المنشور

ما هو أبعد من الوحدة النقدية!

إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة الأخير بشأن انسحابها رسميا من مشروع الوحدة النقدية الخليجي أثار الكثير من ردود الأفعال على المستويين الرسمي والشعبي في الشارع الخليجي، وذلك نظرا لحجم الآمال المعلقة على بقاء جذوة هذا المشروع الحيوي، جراء الشكوك التي دارت حوله خاصة بعد انسحاب سلطنة عمان الشقيقة رسميا منه. ما يعني أن خطوة الإمارات هذه في حال تحققت عمليا فإنها ستكون ضربة موجعة نتمنى أن لا تكون قاصمة لمشروع الوحدة النقدية الذي سيفتقد حينها لوجود ثاني اكبر اقتصاد خليجي وعربي. وقد جاء في تفسير دوافع قرار الانسحاب ما لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح عندما أعلن رسميا «أن الإمارات كانت أول من تقدم في العام 2004 بطلب رسمي لاستضافة المصرف المركزي الخليجي، حيث لا يوجد في الإمارات أي مقر أو مركز لأي من المؤسسات والهيئات التابعة لمجلس التعاون الخليجي»، ويكفي القول إن هناك أكثر من 20 هيئة ومؤسسة خليجية مشتركة موزعة على دول الخليج باستثناء دولة الإمارات! وحيث أن الطرح الواضح الذي عمدت له حكومة الإمارات ربما يعتبر نادرا من زاوية فهم طبيعة التعاطي الرسمي العام بين مختلف دول المجلس، حيث عادة ما تترك التباينات – عرضة لتأويلات أطراف من خارج الإطارات الرسمية الخليجية وفي معظم القضايا التي تكتنفها خلافات إدارية أو حتى سياسية، إلا أن طرح الأمور هذه المرة بهذا الوضوح ربما يعني تحولا نوعيا لإضفاء مزيد من الشفافية على طبيعة العلاقات والذي يبقى محل تساؤل من قبل المراقبين هو جدوى الاخفاء في عصر يتعذر فيه ذلك، حيث تبقى تلك العلاقات عرضة لإعاقات وتلبك دائمين ربما فرضتها طبيعة العلاقات التي يرى بعض المراقبين أنها إنما تمثل قمة جبل الجليد الذي عادة ما تلزم ظروف التعاطي الرسمي والكياسة السياسية الاستمرار في جعله مغمورا لأمد غير منظور، ما أصاب ويصيب معه طبيعة العلاقات بحالات من الضمور والسكون التي تفصح عن نفسها على شكل حالات عجز واضح عن استكمال البرامج والخطط التي يتم الإعلان عنها. من هنا لا تصح أبدا مقاربة ما يجري من تعاون وتكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي مع تلك التي تجرى بين دول مجموعات إقليمية أخرى كمجموعة دول «آسيان» أو مجموعة دول الاتحاد الأوروبي أو حتى بين دول أميركا اللاتينية التي أنشأت منذ عام تقريبا ما أطلق عليه ببنك الجنوب للتنمية، حيث تتضافر وحدة السياسات مع وحدة الأهداف، وتغليب المصالح المشتركة بين دول تلك المجموعات وحتى سبل حل المنازعات فيما بينها ضمن أطر وتشريعات واضحة ومتفق عليها سلفا، بحيث لا تغمر تلك التباينات جوهر ومغزى المصالح المشتركة بينها، حتى بتنا نلمس قوة حضور تلك المجموعات على المستويين الاقتصادي والسياسي العالمي، وإسهاماتها المستمرة في رسم السياسات الدولية انطلاقا من مواقع تأثير مكانتها لهم تلك الإرادة المشتركة. وهم الذين كثيرا ما تتباين لديهم عوامل اللغة وتداخل الجغرافيا وإسقاطات التاريخ والديموغرافيا والأعراق وحتى المعتقد أحيانا، وكذلك الحجم الاقتصادي، دون أن يسمح لكل ذلك أن يكون عائقا لمسيرتهم المدعومة من الشعوب والحكومات معا، حيث تتعزز عبرها المصالح بعيدا عن نزوات السياسة وضيق أفق صانعيها. وعلى الرغم من ذلك، تبقى شعوب دول مجلس التعاون تواقة برغم تواضع الآمال لتحقيق الحد الأدنى من التعاون فيما بينها، خاصة عندما تعيش المنطقة بأسرها تحت رحمة تلك التكتلات الكبرى اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، وفي غمرة ما يعصف بالعالم اليوم من أزمات ومصاعب اقتصادية ومالية وسياسية وتحولات كبرى، يتضاءل تجاهها أي تأثير حقيقي لنا من دون بناء صيغة تعاون حقيقية تكون قادرة على الصمود والتطور ومجابهة التحديات، لكي يبقى التعاون خيارنا الخليجي المشترك، وليبق ضمانة الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول المنطقة.
 
