المنشور

رمزيـة المـادة (19)


يصعب على إنسان العصر الحالي العيش في عالم تغيب فيه المعلومة وتدفق المعلومات عن أي شيء كان؛ لأن عالم اليوم التقني يشترط توافر المعلومة للجميع لكي يحتسب المرء أنه يعيش في عصر المعلومات, لذلك فإن أي قانون يصدر لتقييد تدفق المعلومات يعني أن الدولة ستصنف ضمن الدول المتخلفة التي تنتهك حرية التعبير وحرية تدفق المعلومة.

إن غلق المواقع الإلكترونية أياً كان نوعها، ليس مرحباً به على مستوى المجتمع الدولي ويناقض ثقافة حقوق الإنسان وهي ثقافة تختلف عن الثقافة الأمنية التي تقيد الحريات باسم تفعيل القانون، وهي سمة لمن لا يعترف بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتطبيقها بصورة حقيقية.

هذا الكلام كان عن بلدان أخرى، ولكن البحرين الآن انضمت إلى قائمة الدول الرافضة لحرية تدفق المعلومات على اعتبار أن المواقع سياسية تضر بسمعة الدولة وعلى اعتبار أن مواقع أخرى إباحية ضد الدين والأخلاق… إلا أن قرار المنع نفذ على مواقع لا علاقة لها بكلا النوعين اللذين تم ذكرهما.

وزارة الثقافة والإعلام تنشر ملاحظة على المواقع المحجوبة تقول فيها: ملاحظة، إنه تم حجب هذا الموقع بقرار من الوزارة استناداً إلى المادة (19) من المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر بمملكة البحرين وذلك لاحتوائه على أمور محظور نشرها طبقاً للقانون.

لكن المادة (19) البحرينية تناقض المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أن «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء من دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من دون تقيد بالحدود الجغرافية».

المادة (19) أيضاً ترتبط بسمعة حسنة ولها علاقة بـ«منظمة المادة 19»، وهي منظمة حقوقية مقرها لندن، وتهتم بكل قضايا حرية التعبير، واتخذت المنظمة اسمها أو هدفها من المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير ويشمل حق استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من دون تقيّد بالحدود الجغرافية.

كل ما جاء ذكره يدعونا إلى القول بأن رمزية المادة (19) في القوانين الدولية تنصب مع حرية التعبير. أما هنا في البحرين ولسخريات القدر فقد أصبحت المادة (19) ترتبط بقمع التعبير وإلغاء فكرة تدفق المعلومة.
 
 
الوسط 1 فبراير 2009

اقرأ المزيد

أرض السواد: تكاثر الشخصيات

فيما استحوذت شخصياتُ الطبقةِ العليا على سرد الحراك التاريخي استحوذت الشخصياتُ الشعبية على سرد التجمد التاريخي. لقد رأينا كيف تابعَ السردُ الروائي شخصيات مثل: داود باشا والآغا عليوي والقنصل البريطاني (الباليوز) ريتش، ولكن لهذه الشخصيات الكبيرة توابع وذيول كثيرة، هي تكميل لصورتها السياسية ووجودِها الشخصي، فهناك فصولٌ حول ابنة دواد الكسيحة وكيف ظهرت بشكل غير طبيعي، وتلحقها شخصية (نائلة خاتون) وما جرى لها من تجربة شخصية خاصة بها ومع الطفلة المعوقة (محسنة)، ويغدو لذلك صلة واهية مع بؤرة الرواية العامة وهي بؤرة الصراع السياسي والنمو المدني لدولة العراق. وفي هذه التداعيات القصصية سنجد ان نائلة خاتون لها قصص عديدة: (تربت مثل داود، في سراي سليمان الكبير، وهي أكبر منه ببضع سنين، بعد أن تزوجت مرتين ولم تنجب، وقيل إنها خاوت واحداً من الملائكة وانصرفت إلى العبادة والصلاة)، ص239، ج 1). والأمر لا يختلف مع (نابي خاتون) أم الوالي السابق الذي قـُطع رأسه في حضنها، وظلت بين الصحو والجنون، حتى اختارت الرحيل إلى اسطنبول لتحاكم دواد باشا أمام السلطان لكنها تتوارى فجأة بين الأخبار العجائبية الكثيرة. إن للآغا علاقاته الشخوصية المتعددة، وهي فجأة تندفع في زقاق مفتوح على تجربة الضباط الذين يريدون المتعة بعد معارك الدم والقتل، فنجدُ الآغا يقيمُ علاقاتٍ مع (روجينا) التي لديها شبكة من المغنيات والراقصات المستعدات لتقديم خدمات متع متعددة وخدمات جاسوسية وتآمر كذلك، ويغدو لهذا الزقاق علاقة وثيقة بالبؤرة الحدثية الصراعية حيث تغدو بعض الفتيات ذوات علاقة بشخوص مهمة أخرى في الرواية كالضابط (بدري)، ثم بالتجسس على الآغا من قِبل دواد باشا ثم بمحاكمته وإعدامه. وهناك الموظفون الرسميون المحيطون بالباشا دواد، مثل ناطق القزويني الذي يكتبُ التقاريرَ السياسية عن الاجتماعات الرسمية ويقدم نصائح مكتوبة للباشا وهي مطولة مملة لهذا الأخير مثلما هي للقارئ. وفيها جانبٌ فكاهي مبتور. أما عزرا الشخصية اليهودية الجامعة للمال التي تغدو جزءًا من حكومة الوالي، فهي تشتبكُ بالصراع مع ساسون اليهودي الآخر التابع للحاكم السابق، وبينهما صراعاتٌ شخصية تستمر طوال الرواية من دون دور فني، بل كجزء من البانوراما التاريخية، ويظهر دورها خصوصاً في لحظات الصراع مع بريطانيا والحرب مع القبائل. وهناك شخصياتٌ أخرى مرتبطة بالقصر مثل عزرا لا أثر فني لها. والضابط الذي ينمو دوره الفني هو (بدري)، الذي يغدو واسطة العقد بين الطبقة العليا والطبقة السفلى، فهو ضابط جاء من الحارات الشعبية، وبدأ نجمه الفني بالبروز مع حفلة أقامها الآغا، وظهر فيها عشق بشكل رومانسي متضاد مع كلاسيكية الرواية، حيث بهرته الراقصة (نجمة) بشكل سخري، وهذه الراقصة التي ظهرت بهذا الشكل الفني الصاعق قــُتلت بشكلٍ صاعق مماثل. وبدري وراءه سلسلة من الشخصيات كذلك، فهو جزءٌ من حياة الحارة، فيلتقي شخوصا سيكون لهم حضور على حياة (البسطاء) خاصة (سيفو) وهو سقاء الماء الوحيد في هذه المنطقة من (الكرخ)، (وبغداد تنقسم إلى قسمين: الرصافة حيث الحكم ومؤسساته، والكرخ حيث العامة)، وسيكون لسيفو مغامراته مع الماء والصبية المشاغبين ومساعدة بدري في الوصول لحبيبته التي قفزتْ في احضان الضباط، بسرعة أكبر من عاطفته النارية، وسيكون لسيفو تعليقاته الصاخبة وآراؤه النيرة كذلك ومشاغباته التي لا تنتهي خاصة مع الملالي الفاسدين وزوجته. وسيفو مثــّل بطلاً شعبياً واعداً في هذه الرواية لولا أن الروي التصويري التسجيلي لا يسمح بمثل هذا النمو. وبدري الذي يحلم بالزواج من جميلة يتعرضُ فجأة لغضب داود باشا، بسبب هذا الجنوح لأماكن الراقصات، رغم ان الباشا لم يُدركْ الحلمَ الرومانسي لدى الضابط الشاب، لكن داود صار الحاكم الشرقي الذي يرى كلَ شيء، مستعيداً شيئاً فشيئاً دور أباطرة العراق القدامى، فينقل بدري إلى كركوك حيث يشهد هناك مصرعه، بسبب عدم تأييده للآغا عليوي وبدء محاولة هذا الأخير الانقلابية المُجهضة من هناك. ويغدو اغتيال بدري استمراراً لقوانين الرواية التسجيلية، فهذا البطل الشعبي المثقف الواعد بدور عبدالكريم قاسم وغيره، يختنقُ في سرد التسجيل مثلما يختنق سيفو وغيره، وتواصل الحركة شخوصٌ اخرى كوالده الحاج (صالح العلو) وأمه (أم قدوري)، ويختلف الحاج والأم عن غيرهما من الشخصيات الشعبية الوامضة، بكونهما يتمددان قصصياً، فالأبُ الذي صدمه قتل ابنه يُصاب بالمرض والغياب والانهيار، حتى يبدأ بالشفاء بسبب اهتمام الوالي ومعاقبته القتلة ورعاية أصدقائه في قهوة الشط بـ (الكرخ) وتطور عملية الصداقة بين رواد هذا المقهى ليتحول بعضهم للرسم والنحت. وهناك (الكيخيا) وهو نائبُ الباشا لكنه يجثم طويلاً في مكتبه من دون وظيفة حقيقية، فيصنع مشاريع وهمية، حتى يطلب منه الوالي قيادة حرب ثانية ضد القبائل العربية المتمردة، فيقود حرباً جامدة كخيالاته ينهيها بمذبحة، ثم يختم حياته الفنية بالدروشة والجنون. ولدينا عشرات الشخصيات الشعبية التي تقيمُ في قهوة الشط، وهي أبواقٌ للتعليقاتِ والحوارات السياسية كما لدينا عشرات الشخصيات الثانوية المُلحقة بالطبقة العليا، لكن شخصيات الطبقة الشعبية تواصل الحضور من بدء الرواية حتى نهايتها، عبر أقوالها اللفظية غالباً، التعليقية الملحقة بذيول الطبقة الحاكمة وحركتها السياسية. وفيما شخصيات الطبقة العليا الرئيسية تدفع بحركة التاريخ وتصنعه، خاصة داود باشا، الذي هو الحاكم الذي يقوم بأغلب الفاعليات لتثبيت النظام وتطويره بما يترافق مع تطور العالم في ذلك الحين، (الثلث الأول من القرن التاسع عشر) في حين تقوم شخصياتٌ بمواجهته خاصة القنصل البريطاني، وتتراوح الشخصيات الأخرى بين هذين القطبين، لكن دواد ينتصر ويتقزم القنصل البريطاني وأدواته المختلفة في ذلك الحين!

