‘كان سياسيا بارزا. وفي السنوات الأخيرة كنت أستطيع مناداة تيدي بزميلي وصديقي. ورغم أننا كنا نعرف أن المقدَّر سيحدث، ظللنا نأمل الأفضل. ومنذ أن وضعوا له التشخيص المرعب في العام الماضي شهدنا كيف صارع المرض بشجاعة. لقد فتح عمله في الكونجرس ملايين الفرص الجديدة أمام الأميركيين، بمن فيهم أنا. واليوم نحن نقول له شكراً، ووداعا’. ‘تيدي’ هو السناتور إدوارد كندي، والمتحدث هو الرئيس باراك أوباما وهو ينعى إلى أميركا والعالم وفاة أسد مجلس الشيوخ الأميركي وخاتم من تبقى من سياسيي آل كنيدي – إدوارد كنيدي، أو ‘تيدي’ كما اعتاد أن يسميه الأميركيون ببساطة. في يوم وفاته قالت عنه النيويورك تايمز: ‘إنه كان ذائع الصيت وصديقا جيدا، خصما معتبرا، إنسانا عميق الاعتقاد وذا نواقص كثيرة. كان يستطيع أن يشرب وأن يصدح بأغنية. لقد كان.. كنيدي’. وقد وُفيَّ تيدي أجلُه مساء 25 أغسطس/ آب الماضي في منزله في مدينة هايانيس بورت في ولاية ماساتشوسيتس عن 77 عاما بعد أن شُخص مريضا بسرطان المخ في مايو/ أيار العام الماضي.
لم يعش ما تبقى من أيام كي يدشن في 14 سبتمبر/ أيلول المقبل كتاب مذكراته ‘البوصلة الحقيقية’ (True Compass) التي عكف على كتابتها في السنوات الأخيرة، وستصدر دار نشر Twelve في نيويورك 1.5 مليون نسخة منه. وقد نشرت الدار على موقعها على الإنترنت نبذة عن الكتاب[1]. ‘لقد عمل – إدوارد كنيدي- برجولة كي ينهي هذا الكتاب ليصدر بأمثل ما يمكن. وكما هو دائما فقد صدَق وعده’ – هذا ما صرحت به دار النشر. يقول الناشر ورئيس التحرير جوناتان كارب إن إدوارد كنيدي اعتاد يوميا على ملء دفتر يومياته الذي فتحه أثناء خوض أخيه جون حملة الانتخابات الرئاسية العام .1960 وكان تيدي قد بدأ قبل خمس سنوات مع جامعة ولاية فرجينيا مشروعا تاريخيا شفاهيا تطرق فيه إلى كل جوانب حياته – العائلية، المهنية في مجلس الشيوخ، ووجهات نظره حول الأحداث التاريخية. وحسب كارب فإن هذه المادة قد دخلت الكتاب فيما بعد. تعاون في إعداد مذكراته مع الصحافي رون باورز الحائز على جائزة بوليتزر والذي يعود لقلمه كتاب ‘رايات آبائنا’ الشهير. كما تعاون مع الأديب روبرت بارنيت الذي أكد بأن كل كلمة في الكتاب تعود إلى إدوارد نفسه.
وقبل أن يصدر كتاب مذكراته فإن الأميركيين والعالم يعرفون قصة هذا الرجل ويطرقونها بفهم مختلف. لقد قفز إدوارد كنيدي العام 1963 إلى مجلس الشيوخ وعمره 30 عاما فقط ليحتل موقع أخيه. لكن منافسه من نفس حزبه مشيرا إلى أن هذا توريث عائلي خاطبه: ‘لو أنك لست من كنيدي، لكان ترشيحك مزحة’. لكنه ظل سناتورا طوال 47 عاما عاصر فيها عشرة رؤساء أميركيين، منهم شقيقه. وكان على مدى عشرات السنين رمزا للديمقراطيين الأميركيين، لكنه كان أقل الأخوة كنيدي الثلاثة شهرة. وربما لهذا السبب كان الوحيد بينهم الذي عاش حياته ومات ميتة طبيعية. استطاع هذا السناتور أن يخدع لعنة عائلة كنيدي. لقد اجتاز حادث سيارة سقطت في الماء وأودت بحياة سكرتيرته، واجتاز كارثة طائرة وافترسه المرض العضال. الأمر الوحيد أنه لم يتعرض إلى اعتداء على حياته. عاش بعد أمه 12 عاما فقط بعد أن ماتت عن 104 سنوات. لكن خصومه أخذوا عليه أنه في حادث السيارة ترك الفتاة تواجه مصيرها غرقا وبقي هو سناتورا، بينما كان يجب أن تنتهي سيرته السياسية عند هذا الحدث.
كما يتهمه خصومه أنه ومن نعتوه بصنيعته السناتور جون تاني كانا عميلين للمخابرات السوفييتية ‘كي جي بي’. وكانت الإزفيستيا السوفييتية قد كتبت حول هذا الأمر في يونيو/حزيران .1992 كما أن هناك صفحة على الإنترنت مشغولة بهذا الشأن[2]. وقبل فترة قريبة كشفوا في الأرشيف البريطاني عن وثائق تزعم بأن إدوارد كنيدي اقترح على الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي أندروبوف أن يقوم بزيارة لأميركا بهدف إضعاف نفوذ الرئيس ريغان. وفي حين يصعب تحديد صحة ذلك من عدمه، إلا أن الصحيح هو أنهم في الاتحاد السوفييتي كانوا ينظرون إلى إدوارد كنيدي دائما كصديق وفيّ. ولايزال علماء السياسة في روسيا اليوم يقدرونه وعائلته عاليا. الصحافي وأستاذ معهد موسكو للعلاقات الدولية فالنتين زورين قال عن كنيدي: ‘.. تعاملت مع جون وروبرت وإدوارد كنيدي. إنهم فتانون بفيض إنسانيتهم. كان إدوارد بسيطا بغض النظر عن مكانته في واشنطن، ديمقراطيا حقا، متنورا للغاية’. أما فكتور كريمنيوك، نائب مدير معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية فقال: ‘ها هو آخر ممثل لعائلة من الأرستقراطية الأميركية التي كانت دائما من بين من يحكم أميركا، ها هو يساعد ويبارك أميركيا أسودا للصعود إلى سدة الرئاسة. إن هذا لحدث مهم، حيث الأرستقراطية في البلدان الأخرى عادة إما لا تفارق السلطة أبدا، أو أن تجري إزاحتها دمويا. لقد جرى ذلك في أميركا بدون آلام’.
أجل، مع مقدم تسعينات القرن الماضي ترسخ وضع إدوارد كنيدي كأب روحي للحزب الديمقراطي، وبفضله حقق الحزب في أيامنا هذه ثورته المخملية. والكثيرون في واشنطن يتعمدون طمس حقيقة أن سيرة ترقي باراك أوباما المتألقة والطموحة مرتبطة ارتباطا مباشرا بإدوارد كنيدي وبعائلة كنيدي. أما زورين فيرى بأن عضوية أوباما في مجلس الشيوخ كان قد رتب لها من قبل إدوارد كنيدي وجماعته. وفي مباركته لرئاسة أوباما كرر إدوارد كلمات أخيه جون كنيدي عندما انتُخب رئيسا: ‘إن العالم يتغير، ولم تعد الطرق القديمة مناسبة. لقد حان وقت جيل جديد من القادة’.
