراب الاقتصادي والمعيشي الذي احدثه الانفتاح في وادي النيل جاء اشد عنفاً وفتكاً وأكثر شمولاً في قطر تخطت اعداد نفوسه اليوم 75 مليوناً وهو ما يصل الى أكثر من ضعفي أقطار الخليج مجتمعة فكان ان ولدت من احشاء هذه الازمة ظاهرة لم تعرفها مصر وأقطار الخليج قبلاً في تاريخ العرب الحديث، ألا هي هجرة نسبة كبيرة من المصريين الى الخارج بحثاً عن الرزق أو تحسين الدخل، وعلى الاخص الى دول الخليج، وكانت أعداد المصريين في هذه الدول، كما هو معروف، قليلة أو محدودة قبيل “الانفتاح” والطفرة النفطية السبعينية، وبموازاة هذه الهجرة المصرية للخليج شهدت مصر انتعاشا سياحيا غير مسبوق كان عماده الأول سياحة الخليجيين الى مصر التي اصبحت لسنوات غير قليلة قبلتهم السياحية الأولى، وعلى الأخص من قبل ابناء الطبقة المتوسطة وصغار الحرفيين والتجار والموظفين.
فكيف كانت إذاً نظرة المصريين الذين هاجروا الى الخليج، الى الخليجيين؟ وكيف تكيفوا مع حياة وعادات بلدانهم؟ وما هي نظرة الخليجيين لأشقائهم المصريين الذين وفدوا إلى بلدانهم وحلوا ضيوفاً فيها لسنوات طويلة؟
وما هي النظرة التي كونها السياح الخليجيون الى مصر والمصريين من خلال زياراتهم السياحية المتكررة لمصر وبخاصة في السبعينيات؟ وما هي تأثيرات كل جانب في الآخر في سياق هذه التحولات القيمية والاجتماعية العاصفة التي أفرزتها حقبتا الانفتاح “السعيد” وطفرة “الرخاء” النفطي؟
لا شك ان الكتابات والدراسات التحليلية التي كتبت في هذا الشأن لمحاولة الاجابة عن كل تلك التساؤلات المهمة مازالت محدودة او تفتقر الى التأصيل العلمي الدقيق والتحليل الاقتصادي السياسي المعمق، بما في ذلك غياب تناول المشكلة في الاعمال الدرامية والروائية، ولكن من المحاولات الجديرة بالاشارة إليها الفيلم الوثائقي الذي اخرجته المخرجة المصرية نهى المعداوي “حكايات عادية” وقد تناولته بالتعليق الناقدة المصرية السينمائية التلفزيونية ماجدة موريس وهو ما سنتناوله بدورنا بالتعليق غداً كمحاولة او مقاربة لابراز ولو بعض ملامح صورة الآخر كما يراها كل منهما في عيونه.