صحيفة اخبار الخليج
3 فبراير 2009

اقرأ المزيد

جهل في زي المعرفة

في القرن التاسع عشر, في عام 1848 كتب تشارلز ديكنز يقول: نسمع أحياناً كلاماً عن دعوى التعويض عن الأضرار ضد الطبيب غير الكفء الذي شوه أحد الأعضاء بدلاً من شفائه .ولكن ماذا يقال في مئات آلاف العقول التي شوهتها إلى الأبد الحماقات الحقيرة التي ادعت تكوينها؟ في ظني إن أحداً لم يسبق له أن عقد مثل هذه المقارنة وطرح هذا السؤال بكل هذه الجرأة كما فعل مؤلف «قصة مدينتين» و«ديفيد كوبرفيلد» تشارلز ديكنز الروائي الانجليزي الكبير. وهو في هذه المقولة يُحرضنا على التفكير في مسالة على قدر كبير من الخطورة تتصل بمسؤولية أولئك الذين ينتجون الجهل. الشائع أن الجاهل هو الإنسان الذي لم يتعلم في مدرسة أو جامعة ولم يتلق خبرات كافية في الحياة, ولكن هذا الفهم يبدو سطحياً وعاجزاً عن الوفاء بشروط تعريف الجهل, فالجهل, هو الآخر يُعلم, كما العلم تماماً, ومثلما يوجد معلمون يُلقِنون أو يعلمون الناس العلم والثقافة , فان هناك معلمين على قدر كافٍ من الذكاء والفطنة واللؤم, مهمتهم تعليم الناس الجهل. إنتاج الجهل وتسويقه وتعميمه وتحويله إلى سياق حياتي سائد, لا يضيره في بعض الأحوال, أن يتزيا بزي المعرفة نفسها, التي هي جوهراً وشكلاً نقيض الجهل. ومن شروط الجاهل, نتاج هذا النوع من التعليم أو التلقين, هو انه لا يعي جهله, ليس فقط لأنه لا يعترف به, وإنما أساساً لأنه لا يدركه ولا يعيه, لا يحسب نفسه جاهلاً ويظن أن جهله معرفة. ويتيح العصر الحديث بما يقدمه من وسائط جبارة خارقة فرصاً واسعة لإشاعة وتعميم ما درج على تسميته بالثقافة الاستهلاكية المحمولة على إمكانات غير مسبوقة, التي تحمل في ثناياها, هذا النوع من الجهل الذي يتزيا بزي المعرفة. يندرج هذا الجهل في إطار ما يمكن أن نطلق عليه «تزييف الوعي» في الظاهر, فان وسائط الثقافة الاستهلاكية الرائجة اليوم تقدم نوعاً من الوعي, لكنها في حقيقة الأمر تُقدم وعياً مزيفاً. وإذا كان إنتاج الجهل مهنة أو وظيفة قديمة لم ينتجها العصر الراهن, فمنذ الحضارات القديمة كانت هناك حاجة للقوي في أن يظل الضعيف جاهلاً, ولكي يظل القوي قوياً والضعيف ضعيفاً, كان ضرورياً إنتاج الجهل وإعادة إنتاجه مراراً. بل أن أفلاطون تحدث في حينه عن الجهل المزدوج لكن العصر الحديث أنتج الوسائط الفعالة القادرة ليس فقط على إنتاج هذا الجهل وإنما أساسا القادرة على تعميمه وتسويقه بصورة جذابة, آسرة, ساحرة, تماماً كما تسوق السلع الأخرى من خلال «فاترينات» العرض أو من خلال الإعلان الذي يتوسل أكثر الأساليب فتنة ومتعا وجذبا. وفي الوقت الذي تكابد فيه أشكال الوعي الحقيقي المشقات كي تجد لنفسها كوة تطل منها فان الفضاء ينفتح كاملا لذلك النوع من الوعي الزائف الذي يدخل البيوت بدون استئذان, لأننا لا نملك أن نقاومَ مقدار جاذبيته, فيأسرنا بمكره لأنه يظل واعياً لما يفعل, فيما ننساق نحن إلى هاوية الجهل بمقدار لا ننكره من إرادتنا الحرة…
 