صحيفة الايام
7 يونيو 2009

اقرأ المزيد

ماذا بعد انتصار المرأة الكويتية انتخابياً؟

كنت اقلب رأسي حول ظاهرة تستحق أكثر من الملاحظة، ففي أثناء وبعد الانتهاء من الانتخابات الكويتية، كان المجتمع البحريني السياسي وحتى الشعبي، يتابع الانتخابات الجارية في الكويت، وكأنها صناديق اقتراع موزعة في مدن البحرين. فلماذا هذا الارتباط السياسي والروحي بالانتخابات الكويتية وكأنها العلاقة ما بين الأم والطفل وتلك السرة العظيمة بين الأم والجنين . ربما التفسيرات سهلة وعابرة وسياسية وغيرها من الملاحظات التاريخية لعلاقة طويلة تمتد لمراحل الغوص والتجارة والسفن البريطانية العابرة ما بين بومباي حتى البصرة مرورا بالكويت . للخسارة حزن مماثل في البحرين وللانتصار فرح مماثل هنا وهناك أيضا. لن تتخيل أبدا نساء الكويت المنتصرات كم بعثن الفرح في جسد بلادنا التي تسعى نساؤها الى تحقيق نصر مماثل وفرح مماثل، فإذا ما لاحظنا تجمعات النخب المتنوعة من المثقفين، فان جل الحديث كان عن انتصار الكويتيات الأربع، النائبات الأربع واللاتي ستكون مهماتهن اشد وأصعب من الحملة الانتخابية وأوراق الناخبين فمسيرة المجلس بحاجة إلى جهد أعظم وفن ودبلوماسية ومهارة سياسية ارقى من دعائية الحملة، فمناورات ومساومات فن السياسة أصعب بكثير من الخطاب الانتخابي ومؤثراته في جمهور واسع، إذ تحت قبة البرلمان هناك فقط 50 مقعداً ودولة وتشريعات ومناصب ولجان وإغراءات وخديعة وتدمير لكل القيم متى ما وقع النائب في حبائل الطمع والأنانية. هناك نضال طويل وطويل مع النفس والزمن يتجاوز الأربع سنوات، ففيها لا يتمرن النائب على مصير الناس بل ويبيعها من خلف الكواليس أو يضعها في حدقة عينيه ويحافظ على كل الأماني التي تعلق بها الناخب عندما اختار تلك النائبة التي ستقول أمرا مختلفا وستكون كيانا جديدا لتلك الجدران والمقاعد، ولكل الوطن السياسي الجديد بعد هذا الاختيار والانتصار . كلنا في البحرين فرحون كما هي شوارع ومجالس ومقاهي « الكويت الحديثة « فمن انتصر هذه المرة ليس المرأة الكويتية وحسب وإنما الشعب كله، فقد صّوت للنائبات الأربع رجال ونساء ومن كل الفئات والطوائف، وكأنما ذلك الرقم المتنوع من النتائج تعبير وانعكاس لحقيقة جديدة، هي إن الشعب الكويتي ينتظر التغيير لممارسة شكل وبرنامج مختلف عن السابق في معالجة مشاكل وقضايا الوطن، فهناك مسيرة طويلة متعرجة كالغور العميق، ستدخلها النائبات الأربع، وعليهن أن يترجمن أحلام الناس، التي تنتظر من تلك إزالة الإعاقات والتأزيم، وتحريك عجلة المجتمع المتعثر والتنمية « النائمة المستباحة «من نواب كانوا لا يجيدون إلا فنا واحدا هو إعاقة المجتمع عن التطور وسحب عجلاته للوراء، تحت حجج كثيرة، ولكن وهي المهم تلك» ولكن!! «ألا تغيب عن أعين النائبات الأربع المشاريع الفعلية التي تخدم مصالح شعب الكويت وتحترم الدستور دائما وتواصل الاستحقاقات دون مهادنة ولكن بفن راق في المناورة، وتجعل من التشريعات حق دائم وثابت طالما أنها تصب في صالح وتقدم الكويت، وتبلغ رسالتها للجميع إن «الاستجواب والرقابة» نصل ديموقليدس المستمر لكي تبقى الحقيقة والحق شرعا لبناء دولة المؤسسات والحريات . وان تعرف تلك النائبات إنهن بلغن تلك المقاعد لكي تواصل درب الحقيقة المنتهكة والأصوات التي تبالغ وتكذب وتنشر الخديعة والتطبيل، فمسألة محاربة الفساد ، السياسي والمالي والإعلامي، تظل كلها شعارات «كفاحية (دون رشاشات ومفخخات وجهادية وغيرها) « لمن ينشد حقا أن يناضل من اجل التقدم. المهم في هذا الانتصار هو تواصل النائبات مع الحركة النسائية الكويتية برمتها، فهي المنبع والمصب والابقى والمستمر لنضال المرأة الكويتية، وهي الحقيقة السياسية المستمرة داخل وخارج مجلس الأمة ومن خلالها تستمد النائبات قوتها وصيرورتها ، فالتاريخ قد يستبدل الوجوه النيابية ، ولكن المرأة والحركة النسائية ستبقى خارج وداخل التاريخ مهما تنوعت لوحاته المجتمعية ، وعلينا أن نجعل ذلك الترابط بين النائبات والمجتمع قوة سياسية جديدة تستثمرها الحركة السياسية الكويتية في مواجهة سياسات التعطيل والتأزيم ليس من داخل الحركات الخاسرة في لحظتها هذه، ولكن أيضا ستكون دائما السلطة التنفيذية مؤسسة توزع وتبيع في بازارها مقاعد « الصيد والاقتناص « للذين يصبحون دوما صوتا مشاغبا لا ترتاح منه الضمائر الفاسدة ، والتي تبيع الوطن في الخفاء والعلن . الانتصار من اجل المقعد ليس إلا انتصارا مؤقتا وامتحانا اكبر لمعرفة كيف يجعلن تلك النائبات ، إن الوطن والنزاهة والمبدئية فوق كل شيء. المسيرة أصعب مما ننتظر ونتوقع ، ولكن الأمل والتفاؤل هو المنظور الذي يشدنا لمعرفة التجربة النسائية ومستقبلها بعد أن اخترقت طائراتها « الصوت « صوت الانتخابات المفاجئ للجميع، وبتعبير رياضي أنها « ضربة قاضية !» لتيار كان سائدا ومتسيدا في اغلب الدورات الانتخابية في مجلس الأمة . وبذلك علينا أن نؤمن ان التاريخ لا يقف عند نقطة واحدة وموقع احد وفي دائرة واحدة .
 
صحيفة الايام
7 يونيو 2009

اقرأ المزيد

المشهد اللبناني.. والاحتمالات الأربعة!