صحيفة اخبار الخليج
3 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

في استراتيجية الانتخابات

لابد أن تكون للقوى الوطنية اليسارية رؤية عميقة في المسار السياسي للبحرين خلال العقد القادم من القرن الحادي والعشرين، بما يحمله هذا التاريخ من ارتفاع عن الممارسات السياسية المحدودة للعقود الماضية، وأهم أمر في هذه الممارسات الاتكاء على قوى ليست من صميم هذا اليسار ولا من تاريخه، وهذا لا ينفي دورها وتضحياتها لكنها لا تملك رؤية عميقة متراكمة في النضال داخل هذا الوطن، وكيفية توحيد الشعب فيه.
لابد لهذا اليسار أن يؤمن بنفسه وبأن الناس نسيته لأسباب غيابه الخارج عن إرادته وبسبب كثرة القمع له، وليس لخطأ في أفكاره.
فعليه ألا يستند على أحدٍ من خارجه، ويثق بنفسه، وانه قادر على إيجاد انعطافة سياسية وانعطافة اقتصادية في هذا البلد، لأنه يفهم ما لا يفهمه الآخرون، ولأن برامجه أقرب للواقع الموضوعي، أقرب لمصالح أغلبية الشعب.
بل إن البلد كله ينتظر عودته للنشاط الحقيقي، نشاط الوطنية ودعم المشروعات الاقتصادية العامة والخاصة، وتصعيد حضور العمال البحرينيين في الاقتصاد الوطني وتصعيد حضور النساء، وتصعيد حضور الثقافة الوطنية.
لقد امتلك اليسار البحريني خبرة كبيرة في السياسة وفي معرفة الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولديه كوادر كثيرة في شتى المجالات قادرة على طرح مشروعات القوانين ومراقبة الوزارات في أداء أعمالها، وفي توفير استقرار عميق لا مؤقت للبلد.
فعلينا ألا نركن مثل هذا الحضور على قوى أخرى، فحتى هذه القوى الأخرى الدينية تعيش فترة اضطراب تاريخي، وقد كشفت أحداث إيران ان الاتكاء على الآراء الدينية العامة المجردة لا يصلح لقيادة شعب ولا لإرساء ديمقراطية عصرية، وقد نامت مثل هذه القوى على الخارج، الذي تصورته مطلقاً وأبدياً، فلم تدرس الاقتصاد المحلي ومشاكله، وضروة إصلاحه بشكل عميق.
ولكن المياه تجري من تحت الطواحين، فمهما كان الماضي فالمستقبل مختلف، والديمقراطية تتغلغل في كل التيارات، وتعيد تشكلها، وكما هي تريد إصلاح الواقع فإن الواقع يصلحها.
إن أمامنا تاريخا وطنيا مختلفا، الكل فيه يتغير، ونحن بحاجة إلى اقتصاد بحريني حقيقي قوي، في ظل الانهيارات الاقتصادية والسياسية المتعاقبة، ومن المهم ذكر السلبيات العميقة داخل هذا الاقتصاد ودراسة خطط الخروج من هذه السلبيات.
نحن بحاجة في اليسار إلى قادة سياسيين واقتصاديين يطرحون البدائل المعقولة الممكنة على مدى السنوات القليلة القادمة، فنحن لا نستطيع تقديم حلول جذرية أبدية، بل حلول مرحلية سوف تتطور ولا شك مع معالجة الظروف.
إن الرأسمالية الحكومية بحاجة إلى تغييرات عميقة داخلها، تخفف من المركزية والبيروقراطية، ومن المصروفات الهائلة غير الحقيقية، ومن الفساد، ونريد إدارات حكومية اقتصادية مقاربة لاقتصاد السوق، والإدارات الاقتصادية الراهنة والشركات الحكومية ليست كذلك، وحتى معلوماتنا عنها مغيبة بشكل كبير في الوقت الراهن.
كما نريدُ من الرأسمالية الخاصة مقاربة أكبر مع المصالح الوطنية، وخاصة لظروف العاملين في البلد من رجال ونساء، وفي هذه المقاربة ليس هناك إجبار بيروقراطي كما يحدث الآن، بل خطة موضوعية على جانبي الرأسمالية الحكومية والرأسمالية الخاصة.
هذه خطوط عامة تبقى خاضعة للدرس والإحصاءات والتحليلات، ولكن الأهم هو وجود رؤية عامة، لا تتعلق فقط بتغيير النمط الاقتصادي الثنائي المتصارع بل تتوجه للجمع بينهما في مركب وطني، يخضع للمراحل والتنازلات المشتركة، وعلى أساس تصعيد القوى العاملة المحلية ثم العربية ثم الأجنبية.
يقع الاقتصاد في القلب من العملية الانتخابية ومستقبل البلد القادم، وربما لا يفهم الناس مثل هذه الشعارات والتحليلات العامة الاقتصادية المركبة، لكن في مستوى المشاركة والحوار يمكن تبسيط مثل هذه القضايا، فهي ذات حضور كبير وساخن في حياة الناس.
لا بد أن يترك اليسار الأحاديث المطولة عن الوحدة الوطنية وغيرها من الشعارات التي أصبحت متجاوزة، بل أن يركز في مصالح الأغلبية الشعبية حاملاً لها برنامجه العام، ومستفيداً من ملاحظاتها التي سوف تثريه بخبرتها ومعاناتها.
أما الأحاديث عن مواقع مغلقة ومواقع مفتوحة فهو أمر نسبي وزائل، ونحن قادرون على اختراق كل الصعوبات وكل الحواجز وكل المواقع المستحيلة، فنحن الباقون وهم المتغيرون الراحلون، نحن صوت الأغلبية المستقبلية الصاعدة أساس هذا الشعب.
فثقوا بأنفسكم ولا تأخذوا الثقة من غيركم الراحل، الذي سوف يتغير خلال السنوات القادمة، ولن يعود هو هو، وسوف يلتحق بكم كثيرٌ منه، ويبتعد عنكم قليل منه.
لابد أن تكونوا الرؤية والصخرة التي تجذب الانهيارات السياسية وتكونوا قطب الجذب الوطني الكبير، المستقبل أمامكم!
هذا يتطلب لا الاستشعار بالصغر ولا الكبر المتعاظم المغرور بنفسه، بل الدارس لكل شيء، المتعلم من الآخرين.
الذي لا يعمل للتحدي وهز النظام بل لتطوير الحياة الاجتماعية للمواطنين، الذي يستند إلى مواثيق النظام والدين والشعب، ليرفعها إلى لحظة أعلى تستجيب لمشكلات الناس، وليس لمجردات خيالية.
بؤرتنا هي مصالح الجمهور العريض لا هذه الفئة أو تلك، وسوف نتطور ونطور الوطن.

