المنشور

السيناريوهات الثلاثة… وربما غيرها!


 

هناك ثلاثة سيناريوهات للمشهد السياسي الكويتي في مرحلة ما بعد الانتخابات… أولهما: سيناريو إعادة إنتاج المشهد السياسي المأزوم من جديد واستمرار الوضع على ما كان عليه… وثانيهما وثالثها: سيناريوها إعادة تشكيل المشهد السياسي على نحو جديد إما نحو الأسوأ أو نحو الأفضل… ولعلّ هناك من الشواهد والإشارات ما يعزز احتمال حدوث هذا السيناريو أو ذاك من السيناريوهات الثلاثة على الرغم من التفاوت الكبير بينها!
فتتعزز على سبيل المثال فرص سيناريو إعادة إنتاج المشهد السياسي المأزوم نفسه مجدداً وذلك إذا جاءت مخرجات الانتخابات مشابهة لسابقاتها، اللّهم إلا في تغيير بعض الوجوه والأسماء، لأنّ معايير تصويت الناخبين ثابتة لم تتغير، ولأنّ طبيعة الاستقطابات الطائفية والقبلية والعائلية والفئوية والمصلحية المؤثرة على اتجاهات الناخبين في هذه الانتخابات لا تزال باقية على ما كانت عليه في الانتخابات السابقة… وتتعزز فرص هذا السيناريو أكثر إذا لم يختلف التشكيل الحكومي المقبل عن التشكيل الحكومي السابق، وكان امتداداً له، مع تبديل جزئي في بعض المناصب والمسميات وشاغليها.
أما سيناريو إعادة تشكيل المشهد السياسي على نحو جديد فتتمثّل مؤشراته ودلالاته في أنّ هناك مزاجاً عاماً في صفوف الناخبين تدفع بهم نحو إحداث تغيير ما في اتجاهات تصويتاتهم، وأنّ نسبة التغيير في تركيبة المجلس المقبل قياساً بالمجلس المنحلّ بلغت قبل إجراء الانتخابات نحو 26 في المئة بخروج 13 نائباً سابقاً من حلبة المنافسة الانتخابية، وأنّ التغيير بعد الاقتراع لن يقل عن تلك النسبة، بحيث سنجد أنفسنا أمام مجلس جديد ومختلف عن المجلس السابق… ومن الجانب الحكومي فإنّ الاتجاه العام هو إحداث تغيير حكومي واسع لن يقتصر على الوزراء وحدهم… بالإضافة إلى ما شهدته التيارات السياسية والكتل النيابية من تغييرات ملحوظة، حيث انتقلت «الحركة الدستورية الإسلامية – حدس» إلى صفوف المعارضة، في الوقت الذي برز فيه تمايز في صفوف التيار التقدمي أو الليبرالي بين «المنبر» و«التحالف» فيما تواجه «كتلة العمل الشعبي» تحديات جدية بتقلّص عددها… وفي هذه الحالة فإنّ تركيبتي المجلس والحكومة المقبلين ستختلفان عما سبق، وكذلك ستتغير أوضاع التيارات السياسية والكتل النيابية وتتبدل اصطفافاتها، وهذا ما سيدفع باتجاه إعادة تشكيل المشهد السياسي الكويتي بعد الانتخابات على نحو جديد ومختلف عما كان عليه قبل الحلّ… وإما أن تكون إعادة تشكيل المشهد السياسي على نحو أسوأ مما كان عليه، خصوصاً في ظل التوجهات غير الديمقراطية والإجراءات الاستثنائية غير المسبوقة تجاه عدد من المرشحين، التي صاحبت الانتخابات لأول مرة، وربما تكون مقدمة لنهج مستمر بعدها يأخذ هذا الطابع ويتكرّس كواقع، بالإضافة إلى تزايد الاستقطابات والنعرات الطائفية والقبلية والفئوية والمناطقية في المجتمع الكويتي وتأثيراتها السلبية على الانتخابات وعلى مرحلة ما بعد الانتخابات… أو أن تكون إعادة تشكيل المشهد السياسي الجديد على نحو أفضل مما كان عليه هذا المشهد قبل الحلّ، وذلك لأسباب منها التوجّه الملحوظ لتمكين المرأة وانتخاب عدد من المرشحات إلى عضوية مجلس الأمة، وما يبدو أنّه حركة بندول الساعة في انتقال المزاج الانتخابي والتوجّه السياسي، واحتمال إعادة بعض الاعتبار إلى التيار التقدمي أو المدني في المجتمع الكويتي، وأخيراً فشل المحاولات التي جرت لفرض توجّهات غير ديمقراطية خلال الانتخابات والاضطرار للتراجع عن الإجراءات الاستثنائية، التي تمّ اتخاذها. 
باختصار فإنّ السؤال القائم أو الأسئلة المطروحة، ترى هل سنواصل دوراننا المرهق في الحلقة المفرغة للوضع المأزوم؟… أم سيترافق هذا الدوران المرهق مع تدحرج أخطر وانحدار أسوأ وسقوط أسرع نحو الهاوية لا قدّر اللّه؟… أم لعلّنا سنجد لأنفسنا مخرجاً بديلا نستأنف بعده المسار فنلتفت نحو مشكلاتنا الجدّيّة وقضايانا الأساسية ونحاول ما أمكننا أن نلبي استحقاقات الإصلاح المؤجلة ونحقق متطلبات التنمية المهملة؟!
 
جريدة عاالم اليوم 4 مايو 2009

اقرأ المزيد

“التقدميّ” يتهيّأ لعقد مؤتمره الخامس


سيلتئم أعضاء جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي( اختصارا ‘’التقدمي’’) في اجتماع عام رسمي (المؤتمر الخامس) يوم الجمعة المقبل الموافق 15 مايو/أيار 2009 في مقر جمعية المهندسين العتيد، تحت شعاره الرئيس ‘’الحوار الوطني الشامل طريق لوقف التراجعات السياسية وصون الحريات ونبذ الطائفية’’ وشعارين فرعيين، ‘’لا إصلاح بدون إصلاحيين’’ و’’ قانون عصري موحد للأسرة.. ضرورة ملحة’’.

سيناقش المؤتمرون- بالطبع- في جو ديمقراطي وبكل شفافية وحرية أمورهم المشتركة ومسيرة جمعيتهم السياسية عامة وتفاصيل عملهم ونشاطهم السياسي القانوني فيما بين فترتي المؤتمر الرابع السابق، الذي كان قد انعقد في المكان نفسه في 29 فبراير/شباط 2008 والحالي. محددين، من خلال آلية النقد والنقد الذاتي، الإنجازات والأهداف المتحققة حتى الآن، منتقدين – في الوقت نفسه – النواقص والسلبيات أو الأهداف والخطط التي لم تنفذ بعد وأسباب ذلك ، بتحديد علمي واضح للعوائق والمنغصات، بُغية تجاوزها وتذليلها، الأمر الذي يصبّ – في نهاية المطاف – في عملية المشاركة المأمولة للحراك السياسي القانوني من جانب كل القوى السياسية وقنوات المجتمع المدني، التي من دونها (المشاركة الفعالة) لا يمكن لمجتمعنا التقدم حتى قيد أنملة لتجاوز عما عليه الوضع من تأزم وإحباط وتعثر بيّن للمشروع الإصلاحي برمته، بهدف تجديد الإصلاح وإعطائه دفقاً جديداً من روح التفاؤل من خلال دفع الرأي العام المحلي للمشاركة في الحراك السياسي والاجتماعي المشروع، السبيل الوحيد للتقدم والعَصْرنة والتنوير لبلدنا الفتيّ.