يتوجه اللبنانيون غدا الأحد السابع من يونيو / حزيران إلى صناديق الاقتراع في انتخابات نيابية عامة تعتبر مفصلية ومصيرية، انطلاقا من مشروعين مختلفين، غير مثاليين -بالطبع- ولا يصبان -بالضرورة- في مصلحة عموم اللبنانيين؛ مشروع’’المقاومة’’ أو مجموعة 8 آذار المعارضة، التي يسيطر عليها ‘’حزب الله’’. ومشروع ‘’الدولة’’ العائدة لمجموعة 14 آذار بقيادة ‘’كتلة المستقبل’’، وإن كان المشروع الثاني أقرب مع الحاجة اللبنانية المعيشية الحالية لأكثرية اللبنانيين وينسجم أكثر مع الوضع الدولي وروح العصر. والسؤال هنا.. هل تفلح ‘’كتلة 8 آذار’’ في هذه الانتخابات -كما تدعي- في تحويل نفسها من أقلية نسبية معارضة إلى أكثرية نسبية حاكمة، وتتمكن من هزيمة الأكثرية الحالية الحاكمة المعروفة بـ ‘’كتلة 14 آذار’’ أو الموالاة (حسب نعت المعارضة لها)؟! .. ويتحقق طموحها في تشكيل الحكومة وطرح البرنامج الراديكالي (الإسلامي/ الشيعي والمسيحي / العوني ) المناهض، بل ‘’المناطح’’ للهيمنة الغربية / الأميركية والمقاوم لوجود الكيان العبري بالأساس والمعادي بشكل عدمي لكل مظاهر التمدن الغربي العصري، بعضد وتشجيع من قبَل قوة إقليمية متنامية (إيران) مع حليفه السوري. ومن هنا فإن التزامن النسبي للانتخابات النيابية اللبنانية، التي تسبق انتخابات الرئاسية الإيرانية بأقل من أسبوع (الجمعة القادم 12 يونيو / حزيران)، يحمل في طياته الكثير من الرمزية والإثارة!
هل النتائج هنا (لبنان) تؤثر إيجابا أو سلباً هناك (إيران) ؟! ..لا أحد يمكنه أن يفصح بوضوح عن إجابة منطقية على هذا السؤال اللغز! أو هل نتيجة الانتخابات النيابية اللبنانية كانت ستتغير لو حدث أن وقعت الانتخابات الإيرانية زمنيا قبل الانتخابات اللبنانية؟! أيضا سؤال محير! المؤكد -على أية حال- أن نتيجتي هذين الحدثين المترابطين، ستشكلان ذروة نوعية من التطور السياسي في ‘’شرق المتوسط ‘’.. ويتقرر ما إذا كانت المنطقة برمتها ستشهد شيئاً من الاستقرار النسبي، الذي ينشده عموم الناس. أم يحدث عكس ذلك تماماً، حيث قد تنزلق المنطقة إلى ما يشبه الهاوية من خلال دخولها في مجابهة ‘’عبثية’’ وجنونية تتأجج في حرب ضروس بين المحور الأميركي /الإسرائيلي/ الغربي من جهة والنظام الإيراني وحلفائه في سوريا ولبنان من جهة أخرى، خصوصا إذا ما تمخضت نتيجة الانتخابات عن فوزين مُركّبين؛ فوز جماعة 8 آذار وفوز الرئيس الإيراني الحالي؛ ‘’محمود أحمدي نجاد’’ مرة أخرى. وفي هذا السياق فإن هناك احتمال واحد من أربعة سيناريوهات سيتربع على المسرح السياسي الإقليمي.. وهي كالآتي:
الاحتمال الأول -الأسوأ بتقديرنا- الأشبه بكابوس عصيّ على التصديق، يتلخص في إمكانية نجاح كتلة 8 آذار في الانتخابات النيابية اللبنانية وتصدره المشهد السياسي اللبناني متزامناً ومشروطاً مع إعادة انتخاب الرئيس الإيراني’’محمود أحمدي نجاد’’، المشهور بتحديه الأرعن ولغته الديماغوجية ومفرداته الشعبوية.. حينئذ سنرى مشهداً لا يختلف عما توعّد به الأمين العام لـ’’حزب الله’’ اللبنانيين؛ السيد حسن نصرالله قبل أيام، حين أفاد بوضوح وثقة شديدين من أن لبنان سيتحول إلى ساحة مفتوحة للصراع والحرب، تنهال عليه الأسلحة والمساعدات الإيرانية! الأمر الذي يعني عملياً سقوط لبنان تحت نفوذ النظام الإيراني / الديني / المذهبي.. وما قد يترتب على ذلك من استراتيجية سياسية واقتصادية وثقافية يتحول لبنان من خلالها إلى نسخة لبنانية مصغرة من حاكمية ‘’ولاية الفقيه’’ المستبدة داخلياً والمتحدية خارجياً، الأمر الذي قد يفضي-لا محالة- إلى فتح أبواب الجحيم في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة للشرق والغرب!
الاحتمال الثاني – الأفضل والمأمول بتقديرنا- يتلخص في فوز كتلة 14 آذار في الانتخابات النيابية اللبنانية متزامناً مع وصول أحد الإصلاحيين سدة رئاسة جمهورية إيران الإسلامية، سواء كان المدني؛ ‘’مير حسين موسوي’’ أو المعمّم؛ ‘’مهدي كروبي’’، مما يعني تقليص التوتر السياسي الحاد إلى حد كبير، ودخول المنطقة الإقليمية المهمة هذه في فترة من المفاوضات والتجاذبات الهادئة، وانعكاساتها حتى على الوضع اللبناني الداخلي، الذي يرنو نحو التنمية والتطور السلمي أكثر من المجابهة والاحتقان الاجتماعي
الاحتمال الثالث عبارة عن المراوحة، التي تعيد إنتاج الوضع القائم من خلال خسارة كتلة 8 آذار اللبنانية ووصول أحد المحافظين إلى سدة الرئاسة الإيرانية، حيث سيتكرر الوضع الحالي نفسه في حال إعادة انتخاب ‘’محمود نجاد’’ أو قد يكون الوضع أخف قليلاً في حال وصول ‘’محسن رضائي’’، الذي لا يتمتع – على أي حال- بأي حظ حقيقي في النجاح ولا يتعدى احتمال نجاحه خانة رقمية واحدة في المئة! الاحتمال الرابع، الملتبس والغامض، هو تزامن وصول كتلة 8 آذار إلى الحكم في لبنان وفوز ‘’مير حسين موسوي’’ -الأوفر حظاً- أو حتى ‘’مهدي كروبي’’ بالرئاسة في إيران، الذي قد يعني التقلص النسبي في مدى قوة السند الإيراني لحزب الله، سواء على المستوى المالي، حيث تكون الأولوية منصبّة لمراضاة الشعب الإيراني في الداخل لوضع حد لمشاكله المعيشية المتفاقمة. أو على المستوى السياسي المزمع أن تتراجع سياسة المجابهة والتحدي لتحل محلها سياسة أكثر مرونة في التعامل مع الغرب فيما يتعلق بالملفات الساخنة، النهج الذي لا يتوازي ومشروع حزب الله اللبناني ! هذه هي السيناريوهات الأربعة، التي سوف يتربع أحدها على المشهد السياسي اللبناني / الإيراني والشرق أوسطي عموماً في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة، عند ظهور النتائج النهائية للانتخابات النيابية اللبنانية ( ظهر يوم الاثنين المقبل) والانتخابات الرئاسية الإيرانية ( بعد أيام من موعد الانتخابات الأخيرة أو حتى أسابيع إن لم تحسم في الجولة الأولى) .. حينئذ ستكون لنا تباعاً وقفة أو أكثر.

