المنشور

الحكم الصالح… والمواطنة الصالحة


أما وقد باشرت السلطتان التشريعية والتنفيذية عملهما فأول ما يجب أن يلتفتا إليه هو إرث الفساد الثقيل الذي استفحل وانتشر في كل قطاعات الدولة، وكان السبب في الركود والشلل والانحطاط والإحباط الذي نعانيه حتى ابتلينا بثقافة الفساد الذي أصبح «واثق الخطوة يمشي ملكا»… فأصبح فسادنا قائدا ناجحا يمتاز بالثبات والتركيز وصنع الظروف المعيقة لأي تغيير أو تطور، لذا على السلطتين إدراك الحاجة القصوى لصياغة رؤية إستراتيجية تعمل على خلق فلسفة جديدة للحكم الصالح والمواطنة الصالحة على حد السواء… ولن يتأتى ذلك إلا من خلال حكم القانون… تلك هي الفلسفة التي جعلت فنلندا من أكثر شعوب العالم سعادة ومن أقل (إن لم تكن الأقل) دول العالم فسادا بسبب عوامل مهمة كالشفافية وانعدام الفساد الإداري والعدالة الاجتماعية والاستقلال التام للقضاء والضمان الصحي الممتاز ومناخ الحرية الشخصية والعلمية التي تخلق مواطنة صالحة منتجة وضميرا حيا واعيا، بالإضافة إلى اهتمامهم بجودة التعليم التي عبرت عنه رئيسة جمهورية فنلندا بقولها «إن وراء تطوّر وتقدّم فنلندا ثلاثة أسباب هي: أولا التعليم الجيد وثانيا التعليم الجيد وثالثا التعليم الجيد». تلك هي السبل الناجعة نحو بناء الحكم الرشيد الصالح ومن ثم المواطنة الصالحة وبالتالي التقدم والتطور والسعادة.

وبالرغم من ترديدنا كلمة «الحكومة الرشيدة»، فنحن أبعد ما يكون عنها… فحكومتنا هي السبب الرئيسي في تأخرنا بسبب سياساتها الرعوية التي جذرت ثقافة الفساد والفساد بطبيعة الحال ألد أعداء التنمية… فالاعتماد الرئيسي على الدولة يؤصل من ثقافة التبعية والإتكالية عوضا عن المسؤولية والشراكة… ويعمق نمط كسب الولاءات والعصبيات الطائفية والقبلية ليطغى الولاء للأسرة والقبيلة والطائفة على الولاء والانتماء للوطن… الأمر الذي أدى إلى تراجع مبدأ سيادة القانون ومساواة الجميع أمامه مما أدى بدوره إلى اضمحلال دور الدولة، وفي ذات الوقت إفساد المؤسسات الديمقراطية، المنوط بها محاربة الفساد لا العكس، بسبب لجوء المواطنين إلى نواب الخدمات الذين انشغلوا عن قضايا التنمية والإصلاح والمصالح العامة وأصبح الكثير منهم مجرد مخلصين لمعاملات المواطنين القانونية وغير القانونية المكتسبة وغير المكتسبة على حساب حقوق الآخرين، لأغراض انتخابية، مستغلين بذلك مأسسة الفساد وتردي خدمات الدولة والبيروقراطية العقيمة، وبالتالي أصبح الناس يشعرون بفضل هؤلاء النواب عليهم عوضا عن تكريس ثقافة حقوق وواجبات المواطنة وتكافؤ الفرص، مضطرين بذلك إلى إعادة انتخابهم، حتى أصبحنا ندور في حلقة مغلقة لا نعرف كيف نخرج منها، لقد كان لتلك الأسباب الأثر الكبير في إحداث خلل جوهري مكن من ثقافة الفساد السائدة ألا وهو «المواطنة المنقوصة» وسببها باختصار الحكم غيرالرشيد.

وعند الحديث عن الفساد يصعب علينا تجاهل الدور الريادي الذي تقوم به جمعية الشفافية الكويتية ورئيسها النشط د.صلاح الغزالي الذي أكد أن الترتيب السنوي للكويت في ما يتعلق بمؤشر مدركات الفساد «يتجه نحو التراجع الحاد» بالرغم من مرور أكثر من ست سنوات على توقيع الحكومة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، «ففي العام 2003 كانت الكويت في المركز 35 وفي عام 2004 حلت في المركز الـ 44 وعام 2005 في المركز الـ 45 وفي عام 2006 حلت في المركز الـ 46 وتراجعت في عام 2007 الى المركز الـ 60 وأما في العام 2008 فحلت في المركز الـ 65». ولن يتحقق الحلم في أن تكون الكويت مستقبلا مركزا ماليا وتجاريا ما لم نبدأ فعليا في خطوات صريحة وجريئة في تطبيق معايير الحكم الصالح وهي حسب تشخيص د.الغزالي: «مأسسة الإصلاح، الرؤية الإستراتيجية، المشاركة الواسعة المبنية على قاعدة شرعية حقوق الإنسان، حكم القانون بشكل يشتق أصوله من قوانين السلامة العامة والأمن المجتمعي، الشفافية بشكل يضمن التدفق والتبادل الحر للمعلومات، جودة عالية لخدمة الجميع، المصلحة العامة، المساواة في تكافؤ الفرص، تحقيق حاجات الجمهور، والمحاسبة»، مشددا على ضرورة أن «محاولات تعزيز الشفافية حالة مؤسسية ونظام عام تعيشه مؤسسات الدولة بدلا من مطالبات هنا ومحاولات هناك»، ومنوها إلى ضرورة « تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وقانون الكشف عن الذمة المالية وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد».

إن علاقة التنمية الإنسانية المستدامة بالحكم الصالح الرشيد هي علاقة متلازمة لا ينفك أحدهما عن الآخر… وكما أن الفساد يبدأ من قمة الهرم إلى القاعدة فإن الإصلاح كذلك يبدأ من الحكم الصالح لينتج مواطنة صالحة.
 
جريدة الجريدة 8 يونيو 2009

اقرأ المزيد

تعديل قانون المحاماة… هروب من جوهر المشكلة


 
في الوقت الذي كانت فيه الحركة النسائية البحرينية ومؤسسات المجتمع تتطلع من كتلة الوفاق بأن تفي بما تعهدت به حين أصرت على سحب مشروع قانون الأسرة من أجل التوافق على أحكامه، أطلت علينا هذه الكتلة باقتراح تعديل قانون المحاماة بحيث يسمح للمتخصصين في الشئون الشرعية لطلبة العلوم الدينية الترافع أمام محاكم الشرع.

وبرر نائب رئيس كتلة الوفاق النائب خليل المرزوق الاقتراح بأنه ” يأتي مساهمة من الوفاق في ترتيب وتحسين نظام التقاضي بين القاضي الشرعي والدفاع الشرعي، في موضوعات الخلافات الشرعية والقضايا الأسرية ويكون لدى المدعي الدفاع المتضلع في القضايا الشرعية ويستطيع الدفاع عن وكيله برؤية شرعية وليس رؤية مدنية”.

إن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الاقتراح بأنه، فضلاً عن تعارضه وتناقضه مع قانون المحاماة، فهو يأتي بغية الهروب من جوهر المشكلة التي يعاني منها القضاء الشرعي المتمثل في غياب قانون ينظم أحكام الأسرة في نصوص قانونية يعلمها الكافة تلزم قضاة الشرع وأطراف العلاقة، وهو يأتي مع تصريحات أقل ما يقال عنها إنها تفتقر للصدقية، وتؤكد عدم جدية كتلة الوفاق فيما سمته توافق مجتمعي على إصدار القانون، إذ نفي المرزوق في تصريح صحافي «إمكان أن يكون لإصدار قانون أحكام الأسرة دور في حل مشكلة المتضررات من المحاكم الشرعية، لعدم وجود فراغ تشريعي في هذا الشأن»، ونسأل النائب المحترم هنا إذا لم يكن لقانون أحكام الأسرة فراغاً تشريعياً، فهل في اقتراح كتلته بتعديل قانون المحاماة بحيث يسمح لطلبة العلوم الدينية بالترافع أمام المحكم الشرعية مثل هذا الفراغ؟

طبعاً ليس هناك على الإطلاق مثل هذا الفراغ التشريعي الذي يستدعى أن تقدم كتلة الوفاق مثل هذا الاقتراح، إذ نص قانون المحاماة بوضوح تام في المادة الثانية البند الثالث على أنه ” يشترط فيمن يقيد اسمه في جدول المحامين أن يكون حائزاً على شهادة في القانون من إحدى كليات الحقوق بالجامعات المعترف بها من الجهة المختصة على أن تكون الشريعة الإسلامية من بين برامجها الدراسية، فإن لم تكن تلك المادة من بين البرامج التي درسها فيجب أن يجتاز امتحاناً فيها تعده وزارة العدل والشئون الإسلامية أو أن يكون حائزاً على ما يعادل شهادة في القانون في القضاء الشرعي من إحدى كليات الشريعة الإسلامية المعترف بها”.