صحيفة اخبار الخليج
3 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

عن تصريحات المحامي العام الأول

طالعتنا الصحف امس، بتصريح للمحامي العام الأول عبدالرحمن السيد النائب العام بالإنابة، بشأن التقارير الصحافية التي نشرت خلال الأسبوع الماضي عن التجاوزات المالية والإدارية بمعهد التنمية السياسية. أبدى المحامي العام أسفه لنشر هذه التقارير التي نسبت الى التحقيقات الإدارية التي شكلها مجلس الأمناء، إلا ان أسفنا نحن معشر الصحافة أكبر بكثير من أسف المحامي العام، لأننا نشعر بتقويض سلطتنا، التي يحتم عليها المشروع الإصلاحي ان تقدم للقارئ كل ما يدور في هذه المؤسسات التي ترصد لها ميزانيات بالملايين لتسهم في تعزيز الوعي الديمقراطي ولكنها للأسف بين ليلة وضحاها يتم التلاعب فيها. ما نقدمه للمواطن من خلال سلطتنا هو واجب وطني حتى يتبين للناس الخيط الأبيض من الأسود، لا نهدف التأثير على (ساحة القضاء)، ولا على مجرى العدالة. إن التعامل مع الصحافة بمنظور قديم هو أمر لا يخدم التوجهات الديمقراطية، فلكل سلطة مساحتها، وللسلطة الرابعة مساحتها، تسعى جاهدة لتقديم ما يمكن تقديمه للقارئ وللمواطن، تنتقد أي خلل من أي جهة، طبقا لتوجيهات القيادة السياسية التي تؤكد في العديد من المحافل ان حرية الصحافة مكفولة، بل يتم حث الصحافة والصحافيين على كشف الزلل ومواقع الريبة في أي مؤسسة، لأننا لسنا بأقل حرصا على هذا الوطن من احد. لا اعتقد ابداً ان ما تنشره الصحافة قد يؤثر على مجريات القضاء، لأن قضاتنا محل تقدير فهم في منأى عن أي تأثيرات سواء كانت من تقارير خبرية أو أي تأثير آخر، وبالتالي فإن على الصحافة ان تتوقف عن كتابة أي أمر يقر القضاء بأنه سيؤثر على مجريات التحقيق، لا ان تصدر أوامر غير قضائية بوقف النشر عن قضية أي كانت هذه القضية ويتم التوعد بالحساب والعقاب. إن هذه الروح يجب ان لا تتخلل الى جهاتنا الرسمية، لأنها تعبر عن فجوة بين التطور الصحافي وإعطاء المساحة الديمقراطية وفتح المجال أمام الحبر بأن ينتشر على الورق، وبين عرقلة العمل الصحافي، بحجج لا اعتبرها الا انها تقوض من سلطتنا التي لا نقبل نحن ان تنعكس على أي سلطة كانت، لأننا نؤمن بفصل السلطات الذي اقره الدستور. إن الصحافة البحرينية قادرة على تمييز ما يخدم المصلحة العامة وما يضرها، كما ان نشرنا لما يدور في معهد التنمية السياسية هو نتيجة حرصنا على المال العام، حتى نوقف من تسول له نفسه ان يعبث بهذا المال، كما اننا يا سعادة النائب العام بالانابة واضعين في اعتبارنا مكانة وأهمية معهد التنمية السياسية كإحدى ثمار المشروع الاصلاحي.
 