قتل جون كنيدي العام 1963 وسار إدوارد في جنازته إلى جانب جاكلين كنيدي. وعندما قتل أخوه الثاني روبرت العام 1969 قال إدوارد راثيا أخاه بصوت متقطع كلمات يمكن إعادتها اليوم في رثائه هو: ‘ليس من داع لرسم صورة مثالية عن أخي أو أن يُجعل منه شخصية أكبر مما في الواقع. لقد كان ببساطة إنسانا طيبا، جديرا، رأى الظلم وحاول التصحيح، رأى المعاناة وحاول المساعدة، رأى الحرب وحاول إيقافها’.
صحيفة الوقت
31 اغسطس 2009
أسد الشيوخ وخاتم سياسيي آل كنيدي
المقرحي والغرب.. وحقوق الإنسان
ما من مراقب سياسي يتمتع بحد أدنى معقول من الذكاء والتجرد قد تابع ورصد ردود الفعل الغربية الاحتجاجية وعلى الأخص الامريكية المنددة بقيام اسكتلندا بالافراج عن المواطن الليبي عبدالباسط المقرحي المدان قضائيا بالتورط في تفجير طائرة أمريكية فوق لوكيربي الاسكتلندية عام 1988م الا وتتملكه بالتأكيد صدمة من الذهول يصعب عليه الافاقة منها خلال وقت قصير لاستيعاب ما بلغه الغرب الرسمي وعلى رأسه امريكا من درجة ليس في النفاق وازدواجية المعايير في المواقف تجاه القضايا العالمية المتعلقة بحقوق الانسان فحسب، بل من انحطاط فج مفضوح لعدم التمسك بهذه الحقوق ومراعاتها في بناء المواقف السياسية بعيداً عن الاعتبارات والمصالح السياسية الخارجية الضيقة التي تمليها مصالح النخب والطبقات الحاكمة في تلك الدول الغربية الكبرى، بل لربما احتاج أذكى مراقب سياسي مجرب في العالم الى عقل اكبر من عقله وذكاء اكبر ذكائه ليستوعب هذه الفضيحة الفجة الممجوجة التي وقع وسقط فيها بامتياز الغرب الرسمي، وعلى رأسه حكومة الولايات المتحدة أمام الملأ في دروس حقوق الانسان، هي التي ما انفكت تفرض نفسها شرطيا وقاضيا عالميا لحماية حقوق الانسان في العالم بينما هي الدولة الأولى الأكبر انتهاكاً لحقوق الانسان خارج الولايات المتحدة بوجه خاص وداخلها بوجه عام.
فما ان اعلن القضاء الاسكتلندي – وهو القضاء المستقل في دولة ديمقراطية غربية – افراجه عن المقرحي لدواع انسانية بحتة وطبقاً للقانون الاسكتلندي الذي يبيح مثل هذا الافراج للمدان السجين في الظروف الانسانية حتى سارعت واشنطن بعد دقائق معدودة الى ادانة قرار السلطة القضائية الاسكتلندية من دون ادنى اعتبار او احترام لسيادة واستقلال هذه السلطة القضائية الاسكتلندية في بلدها، وذلك لمجرد ان ضحايا الطائرة المنكوبة ارهابيا أغلبهم امريكيون، هذا على الرغم من التأكيدات الطبية والأمنية والقضائية في اسكتلندا ان المقرحي لم يتبق له عن قضاء نحبه سوى شهرين فقط.
اكثر من ذلك فإن قرار السلطة القضائية نفسه ينطوي على قدر من الازدراء والاحتقار لحياة المقرحي كإنسان حتى بافتراض انه ليس بريئاً، فحقوق الانسان كائناً من يكن ينبغي ان تراعى وان تصان في مختلف الظروف، سواء أكان في السجن أم في الحرية طليقاً، أم في أوقات الحرب ام في اوقات السلم، ذلك بأن السلطة القضائية الاسكتلندية حينما تورد ضمن حيثيات قرارها حرفيا بالافراج عن المقرحي لكي يموت في ليبيا لا في اسكتلندا كأن موت هذا الانسان أضحى اشبه بالوباء الذي ينبغي تجنبه داخل اسكتلندا فإن ذلك لا يعني سوى تعال عنصري حقير متجرد من القيم الانسانية تجاه انسان مريض معذب مشرف على الموت.
لم تتوان مسؤولة في وزارة الخارجية الامريكية في وقاحتها المتجردة من الانسانية عن التعليق فور صدور القرار القضائي الاسكتلندي “ان اطلاق المقرحي لا يخدم العدالة، ومن الضروري ان يكمل المقرحي عقوبته الكاملة وان تنفذ العدالة من اجل ذكرى ضحايا لوكيربي”.
فالعدالة إذًا طبقا لهذا الموقف العنصري الامريكي السادي المتعطش للقتل والتلذذ برؤية مشارفة الخصم على الهلاك حتى اللحظة الاخيرة من حياته هي ان يقضي نحبه صريعاً بمرض السرطان في سجنه من دون خصم أي دقيقة أو شهر من مدة محكوميته.
لكن سلسلة المهازل الغربية لم تقف على أكثر من جهة وأكثر من صعيد عند هذا الحد فقد احتجت واشنطن ودوائر غربية رسمية مختلفة على استقبال المتهم العليل المشرف على الموت استقبالا احتفاليا في بلده، فلم يتوان بذلك هذا الغرب ان يفرض نفسه وصيا على ضمائر شعبه وحكومته في كيفية ما ينبغي ان يكون عليه استقباله وهو يتوكأ على عصا نازلاً من الطائرة بينه وبين الموت أيام معدودة طبقاً للتقديرات الطبية الاسكتلندية.
وفي حلقة اخرى من سلسلة هذه المهازل ثار جدل آخر في اسكتلندا وبريطانيا عما بلغه هذا الغرب من وضاعة تثير الاشمئزاز في التجرد من القيم الانسانية التي لطالما تشدق بها، إذ انبرت أوساط وقوى سياسية للمناكفة الاحتجاجية ضد الافراج عن المقرحي بأن المدة المتبقية على موعد احتضاره من المرض ثمانية أشهر وليست ثلاثة أشهر كما ذهبت اللجنة الطبية والمحكمة بذلك.
لقد نسيت واشنطن، ومعها الغرب الرسمي السائر في فلكها، انها تخلت عن حقوق الانسان منذ اللحظة التي أخضعت فيها القضية للمساومات والصفقات السياسية والمالية ولحست كل مواقفها واجراءاتها التأديبية العقابية ضد طرابلس، واعادت علاقاتها الدبلوماسية معها، وهي أيضاً ضربت بعرض الحائط مصالح وحقوق الشعب الليبي حينما ابتزت قيادته بذلك الابتزاز المالي غير المسبوق في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة في قضية مازال يحيطها الكثير من الشبهات والغموض واصبح هذا الشعب في ضائقتين مالية ومعيشية من جراء نهب امواله باسم حقوق الانسان وحقوق الضحايا، والاغرب من كل ذلك ان هذا يحدث في ظل صمت عربي مطبق بل في ظل صمت مطبق لمنظمات حقوق الانسان، العربية بوجه خاص والعالمية بوجه عام.
صحيفة اخبار الخليج
31 اغسطس 2009
الثورات شبه مستحيلة في الرأسماليات الحكومية الشرقية
حين يقول المرجع الديني الكبير (حسين منتظري) إن النظام سوف يسقط في إيران، نشك في ذلك.
وليس هذا يتعلق بإيران فحسب بل بكل الدول الشرقية ذات الأنظمة الرأسمالية الحكومية.
إن الثورة لها شروط موضوعية، وأهمها أن تصل أغلبية الطبقات الشعبية إلى عدم القدرة على العيش في ظل نظام معين، أي ألا تقدر على الحياة العادية وذلك لأسبابٍ خارجةٍ عن إرادةِ الحكومات والطبقات نفسها، كارتفاعٍ رهيبٍ لأسعار المواد الغذائية لا يجعل الناس قادرة على العيش وبحيث أن تنزل الجماهير للشوارع ولا تعود السلطات قادرة على ضبط الأوضاع.
