المنشور

مطالبات بآلية لتفعيل مبادرة «المنبر الديمقراطي» بغرض حلحلة الأوضاع

 

 

 

 

ندوة-الوسط--web.jpg


في ندوة عقدتها صحيفة «الوسط» بمشاركة فعاليات وطنية…

 


دعا المشاركون في الندوة التي عقدتها صحيفة «الوسط» يوم أمس ( الأربعاء) بشأن المبادرة الوطنية الشاملة التي دعت إليها جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، إلى إيجاد آلية فورية لتفعيل المبادرة وذلك بغرض حلحلة الأزمة ومنع تدهور الأوضاع في البحرين.

ولفت عضو الأمانة العامة والمتحدث الرسمي باسم جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي فاضل الحليبي إلى أن المبادرة التي أطلقتها الجمعية تخص الجميع لا جمعية المنبر التقدمي فقط، وأن الجمعية ستعقد لقاءً خلال الأسبوع المقبل مع عدد من الأطراف الوطنية لمناقشة آليات تفعيل المبادرة.

ودعت مبادرة جمعية المنبر إلى منع تدهور الأوضاع أكثر فأكثر، وأكدت ضرورة إطلاق سراح المعتقلين، ووقف أعمال العنف والعنف المضاد، وخلق آلية للحوار بين الدولة والقوى السياسية كافة، سواء تلك الممثلة في مجلس النواب أو غير الممثلة فيه، لبلوغ تفاهمات مشتركة ومتفق عليها بشأن قضايا الإصلاح السياسي، وإعادة البلاد مجدداً إلى مناخ الثقة الذي عشناه قبل سنوات، وبناء جسور الشراكة بما يحمي البحرين من المخاطر، ويحقق الاستقرار والأمن فيها.

وأكد رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري أن «الوسط» ارتأت التركيز على مبادرة جمعية المنبر الديمقراطي ودعوة مختلف الأطراف والشخصيات الوطنية لتؤدي الدور المأمول منها لحلحلة الأوضاع، مشيراً إلى أنه بعد الأوضاع السياسية التي مرت على البحرين منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تعددت المواقف ما بين الصدمة من دون اتخاذ ردة فعل، وموقف المستفيد مما يجري، وأخيراً موقف العقلاء بشأن الأحداث.

وقال: «نحن نسجل احترامنا وتقديرنا لجمعية المنبر التقدمي إذ عبرت بروح وطنية عن هذه المبادرة، وتقديراً من «الوسط» لهذه العقلانية في الطرح من قبل الجمعية ارتأينا التعامل والتحدث بهدوء بشأن الآلية التي يمكن إنشائها لمناصرة هذه المبادرة».

وشارك في الندوة التي عقدتها «الوسط» إضافة للمتحدث الرسمي باسم جمعية المنبر فاضل الحليبي، النائب السابق عبدالنبي سلمان، النائب السابق المحامي فريد غازي، الأمين العام لجمعية العمل الإسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ، الشيخ صلاح الجودر، رئيس الجمعية البحرينية للشفافية عبدالنبي العكري، وممثل جمعية الوفاق الوطني الإسلامية السيدهادي الموسوي. وفيما يأتي النقاشات التي دارت في ندوة «الوسط» بشأن المبادرة الوطنية لجمعية المنبر:

هل كانت المبادرة التي أطلقتها جمعية المنبر لإبراء الذمة فقط، أم أن هناك أفكاراً لدى الجمعية لتفعيلها؟

فاضل الحليبي:   المبادرة ليست من أجل إبراء الذمة فقط، وإنما لأننا نشعر بأن الوضع في البحرين وحال الاحتقان والتأزم السياسي يتطلب من القوى السياسية أن تأخذ موقفاً وطنياً واضحاً وصريحاً مما يجري، وخصوصاً أن العواقب ربما تكون وخيمة، ناهيك عن عدم مبادرة أية جهة أخرى بطرح موقف وطني واضح وصريح قد يؤدي أن تؤول الأمور إلى الأسوأ.

وفكرة المبادرة جاءت خلال اجتماع اللجنة المركزية للجمعية التي ارتأت ضرورة إطلاق مبادرة وطنية شاملة، تتضمن وقف أعمال العنف والعنف المضاد، وخلق آلية للحوار بين الدولة وكل القوى السياسية في المجتمع للوصول إلى تفاهمات في قضايا الإصلاح السياسي والدستوري، بما فيهم أعضاء مجلس النواب، وذلك بغرض العودة للمناخ الإيجابي والزخم الذي أتى به مشروع جلالة الملك في العام 2001 بعد الانفراج السياسي، إذ كان المواطنون متفاعلين مع المشروع، ولا أدل على ذلك مما حدث أثناء زيارة جلالة الملك لمنطقة سترة في يناير / كانون الثاني 2001.

أن ما نراه اليوم هو مسلسل من التراجعات السياسية والتأزيم والتصعيد من مختلف الإتجاهات، والتضييق على الحريات العامة، ولا يقتصر ذلك على الإعلام المرئي والمكتوب فقط وإنما وصل إلى المواقع الإلكترونية التي تم إغلاقها. وربما يقال إن بعض المواقع لها صلة بالإباحية أو إثارة الفتنة الطائفية في المجتمع، ولكن هناك مواقع وطنية أغلقت عن قصد ومن بينها موقع جمعية «وعد»، ناهيك عما جرى من تصريحات تثير الريبة تتحدث عن تغليظ القوانين، وذلك من دون الاكتفاء بقانون العقوبات الذي صدر في غياب المجلس الوطني، ذلك القانون الذي مازال مشبعاً بروح وتدابير أمن الدولة، وحتى بعد الانفراج السياسي لم يتم أي تعديل على القانون.