من المجدي في هذا السياق أن نعيد إلى الأذهان أن جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، التي تأسست في مستهل الألفية الثالثة، تحديداً في 14 سبتمبر/أيلول 2001 إبان الزخم المجتمعي في حينه، كجمعية سياسية تقدمية يسارية معتدلة، قد عقدت مؤتمرها الأول في ديسمبر/كانون الأول 2002 والثاني في يناير/كانون الثاني 2005 والثالث في بداية 2006 والرابع في 29 فبراير/شباط .2008

ويُعقد المؤتمر الخامس المقبل حيث فُتح باب الترشيح في الفترة بين 15 أبريل/نيسان 2009 حتى 6 مايو/أيار 2009 (ثلاثة أسابيع) لهيئاتها ولجانها القيادية، المتمثلة في ‘’اللجنة المركزية’’ (25 عضوا) و’’لجنة الرقابة التنظيمية أو التفتيش المركزي’’ (5 أعضاء) و’’لجنة الرقابة المالية’’ (3 أعضاء).. تقدم -حتى الآن- في حدود 30 مترشحا للجنة المركزية ومجموعة من الأشخاص للّجنتين الأخريين. هذا وقد نظمت جمعية ‘’ التقدمي’’ مجموعة من اللقاءات والورش والفعاليات، تمهيدًا وتحضيرًا لنجاح وتهيئة المؤتمر الخامس، آخذة بعين الاعتبار الاستفادة من الملاحظات والاقتراحات المقدمة من قبل الأعضاء.

غير معروف مقدماً عدد الأعضاء الذين سيحضرون المؤتمر، من أصل نحو خمسمئة عضو مسجل رسمياً في ملفات ‘’التقدمي’’ وذلك بسبب شرطٍ أساس (حسب قانون الجمعيات السياسية) لا يعطي حق حضور المؤتمر والتصويت للعضو الذي لم يكمل بعد، إجراءات تسديد اشتراكاته والتزاماته المادية تجاه جمعيته (الحد الأدنى من الالتزام والانضباط)، ولو أنه من المتوقع أن يكون عدد الحضور متواضعاً وذلك كظاهرة عامة سلبية يعاني منها المجتمع البحريني المعاصر في الظرف الآني، حيث يتسم الحراك السياسي والاجتماعي الحالي والنشاط الحزبي خاصة (حتى بين الجمعيات السياسية الدينية الجماهيرية) بالكثير من الفتور والإحباط، لأسباب موضوعية وذاتية متعددة، ليس هنا مجال الخوض فيها.

ستصدر عن المؤتمر أدبيات سياسية كثيرة، عبارة عن وثائق، قرارات، توصيات، بيانات محددة ومهمة (تُنشر كل تلك الوثائق لاحقا للعموم) تعكس، تُحلّل وتُشخّص الوضع البحريني الحالي من شتى الزوايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والوثائق عبارة عن تقريرِ اللجنة المركزية والمكتب السياسي وتقريرين مهمين (التقرير السياسي والتقرير الاقتصادي / الاجتماعي)، يمثلان وجهة نظر ‘’التقدميين’’ اليساريين في مجتمعنا فيما يتعلق بتفاصيل المشاكل الكثيرة التي يرزح تحت وطئها المواطن، على شكل اقتراحات تتعلق بالحلول والمعالجة- مرحلياً واستراتيجياً- من أجل سلكِ دربٍ سليمٍ للوصول إلى الأهداف العظيمة المأمولة من قبل المواطنين والمتمثلة في تحقيق مجتمعٍ معافى، قوامه، الحرية والديمقراطية والعدل والمواطنة الجامعة، تشييد المجتمع المدني المأمول ودولة المؤسسات والقانون المنشودة.

من المأمول أن يقرّ المؤتمر، بعد مناقشات مستفيضة، وثيقةً أو قراراً مهماً يتعلق بالضرورة القصوى للعمل المشترك فيما بين مكونات التيار الديمقراطي / العصري، الذي بات يشكل ضرورة ملحّة أكثر من أي وقت مضى لإعادة التوازن المجتمعي، في محاولة مجدية وضرورية لتأسيس ‘’خط ثالث’’ وتدشين التيار الديمقراطي / العلماني / العصري، كمظلة تجمع الجمعيات السياسية والأطراف الديمقراطية والعصرية المستقلة، لتكون بمثابة قوة مجتمعية متوازنة بين الحكم وقوى الإسلام السياسي.

كما يتوقع ويأمل الأعضاء ‘’الراديكاليون’’ في ‘’التقدمي’’ أن يناقش المؤتمر بشكلٍ جديّ وفعّال الضرورة الحياتية القصوى والعاجلة للتنمية الذاتية (الموارد البشرية) للمنبر التقدمي، لتجديد الدماء والتوجه إلى الجيل الجديد من الشباب للانضواء تحت لواء الجمعية العصرية هذه وشعاراتها، بُغية الاستمرارية والعطاء والمواءمة مع الظروف الجديدة لخلق نواة طليعية من المناضلين الشباب والانخراط في الحراك الحالي والمستقبلي. وقد تتمخض عن تلك النقاشات المفيدة والضرورية، ‘’وثيقة ما’’ أو مُسَوّدة لخطة عمل محددة، تكون بمثابة منهاج للمرحلة اللاحقة من تاريخنا الوطني القادم. 



 الوقت 9 مايو 2009

اقرأ المزيد

نزولاً على رغبة الجماهير.. !!