أو كاقتحام غزاة للدولة وانهيار النظام الاجتماعي وطرائق العيش المعتادة.
مثل هذه الأسباب تقود إلى الأزمة العامة، التي تخلق عدم قدرة للطبقات التحتية على تقبل العيش والنظام السائد، مثلما أن الطبقات العليا لا تستطيع أن تسيطرَ على النظام السائد، وهي شروط موضوعية لا تنتجها مؤامرة أو مظاهرات جزئية أو رغبات وأحلام لدى النخب السياسية.
حين يتأسس النظامُ الرأسمالي الحكومي الشرقي يضم أغلبية موارد العيش والإنتاج في سيطرته، وذلك قد تشكل حتى تحت بصر وسمع الدول الغربية التي كانت مسيطرة على دول شرقية عديدة ومؤيدة للاقتصاد الحر.
كذلك هناك المؤسسات السياسية والعسكرية التي هي بطبيعتها جزءٌ من النظام، وقد تكون سابقة حتى على مؤسسات القطاع العام الحكومية، وحين تظهر مؤسساتُ القطاع العام تضيفُ حشداً جديداً للمؤسسات الأمنية خاصة، وقد عرفت إيران إضافة إلى ذلك مؤسسات عسكرية أهلية عديدة، إضافة إلى حشود المؤسسات الدينية المؤيدة للنظام.
وهذه كلها وراءها ملايين عديدة من العاملين، وإذا أضفنا عائلاتهم فإن أكثر من نصف المجتمع يعيش تحت إنتاج الدولة.
من هنا نرى أن الحركات الاجتماعية في الشرق بعد تأسيس الأنظمة الرأسمالية الحكومية تتحول من ثورات إلى اضطرابات وقلاقل أهلية وعرقية ودينية، وتعجز عن الوصول إلى نموذج الثورة.
إن اضطرابات الصين الشعبية خلال العقود الأخيرة مثلاً جرت عبر حشود من الجماهير غير الواضحة الانتماء، وغير المتجذرة في الإنتاج، وسرعان ما اختفت، وظهرت بعد ذلك من خلال قلاقل مناطقية دينية لا تمثل أزمة عامة أو شبه عامة مؤثرة في النظام السياسي.
ولم يتمكن الجزائريون في نضالهم من أجل الديمقراطية في زمن حكم الاستقلال العسكري الشمولي أن يقوموا إلا بانتفاضة حارقة مثل حركة الاحتجاجات المصرية ضد الغلاء.
تحدث الحركات الاحتجاجية الواسعة التي يشترك فيها العامة بشكل مدمر خاصة وتؤدي إلى نتائج كارثية، بسبب طبيعة أنظمة الرأسمالية الحكومية الشرقية التي توسع كثيراً الأجهزة العسكرية، وتغيّب أي وسيلة للتنفيس والتعبير، فتتراكم على الناس أعباء المعيشة بصورة مطردة فظيعة فيحدث الانفجار الوقتي السريع لكنه لا يصل إلى نموذج ثورة.
ويسهم في تخفيف ذلك أيضاً نمو رأسمالية خاصة وكلما كانت واسعة، خففت على النظام العام من نشوء الأزمة العامة البنيوية، لكون الجمهور لديه بدائل معيشية غير سيطرة النظام.
والأنظمة الشرقية تدرك ذلك وتوسع من الرأسمالية الخاصة وتجعلها وسيلتها لتوزيع هوامش الثروة وإعادة الإنتاج الاجتماعي، وخلق وسائط اقتصادية للفوائض تخفف من ضخامة العمالة الفقيرة المعدمة. وهذه إضافة إلى استقرار حياة موظفي وعمال القطاعات العامة تشكل ضمانة لاستقرار نظام رأسمالية الدولة هذا.
لكن إذا انهارت أسعار المواد الثمينة التي يعتمد عليها النظام كانهيار أسعار النفط إلى الحضيض وانهارت الحياة المعيشية للجمهور فهذا يؤدي إلى الأزمة العامة، لأن استمرار موازين الصرف على القطاعات الحكومية الطفيلية أمر لا يقدر الناس على تحمله.
من هنا نرى أن الأزمة الإيرانية تدخل دهاليز الصراعات الفوقية، والمماحكات السياسية، والمحاكمات الفظة، على أعتبار أن الطبقة الحاكمة قد أمنت السيطرة على أغلبية الشعب، والثورات لا تحدث في الهواء.
والثورات تقود لتغيير سياسي جوهري وتاريخي أما الصراعات السياسية المحدودة، والانفجارات العنصرية والدينية بل حتى الصراعات السياسية المهمة للنخب الحزبية، لا تقود إلى ذلك.
إن شروط الثورات في كل التاريخ هي نفسها ولكن في الرأسماليات الحكومية الشرقية تغدو ذات صعوبة كبيرة، وانظر كيف تبدل نظام شرقي عتيد الظلم كجنوب افريقيا، لماذا؟ لأن الحكومة السابقة لا تملك وسائل العيش.
صحيفة اخبار الخليج
31 اغسطس 2009
لماذا سكتنا كل هذه السنوات؟
لماذا كان علينا أن ننتظر كل هذه السنوات لنكتشف أن بعض التعليم الجامعي الخاص ينطوي على هذه المقادير من التجاوزات والمخالفات التي تسيء إلى هيبة التعليم وسمعته في البلاد، لنجد أن من دفع ثمن كل ذلك ليس أصحاب الجامعات الخاصة موضوع الجدل، والذين جنوا خلال السنوات المنقضية من الأرباح ما هو كفيل باحتواء أية خسائر لهم ستنجم عن قرار مجلس التعليم العالي، وإنما الطلبة الذين يدرسون في هذه الجامعات أو تخرجوا منها، فأنفقوا من أموالهم وسنوات عمرهم الكثير، ليكتشفوا، متأخرين، أنهم ضحايا خدعة كبيرة، فما حسبوه شهادات جامعية نالوها ليست كذلك. ومثل أي ملف من ملفات التجاوز في هذا البلد ما أن تفتح ثغرة فيه حتى تتوالى أوجه التلاعب والعبث وانتهاك القانون وإهدار المعايير المهنية وتجاوز الضوابط التنظيمية والقانونية، صارت صحافتنا تطالعنا في كل يوم بما يمكن اعتباره فضائح أكاديمية في أوضاع بعض مؤسسات التعليم العالي الخاص، لأن البيئة غير السليمة، والمؤسسة على عدم مراعاة القوانين، تُفرخ تلقائياً تجاوزات متتالية، بحيث يصبح ارتكاب هذه التجاوزات هو القاعدة، وليس الاستثناء. أمر طيب أن مجلس التعليم العالي كشف التجاوزات التي تمت، واتخذ بشأنها الإجراءات الضرورية، لكن هذا لا يعفينا من السؤال: لماذا تأخرنا كل هذه السنوات في الكشف عن هذه التجاوزات، وبشكلٍ أكثر وضوحاً: لماذا سمحنا لهذه التجاوزات أن تتم وتطول وتتناسل عن تجاوزات أخرى، فهل كانت الأجهزة الحكومية المعنية في حال غفلة عن كل هذا طوال هذه السنوات، أو أنها كانت على علم بها، ففضلت صرف النظر والتجاهل حتى كبرت الظاهرة وانكشفت على شكل فضيحة أكاديمية، لتطرح الأسئلة حول مدى صدقية التعليم في البلاد. وفي الحالين: حال الغفلة أو حال العلم بالأمر والميل لتجاهله، فنحن بصدد ثغرة كبيرة من ثغرات الأداء الإداري والرقابي في البلاد، لا في حقل التعليم وحده، فما نحن إزاؤه ليس سوى تجل من تجليات ظاهرة أشمل، بأن ندع الأمور بالطريقة التي تخلق البيئة المفرخة للفساد وتجاوز القانون وعدم احترامه، وبالتالي فإن التجاوز الصغير الذي يمكن احتواؤه وهو في بدايته سرعان ما يطول ويتشعب ويتفرع وتنشأ له أذرع وأياد أخطبوطية، ويصبح من الصعب التغلب عليه، وحل ما خلّفه من تداعيات وآثار. لنجول ببصرنا في دوائر اوسع من دائرة إشكالات التعليم العالي الخاص، لنرى مجالات أخرى في الأداء الحكومي، أو في نطاق أنشطة يفترض فيها أن تكون تحت الإشراف أو الرقابة الحكومية، لنكتشف ساعتها أن إرهاصات وربما تداعيات مظاهر الغفلة أو التجاهل المشار إليها أعلاه تتجلى فيها بوضوح لا يقل عن ما بلغناه من وضوح في أمر بعض الجامعات الخاصة. نحن إزاء ظاهرة عامة، فحواها أن المشاكل تنشأ تحت سمع وبصر المعنيين، لكنهم يحبذون لأسباب جديرة بالمعاينة غض الطرف عنها، فتكبر وتكبر كالبالون، الذي لا يعود يحتمل أكثر من سعته المفترضة، فينفجر محدثاً دوياً كهذا الذي أحدثته قضية بعض الجامعات الخاصة.