هذا الحكم الذي تقضي به المادة المذكورة جاءت واضحة الدلالة على أن من له الحق في الترافع أمام القضاء العادي أو الشرعي أن يكون قد درس القانون والشريعة الإسلامية، بل إن عليه أن لم يكن قد درس الشريعة الإسلامية أن يجتاز امتحاناً فيها، أو أن يكون قد حصل على ما يعادل شهادة في القانون في القضاء الشرعي معترف بها من إحدى كليات الشريعة الإسلامية، واشتراط المشرع في هذه الحالة الأخيرة ضرورة معادلة الشهادة قد قصدها وهدف منه أن يكون من له الحق في الترافع أمام القضاء بما فيه القضاء الشرعي أن يكون قد درس القانون، ومن أبرزها كشرط للتخرج سواء في كليات الشريعة أو كليات الحقوق دراسة قانون الأحوال الشخصية الذي ترفض كتلة الوفاق إصداره.

وعليه فإن من يترافع أمام المحاكم الشرعية لا يكفيه أن يكون من طلبة العلوم الدينية بل لابد أن يكون قد حاز على شهادة في القانون أو ما يعادلها في القضاء الشرعي من جامعة معترف بها، ذلك أن هذا القضاء لا يتعلق فقط بأحكام شرعية بل يمتد تعلقه بإجراءات قضائية وقانونية تتعلق بالمرافعات، ويتمتع المحامون في البحرين وهم كثر بقدرة فائقة في فهم ليس إجراءات التقاضي فحسب بل الأحكام الشرعية، ومن ثم لا فراغ تشريعي هناك ولا نقص ولا قصور يجعل من اقتراحكم أيها السادة مقبولاً أو لازماً، أن ما يحتاج إليه المحامي والقاضي والمتقاضي أمام القضاء الشرعي هو تقنيين أحكام الزواج والطلاق وأثارهما، فضرورة هذا التقنين وأهميته لهذا القضاء في البحرين، لا يحتاج لكثير من البصيرة أكد عليها ليس فقط ثلة من نساء البحرين المتضررات كما يحلو لكم القول، بل أكد عليها من هو من بيتكم، علماء دين وقضاة أفاضل.

ليس أمامكم أيها السادة مقدمو اقتراح تعديل قانون المحاماة، سوى سحب هذا الاقتراح، والاعتراف بأهمية وضرورة أحالة مشروع قانون أحكام الأسرة في شقه الجعفري إلى مجلسكم الموقر ليتزامن صدوره بعد صدور شقه السني، ويتعين عليكم الإدراك، وهو إدراك مهم، بأن تحسين نظام التقاضي لا يتحقق ولن يتحقق بحسب اقتراحكم، وأن ما تركنون إليه في المذكرة الإيضاحية بأنه «لما كان قانون السلطة القضائية قد أقر صراحة أن الإجازة في الشريعة الإسلامية لتولي القضاء الشرعي كافية لتولي منصب القضاء، فإن الإجازة في الشريعة الإسلامية ستكون أيضاً كافية لتولي أعمال المحاماة أمام المحاكم الشرعية»، هو إسقاط في غير محله، فإن كنتم على محمل من الجد في تطوير نظام التقاضي الشرعي فإن عليكم، كما جاء في البيان الذي أصدرته جمعية وعد بهذا الشأن بحق أنه ” بدلاً من تقديم ذلك المقترح، أن تطلب (كتلتكم) تعديل قانون السلطة القضائية، بحيث يتم توحيد متطلبات وشروط تعيين القضاة والنص على حصول المتقدم لسلك القضاء على شهادة في الحقوق، ذلك أن سبباً رئيسياً لما آل إليه القضاء الشرعي هو عدم اشتراط حصول القاضي الشرعي على شهادة في الحقوق”.
 

اقرأ المزيد

جليل النعيمي لجريدة الوطن “الوفر الذي‮ ‬حققته الديمقراطية للاقتصاد والمجتمع‮ ‬يعادل أضعاف ما صرف عليها”


أكد عضو جمعية المنبر التقدمي عبد الجليل النعيمي أن المردودات الاقتصادية غير المنظورة لترسيخ الديمقراطية هي التي تؤمن الاستقرار السياسي للمجتمع. لافتاً إلى أن جميع بلدان العالم معنية بإبراز عامل الاستقرار السياسي كأحد مكونات المناخ الاستثماري الجيد الذي يعزز من جاذبية الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال إلى الداخل.

جاء ذلك في الحوار الذي أجرته (الوطن) حول فاتورة الديمقراطية في البحرين، وما يترتب عليها من إشكاليات وتعقيدات نتيجة المقارنة المتوازنة بين متطلبات الديمقراطية ومخرجاتها.


وفيما يلي نص الحوار:

 ؟ هل الديمقراطية بحاجة للكلفة الباهظة؟ وهل تستحق كل هذه الكلفة المادية والتي قد تكون على حساب برامج تنموية أخرى كالسكن والتعليم وغيرها؟
النعيمي:التساؤل حول ما إذا كانت الكلفة الاقتصادية، وأحياناً الاجتماعية، لبناء النظام الديمقراطي مبررها قديم بقدم ما طرح من حجج لدحضه. ولا يأتي هذا التساؤل من فراغ، بل في العادة من قبل ممثلي قوى اجتماعية محددة ترى في الإجابة عليه بالنفي خدمة كبرى لمصالحها. طبعاً العمليات الانتخابية وبناء المؤسسات الديمقراطية للدولة والمجتمع المدني ونشر ثقافة الديمقراطية والتنمية السياسية وأنشطة التدريب والتأهيل المتعلقة بكل ذلك هي أمور تتطلب نفقات باهظة حقاً. ويدعم أنصار تفادي هذه الكلفة رأيهم بحجج تبدو وكأنها قوية: أليس من الأفضل تخصيص هذه الموارد الشحيحة لتلبية الحاجات الأهم كالسكن والتعليم والصحة وإيجاد أماكن عمل؟  حجج تبدو قوية وتستخدم هذه الحجج كمدخل هام للعودة إلى تنظيرات كانت قد راجت في خمسينات وستينات القرن الماضي في عدد من مناطق العالم، ومنها منطقتنا العربية. وملخصها يقول إنه يكفي وجود سلطة قوية قادرة على طرح برامج تنموية طموحة وقادرة على تعبئة الموارد والطاقات من أجل تحقيق هذه البرامج. وبذلك تستطيع الدولة تحقيق الأهداف التي يرنو إليها المجتمع بدون شراكة قوى المجتمع.  وليس خافياً أن جميع تلك القوى، خصوصاً التي رفعت الشعارات القومية أو القومية الاشتراكية قد فشلت فشلاً ذريعاً في القيام بتنمية حقيقية. بل أنها ساهمت في إضعاف قدرات الدولة وقادت شعوبها إلى فقر مدقع.  ومع ذلك فإن مسقطي تلك الدعوات على عالم اليوم يطرحونها بشكل معدل مروجين لمقولة إن الوحدة الوطنية والتنمية يشكلان طريق المجتمعات إلى الديمقراطية وليس العكس، وأن تسارع نمو الطبقة الوسطى كنتيجة للتنمية هو الذي سيخلق في النهاية طلباً على الديمقراطية. وإذا نمت هذه الطبقة لتصبح أكثرية تصبح الديمقراطية مطلباً شعبياً. جوهر هذا الطرح هو أن الديمقراطية قضية كمالية ليست من حاجات الفقراء، بل الفئات الاجتماعية الأكثر دخلاً وتعليماً.



 

انهيار الطبقة الوسطى

 ؟ في اعتقادكم إذن أن الديمقراطية تستحق أن تصرف عليها التكاليف من أجل بثها في وعي المجتمع وحركة الدولة؟


النعيمي:  واقع الأمر هو أن مجتمعاتنا الغنية بعائدات النفط تشهد خلال العقود الأخيرة انهيار الطبقات الوسطى وليس صعودها. وفي مقابل ذلك يزداد التفاوت والاستقطاب الاجتماعي بين أقلية فوق الطبقة الوسطى وغالبية شعبية دونها. يحدث ذلك لأنه في ظل غياب المؤسسات الديمقراطية وتهميش القوى السياسية وقوى المجتمع المدني واستشراء الفساد يتم توزيع وإعادة توزيع الدخل الوطني بطريقة لا تؤمن لا بناء اقتصاد متين متوازن ولا عدالة اجتماعية.  يختلف الأمر عندما تكون المؤسسات الديمقراطية وقوى المجتمع المدني في وضع يؤهلها للتأثير على العملية التنموية ولو بشكل جزئي. ولنا في تجربة الدور التشريعي الأول للمجلس النيابي مثلاً حين استطاع نواب الكتلة الوطنية الديمقراطية والنواب الآخرين استرجاع مبالغ ‘ضائعة’ في الميزانية بلغت قرابة المليار دينار للعامين 2004 و2005 . كما قام المجلس بإعادة التدقيق في ميزانيات عدد من الوزارات ليحقق وفورات مالية كبيرة. واستطاع النواب استعادة أموال كبيرة ‘ضائعة’ للتأمينات والتقاعد وجرى ترشيد الاستثمار في هاتين المؤسستين. أضف إلى ذلك أن نشاط جمعيات المجتمع المدني كالشفافية وحماية البيئة وغيرها قد ساعدت على فضح ووقف عمليات فساد وانتهاكات للبيئة. وبغض النظر عن كل الجوانب الأخرى فلو قيمنا مردود نشاط القوى السياسية والمجتمع المدني بالدنانير في مقابل ما تم صرفه على بناء وتطوير المؤسسات الديمقراطية وتمويل الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني ونشر الثقافة السياسية لوجدنا أن الوفر الذي حققته الديمقراطية للاقتصاد والمجتمع يعادل أضعاف ما صرف عليها.  دور وزارة التنمية الاجتماعية عدا ذلك فإن كثيراً من جمعيات المجتمع المدني والتي بدأت تنحو بدعم من وزارة التنمية الاجتماعية منحى إنتاجياً في بعض برامجها هي الأخرى يمكن أن تبلور نمطاً جديداً من الاستثمار يعود بالنفع على الاقتصاد وعلى فئات اجتماعية محددة. تصوروا معي لو أن بعض جمعيات المجتمع المدني كجمعيتي الصيادين وسائقي سيارات الأجرة تمكنتا من تحقيق ما سعتا من أجله لتشكيل تعاونيات إنتاجية وخدمية في مجاليهما لكانا قد أدخلا في الاقتصاد نمطاً تعاونياً حيوياً يحاكي مثيله في الدول المتقدمة ويحمي مصالح فئات اجتماعية واسعة ويزيد من إسهامها في الاقتصاد الوطني وفي خدمة المجتمع.