صحيفة الوقت
6 يونيو 2009

اقرأ المزيد

قيادات الرأسماليات الحكومية

تلعب قياداتُ الرأسمالياتِ الحكومية دوراً بالغاً في توجيه مجرى التطور الاقتصادي في خيارات التطور الاقتصادية الشرقية، وهناك نمطان: تحديثي جذري، وتحديثي محافظ.
فتقوم قياداتُ الطبقة العاملة أو البرجوازية الصناعية بتشكيل مسار التطور التصنيعي الجذري، والحالة الاستثنائية كانت الحالة اليابانية التي لعبتْ فيها النخية الامبراطورية الدورَ المفترض للبرجوازية الصناعية.
إن هذه القيادات المتناقضة اجتماعيا عملتْ على التوجه للصناعاتِ الثقيلة وحشد أغلبية السكان لهذه الثورة الاقتصادية، ومهما يكن من دورٍ للطبقاتِ العاملة فإن البرجوازيات التي تنمو من خارج أجهزة الحكم أو من داخله عبر القنوات البيروقراطية ترثُ الملكياتِ العامة أو على الأقل النصيب المهم منها.
إن تجاربَ مثل روسيا والصين لم تكن فقط بفعل الطبقات المنتجة وهي العمال والفلاحون بهذه الدرجة أو تلك من الحضور الاجتماعي، بل كان المثقفون الطالعون من العمال والبرجوازية الصغيرة خاصة، وهم جماعاتٌ طليعية ذات رغبة شديدة في القفزات الحضارية وتحقيق نماذجهم الحلمية المستقبلية، قد لعبوا دوراً خطيراً في صياغة هذه التجارب، وتوحدوا مع العاملين بسببِ نظرتهم وظروفهم الاجتماعية الصعبة غالباً. (وهو أمرٌ تحقق في الأديان كذلك لكن من خلال مراحل وأنظمة مختلفة).
إن الطبيعة المدنية، أي انبثاق قيادات الرأسماليات الحكومية الشرقية، عن قيادةِ المدينةِ للريفِ هو العاملُ الحاسم الذي جعلهم يحدثون تلك القفزات الاقتصادية الهائلة، رغم الخسائر التي تسببوا فيها عبر خطط القفزات الكبرى التجريبية تلك.
في حين جاءتْ تجربة الهند وقيادة البرجوازية متذبذبة في هذا المجال بحكم جذورها الاجتماعية المترددة، وعدم انسلاخها من الإقطاع الذي تشكل على هيئة المهراجات المؤثرين في الحياة الاقتصادية السياسية المتداخلة. لكن الحزب على مدى زمني طويل انتقل بالهند للحداثة، من دون الخسائر البشرية في التجارب الأخرى، بسبب رفضه سياسة العنف والتضحية بالبشر خدمة لأغراضٍ سياسية واعتماده على الديمقراطية.
في حين نجد أن أغلب قيادات الرأسماليات الحكومية العربية الإسلامية كانت من الأرياف، وهنا نرى أنه لا يوجدُ فرقٌ كبيرٌ بين قيادة مصر في اثناء الثورة وقيادة إيران في اثناء الثورة، اللتين جرتا في أوقات مختلفة.
ونجد أن طابع القيادة الريفية أكبر في إيران، ولهذا فإنها لم تصل حتى إلى مرتبة التغييرات الثورية للقيادة المصرية.
إن طبيعة القيادة الريفية للرأسمالية الحكومية تـُحجم من عملية الثورة الصناعية بتوجهها للصناعاتِ الاستهلاكية ولبعضِ الصناعاتِ الثقيلة المحدودة التي غالباً ما تكون رافعة للصناعات الخفيفة، وهذا أمرٌ يعكسُ رفض هذه القيادات إعادة التغيير في قانون السكان القديم، أي أنها تـُبقي أقساماً كبيرة من الريفيين والنساء خارج الثورة الصناعية، الأمر الذي ينعكس في العلاقات غير الصحيحة وغير المتناسقة بين هذين الفرعين من الصناعات، فتحدثُ خللاً كبيراً في التطور الصناعي الوطني عامة، ويتفجر ذلك حين تحدث أي تغييرات سياسية، فيتم الانفتاح على الأسواق الغربية، وتتضاءل حتى الإنجازات التصنيعية التي حدثت سابقاً. فنرى الفرق واضحاً بين سياسة عبدالناصر التصنيعية وسياسة السادات الانفتاحية، ولكن مشكلة عبدالناصر عدم جذريته في التصنيع وما وراء ذلك من جذور طبقية مترددة.
ويرافق هذا بشكلٍ جبري إبقاء الثقافة الدينية التقليدية وهو تعبيرٌ عن رفض تعميق الثورة الصناعية الجذرية، وإبقاء لفئات اجتماعية طفيلية كبيرة خاصة في الأرياف وفي الإدارات الحكومية، وعدم تثوير الثقافة وهيمنة الذكورية المحافظة الرافضة تطور النساء والرافضة توسيع رقعة العلوم لتغدو ثورة معرفية جماهيرية.
وجذور هذا الجمود تعود لكون هذه الفئات الريفية هي نتاجُ استغلالِ الفلاحين عبر العصور السابقة بأساليب إنتاجية متخلفة، وعبر ثنائية الاقتصاد والدين، فتكون مُجمدة للإسلام أو للمسيحية إذا كان السكانُ مسيحيين وغيرهما من الأديان والمذاهب المشتقة منهما، فهذه القوى منتجة لقشورها ولعلاقاتها الاجتماعية العبادية الشكلانية ولأهداف استغلالية.
وتنتقلُ هذه المحافظة في السياسة والدين إلى المدن التي يتمُ تحويلها إلى ريف، أو إلى باديةٍ، حسب النظم الاجتماعية البدوية إذا كان المسيطرون من الصحارى، حيث تضفي القوى المستيدة على الحياة المدنية تقاليدَها القروية أو البدوية حسب تضاريس العالم الإسلامي وحراكه الاجتماعي عبر العصر الحديث.
وبخلاف روسيا والصين وهما البلدان الهائلان اللذان يملكان مقومات السوق الواحدة الواسعة، فإن البلدان الأخرى لا تملكُ مثل هذه القواعد الاقتصادية الكبرى، فتتعثرُ وتضيفُ سياساتـُها المحافظة مشكلاتٍ أخرى إضافة إلى إشكاليات الرأسمالية الحكومية الشرقية.
فبلد مثل كوبا أو فيتنام له ظروفه الموضوعية وموارده التي لا تتيح له مثل تلك القفزات التصنيعية الضخمة التي يستوردُ نماذجَها من بلدان كبرى، وتلعب المواقف السياسية كذلك دورها في الإضافة إلى إشكاليات الرأسمالية الشرقية كقضايا الحروب والحصارات.
أما البلدان الأخرى ذات القيادات الريفية أو البدوية فإنها تقوم باستعادة جزءٍ كبيرٍ من العلاقات الإقطاعية القديمة وإدماجها في طبيعة رأسماليتها الحكومية، وتجر هذه المخلفات نفسها على مدى عقود وربما تعود تلك المخلفات للسيطرة ثانية فترجعُ عقاربُ التاريخ للوراء، وهذا يأتي على هيئة تفجر مناطق الأرياف بالمشكلات وتنطعها للقيادة ثانية وثالثة بعد أن احترق الأخضر واليابس، على غرار ما يجري في باكستان والسودان وغيرهما.
وقياداتُ الرأسماليات الحكومية الشرقية تبررُ كلَ هذه الأنظمة والحالات المتناقضة الحادة بلغات سياسية مطلقة، تعكس ايديولوجياتها المختلفة، وهاتان الحدة والإطلاقية تتشكلان على الأرض من خلال المادة العسكرية الصارمة، التي تلغي أو تحد من الخيارات الأخرى ومن الإمكانيات التي يتيحها تعددُ الأنواعِ الاقتصادية، ونمو مواد العلوم، وفي النهاية فإن التشويهات الاقتصادية التي تظهر بها القطاعات العامة في خاتمة مرحلة الدكتاتورية، تبدو واضحة جلية وبحاجةٍ إلى موارد جديدة وإلى خطط علمية اقتصادية، وكثيراً ما تكون الإصلاحات اسوأ من عمليات البناء، بسبب ان ثمار الدكتاتورية تكون مستمرة، وتأتي الأحداث السياسية بعواصف وتقلبات وقيادات لا تلقي نظرة موضوعية لأنها استمرار للسابق من خلال التشويهات والفساد الذي جرى خلال حقبة طويلة، وهي تريدُ شرعنة مواليدها والحصول على شعبيات زائفة فتنتجُ طرائق جديدة غير مدروسة فتضيفُ مشكلات الجديد على مشكلات القديم.

صحيفة اخبار الخليج
6 يونيو 2009

اقرأ المزيد

تسريحات بالجملة!!

في الشهر الفائت سرح بنك الخليج الدولي (37) موظفاً بحرينياً ورغم المحاولات التي بذلت من وزارة العمل لاعادة هؤلاء الى وظائفهم، الا ان هذه المؤسسة المصرفية الخليجية لاتزال تصر على انهاء خدماتهم بحجة الازمة الاقتصادية العالمية والتي كما يدعي البنك انها فرضت عليه اعادة النظر في هيكلة عملياته في المنطقة. وتعويضاً عن اضرار الفصل عرض على المفصولين راتب عن كل سنة عمل، وكذلك راتب عن الثلاثة الشهور القادمة ومثل هذا التعويض تم رفضه من قبل المسرحين لان التسوية هذه لا تعوضهم وظائفهم التي خسروها، وفضلاً عن ذلك ان الجزء الاكبر من هذا التعويض يذهب لسداد قروضهم المستحقة عليهم للبنك!! وفي مثل هذه الحالة ان اقل ما يوصف به هذا التسريح انه خطوة غير مسؤولة لاعتباره فصلاً مخالفاً لاحكام قانون العمل .. وهنا تطرح تساؤلات مشروعة: هل بالفعل تراجعت اوضاع البنك المالية والاستثمارية؟ وإذا صح هذا الامر لماذا بعد التسريح يحتفظ بـ (287) موظفاً؟ لماذا وقع عبء الازمة الاقتصادية على هؤلاء، في حين لاتزال العمالة الاجنبية تشكل نسبة كبيرة من موظفي البنك؟ أليس الاستغناء عن العمالة الوطنية مخالفة واضحة للمادة (13) من قانون العمل؟ لماذا البنك تجاهل نقابة المصرفيين؟ أليست هذه الخطوة سابقة مشجعة لقطاعات اخرى؟ في الواقع لا ننكر تأثيرات الازمة الاقتصادية العالمية على مجمل القطاعات الاقتصادية والمصرفية والمالية، ونتيجة لهذه التأثيرات من الطبيعي ان تتراجع أرباحها وتنخفض قياساً للسنوات السابقة، ولكن لم يعد مقبولاً ان تصبح الازمة الاقتصادية العالمية مبرراً لكل من يريد ان يخفض قوة العمل وهذا في اعتقادنا يتطلب نظاماً رقابياً صارماً يتحقق، ماذا كانت القطاعات الاقتصادية والتجارية والمصرفية التي تنوي الاستغناء عن العمالة الوطنية هي بالفعل واقعة تحت تأثيرات هذه الازمة. ومع كل تداعيات هذه الازمة التي اصبحت لدى البعض من القطاع الخاص شماعة او مبرراً لتسريحات بالجملة كالتي حدثت في بنك الخليج، فان العجب وفي ظل هذه الأزمة تؤكد أغلب التقارير المالية ان مملكة البحرين تشهد لحد ما استقراراً مالياً وابلغ دليل على ذلك انه رغم الكساد ورغم انخفاض الارباح، فان هذه التقارير تشير الى ان العديد من المصارف التجارية والمؤسسات الاستثمارية والمالية لم تخسر على الاطلاق، بل كانت ارباحها في الربع الاول من هذا العام تقدر بالمليارات ويعني ذلك انها لم تتأثر بهذه الازمة!! على العموم، العبث بحقوق المواطن وخاصة حق العمل المكفول لجميع افراد المواطنين يجب مواجهته بحزم؛ لان العبث هذا يعني مضاعفة العاطلين عن العمل ويعني ايضاً تدهور أحوال اسر بحرينية الى مستوى الفاقة والعوز وهو ما يتنافى ليس مع القوانين فقط، بل مع العقل والمنطق والانسانية .. حسناً فعلت جمعياتنا السياسية والنقابات والاتحاد العام لعمال ونقابات البحرين على الوقفة التضامنية مع المسرحين لايقاف قرار الفصل والالتزام بعودة هؤلاء الى وظائفهم، ولكن المثير والغريب ان اغلب نواب الشعب الى الآن لم يتحملوا مسؤوليتهم تجاه قضية المفصولين عن العمل؟! لماذا هذا التقصير؟ ربما لديهم اهم من ذلك وهو معاش النواب التقاعدي او بالاحرى تقاعد النواب!! اذن من يعيد هؤلاء الى وظائفهم؟؟ سؤال لابد من طرحه واذا كنا نقر بحق العمل فان على وزارة العمل ان تضاعف جهودها لعودة هؤلاء، وفي حال الرجوع الى المحكمة العمالية نأمل منها ان تطعن في قرار الفصل وبكلمات اخرى ثقتنا في القضاء البحريني تزيد الثقة بعودة المفصولين الى وظائفهم التي خسروها تعسفاً.
 