صحيفة الايام
31 اغسطس 2009
من وحي الحفل التكريمي لنقابة “البا”… مشاعر وذكريات بعد ثمانية وثلاثين عاماً…
لم احسب نفسي وأنا أقف أمام ذلك الحشد العمالي الكبير أن أكون ضمن المكرمين من قبل نقابة عمال ألبا التي بفضل كوادرها البواسل أعادوا لي الشرف والعزة والكرامة.
الحقيقة هي لحظة يختلط فيها الماضي المقبور بهمومه وعذاباته وظلمة سجونه من قبل رجال المخابرات البحرينية وبين لحظة الوقوف أمام عمال نقابة “ألبا” التي تعبر عن أصدق اللحظات في الاحتفال بأول مايو المجيد.
قبل صدور قانون امن الدولة سيء الصيت وفي بداية الاستقلال 1971 تقدمت بطلب وظيفة إلى شركة ألبا وكانت في بداية الإنشاء، وكنت اعمل في الجزيرة التي أنشئت لتجميع المادة المصنعة للألمنيوم وهي جزيرة تقع في أطراف سترة تبعد عن المصنع قرابة ثلاثة كيلو مترات، تقدمت بهذا الطلب كما اعتقد في بداية شهر ابريل 1971 بوظيفة (انترمنت) تركيب الآلات الدقيقة وبعد الامتحان الصعب وإجراء الفحوصات والمقابلات المتكررة وبعد دراسة الشهادات التي حصلت عليها من ألمانيا الديمقراطية ومدى تطابقها مع طبيعة العمل الذي تقدمت إليه، تمت الموافقة وتم فيها تحديد الراتب وهذه الإجراءات جرت وفق طلب شخص انجليزي الجنسية ويدعي جون وهو الذي طلب مني التقدم للحصول على هذه الوظيفة حيث قام بمساعدتي بملء الاستمارة وفعلاً بعد يومين من تقديم الطلب تحت الموافقة على طلبي، لم اصدق ذلك إذ الأحلام كانت تراودني في بناء مستقبل زاهر.
المهم بعد أسبوع واحد أرسل لي خطاب من الشركة مضمونه انه لا يوجد لدينا في الوقت الحاضر أي عمل في اختصاصك ونأمل في المستقبل أن نتواصل لتحقيق طلبك ،وكانت الرسالة تحمل تاريخ 14/4/ 1971 ورقمها MAS/4250 وتحمل توقيع مسئول الشركةM.A.Shaher.
قدمت هذه الرسالة المشئومة إلى جون وقام مشكوراً بالاستفسار عن ذلك، وبعد التمحيص والبحث في الكواليس المظلمة جاء الرد منه (ممنوع عليك العمل في ألبا لأنك تحمل الأفكار اليسارية وفوق ذلك الشهادات التي حصلت عليها من إحدى الدول الاشتراكية وهي ألمانيا الديمقراطية وكذلك أنت عضو في إحدى المنظمات السرية.
هذا الخبر لم يكن مفاجئاً بالنسبة لي لأن في الأمور شخص ثاني هو الذي كان وراء ذلك وعلمت عنه في أثناء الاعتقال في 1972 وهذه من إحدى الخروقات التنظيمية.
المهم تبخرت الأحلام الوردية التي حملتها على كتفي وبعد يومين من استلام الرسالة جاءني مسئول كبير في الشركة وطلب مني أن لا أتواجد في الشركة فوراً وبدون سابق إنذار، فلما عرض الأمر على مستر جون ذهب تلاسن معهم في ذلك، لكن الرياح كانت قوية حيث أشار لي أن هناك جهات عليا أنت تعرفها، وفي المستقبل سوف تعرف المزيد عنهم، المهم توخ الحذر وقال ليست المخابرات وحدهم دائماً، هناك أشياء كثيرة آمل أن تعرفها مستقبلاً، لكنه كان رءوفاً بي حيث أرسلني إلى المنامة اعمل في “براند رود”.
ومنذ ذلك الوقت بدأت الملاحقات البوليسية عبر جواسيسها تلاحقني حتى انتهى بي المطاف معتقلاً في 17/3/1972 بسبب دوري القيادي في اللجنة التأسيسية لاتحاد عمال البحرين، مكثت في المعتقل الأول سبعة شهور وهو شهر العسل وبعد الخروج كنت على موعد مع المولود الأول بدر وهو الاسم الحركي الذي كنت انتقل به ، وصنته في حياتي عبر تسمية ولدي بدر.
في 1973 بدأنا نضع اللمسات التأسيسية في إقامة الاحتفال بأول مايو وتعميق الأفكار المطلبية في أوساط الطبقة العاملة وبجانب الاعتقالات المتكررة وملاحقة البوليس السري استطعنا أن نخلق كيانات نقابية، نقابة عمال البال والصحة والكهرباء وكذلك نقابة عمال الإنشاء، لكن وتيرة الأحداث المتلاحقة لم تمهلنا في تحقيق المطالب العمالية، لكننا استطعنا أن نضع اللبنات الأولى في شركة ألبا وبعد الاحتفال بأول مايو في المحرق عام 1974 تم اعتقالي في شهر يونيو، وأخذت أتنقل في سجون البحرين حسب مزاج إدارة السجون من سجن المنامة والقسم الخاص إلى الزنزانة المعروفة باسم أم البول مروراً بسجن الكنارة ومن ثم سجن الحورة وبعدها سجن الجفير في القاعدة الأميركية ومن ثم الى جدا حيث البعوض كان في انتظارنا، وبعدها في سافرة حيث اعدوا لنا صندقات خشبية باردة شتاءاً وحارة مثل مصهر ألبا صيفاً، مساحتها لا تتعدى مترين في مترين وانتهى بي المطاف في سجن جو وكنا أول نزلائه وأكملنا فيه العام السادس على منذ اعتقالي متنقلاً بين سجون البحرين.
خرجت وإذا بدر في صفه الأول في الدراسة وحرمت من تنشئته كطفل لكي يحس بدفء حنان الوالد، هذه ضريبة النضال العمالي.