صحيفة الايام
3 فبراير 2009

اقرأ المزيد

تسعيرة الموت والحياة؟

حينما كانت عملية المجزرة تتم أمام مشهد العالم, كنت اسأل نفسي هل يكفي أن يضج الإنسان غضبا حتى تبح حنجرته؟ يصرخ من قمة رأسه فلا يجد أمامه إلا جدارا إسمنتيا من جدران الموت المتساقط. كنت أتساءل من يا ترى بإمكانه الآن إعادة الحياة للموتى؟ وكيف يتم تسعير الموت والحياة؟ فقد كانت المحطات الفضائية مولعة بتصيد أخبار الأرقام والتسابق في إحصائها وكأنما الحزن الإنساني هو حالة رقمية «ديجيتل» سحري يحقق لنا حلما منتظرا, فقد كانت غزة يومها مدينة على قائمة الموت وليس الناس فيها إلا أرقاما على خانة الانتظار تشطب او يتم تأجيلها أو يلعب الحظ معها فرصة البقاء قليلا أو حتى إشعار آخر, وليس الموتى إلا طابورا من البشر ينتقيهم ذلك اليانصيب اللعين, فالجميع بات مرشحا لتلك القائمة الواسعة بأسماء الموتى فليس مهما أن تحمل عنوانا او هوية مهنية, المهم ألا تكون تحت الركام بيدين او جسد ممزق ’ محروق ’ وقد تحول طفلك الذي حملته في حضنك بحثا عن زاوية من الأمان في تلك الغرفة الأرضية جثة هامدة ’ مشوهة معالمها ’ وحينما وصلت إلى المستشفى تراكض إليها صائدو الجثث والأرقام بسرعة فالموت هنا لعبة زمنية, لا ينتظر أحدا في زمن الحرب. كانت غزة في الليل عالما يسعد الأطفال المشحونين بالخوف ففي لحظة تدفق ’’ الألعاب النارية! ’’ كانوا أكثر سعادة من الكبار واقل فزعا وأكثر هدوءا, فليس في قاموس الصغار معنى للخوف ولا معنى لصوت القذائف, فكل ما يفزعهم هو ارتعاش الأمهات وخوف الكبار من معنى تلك الكارثة. الصغار يظلون دائما يضحكون ويلعبون ويفتشون عما يسعدهم بين الأنقاض, فهم قادرون على انتظار كل شيء دون أن يفهموا معنى للحياة, ففي غزة كان الموت جاثما, مشحونا بكل قسوة الحياة فلم يكن يعرف أي أبواب الجحيم يفتحها لابتلاع الجثث البريئة, جثث تمزقت دون رحمة واظهر الجلاد بربريته وأنيابه, وتخلى عما تبقى من آدميته التي تلبسها ذات يوم كحركة صهيونية عالمية, فهاجم الإرهاب تذرعا كما تذرع سيد البيت الأبيض الراحل حول أسلحة الدمار الشامل دون أن يقدم لنا بطاقة إرهابية واحدة يحملها في جيبه كهوية عسكرية بغيضة, فكل ما وجده نساء وطفولة وأصوات مسنات يصلين نحو السماء. كان على العالم المجنون في تل أبيب أن يراهن على الموت في بورصة الانتخابات القادمة, ففي صناديق أصوات الدم يولد نواب الرذيلة, وفوق جثث الموتى من غزة ينتصر العسكر والصقور ويحملون شارات نصرهم وإكليلهم وأعلامهم بخزي الكذب, فكل ما فعلوه أنهم دخلوا أحياء بدباباتهم بعد أن قصفوها من السماء, فاختفت بطولة المواجهة بين الرجال. كان الموت بين المتقاتلين لا يتقاسم نبالة المواجهة ولم يجد النبالة والفروسية من يشاطرها تلك الشجاعة, فمن يدخل مدينة معزولة مجردة من كل شيء ومن معالم القوة, لا ينبغي عليه أن يصبح سعيدا بانتصاره فكل ما حدث هو أن السماء وحدها كانت تقاتل من بعيد والبحر كان يقذف من بوارجه نيران شياطينه, في ساعات اختفى منها صيادو البحر في غزة عن إلقاء شباكهم وكانت على الأسماك في غزة أن تخرج من البحر لتقاتل بدلا من أن تتقافز كالدلفين, وكان على قصائد الشعر أن تبقى صامدة فوق الجدران وان تحلق فراشات الأطفال نحو الفضاء لتصطاد ال إف 16 لكي تبرهن المقاومة على امتلاكها صواريخ حديثة الصنع, جاءتهم من الأنفاق السرية الممتدة من أنفاق الجنوب اللبناني مرورا بتل أبيب حتى بيوت غزة المكابرة والفقيرة في مخيمات نسوا توثيقها في الأمم المتحدة ووكالة الإغاثة. لماذا قبلت إسرائيل القيام بمجزرة دون حياء داخلي ولا احترام لكل المواثيق ولا حتى التفاتة لأطفالهم وكل الجسد العالمي وروحه, كل ما عرفوا ترديده هو حماية المواطن الإسرائيلي – فقد كان شعارا انتخابيا لامعا يسهل من خلاله اجتذاب واصطياد سكان المستوطنات الجدد – وبالفعل لم تكن إلا مجرد صواريخ ’’ لاستفزازها ’’ ؟ ويا له من استفزاز مكلف وفاحش ولعين, لم يحسب قادة حماس أبدا أبعاده العسكرية والسياسية. أسئلة يسهل فهمها في قضية يصعب فهمها منذ ستة عقود, فكلما اقترب العالم من اجل السلام اشتعل فتيل الحرب والتهبت السن الاحتجاجات والتدمير, فندخل مرة أخرى نفق المستحيل وتتسع من جديد خطابات القوة والكراهية واتساع الهوة الإنسانية وجروحها في هتافات دامية. هل ينبغي على الشعب الفلسطيني أن يحمل دوما توابيت الموت ويمضي نحو الشتات المقفل؟ أم يفتح فردوس الحياة لأجيال قادمة؟ شئنا أم أبينا – نحن العرب أولا والفلسطينيين أخيرا – فلا يوجد خيار جغرافي وديمغرافي وتاريخي لهذه البقعة وشعبها أن يرحل أو يموت, فلسنا في أزمان الهجرة والرحيل, فقد اقفل الجنود في كل أصقاع الدنيا حدودهم, وعلى تلك الحدود نصبوا أعلاما ملونة وكتبوا عناوين وأسماء بلدانهم, وقالوا للمهاجرين «نحن لا نقبل شعوبا فائضة» ولا تصدقوا حتى الذين هتفوا من أجلكم اليوم, فهم في الوقت ذاته ينبذونكم عندما تنافسونهم في وظائفهم. الحقائق المرة نحاول الهروب منها غير إننا قادرون كالحواة وشركات التأمين على تسعير الموت والحياة ببساطة متناهية.