توقعنا أن يكون الحديث في شأن الانتخابات البرلمانية المقبلة في 2010 مبكراً بعض الشيٍء، إلا أن بعض القوى والأطراف لها حساباتها التي تجعلها ترى أن الفترة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات هي قريبة جداً لابد من الاستعداد لها من الآن، وهي محقة في ذلك دون ريب، ومن هنا فإننا لاشك سوف نشهد وفي فترة هي أقرب مما نظن دوياً متصاعداً من قبل قوى وجهات عدة قررت خوض معمعة الانتخابات وربما من جانب أطراف أخرى تريد أن توجه وترسم مسار الخريطة الانتخابية، ليبدأ الضجيج الانتخابي الذي نرجو أن يكون هذه المرة بعيداً عن المناورات والمؤامرات والمساومات والمحاصصات التي تدور حول الأبواب المغلقة أسوأ ما فيها في أصلها ومنتهاها أنها تأتي برياح خبيثة تنال من عافية البلاد وتجعل كافة الثوابت موضع جدل ومنازعة خاصة حينما تستنهض الهمم الطائفية والمذهبية وتستبعد القوى الوطنية. بصرف النظر عن أي تحليلات واستنتاجات حول طبيعة مسارات العملية الانتخابية المقبلة، أو حول طبيعة التحالفات والتفاهمات ذات الصلة بمجريات الشأن الانتخابي التي ستتكون وستتباين وستشذب وتغربل بفعل الطموحات والأدوار والحسابات والاعتبارات والمصالح وكل ما سيبنى على الشيء ومقتضاه، بصرف النظر عن ذلك قد يكون من المهم علينا من الآن أن نتابع ونراقب ما سيزخر به المشهد المحلي في القادم من الأيام من مظاهر وصور ومواقف وتصريحات وإشارات من هنا وهناك قد تشكل مفترقاً بين اختبارات واتجاهات وصراعات وانزلاقات واصطفافات ليس من اليسير حتى الآن على الأقل التكهن بها وبنتائجها. نعلم جيداً .. أنه سيظهر لنا في القريب العاجل من يصر على خلط الحابل بالنابل من أجل تكريس ثقافة التجاذب والاستقطاب، ولعلكم تذكرون الأجواء الانتخابية الماضية التي تعرض فيها المواطن لكل أنواع الضغوط والإغراءات والفزعات والخطابات التي فيها الكثير مما يثير الالتباس والتشنج والتحريض والشحن الطائفي، وليس فيها إلا النزر اليسير الذي يتوجه نحو عقول الناس بلغة الخيارات الوطنية والبرامج الوطنية. الذين يحسنون التقاط الإشارات يمكن لهم إذا شاءوا أن يتوقفوا ويمعنوا في الكثير من التصريحات والمواقف الأخيرة لنواب كثر، وأيضاً من بعض من ظهروا لنا فجأة وباتوا يعدون أنفسهم من قادة الرأي العام، أو المجتمع المدني، فمنهم من نصب نفسه وصياً على العمل الوطني ليمارس الإفتاء في كل صغيرة وكبيرة، وقرر شروط اللياقة على البعض وأعطى لنفسه الحق في منح شهادات حسن السيرة والسلوك لآخرين حيال قضايا مثارة ومثيرة في صورة يختلط فيها سوء الفهم مع سوء القصد، وأحسب أنني في غنى عن التفصيل وشرح هذه التصريحات والمواقف لأنها نشرت وباتت موثقة ومعلومة للجميع، وبات من يحسنون التقاط الإشارات على علم بأشكالها وبدافعها وخلفياتها. الذين تابعوا المشهد في الأيام الأخيرة، لاشك أنهم سيخلصون ضمن ما يمكن ملاحظته، أن هذا الذي أمامهم الآن ما هو إلا مجرد بالونات الاختبار أطلقها حتى الآن أكثر من نائب ممن أعلنوا على الملأ بأنهم لن يترشحوا للانتخابات القادمة، طبعاً ليس من نفس المنطلق الذي أطلقه النائب الكويتي السابق محمد جاسم الصقر حينما اتخذ قراره المفاجئ بعدم خوض انتخابات مجلس الأمة الكويتي والانسحاب من الحياة السياسية بذريعة أن «الحكم يحتاج إلى الرؤية، ومجلس النواب يحتاج إلى القدرة، والحكومة تحتاج إلى الكفاءة، والديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين، والإصلاح يحتاج إلى شجاعة القرار» ..
من المؤكد أن ما يثيره نوابنا ليس من هذا المنطلق ولكن حتماً من منطلقات وحسابات أخرى لا تتصل بتقييم التجربة البرلمانية، أو مستوى الأداء البرلماني، وبالمدى الذي تحقق للعناوين والشعارات التي رفعها هؤلاء النواب قبل وصلوهم إلى قبة البرلمان، رغم أنها تعرضت لكثير من القضايا وفي مقدمتها محاربة الفساد، ومن المؤسف على هذا الصعيد أن البرلمان لم يحقق خطوة فعلية على صعيد محاربته تلبي ما ينشده المواطن، ولعل تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير الذي لم يحظ بالتفاتة جادة من نوابنا حتى الآن دليل كافٍ على ذلك. نعود ونقول ليس من المنطلقات والدوافع المذكورة قرر هذا النائب أو ذاك صرف النظر عن خوض الانتخابات، ولكن وهذا هو الأرجح، هو موقف آني «يتعزز» فيه النائب ليفاجئنا بأنه عدل عن قراره نزولاً عند رغبة الجماهير، وليس ببعيد أن يقول لنا هذا المرشح أو ذاك بأنه ترشح للقيام بواجبه نحو وطنه وغيرته عليه.. وقد يكون من الخطأ أن نتوقع أن يظهر لنا هذا النائب أو ذاك ليقولا لنا بأنهما قاما بدورهما في خدمة البحرين خلال السنوات الماضية وأنهما اجتهدا وقدما ما يستطيعان لبلدهما بما يرضي الله ويرضي ضميرهما، وأنهما يتركان المجال ليتيحا الفرصة لأهل الكفاءة في خدمة الوطن. لا تتوقعوا ذلك، فنوابنا على غرار رؤساء دول وسياسيين عرب أعلنوا في يوم من الأيام انسحابهم من الحياة السياسية ثم عدلوا عن ذلك، بذريعة نزولهم عند رغبة الجماهير التي خرجت أو أخرجت في مشهد عبثي تبكي وتولول وتطالب بعودة الزعيم الملهم والقائد الفذ ليكمل مهمته المقدسة، بالطبع لن نخرج لنضغط على النواب المعنيين ليعاودوا الكرّة بالترشح لأسباب لاشك أنها معلومة للجميع. وطالما أن العجلة الانتخابية بدأت بالدوران أو على وشك الدوران .. فدعونا نستمتع بالعرض.. !!

اقرأ المزيد

يوم الصحافة العالمي


في البدء تهانينا لكل الصحافيين والكتاب والإعلاميين باليوم العالمي لحرية الصحافة، وفي هذه المناسبة يجدر بنا ان نقول: انه رغم كل المحاولات التي تود تشديد قبضتها على الصحافة المحلية إلا أنها ومنذ ثماني سنوات استطاعت أن ترتقي وتتميز مهنيا وان تتفاعل بشكل لا بأس به مع الكثير من القضايا التي تهم الوطن والمواطن كل ذلك يرجع إلى الحرية النسبية التي تعيشها البحرين بعد التحولات السياسية.

وليس هناك شك في ان حرية الصحافة إذا ما أردنا لها ان تتسع مظلتها بما يفيد العمل الصحفي على غرار الدول المتقدمة فلابد ان نعيد النظر في قانون الصحافة الحالي الذي يستدعي تعديله من خلال إلغاء المواد التي لا تزال تتمسك بحبس الصحافيين والكتاب وفقا لقانون العقوبات!! وبعبارة أخرى، هناك قيود وحواجز لا تخدم حرية الرأي والتعبير وهناك عقول يضيق صدرها من هذه الحرية ومن الصحافة المحلية التي أصبحت اليوم تمارس دورها الرقابي في إطار القانون والمسؤولية الوطنية، وبالتالي آن الأوان لنعزز هذا الدور بقانون مستنير ومتطور وهي المبادرة التي يدعو إليها جلالة الملك.

نعم .. كل هذا التغيير الذي تعيشه صحافتنا اليوم ترك أثرا أوسع مما شهدناه في الماضي وخاصة على صعيد دعم الحريات والحقوق الديمقراطية وبالتالي ومن الخطأ تماما ان نقلل من دورها كما يحاول البعض، وفي نفس الوقت من الصعب أن تكون أكثر تأثيرا وفعالية من دون شفافية ونقد، ونقصد هنا بالنقد الإيجابي المرتبط بالمسؤولية.
 
 صحافتنا التي احتفلت في الثالث من هذا الشهر باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي جاء هذا العام تحت شعار «إمكانيات وسائل الإعلام في تعزيز الحوار والتفاهم والمصالحة العامة» لم تتردد في دعم وتكريس ثقافة الحوار الوطني والتسامح والتعدد، وان كان البعض منها لا يزال تحت تأثير الطائفية والتعصب – وخاصة ان الحوار الوطني اليوم يحتل أولوية ومكانة خاصة في المجتمع البحريني، وبالتالي فإذا كان الهدف من هذا القرار القضاء على خلافاتنا الداخلية فإن ما هو ابعد من ذلك هو ان الحوار أداة حضارية متقدمة لإدارة أزماتنا من دون ان ننفي الآخر او سوء الظن أو القفز على الشرعية والدستور والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة التي تشكل هي والجمعيات السياسية أهم ملفات هذا الحوار. 

 وعلى صعيد الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، نستطيع ان نقول ان جمعية الصحفيين البحرينية لم تألُ جهدا في ذلك ويجدر بنا هنا ان نذكر مطالبتها المستمرة بتعديل قانون الصحافة الحالي، والأمر الآخر تصديها للدعاوى القضائية غير المبررة التي تعرض لها بعض الصحافيين والكتاب. وبمناسبة هذه الاحتفالية اكدت الجمعية في بيان لها على أهمية تحرك جميع الصحف ووسائل الإعلام في البحرين من اجل تكريس ثقافة الحوار والتفاهم دعما للمصلحة العامة وخصوصا في الجانب السياسي والاجتماعي، وأكدت أيضا ضرورة تمكين جميع الجهات الحكومية والأهلية للصحفيين من أداء مهامهم والحصول على المعلومات بيسر وسهولة والأمر لا يختلف أيضا بالنسبة للمواقع الالكترونية التي تعتبر نوعا من أنواع الصحافة مما ينبغي ان تأخذ حقها في التنظيم، ودعت أيضا إلى أهمية التفاف الصحفيين حول كيانهم النقابي وتعزيز تضامنهم من اجل الحفاظ على مكاسبهم والدفاع عن مصالحهم ورفع المستوى المعيشي لهم، بالإضافة الى تحديد مهام عملهم بشكل واضح وذلك لضمان حياة كريمة للصحافيين وحماية الصحفيين والمصورين من الاهانة أثناء تأديتهم الواجب المهني. 