الحقيقة هذا مشوار عمالي بدأته في بداية السبعينات وختمته في بداية الثمانينات وهو بمثابة شرف احمله في تثقيف وخدمة الطبقة العاملة.
بعد هذا المشوار الطويل المشبع بالجراح وعذابات السجون وآهات الليل ودموع الأمهات والزوجات وحسرة الشوق في تنشئة الأولاد، وبعد 38 سنة أقف بقامتي شامخاً والابتسامة تعلو وجهي أمام هذا الحشد العمالي وأكرم من قبل نقابة عمال ألبا البواسل، وبالتحديد أكرم من قبل هذا الطفل القوي المدلل علي البنعلي الذي حملته بين ذراعي في 1973 في بيروت عند ضاحية برج البراجنة وهو في الأشهر الأولى مع ولدي بدر. حقاً إنها ساعة اختلطت فيها دموع الفرح بدموع الحزن حقاً انه يوم سعيد من أيام مايو المجيد 2009.
والآن بعد هذا العمل الطويل تذهب بي الذكريات إلى شطحات رجال المخابرات وملاحقاتهم غير الإنسانية، تذكرت مستر شور وكيف كان يتفنن في تعذيبي و الاهانات غير الأخلاقية يرميها في حق أهلي وزوجتي، تذكرت مستر هندرسن الذي أمر بقطع لقمة العيش ودأب على ملاحقاتي في كل منعطف من حياتي، تذكرت كل هذه الويلات وأنا احمل شهادة التكريم.
الآن بعد 38 سنة حق لي أن ارفع راسي أمام العالم الحر وأقول في نفسي المعذبة هل الدولة التي استعانت بهؤلاء البرابرة والمرتزقة استطاعت أن تبني الدولة الحديثة.
تحية لنقابة عمال ألبا وتحية لعمال البحرين البواسل
لا الليل سيطفي أنواري
لا الريح ستمحو أسفاري
فخطو الخمسين بدايتنا
غرساً نارياً في الشمس.
خاص بالتقدمي
دول مجلس التعاون والطاقات المتجددة
في مقال سابق وبتاريخ (17 أغسطس 2009) سلطنا الأضواء على التنافس الشديد بين الولايات المتحـدة والصـين للفـوز بقصب الريـادة في مجـال الطاقات الجديدة والمتجددة (New and Renewable energy sources) البديلة (هكـذا يراد لها أن تكون من قبل الـدول الرأسمالية المتقدمة) لمصـادر الطاقات التقليـدية (Conventional energy sources)، الريادة ليس في الإحلال وحسب وإنما في تكنولوجياتها التي سيكون لها دور حاسم في المكونات السلعية للتجارة الدولية والموازين التجارية للدول المصدرة والمستوردة لها.
ورأينا كيف أن الصين والولايات المتحدة واليابان وأوروبا تسابقان الزمن من أجل تحقيق اختراقات نوعية في ابتكارات وتنكولوجيات الطاقات الجديدة وأساليب الاستخدام عالي الكفاءة لمصادر الطاقة التقليدية.
فأين هي دول مجلس التعاون الخليجي من هذه التطورات بالغة الأثر في موازين الطاقة العالمية، وهي التي ارتبط مصيرها، اقتصادياً واجتماعياً، بسلعة النفط والغاز في تأمين معدلات نموها وتوسعها الاقتصادي؟.
في واقع الحال لم يعد الموقف الخليجي واحداً من قضية الطاقات الجديدة والمتجددة، فدول مجلس التعاون وإن واصلت التمسك بموقفها الرسمي والعلني غير المكترث بهذه التطورات المتمثلة في زحف أجندة مصادر الطاقات المتجددة على أشغال الاجتماعات والملتقيات الدولية الخاصة بتغير المناخ وعلى برامج وخطط إحلالها محل الطاقات التقليدية، ومواصلة إصرارها (دول التعاون) على أن النفط مهما حصل سوف يبقـى سـيد الموقف مواصلاً تصدره لميزان الطاقة العالمي (Energy Mix) بحوالي الثلث - برغم ذلك، إلا أن تبدلات واضحة، على الصعيدين النظري والعملي، قد حدثت في مواقف الدول الخليجية من الطاقات البديلة والمتجددة. فلقد اتخذت 3 دول على الأقل هي البحرين والإمارات والسعودية، خطوات صريحة نحو توريد المفاعلات النووية لتوليد الطاقة للأغراض السلمية، ووقعت لهذا الغرض اتفاقيات أولية مع بعض الدول المصدرة لتقنية هذه المفاعلات (الولايات المتحدة وفرنسا).
بل إن مجلس التعاون لدول الخليج العربية نفسه الذي يضم الدول الست، قطع شوطاً مهماً على هذا الصعيد، من حيث تشكيل فريق فني مختص بالطاقة النووية وإبرام اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة النووية لإعداد دراسة حول إنشاء مفاعلات نووية في دول التعاون وإعداد الكوادر الخليجية في هذا المجال.
وبخلاف الطاقة النووية التي لا تنسب بعد لطائفة الطاقات المتجددة، حيث لم يُحسم الجدل بشأنها عالمياً، فإن دول التعاون بدأت تتحرك بجدية بموضوع الطاقات المتجددة أيضاً، حيث أبدت بعض الدول جدية في التوجه نحو هذا الخيار، بل إن دولة الإمارات سبقت الجميع في هذا المجال، فهي تجاوزت مرحلة جس النبض والأقوال إلى الأفعال الحقيقية من خلال إنشاء البنية الأساسية والمؤسسية لهذا القطاع الواعد والصاعد في سماء الاقتصاد العالمي الجديد، متمثلة في شركة أبوظبي لطاقة المستقبل ‘مصدر’، ومدينة مصدر التي بوشر في إنشائها لتكون أول مدينة في العالم خالية من الكربون وإنشاء نواة لأبحاث الطاقات المتجددة واستقطاب خبرات عالمية لتعمل في هذه المشاريع الطاقوية المستقبلية التي تنتمي حكماً إلى فصيلة الاقتصاد الجديد الذي تتميز تقنياته وابتكاراتها المتوالية، بمعدلاتها العالمية على الاستثمار.
واتخذت سلطنة عُمان أيضاً خطوات مهمة وقاطعة في هذا المجال فأفردت في تشكيلتها الوزارية وزارة خاصة بالبيئة والتغير المناخي جمعت الكوادر الوطنية العُمانية المتخصصة في هذا الحقل تحت سقف واحد وأوكلت لهم مهمة متابعة كافة القضايا البيئية والمناخية المحلية والأخرى العالمية.
مملكة البحرين هي الأخرى بدأت تسير على هذا الطريق واتخذت خطوات ملموسة لإدخال الطاقة النووية والطاقات المتجددة، لاسيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية والتوسع مؤسسياً وتشريعياً وتقنياً في مجال الحفاظ على الطاقة (Energy conservation) وترشيد استخدامها.
وفي حين تُجري المملكة العربية السعودية أبحاثاً حول الطاقات المتجددة، إلا أنها ترى أن الطاقة النووية وليس الطاقات المتجددة هي أفضل الخيارات بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً إذا ما تم إنتاجها بشكل مشترك وذلك لمواجهة الطلب المتزايد على الطاقة. وتذهب بهذا الصدد إلى أن خيارات الطاقة الشمسية أو الهوائية (طاقة الرياح) هي إما محدودة أو أقل جاذبية لأسباب تقنية، وانه نظراً للطلب المتزايد على الطاقة ومعدلات النمو السكاني المرتفعة، فإن الحل الفوري الوحيد المتوفر لدول مجلس التعاون هو الطاقة النووية كأفضل خيار طاقوي سواء من الناحية البيئية أو الاقتصادية.
