هناك ثلاثة سيناريوهات للمشهد السياسي الكويتي في مرحلة ما بعد الانتخابات… أولهما: سيناريو إعادة إنتاج المشهد السياسي المأزوم من جديد واستمرار الوضع على ما كان عليه… وثانيهما وثالثها: سيناريوها إعادة تشكيل المشهد السياسي على نحو جديد إما نحو الأسوأ أو نحو الأفضل… ولعلّ هناك من الشواهد والإشارات ما يعزز احتمال حدوث هذا السيناريو أو ذاك من السيناريوهات الثلاثة على الرغم من التفاوت الكبير بينها!
فتتعزز على سبيل المثال فرص سيناريو إعادة إنتاج المشهد السياسي المأزوم نفسه مجدداً وذلك إذا جاءت مخرجات الانتخابات مشابهة لسابقاتها، اللّهم إلا في تغيير بعض الوجوه والأسماء، لأنّ معايير تصويت الناخبين ثابتة لم تتغير، ولأنّ طبيعة الاستقطابات الطائفية والقبلية والعائلية والفئوية والمصلحية المؤثرة على اتجاهات الناخبين في هذه الانتخابات لا تزال باقية على ما كانت عليه في الانتخابات السابقة… وتتعزز فرص هذا السيناريو أكثر إذا لم يختلف التشكيل الحكومي المقبل عن التشكيل الحكومي السابق، وكان امتداداً له، مع تبديل جزئي في بعض المناصب والمسميات وشاغليها.
أما سيناريو إعادة تشكيل المشهد السياسي على نحو جديد فتتمثّل مؤشراته ودلالاته في أنّ هناك مزاجاً عاماً في صفوف الناخبين تدفع بهم نحو إحداث تغيير ما في اتجاهات تصويتاتهم، وأنّ نسبة التغيير في تركيبة المجلس المقبل قياساً بالمجلس المنحلّ بلغت قبل إجراء الانتخابات نحو 26 في المئة بخروج 13 نائباً سابقاً من حلبة المنافسة الانتخابية، وأنّ التغيير بعد الاقتراع لن يقل عن تلك النسبة، بحيث سنجد أنفسنا أمام مجلس جديد ومختلف عن المجلس السابق… ومن الجانب الحكومي فإنّ الاتجاه العام هو إحداث تغيير حكومي واسع لن يقتصر على الوزراء وحدهم… بالإضافة إلى ما شهدته التيارات السياسية والكتل النيابية من تغييرات ملحوظة، حيث انتقلت «الحركة الدستورية الإسلامية – حدس» إلى صفوف المعارضة، في الوقت الذي برز فيه تمايز في صفوف التيار التقدمي أو الليبرالي بين «المنبر» و«التحالف» فيما تواجه «كتلة العمل الشعبي» تحديات جدية بتقلّص عددها… وفي هذه الحالة فإنّ تركيبتي المجلس والحكومة المقبلين ستختلفان عما سبق، وكذلك ستتغير أوضاع التيارات السياسية والكتل النيابية وتتبدل اصطفافاتها، وهذا ما سيدفع باتجاه إعادة تشكيل المشهد السياسي الكويتي بعد الانتخابات على نحو جديد ومختلف عما كان عليه قبل الحلّ… وإما أن تكون إعادة تشكيل المشهد السياسي على نحو أسوأ مما كان عليه، خصوصاً في ظل التوجهات غير الديمقراطية والإجراءات الاستثنائية غير المسبوقة تجاه عدد من المرشحين، التي صاحبت الانتخابات لأول مرة، وربما تكون مقدمة لنهج مستمر بعدها يأخذ هذا الطابع ويتكرّس كواقع، بالإضافة إلى تزايد الاستقطابات والنعرات الطائفية والقبلية والفئوية والمناطقية في المجتمع الكويتي وتأثيراتها السلبية على الانتخابات وعلى مرحلة ما بعد الانتخابات… أو أن تكون إعادة تشكيل المشهد السياسي الجديد على نحو أفضل مما كان عليه هذا المشهد قبل الحلّ، وذلك لأسباب منها التوجّه الملحوظ لتمكين المرأة وانتخاب عدد من المرشحات إلى عضوية مجلس الأمة، وما يبدو أنّه حركة بندول الساعة في انتقال المزاج الانتخابي والتوجّه السياسي، واحتمال إعادة بعض الاعتبار إلى التيار التقدمي أو المدني في المجتمع الكويتي، وأخيراً فشل المحاولات التي جرت لفرض توجّهات غير ديمقراطية خلال الانتخابات والاضطرار للتراجع عن الإجراءات الاستثنائية، التي تمّ اتخاذها.
باختصار فإنّ السؤال القائم أو الأسئلة المطروحة، ترى هل سنواصل دوراننا المرهق في الحلقة المفرغة للوضع المأزوم؟… أم سيترافق هذا الدوران المرهق مع تدحرج أخطر وانحدار أسوأ وسقوط أسرع نحو الهاوية لا قدّر اللّه؟… أم لعلّنا سنجد لأنفسنا مخرجاً بديلا نستأنف بعده المسار فنلتفت نحو مشكلاتنا الجدّيّة وقضايانا الأساسية ونحاول ما أمكننا أن نلبي استحقاقات الإصلاح المؤجلة ونحقق متطلبات التنمية المهملة؟!
جريدة عاالم اليوم 4 مايو 2009