صحيفة الايام
3 فبراير 2009

اقرأ المزيد

هيئــة التخطيط


 
بوسع الحكومة أن تدخل, ما شاءت, في محاججات قانونية ودستورية لرفض المقترح النيابي بتشكيل هيئة للتخطيط, لكن هذه المحاججات لن تطال جوهر الموضوع, ولن تقنع أحداً, لا داخل المجلس النيابي ولا خارجه. إن وجدت إشكالات ذات شبه قانونية أو دستورية, كما تقول الحكومة, فانه بالإمكان حلها لتحقيق غاية أهم, هي أن تكون لنا في هذا البلد هيئة تخطيط مركزية, كما هو الحال في البلدان المتقدمة وحتى غير المتقدمة, التي تعمد في بعض الحالات إلى تشكيل وزارة مستقلة للتخطيط. بل ان اللجوء إلى مثل هذا النوع من المحاججات ليس سوى مخرج يُراد به تأجيل استحقاق كبير على الحكومة أن توفي به, وهو حاجة البلد إلى مثل هذه الهيئة, للحد من مظاهر التخبط والعشوائية في أداء الأجهزة التي يكاد كل واحد منها أن يعمل بمعزل عن البقية, لذلك نرانا أمام هذا الحشد الذي لا يُعد ولا يُحصى من أشكال التضارب بين أداء الإدارات الحكومية المعنية. نظرة طائر سريعة حولنا تُرينا أوجهاً كثيرة لغياب ما يمكن أن ندعوه بالانسجام والتكامل في الأداء العام, وأحياناً في أداء الجهاز الواحد, وهذا يبدأ من أبسط الأمور وأكثرها مباشرةً, ليبلغ القرارات والمسائل ذات الطابع الاستراتيجي. فعلى سبيل المثال تُباع القسائم السكنية وتُشَّيد عليها البيوت الجديدة, وبعد ردحٍ من الزمن تبلط الشوارع في المنطقة المعنية, وما هي إلا فترة وجيزة وإذا بالمعاول تعيد حفر الشوارع التي أنفق عليها ما أنفق لإقامة المجاري, وهو أمر يستغرق شهوراً وربما أعواما, ثم يعاد سد الحفر كيفما اتفق, والنتيجة أننا نجد الشوارع حتى في المناطق السكنية, بما فيها الجديدة منها, مليئة بالحفر والأخاديد والمطبات. هذا مثل بسيط جدا, ويومي جداً, ومباشر جداً, عما يعنيه غياب التخطيط في البلاد, فما بالنا إذا جرى الحديث عن قضايا التنمية والتحديث الكبرى, والرؤى الاستشرافية للمستقبل, والاستعداد المبكر لاستحقاقاته وتقلباته, للدرجة التي تجعلنا نسأل: هل لدينا أكثر من سيناريو في هذا المجال, تبعاً للتوقعات المختلفة لمسار الأمور, فنعتمد السيناريو الأنسب تبعاً للطريقة التي تسير بها الأمور. الأجدى من هذا السجال الذي يُصور على أنه قانوني, هو أن تعترف السلطة التنفيذية بجدية المطلب النيابي, الذي يعكس رؤية قطاعات وفعاليات واسعة في المجتمع, بحاجتنا إلى جهاز معني بالتخطيط, سواء كان هذا الجهاز هيئة أو وزارة أو مجلساً, فالعبرة في المضمون والصلاحيات لا في التسميات. أما التذرع في رفض هذا المقترح بالقول إن لدينا من الأجهزة الحكومية ما يكفي ويزيد, وان إنشاء جهاز للتخطيط سيعني إضافة كلفة مالية جديدة فيمكن حله, بالتخلص من الكثير من الأجهزة غير الضرورية, وما أكثرها, وليس التذرع بوجودها لرفض هيئة نحن في أمس الحاجة إليها.
 