صحيفة الوطن
30 اغسطس 2009
تصادم اتجاهين غير موضوعيين
مثلت أعمال الباحث سيد القمني كتابات جريئة في الوعي المصري والوعي العربي عموماً لبحث جذور الأديان السماوية في هذه المنطقة معتمدة على المصادر العديدة في دراسة تاريخ الحضارات القديمة في كل من مصر والعراق خاصة.
وكان الهجوم الأخير عليه الذي تعلق بتزوير شهادة الدكتوراة لديه هو خروج عن نص الصراع الفكري، إلى ساحات ذاتية تؤشر إلى ضعف الصراع الفكري الموضوعي المتحضر نحو إنهاء عمليات الإبداع والسجال والبحث الجدي.
ما يأخذهُ الأساتذة الناقدون في مجال أطروحات سيد القمني عليه هو أنه غاص في أشياء عتيقة وأديان غريبة، لا يقومون بالبحث فيها ونقدها، بل يتهربون من عرضها ومناقشتها، فيجدون في مسائل مثل الشهادات مجالاً خصباً للتجريح ونسف قضايا البحث.
وتكشف هذه القضية عن الاتجاهين المستمرين في فضاء الثقافة المصرية والمتصارعين منذ بداية القرن العشرين، بين الاتجاه الليبرالي المصري الغربي، وبين الاتجاه الديني المصري المحافظ.
لقد قام رواد البحث والليبرالية والتنوير المصريون بخدمات بحث كبرى في تاريخ الثقافة العربية، ونقلوا مناهج الاستقراء والشك الديكارتيين والعقلية الموسوعية لرواد التنوير الغربي وبحثوا في التراث العربي عبر هذه الأدوات، فاصطدموا بالمتحجرات الاجتماعية غير القابلة لمثل هذه الكشوف التي فزعت فزعة كبرى ضدها، مستخدمة أدوات القمع والحجر والفصل من الوظيفة ومنع الكتب ومطاردة المؤلفين في بحثهم وعيشهم ثم تأليف الأحزاب المحافظة وتقويتها للوقوف ضد هذا السيل الغربي.
كانت الليبرالية السياسية والليبرالية الثقافية المصريتان مندمجتين متضافرتين في لحظة تاريخية معينة، ثم انفصلتا، وبقيت الليبرالية السياسية تشتغل في فضائها السياسي المتردد بين الفئتين الوسطى والارستقراطية، في حين توجه قسم مهم من هذه الليبرالية نحو الجمهور الشعبي، وإلى دين هذا الجمهور، وقد تجلى ذلك في تحولات طه حسين وعلي أمين وعبدالرحمن الشرقاوي، لكن هذا الاتجاه على ضخامة مؤلفاته وأهميتها لم يحل التناقض بين الليبرالية والإسلام، أي لم يدغم الليبرالية ومناهج البحث الحديث الغربي التي تدور في الفلك الفكري لليبرالية في معالجة قضايا الإسلام والعرب، فلم يسيسها ويجعلها تعيش بين الناس بدلاً من أن تكون قضايا في مؤلفات ومناهج لدى النخب.
وجاءت الفترة العسكرية الوطنية مضادة لنهج تطور الحريات والبحث الحر الموضوعي، فأخمدت الليبرالية من جهة، ونهج البحث النقدي في تاريخ المسلمين من جهة أخرى، فتضخمت الاتجاهاتُ المحافظة خاصة في الجانب الديني التي صارت هي راية المقاومة ضد الحكم العسكري.
جاءتْ مؤلفاتُ سيد القمني وغيره من الباحثين المصريين وخاصة أستاذه لويس عوض، في اتجاه تحجيم الإسلام أو نقده أو استصغاره، عبر رؤى ترى أن الإسلام هو نتاج متخلفين، نتاج عرب بدو، ومن خلال صراع غير مرئي في الحياة المصرية بين (الفرعونية) ذات الجذور الوطنية والتاريخية العميقة وبين التراث العربي القادم من الخارج، من الصحراء المجدبة ثقافيا، الذي هو ضد الحضارة الغربية والحداثة وضد المسيحية.
كما أن الاتجاه المحافظ الإسلامي القادم مع الحركات السياسية اليمينية المتطرفة قد توجه إلى أقصى اليمين وأنتج ظاهرات إبادة الآخر ثم الارهاب وما يجسد ذلك من فاشية، فقد توجه أقصى طرف لليسار العلماني إلى إبادة الآخر عبر إلغائه ونفيه من ساحة المنطقة والعصر.
الاتجاهان يمثلان عملة واحدة، هي عملة عدم القراءات التاريخية الموضوعية للتراث الإسلامي وللتراث المسيحي وللتراث القديم، ورؤية الاتجاهات داخلها وسيروراتها التاريخية ومراحلها، وفرض توجهات ايديولوجية سياسية راهنة على التاريخ.
وهذا ما نلاحظهُ في العديد من أطروحات سيد القمني، فقد شكك في أصل العرب في جزيرتهم العربية، وله تحليلات جيدة في تاريخ الإسلام لكن من دون الجذور الاجتماعية العميقة له ولآثاره النهضوية بل توجه نحو تصغير متعمد، وفي كتابه المتعدد الأجزاء عن اخناتون قال إن النبي موسى عليه السلام هو اخناتون، ومثل هذه الفرضيات الكبيرة لا تلتزم بنهج علمي فهي لا ترتكز على أدلةٍ ملموسةٍ من آثار، بل على أدلةٍ لغويةٍ وحيثياتٍ قرائية نصوصية، يتم فيها تحوير المصطلحات وتغيير الكلمات حسب هوى الباحث، فهي منهجُ إسقاط معاصر ايديولوجي بامتياز.
ويجيء هذا البحث المغرض في جوانب منه في مواجهة اتجاهات تنزه الماضي تنزيها غيبيا بلا قراءات موضوعية هي الأخرى، ويقوم بعد ذلك كلُ اتجاه منهما بتمزيق الآخر، إما عبر تهديدات مؤسفة بالقتل، وإما باستصغار طفولي لمقدسات الآخرين العريقة.