 
الأيام 9 مايو 2009

اقرأ المزيد

عـــبث‮ ‬غـــبي‮ ‬ومــــــؤذٍ


كان يمكن أن نعتبرها مزحة ثقيلة وتعدي كغيرها من ‘القشمرات’ (المزحات) من ذات الصنف والوزن.. وكان يمكن أن نعدّيها ولا نعيرها أدنى اهتمام لو أنها كانت صادرة من صوب إحدى أمكنة وجهات الفرقعات الإعلامية ذات الأمزجة التطبيعية البائسة. ولكن بما أنها صدرت من هنا، من خليجنا العربي الذي استهدفته إسرائيل تطبيعاً أكثر من موريتانيا في المغرب العربي الكبير، فكان لابد أن تكون لنا وقفة تأملية معها..
ونعني بطبيعة الحال مطالبة مرشح برلماني كويتي يدعى صالح بهمن بأن تطبع دولة الكويت علاقاتها بشكل كامل مع إسرائيل. هو شخص مغمور قرر على ما يبدو ركوب موجة التجارة السياسية، التي كثر زوارها على أية حالة في السنوات القليلة الماضية، حتى صارت مزاراً مفتوحاً لكل من هب ودب، مدفوعين بنوازع الجشع والطمع التي غذتها ثقافة الاستهلاك والتواكلية الانتهازية على مدى سنين الطفرات النفطية الثلاث (1979 ,1973 و2003/2008) التي شهدتها بلدان المنطقة العربية في العقود الثلاثة ونيف الأخيرة.
طبعاً الرجل، وبعد أن واجه عاصفة من الاحتجاجات والاستهجانات الرسمية والشعبية الكويتية، تراجع عن تصريحاته واعتذر للشعب الكويتي عما قد تكون سببته له من أضرار (سياسية ومعنوية)، سحب ترشيحه لمجلس الأمة وأعلن التزامه بسياسة بلاده الرافضة للتطبيع مع إسرائيل. نعم حسنٌ فعل، ويا ليته لم يتفوه من ألأساس بتلك الكلمات الخفيفة والاستعراضية المثيرة للسخط والحنق لا لِكَمْ الاستفزاز الذي تنطوي عليه، وإنما لغباء وحماقة مطلقها من حيث مساهمته، هو وأمثاله من هواة العبث السياسي (المصلحي النزعة بالضرورة)، في تعظيم مشكلة خلط أوراقنا والتشويش على أولوياتنا، وإشغال المواقع التنفيذية لصناعة قراراتنا ورأينا العام بتوافه الأمور، ونحن الذين في أمس الحاجة في ظروفنا الراهنة لأعلى درجات التركيز على محور وجوهر اهتماماتنا وأولوياتنا المتمثلة في التحدي التنموي الشامل (السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي) والتحدي الصهيوني، المعيق بحد ذاته، لحركتنا على المسار الأول (التنموي) بسبب استنزافه لطاقاتنا المادية والعقلية واستحواذه على حيّزات كبيرة من أوقات ثمينة نحن بأمس الحاجة إلى استغلال كل فاصل زمني فيها وتوظيفه في الوجهة الصحيحة، ومُعادلها تحديداً، التحديات سالفة الذكر. ناهيك عن أن مثل هذه الدعوات البائسة، سواء أكان إطلاقها لإحداث فرقعة إعلامية تحقيقاً لمآرب شخصية أو فئوية صرفة، أو تحقيقاً لأهداف خاصة بمراكز قوى تذهب إلى ما هو أبعد من الفرقعة، تحمل الكثير من الإساءة لمجتمعاتنا من حيث رهنها تحسن سمعتنا وأحوالنا الاقتصادية والسياسية داخلياً وخارجياً بإقامة علاقات مع إسرائيل(!)، وهو ما يشي بإقرار ضمني بالعجز عن تحقيق ذلك بمعزل عن تحقق شرط هذه العلاقة الآثمة. إنها مرة أخرى ثقافة التواكلية! ولكن مهلاً.. ليست التواكلية وحدها هي مُحرِّك مثل هذه المجاميع والزمر الباحثة عن ‘تجسيد ذواتها’ (Self actualization) وذوات ومصالح أربابها، فهنالك الانتهازية السياسية التي عهدناها في بعض النظم العربية إذ وجدت في التقرب من إسرائيل، سراً في معظم الأحيان وجهراً في نادر الأحيان الاضطرارية، سبيلاً لنيل رضا ‘الباب العالي’ (الأمريكي حكماً) واستدرار حظوة مشروعيته وتغاضيه عن ممارساتها اللاديمقراطية. هكذا، على سبيل المثال لا الحصر، حسبها الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع عندما كان في الحكم قبل إطاحته من قبل أقرب ‘المخلصين’ له (هكذا تصور على الأقل) في انقلاب عسكري قبل نحو عامين. فلقد أجهد ولد الطايع تفكيره بحثاً عن أنجع الوسائل التي يمكن أن تحقق غايته في الاحتفاظ بالسلطة وجاه السلطة ونفوذ السلطة ومزايا السلطة، وكف ‘أذى’ المعارضة التي راحت تتكاثر وتتكتل ضده، وكذا ‘تحرشات’ المنظمات الحقوقية الدولية التي تلاحقه، وذلك عملاً بالقاعد الميكافيلية الذهبية، فكان أن اهتدى، أو تم إرشاده من قبل أقرب بطانته ومريديه ‘ومستشاريه’، إلى الارتباط مباشرة بإسرائيل أي بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها واستخدام إقامة بعض الدول العربية لمثل هذه العلاقات مع الدولة العبرية، مسوغاً لمثل هذه النقلة المغامِرة أو التوريطة الكبرى لموريتانيا في دهاليز لعبة لا نملك فيها أدنى مقومات مجاراة لاعبيها الكبار ومنهم اللوبي الصهيوني العالمي ومطالباته وإلحاحاته غير العابئة بعواقبها وبمشاعر الموريتانيين. ونتذكر كيف أن نظام معاوية ولد سيدي أحمد الطايع وجد نفسه في ورطة داخلية وإقليمية فشل من زيّن له فكرتها في إنقاذه منها بعد أن تداعت عليه مشاكل الناقمين من كل صوب، حتى من أقرب ‘حوارييه’! أمثال هؤلاء يعتقدون أن التقرب من إسرائيل (المعادل، ويا للمفارقة اللسانية الموحية، للتبرك بها)، هو بمثابة طوق نجاة ومنحلة عسل صفصاف، ليكتشفوا بعد حين إنما هي النار التي ترفع سخونة الأجسام المقتربة منها. ونتذكر أيضاً معشر رجال الأعمال العرب الذين هرولوا خلف سراب شيمون بيريز وبريق ‘مغرياته الشرق أوسطية’ إبان رواج مقاربة المسار متعدد الأطراف للمفاوضات التي أُطلقت في مدريد في عام 1991 بين العرب وإسرائيل ضمن ‘كومة’ الخدع والأضاليل التي ما فتئت الإدارات الأمريكية المتعاقبة توهم العرب بها كي تحتفظ بهم على مسار اللهاث الماراثوني لمفاوضات قطع الأنفاس. ولما كان ذلكم اللهاث ‘البزنيزي’ غير مؤسس على معايير الجدوى الاقتصادية، من حيث إن السوق الإسرائيلية، بجميع مكوناتها من سوق المواد الخام والمدخلات الصناعية الأولية، إلى سوق الصناعات الثقيلة والخفيفة، لا تتوفر على ميزات تنافسية تحفيزية تفوق ما هو متوفر في الأسواق المجاورة للأسواق العربية مثل السوق التركية والسوق الإيرانية والسوق القبرصية والسوق اليونانية والسوق الهندية، ناهيك عن الأسواق التقليدية لقطاعات الأعمال العربية – وإنما تم دفعه وتحفيزه من منطلقات سياسية صرفة، فقد كان لابد وأن ينتهي إلى فشل. خالص القول، نحن اليوم في العالم العربي لسنا في حاجة ولا في وارد فتح أقنية نقاشات عقيمة في قضايا عبثية مفتعلة قصداً بغرض إشغالنا عن أولوياتنا التنموية وتحدياتنا التي تحول حتى الآن دون استكمال بناء الدولة المدنية العربية الحديثة وترسيخ دعائمها.
 