  
  ؟ باعتبارك باحثاً اقتصادياً، كيف تقرأ قضايا التكلفة الديمقراطية مع الحراك السياسي العام خصوصاً في ظل التجارب الديمقراطية المتقدمة؟


النعيمي: تجارب بلدان الديمقراطيات العريقة تبين أن المجتمع المدني فيها قد تحول إلى قطاع ثالث إلى جانب قطاع الدولة والقطاع الخاص يسهم في تكثير الاقتصاد الوطني وأداء الخدمات الاجتماعية. في ألمانيا فقط نما هذا ‘القطاع الثالث’ بنسبة 30 بالمائة بين عامي 1990 و1995.  وأصبح ذا معنى خاص بالنسبة لسوق العمل. فحتى منتصف التسعينات كان عدد الألمان العاملين في القطاع غير الربحي 1,2 مليون مواطن، أو 5 بالمائة من إجمالي العاملين. في بلدان أوربا الغربية الصغيرة مثل هولندا، وأيرلندا، وبلجيكا صعد ‘القطاع الثالث’ في التشغيل إلى مؤشر 10٪.  وهناك من المردودات الاقتصادية غير المنظورة لترسيخ الديمقراطية التي تؤمن في النهاية الاستقرار السياسي. فجميع بلدان العالم معنية بأن تبرز عامل الاستقرار السياسي كأحد مكونات المناخ الاستثماري الجيد الذي يعزز من جاذبية الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال إلى الداخل.
 
تصحيح الوضع الديمقراطي

  إذن ما هي الخلاصة التي يمكن الخروج بها لتصحيح الوضع الديمقراطي؟ وما هي الالتباسات الحاصلة جرّاء استغلال البعض هذا الأمر حسب وجهة نظركم؟


النعيمي: رب قائل يقول: لكن الديمقراطية تفسح في أحايين ليست بالقليلة المجال لقوى غير ديمقراطية بالتحرك عبر آليات الديمقراطية لإضعافها. وهي تستغل ضعف الوعي لدى جماهير واسعة، وخصوصاً النساء لتعبئها وتوظفها بالضد من مصالحها تماماً، وفي النهاية تجعل منها عائقاً لعملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية؟ وهذا للأسف صحيح، ويشكل ما يسمى ‘بمصيدة الديمقراطية’. لكن حل مثل هذه المعضلات لن يتأتي إلا عن طريق العمل المتوازي على جبهات، منها: تحسين الظروف الاقتصادية الاجتماعية، ومزيد من الحقوق والحريات وصيانتها، وزيادة الاستثمار في تطوير المؤسسات الديمقراطية، وفي نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتمكين المرأة وإطلاق برامج التنمية السياسية على كل الأصعدة. 

 
الوطن 7 يونيو 2009

اقرأ المزيد

خطاب أوباما بين التشاؤم والتفاؤل (1-2)

منذ رحيل الرئيس المصري والزعيم العربي جمال عبدالناصر عام 1970 الذي مرت العلاقات المصرية – الامريكية في عهده (1952- 1970) بأسوأ مراحلها من التدهور والمجابهات السياسية المتبادلة ولاسيما خلال عقد الستينيات زار اكثر من رئيس امريكي مصر، خلال عهد الرئيس الراحل انور السادات والرئيس الحالي حسني مبارك، لكن ثمة زيارتان لرئيسين امريكيين تعدان بكل المقاييس تاريخيتين هما زيارة أول رئيس امريكي لمصر منذ قيام ثورة يوليو وذلك في عصر انفتاحها على الغرب خلال عهد السادات بعد أقل من عام على حرب اكتوبر 73، وتحديداً في عام 1974 عندما زار الرئيس الامريكي نيكسون القاهرة واعدت له القاهرة الساداتية حينها استقبالاً “شعبياً” حاشداً تاريخياً في وقت كان اليسار المصري، بشقيه الناصري والماركسي، مازال في عز قوته بما في ذلك الحركة الطلابية.
على ان تلك الزيارة لم تكن تاريخية إلا بمعنى كونها أول زيارة لرئيس امريكي للقاهرة منذ قيام ثورة يوليو عام 1952م، أي بعد مضي 22 عاماً عليها، إذ لم يقدم الرئيس الامريكي نيكسون أي تعهدات او تنازلات تنطوي على تغير في جوهر وثوابت السياسة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي – الاسرائيلي والقائمة على الانحياز لاسرائيل والدعم اللامحدود لها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ضد الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة، اللهم العبارات الانشائية المطاطة الفارغة المضمون عن التطلع لاحلال السلام في المنطقة وانهاء الحروب.
حينها أي أثناء الزيارة عبر الشاعر المصري الشعبي المعروف عن السخطين الشعبي والوطني الحقيقيين ضد تلك الزيارة بقصيدة غناها الفنان الراحل الشيخ امام عيسى يقول في مطلعها مشهراً بفضيحته السياسية المدوية عالمياً التي سرعان ما أطاحت به “ووترجيت”:
شرفت يا نيكسون بابا
يا بتاع الووترجيت
عملوا لك قيمة وسيما
سلاطين الفول والزيت
أما الزيارة التاريخية الثانية لثاني رئيس أمريكي فهي زيارة الرئيس الامريكي المنتخب باراك اوباما للقاهرة فهي تاريخية ليست لكونها الزيارة الأولى في مستهل ادارته فحسب، بل بالنظر إلى لغة الخطاب التاريخية الذي ألقاه من داخل جامعة القاهرة العريقة غداة الذكرى الثمانين لتأسيسها (1908) والذي وجهه مخاطباً ود العرب والمسلمين في وقت وصل فيه عداء وسخط العرب والمسلمين منذ هزيمة 1967 للسياسات الامريكية في المنطقة الى ذروتهما غير المسبوقة تاريخياً.
وعلى الرغم من سيل التعليقات والتحليلات المصرية والفلسطينية والعربية والدولية التي ما فتئت تتواصل على خطاب الرئيس أوباما فإن لا أحد توقف عند مفارقة ذات مغزى حول دلالة المكان الذي وقف فيه اوباما ليلقي خطابه من داخل هذه الجامعة، ألا هو القاعة المسماة باسم “جمال عبدالناصر” التي يراد لمسماها ان يتوارى تاريخيا، أي انها القاعة التي تحمل اسم الرئيس الوطني المصري والزعيم العربي الراحل عبدالناصر الذي عُرف بسياساته المناوئة للمخططات الاستعمارية الامريكية وبتصديه لها، وهي ذات القاعة ايضاً التي شهدت في يناير عام 1972 أشهر واكبر اعتصام طلابي دام اياماً وليالي ضد سياسات خلفه الرئيس الراحل السادات لتلكئه عن شن حرب تحرير الاراضي المصرية المحتلة (سيناء)، وبدايات تقاربه نحو الولايات المتحدة، ولم يكسر ذلك الاعتصام الاحتجاجي إلا بتدخل قوة من الأمن المركزي اعتقلت خلاله عدداً من القيادات الطلابية التي قادت ذلك الاعتصام داخل قاعة جمال عبدالناصر التي سبق ان ألقى فيها خطباً موجهة للطلبة المصريين وللشعب المصري والامة العربية.
لقد وصفنا قبل قليل خطاب اوباما الذي ألقاه من داخل “قاعة جمال عبدالناصر” بجامعة القاهرة بأنه خطاب تاريخي بالنظر إلى لغته الجديدة فقط، وحرصنا على عدم وصفه بأنه “خطاب تاريخي” بمعنى انه ينطوي على تحول جذري في السياسات الامريكية لصالح العرب او نحو سياسات اقل انحيازاً لاسرائيل، فمن الغباء بمكان التوهم بأن خطاب اوباما يتضمن عناصر تؤشر لتحول في ثوابت السياسة الامريكية المنحازة كلياً لاسرائيل والقائمة على دعمها المطلق بمختلف أشكال الدعم على حساب المصالح والحقوق الفلسطينية والعربية.
وهكذا فالمحللون والمعلقون العرب الذين عولوا آمالاً كبيرة من هذا القبيل على الخطاب ثم صدموا بمحدودية تلك الآمال التي أطلقوها مخطئون، والمتفائلون الذين حملوا الخطاب بأكثر ما يحتمل من ايجابيات مخطئون ومتوهمون، والمتشائمون قبل الخطاب وبعده من عدم اعلان الرئيس اوباما تغييراً جذرياً في سياسات امريكا لصالح العرب والمسلمين موغلون في تشاؤمهم ومفرطون في تحاملهم على الخطاب وعلى الرئيس اوباما لتسرعهم في عدم الامعان والتمعن في فقراته وعباراته برؤية فاحصة متأنية بعيدة النظر.
فمن السابق لأوانه الجزم إذاً بأن ما ورد في خطاب اوباما الذي كان أقرب الى اعلان حسن النيات تجاه العالم الاسلامي ينطوي على بداية جادة نحو طريق طويل لاحداث تغيير حقيقي في السياسات الامريكية تجاه المنطقة والعالم الاسلامي، كما من السابق لأوانه الجزم بأنه لن يحدث أي تغيير يذكر في السياسات الامريكية وانها ستظل على حالها نسخة طبق الأصل لسياسات اسلافه الرؤساء السابقين. بل من العسف والظلم نسبياً مقارنته مقدماً بأسلافه.
وبالتالي يمكن القول ان خطاب اوباما صيغ بلغة جديدة ذكية وشبه متوازنة تدغدغ على السواء عواطف العرب والمسلمين من جهة، وعواطف الاسرائيليين من جهة اخرى، إلا انها لغة خطاب رئيس امريكي هي الاولى من نوعها تاريخياً منذ هزيمة .1967 ومن المصادفات ان الخطاب جاء قبل يوم واحد فقط من ذكرى تلك الهزيمة التي قصمت ظهر مصر والعرب وأودت لاحقاً بحياة الرئيس عبدالناصر، ومازال الفلسطينيون والعرب يتخبطون في ظل تداعيات كبوتها المديدة ويدفعون تترى فواتيرها السياسية التاريخية والحضارية.
ومثلما وفق الرئيس اوباما في صياغة الخطاب وعناصره بمهارة وذكاء من دون ان يطلق العنان للتفاؤل المفرط عند العرب والمسلمين المتمعنين جيداً في افكار ذلك الخطاب فقد وفق ايضاً أيما توفيق بأدائه الباهر في طريقة القائه.
 