الأيام 2 فبراير 2009

اقرأ المزيد

قضايانا بلسان غيرنا في دافوس


يهبط كبار ضيوف المنتدى الاقتصادي العالمي على منتجع دافوس بالطائرات الحوامة كالعادة. جاؤوا بالسيارات أو حتى بالباصات. لا لشيء، إنما لا شيء يمكن رؤيته في أجواء الألب، حيث كان الضباب مخيما على المنطقة حسب الصحافيين. ذلك يشبه إلى حد كبير مزاج القادمين للمشاركة. فالضباب مخيم أيضا في أجواء الاقتصاد العالمي.
لقد حضر 2500 مشارك، بينهم أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة، و60 وزيرا و30 رئيس منظمة عالمية و 1400 رئيس شركة ‘ليستوضحوا’ الرؤية من دافوس في منتدى هذا العام الذي عقد تحت عنوان ‘البحث عن مخرج من الأزمة’. أشار كلاوس إلى أن سكان العالم يعرفون بأن قادتهم خذلوهم حيث وصل الوضع إلى ما هو عليه. وعلى القادة أن يعيدوا تقييم الواقع، أن يعالجوا الوضع بتحويل منتجع دافوس إلى منتجع لعلاج وتعافي الاقتصاد العالمي.
حسب التقاليد تعطى الفرصة في جلسة الافتتاح لشخص واحد فقط من كبار الضيوف كي يتحدث. وعادة ما تضبط كلمته إيقاع المناقشات اللاحقة وتصوغ موضوعاتها الأساسية، وتشكل فرصة سانحة لكي يقدم الخطيب أفكاره وبلاده. هذه المرة، التي تتميز عن كل مرة، كان الفارس هو رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين. ومنذ أيام المنتدى وحتى الآن ظل يتردد في الصحافة الاقتصادية العالمية ما عرف ‘بوصفة بوتين’ للخروج من الأزمة.
في ما طرح في هذا المنتدى من تشخيص وحلول للأزمة الكثير مما يجب على بلداننا الخليجية أن تتنبه له. وإذا كانت كل بلدان العالم المعولم على اختلاف أنظمتها السياسية والاقتصادية قد تضررت جراء الأزمة، لكنها تمتلك بعض أدوات الخروج منها فإن بلداننا ظلت مجرد متلق سلبي لآثارها. قالوا في دافوس إن الأزمة حدثت نتيجة التنظيم المتدني النوعية للنظام المالي ما جعل المخاطر الكبرى تصبح غير خاضعة للسيطرة. وإن من أهم أسبابها هي الشهية المنتفخة وغير المبررة للشركات تجاه الطلب المتصاعد باستمرار على العمليات المالية التي فاق حجمها أضعاف القيم الفعلية للأصول، والخلل الكبير بين الطلب على القروض ومصادر تمويلها. وأن التوقعات المبالغ فيها انعكست ليس على السلوك في مجال الأعمال فحسب، بل وفي الاستهلاك أيضا. ومن اختلالات الاقتصاد العالمي التوزيع غير المتناسب للثروات المتولدة سواء بين سكان البلد الواحد أو بين مختلف بلدان ومناطق العالم. أما الخلل الأساسي فهو الكامن في نظام النمو الاقتصادي ذاته، حيث إن مركزا واحدا ظل بلا حدود وبلا رقابة يُصْدر النقد ويستهلك الخيرات (أميركا)، ومركزا آخر ينتج بضائع رخيصة ويكدس نقودا من إصدار دول أخرى (الصين).
غير أن مجرد تكرار التشخيص لن يجد في تجاوز الأزمة. فالاقتصادي الروسي د. إيغور بانارين شخصها وتنبأ قبل عقد من السنوات بانهيار النظام المالي الأميركي بسبب الدولار غير المدعوم بشيء وتنامي الدين الخارجي الذي لم يكن موجودا عام 1980 ليصل إلى 2 ترليونات دولار العام ,1980 وهاهو الآن بين مستويي 11 – 13 ترليون دولار بعد حزم ‘الإنقاذ’ الجمهورية والديمقراطية. وهاهو العالم يتخبط في أزمة فاقت في سرعة تطورها أزمة الكساد العظيم في عشرينات – ثلاثينات القرن الماضي. تتوجه الأنظار الآن أكثر نحو الإجراءات الضرورية التي قد تؤمن مخرجا للاقتصاد العالمي وكل إقليم وبلد في العالم من طوق الأزمة. في مقدمة هذه الإجراءات هو معالجة مشكلة الديون والأصول الميئوس منها بشطبها، مهما كان ذلك مؤلما. وبذلك يوضع خط فاصل مع الماضي بدلا من إعادة ضخ الأموال العامة للمؤسسات الخاسرة من جديد. فالمضي في هذا الطريق يضع الأساس من جديد للتطور على طريق أزمة قادمة. وبعد أن بينت التجربة أن الدولار لم يتمكن من لعب دوره بجدارة كعملة عالمية، فقد أصبح من الضروري أن تعمد مناطق العالم المختلفة، إلى بناء أنظمتها الإقليمية المالية والنقدية الخاصة. والدول الخليجية معنية بهذا المخرج بشكل حيوي، وعلى ثلاثة أصعدة: تسريع عملية قيام الوحدة النقدية الخليجية، تخليص العملة الموحدة من ارتباطها بمثبت الدولار، ولا يغرنكم ارتفاعه المؤقت هذه الأيام. وثالثا، وهو الأهم، إنهاء اعتماد تسعير صادرات خامات النفط والغاز بالدولار الأميركي فقط. وبناء على ذلك تصبح بلداننا ذات مصلحة حيوية أكثر في مطالبة بلدان العالم الأخرى المصْدرة للعملات الرئيسية بأن تكون أكثر إفصاحا وشفافية في سياساتها النقدية والمالية قبل أن تدرج هذه العملات بين سلة احتياطاتنا وتسعير النفط. وبمناسبة تسعير النفط فقد تمت المطالبة في دافوس بإصلاح نظام تسعير مواد الطاقة الحالي حيث تسمح المضاربات بهبوط أو إقلاع الأسعار في ظرف ساعة. وهذه مهمة خليجية مفترضة. كما تطرقوا إلى ظاهرة النقود التصورية التي ساهمت كثيرا في نفخ الاقتصاد العالمي بكثير من الوهم. وبلدان الخليج هي من أكثر من ابتلي بهذه الظاهرة. وقد آن الأوان للبحث عن والتعامل مع العملات التي تعكس واقعا اقتصاديا فعليا، وبالتالي تنطوي على قيمة معبرا عنها بالاقتصاد المادي.
وهم آخر لا تزال تجري وراءه بلدان الخليج، وهو الركض وراء المؤشرات والتصنيفات غير العلمية، والدخيلة حقا على علم الاقتصاد، وعدم اللجوء إليها أو الأخذ بها حتى عندما بائعي الأوهام من المكاتب الكبرى المتخصصة في المحاسبة والتدقيق والتحاليل التي ساهمت في حدوث الأزمة.
تحدثوا في دافوس عن أنه حتى في بلدان الغرب يجب أن يزول وهم أن زيادة الاستثمار في المجمع الصناعي العسكري وتوسيع برامج التسلح تساعد على الخروج من الأزمة الراهنة. إنها وإن أعطت في المرحلة الأولى نتائج إيجابية وساهمت في خلق أماكن عمل إضافية، إلا أنها على المدى البعيد تسحب من الاقتصاد موارد ضخمة وضرورية لتطويره. أما بالنسبة لبلداننا، حيث لا يتعلق الأمر في مجال التسلح والبرامج العسكرية باستثمارات أو خلق فرص عمل، بل بهدر الموارد، فقد آن الأوان لوقفة جريئة أمام إغراء ‘السلاح زينة الرجال’ الذي طالما وقعنا وأوقعونا فيه.
 