الوطن 9 مايو 2009

اقرأ المزيد

حكايات من تاريخنا (73)

المفقود والمولود في “السلمانية”
في خضم الحقب الاستعمارية التي مرت بها بلدان العالم الثالث المتخلفة التي أضحت بعد نيلها استقلالاتها تعرف تأدبا بـ “البلدان النامية” ثمة قلة من رموز النخبة العلمية والمثقفة من البلدان المستعمِرة (بكسر الميم الثانية) ممن وقفوا مواقف موضوعية نزيهة منددين بأوضاع شعوب البلدان المستعمَرة (بفتح الميم الثانية) في ظل استعمار دولهم لهذه البلدان، أو متضامنين ومناصرين لنضالات وحركات تلك الشعوب من اجل الحرية والانعتاق من ذلك الاستعمار والسيادة الوطنية والاستقلال.
مثل هؤلاء الساسة والمثقفين والعلماء الغربيين من ذوي المواقف النزيهة الموضوعية، كشهود عيان على تلك الحقب الاستعمارية المخزية، كم نحن بحاجة الى توثيق شهاداتهم ومذكراتهم حول تلك الحقب السوداء التي رزحت خلالها شعوبنا العربية تحت نير الاسترقاق السياسي الغربي، ولكي تكون أفضل شهادات تدمغ حكوماتهم الغربية بالعار التاريخي على طريقة “شهد شاهد من أهلها”، ولكي لا يسقط حق شعوب هذه البلدان بالتقادم في محاكمة كل مجرمي تلك الحقبة السوداء ومطالبة الدول الاستعمارية بالحق في رد الاعتبار والتعويض المالي حالما تسنح الفرصة التاريخية التي تتمكن خلالها شعوب البلدان المستعمَرة (بفتح الميم الثانية) من فرض تشكيل تلك المحاكم التي تدين الدول المستعمِرة.
ولعل من الكتب النادرة التي أصدرها بعض افراد النخبة العلمية الغربية التي كانت دولها تبسط سيطرتها الاستعمارية على بلداننا العربية، كشهود عيان على أوضاع تلك الحقبة، الكتاب الذي أصدره الطبيب الانجليزي الدكتور سيسيل البورت تحت عنوان “ساعة عدل واحدة.. الكتاب الاسود عن أحوال المستشفيات المصرية (1937-1942)”، وقد صدر قبل بضعة أشهر مترجما عن “دار الهلال”، ترجمة سمير محفوظ بشير. وهذا الكتاب الموزعة مواده على 32 فصلا ويقع في 382 صفحة يرصد بدقة موضوعية الأحوال الصحية التي يئن في ظلها السواد الاعظم من الشعب المصري خلال أواخر ثلاثينيات واوائل اربعينيات القرن الماضي ابان مرحلة تاريخية مفصلية مهمة من مراحل الاحتلال الانجليزي للبلاد وكذلك أوضاع المستشفيات المصرية السائدة في تلك الفترة. ويخرج القارئ المصري أو القارئ البحريني، بل ربما أي قارئ آخر من قراء أغلب الأقطار العربية من الكتاب وكأن مؤلفه يتحدث عن اوضاع مستشفيات مصرية وبحرينية وعربية معاصرة راهنة مازالت كما هي على حالها إداريا وعلاجيا منذ الحقبة الاستعمارية حتى يومنا، هذا بالرغم من انقضاء ما يقرب من نصف قرن أو اكثر على انتهاء تلك الحقبة الاستعمارية السوداء.
ولعل واحدة من اكثر الطوائف التي هي من جنس شر البلية ما يضحك والتي وردت في الكتاب الذي سنعود للحديث عنه مستقبلا، تلك المتعلقة بأصل المقولة الشعبية المأثورة الشائعة على ألسنة البحرينيين منذ سنوات طوال، كتعليق ساخر مرير على تردي أوضاع وخدمات مستشفى السلمانية نتيجة لتفشي وتراكم الأوضاع العلاجية والادارية المزرية التي تفتقر إلى النزاهة والشفافية: “من يدخل السلمانية مفقود ومن يخرج منها مولود”، فقد اتضح لي من قراءة الكتاب ان هذه المقولة رددها المصريون قبل البحرينيين منذ عشرات السنين، وتحديدا منذ حقبة الاستعمار الانجليزي، ولاسيما الفلاحون البؤساء منهم قائلين: “من يدخل القصر العيني مفقود ومن يخرج منه مولود”.
والراجح عندي ان احد خريجي كلية طب القاهرة، ربما من جيل أواخر الستينيات أو السبعينيات، قد سمع بهذه المقولة تتردد إما على ألسنة زملائه طلبة الطب المصريين وإما على ألسنة مرضى القصر العيني، وهو المستشفى الخاص بتدريب طلبة كلية طب القاهرة، وراق له أن يرددها بين زملائه ومرضاه البحرينيين بعد توظيفه، حتى شاعت وترسخت كمثل شعبي حديث على ألسنة عوام الناس كلما تذمروا وشكوا أحوالهم ومعاناتهم المريرة الادارية والعلاجية المزمنة من مستشفى السلمانية.. هذا مع تحوير “القصر العيني” في المقولة المصرية إلى “السلمانية” – لكن ليسمح لنا اشقاؤنا المصريون بهذه السرقة الأدبية اللطيفة، ألسنا كلنا في الهم شرق؟
 