صحيفة الايام
3 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

دول التعاون الأقل تنسيقاً‮ ‬واستجابة إقليمية لتحديات الأزمة

إبان اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وما تلاها،‮ ‬سارعت كافة دول العالم وتجمعاته الاقتصادية،‮ ‬خصوصاً‮ ‬منها تلك التي‮ ‬تضطلع بحصة معتدة في‮ ‬التجارة العالمية والاستثمارات العالمية المباشرة،‮ ‬لاتخاذ تدابير وإجراءات وتنفيذ خطط قصيرة ومتوسطة المدى للتغلب على الاختناقات المالية والاقتصادية التي‮ ‬سببتها الأزمة،‮ ‬سواء تم ذلك على صعيد فردي‮ (‬حيث بادرت حكومات الولايات المتحدة والدول الأوروبية لاتخاذ حزمة من عمليات الإنقاذ الضخمة‮)‬،‮ ‬أو على صعيد جماعي‮ (‬في‮ ‬إطار الاتحاد الأوروبي‮ ‬مثلاً‮ ‬أو في‮ ‬إطار مجموعة العشرين التي‮ ‬تداعت في‮ ‬عجلة وحاولت اتخاذ تدابير منسقة لتفادي‮ ‬الوقوع الجماعي‮ ‬في‮ ‘‬شرك‮’ ‬الحمائية‮ ‬‭(‬Protectionism‭)‬‮ ‬والتداول بشأن سبل استعادة الاستقرار للأسواق المضطربة‮.‬
ومع أن‮ ‘‬موجة صقيع‮’ ‬الأزمة بدأت تنقشع عن اقتصادات البلدان الرأسمالية الغربية‮ (‬الولايات المتحدة وأوروبا تخصيصاً‮) ‬إثر خطط الإنقاذ‮ ‬غير المسبوقة في‮ ‬التاريخ الاقتصادي‮ ‬للرأسمالية،‮ ‬حيث تم ضخ تريليونات الدولارات في‮ ‬أقنية النظام المالي‮ ‬والمصرفي‮ ‬وشراء أصول هالكة وإنقاذ شركات من خطر الإفلاس،‮ ‬مع ذلك فإن المعالجة الجنوب شرق آسيوية للأزمة كانت الأكفأ والأفعل،‮ ‬فقادة هذه الدول لم‮ ‬يركنوا إلى ما ستتمخض عنه الجهود الدولية متعددة الأطراف‮ ‬‭(‬Multilateral‭)‬‮ ‬من نتائج منتظرة لإطفاء حريق الأزمة ومعالجة ديونها تالياً،‮ ‬وإنما بادرت هي‮ ‬لاتخاذ ما‮ ‬يوافق مصالحها الواقعة داخل إطار حدودها الوطنية وتلك المتصلة بالإقليم الشرق والجنوب شرق آسيوي‮. ‬فبالإضافة إلى إجراءات معالجاتها الوطنية الناجحة،‮ ‬حيث استفادت من دروس أزمتها المالية لصيف‮ ‬‭,‬1997‮ ‬فقد أقرت على صعيد إقليمي‮ ‬في‮ ‬إطار تجمعها الإقليمي‮ ‬قبل أيام‮ (‬3‮ ‬مايو‮ ‬2009‮) ‬خطة لإنشاء صندوق للطوارئ برأسمال قدره‮ ‬120‮ ‬مليار دولار لاستخدامه في‮ ‬مواجهة أية أزمة ركود اقتصادي‮ ‬تتعرض لها بلدان هذا التجمع الآسيوي‮. ‬وقد اتخذت هذا القرار كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية إلى جانب الدول العشر الأعضاء في‮ ‬رابطة دول جنوب شرق آسيا‮ ‘‬آسيان‮’ ‬على هامش الاجتماع السنوي‮ ‬للبنك الآسيوي‮ ‬للتنمية الذي‮ ‬عقد في‮ ‬جزيرة بالي‮ ‬الإندونيسية‮. ‬كما ستنشئ الدول الموقعة على الاتفاق وكالة لضمان الائتمان برأسمال قدره‮ ‬500‮ ‬مليون دولار للمساعدة على تعزيز الطلب على السندات من دول أخرى في‮ ‬الرابطة الإقليمية‮ (‬الاقتصادية‮)‬،‮ ‬بما معناه تمكين الدول الأقل نمواً‮ ‬من تمويل مشاريعها التنموية عن طريق إصدار السندات الحكومية التي‮ ‬صار مضموناً‮ ‬تسويقها‮. ‬اليابان وحدها أعلنت عن خطة لدفع‮ ‬60‮ ‬تريليون‮ ‬ين‮ (‬حوالي‮ ‬54‭,‬61‮ ‬مليار دولار‮) ‬لدعم الدول التي‮ ‬تأثرت بالأزمة الاقتصادية‮.‬