صحيفة اخبار الخليج
30 اغسطس 2009
نحن والتقارير الدولية
كثيرة هي التقارير الصادرة من المنظمات الدولية حول مختلف الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها جميع دول العالم، وبالتحديد الدول النامية، باعتبارها مناطق لازالت تعيش إما فترات تحول ديمقراطية غير مكتملة، أو أنها تعيش أوضاعا سياسية واقتصادية غير مواتية، أو أن العديد منها، وهي السمة الغالبة، تعيش أوضاعا قمعية ومتخلفة، فيما تعاني شعوبها مجموعة مخاطر واحتقانات تأخذ في حالات بروزها القسري عادة، أشكالا متباينة من القلاقل والاحتقانات والنهوض المجتمعية، مما يزيد من معاناة الشعوب وكذلك الأنظمة، وهذه الأخيرة تجد نفسها لاحقا تجاهد في سبيل التكّيف الصعب أو حتى البقاء أحيانا، بعد أن أضاعت الكثير من الفرص للتوافق بين مكوناتها حول أمور وقضايا كم بدت صغيرة، لكنها سرعان ما تضخمت أو تم النفخ فيها، ليتطاير شررها حارقاً الأخضر واليابس دون رحمة، مما يصيب معه مسيرتها الحضارية بعاهات ومعوقات مزمنة وجروح غائرة يصعب أن تندمل، وسرعان ما تكتشف الأنظمة قبل الشعوب وقواها السياسية أنه كان ممكنا لها أن تتعايش وتنمو وتزدهر لو تم التعاطي بحكمة وبعد نظر وبنهج ينحو باتجاه تأصيل لغة الحوار والعمل المشترك بين مكوناتها السياسية والاجتماعية. نستفيد مما تقدم لنعرض بشكل جد مختصر لآخر تقرير تناول الإصلاحات السياسية لدينا هنا في البحرين، منذ تدشين مشروع جلالة الملك الإصلاحي منذ أكثر من ثماني سنوات مضت، وهو تقرير مؤشر “بيرتلسمان” للتحول الديمقراطي للعام 2008 الذي تصدره مؤسسة “بيرتلسمان” الألمانية على عدة مؤشرات وحقائق يمكن للبحرين أن توظفها أو حتى تجادل حولها إن أرادت، وبشكل يخدم مسيرة التطور السياسي فيها. فقد عرض التقرير عدة مؤشرات لا سبيل لحصرها هنا، حين تحدث عن العقبات التي تعترض مسيرة التحول السياسي، والمشاركة السياسية، وسياسات التكامل السياسي والاجتماعي وآفاق عملية الإصلاح والتحديث، بالإضافة إلى مجمل الأداء الاقتصادي ومؤشرات اقتصاد السوق الذي تأخذ بها البحرين وتطور تشريعاتها وفقا لمتطلباتها، وما يفضي إلى ما نستطيع أن نطلق عليه بإدارة عملية الصراع الاجتماعي فيها، وكيفية إدارة البحرين لمواردها المالية وسياساتها الاجتماعية ونظم الرفاه وسيادة القانون. في جانب رئيس منه، أكد التقرير على النجاحات التي حققتها المملكة على المستوى الاقتصادي، وبشكل خاص بالنسبة لتعاطيها مع مصاعب البطالة وتمكين النساء وسياسات إصلاح وتنظيم سوق العمل ومشاريع الخصخصة وتحرير الاتصالات وإلغاء الاحتكار وجودة سياسات الأشراف المالي واستقرار العملة والأسعار التي امتدحها صندوق النقد الدولي كثيرا، وتوجهاتها نحو تحقيق جودة التعليم وسياساته وبقية الإصلاحات البنيوية الأساسية الأخرى. يصل التقرير إلى نتيجة مؤداها أنه يمكن للبحرين أن توظف ذلك كله وبشكل أكثر فاعلية، فقط لو تم توفيق الكثير من الأوضاع السياسية والاجتماعية المرتبطة بها بشكل مباشر أو حتى غير مباشر، خاصة تلك التي تعتبر أساسية لمسيرة التنمية الاقتصادية ودولة الرفاه الاجتماعي، ونعني بها تطوير التشريعات القائمة وبشكل خاص المرتبطة بعملية التحول الديمقراطي وتطوير القوانين المعنية بمكافحة الفساد والمسائلة وبالحريات العامة كقوانين الصحافة والنشر وقوانين الجمعيات السياسية والتجمعات ومكافحة الارهاب، وإعطاء مزيد من الصلاحيات للمؤسسة التشريعية لممارسة دور أكبر في التشريع والرقابة، وتعزيز مبدأ فصل السلطات الذي يعتبر مطلبا شعبيا ودستوريا هاما تمليه حاجات التطور الديمقراطي، وليس ترف السياسة والسياسيين كما يتم تصوير الأمر أحيانا. كما ذكر التقرير ضمن إشارة لافتة إلى أن الحكومة بمقدورها أن تجادل بالنسبة لمسألة إعطاء مزيد من السلطات التشريعية للنواب المنتخبين في مراحل التحول الديمقراطي المبكرة، إلا أن أهداف التنمية الشاملة تبقى في حاجة مستمرة للمناقشة، ولن يتأتي ذلك بالطبع إلا عبر دخول مختلف الفرقاء السياسيين في عملية حوار وطني شامل وصبور من شأنها أن تعزز من عوامل الثقة المتبادلة باتجاه التغلب على العقبات التي تعترض مسيرة التطور الديمقراطي، وتقود في نهاية المطاف إلى دولة المؤسسات والقانون، حيث تتلاشى فيها عوامل الفرز المذهبي والطائفي والتمايزات المجتمعية المرهقة والمعيقة لعملية التطور الديمقراطي التي بشر بها ميثاق عملنا الوطني.. بعض نتائج تلك التقارير الدولية يجب أن تفرد لها مساحات من الحوارات والمناقشة الجادة بدلا من إهمالها والتعامل معها بريبة وشكوك.
صحيفة الايام
30 اغسطس 2009
شجاعة الأفغانيات
توجه يوم الخميس بتاريخ 20 أغسطس، مئات الآلاف من الأفغان رجالا ونساء، نحو صناديق الاقتراع، والموزعة على أكثر من 6500 موقع للتصويت، لاختيار رئيس جمهوريتهم الجديد وللمرة الثانية. ولكي تفزع حركة طالبان الناخبين وتدفعهم للنكوص وعدم الذهاب يوم الانتخاب للتصويت، فإنها كثفت من اعمالها قبل أسابيع قليلة من ذلك التاريخ الانتخابي. وكما أشار البريغادير الجنرال – ترومبلي الناطق باسم قوات الناتو في أفغانستان عن عملية تصاعد العمليات الهجومية والتي بلغت ما بين 32-48 عملية هجومية مختلفة في نسبتها وحجمها وخسائرها، غير انه من الجانب الآخر فان الاستحكامات الأمنية على مواقع ومراكز انتخابية تجاوزت الستة آلاف فان ذلك بالمنطق الإحصائي، وفي بلد رقعته الجغرافية متسعة، فان تلك الهجمات لن تستطيع منع عملية التصويت بالكامل كما هي التغطيات الإعلامية المضخمة، ولن يتمكن رجال طالبان من مهاجمة أكثر من 1% من تلك المواقع. تلك الحقيقة الإحصائية والعملية ستكون حاضرة يوم الانتخابات طالما هناك وجهة نظر شجاعة بين المواطنين الأفغان والأفغانيات الذين يؤمنون بمستقبل أفغانستان واستمرار العملية السياسية الديمقراطية بكل عوائقها واشكالياتها إذ أشار بعض السكان عن كيفية تزامن التصويت وشبح الموت معا بين سكان أفغانستان، فان ردهم ظل يؤكد على إصرارهم بتفضيل أو تلازم الأمن مع الديمقراطية والعملية الانتخابية بقول احدهم: “الانتخابات أمر مهم لأفغانستان ولكن الأمن أمر أكثر أهمية”. بين حقيقة الأمن والفضاء الحر للتصويت، استمعنا وشاهدنا مدى حماس النساء الأفغانيات للذهاب إلى صناديق الاقتراع لتأكيد حقهن برغم كراهية وعزل حركة طالبان المرأة عن حقها في المشاركة السياسية على قدم المساواة. بعض المراقبين الغربيين يجدون حالة الصعوبة عن مدى كيفية الجمع ما بين ديمقراطية