صحيفة الايام
6 يونيو 2009

اقرأ المزيد

الخلافة الإسلامية في زمن العلمانية

تمثل الخلافة الإسلامية رمزاً عزيزاً على قلوب الملايين، فقد كانت حافظة الهوية ومُقاوِمة الغزاة وناشرة الثقافة، بتلاوين كثيرةٍ وباتجاهاتٍ اجتماعية لا تـُحصى.
وحين انهارت الخلافة الإسلامية في تركيا في العقد الثاني من القرن العشرين كان ذلك بلا بديل سياسي عالمي يقاوم الاستعمار ويشكل بؤرة حضارية مختلفة عن العالم القروسطي الجامد لحياة المسلمين طوال قرون، ومضت كل أمة بل كل دولة في خطها الخاص.
وحين يظهر أمثال (أبي حمزة) أو (أبي قحطبة) ويعلنان الخلافة الإسلامية في بقعةٍ نائيةٍ ويقطعان الأيدي ويعودان لما يفهمانه من الشريعة، ويتكلمان باسم أمير المؤمنين، يضحكُ الكثير من الناس رغم أن ثمة خيطاً رفيعاً من الحقيقة هنا.
فأمثال قطاع الطرق هؤلاء إنما يعبرون عن حاجة هذه الأمم الإسلامية إلى الوحدة والتعاون المشترك والتصدي للقوى المتغلغلة الطامعة، وكذلك عن رغباتها أن تكون صانعة للحضارة والتقدم في التاريخ الإنساني كما فعلت وأعطت سابقاً بشكل تاريخي مبهر.
لقد تمزقتْ هذه الأممُ كما تمزقتْ أقاليمُها الداخلية، وبقيتْ الشعوبُ والاثنيات والطائفيات المختلفة تتصارع على فتاتِ العصر، ولم تستطعْ دولٌ كبيرة من الدول العربية والإسلامية أن تقوم بدور القيادة الديمقراطية ودور القيادة الحضارية، للملمة هذه الشعوب في أعمال اقتصادية مشتركة عملاقة تعيدُ الإنتاجَ الحديث لهذه الأمم.
لا تحتاج هذه الأمم إلى خلافة عسكرية توجه الحملات للشعوب وتستخرجُ منها الخراجَ بالقوة، وتتركها في أحوالها المتخلفة الصعبة، فتتمرد هذه الشعوب وتنزع للانفصال وتمزيق الوحدات السياسية المختلفة كما كان يجري الأمر في الخلافة الإسلامية السابقة التي بُنيت على أسسٍ استبدادية.
ولكن لا توجد قيادة للأمم الإسلامية، فالدولة الكبيرة الصناعية الديمقراطية لم تظهر بعد بشكل واسع مؤثر عالميا، وكل الدول الحالية تسعى إلى مصالحها الخاصة، التي هي مصالح الأقليات الحاكمة الاستغلالية، فكيف تفكر في أمور الأغلبيات الشعبية العاملة المحرومة؟
ومن دون أن تكون هذه الدولة الريادية الإسلامية المجمعة للكل الضائع، دولة صناعية كبيرة وتمد خطوط الاتصال المتنوع، وتتعاون مع الأمم الإسلامية المتخلفة في النمو والفقيرة التي تعيش معاركها الطائفية والمناطقية الكارثية المستمرة، فإن المحيط كله يتضرر ويُجر للأزمات والصراعات.
لكن ذلك يحتاج من أي دولة كبيرة عربية إسلامية إلى أن تكون هي نفسها متوافقة مع شعبها، مطورة لقدراته الاقتصادية والسياسية والثقافية، لا متناحرة مع شعبها ومتناحرة مع بقية الأمم الإسلامية.
إذا أرادت أي دولة أن تكون قيادة إسلامية عالمية فعليها أولاً أن تصلح بيتها الداخلي، وتعطي الطوائف الإسلامية وغير الإسلامية حقوقها، باعتبارها جزءاً من مكوناتها.
فأي دولة ممزقة تقوم بكبت القوميات والطوائف داخلها لا تستطيع أن تصلَ إلى مستويات اقتصادية متطورة، لأن الحروب والصراعات الداخلية والصرف على الجيوش تخرب الأسواق.لكن أين نجد نموذجاً مثل ذلك؟
وتمزيق الداخل لا يقود لزعامة الخارج مهما اصطنعت هذه الدول من الصرف على الجماعات المؤيدة لها خارجها، فالأصل الأممي الإسلامي يُنتج من داخل وطني متماسك ومتعاضد.
تحاول تركيا الآن أن تعود للشرق بعد أن خذلها الغرب.
وهي دولة ذات موارد محدودة، لكن النمو الاقتصادي الرأسمالي الخاص في زمن العلمانية السياسية الطويل نسبيا، ووجود جاليات كبيرة لها في أوروبا، ساعداها على التقدم الاقتصادي الرأسمالي الخاص وعلى إنتاج حريات اقتصادية وسياسية كبيرة.
ولعل حراك السياسة التركية الحكومية الكثيف خلال السنوات الأخيرة هو رغبتها أن تكون قيادة اقتصادية لمنطقة تخلو من عملاق اقتصادي مسالم ومتعاون، يغدو مثل الأخ الكبير لمجموعةٍ من الأسر المفتتة المتصارعة بلا مؤثر راع لهذا التنوع ويستفيد منه ويقوده للتطور العالمي.
ولعل في كونها الدولة التي ألغت الخلافة الإسلامية، وجعلتها العلمانية الشكلانية في العديد من الجوانب، التي أزاحت صلاتها وجذورها، ترى بعد تطور اقتصادها خطأ القفزة في الهواء، وكذلك فإن البرجوازية الحاكمة التي تمردتْ على العسكر تحتاج إلى أسواق ورساميل تغذي اقتصادها.
وما يمنعها من أن تكون قوة سياسية مؤثرة دافعة للمحيط العربي الإسلامي، هو كونها لا تنطق العربية، اللغة العالمية لهذه المجموعة من الأمم والشعوب، وأنها ابتعدت عن المحيط العربي الإسلامي عقودا طويلة، لكن هذا لا يمنع أن تكون إحدى دول الحداثة البارزة الجامعة للفسيفساء الإسلامية، الموجهة لها نحو الحداثة والتجمع الإقليمي التوحيدي في عالم يحتاج إلى قوى كبرى وأسواق هائلة موحدة.
إن الدول الإسلامية تتجه للتمزق والصراعات الطائفية والعنصرية وبحاجة إلى قيادة كبيرة نابعة منها، تقوم بالمساعدة وإطفاء هذه النيران، وبناء مشروعات اقتصادية مشتركة، وجعل التنمية هي حياتها.
بلدان قارية واسعة لا تملك سكك حديد مشتركة، ولا وسائل اتصال واسعة، وكل منها يتجه للغرب أو الشرق يقيم علاقاته.
لماذا تتوجه البلدان (الثرية) الإسلامية لتضع فوائضها النقدية في الغرب والشرق وتتركُ الدولَ الإسلامية من غير ذات الموارد الكبيرة، وهي قاربها المشترك تــُثقب بألف فأس، فقيرة محتاجة، وإذا لم تمدْ أيديها لطلب المعونات لجأت إلى حروب العصابات والقرصنة أو تمزقت داخليا؟
هل كانت دول المؤتمر الإسلامي في مستوى هذه التحديات الهائلة التي تواجه الأمم الإسلامية؟ ماذا أنتجت وماذا كونت من أسواق مشتركة وعلاقات حميمة؟
ذلك لم يحدث لأن المذهبية السياسية الحاكمة في كل بلد تصورُ لنفسها أنها المعبرة الوحيدة عن الإسلام، وهي لا تقول مصطلح الأمم الإسلامية، لأنها عبر ذلك القول التجريدي تخفي الواقعَ الموضوعي، فثمة تاريخ معاصر تكونت به شعوبٌ مستقلة، لها مصالحها وعلاقاتها الخاصة، فلم تعد الخلافة المركزية الآمرة الموروثة بقادرة على أن تشكل علاقات سياسية ديمقراطية بين الشعوب المؤمنة بدين واحد. لم يعد البابا المسيحي ولا البابا الإسلامي بقادرين على تكوين خلافة.
لابد من الاعتقاد بالتعدديات السياسية الإسلامية وبالتعاون بينها لتقوية علاقاتها وبناء قوة اقتصادية كبيرة في عالم الإنسانية المعاصر.