صحيفة اخبار الخليج
8 يونيو 2009

اقرأ المزيد

معركة الانتخابات الإيرانية القادمة

الشعب الإيراني هو شعب مناضل بقوة عبر التاريخ الحديث، وقد كانت المذهبية الاثناعشرية هي شكلُ نضالهِ القومي للخروج من سطوة الخلافة الإقطاعية المركزية ومن الغزوات الخارجية، فغدا المركز الإيراني هو المنتج الوحيد لسلطة شيعية مستقلة في العالم، فتداخل الطابعان القومي والمذهبي في تركيبة معقدة، لكن مستوى البناء المحافظ خلال قرون الاستقلال القومي لم يتح بعدا كبيرا لدولة تلعب فيها الطبقة المتوسطة دورا مهما، ولم تتشكل سلطة شيعية في مناطق أخرى خاصة في العراق البلد المؤسس للمذهب، لكنه في السنوات الأخيرة أخذ يتململ ويظهر قيادة مختلفة منفتحة، لكن إمكانية الرجوع للوعي النضالي المؤسس وإدماجه بالعصر غدا صعبا لدى مرجعيات محافظة عكست سطوات الدول.
كما عبرت الثورة الشعبية الإيرانية في القرن الماضي عن محاولة القفزة نحو مجتمع متحرر حديث، ولكن ذلك جرى أيضا في سياق تطور دول الشرق حيث تهيمن الدولُ على الاقتصاد، عبر تشكيل رأسماليات حكومية استبدادية.
وقد تضخمت القطاعاتُ الحكومية الاقتصادية وشريحتها المسيطرة من كبار الضباط في الحرس والجيش والإدارة، يعاونهم ويبرر سيطراتهم بعضُ رجال الدين، فغدت المؤسسة البرلمانية وكل المؤسسات السياسية والإعلامية تحت تلك الهيمنة القوية وشروطها، بل ان الحياة العادية للمواطنين تعرضتْ لمثل هذه الإجراءات.
ولهذا تغدو الانتخابات داخل هذا الحيز المشدود، فالمرشحون المتقدمون للانتخابات يجب أن يُرضى عنهم، وأن يمروا على أجهزةٍ متشددة الرقابة والفحص، حتى يحصلوا على البراءة من الشرور السياسية ولكي يكونوا ضمن حكم النظام الصارم.
وبهذا فمن البداية فإن الديمقراطية غير موجودة وبشكل أقوى من دول الشرق الأخرى، وإن كانت الأمور جوهريا واحدة في عالم الاقتصادات الحكومية المسيطرة، لكن الأمور في إيران تزداد صعوبة حتى عن الماضي القريب، فالأجهزة المسيطرة تواجه شعبا معروفا بالانفلات عن القبضات، ويستغل أبسط الثغرات لتنمو إراداته المستقلة الحرة، ومن هنا تجرى هذه التدقيقات المجهرية في أرواح وأفكار المرشحين، حتى يتم النخل النهائي في صورٍ شخصية نادرة تمشي على الصراط غير المستقيم.
ان القيودَ على منصب الرئيس كثيرة فهو الشخصية الثالثة في النظام بعد المرشد ورئيس مجلس تشخيص النظام، وصلاحياته محدودة كذلك، فهو منفذ لسياسة عامة مفروضة سلفا. لكن ثمة إمكانية لتكتيكات تحويلية داخل هذا المنصب، الذي يُعتبر مؤشرا على مزاج الشارع الإيراني. ومن الممكن لهذا المنصب أن يبرز بقوة خلال السنوات التالية خاصة إذا تناسق عمله مع نضال الجمهور للتغيير. والشعب والمذهب واعدان بالكثير من التفتح والنهوض.
ومن الواضح أن أجهزة الحكومة ستعمل من أجل فوز أحمدي نجاد الرجل الطالع من الأجهزة المتنفذة، في حين ان مير موسوي ينتمي للأجهزة الإدارية المدنية، وداخل هاتين القوتين ثمة وحدة واختلاف، فالوحدة تعود لطبيعة الطبقة المسيطرة رغم تعدد فئاتها ومكوناتها، وهذه الطبقة متحكمة في المال (العام) وهي تعملُ على استتباب السيطرة لهذه الملكية، وفي داخل هذه الوحدة هناك تباين، بين من يريد التركيز في فئاته وقطاعه الحكومي المحدد وآخر يتطلع لفئات وقطاع مختلف.
ولا شك أن ثمة فرقا بين سيطرة القوى العسكرية وسيطرة القوى المدنية، فالأولى صاحبة توسعات خطرة على الشعب الإيراني ومضرة بتطور اقتصاده السلمي، في حين ان الثانية تركز في الاقتصاد المدني وآفاق تطور أكبر وأفضل لمستقبل التطور.
وقد مثل نجاد الفئة الأولى بشكلٍ بارزٍ وحاد، ولعل الشعبوية والاستعانة بمصطلحات (يسارية) هي جزءٌ من إخفاء الطابع الاجتماعي لهذه الفئة العليا المتسيدة على أهم اقتصاد في إيران الذي ينمو بسرعة فائقة على الطريقة الدعائية الصارخة بالشعارات القومية والاجتماعية المحبة للبؤساء، التي تقودهم في ذات الوقت للمشكلات العميقة.
ومن جهةٍ أخرى فمير موسوي البيروقراطي المنتمي لذات الطبقة الحاكمة التي ارتفعت بقوة فوق الرأسمالية الحكومية، يريد تطويرها من جهة أخرى عبر العلاقات التجارية والسلمية والتقنية وتخفيف الهيمنة على القطاعات الرأسمالية الخاصة والنسائية، مما يجعله يمثل درجة معينة بسيطة ومتقدمة عن نظيره العسكري القومي المتأجج. وهو خط عموما بدأ من السيد رفسنجاني والرئيس خاتمي ولكنه لم يتجذر كثيراً نظرا لعدم نمو الرأسمالية الخاصة الإيرانية الصناعية بشكل مهم، وعدم نمو الوعي الديمقراطي داخل المنظومة الدينية، والجانبان متعاضدان.
ولهذا فإن الداعين للمقاطعة يجانبهم الصواب، وهم لا شك من القطاعات المعارضة، ولكنها حين تقوم بذلك تضر بتطور النضال من أجل التقدم والسلام في إيران وفي محيطها المتضررين من سياسة العسكرة.
وعلى العكس فإن التصويت لمرشح واحد معارض وتراجع الآخر هو المهمة المطلوبة خلال الأيام القليلة القادمة، بحيث يتوحد الفعل الشعبي ويتوجه لتغيير الوضع السياسي الراهن.
ليس من الممكن نشوء معارضة مؤثرة ديمقراطية دون الحد من سيطرة القطاع (العام) على الحياة الاقتصادية، ونشوء محاسبات عميقة من البرلمان له، وتوسيع القطاعات الخاصة المختلفة، وحدوث تعاون بين الفئات المتوسطة والقوى العاملة، وازدهار الوعي الديمقراطي لقراءة الاثناعشرية والإسلام عامة.
فلا يمكن أن تأتي التحولات السياسية الإيجابية الفوقية من دون نضال طويل وعميق على الصعيدين الاقتصادي والفكري، وهو أمرٌ يجرى في العديد من بلدان الشرق التي أُتخمت من السيطرات الحكومية على الاقتصاد والثقافة والحريات، وحان زمان التغيير.