الوقت 2 فبراير 2009

اقرأ المزيد

مبادرة المنبر التقدمي


رأت جمعية المنبر التقدمي في بيانها الصادر أمس الأول ضرورة «إطلاق مبادرة وطنية شاملة لمنع تدهور الأوضاع أكثر فأكثر»، ونحن بالفعل نحتاج إلى مبادرة لحلحلة الأزمة. فما لدينا ليست حوادث اعتيادية، والمعالجة المطروحة تركز على الجانب الأمني، وهذا من شأنه أن يفاقم المشكلة بدلاً من حلها.

وحسناً فعلت النيابة العامة في تعاطيها مع الصحافة أمس، ولفت انتباهي تشكيك في ما ورد في بيان منظمة العفو الدولية التي صنفت كلاً من مشيمع والمقداد «سجيني رأي»… وسعياً للإيضاح، فيمكن الرجوع الى بيان المنظمة المرقم AI Index: MDE 11/001/2009. ويمكن مراجعة آخر فقرة، وهناك يمكن قراءة مصطلح prisoners of conscience وترجمته «سجناء رأي»، إذ تقول الفقرة إنه إذا كانت التهم مرتبطة بنشاطات غير عنفية، بما في ذلك انتقاد الحكومة، فإن المنظمة تعتبرهما من هذا التصنيف.

على أية حال، فإن الحوار والتفاهم وتبيان الأمور هو السبيل الذي يجب أن نتبعه في استيضاح مختلف قضايانا، وقد طرحت جمعية المنبر التقدمي مبادرة وطنية أكدت من خلالها «ضرورة إطلاق سراح المعتقلين، ووقف أعمال العنف والعنف المضاد، وخلق آلية للحوار بين الدولة والقوى السياسية كافة، سواء تلك الممثلة في مجلس النواب أو غير الممثلة فيه، لبلوغ تفاهمات مشتركة ومتفق عليها بشأن قضايا الإصلاح السياسي والدستوري، وإعادة البلاد مجدداً إلى مناخ الثقة الذي عشناه قبل سنوات، وبناء جسور الشراكة بما يحمي البحرين من المخاطر، ويحقق الاستقرار والأمن فيها”.

وأعتقد أن مثل هذه الدعوة تستحق النظر فيها بجدية، إذ لا يوجد مجتمع متحضر إلا وكان الحوار والتفاهم هما سيدي الموقف… فاللجوء إلى العنف والقوة (من أي طرف) إنما يعبر في الأساس عن عدم القدرة على تبادل الآراء والأفكار، وعدم القدرة على إدارة الحوار. فالشعوب التي نهضت لم تنهض إلا بعد أن اعتمدت العمل السياسي السلمي (الحوار) أساساً لإدارة العلاقات فيما بينها. أما التي تعتمد القوة والعنف أساساً لإدارة شئونها فإنها سرعان ما تجد نفسها متقهقرة حضاريّاً.

إن تفعيل الحوار الجدي والمنتج – كما قالت جمعية المنبر التقدمي – يؤدي إلى سد باب الهزات الأمنية والتوترات، فحالة الاحتقان أدت إلى تعقيد الأمور، وهكذا افتتحت البحرين العام 2009 بإعلان الحرب على أهم تكنولوجيا عصرية (الإنترنت) وشن حملات اعتقال أمنية، وبث اعترافات وإطلاق تصريحات ترعب المقيمين من غير المواطنين أكثر من إرعاب المواطنين الذين يستعينون بذاكرة الماضي للصبر عليها. إن كل هذه السياقات لا يمكنها أن تنتج حلاً دائماً، فالأضرار التي تلحق بالمجتمع وبالدولة من النواحي النفسية والاقتصادية والسياسية ليست قليلة. 
 

جريدة الوسط-  2 فيراير2009
 

اقرأ المزيد

العفو الدولية و«سجناء الرأي»… ودعوة «المنبر التقدمي» لحلحلة الوضع

منظمة العفو الدولية هي أكبر منظمة حقوقية في العالم، وأكثرها أثراً على المستوى الدولي، وهذه المنظمة أصدرت بياناً عن احتجاز الناشط السياسي حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد أمس الأول قالت فيه إن احتجازهما فقط بسبب انتقادات للحكومة (حتى لو كانت هذه الانتقادات حادة) فإنها سوف تنظر لهما على أساس أنهما «سجناء رأي» وبذلك تدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عنهما.
وبالنسبة لمنظمة العفو الدولية، فإن الذين يعتقلون لأسباب أمنية – سياسية صنفان… فهناك «المعتقل السياسي» وهو ناشط لجأ الى العنف أثناء نشاطه، وهناك «سجين الرأي» وهو الناشط الذي يعتقل بسبب إبداء رأيه فقط.
بالنسبة لـ «المعتقل السياسي»، فإن منظمة العفو الدولية لديها رؤية واضحة، إذ تطالب بتقديم المعتقل إلى المحاكمة السريعة والعادلة، وتدعو إلى عدم تعذيبه أو إهانته. أما بالنسبة لـ «سجين الرأي» فإن منظمة العفو الدولية تطالب بـ «الإفراج الفوري وغير المشروط» عنه، وتعتبر أية محاكمة له إهداراً للكرامة الإنسانية، على أساس أن حق التعبير عن الرأي ضمنته العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وأن هذا الحق لايمكن سلبه من أحد أو المعاقبة عليه.
وفي بيانها الصادر عن مشيمع والمقداد، قالت إنها صنفتهما «سجناء رأي»، وهو التصنيف الذي تعتبر المنظمة مسئولة عن توجيه إمكاناتها للتأكد من الإفراج الفوري غير المشروط.
ولعل منظمة العفو الدولية تصدر هذا النوع من البيانات عن البحرين لأول مرة منذ العام 2001 عندما أفرغت حينها السجون. ومثل هذا الأمر لايفرحنا بالتأكيد، وخصوصاً أن حزمة التشريعات تحت مسمى مكافحة الإرهاب لم تنجح عالمياً في إزالة مستلزمات حقوق الإنسان، وعليه فإن التراجعات عن هذه الإجراءات في عدة دول أصبحت عناوين رئيسية متداولة لمن يقرأ مجريات الأحداث من حولنا.
حسناً فعلت جمعية المنبر التقدمي في بيانها بشأن حال الاحتقان والتأزم في الوضع السياسي والتسعير الطائفي والمذهبي بدعوتها إلى إطلاق «مبادرة وطنية شاملة» لمنع تدهور الأوضاع، و «تدارك الموقف بحكمة وروية وعقلانية، وخاصة في ظل تتالي التراجعات عن إيجابيات المناخ المتحقق في البلاد من جانب الدولة، والذي يجد تعبيراته في عدة مظاهر أهمها استمرار التضييق على الحريات العامة، والنيل من حيز هذه الحريات الذي تحقق بفضل الديناميكية السياسية التي أطلقها مشروع جلالة الملك بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني». إن مثل هذه الدعوة الصادقة بحاجة إلى من يستجيب إليها.