بنموذجها الغربي واشتراطات انتخابية مثالية، وحرية التعبير المنشودة والخيارات الآمنة يوم التصويت، في بلد متوتر تحت سقف الموت والرعب كل لحظة. ومع ذلك يصر الغربيون على أمر هام لا بد من تحقيقه كعملية سياسية متراكمة، وبأن الديمقراطية وجودها أهم بكثير من غيابها حتى في ظل ظروف وأوضاع مثل أوضاع أفغانستان‘ ولا يمكن تنفيذ العملية الانتخابية والتصويت في أفغانستان بمعايير دولية معتادة. ما ستحمله طائرات الهليوكوبتر من صناديق وما ستحمله على ظهورها الحمير أيضا في نقاط نائية تؤكد على دفع الأفغانيات ورغبتهن في أقصى مناطق أفغانستان الخروج يوم الانتخاب لاختيار من يريدونه حتى وان كن يحملن على كفهن شبح الموت وخطر بتر الأصابع ليس يوم الانتخاب وحسب بل فيما بعد الانتخابات فحركة طالبان مستعدة بتصفية كل من يرونه شارك في العملية الانتخابية والانتقام منه “بأثر رجعي”. وبما إن حركة طالبان متمركزة في رقع جغرافية معينة وبين البشتون أساسا فإن البقية من الطوائف والمناطق قادرة على إجراء التصويت دون مخاوف تذكر. لهذا تكمن مخاوف حامد كرازي هذه المرة عن تراجع شعبيته ونسبة التصويت له بين البشتون الذين ينتمي لهم مما جعله يقلب أوراقه السياسية بين الطوائف والأعراق الأخرى مستدعيا شخصية سياسية تاريخية مثل عبدالرشيد دستم للوقوف إلى جانبه ودعمه. دون شك ستكون المنافسة بين 35 مرشحا للرئاسة قد تخسر كرازي النسبة المطلوبة من الدورة الأولى نتيجة توقع المراقبين بتشتتها وبوجود منافس قوي كوزير الخارجية السابق الدكتور عبداالله عبداالله والذي لن يكون إلا معكرا لصفو ومزاج كرازي الانتخابي. إذ يدرك وزير الخارجية السابق انه لن يتخطى كرزاي المدعوم داخليا وخارجيا وحظوظه من الأصوات أعلى بكثير منه. في بلد عاش عقودا من الحروب الأهلية والتقلبات السياسية وتفتت الدولة المركزية وهيمنة البنى القبلية والطائفية وعشش الفقر والأمية والجريمة بين أحضانها. بلد من نموذج أفغانستان لن تنتهي معضلته في صناديق الانتخاب ونقل الناس صوتهم المكبوت سياسيا إلى يوم بإمكانهم قوله خلف الستارة دون خوف أو تردد. في هذه الأجواء تنتشر عملية شراء الذمم وإرساء مناخ البلبلة والفوضى وتمرير شتى أنواع الأحابيل الانتخابية لكي يتم فيها تمرير مستوى معينا من التزوير ورشي الأصوات. ما تتناقله الأنباء من مبالغات حول الباعة الذين ينتشرون في طرقات كابل لبيع بطاقات التصويت بعشرة دولارات وتوزيع الآلاف من الدولارات بهدف شراء أصوات الناس لن يغير الحقيقة. مثل كل عملية انتخابية في دول نامية تفرز العملية الانتخابية درجة معينة من التلاعب ولكنها لن تتمكن من ابتزاز ضمائر الناس جميعها حتى وان كانوا فقراء وجدد على العملية الانتخابية. وإذا ما كانت ثلث المناطق معرضة للهجوم يوم الانتخابات وفق التقديرات الأمنية الأفغانية فان ذلك الثلث لن يفزع الناس جميعهم أيضا وستكون النساء الأفغانيات في طليعة أولئك الشجعان الذين تخطوا المخاوف من اجل الحرية القادمة للشعب والذي يتطلع لمستقبل أفضل وفي مقدمتهم المرأة الأفغانية الشجاعة التي رشحت نفسها كمنافسة وستذهب أيضا كناخبة في يوم تاريخي لأفغانستان.
صحيفة الايام
30 اغسطس 2009
تيارنا الديمقراطي: هموم ومهام – 8
نختتم اليوم هذه السلسلة من المقالات التي تناولنا فيها بعض هموم ومهام تيارنا الديمقراطي، لا لأن الحديث حولها قد انتهى، فهناك الكثير مما يمكن أن يقال ويكون موضع جدل ومناقشة بين أطراف التيار الديمقراطي وشخصياته، وإنما لأننا أردنا طرح جوانب من القضايا التي يجب أن ننشغل بالبحث فيها، والتي منها يمكن أن تتفرع أمور وتفاصيل أخرى مهمة، ويمكن تناولها من أكثر من زاوية من زوايا النظر.
والى هذا الموضوع الذي سبق أن طرقناه في هذا المكان بالذات أكثر من مرة، سنعود مستقبلاًً، بغية أن يكون هذا التناول مساهمة في إثارة وطرح الهواجس التي تشغل بال الكثير من الديمقراطيين والتقدميين في هذا الوطن، وفي أن يؤدي ذلك إلى اشتراك آخرين ممن يعنيهم الأمر في هذا النقاش، الذي لا بد منه، بروح المصارحة والنقد الذاتي، وأن تكون صدرونا رحبة في الاستماع لوجهات النظر المختلفة في هذا النقاش طالما انطلقت من موقع الحرص على بناء التيار الديمقراطي وتقوية دوره واستنهاض ما يملكه من قوى.
وكما بدأنا القول في أولى هذه السلسلة من المقالات، فان خطوات أولى قد جرت في هذا الاتجاه، باللقاءات الدورية بين ثلاث جمعيات رئيسية من جمعيات التيار الديمقراطي هي التجمع القومي وجمعية العمل الديمقراطي والمنبر التقدمي، وتطلعنا أن يتسع هذا الإطار ليشمل قوى وشخصيات أخرى في مرحلة لاحقة، وبوسعنا في هذا المجال الاستفادة من تجارب عربية قريبة، كالتجربتين الأردنية والفلسطينية، حيث نجحت القوى الديمقراطية والوطنية والقومية في هذه البلدان في إيجاد أطر تنسيق خاصة بها، على أرضية المشتركات الفكرية والسياسية التي تجمع بينها، ومن خلال هذه الأطر تنسق عملها مع التيارات السياسية الأخرى.
وبطبيعة الحال فان نقاشاً فكرياً وسياسياً يتناول هوية التيار الديمقراطي ودوره ، ويشمل، ضمن ما يشمل، ما أشرنا إليه من قضايا في مقالاتنا السابقة من هذه الأسئلة يظل مطلوباً وضرورياً، ويمكن التحضير لمثل هذا النقاش بعناية ليأتي على شكل ورش أو حلقات بحث يساهم فيها كوادر وأعضاء التنظيمات الوطنية الديمقراطية.
ولا بد من الانتقال إلى خطوات عملية في هذا الإطار، ومنها ما كنا قد دعونا إليه في المؤتمر العام الخامس للمنبر التقدمي، وأكدنا عليه في البيان الصادر عن الدورة الثانية للجنتنا المركزية الجديدة بعقد مؤتمر لمكونات التيار الديمقراطي يجري التحضير له بأناة وتوضع له محاور محددة متفق عليها، بحيث يكون هذا المؤتمر واسع التمثيل ليشمل مكونات تيارنا الديمقراطي، وسرنا أن الأخ عبيدلي عبيدلي إحدى الشخصيات المعروفة بدورها الوطني قد دعم مثل هذه الفكرة في المقالات التي نشرها في جريدة”الوسط” حول هذا الموضوع.
إن الظروف باتت مهيأة أكثر مما كانت عليه خلال ما انقضى من سنوات لمبادرات فعلية في اتجاه لملمة صفوف تيارنا الديمقراطي وتعبئة ما يملكه من إمكانيات ليست قليلة، ومن خبرات سياسية وفكرية ليست متيسرة لسواه، لكي يكون في مستوى المهام الجسيمة الملقاة على عاتقه، ونحن على ثقة من أن هذا الأمر يشكل قناعة راسخة لدى الكثيرين من مناضلي هذا التيار، داخل وخارج تنظيماتنا، وعلى جهود هؤلاء وهمتهم نعول الكثير في الانتقال بالأمر من حيز النوايا إلى حيز الفعل.