 
صحيفة اخبار الخليج
5 يونيو 2009

اقرأ المزيد

ما الذي يجري في اليمن؟

إذا كانت الحكمة يمانية، كما يقولون، فإننا نبدأ باليمن في ملفنا الأسبوعي الجديد بـ’المشهد السياسي’ تحت عنوان/عناوين مثل: ‘حصاد الأسبوع’، أو ‘نهاية الأسبوع’، أو ‘كل جمعة’، وهي مسميات لشيء واحد تتناول قضية/قضايا ساخنة، ‘إقليمية/عربية/دولية’ ينبغي التوقف عندها مطولاً، وفق دلالاتها السياسية والاجتماعية والفكرية، وما إلى ذلك من تداعيات إيجابية كانت أم سلبية تتلاقى فيها وجهات النظر المختلفة، أو تتباعد. أما عن دورنا، وما تمليه علينا أخلاق المهنة في العمل الصحافي سنسارع بالقول: إننا ‘سننقل الكفر، ولكننا لسنا بالضرورة كافرين’.
ما الذي يجري في ‘اليمن الديمقراطي الموحد؟!’.. سؤال كبير لا ندعي امتلاكنا المقدرة في ملاحقة كل شاردة وواردة في هذا البلاد، أو في اختزال الإجابة عليه، وبالمثل لو كان السؤال كالتالي: ما الذي لا يجري في اليمن؟، لكن الأكيد، أن ما يشهده اليمن السعيد الذي من المفترض أنه ‘ديمقراطي موحد’، من حراك سياسي واجتماعي وأعمال عنف ترتفع وتيرتها وتنخفض، وأخيراً ظهور أصوات عالية تطالب علناً بانفصال الجنوب عن الشمال، لم تنزل هكذا (…) من السماء قاصدة هذا البلد بذاته! وعلى رأي ليّو تولسْتوي، الكاتب الروسي العظيم في رائعته الحرب والسلم ‘النهر يفيض دائماَ وينتهي إلى مصب، فأحياناً يصب في السلام، وأحياناً يصب في الحرب!’.
بالقطع، ما يجري في اليمن، ليس وليد المصادفة العمياء؛ لأن ينقسم بين فريقين ‘واحد يضع يده على قلبه خوفا على وحدته، وآخر يهلل لقرب انفصال جنوبه عن شماله’، فاليمنيون، من دون مزايدة أحدهما على الآخر، يتحدثون بلهجته ‘نشتهي الوحدة .. ولكن!’، تماماً كما قالها نائب رئيس الجمهورية السابق علي سالم البيض قبل 15 عاماً أثناء محادثاته مع المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، أو ما جاء على لسان القيادي اليمني الشيخ ‘سنان أبو لحوم’ منذ فترة، في مقابلة مع ‘قناة الجزيرة’ بقوله ‘إن البيض لم يكن يريد الحرب أو الانفصال لكنه اضطر إليها’، وربما رصد تصريحات وشواهد عدة لهذا الفريق أو ذلك تنتهي إلى مصب ‘تعزيز الوحدة أو تفكيكها’، غير أن القضية، وهذه المخاوف على الوحدة لم تنفجر منذ أسبوع حين ظهر ‘البيض’ ليعلن تأييده وقيادته لـ’ مطالب الانفصال السلمية’ بعد عقد ونصف من الصمت المطبق منذ خروجه إلى خارج اليمن، بسبب تداعيات تلك الحرب المجنونة في صيف ,1994 وبالمثل لم تنفجر بلقاء ديني لـ ‘800 سلفي كانوا إلى وقت قريب لا يتدخلون بالسياسة، في مؤتمرٍ يصطفون فيه مع الرئيس اليمني علي صالح ضد دعاة الانفصال في الجنوب’، وإنما هذه المسألة تحتمل تساؤلات عديدة كانت تختمر داخل مدن صنعاء وعدن وحضرموت وردفان والضالع، حتى أصبحت تشغل الشارع اليمني والعربي أيضا.
نحاول في هذا الملف، تسليط الضوء على أصل المشكلة بآراء (رسمية، ومستقلة، ومعارضة) لبعض خيرة مثقفي اليمن، نشرت في أعداد سابقة العام الماضي في ‘الوقت’، وذلك من باب حرصنا الأكيد مثل بقية اليمنيين على مصلحة اليمن، وعلى وحدته، التي ينبغي أن تظل واقفة على قدميها بالحوار والحكمة اليمنيتين، وإن تخلل رؤيتهم قولاً جارحاً لهذا الطرف أو ذلك.
 
صحيفة الوقت
5 يونيو 2009

اقرأ المزيد

أعاننا الله على الحرارة


أعاننا الله على الحرارة بكل صورها وانواعها، فقد بدأت قاتلة مدمرة، بل ملعونة، وصلت في بعض صورها الى حد الوباء كما هو الحال مع حرارة انفلونزا الخنازير، كفانا الله واياكم شرها وشرورها، وسدد الله خطى وزير الصحة في مواجهتها. وبما ان الحرارة لها اشكال وانواع فإن كل الوزراء في حالة استنفار مع بدء موسم الصيف، فبعضهم سيكون مشغول في مواجهة ملفات الصيف، والآخر مشغول في البحث عن جهة سفر مطمئنة لا توجد بها لا حرارة إنفلونزا الطيور ولا الخنازير، وليس هذا هو حال الوزراء فقط، بل حتى النواب، فالبعض منهم يتحين فرصة الحرارة، حتى يظهر على السطح، وطبعا حرارتنا غير وغير، تنقطع فيها الكهرباء، والوزير فهمي الجودر أعانه الله على النواب، لم يمازحنا هذه المرة كسابقه بأن (الصيف هذا العام بلا انقطاعات). الحرارة لن تكون طبيعية هذا العام، حرارة خنازير وحرارة طيور وحرارة جو وحرارة انقطاعات، كلها تجمعت خلال موسم واحد، وبالطبع سترتفع الحرارة عند البعض لأن خطته للسفر قد تتغير خوفاً من الحرارة الموبوءة. أما المواطن العادي فلا خوف عليه من الحرارة متعود عليها، إن كانت حرارة طبية (فالبندول هو الحل)، وحرارة الخنازير بعيدة عنه لأنه لا يقربها في بلده ولا يتوفر لديه المال ليغادر الى البلدان الموبوءة، وإذا أصابته حرارة الانقطاعات فقد تعود في كل صيف ان يبيت على سطح داره، أو يفترش له سجادة وسط الحي ليتجمع الاهالي عليها. 



