تابع الشارع والمهتمون بالشأن التعليمي في البحرين ما أعلنته إدارة الجودة بوزارة التربية والتعليم مؤخراً من أرقام وحقائق أقل ما يمكن أن يقال عنها انها مخيفة ومربكة بالفعل، وذلك على إثر نتائج الدراسة التي أجريت على ما مجموعه 60 مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية عامة والتي أظهرت نتائجها أن 70% من تلك المدارس تعاني من ضعف في مستويات التدريس وعدم قدرة إداراتها على التطوير، كذلك أوضحت الدراسة ان ما يزيد على 11 مدرسة من تلك العينة المنتقاة من المدارس قد فشلت في تحقيق أية نتائج بالنسبة للمستوى الأكاديمي للطلبة. وفي البداية لابد لنا من أن نسجل تقديرنا للقائمين على هيئة ضمان الجودة في وزارة التربية والتعليم نظراً للجرأة غير المعهودة في الإعلان عن تلك الأرقام والحقائق وعرضها بشكل شفاف أمام المتابعين والمهتمين، حيث أن ذلك الأمر في حد ذاته يبقى نادر الحدوث لدى معظم وزاراتنا تقريبا، حيث السكوت على العيوب الإدارية والتراجع في الأداء والنتائج تظل سمة رئيسة. فقد كشفت الدراسة التي أرى أنها يجب أن لا تمر على المسؤولين في الوزارة مرور الكرام، أو أن تحفظ أرقامها ونتائجها في آرشيف الوزارة وبين غبار النسيان، وذلك نظراً لخطورة ما أفصحت عنه من مؤشرات جد خطيرة ، أعتقد جازما أنها كارثية بالفعل على مسيرة التعليم في مملكتنا الغالية فيما لو بقي الحال على ما هو عليه، والأهم من ذلك هو أن على المسؤولين في الوزارة أن لا يشعروا بأي حساسية أو حرج جراء كشف تلك الأرقام وحتى مناقشتها بشكل أشمل على المستوى الوطني، بل عليهم أن يسارعوا الى إصلاح ما أفسدته سياسات عقود طويلة من فشل الإدارات والقرارات المتخبطة وغير المدروسة والمناهج البائسة وعجز وزارة التربية والتعليم عن تطوير أساليب عملها والارتقاء بالمناهج والمقررات وتحديث أساليب وطرق التدريس، وكفاءة الطواقم الإدارية والتعليمية في مدارسنا، وربط ذلك باحتياجات عملية التنمية الشاملة في بلادنا. فالموضوع على صلة مباشرة برؤية البحرين الاستراتيجية 2030 التي دشنت مؤخرا، والتي أوضحت وبما يسند الدراسة التي نحن بصددها، وهي أن مخرجات التعليم وجودته تعتبر معوِِقا أساسيا أمام مسيرة التنمية الشاملة في البحرين، والذي على أساسه ستعمل الحكومة في الفترة القادمة على ما يبدو، لاتخاذ خطوات عاجلة لإصلاح مسارات التعليم ومخرجاته، بعد أن تراجعت الى مستويات لا يمكن السكوت عليها، وما الخطوات التي أعلنتها الدولة مؤخرا والتي ابتدأتها بانشاء كلية المعلمين كبديل عصري لما كان موجوداً من قبل تحت مسمى معهد المعلمين، والذي قام كما يعلم الجميع بأداء دور أساسي في فترات انتقالية من عمر مسيرة التعليم في البحرين، إلا أن خطط وزارة التربية والتعليم ومنذ نهاية السبعينيات وحتى اليوم قد شابها الكثير من التخبط والارتجال، وأحيانا المسايرة الشكلية لبعض التجارب الفاشلة في العالم العربي والعالم، ودون أن نستشعر قيام الوزارة بدراسات حقيقية ومتأنية لتلك الخطط على مدى فترات تناوب أكثر من أربعة وزراء على تلك المسيرة الحافلة بالكثير من الاخفاقات والقليل من النجاحات، وهذا ليس تجنيا في حق المسؤلوين في الوزارة، فأنا شخصيا تربطني علاقات جيدة مع آخر أربعة وزراء وأعلم مدى حرصهم وإخلاصهم رغبة في تحقيق إنجازات في مجال التعليم تحديدا، إلا أن ذلك لا ينفي الحقائق الموضوعية التي أفصحت عنها الدراسة الأخيرة وتلك التي أفصحت عنها رؤية البحرين الاقتصادية 2030 وكذلك الدراسات التي نوقشت في ورش وتوصيات ومناقشات مشروع تنظيم سوق العمل وقدمتها شركة مكنزي منذ أكثر من أربع سنوات من الآن.