صحيفة اخبار الخليج
8 يونيو 2009

اقرأ المزيد

أعمدة الحكمة السبعة وما لم يقله أوباما

يُحار في أمر الرجل الذي ألقى خطابه التاريخي في جامعة القاهرة يوم 4 يونيو/ حزيران الماضي. أهو رجل وعظ ديني أم أنثروبولوجي أم داعية حقوق الإنسان ونصير المرأة أم مؤرخ أم اقتصادي أم خبير وناقد عسكري. فالرئيس الأميركي باراك أوباما قال في جميع هذه الأمور جديدا بخلاف سابقيه. وأيا كان معد خطاب الرئيس أوباما فإنك لتشعر بأن الخطاب خرج من داخل أوباما متضمنا روحه وموهبته. وبما جاء به من جديد ومتقدم فإنه يصلح مادة للتدريس والتثقيف مع الملاحظات التي له وعليه. ففي أحرج لحظات ضعفها التاريخي رزقت أميركا بأقوى رئيس لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد يكون أقوى رئيس على الإطلاق إن استطاع إنقاذها من حالة الأفول التاريخي الذي يعتبر كثير من المفكرين أنها ولجته. غير أن أوباما يجب أن يذهل المحللين والعالم ليس بما قاله فقط، بل وبما لم يقله، أو بما صَمَتَه، وهو ما سنأتي إليه في آخر المقالة.
كان الهدف قد صيغ في خطاب أوباما في تركيا بعبارة ‘أن الولايات المتحدة لا تشن حروبا ضد الإسلام’. وفي خطاب القاهرة الذي توقف عند سبع نقاط ‘التطرف، فلسطين، السلاح النووي، الديمقراطية، الحرية الدينية، حقوق المرأة والتنمية الاقتصادية’ أراد الرئيس أن يسلط الضوء على لوحة الشرق الأوسط المتعددة الألوان، محاولا الابتعاد عن التصور النمطي حول الإسلام. ورغم أنه جاء لينقذ عظمة أميركا التي مرغها سابقوه في الوحل، إلا أنه لم يظل يفاخر بجبروت بلاده كما فعل هؤلاء، بل ركز على أن الجرح الذي أحدثته هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، دفع أميركا إلى القيام بأعمال ‘تتعارض مع أفكارها وتقاليدها’. أما بالنسبة للمستقبل، ومن دون التفاصيل، فإن أوباما استحضر في خطابه كلمات الرئيس الأميركي السابق توماس جيفرسون الذي قال ‘إنني أتمنى أن تنمو حكمتنا بقدر ما تنمو قوتنا وأن تعلمنا هذه الحكمة درسا مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها’، واضعا بذلك حدا لأسطورة الحرب الكونية على الإرهاب.
في القضية الفلسطينية كان جديد أوباما ليس إدانة استمرار الاستيطان اليهودي لأراضي الفلسطينيين فقط، بل وتأكيده بجرأة على أن كثيرا من المسلمين يدركون ‘في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفي وبالمثل يدرك الكثير من الإسرائيليين أن دولة فلسطينية أمر ضروري’، وخلاصته بأن: ‘آن الأوان للقيام بعمل يعتمد على الحقيقة التي يدركها الجميع’. وكان جريئا في مصارحة الحكام العرب بأن يكفوا عن استخدام الصراع العربي الإسرائيلي لإلهاء الشعوب العربية عن مشكلاتها الأخرى.
في شأن السلاح النووي كان جديد أوباما هو أنه، ومن دون أن يوجه تهديدات لإيران، أصر على أن من مصلحة كل المنطقة في تجنب سباق التسلح، مؤكدا تصميم الولايات المتحدة للسعي نحو عالم بلا أسلحة نووية. والجديد هو انتقاده بشكل غير مباشر للسياسة التي درجت عليها بلاده بقوله إنه ‘لا ينبغي على أية دولة أن تختار الدول التي تملك أسلحة نووية’، وأن هذا هو ‘سبب قيامي بالتأكيد مجددا وبشدة على التزام أميركا بالسعي من أجل عدم امتلاك أي من الدول للأسلحة النووية’، معترفا لإيران بحق الوصول إلى الطاقة النووية السلمية.
قد يكون أوباما أراح كثيرا من الحكام العرب بالمرونة التي أبداها بشأن مسألة تشجيع قيام الأنظمة الديمقراطية في المنطقة. لكن مطرقته الناعمة كانت قوية في تأكيدها بأن ستواصل الدفاع عن حقوق الإنسان في كل العالم، والتذكير بأن ‘الانتخابات لوحدها لا تصنع ديمقراطية’. أكثر من ذلك أكد على حق الشعوب في التطلع إلى حكم القانون والالتزام بالعدالة والمساواة في تطبيقه و’شفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب’، وفي اختيار طريقهم في الحياة، و’أن أمريكا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون، حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا’. هذه الرسائل مهمة بمعنى أن دور أميركا كشرطي عالمي يجب أن ينتهي من جهة، وأن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان يجب أن تلبى كحاجة داخلية لكل بلد، لكنها تبقى قضية تعني أميركا والحضارة البشرية جمعاء.
جديد أوباما في موضوع الحريات الدينية هو الاعتراف غير المباشر بأن الانقسام في العراق بين الشيعة والسنة قد أدى إلى عنف مأساوي. كما انتقد بعض مظاهر التمييز ضد المسلمين في الغرب داعيا إلى التسامح الديني سواء في الغرب أو الشرق.
في سادس قضية أثارها أوباما وهي قضية المرأة تميز بتأكيده ليس على التزام بلاده بالمضي قدما في البرامج التي تستهدف تحسين أوضاع المرأة وتمكينها من اختيار طريقة عيشها فقط، لكن ليس بالضرورة بنفس الطريقة التي يختارها الرجل.
وأخيرا بشأن التنمية الاقتصادية اعترف أوباما صراحة بأن أميركا ظلت تركز اهتمامها على النفط والغاز في هذا الجزء من العالم.. ‘ولكننا نسعى الآن للتعامل مع أمور تشمل أكثر من ذلك’. وفي جديد النظرة إلى العولمة اعترف صراحة بأنها أحدثت في المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة مسببة مشاعر الخوف والقلق من فقدان السيطرة على الخيارات الاقتصادية والسياسية الوطنية والأهم من ذلك فقدان الهوية.
وبشأن هذه الأخيرة نتوقف قليلا عند ما لم يقله أوباما. لقد توجه بخطابه إلى العالم الإسلامي، وذكر منظمة المؤتمر الإسلامي بالاسم مرة واحدة، من دون أن يذكر جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون الخليجي إطلاقا. ولم يتحدث عن العرب كأمة وهوية وطموحات قومية، أو عن اختراق أميركا إمكانات التكامل الاقتصادي الخليجي، مثلا، باتفاقيات التجارة الحرة الثنائية مع كل بلد على حدة.
وفي اعترافه بخطأ الولايات المتحدة في شن الحروب لتغيير أنظمة البلدان الأخرى لم يدن الحرب على يوغسلافيا وتفتيتها إلى دويلات، وهو ما تم في عهد نظيره الديمقراطي كلنتون. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن وزير خارجيته الحالية هيلاري كلنتون هي زوجته ذلك الرئيس وممثلة يمين الحزب الديمقراطي، وأن وزير الدفاع الأميركي الحالي هو من إرث إدارة بوش التي ينتقد أوباما سياستها العدوانية بمرارة، فإننا أمام اعتراف ناقص عن أخطاء الماضي وأمام برنامج غير واضح عن المستقبل، رغم الخطاب العالي الرقي للرئيس أوباما. فهل سيجيب أوباما لاحقا على أسئلة كهذه بما يعزز مصداقية مضمون خطابه؟
 