 
صحيفة الايام
5 يونيو 2009

اقرأ المزيد

يحدونا الأمل..!

هل هي مصادفة بليغة أن يتزامن إعلان سمو ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية في شأن الالتزام بالشفافية والنزاهة والحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد ومحاسبة المتورطين والمفسدين في الشركات الحكومية النفطية وغير النفطية والتصدي الحازم لكل التجاوزات المالية أو الإدارية أو القانونية التي ترتكب من قبل أي كان وفي أي موقع كان. هل هي مصادفة أن يتزامن ذلك مع إعلان التسوية بين شركة ألمونيوم البحرين «ألبا» وشركة جلينكور السويسرية التي بمقتضاها تدفع هذه الشركة الى «ألبا» تعويضات مالية تنهي خلافاً بين الشركتين على خلفية تورط مسؤولين سابقين بالشركة البحرينية تلقوا رشاوى من وكيل الشركة السويسرية. هل هي مصادفة أن يتزامن الحدثان المذكوران مع ما تلاهما في اليوم التالي مباشرة من إعلان موافقة مجلس الوزراء بإحالة مشروع بقانون التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للسلطة التشريعية، وهي الاتفاقية التي كانت قد وقعت عليها البحرين في 8 فبراير 2005، وتزامن ذلك أيضاً مع تصريح للنائب العام الذي خلاصته بأن النيابة العامة تضع قضايا الفساد على رأس أولوياتها، وأنها بناء على توجيهات سمو ولي العهد سوف تتصدى بحزم لتقويض جرائم الفساد في أي موقع كان. هل هي مصادفة أن يتم ذلك كله في غضون يومين، أم أنه يحق لنا أن نجتهد لنعتبر ذلك إيذاناً بأن ملف الفساد سوف يولي هذه المرة ما يستحقه من عناية فائقة لابد منها، وهو الملف الذي يعلم الجميع بأنه زاخر بكل موجبات التحرك السريع الفاعل لتفعيل المساءلة والحساب وتدشين حملة وطنية حقيقية ضد الفساد. يحدونا الأمل اذا ما أضفنا إلى ذلك ما تبنته الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 من محاور تتصل بالعدالة والتنافسية وتكافؤ الفرص والتنمية المستدامة، ورفع مستوى معيشة المواطن، وتعزيز البيئة الاستثمارية، وتطوير النظام القضائي، وإيجاد نظام رقابي حكومي واضح وشفاف، والتطبيق العادل للقوانين واستئصال الفساد، وهي مبادئ ومحاور وأهداف نعلم استحالة تحقيق أي منها في أي مجتمع طالما ظل يعاني من مناخات موبوءة بالفساد. قلنا يحدونا الأمل بأن يكون ذلك كله بداية انطلاقة جدية وحقيقية على صعيد المحاربة الفعلية لمظاهر الخلل والانحراف والفساد، فالسنون مرت وأخذت معها أطنان الكلام والشعارات ولازلنا في الموقع ذاته، لم نبدأ، وربما لا نعرف كيف نبدأ.. ومتى نبدأ، وبقيت قضايا الفساد تقيد ضد مجهول..!! واذا كنا ولازلنا على قناعة بأن المنكشف من الأمور حتى الآن فيما يخص قضايا التجاوزات والفساد ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل الثلج، فإن الموجود والمأمول أن تكون تلك المستجدات والمواقف الباعثة على نوع من الارتياح نرجو أن يكون في محله، قادرة على أن تشكل بداية لجهد وطني صادق يدفع باتجاه التأكيد على أنه بوسعنا أن ندرأ الفساد بكل ما في أيدينا وما هو متاح من وسائل، علاوة على ما ليس منه بد من إجراءات وقرارات قاسية وجريئة، ونحسب أن الموافقة على المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والتمهيد لذلك بإحالة مشروع بقانون التصديق على هذه الاتفاقية للسلطة التشريعية أمر يفترض أن يدفع إلى تفعيل آليات المساءلة والمحاسبة وإزاحة كل ما يعيق أو يعطل ذلك أو يجعل هذه الآليات شكلية أمام الناس والهيئات والمنظمات والمجتمع الدولي برمته. المتطلبات الواردة في تلك الاتفاقية تفرض على كل دولة أن تلتزم بها طالما صادقت عليها، وهي متطلبات أو التزامات في إطارها العام تؤكد بأنه لا مسؤولية من دون مساءلة، ولا ديمقراطية من دون محاسبة، وأنه لا يمكن أن يستقيم أي إصلاح بوجود فساد يضرب كل مقومات التنمية، فساد يستنزف اليوم مقدرات الغد ويفتعل عوائق أمام المستثمرين ويخفض القدرة التنافسية ويضعف مؤشرات التنافسية التي باتت اليوم من مقومات بث روح جديدة في اقتصاديات الدول للتكيف مع حركة التحولات الاقتصادية الجارية على مستوى العالم. لكل تلك الاعتبارات علينا أن ننظر بترحاب إلى أي جهد يبذل على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي يثبت إمكانية محاربة الفساد، ونرى أنه يتوجب أن نتعامل مع مسألة الالتزامات المترتبة على المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد بالقدر اللازم من الجدية والحرص الكافي بما يقتضيه ذلك من آليات وإجراءات وقرارات لإشادة بناء متماسك في وجه الفساد الذي قال عنه عاهل البلاد حفظه الله بأنه أسوأ شيء في المجتمع، وللإحاطة فإن الاتفاقية تفرض علينا من جملة ما تفرضه إصدار تشريعات تتصل بقواعد سلوك الموظفين العموميين، وتعارض المصالح، والإفصاح عن موجودات كبار المسؤولين (قانون الذمة المالية)، وحق الوصول إلى المعلومات وسيادة القانون، ومشاركة المجتمع في الحرب على الفساد، والحوكمة في القطاع الخاص، والانتخابات البرلمانية النزيهة وإنشاء هيئة مستقلة للرقابة الإدارية، وإنشاء هيئة وطنية أو أكثر لمكافحة الفساد، وفي شأن هذه الهيئة تحديداً فإننا نشاطر جمعية الشفافية وغيرها من الجهات التي أبدت دهشة واستغراب لما نسب إلى وزير العدل حينما استبعد مسبقاً وبشكل قاطع تشكيل هذه الهيئة حتى لو صادقت غرفتي البرلمان والملك على الاتفاقية الأممية، فذلك موقف أو رأي أقل ما يمكن أن يقال فيه بأنه مثير للانتباه ويثير الالتباس حول ما اذا كنا جادين حقاً في المضي قدماً على طريق محاربة الفساد أم سنظل في مكاننا نراوح. أمنيتنا تبقى أن نكون جادين… بل وفي منتهى الجدية، فمحاربة الفساد لا يتحقق بالكلام والمراوحة في المكان..!!
 