صحيفة اخبار الخليج
7 مايو 2009

اقرأ المزيد

أصوات الأدلجة

تنطلق أصوات الأدلجة من المصالح الذاتية، تتحجر عند هذه المصالح، لا ترى آفاقاً أخرى، ترى كل شيءٍ جديد بعينِ الماضي، تسحبُ الموضوعات نحو دائرتها، تتظاهر بالتطور، وتتظاهر بأنها مع العالم وتغيراته السياسية، ولهذا لا تدرسُ بشكلٍ موضوعي.
لم تعط الجماعاتُ المهيمنة على السلطات لدوائر المثقفين هذه إمكانياتِ اكتشافِ أشياء جديدةٍ حتى داخل هذه المصالح المحصورة.
هو عزفٌ منفرد، وشدُ حبلٍ، ومواقعُ الأقدام ثابتة لا تتزحزح سوى بضع سنتيمترات، أصواتها معروفة مسبقاً، فهي جوقاتٌ تمارسُ الكلام نفسه، بألفاظٍ مختلفة، ثم تصعدُ الأصواتُ الأسوأ لأنها قادرة على قول الكلام نفسه بعبارات أكثر عامية وسطحية وحادة.
وتغدو المؤتمراتُ العربية هي إعادة جلب لهذه الأصوات على مستوى إقليمي، ولسانُ الحالِ يقول: “نحن نريد من يؤيدنا من الخارج، نريد أن نلمع شعاراتنا ببعض الوجوه المعروفة”.
ويُفترض في المؤتمرات الفكرية أن تكون حرة شفافة، فيها أصواتٌ متصادمة، والحقيقة لا تظهر إلا بصدام الأفكار. إن تقارع الأقطاب يولدُ شرارات المعرفة، أما السكون، والصوت الواحد، فينتجان الضفادع.
حتى أثينا الديمقراطية لم تقبل بسقراط المتسائل المشاغب فكراً، الذي لم يتأدلج طارحاً فقط أهمية السؤال.
وحين أطلقوا على السوفسطائيين ألقاب المشعوذين والانتهازيين، كان هؤلاء في الواقع يدركون نسبية الحقيقة، وأن ما هو صحيح عندك قد يكون خطأ لدي، ما هو جميل عند ملاك العبيد قد يكون قبيحا عند التجار الصغار وبشعا جدا عند العبيد أنفسهم، ولكن العبيد لم تكن لهم أصوات.
في أوضاع الرأسماليات الحكومية العربية تـُنتج أدوات السيطرة المختلفة، ولا تستطيع أن تنتج معارضة حقيقية، ديمقراطية، لأن السيطرة على الأملاك العامة مدة نصف قرن، جعلت من المستحيل نشوء عقول وطنية ديمقراطية واسعة الانتشار، ولهذا فإن الأصوات الحرة غير موجودة، وهي الأساس الذي تبنى عليه ديمقراطية الحداثة.
لكن لدينا ديمقراطية الكراسي، فالناس ليس لها خيار، هي مجرد كائنات أمية تـُنقل بالباصات، وتـُحشد للتصويت، وكل منها يقبضُ شيئاً يسد به رمق أسرته.
ويتم إلحاق أغلبية “المثقفين” بالأجهزة الحكومية وطرق دعاياتها، وهؤلاء تمتنع عقولهم عن رؤية طرق أخرى خارج مأزق ديمقراطية الكراسي، فهم يركزون في ضرب الخصم المكتف، غير القادر على الوصول إلى تلك الشركات الكبرى وخيراتها، والخصم محدد لدى هذه الشركات ومسئوليها السياسيين. والهجوم عليه بسيط، فهو متخلف وعدو للحداثة والتقدم، أو على العكس هو منحرف عن الدين، كافر، متفرنج.
ثم يصير المعسكران في كل بلد ثم على مستوى المنطقة العربية الإسلامية.
إذا كانت الحكومات تسيطر على 80% من شركات الإنتاج الكبرى فكيف يمكن ظهورُ أصواتٍ أخرى؟
هذا هو السؤال.
وتغدو المسألة أكثر خطورة حين لا تجد الحكومات أصواتاً عاقلة، عميقة التفكير من بينها، ويتعبها الصراع فتلجأ إلى الطبالين والمؤججين للصراعات بسوء كلماتهم وانعدام الثقافة لديهم.
لا أحد يقول “دعونا نفتش عن قصورنا كذلك، إن هذه أزمة عامة تحتاج إلى تنازلات مشتركة، إلى صعود المديرين الأكفاء للشركات العامة، إلى زوال الفواتير المتعددة للعملية الاقتصادية الواحدة، إلى إبعاد الأرض عن المزاد السياسي، إلى جعل المذهب خارج المعارك الاجتماعية”.
حتى كبار من يسمون المفكرين يعيشون في الماضي، في الدولة القومية أو الدولة الدينية المنتصرة على الاستعمار والكفر، شعارهم “نحن فقط، والآخرون هم أعداء”، وكل من لديه المشروع القومي الطارد للغرباء ، أو المشروع الديني الطارد للكفار، هو المصيب، والتفافاته وتكتيكاته مقبولة مهما فعل.
وهذه الشعارات ثقافة متأصلة بقوة كبيرة، فهذه الأمم العربية الإسلامية ذات المجد والتاريخ تجد نفسها ملحقة في العربة الأخيرة في قطار التاريخ البشري، وظهرت على سطح قرن التحديث وهي مربوطة بسرتها للقرون الوسطى لاتزال تعيش على فتاتها، لم تحصل على فرص إزالة الأمية والدخول في قوى الإنتاج العصرية. لهذا تركض وراء الشعارات العامة المسطحة المدغدغة لمكامن جراحها، التي تزيدها جراحاً.
وأعضاء الحكومات والمعارضات يشتركون في هذا الخليط الفكري، وكل منهم يقول: “لم نخطئ في شيء”، وإذ يقول قائلٌ منهم: إننا نريد تطبيق الديمقراطية الحديثة الغربية، لا يكلف نفسه عناء رؤية سيطرة الشركات الحكومية على الاقتصاد، وهذا الواقع غير موجود لدى “الديمقراطيات العريقة” في الغرب، فكيف تنشأ ديمقراطية فوق سيطرة حكومية شبه كاملة على الحياة؟
ومن هنا تظهرُ الأدلجة فيقال: “نحن أمة لنا عاداتنا كذلك، لنا خصائصنا المختلفة عن الغرب، ليس كل شيء في الغرب صالحا لنا”.
تظهر وتتصاعد الاستثناءات حتى تزيل الديمقراطية، وتغدو مظهرا خارجيا للمناسبات.
ويقول المذهبيون السياسيون المحافظون بدورهم: “أمة الإسلام أمة مختلفة، لها تكوينها الخالد الباقي على مدى الزمان، والكثيرُ مما يجري في الغرب بعيد عنا، خاصة فيما يتعلق بالأسرة والأخلاق”.
ترحيبٌ حذرٌ شكلاني بالديمقراطية وعدم قبول عميق بها. هو تظاهرٌ بمسايرة العصر، لكن في الأعماق رفض له.
الفريقان يعملان لمصلحتيهما، كل من موقعه، ويتصادمان فوق التبيانات الصغيرة ونقاط التماس الضيقة المحصورة بينهما، فتأتي الديمقراطية لتزيد الالتباس عند المواطن العادي عن هذه الديمقراطية، فهي ديمقراطية توسع الشقة وتعيدُ كل بلدٍ لمرحلةٍ سابقة من الصراع المتخلف، فكل طرفٍ حكومي أو معارض لا يريد أن يتزحزح عما تحت يده من نفوذ.
ومن هنا نرى أن إشكالية “مثقفي” الجانبين إنما تكمن في تسخين الموقف بين الطرفين المتنافسين، في ديمقراطية الكراسي، بدلاً من الغوص في إشكالية مثل هذا الصراع المتخلف، وهي مناوشات تأخذ السطوح والحوادث البارزة والمشكلات الطافحة لتحولها إلى هجمات ضد الطرف الآخر، فأي مشكلة تـُعزل ويغدو الطرف الآخر فقط هو المسئول عنها كمشكلات المواطنين العاديين الذين يقعون ضحايا لسوء الخدمات فحتى هذه يمكن للطرفين العمل لحلها معاً، فالطرفان يمتلكان موارد ومواقع اجتماعية كبيرة، ويمكن أن يقوما بخطط مشتركة، لكن هواجس الصراع تتغلب على التعاون.

صحيفة اخبار الخليج
7 مايو 2009

اقرأ المزيد

مَن ضد الحوار إذاً؟

قبل أقل من شهر كانت دعوتنا للحوار الوطني موضوعاً لاستهجان العديدين: أسئلة وراء أسئلة انهالت علينا في الحوارات والكتابات: الحوار حول ماذا؟، الحوار مع مَن؟، مَن سيحاور مَن؟. انقلب الأمر اليوم، فالجميع مع الحوار. الحكومة مع الحوار وتطالب به، المنبر الإسلامي وجمعية الأصالة وغيرهما مع الحوار، مع الحوار أيضاً الجمعيات السياسية المعارضة بكافة أطيافها، وبالحوار أيضاً يطالب حسن مشيمع وحركة حق، وبه يطالب عبد الوهاب حسين والمقداد، وربما يطالب به جاسم السعيدي أيضاً. مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية هي الأخرى ترى في الحوار مخرجاً. صحافتنا الوطنية لم تشذ عن القاعدة: افتح كل صحفنا اليومية بدون استثناء واقرأ الافتتاحيات والأعمدة الصحافية، حتى غلاة من كانوا قبل شهر فقط يستهزؤون بفكرة الحوار في أعمدتهم، انقلبوا بين عشية وضحاها ليصبحوا دعاة حوار وطني، الذي لم يكن له قبل حين، حسب رأيهم، أي ضرورة، فسبحان مغير الأحوال. هناك تطور جديد مهم: المجلس الوطني بغرفتيه، وكل الكتل النيابية، وكل أعضاء مجلس الشورى دعاة أشداء للحوار جميل جداً. لا أحد ضد الحوار اليوم، كل البلد مع الحوار: حكومة وشعباً ومجلسا النواب والشورى والصحافة والفعاليات، لكن يظل السؤال المحير عالقاً في الهواء: أين الحوار؟ المنبر التقدمي قال في بياناته وكتابات كوادره أن لديه من الواقعية والحنكة ما يجعله يدرك أن الحوار مهمة شاقة وطويلة ومعقدة، ويدرك « التقدمي» أن الحوار لن يبدأ في العاشرة صباحاً لينتهي عند الواحدة بعد الظهر، وقد حل مشاكل البلد المتفاقمة منذ ثلاثين عاماً وأكثر. قلنا أننا نريد حواراً، وطنياً، شاملاً، تنظمه آليات مستديمة، وقلنا أيضاً أنه يجب أن يكون للسلطة التشريعية دور مهم في هذا الحوار، بالنظر لكونها من أهم المؤسسات الدستورية في البلاد، ولأنها تمثل قطاعات شعبية كبيرة، لكنها مع ذلك لا تغطي كل الفضاء السياسي والمدني في البلاد، مما يتعين التفكير في صيغة لتمثيل بقية القوى غير الممثلة في المجلسين. رغم ذلك نقول نحن نسمع جعجة ولا نرى طحيناً. يريد المجلس الوطني بغرفتيه أن يتصدى لمسألة الحوار؟ فليكن، لكن أين هي الخطوات العملية التي أقدم عليها المجلس، أين هي المرئيات والتصورات والآليات التي ستدار بها عملية الحوار، وما الموضوعات التي سيبحثها هذا الحوار، ومن هم أطراف هذا الحوار. من حقنا، نحن في المجتمع المدني، أن نعرف أجوبة على كل هذه الأسئلة وسواها، لنختبر مدى جدية الأمر، ولكي تكون لنا كلمتنا بصدد الموضوع برمته. وعود على بدء: الكل يدعي وصلاً بالحوار، وفي حدود علمنا لا أحداً يجاهر بأنه ضده، لكن أين هو الحوار، أو للدقة والموضوعية والإنصاف: أين هي خطوات الإعداد والتحضير له. هاتوا برهانكم.
 