صحيفة الوقت
8 يونيو 2009

اقرأ المزيد

ما قبل الدولة وما بعدها

لم تخفت أو تضعف، في مجتمعاتنا، ثنائية التقليد – الحداثة التي تعد أحد عوامل الجدل فيها، سواء كان ذلك على صعيد الفكر والنظرة للحياة أو على صعيد الخيارات الاجتماعية – الثقافية، التي تشمل ضمن ما تشمل شكل الحكم والمشاركة السياسية. ونتحدث هنا عن الحداثة بوصفها حركة انفصال، فهي قطع مع الماضي، ولكن ليس بهدف نبذه وإنما لاحتوائه وإدماجه في مخاض التحديث المتجدد، فهي والحال كذلك اتصال وانفصال، والحداثة حين تصيب المجتمع التقليدي بصدمة تجعله يشهد اهتزازات وتحولات في كل مستويات نسقه الاجتماعي إما في اتجاه التكيف معها أو في اتجاه رفضها، مُطلقة في هذه المجتمعات صراعاً عسيراً بين مقومات التقليد، ومقومات الحداثة. وهذا الصراع ليس اختيارياً أو إرادياً بل هو مخاض موضوعي ناتج عن مظاهر تقدم الحداثة التي تتحول إلى خيار كاسح يغزو كل الآفاق والفضاءات بمختلف الوسائل والآليات، كما إنه صراع مفتوح لأنه يُقحم هذه المجتمعات في مخاض من التحول الطويل المدى. بل إن الدولة، من حيث هي شكل حديث لتنظيم المجتمع وإدارته، كثيراً ما اصطدمت بالبنى السابقة لها والتي مازالت تحتفظ بدرجة عالية من القوة والتماسك التي تجعلها فعالة ومناقضة لها، وفي بعض الحالات بديلاً ممكناً أو محتملاً عنها في المناطق التي لا تستطيع هذه الدولة من حيث هي سلطة مركزية أن تفرض نفوذها. ولذا يتسم الانتقال من الحالة التقليدية السابقة للدولة إلى الدولة من حيث هي جهاز الإدارة الحديث بالصعوبة، ويحمل معه مظاهر مؤلمة، وقد يفرز في بعض الحالات شيئاً من ازدواجية السلطة أو تقاسمها، بحيث تبدو الدولة مضطرة للتنازل عن بعض مهامها للبنى السابقة لها، وتراعي عدم استفزازها أو استدراجها للمواجهة. لكن هذه الصورة المسالمة للعلاقة قد تنهار تحت ضغط تمادي نفوذ البنى التقليدية كالقبيلة أو العشيرة أو الطائفة. وهذا النوع من التضاد يلفت نظرنا، من جهة أخرى، إلى مفارقة باعثة على الأسى، فالحديث على النطاق العالمي وتحت تأثيرات العولمة، يدور حول ضرورات تنشيط وتطوير وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتزداد الدعوة للحد من سطوة نفوذ الدولة لصالح دورٍ أكبر للمجتمعات الأهلية ليس في مجال الاقتصاد وحده، من خلال الحديث الدائم عن الخصخصة وتوسيع دور القطاع الخاص، وإنما كذلك في مجالات السياسة والخدمة الاجتماعية والنشاط الثقافي والفني. لكننا ما برحنا في مرحلة نضطر فيها للمطالبة بدورٍ أكبر للدولة لضبط نزاعات المؤسسات السابقة لها، وللتأكيد على أهمية بسط نفوذ الدولة بديلاً لنفوذ هذه المؤسسات التي لم تضع خطة لتفكيك عوامل قوتها وتأثيرها، لأن هذه البنى تخترق الدولة، وتميل الدولة، بإرادتها الطوعية في حالات كثيرة، للتماثل، لا بل والتماهي مع هذه المؤسسات. فتكون الحصيلة الإخفاق مرتين: مرة في العجز عن بسط نفوذ الدولة، ومرة ثانية في جعل الدولة في بعض وجوه نشاطها امتداداً لنفوذ المؤسسات السابقة لها هروباً من استحقاقات التحديث الحقيقي، وحفاظاً على مغانم النخبة الحاكمة التي لا تستقيم مع شروط الدولة.
 
صحيفة الايام
8 يونيو 2009

اقرأ المزيد

تعليقاً‮ ‬على فكرة مشروع البنـك التجــاري‮ ‬للغرفـــة

بانتقال‮ ‬غرفة تجارة وصناعة البحرين من مقرها العتيد وسط الحي‮ ‬التجاري‮ ‬بالعاصمة،‮ ‬إلى مقرها الجديد الكائن في‮ ‬الحي‮ ‬التجاري‮ ‬الجديد بضاحية السيف وعلى مقربة من مركز البحرين الدولي‮ ‬للمعارض،‮ ‬تكون الغرفة حققت نقلة نوعية في‮ ‬مستوى رقيها الوجاهي‮ ‬العمراني‮ ‬والمكاني‮ ‬المجتمعي،‮ ‬وفي‮ ‬مستوى أهليتها واستقلاليتها القطبية المجتمعية باعتبارها الخيمة التي‮ ‬يستظل بها التجار من أعضائها أو بيت التجار كما هي‮ ‬التسمية المحببة لهم والتي‮ ‬اختاروا تصديرها قمة مبناهم في‮ ‬حلته الجديدة‮.‬ وهذه مناسبة تستوجب منا جميعاً‮ ‬كبحرينيين أن نهنئ الغرفة ورجالاتها وكافة أعضائها من التجار وكذلك جميع طاقمها التنفيذي‮ ‬والإداري‮ ‬على إنشاء هذا الصرح العمراني‮ ‬والاقتصادي‮ ‬المهيب والذي‮ ‬يليق بتاريخ الغرفة وبما حققته عبر تاريخها من مساهمات وبصمات واضحة ترتسم اليوم على كافة قسمات اقتصادنا الوطني‮.‬ فماذا‮ ‬يعني‮ ‬المكان أو المقر الجديد للإقامة في‮ ‬حياة المؤسسة؟ لاشك إنه‮ ‬يعني‮ ‬الكثير الذي‮ ‬يمكن اختزاله في‮ ‬بدء حياة جديدة تنطوي‮ ‬على خطط وأفكار وتوجهات وطموحات جديدة تروم تحقيق وبلوغ‮ ‬غايات وأهداف جديدة تتلاءم والمستوى التطوري‮ ‬الذي‮ ‬بلغته الغرفة والمُتوَّج بتشييد صرحها العمراني‮ ‬القشيب‮.‬ صحيح أن‮ ‬غرفة تجارة وصناعة البحرين اليوم ليست كما كانت بالأمس،‮ ‬فهي‮ ‬متمثلة ومتواجدة بثقل كبير في‮ ‬إحدى‮ ‬غرفتي‮ ‬المجلس الوطني‮ ‬وتحديداً‮ ‬مجلس الشورى حيثما تُنظر القوانين وكل القضايا المحالة إلى المجلس من مجلس النواب والحكومة معاً،‮ ‬مثلما أنها متواجدة في‮ ‬عديد مؤسسات الدولة التنفيذية،‮ ‬كما إنها على تماس دائم مع دوائر صناعة القرار في‮ ‬البلاد‮.‬ ولعل هذا بالذات‮ ‬يكون مدعاة لأن تقف إدارة الغرفة اليوم،‮ ‬لمناسبة تمنطقها بحلتها العمرانية القشيبة،‮ ‬وتستعرض الحالة التي‮ ‬بلغتها وتزنها وتُقيِّمها وتنظر في‮ ‬ما إذا كان مقنعاً‮ ‬وزنها ودورها قياساً‮ ‬إلى رصيدها وإمكانياتها،‮ ‬وما إذا كانت توجهاتها الاقتصادية وعلاقاتها المجتمعية بحاجة إلى تثمير وإعادة تقييم باتجاه تعزيز مكامن القوة وتقوية مكامن الضعف فيها‮.‬ نقول هذا الكلام لمناسبة قيام عدد من أصحاب الأعمال الرياديين،‮ ‬الأعضاء في‮ ‬الغرفة،‮ ‬بالتقدم إلى رئيس مجلس إدارة الغرفة قبل أيام‮ (‬16‮ ‬مايو‮ ‬2009‮) ‬بفكرة إنشاء بنك تجاري‮ ‬بحريني‮ ‬متخصص في‮ ‬التمويل التجاري‮ ‬تحت مسمى‮ ‘‬بنك التجار‮’‬،‮ ‬تيمناً،‮ ‬على ما هو واضح،‮ ‬بمسمى مقر الغرفة الجديد‮.‬ وبحسب أصحاب فكرة المشروع المزمع إطلاقه هذا العام،‮ ‬فإن البنك الجديد‮ ‬يهدف لتسهيل وتشجيع التجارة المحلية وذلك من خلال تقديم التسهيلات والضمانات الائتمانية،‮ ‬مع تجنب الدخول في‮ ‬مشاريع أخرى مثل العقارات أو المضاربات المالية،‮ ‬وتكريس البنك نفسه لخدمة شريحة التجار من الفئة الصغيرة والمتوسطة وتمويل المشاريع الجديدة ومشاريع التوسعة المستقبلية للتجار أنفسهم‮.‬ إضافة إلى الدخول في‮ ‬مشاريع مشتركة مع التجار والمساهمة في‮ ‬تمويل الشراء المشترك وتشجيع زيادة المبيعات لتجار البحرين من خلال تقديم قروض شخصية للمواطنين من أجل تيسير تمويل مشترياتهم من السلع الباهظة الأثمان كالسيارات‮.‬ أولاً‮ ‬وفيما‮ ‬يتعلـق بالمشروع نفسـه فإن من الواضـح أن نطاق العمل‮ ‬‭(‬Business Scope‭)‬‮ ‬الذي‮ ‬يتحدث عنه أصحاب فكرة البنك،‮ ‬هو نطاق بالغ‮ ‬السعة‮ ‬يتراوح بين تمويل التجارة الخارجية والداخلية وتمويل القروض الشخصية للمواطنين‮. ‬ وهو من جهة ثانية إقرار من أصحاب فكرة مشروع البنك بعدم جدوى الاستمرار في‮ ‬تمويل شراء العقار بعد أن أصبح هذا الأخير أصعب منالاً‮ ‬على القسم الأعظم من الطبقة الوسطى،‮ ‬وكذلك لا جدوى من تمويل صفقات المضاربة في‮ ‬الأسهم إثر انهيار أسواق المال العالمية وفقد أسهم الشركات والبنوك الرئيسية المدرجة في‮ ‬بورصة البحرين لحوالي‮ ‬ثلثي‮ ‬قيمتها،‮ ‬فلم‮ ‬يبق أمام أصحاب فكرة مشروع البنك الجديد سوى المتمولين من التجار الصغار الذين لازالوا‮ ‬يملكون هامشاً‮ ‬ضيقاً‮ ‬للحركة في‮ ‬السوق‮.‬ ثانياً‮ ‬وفيما‮ ‬يتعلق بفكرة مشروع البنك نفسها‮. ‬فهي‮ ‬لا تعدو أن تكون استنساخ لمشاريع قائمة كان قد نفذها كبار أعضاء الغرفة في‮ ‬حقبة الطفرتين النفطيتين الأولى والثانية‮ (‬1973‮ ‬و1979‮)‬،‮ ‬برسم أن مجالس إدارات المصارف التجارية جلهم من قيادات الغرفة من رجال الأعمال‮. ‬فما الجديد المبتكر في‮ ‬هذه الفكرة؟‮. ‬ لاشك أن الجميع‮ ‬يتوقع وينتظر من الغرفة لمناسبة انتقالها إلى مقرها الجديد العامر،‮ ‬رؤية جديدة بأفكار استثمارية خلاقة،‮ ‬لا تعيد إنتاج الأفكار التقليدية التي‮ ‬ترعرع ونما في‮ ‬كنفها وسطنا التجاري‮ ‬وهي‮ ‬التجارة والخدمات والمقاولات ومزاولة الأنشطة بالوكالة،‮ ‬وإنما تستشرف المستقبل بأفكار منفتحة أكثر على الاستثمار الإنتاجي‮ ‬والقطاعات الاقتصادية‮ ‬غير المولوجة أو المقتحمة،‮ ‬خصوصاً‮ ‬إذا كنا نتحدث‮ (‬ولا نتشدق‮) ‬عن الاستدامة في‮ ‬التنمية فليس أفضل من الاستثمار في‮ ‬الاقتصاد الحقيقي‮ ‬سبيلاً‮ ‬لبلوغ‮ ‬ذلك ومساهمة القطاع الخاص بقسطه،‮ ‬إلى جانب الدولة،‮ ‬في‮ ‬هذه المهمة الاقتصادية الاستراتيجية وبعد أن حصل ما حصل من انهيارات في‮ ‬الاقتصاد النقدي‮.
 