صحيفة الايام
5 يونيو 2009

اقرأ المزيد

هل تكرر البحرينيات معجزة الكويتيات؟ (2-2)

مما لا شك فيه ان تجربة النائبات الكويتيات الأربع اللاتي خضن معركة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وخرجن منها منتصرات بفوزهن بأربعة مقاعد من مجلس الأمة هي تجربة جديرة بالدراسة من قبل قوى الحركة النسائية البحرينية بوجه خاص والقوى السياسية المناصرة لحقوق المرأة السياسية بوجه عام، لكن وكما ذكرنا يوم أمس فان دراسة تجربة خوض المترشحات الاربع الفائزات في الانتخابات الكويتية للاستفادة بحرينيا مما يمكن الاستفادة منه من عوامل صنعت نجاح معركة الانتخابات النيابية، لا تعني بالضرورة ان السيناريو الكويتي يمكن ان يتكرر في البحرين، فعلى الرغم من تشابه ظروف مجتمعنا السياسية والاجتماعية والثقافية مع المجتمع الكويتي فإن ثمة ظروفا وخصائص متباينة يتميز بها كل مجتمع على حدة، ومن ذلك على سبيل المثال اختلاف النظام الانتخابي بين البلدين، واختلاف التوزيع الفئوي الديني على دوائر المحافظات، واختلاف مدى قوة وتأثير ونفوذ رجال الدين والنخبة الدينية عامة في كلا البلدين، واختلاف في دور ووزن القوى السياسية ودرجة تنظيمها بين كلا البلدين، فدورها مثلا في البحرين اكبر مما هو في الكويت واكثر تأثيرا في الناخب، واختلاف في توزيع ونوعية الطبقات والشرائح الاجتماعية واختلاف في امكانيات ووسائل الحملات الانتخابية.. إلخ.
ومن خلال متابعاتي الشخصية للصحف الكويتية حول الحملات والدعاية الانتخابية للمترشحات للانتخابات البرلمانية لاحظت تركيزا لدى أغلبهن في جانب ما يحملنه من مؤهلات علمية عالية اكثر من التركيز في برامج انتخابية سياسية مميزة واضحة المعالم وتعكس نضجا ووعيا سياسيين كبيرين والماما معرفيا سياسيا معمقا لسبل التغيير السياسي، وان كانت حملات بعضهن لا تخلو من بعض الشعارات السياسية التي تعكس شيئا من ذينك النضج والوعي السياسيين.
وعلى هامش ندوة انعكاسات الازمة المالية العالمية على الصحافة الخليجية التي انعقدت في “الدبلومات” تجاذبت أطراف الحديث مع الدكتور عبدالله النيباري حول قضايا سياسية آنية عديدة، وكانت من ضمنها هذه القضية، أعني العوامل التي كانت وراء فوز اربع نساء من أصل 16 امرأة في الانتخابات الأخيرة، وكان بدوره يبرز دور ذلك العامل أيضا ألا هو المؤهلات العلمية والعليا للمترشحات الأربع الفائزات، وهذا ما لاحظته بعدئذ في طرح المترشحتين الفائزتين اسيل العوضي ورولا دشتي خلال الندوة التي استضافتهما فيها جمعيتا “وعد” و”المنبر التقدمي”، وذلك حسب التغطيات الصحفية المحلية للندوة. هذا الى جانب ما عدده النيباري لي، ثم الفائزتان دشتي والعوضي في الندوة المذكورة، من عوامل اخرى أسهمت في صنع ذلك الفوز التاريخي الباهر على نحو ما ذكرته العوضي في الندوة، كاستياء الناخبين وتململهم على حد تعبيرها من اداء المجلس السابق وصراعاته ومهاترات التيارات الاسلامية فيه مع الحكومة على امور ثانوية وتافهة على حساب قضايا الناس ومعاناتهم الاساسية.
وفي المقابل، وطبقا للعوضي ذاتها، فان خطاب المترشحات لم يكن خطابا تقليديا، بل كان يقدم حلولا للمشاكل في المجتمع. وهذا نفسه ما اكدته من جانبها رولا دشتي في الندوة ذاتها “خطابنا كان له تأثير في الناخب الكويتي حيث عملنا على مغادرة الخطاب القديم القائم على اللوم والتململ من الاوضاع، والتوجه نحو المستقبل والتغيير، والتأكيد ان نهضة البلد لن تقوم إلا بيد الناخبين…” (الوقت 30/5/2009).
وهنا فان السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء العوامل التي فسر بها كل من النيباري واثنتين من الفائزات الأربع في ندوة “وعد” و”التقدمي” فوزهن: هل تكفي مثل تلك العوامل لو حدثت موضوعيا أو عملت المترشحات البحرينيات في الانتخابات المقبلة على تحقيق بعضها الآخر لصنع المعجزة نفسها التي حققتها نظيراتهن المترشحات الكويتيات الأربع؟
ثم ألم تكن ثمة مترشحات في الانتخابات النيابية الأولى عام 2002، والثانية عام 2006، يمتلكن مؤهلات علمية عليا ويملكن شعارات برامج تغيير سياسية حقيقية جادة بل تقف وراءهن قوى سياسية عريقة ومع ذلك فشلن في الانتخابات؟ أولم يكن ناخبونا في انتخابات 2006 قد ملوا من اداء المجلس النيابي الأول وكانوا يرغبون في التغيير وكانت المترشحات يملكن خطابا جديدا غير تقليدي ومع ذلك فشلن في الانتخابات؟
لذا قلنا ان تغير مزاج الناخب الكويتي في الانتخابات الاخيرة، الذي أفضى الى نجاح أربع من 16 مترشحة ليس بالضرورة ان ينسحب على مزاج الناخب البحريني ليحقق فوز واحدة أو أربع من مترشحات انتخابات 2010 المقبلة، وذلك لاختلاف وتفاوت الظروف والأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية بين البلدين وان بدرجات متفاوتة بين مجمل تلك الظروف والاوضاع على النحو الذي بيناه آنفا.
ثم السؤال: على أي أساس اذًا جذبت الكويتيات الأربع الفائزات الناخبين للتصويت لهن؟ هل لمجرد انهن نساء وينبغي توصيل المرأة الى البرلمان لتمكينها من المشاركة السياسية؟ هل لمجرد انهن “ديكورات” أي يمتلكن مؤهلات علمية من جامعات اكبر دولة في العالم في التفوق العلمي (الولايات المتحدة)؟ فمثل هذه المزايا في تقديري لا تكفي لتغيير مزاج الناخب البحريني فهذه عوامل في أحسن الاحوال مساعدة. أما العوامل الاساسية الاخرى فهي برامج وشعارات الناخبات ومدى توافقها مع مصالح اكبر شرائح اجتماعية مهمة، دع عنك عوامل الكبح والعرقلة التي ستلعبها قوى دينية وطبقية ورسمية لإسقاطهن إما بسبب أفكارهن وبرامجهن وإما للنظرة الدونية للمرأة وإما تبعا لانتماءاتهن السياسية الفكرية وقربهن من المعارضة أو الموالاة.
وحينما سألت النيباري في دردشتي معه: الى من ستنحاز النائبات الأربع تحت قبة مجلس الامة الجديد؟ هل الى جانب قوى التغيير الديمقراطية والوطنية المعارضة في الساحة السياسية؟ ام الى جانب قوى التزمت والتطرف الدينيين؟ ام الى جانب الحكومة؟ أجابني بأنهن جميعهن منفتحات ولسن متزمتات، لكن سياسيا، وباستثناء الفائزة اسيل العوضي الاقرب الى التيار الديمقراطي، فانه يصعب عليه التكهن بمواقف وآراء وخيارات الفائزات الثلاث الاخريات في المجلس القادم.
مهما يكن فان امام الحركتين النسائية البحرينية والسياسية المناصرة للمرأة معركة انتخابية ضارية معقدة جدا وحامية الوطيس ينبغي ان تباشرا فورا الاستعداد لها من الآن ليس لإيصال المرأة الى مجلس النواب القادم فحسب، بل الإيصال اكبر عدد ممكن من القوى الديمقراطية غير الطائفية.
 
صحيفة اخبار الخليج
4 يونيو 2009

اقرأ المزيد