ويكفينا في هذه العجالة أن نعود الى الدراسة التي نحن بصددها، حيث أرجعت أسباب تلك النتائج الكارثية إلى أسباب عدة، لعل من بينها عدم جودة المناهج الدراسية، وطرق وأساليب التدريس المتبعة، وغياب آليات المتابعة الحقيقية، والأهم من ذلك غياب دور القيادات المدرسية، والتي وصفتها الدراسة أنها تفتقد الرؤية المستقبلية الواضحة لسير عملها كقيادات أكاديمية وإدارية، وعدم معرفتها بالخطط التربوية المتبعة، وربما أسمح لنفسي هنا أن أقول لعدم كفاءة غالبية عناصرها على اعتبار أن تلك القيادات هي في الأصل نتاج صريح لمسار تعليمي مأزوم .
وباعتقادي أن الدراسة يجب أن تطرح بقوة للنقاش المستفيض داخل ورش ومؤتمرات وزارة التربية والتعليم السنوية والفصلية، التي كثيراً ما نسمع عنها دون أن نعرف نتائجها أو حتى فيما يتم الأخذ بتوصياتها، التي هي توصيات نابعة من الجسد التعليمي بكل ما يعتريه من إيجابيات وخبرات وسلبيات ونواقص أيضا، ثم أين هو دور الخبراء والمستشارين المعتمدين في السلك التعليمي، بل أين هي آليات التنفيذ وعملية إصلاح التعليم التي اتخذتها الوزارة على المستوى الإداري وفي مختلف المدارس والمنشآت التعليمية؟ حتى نطمئن الى أن نتائج تلك المؤتمرات والورش يتم الأخذ بها والأهم من ذلك يتم تفعيل معطياتها عملا على إصلاح ما إعوج من توجهات إدارية واكاديمية.
الوجه الآخر في المسألة هو التناقض الصارخ الذي يجب أن يتسع صدر المسؤولين في وزارة التربية والتعليم لسماعه، والذي نتمنى عليهم أن يجيبونا عليه بكل روية ورحابة صدر، حتى نصبح أكثر إقتناعا واطمئنانا، فعلى الرغم مما قدمته الدراسة من حقائق صادمة، جاءت كلمة سعادة وزير التربية والتعليم التي ألقاها خلال مهرجان «البحرين أولاً» ، والتي عدد فيها الكثير من إنجازات الوزارة والتي ذكر خلالها أن البحرين هي الدولة العربية الوحيدة ذات الأداء العالي- كان الله في عون أقل الدول أداًء- كذلك ذكر سعادته بأن طلبة البحرين قد حققوا في العام 2007 تحسناً ملموساً في الامتحانات الدولية في مادتي الرياضيات والعلوم، والمركز الأول خليجياً في المادتين المذكورتين، والمركز 26 في مادة العلوم على المستوى العالمي مجتازة بذلك المتوسط الدولي. هنا يحق لنا التساؤل حول مدى تطابق تلك المعلومات والإنجازات مع ما تعلنه تقارير الوزارة ذاتها من تراجع في جودة التعليم ومخرجاته، علماً أننا بتنا نتطلع إلى رؤية البحرين الاقتصادية2030 والمشاريع التعليمية التي تم تدشينها مؤخرا للنهوض بمستويات التعليم ومخرجاته في مدارسنا وجامعاتنا، وباعتقادنا أن ذلك الطموح ممكن التحقق، شريطة وضع رؤية شاملة لإصلاح التعليم، وربط مخرجاته بمتطلبات عملية التنمية الشاملة، حتى لا نخدع أنفسنا مرتين وحينها يكون الزمن قد تجاوزنا.
صحيفة الايام
22 فبراير 2009