صحيفة الوطن
7 يونيو 2009

اقرأ المزيد

الخليج العربي.. أم الخليج “الفارسي”؟

أن تصر ايران على تسمية الخليج العربي بـ «الخليج الفارسي« فهذا شأنها، ولكن ان تصر على منع دول الخليج العربية من تسميته بـ «الخليج العربي« واثارة الزوابع والاحتجاجات الدبلوماسية والسياسية والاعلامية بين الحين والآخر أينما وردت هذه التسمية فهذا ما ليس من حقها، اذ لا يوجد في القانون الدولي ولا في الأعراف الدولية ما يلزم الدول بتسمية المناطق الجغرافية من بحار وأنهار وجزر وجبال وسهول… الخ بتسميات محددة حتى لو شاعت أو تداولت تسميات معينة دون سواها في المجتمع الدولي، وايران نفسها التي تطل مع دول اخرى على «بحر قزوين« لا يروق لها الآن الا تسميته بمسماه القديم «بحر الخزر« والخزر اسم شعب تتري عاش قرب البحر واعتنق الكثير منهم الديانة اليهودية.
بوجه من الوجوه تذكرنا هذه الحساسية الايرانية المهووسة من تسمية الخليج بـ «الخليج العربي« والاصرار على نعته بـ «الفارسي« والنفور والتطير والاحتجاج على نعته بـ «العربي« بالمحاولات الاسرائيلية الصهيونية الاستفزازية الدؤوب الاخيرة على جبر الفلسطينيين على الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية، فالوقاحة الاسرائيلية لم تعد تكتفي باعتراف السلطة الفلسطينية بدولة اسرائيل بل بأنها دولة يهودية طابعها يهودي ووطن لليهود.
بمعنى آخر هي لم تكتف باغتصاب الارض وتشريد شعبها بل تريد ايضا اغتصاب ضمير وفكر وايمان هذا الشعب، اي ان يلغي عقله ويسلخ ضميره، وهذه بذاءة جنونية ما بعدها بذاءة، وهو ما يذكرنا بمحاولة اسرائيل العبثية الزام القاهرة غداة توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع مصر الساداتية عام 1979م بطبع نسخة من القرآن الكريم تستبعد منها الآيات التي تسيء لليهود، أو عدم اذاعة هذه الآيات.
كان رد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الطلب الاسرائيلي ما مفاده: فليسموا دولتهم كما يشاءون دولة يهودية، عبرية، جمهورية، ديمقراطية، اشتراكية، صهيونية، فالمهم هي دولة، ونحن نعرفها ونعترف بها كدولة «اسرائيل«، أما كونها يهودية الكيان والطابع او غير يهودية الطابع فهذا ليس شأننا، ولسنا ملزمين بالاعتراف بتحديد هوية هذه الدولة، ولا القوانين والمجتمع الدولي يجبراننا على ذلك، وبالتالي فإن رد الرئيس أبومازن على المطالبة الاسرائيلية ينطبق تماما على الزوابع التي ما فتئت طهران تثيرها حول تسمية الخليج بـ «الخليج العربي«، فلتسم ايران الخليج او تنعته بالنعت الذي يروق لها، لكن ليس من حقها البتة فرض هذه التسمية على سبع دول عربية مطلة على الخليج (عمان، والامارات، والسعودية، وقطر، والبحرين، والكويت، والعراق) أو على 22 دولة عربية. ومثلما نعترف بأننا لن نجد ولو فارسيا واحدا في العالم مما يقارب 75 مليون ايراني لا يستهويه نعت الخليج الا بـ «الفارسي«، سواء من قوى المعارضة ام من الحكومة، فيجب على ايران ان تعترف بأنها لن تجد عربيا واحدا مما يقرب من اكثر من 350 مليون عربي لا يعرفون مسمى هذا الخليج الا بـ «الخليج العربي«.
وهي، طهران، لم تعد تحتج على نعت الخليج بـ «العربي« وتصر على أن ينعته كل العالم بـ «الفارسي« فحسب، بل انها باتت لا تتورع عن الاحتجاج علي اي وصف للجزر العربية الاماراتية الثلاث التي تحتلها منذ عام 1971م بأنها «جزر اماراتية محتلة« باعتبارها جزرا ايرانية حررها الشاه من الاحتلال العربي وورثها النظام الثوري الاسلامي الجديد الحالي.
وربما القليلون الذين يعلمون بأن اول من نعت الخليج بـ «الفارسي« ليس الفرس بل هم الاغريق ثم الرومان وذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون غير سواحله الشمالية الشرقية الايرانية حاليا التي تمر بها الطرق البرية الى الهند الهدف المبتغى لكل الغزاة والفاتحين، في حين كانت السواحل الجنوبية الغربية المتصلة بالجزيرة العربية مجهولة لأولئك البحارة الاجانب.
وقبل ان يصطلح على نعت الخليج بـ «العربي«، اصطلح على تسميته، في مراحل تاريخية مختلفة، بتسميات اخرى مثل «خليج القطيف«، «خليج الجرهاء«، «خليج العقير«. وفي العصر العباسي الاول كان يُعرف بـ «بحر سيراف« او «خليج البصرة«.
ومع ان الخلاف تفجر بين العرب والايرانيين حول تسميته خلال اوج المد القومي الناصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بموازاة تنامي النعرة القومية الفارسية التي غذاها ونفخ فيها شاه ايران الراحل الذي لم يكن يخفي حينها اطماعه الامبراطورية في المنطقة بما في ذلك ضم البحرين والجزر الاماراتية الثلاث، الا ان مسمى «الخليج العربي« لم يظهر في تلك الفترة، كما يعتقد الكثيرون، بل كان متداولا في العديد من الكتب والمراجع العربية قبل الحقبة الناصرية. ومن ذلك «القاموس السياسي« للدبلوماسي المصري الراحل احمد عطية الله، والمنجد الذي ظهرت اول طبعة له في اوائل القرن الفائت، ودائرة المعارف العربية التي صدرت اول طبعة لها عام 1952م.
آخر زوبعة اثارتها ايران حول مسمى الخليج جاءت على اثر امعانها الاستفزازي في نقش وكتابة «الخليج الفارسي« على الميداليات والشهادات التي ستوزع في دورة التضامن الاسلامي التي تستضيفها ايران في اكتوبر المقبل وتشارك فيها معظم الدول العربية، حيث لا يمكن للدول العربية وخاصة الخليجية القبول بهذا الاستفزاز الصريح المتعمد، في حين ممكن ايجاد مخرج حل وسط كذكر «الخليج« غير منعوت بأي صفة، دونما داع لهذا الاصرار الايراني الدؤوب على فرض تسميته بـ «الفارسي« كأنه جزء لا يتجزأ من الاراضي الايرانية.
وحتى لو كان الخليج يعرف عالميا في بعض الحقب التاريخية السابقة بـ «الخليج الفارسي« او مازال يعرف بهذه التسمية لدى جهات ومراجع غربية وعالمية اخرى، فان ذلك لا يسوغ لايران ان تفرض هذه التسمية على جيرانها في عصرنا الراهن، ولنتذكر ان البحرين كانت تطلق في حقب تاريخية على الضفة الشرقية للخليج الممتدة من البصرة الى عمان تقريبا، فهل هذا يسوغ للبحرين فرض اطلاق هذه التسمية على هذه المنطقة الشاسعة التي تتشارك فيها سواحل ستة اقطار عربية؟
واخيرا فان السؤال الذي يفرض نفسه هنا بناء على كل ما تقدم: لماذا هذه الزوابع لم تثر بهذا الحجم وبهذه الحدة من قبل طهران ابان ولاية مرشد الثورة الراحل الامام الخميني (1979 – 1989م) كالتي نجدها الآن في ولاية المرشد السيد علي خامنئي؟ أليس واضحا بجلاء ان عودة وتنامي النزعات القومية وتغذيتها الآن تأتي في سياق محاولات اشغال الشعب الايراني عن قضاياه وازماته المعيشية والاسكانية والسياسية الداخلية المتفاقمة والموشكة على الانفجار؟