صحيفة الايام
7 مايو 2009

اقرأ المزيد

لبنان ودلالات الإفراج عن الضباط الأربعة

ينطوي افراج المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري عن الضباط الاربعة الموقوفين على ذمة القضية كل من: اللواء جميل السيد (المدير العام السابق للأمن العام) والعميد ريمون عازار (المدير العام السابق لمخابرات الجيش) واللواء علي الحاج (المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي)، والعميد مصطفى حمدان (القائد السابق للحرس الجمهوري).. ينطوي هذا الافراج على دلالات ودروس مهمة على الاصعدة المحلية والعربية والدولية، بصرف النظر عن التجاذبات السياسية التي تشهدها الساحة اللبنانية الداخلية الآن حول هذا الحدث، والتي زاد من سخونتها صدور القرار عشية معركة الانتخابات النيابية والمنتظر ان تكون من اكثر الانتخابات اهمية في تاريخ تقرير مصير ومستقبل لبنان السياسي المنظور منذ اول انتخابات نيابية شهدها لبنان بُعيد استقلاله في أوائل اربعينيات القرن الماضي، وحيث يحاول كلا التحالفين الكبيرين المتصارعين: تكتل 14 آذار الحكومي، وتكتل 8 آذار المعارض، توظيف الحدث لصالحه ولاسيما الطرف الأخير بقيادة حزب الله ذي القاعدة الجماهيرية العريضة في معظم مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية للعاصمة ذات الكثافة السكانية.
ومع ان التحليلات السياسية اللبنانية والعربية تركزت في تناول أبعاد انعكاس قرار المحكمة على التجاذبات والاصطفافات المحلية، وعلى السيناريوهات المتوقعة لمسار المحكمة، وعن المتهمين الحقيقيين المجهولين بعد الافراج عن الضباط المتهمين الأربعة، إلا ان هذه التحليلات غاب عنها تناول دلالات الحدث السياسية الكبيرة الأعمق في مغزاها لبنانيا وعربيا ودوليا:
فأولا: ان صدور قرار المحكمة بالافراج عن المتهمين الضباط الأربعة إنما يبطل نظرية المؤامرة العربية الصماء بأن أي محكمة دولية تتشكل للتحقيق في قضية توجه فيها أصابع الاتهام الى رموز أو اطراف عربية مستهدفة من الولايات المتحدة والغرب أو في حالة عداء لحظة تشكيل المحكمة هي بالضرورة غير نزيهة واحكامها معروفة سلفا لصالح الولايات المتحدة والغرب.
ليس معنى ذلك ان كل محكمة دولية هي بالضرورة بمنأى عن محاولات التجاذبات بين القوى الدولية لمحاولات توظيفها أو تسييسها كل لصالحه لكن تبقى الساحة الدولية بمثابة حلبة من حلبات معارك “فن الممكن” الذي تتصارع عليه مختلف القوى ولاسيما المحاكمات الطارئة كمحكمة قضية اغتيال الحريري.
وبهذا المعنى فإن قرار المحكمة الدولية لا يدلل على امكانيات صدور قرارات نزيهة ضد إرادة الغرب، بل يفضح القرار بعض الرؤساء العرب المتطيرين من مجرد اتهامهم في أي قضايا جرائم الحرب وحروب الإبادة من مجرد المثول أمام محكمة الجنايات الدولية والدفاع عن أنفسهم دوليا من داخلها.
ثانيا: إن قوة المرافعات الاعلامية التي أبرزها كل من الضباط الاربعة في الدفاع عن انفسهم بعد سويعات معدودة من الافراج عنهم، بصرف النظر عن مدى دقتها جزئيا او كليا، انما تعكس تقاليد المناخ الديمقراطي في لبنان العريقة، ومن ثم ثقتهم المطلقة ليس ببراءتهم فحسب، بل بممارستهم حقوقهم الكاملة في حرية التعبير من دون أي وجل من سوقهم مجددا للاعتقال بسبب ممارستهم هذا الحق، الأمر الذي لا نجد له وضعا مثيلا في سائر الدول العربية التي تطغى عليها في الغالب الأجواء والتقاليد الشمولية، وحيث غالبا ما يخرج المفرج عنهم سياسيا وهم مثبطون أو حذرون جدا في تصريحاتهم الصحفية حتى لو كان الافراج قد جاء بمقتضى احكام قضائية بالبراءة، هذا ما لم يلوذوا اصلا بالصمت والانكفاء على ذواتهم في منازلهم.
ومن نماذج هؤلاء المعتقلين خذ – على سبيل المثال لا الحصر – التصريحات الاعلامية التي يدلي بها عادة من يتم الافراج عنهم احيانا من معتقلي الرأي السياسي من قوى ورموز سياسية كبيرة في دولة جمهورية مجاورة للبنان، هذا إذا ما سمح لهم اصلا بأن يخاطبوا وسائل الاعلام المحلية والعالمية بحرية تامة.
ثالثا: كان واضحا من شهادات وتصريحات الضباط الأربعة المفرج عنهم كل على حدة ان ظروف الاعتقال والسجن الانسانية كانت جيدة على نحو لا تعرفه سجون معظم الدول العربية على اختلاف انظمتها السياسية. صحيح ان من العوامل التي لربما ساعدت على توفير هذه الاجواء الحقوقية الانسانية الجيدة داخل سجن “رومية” اثناء توقيفهم رتب الضباط الاربعة الرفيعة فجميعهم رؤساء لأكبر الاجهزة الأمنية الرئيسية في البلاد، وصحيح ايضا ان ثمة رقابة قضائية دولية على احوال توقيفهم بما ان التوقيف جرى بمقتضى قرار قضائي دولي، إلا ان من الصحيح أيضا ان تلك الاجواء الاعتقالية ما كانت لتتوافر لو لم يكن في لبنان نظام ديمقراطي، بغض النظر عن صيغة المعادلة الطائفية التي يقوم عليها هذا الكيان، وبغض النظر أيضا عن اجواء الاصطراعات السياسية المتفجرة المحتدمة التي ما انفك يعيش في ظلها منذ اكثر من 35 عاما.
ولعل عشرات الاقلام الجميلة والمتنوعة الماركات التي نثرها جميل السيد على الطاولة في حواره مع قناة “المنار” في اليوم التالي من الافراج عنه والذي استغرق اكثر من ساعتين ليدل بها امام المحاور على ما كتبه من مذكرات عديدة اثناء توقيفه لتدلل بدورها – الاقلام – على جانب من تلك الاجواء الاعتقالية الايجابية التي عاش في ظلها أولئك الضباط الاربعة طوال ما يقرب من 4 سنوات والتي يفتقر إليها عادة المعتقلون السياسيون في السجون العربية.
رابعا: ان سرعة امتثال القضاء اللبناني لقرار المحكمة الدولية باطلاق سراحهم تحسب ولو نسبيا لصالح هذا القضاء لا عليه، وان الذين يشككون في نزاهة القضاء اللبناني ينسون استحالة ان يكون أي “قضاء” في الدنيا تعصف ببلاده صراعات مريرة مزمنة كالقضاء اللبناني ان يكون بمنأى تام كامل عن هذه الأجواء المريضة العاصفة، والا لكان القضاء خير من يحتكم إليه الفرقاء لتسوية الصراع المحلي.