وبدوره‮ ‬يعتزم البنك الآسيوي‮ ‬للتنمية زيادة ميزانيته المخصصة للإقراض إلى‮ ‬33‮ ‬مليـار دولار في‮ ‬2009‮-‬2010‮ ‬بزيادة حوالي‮ ‬50٪‮ ‬عن موازنـة العام المالي‮ ‬2007‮-‬2008‮ ‬لمقابلة متطلبات معالجة ذيول الأزمة على البلدان الأعضاء‮.‬
أما صندوق الطوارئ الذي‮ ‬قررته الدول الثلاث عشرة المذكورة،‮ ‬فستتكفل كل من الصين واليابان بدفع‮ ‬32٪‮ ‬من رأسماله وكوريا الجنوبية بحصة‮ ‬16٪،‮ ‬فيما ستأتي‮ ‬باقي‮ ‬المساهمات من رابطة دول جنوب شرق آسيا‮ (‬آسيان‮) ‬العشر‮ (‬إندونيسيا،‮ ‬ماليزيا،‮ ‬الفلبين،‮ ‬تايلند،‮ ‬بروناي،‮ ‬ميانمار،‮ ‬كمبوديا،‮ ‬لاوس،‮ ‬فيتنام وسنغافورة‮). ‬وستستخدم أموال هذا الصندوق لتقديم الدعم الطارئ لموازين مدفوعات الدول الآسيوية الأعضاء إذا ما تعرضت لـ‮ ‘‬نزوح‮’ ‬مفاجئ لرؤوس الأموال الأجنبية على النحو الذي‮ ‬حدث إبان الأزمة المالية التي‮ ‬ضربت الاقتصاد الجنوب شرق آسيوي‮ ‬صيف عام‮ ‬‭.‬2007
وهكذا فإن الدول الجنوب شرق آسيوية،‮ ‬وبعد أن شعرت بعدم فاعلية المقاربات والحلول متعددة الأطراف‮ (‬سواء في‮ ‬إطار مجموعة العشرين أو مجموعة الثمانية‮)‬،‮ ‬فإنها بادرت إلى التنسيق والتعاون في‮ ‬إطارها الإقليمي‮ (‬الآسيان‮ + ‬الصين واليابان وكوريا الجنوبية‮).‬
هذا هو التعامل والتعاطي‮ ‬الجدي‮ ‬مع الأزمة وتداعياتها،‮ ‬وفعل الاتحاد الأوروبي‮ ‬الشيء نفسه رغم أن عدد الدول هنا أكبر‮ (‬27‮ ‬دولة‮). ‬أما لدينا هنا في‮ ‬مجلس التعاون لدول الخليج العربية المعنية أكثر من‮ ‬غيرها بتداعيات الأزمة نتيجة لاستمرار ارتهان نمو ناتجها الإجمالي‮ ‬إلى سلعة واحدة هي‮ ‬النفط الخاضعة دوماً‮ ‬لتقلبات السوق في‮ ‬الأوقات العادية،‮ ‬فما بالك في‮ ‬أوقات الأزمات،‮ ‬فهي‮ ‬اكتفت باجتماع تنسيقي‮ ‬لوزراء المال ومحافظي‮ ‬البنوك المصرفية إبان احتدام أزمة السيولة في‮ ‬النظام المصرفي‮ ‬الخليجي‮. ‬ولم تتخذ أية خطوات ملموسة،‮ ‬من جنس ما اتخذه الآسيويون أو حتى الأوروبيون من إجراءات سريعة المفعول وبرامج ذات آماد أطول‮. ‬وهذا إن دلّ‮ ‬على شيء فإنّما‮ ‬يدل على عدم فاعلية آليات التنسيق القائمة التي‮ ‬تجاوزها الزمن،‮ ‬وإنه قد آن الأوان لإعادة النظر فيها والبحث عن آليات أكثر فاعلية،‮ ‬ولكن قبل هذا وذاك نكرّر ما سبق وأكدنا عليه وهو ضرورة تحويل الأمانة العامة لمجلس التعاون إلى مفوضية على‮ ‬غرار المفوضية الأوروبية،‮ ‬لها صلاحيات واسعة تستطيع أن تحرّك وتفعّل أجهزة وآليات المجلس.
 