صحيفة اخبار الخليج
7 يونيو 2009

اقرأ المزيد

(إصلاحات) الرأسماليات الحكومية الشرقية

بدأت التطورات السياسية في دول الشرق توضح أن الملكيات (العامة) كانت في أغلبها ملكيات حكومية بيروقراطية ولم تكن ملكيات شعبية حقيقية.
ولم يصل وعي الشعوب إلى ان تدخل بقوة لتغيير هذه الملكيات إلا بطرائق عفوية.
إن القوى البيروقراطية داخل هذه القطاعات (العامة) هي التي قررت التغيير بناء على عوامل سياسية واقتصادية معقدة. فقد رأت أن مصالحها تتعرض للخطر إذا استمرت هذه الرأسمالية المُدارة من قبلها، مع غياب تفويض الإدارة من قبل الشعوب.
ولهذا كانت (الإصلاحات) هي استمرار لعقليات الهيمنة على الملكيات (العامة) فالدول هي التي تقرر مدى ما تسميه بـ (الإصلاحات)، أي ما يُباع من هذه الملكيات وما يبقى تحت الإدارات وبأية طرائق تتم عمليات التصفية والإبقاء.
الرأسماليات الحكومية التي تديرها البيروقراطيات تعني أنها ملكيات خاصة لهذه الإدارات التي تحكمت في التصرف بها خلال عقود، وإلى أي حد هي عامة وإلى أي حد هي خاصة، هذا أمر لا يعرف أهل كل بلد تدار فيه مثل هذه العمليات الاقتصادية.
أي أننا أمام طبعة ثانية من الرأسماليات الحكومية الشمولية، التي تقول إن هذه الملكيات هي عامة ولا يمكن بيعها كلها، ولابد من الاحتفاظ بها كأساس للتنمية (الوطنية). رغم أن هذه الأملاك العامة في حالة خسائر مستمرة.
وللبيروقراطيات طرائق تحايل عريقة ولكن أمام تباطؤ تطور هذه الملكيات وخسائرها والاثراء من خلالها لدى هذه البيروقراطيات بحيث غدا هذا الفساد مشكلة وفضيحة داخل أقسام أي طبقة حاكمة.
وهنا تطرح مسألة مهمة هل تغدو الإصلاحات طرق تحايل جديدة على الإصلاحات، أي يظهر شركاء جدد يمدون نفوذهم في الأملاك (العامة)، أم أن العملية جدية في هذا الإصلاح؟
ومن الواضح في البلدان الشرقية عموماً أن الصراع يدور حول فوائض المواد الخام الثمينة، كالبترول والغاز والفوسفات والمناجم وغيرها، وإصرار البيروقراطيات على التحكم في هذه الثروة وتوزيعها بطرائق مُلتبسة، وأبعاد الرقابة الدقيقة عنها.
وتترتب على ميوعة توزيع الفوائض والتباسها حتى لدى المشرعين نظراً لتحكم الحكومات في تمويه الاتفاقيات الاقتصادية بين الحكومات والشركات المحلية أو العالمية، وكون هذه الاتفاقيات جرت في أزمنة الشمولية وغياب المعلومات لدى الرأي العام، استمرار الاختلالات في البناء الاجتماعي لكل بلد واستمرار الاضطرابات.
ونتيجة لأن إصلاحات الرأسمالية الحكومية الشمولية هي نسخة مستمرة للرأسمالية الحكومية المهيمنة فإن الأحوال تبقى على ما هي عليه ان لم تزدد سوءا.
أحياناً تغدو الإصلاحات تفكيكاً لدولة كبيرة كالاتحاد السوفيتي، حيث تقوم البيروقراطية الأساسية وهي البيروقراطية الروسية في هذه الحالة بتملك أغلبية الثروة العامة للاتحاد السوفيتي، وهو أمرٌ أدى إلى إنفلاش الاتحاد وتحكم البيروقراطية الروسية بقوة في اقتصاد البلد وزاد هذا من الأثرياء الكبار إلى درجة هائلة!
وفي الصين ظهر أصحاب الملايين فوق عمل شعبي رخيص وهائل.
فكيف يغدو (الإصلاح) زيادة هائلة في الإثراء الفاسد؟
حدث هذا خاصة مع زيادات أسعار النفط، ونرى ان الصراعات بين الكتل الحاكمة، تتفاقم مع هذه الزيادات ومع ظهور وسائل إثراء جديدة. فتظهر قوى سياسة جديدة تقول بأنها تقوم بإصلاحات نظراً للوضع الاقتصادي السيئ السابق، في حين أنها تريد وضع اليد على ملكيات الدولة أو أنها تريد توسيع حضورها الاقتصادي.
كذلك فإن أدوات الرقابة على الملكيات(العامة) ضئيلة جداً في هذه الدول ذات الملكيات العامة السائدة، نظراً لغياب البرلمانات والنقابات والصحافة الحرة خلال عقود، وهي إذا ظهرت تكون مقيدة بشكل كبير ومغلولة الأيدي عن الفعل المغير.
فإذا كانت الدول تملك 80% من الشركات الكبرى الإنتاجية المنتجة لفائض القيمة الوطني، وهي بهذا تتحكم في توجيه معظم الدخول، وتشكل الإدارات الحكومية والاقتصادية العامة كيفما تريد، ويغدو أغلب المواطنين وغير المواطنين يشتغلون لديها أو لدى قوى الرأسمال الخاص التي نمت تحت أجنحتها، فإن الديمقراطية والانتخابات والكتل السياسية تغدو من إعدادها للمسرح السياسي.
ولا عجب بهذا ان يستطيع حزب حكومي نبت بين ليلة وضحاها ان يسيطر على الأغلبية البرلمانية. أو ان صيغاً مشابهة تحدث في بلدان أخرى، كلها لا تغيّبُ هذه الحقيقة، بل تلونها حسب أوضاع وتطورات كل بلد.
فإذا استمر الفساد الاقتصادي كيف يمكن ان تجري إصلاحات؟
الخطورة ان تضاف قوى جديدة تشارك في العمليات الاقتصادية الغامضة، فيظهر مستثمرون مفاجئون وشركات وهمية جديدة، وقادة سياسيون كبار يظهرون بين عشية فاسدة وضحاها، وتبرز صحفٌ جديدة ذات إمكانيات هائلة وأصحابها معدمون، وتلعب الأجهزة الحكومية الإعلامية دوراً نشطاً في تصعيد مثل هذه الفقاقيع السياسية والثقافية.
وفي خلال هذه الهوجة (الديمقراطية) تكون الأجهزة الحكومية والشركات الخاصة المتداخلة معها قد توغلت في مناطق استثمار جديدة واقتنصت ثروات خيالية، في حين أنها تماحك على الفلوس الصغيرة الموجهة للعاملين.
هل هي طبعة جديدة من الرأسمالية الحكومية الفاسدة الشرقية في حالة توسع، أي ان العملية هي تحسين صورة معينة وإبقاء الجوهر على ما هو عليه؟
هل تتمكن الأدوات الديمقراطية الشاحبة ان تفعل شيئاً مع صراعاتها ونشوء أحزاب كثيرة وصراعات هذه الأحزاب مع بعضها البعض؟
بل ان بعض الرأسماليات الحكومية تقوم بتحميل العاملين فاتورة ما أفسدته في الاقتصاد وما يجري من تباطؤ في التطور الاقتصادي ومن ميزانيات هزيلة ومن تآكل للملكيات(العامة) بأشكال متعددة كالقيام بخصخصة للوزارات ذات الأهمية الجماهيرية كالكهرباء والبريد والمواصلات العامة والمياه وترك الموارد العامة الغنية تائهة أو غامضة الوضع.
عملية تغيير الطبعة الثانية من الرأسماليات الحكومية الشرقية صعبة ولا شك، ومسألة نمو الحريات الديمقراطية تحتاج لقوى شعبية ومعرفية وسياسية هائلة متعاونة.

صحيفة اخبار الخليج
7 يونيو 2009

اقرأ المزيد