صحيفة الوسط
1 فبراير 2009

اقرأ المزيد

(أرضُ السواد)، وأساسيات (مدن الملح)

يقوم المعمار الروائي الكبير في مدن (الملح) على التسجيلية السياسية، وهو المعمار الذي سوف يستمر في رواية أرض السواد، وهو معمارٌ بسيط يعتمد على تسجيل حقبة من الزمن السياسي، من خلال سرد الراوي المتواري ومن خلال حشود من الشخصيات ومن بعض الرواة المباشرين والمستترين.
ويتوجه روي الراوي إلى متابعة الحراك السياسي بعفويته فالرواية هي سجلٌ إخباري واسعُ النطاق، لكنه مجسدٌ عبر الشخصيات، ولهذا فإن أجزاء الرواية وتطور الشخصيات وعرض الأحداث سوف يتتبع الحركة العفوية التلقائية للتاريخ المقروء.
فالتاريخ هو المتحكم في العرض الروائي، فقد جاءت أجزاءُ الرواية بالتسلسل التالي: التيه، الأخدود، تقاسيم الليل والنهار، المنبت، بادية الظلمات، وهو تتابعٌ يعبرُ عن حراك الاكتشافات النفطية وكيف حركتْ الحياة في مدن معينة ساحلية، مع ما جرى في هذه الاكتشافات من تدفق للثروة والبضائع والعمال والخبراء الأمريكيين ، وكيف ظهرت الاصطدامات العمالية مع إدارة الشركة وأي رموز عمالية مناضلة طلعت بين قوى العمل ثم ذابت ثم كيف صمت هذا كله إلا من خلال وميض رمزي.
والأجزاء التالية لا تعالج هذه المدن النفطية الصاعدة، بل تتركها، لكون الحركة التاريخية انتقلت لمدنٍ أخرى، إلى مدن صحراوية وقرى منسية بين الفلوات، لتصعد وتصير مدناً كبيرة، فتقوم أجزاءُ الرواية بعد(التيه) بمعالجتها بشكل ليس جزئياً أو منقطعاً بل بشكل كلي، فلم تعد الحركة الاجتماعية في مدن النفط إلا حركة معدومة في ظل هذا البناء الروائي التسجيلي، الذي يرصدُ ما هو بارز تاريخياً ومسيطر سياسياً.
وإذا كانت الروايات والتسجيلات العيانية للمؤلف المهندس الذي عاصر هذا الزمن هي إحدى مصادر مثل هذا البحث التاريخي – الروائي، فإن الكتابات الاجتماعية والمسحية لهذه المدن من الرحالة والاقتصاديين والصحفيين، لعبت القسم الآخر الذي عبأ هذا القسم بالمادة الإخبارية والتسجيلية.
ولهذا فإن القسم الثاني التالي، بعد (التيه) سوف يعتمد كثيراً على مذكرات وكتابات الطبيب السوري الذي وفد على المدن الصحراوية بعد أن تشبعت بمال النفط الكثيف، وهذا الطبيب الذي صعد من مهنة الطب حتى المكانة السياسية العليا والقرابة مع السلاطين، وهو ما تشير إليه إحدى الدارسات بقولها:
(وتبرز شخصية الدكتور صبحي المحملجي بروزاً مخيفاً طاغياً في (الأخدود) و(المنبت)، حتى إنها ما ان تظهر حتى تستحوذ على اهتمام الساردِ وتصبحُ محوراً لكل الأحداث والعلائق والمواقف. وحتى عندما تطل جزئياً في الثلث الأخيرمن (التيه) و(بادية الظلمات) فإنها لا تفتأ تلفتُ الأنظار، (تجريبية عبدالرحمن منيف في مدن الملح، نورة آل سعد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث بقطر، ص 144).
ولكن القضية ليست حضوراً شخصياً فقط بل أيضاً كانت هذه الشخصية مصدراً روائياً تسجيلياً، فعبر شهاداتها وتواريخ عائلتها وكتاباتهم تمت رؤية ما جرى بعد ذلك في المدن الصحراوية الصاعدة بفضل الثروة النفطية.
كذلك ساهمت كتاباتُ مستشرقين متعربين لعبوا دوراً في هذه التجربة السياسية كذلك. فهذه كلها مواد صنعت الحيثيات الروائية، فالروائي التسجيلي هنا لا يعتمد على عنصر التخييل، بل على عناصر النقل الوثائقي وبكل ما في هذه العمليات النقلية من تصويرية للأحداث التي جرت بالفعل، وبالتالي ما يتبعها من تجسيم للشخوص التاريخية وحواراتها العامية البدوية أو العامية السورية، وما في وسطها من صراعات وانقلابات وحروب.
وهذا التاريخي الجاهز تكملهُ بالمتخيل وهو المتوجهُ لتجسيد ردود فعل الناس تجاه تلك الحركة التاريخية الكبيرة التي تمضي بعيداً عن مشاركتهم.
وإذا كان هذا المتخيلُ يستندُ أيضاً إلى بعض العناصر الحقيقية من شخوص انتقادية للحياة، فإنه عموماً يقوم على تخيل شخصيات كثيرة من العامة، لا تلعب أدواراً في الحياة إلا عبر التعليقات، وهذا كذلك يرجع للبنائية التسجيلية.
فالحقيقي المجلوبُ من الوثائق والمحاضر والرسائل يغدو هو الهيكلُ الأساسي للرواية، فهو بناءٌ انعكاسي للتطور التاريخي للبلد، الذي سجلَ نشاط الطبقة الحاكمة، عبر تلك الوثائق المنشورة وغير المنشورة، وقد تم تسجيلهُ من خلال أفرادٍ من فئاتٍ وسطى عملتْ مع تلك الطبقة أو تقاطعتْ معها بأشكالٍ مختلفة. مثل الدكتور المحملجي وهاملتون الرحالة والسياسي البريطاني وغيرهما، وهي كلها شخصياتٌ حقيقية بأسماء مستعارة.
وهكذا فإن الروي التسجيلي يحاولُ أن يغطي نشاط الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة كذلك، وإذا كانت الأولى تملأ المسرحَ فإن الأخرى تملكُ الخلفية والمشهديات العابرة.
في كثافة التسجيلي وسيطرته على المادة الروائية الكبيرة يسيطر الواقع الفوقي للحياة، واقع نشاط الطبقة الحاكمة، ومن هنا فإن شخصياتها الكثيرة وأعمالها تسيطر على أغلبية الرواية، مما يعد سجلاً لها، وسواء أكان ذلك نقدياً وساخراً وتعريضياً أم تسجيلاً موضوعياً، لكن الراوي هو الذي يستدعي تلك الشخصيات السياسية ويعرض تواريخها المختلفة.
هكذا نجد اجزاء الرواية، يسود فيها حضور السلاطين موتاً أو حكماً، مثل (الأخدود) حيث يتوفى السلطان خريبط ويتولى الحكم السلطان خزعل، وفي(المنبت) نمضي مع السلطان المخلوع خزعل، وفي (بادية الظلمات) يختتم الجزء البعيد بوفاة السلطان خريبط ليبدأ الجزء التالي بعهد السلطان فنر. ورغم تداخل الأزمنة وعودة الماضي فإن هناك نمواً زمنياً متصاعداً، لأن الطابع التسجيلي هو طابع زمني متنام، لكن الرجوع للوراء يتم على صعيد الوعي. في نشاط السلاطين إذاً الأغلبية الكبرى للأحداث الروائية، وعبر نشاطهم تتكون دوائر التأثير من المقربين منهم حتى العامة.
هذا البناء الروائي يعطي رصداً ولكنه لا يعطي قراءة كلية لمسار الحياة، أي لا يقرأ تضاداتها العامة ومساراتها، ويعطي شخصيات حقيقية وليست واقعية، ويسجل أحداثاً حقيقية، وليست منمذجة، فهي رواية يسود فيها السرد الإخباري، وهي تاريخ مُرمز بالأسماء فقط، وإذا حذفنا الأسماء الرمزية تلك نجدها تاريخاً اجتماعياً قصصياً حقيقياً في أغلب فصوله. وهو أمرٌ يشير إلى جدة الرواية في منطقة الخليج والجزيرة العربية، وكون التسجيلية مرحلة مبكرة في البناء الروائي، ولهذا نجد الحشود الكثيرة جداً من الشخوص الوامضة ومن الأحداث الكثيرة ومن التفاصيل الطويلة التي لا لزوم لها، فالروائي يسجلُ زمنَهُ بطريقةٍ تصويرية واسعة ولا ينمذجها شخوصاً وأحداثاً وبنى.