صحيفة الوطن
2 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

شهادات في هزيمة يونيو 67 (2)

من خلال متابعاتي الشخصية فإن الشهادة التي أدلى بها إلى قناة “روسيا اليوم” المستشار الاقتصادي السابق في سفارة الاتحاد السوفيتي بالقاهرة بافل أكوبوف الذي يشغل الآن رئيس رابطة دبلوماسيي الخارجية الروسية ونائب رئيس رابطة السياسة الخارجية الروسية، سبق أن أدلى بها ذاتها في سياق مقال له تحت عنوان “روسيا والعالم العربي” في كتاب ضم مجموعة من المقالات والدراسات لساسة ومثقفين روس بعنوان “الثقافتان العربية والروسية اليوم” ترجمة الدكتور نوفل نيوف الى العربية وصدر عن دار المدى العراقية عام 2006م.
وهذه الشهادة، كما ذكرنا يوم أمس، تتعلق تحديداً بالمباحثات العسكرية المصرية الروسية التي جرت قبيل حرب يونيو 1967م ببضعة أيام معدودة حيث ظلت نتائج تلك المباحثات أشبه بالأسرار والطلاسم، ولم يكشف النقاب بالكامل عن تفاصيلها، والأهم من ذلك انها صُورت من قبل الجانب المصري بأنها تكللت بالنجاح التام، وأنها أسفرت عن إبداء الاتحاد السوفيتي استعداده الكامل لدعم مصر عسكريا وسياسيا في أي حرب تخوضها مع إسرائيل بلا تحفظ أو شروط.
وعلى الرغم من الموقف المبدئي المعروف الذي يقفه الاتحاد السوفيتي الى جانب الأنظمة الوطنية وحركات التحرر الوطنية في العالم الثالث ومساندته لها بمختلف أشكال الدعم والمساندة، فإن ما نقل عن مصادر مصرية عن حصيلة تلك المباحثات التاريخية ونتائجها لم يكن بالصورة الدقيقة بل على الأقل يمكن القول استنادا الى شهادة هذا المستشار الروسي الذي كان حاضرا ومشاركا فيها كانت مضخمة من قبل الجانب المصري الذي وظفها في سياق الحرب الإعلامية الحماسية التي شنتها مصر ضد إسرائيل حينذاك أثناء حشد قواتها في سيناء على طول الحدود مع “إسرائيل”، وغلقها مضايق تيران، وطلبها على الفور سحب قوات الطوارئ الدولية المرابطة هناك منذ عام 1956م غداة انتهاء العدوان الثلاثي على مصر. كما كانت دمشق قد حشدت جيشها على طول الحدود السورية ــ “الإسرائيلية”.
ومن أبرز من شارك في تلك المباحثات عن الجانب السوفيتي كل من نائب وزير الخارجية ف.س سيميونيف، ومدير دائرة الشرق الأوسط أ.د.شيبورن، وقد بدأ الحديث شمس بدران الذي قدم خلفية عن آخر تطورات ومستجدات الأوضاع العسكرية بين مصر وإسرائيل، وطلب باسم القيادة السياسية المصرية، ممثلة في الرئيس عبدالناصر أن يقف الاتحاد السوفيتي الى جانب مصر بتوجيه ضربة عسكرية وقائية ضد اسرائيل قبل ان تبدأ بمهاجمة سوريا التي لن يغفر أحد من العرب لمصر تخليها عنها في هذه الظروف. لكن رئيس الحكومة السوفيتية ورئيس الوفد السوفيتي في تلك المباحثات اليكسي كوسيجن رد بالحرف الواحد: “لا.. فإنكم إذا ما بدأتم الحرب فستعتبرون معتدين، ونحن لا نستطيع دعم المعتدين”. ثم أضاف: إن الولايات المتحدة ستتدخل عسكريا في هذه الحالة الى جانب إسرائيل وستعولون على دخولنا الحرب الى جانبكم ونحن لن نحارب فقد شبعنا حروبا.
ثم عاد وزير الحربية المصري بدران الى موسكو في زيارة ثانية لها قبل أسبوع واحد فقط من الهجوم الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن لإبلاغ القيادة السوفيتية بالتزام القيادة المصرية بألا تكون البادئة بالحرب احتراما وامتثالا لنصيحة الأصدقاء السوفيت، إلا أن إسرائيل شنت هجومها صبيحة الخامس من يونيو 1967م بعد ان انطلت على القاهرة خديعة أمريكية دبلوماسية بأن إسرائيل لن تكون البادئة بالحرب كشف عن خفاياها كل من الصحفي الفرنسي الكبير ايريك رولو في حوار له مع قناة “روسيا اليوم” والصحفي المصري الكبير المعروف محمد حسنين هيكل في سلسلة أحاديثه إلى “الجزيرة” عن النكسة “طلاسم 1967م”.
ولما كانت هزيمة 1967م لمصر وسوريا هي بطبيعة الحال في الوقت ذاته هزيمة لحليف مصر الكبير الاتحاد السوفيتي فإن ما يميز شهادة المستشار الاقتصادي والدبلوماسي السوفيتي الكبير أكوبوف توخيها أكبر قدر ممكن من شجاعة النقد الذاتي لموقف قيادة بلاده من الحرب فهو بقدر ما دافع باعتزاز وبقوة عن سياسات ومواقف بلاده المبدئية المؤيدة والداعمة للعرب ومصر في الصراع العربي – الإسرائيلي وعن عدالة قضية فلسطين كحركة تحرر وطني تكافح من أجل التحرر الوطني فإنه لم يتوان عن الغمز الناقد لخطأ التقديرات والحسابات السوفيتية في تلك الحرب التي أسفرت عن تعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية على نحو غير مسبوق تاريخيا الذي جاء ليس على حساب العرب فحسب بل على حساب النفوذ السوفيتي في المنطقة ذاتها الذي أخذ نحو الانحسار والتضعضع بعد الهزيمة ثم ازداد انحسارا عام 1970م حتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، حيث أضحت المنطقة بعدئذ بامتياز منطقة نفوذ أمريكي مغلقة عليها وعلى حلفائها فحسب.
يقول اكوبوف في سياق ذلك النقد الشجاع لموقف بلاده من الحرب ان الاتحاد السوفيتي بضغطه على مصر بألا تكون هي البادئة بالحرب، ومنعها من توجيه الضربة الوقائية الى إسرائيل، أتاح للأخيرة ان تقصف مقاتلاتها القوات المصرية في سيناء من ارتفاع منخفض من دون غطاء جوي بعد أن تم تدمير معظم سلاحها الجوي على الأرض.. ويضيف: “لقد عزا الجميع ذلك الى غباء القيادة العسكرية المصرية ولكن الحقيقة هي اننا الذين منعنا عبدالناصر من توجيه ضربة وقائية”. ولم يتردد اكوبوف من ابداء استغرابه من انه بالرغم من هذا الخطأ السوفيتي القاتل فإن عبدالناصر لم يوجه لوما للقيادة السوفيتية بعدئذ لمنعها اياه من توجيه الضربة الوقائية، فلم يقل لهم مثلا: “لولا التزامنا بنصيحتكم لما تعرضت مصر لتلك الهزيمة المذلة”.
لكن يظل السؤال بالرغم من هذا النقد الذاتي الشجاع من قبل اكوبوف لحكومة بلاده، الى أي حد تستطيع الضربة الوقائية المصرية لو تمت ردع اسرائيل عن عدوانها الكبير المبيت المخطط بعناية ضد مصر وسوريا والأردن وبدعم أمريكي لا محدود أو على الأقل التقليل من حجم الهزيمة فيما الجيش المصري كان على ذلك الحال من الفساد وعدم الجاهزية القتالية؟

صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

صعود محمود أحمدي نجاد

بينت الدراما الثورية الإيرانية ان الرأسمالية الحكومية لم تستطع أن تسيطر على الشعب وتمنعهُ من الحراكِ رغم سيطرتها على الاقتصاد والقوى المسلحة.
لكن لا يعني ذلك أن القوى المناضلة هي قوية بشكل كبير، فهي إذ تشقُ طريقـَها من خلال أفكار النظام، وهي الموروث الإسلامي المتداخل بين المحافظة والثورة، غدت أقل قدرة على حسم الموقف رغم صراعات الهيئة الحاكمة.
هذا يشير إلى أن أيديولوجية النظام لم تعدْ قادرةً على ربط الجمهور المثقف الليبرالي بتحكمها، في حين تبقى جماهير القوى العاملة خارج الجانبين المتصارعين.
تلعب الجماهير القروية دورها في الإبقاء على النظام العسكري الشمولي، وهي لحظة مشابهة لما لاحظه كارل ماركس على نظام لويس بونابرت العسكري بعد انقلابه في الخمسينيات من القرن الـ 19، فيما يُسمى الجمهورية الفرنسية الثالثة، في كتابه(18برومير).
لقد صعّدتْ قوى الفلاحين المحافظة رجالَ الدين وقوى العسكر، ولاتزالُ النخبُ الليبرالية المدنية محدودة فكراً وسياسة.
في موقع الطبقة الحاكمة الإيرانية فإن صعود القوى العسكرية يبدو واضحاً، ويتمثل في صعود (الرئيس) محمود أحمدي نجاد، فتظهر هنا المبادرات الفردية والمصادفات والقانون، فنجاد ابن الفقراء الريفيين، العصامي، القادم من هذه البيئة الريفية المحافظة شق طريقه للتعلم، وهو أمرٌ يوضحُ أهمية التغييرات الثورية في إيران خلال العقود الماضية، وكيف يتمكن رجلٌ من ابناء الشعب من الارتفاع إلى سدة الحكم، وقد عرفَ هذا البرجوازي الصغير كيف يفهمُ الوضعَ السياسي السائد وكيف يستغله لكي يصعد، لقد قرأ السهم الصاعد وتعلق به، لكن المصادفات قادته أكثر للالتحاق بالجبهة العسكرية المشتعلة ضد العدوان الصدامي حينذاك، وهذا الظرف المهم جعله ذا صداقات مع ضباط كثيرين، وهم قادوه بدورهم للرئيس خامئني، رئيس الجمهورية وقتذاك.
كان موسوي مسئولا عن القطاع العام وبنائه وخاصة قسمه العسكري، نظراً لظروف الحرب، فكان مرضياً عنه، إلى حين، فيما كانت أولويات الحكم تتغير، ويرتفع الجناح العسكري ومؤسساته، ويبحثُ عن شخصية تتوافق مع صعوده، رغم انطفاء الحرب، فصار يبحث عن حجج لبقائه في مواجهات مفتعلة.
وكان إبعاد الجيش الإيراني النظامي قد جرى منذ زمن طويل فقد كان الخوف من الانقلاب يساور القوى الدينية والمدنية على السواء، فظهر الحرسُ الثوري كقوى شبه عسكرية مسيطر عليها كليا من قبل رجال الدين.
وصعّدت هذه القوى المرشد الحالي للجمهورية فصعد هو بدوره مرشحها ابنها البار أثناء جبهات الحرب مع العراق.
لقد أوجدت هذه القوى العسكرية حلقة مغلقة حول المرشد، وهناك تلميح بإمكانية وراثة ابنه لمهامه عبر هذا الدعم العسكري، وربما يغدو ذلك سببا رئيسيا لهذه الحماسة للمرشد تجاه نجاد.
بدأت صداقة محمود أحمدي نجاد للمرشد منذ أن عادَ من الجبهة وغدا ضيفاً دائماً على مجلس الرئيس الإيراني وقتذاك، وتحول إلى أن يكون هو جزء من هذا المجلس، الذي يهتم بالضيوف ويغني الأناشيد الدينية ويشارك في المناقشات الأدبية في المجلس، حيث لم يكن منصب رئيس الجمهورية بتلك الدرجة الكبيرة من الروح المحافظة.
لقد صار نجاد هو الابن المدني للمرشد، فيما واصل ابنه الحقيقي دوره كمهيمن على خيوط السلطة بين العسكريين والمدنيين وتصعيد نجاد كواجهة للسلطة الروحية.
لكن طموح نجاد لم يتوقف عند هذا.
لقد بهرته الطريقة السهلة في الصعود وعبر هذا الاستغلال لأمراض النظام، ولم يكن العسكر من جماعة الحرس قادرين على صياغة ايديولوجيا “شعبوية” حماسية، فتكفل صاحب شهادة الدكتوراه بإيجادها عبر جمل ملتهبة، وطنانات ثورية، فبرّر للحرس وجوده الزائد على الحاجة وقد انتهى زمنه، فيما صعّد الحرسُ نجاد وهو غير قادر على فهم مطالب الدولة في مرحلة جديدة من التطور المدني العميق المفترض، فالشعب يحتاج إلى رئيس مدني خاصة، يوجه الميزانية نحو تطور حاجات الشعب وتنمية صناعاته بعد الحرب والعقوبات.
ثلاثة وجوه متحدة: العسكر السياسي الذي انتهى دوره الحربي “الشعبوي”، ونجاد الذي قفز على سلم العلاقات الشخصية لمنصب حساس، والمرشد الذي بات دوره مشكوكاً في موضوعيته من قبل العديد من المراجع الدينية.
أي أن ثمة تصحيحاً بات ضروريا تجاه هذه الوجوه الثلاثة لتطور نظام الجمهورية واستقراره، بدلاً من اللجوء إلى الثورة الدامية، لكن الثورة المخملية رُفضت، وإن كانت انعكاساتها تتواصل جاذبة دوائر جديدة من رجال الدين.
أو أن يحدث تصحيح من قبل المرشد لعلاقته الوطيدة غير الاستراتيجية الوطنية تجاه الحرس ونجاد.
ولكن كما يبدو فإن صعود القوى العسكرية والمخابراتية بات هو السهم الأكبر في السياسة الإيرانية، وهذا يعتمد على تطور الشركات الاقتصادية والحربية التي أقامها ضباط الحرس، وهل سوف تصطدم بالنظام الديني وتجد أن تتجاوز هذا النظام؟
إن ظهور رئيس جديد من بين العسكر يغير النظام وينقله لنظام نصف ليبرالي – نصف رأسمالي، على طريقة معظم الدول العربية الإسلامية، بات مطروحاً أكثر فأكثرمع تمزق القوى الدينية نفسها وعدم وجود تصلب قيادي فيها.
وقد حاول نجاد أن يرتفع إلى ذلك ويغازل الغرب عبر تعيين نسيبه نائباً له، لكن يبدو ان ورقته قد احترقت.

صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2009

اقرأ المزيد

مجلس التعـــاون .. شرقـاً دُر

بعد توقيع الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي الشهر الماضي على مذكرة التفاهم المشتركة مع نظيرتها في دول مجموعة «آسيان»، يمكن القول إن العلاقات الثنائية بين دول المجموعتين قد دخلت عمليا إلى مجالات واعدة من التعاون المشترك بين التكتلين على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية. مصدر غبطتنا بتوقيع المذكرة مرده أن دول التعاون التي فرضت نفسها خلال السنوات العشر الأخيرة كلاعب رئيس على المستوى الإقليمي، استطاعت أن توظف علاقاتها الدولية بشكل أفضل بالنسبة لمسألة التعاون الاقتصادي مع مختلف التكتلات السياسية والاقتصادية، مقلصة بذلك النظرة السلبية التي ظلت ملازمة لطبيعة مجلس التعاون ذاته منذ نشأته الأولى. فدول مجلس التعاون التي دخلت في مفاوضات طويلة وعقيمة مع دول الاتحاد الأوروبي طيلة ما يزيد على ثمانية عشر عاما، دون الوصول إلى نتائج محددة، وهي التي استهلكت الكثير من الوقت والجهود في سبيل توقيع اتفاقية للتجارة الحرة معها، ووجدت نفسها تخرج من مؤتمر وتدخل إلى آخر، فيما كان الجانب الأوروبي متمنعا ومتعاليا، ويطالب بمزيد من الشروط، التي ربما كانت معيقة بالنسبة لبعض دول المجلس، خاصة تلك التي ارتبطت بحقوق الإنسان، وبعض الرسوم الجمركية التي كانت محل خلاف أفضى إلى أن تطالب دول المجلس بوقف المفاوضات في نهاية الأمر. دول التعاون وبعد المطالبات المستمرة لها بتحويل دفة حراكها وجهودها نحو مجموعة دول «آسيان»، ربما وجدت نفسها الآن أنها كانت على الطريق الخطأ إبّان تجربتها مع الاوروبيين، فدول مجموعة «آسيان» بما تمتلكه من إمكانيات ضخمة حيال التعاون الاقتصادي المشترك، باستطاعتها أن تكون سوقا واسعا ومزدهرا أمام السلع والبضائع الخليجية، وبما يفوق ما كان يمكن أن تقدمه دول المجموعة الأوروبية، وبشروط اقل بكثير عما كان يطالب به الأوروبيون منذ العام 1988 حتى وقف عملية التفاوض. فبالإضافة إلى العلاقات التاريخية بين دولنا ودول “آسيان” وما يربطنا من علاقات تجارية وثقافية تمتد لأكثر من ألف عام، هناك الروابط المشتركة كالتاريخ والجغرافيا والهوية الأسيوية الجامعة، كما تخبرنا البيانات الرسمية المتاحة أن حجم التبادل التجاري بين المجموعتين قد بلغ العام الماضي أكثر من 98 مليار دولار في مقابل أكثر من 17 مليار دولار في العام1999 ، وبلغ حجم الصادرات الخليجية لدول «آسيان» العام الماضي أكثر من 75 مليار دولار بعد أن كانت في حدود 12 مليارا منذ عشر سنوات، كذلك زاد حجم الواردات الخليجية ليصل إلى أكثر من 23 مليار دولار بعد أن كان في حدود 5 مليارات فقط منذ عشر سنوات، وفي حين بلغ مجموع عدد سكان دول «آسيان» أكثر من 500 مليون نسمة، وناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 570 مليار دولار سنويا، فان ذلك يعني الكثير مما يمكن لدول التعاون أن تراهن عليه في الفترة القادمة غير آسفة بالمرة على ما آلت إليه المفاوضات المتوقفة مع دولا الاتحاد الأوروبي. شيء آخر يفترض أن تكون دول التعاون قد تعلمته من تجربتها تلك ، وهو أن خيارات التعاون والتنمية يجب أن لا تربط مهما كانت الأسباب بجهة أو توجه دون آخر، بل يجب أن تبنى على أسس ومصالح إستراتيجية أكثر بعدا وتنوعا من مجرد العلاقات السياسية التقليدية، فلو تم استثمار الوقت جيدا طيلة الثمانية عشر عاما من المحادثات بيننا وبين الاتحاد الأوروبي،لأصبح ممكنا القول أن حجم علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري والصناعي مع دول «آسيان»، كان قد بلغ أرقاما فلكية كانت ستفوق ما ذكرناه هنا من أرقام بكل تأكيد، وذلك بالنظر إلى ما مثلته تجربة تلك المجموعة الاقتصادية بنمورها من نجاحات لا زال العالم ينظر لها بمزيد من الاحترام والدراسة حتى الآن. نتفاءل خيرا بحماسة وزير خارجيتنا الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الذي دعا إلى اجتماع مشترك نهاية شهر يونيو الماضي هنا في البحرين والذي حضره وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزراء خارجية مجموعة دول «آسيان»، وكان من بين نتائجه التأسيس لحقبة جديدة من التعاون والبدء في مفاوضات نرجو أن تأخذ زخما أكبر، وصولا لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة المنتظرة بين دول المجموعتين دون إبطاء، خاصة وأن الطريق أصبح معبدا بالأمنيات والمشاريع المشتركة بينهما.
 
صحيفة الايام
2 اغسطس 2009

اقرأ المزيد