صحيفة اخبار الخليج
6 مايو 2009

اقرأ المزيد

المحافظة المفرطة

تبدو الديمقراطية عصية المنال في الدول العربية. فالحكومات تريد أن تواصل دورها الاحتكاري للموارد الاقتصادية، والنيابة عن رجال الأعمال ونسائها وعن الهيئات المدنية والجماعات الوطنية، في إدارة كل شيء.
لاتزال النظرة بأن الوزارات هي كل شيء، هي التي تقوم بالمشروعات، وتحتكر موادَ الإنتاج المهمة، تاركة للآخرين الفتات.
وحين جاءت للديمقراطية فتحت الأبواب للقوى المذهبية السياسية تنطلق في كل الساحات، وتفرض مفاهيمها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وهذا يحدث بسبب الاختلافات الشاسعة بين هذه القوى المذهبية وإرث الصراعات المتجذر فيها، وإمكانية إدارة مسرح العرائس الشكسبيرية حيث الشخصيات ذات العباءات واللحى الكثيفة تأتي لتجسد صراعات قديمة، وتحلق في سماء العروض المسرحية بسيوفها الخشبية ونداءاتها الغريبة.
تتضاربُ هذه القوى في لعبة شد الحبال والنيران أحياناً فوق أجساد المجتمعات العربية، والحكومات تصرخ ساخرة: “تريدون ديمقراطية؟! هذه هي الديمقراطية”.
وتطرح تلك الجماعات أسئلة وتفجر قضايا تعود لألف سنة خلت، وتشكل جوا محافظا رقابيا بوده لو يتغلغل في قلب كل مواطن ويفتشُ صدرَهُ، ويلاحقُ كلَ مقيم ليعرف ماذا يفعل، ويدقق في المشروبات، والأكلات، والأسرار، ويحقق في دين الكائن وكلما قال إنه مسلم شكك فيه، وكلما دافع عن الإسلام وضعه تحت مراقبة أشد، وإذا كتب الباحثون والأدباء عن شخصيات إسلامية نضالية عريقة حققوا في كل كلمة، ووضعوا كتبهم على الرفوف المغبرة من سواد السنين التي تلتهم الأفكار والورق ولا تشبع.
لم يكن ثمة أفضل من هذه الأجواء لتقوم الحكومات العربية بإجراءاتها الأخرى، مثل إغلاق المواقع الإلكترونية، فكلما فتش الباحثون عن انتقادات وجدوها محجوبة بينما سيل المدائح مفتوح.
وخاصة وزارة الثقافة والإعلام البحرينية فقد تفوقت على مثيلاتها من وزارات الإعلام العربية ربما في هذا المجال أكثر من غيره، حيث اخرست كل المواقع خاصة التي فيها دراسات وتحليلات للواقع الاجتماعي، مبررة ذلك بمواقع الشتائم المكروهة من الغالبية من المثقفين، وحين ترى المواقع الكويتية على سبيل المثال تجد أن أصحابها يقولون ما يشاءون من مختلف التيارات والجماعات وبمختلف اللغات رديئها وعظيمها.
كذلك فإن نشر الجو المحافظ الصناعي يتم بشكل مقطع، ومقنن، حسبما يشتهي القاطعون والناشرون، فهو أمرٌ اقرب للاستعراض و”الشو” الإعلامي، أكثر منه نضالا جديا ضد الرذيلة، فمن يأتي للبلد لا يتسلل عبر الشواطئ، أو ينزل بالمظلات من الأجواء الحارة، بل يدخل موقراً من المطار والكل يعرف ماذا يريد وأين يتجه.
والنضال الجدي ضد الرذيلة لا يحتاج إلى زفة إعلامية بل إلى نضال حقيقي لرفع مستوى معيشة الطبقات الشعبية، والفضائل لا تأتي عبر الضغط على أزرار، بل هي تـُنتجُ عبر سنين طويلة، والرذيلة كلما كانت في العلن كانت محاربتها أنجع، ولم يضعْ العالمُ الغربي التحديثي رؤوسهُ في الرمال بل كشفَ عن جراحهِ ومشاكله وآثامه، وعبر سنواتٍ طويلة، ومع تغيير مستوى المعيشة ورفع ثقافة الناس، ونشر الكتب، وليس الهجوم عليها، تمكن من أن يجعل محال الرذيلة وأشرطتها وأفلامها مخصصة لاصحاب الفضائل من الزوار الشرقيين، ومحاصرة في مناطق معينة يؤمها في الكثير الغالب أصحابُنا من الملل الزاهدة في متع الدنيا.
نعم حاولتْ القوى الدينية المحافظة الغربية أن تقمع كل هذا، وذهب مفكرون وبشر ضحية لسياساتها، وقامت بفرض الفضائل بأدوات التعذيب، والعزل والتشهير والعقاب، لكن من دون جدوى، فالرذائلُ المخفية كانت أعظم وأخطر من الرذائل المرئية، ومضتْ لمواد أخطر، ولممارساتٍ أبشع.
إن الدور الأبوي الأخلاقي من قِبل الدول والجماعات السياسية لم يعدْ مقبولاً، فالناس تقول لهم أفرغوا جيبوكم إن كنتم صادقين.
والسياسات الأخلاقية الرفيعة تلك لا تـُطبق إلا على من ليس لديه واسطة، ومن هو أقل رأسمالاً وطوفته التجارية نازلة.
لم يعدْ الناسُ أطفالاً بحاجة إلى خطباء يعلمونهم ما هي الرذائل، وكل إنسان له رغباته وظروفه وحياته الخاصة، التي لا يحق لجهات عليا أن تتدخل فيها، وتتأكد مما يشرب ويأكل، وكيف ينام، وكيف يصحو. والتحكم في هذه النفوس وجعلها تمشي على سكك حديدية مصنوعة من الأوامر أمر مستحيل فقد جربته الشعوب طوال قرون التاريخ المديدة من دون جدوى.
هذه قد تكون دولة يحكمها جنرال يريد من الناس أن تمشي على عجين لا “تلخبطه” من الصباح حتى موعد النوم.
ذهبتُ إلى دولة عربية مانشيتاتها ثورية صاخبة، وترفضُ الانحلالَ والرذيلة، وتضربُ وتحبسُ، فوجدتُ الكثيرين من المثقفين سجائرهم من حشيش، وموظفي وزارة الثقافة هم الذين يمتلكون ما شاءوا من زجاجات.
إن المناخ المحافظ هو وسيلة للتدخلات السياسية والاجتماعية، والتحكم في البشر، وتوسيع القيود وتضييقها حين تشاء السلطات.
لابد من التثقيف المستمر بخطورة الخمور والادمان والعلاقات غير السوية وغير النظيفة، وتوجيه الناس للنظافة والاعتدال، والتحكم في غرائزهم التي غالباً ما تخرج عن السيطرة، لكي تظهر الاقتناعات من الدواخل، وكي يطور البشر سلوكهم.
إن هناك حشوداً كبيرة من المختلفين والمتخلفين والمراهقين والمأزومين والمحطمين والمفلسين، والغرباء الذين لا علاقة لهم بأديان المجتمعات التي يعملون فيها، يذهبون لما هو رخيص وممتع في نظرهم، وهناك قوى استغلال هائلة تقدم البدائل الأسوأ كالمخدرات التي تنتشر بتوسع كبير مع الانغلاق والتخلف وكثرة القيود.
ولا يحتاج المرء إلى الكثير من الذكاء ليقارن بين دول مفتوحة متطورة ثقافيا ودول مغلقة ومتحجرة ليرى الفروق الكبيرة في الأخلاق والمعاملات وعادات الحياة المختلفة!

صحيفة اخبار الخليج
6 مايو 2009

اقرأ المزيد