صحيفة اخبار الخليج
1 فبراير 2009

اقرأ المزيد

في أجواء أفكار وزير العمل (٥ ـ ٥)

أراد وزير العمل في الأفكار التي بسطها في مقاله المنشور منذ أسبوع, والتي على ضوئها كتبنا ما كتبناه من حلقات في هذا المكان, أن يستثير القلق لدى المخلصين لهذه الأوطان والحريصين على مستقبلها, خاصة حين أشار إلى أن هناك سباقا غير متكافئا بين معدلات النمو السكاني للمواطنين والتي تتراوح بين 2 – 3% سنوياً ومعدلات نمو السكان غير المواطنين والتي تبلغ حوالي 6.8% سنوياً, أي ما يقارب ستة أضعاف المعدل العالمي البالغ 1.5%. وفي النتيجة فانه ينبه إلى المخاطر القانونية المترتبة على ذلك, حين لن يعود بوسع دول المنطقة إدارة الظهر إلى الالتزامات الدولية التي تلزمها بالتقيد بشروط جديدة في التعاطي مع العمال الأجانب المقيمين بيننا, وأعطى وزير العمل نماذج من الاتفاقيات الدولية التي عليها تترتب مثل هذه المفاعيل, ومن أبرزها اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم, التي ترسي حقوقاً للعمالة الأجنبية وأفراد أسرهم شبيهة لتلك التي تكفلها الدولة لمواطنيها دون اعتبار للوضع الخاص في منطقة الخليج الذي يتسم بالخلل البين في التركيبة السكانية, حيث يشكل مواطنو هذه الدول أقلية في محيط من العمال الوافدين. وتضمن هذه الاتفاقية, على نحو ما أشار د. مجيد العلوي حقوقاً تشمل جميع أفراد أسرة العامل الأجنبي تحت عنوان «لم شمل الأسرة», بما في ذلك حقوق العمال الموجودين بصورة ٍ غير شرعية. ومن أبرز الحقوق الاستثنائية التي تقررها هذه الاتفاقية: «الحق في التنظيم: مشاركة العمال وأفراد أسرهم في الحياة العامة وممارسة الحقوق السياسية, حق الإقامة ولم الشمل بأزواجهم وكذلك بأولادهم المُعالين غير المتزوجين,الحق في التعليم مع تيسير تعليم اللغة والثقافة الأصليين, الحق في الحصول على الخدمات الاجتماعية بما في ذلك الحصول على مسكن ضمن مشاريع الإسكان الاجتماعية الحكومية لضمان المساواة في المعاملة مع رعايا الدولة». وبالإضافة للحقوق الواسعة التي تمنحها هذه الاتفاقية للعمال الأجانب هناك اتفاقية العمل الدولية رقم (97) لسنة 1949 بشأن العمال المهاجرين, والتي تنص في الفقرة(1) من مادتها رقم (8), على أنه: «لا يجوز أن يعاد العامل المهاجر الذي قبل للعمل على أساس دائم ولأفراد أسرته المصرح لهم بمرافقته أو الالتحاق به, إلى بلده الأصلي أو إلى البلد الذي هاجر منه بسبب عدم تمكنه من عمله لإصابته بمرض أو وقوع حادث له بعد وصوله ما لم يرغب الشخص المعني في ذلك أو ينص عليه اتفاق دولي تكون الدولة العضو طرفاً فيه». ويُشير الوزير كذلك إلى توصية العمل الدولية رقم (86) لسنة 1949 لاستكمال بيان الأحكام المهمة في الاتفاقية (97) لتنص على: «أن يؤخذ طول مدة إقامة المهاجر المذكور في إقليم المهجر بعين الاعتبار وأنه لا يجوز من حيث المبدأ إبعاد أي مهاجر عن هذا الإقليم إذا كان يقيم فيه منذ أكثر من خمس سنوات». والسؤال, بعد كل هذه التوضيحات, ألم يحن بعد وقت التبصر في المستقبل, والنظر بمسؤولية إلى أهمية معالجة هذه الظاهرة التي كنا طرفاً في صنعها, ولكننا لسنا اليوم من يُقرر آليات استمرارها, وما يترتب على هذا الاستمرار من عواقب.
 
صحيفة الايام
1 فبراير 2009

اقرأ المزيد