هل المبادرة تستهدف فقط إطلاق سراح معتقلين، أم أنها تهدف الى حلحلة للأمور وتهيأة الأجواء لمستقبل أفضل؟

صلاح الجودر:    من الواضح أن دعوة الجمعية جاءت لمحاولة حلحلة الوضع السياسي الموجود، وذا كانت هناك خطوات ستحلحل الملفات العالقة، فلا بأس بها، ولكن الغاية يجب ان تكون فتح قنوات الحوار الفعالة بين جميع الأطراف للتخفيف من حدة الوضع السياسي المتأزم.

كلنا كنا نرى أن الأوضاع السياسية كانت ستتصاعد وحتى قبل شهر ديسمبر/ كانون الأول، وكانت الفعاليات السياسية الموجودة مشلولة ولكن الأحداث كانت تتواصل في هذا الاتجاه، والمشكلة أن الخطابات التي تزامنت مع الأحداث كان فيها تأجيج للموضوع، إضافة إلى البرلمان الذي أسهم أيضاً في التأزيم مع التصعيد اليومي الذي نراه.

ولذلك ومع استمرار تدهور الأوضاع يجب أن نؤسس أجواء إيجابية بهدف فتح الملفات ونعالجها، ومثل هذه المبادرة التي أطلقتها المنبر تحتاج إلى دعم، كما أننا نعاني من مشكلة في عدم وجود قناة تتولى الدعوة إلى الحوار، والوضع الحالي يؤكد الحاجة إلى مثل هذه المبادرات لفتح القنوات… نحن بحاجة لجهة وسط غير منحازة لوضع الملفات الموجودة في الساحة وإعادة دراستها. وهذا يعني ان المبادرة تدرس كل متطلبات التهدئة بما فيها إطلاق سراح المعتقلين وتخفيف الاحتقان الموجود عبر خطوات ملموسة من جميع الأطراف المعنية.

يتردد رسمياً أن البرلمان يمكن أن يقوم بدور القناة الحوارية، ولكن الواقع يشير أن الخط المباشر بين من يتخذ القرار والمواطنين أصبح مفقوداً، كما أن البرلمان لم يلبِ مثل هذه الحاجة الملحة، فما تعليقكم على ذلك؟

فريد غازي:      الوضع يحتاج إلى تحليل سياسي عميق يتعلق بمفاصل المشروع الإصلاحي، وهناك محطات يجب الوقوف عليها، والتي تتمثل في التصويت على الميثاق، وتجنيس البدون، وصدور الدستور، وانتخابات 2002 والمقاطعة التي شهدتها هذه الانتخابات، ومشاركة المعارضة في انتخابات 2006. وباعتقادي أنه بتتبع هذه المحطات، يتبين أن مفصل مشاركة «الوفاق» في انتخابات 2006 أسهم في أن تكون جماعة سياسية لديها توجه ذو ثقل سياسي في الشارع داخل البرلمان، ولكن أيضاً خرجت جماعة من الوفاق كانت منضوية تحت لوائها.

وعلى مدار هذه المحطات في مفصل المشروع الإصلاحي، كان هناك من ينظر إلى كأس المشروع الإصلاحي فارغاً ولن يمتلئ حتى بالمشاركة البرلمانية أو بالحصول على المطالب. ولكن لا يمكن إنكار أن المشروع الإصلاحي أسهم في إطلاق المبادرات التي شهدناها بعد التصويتع على الميثاق، ولكن سقف المطالب والتوقعات الشعبية كان عالياً وبقي عالياً، وكان البرلمان مطالباً بمشاركة أكبر لتحقيق مطالب شعبية تتعلق بالسكن والعمل وتتعلق أيضاً بملفات كبيرة.

ولابد من ذكر ذلك لنعطي مؤشراً عن أسباب تفجر الوضع في البحرين في الوقت الحالي، وأعتقد جازماً أن عدم وجود خط ساخن بين المعارضة ونظام الحكم أسهم في تدهور الأوضاع. صحيح أنه كانت هناك اتصالات بين الطرفين ونشرت في الصحافة المحلية، إضافة إلى اللقاءات التي عُقدت بين النظام ومجموعة من المعارضة التي لها وزنها في الشارع، إلا أنه في الفترة الأخيرة غابت هذه الاتصالات، والطرف الذي قاطع انتخابات 2006 مازال يريد التنفيس عن مطالبه، ووجد نفسه أمام معضلة سياسية، بأن من شارك لا يمكن أن ينتج سياسياً على مستوى الشارع، ولا أدل على ذلك من عدم خروج مشروع قانون من مجلس النواب سوى مشروع إعانة الغلاء المعيشي، وفي هذا الأمر يتحمل مجلس النواب والحكومة كامل مسئوليته.

كما أن هذا الطرف المعارض وجد أن مجلس النواب بمعزل سياسي عن تحقيق المطالب الشعبية، فبدأت الأحداث تتفاقم.

وربما يجب أن نطرح هنا تساؤلاً مهماً ربما كان عرضياً بالنسبة للبعض ولكن أراه انه ساهم في التأزيم: لماذا تكون هناك جماعة سياسية مستعدة دائماً للهجوم على العائلة الحاكمة كلما حدثت أزمة؟ … يجب التذكير بأن هناك ثوابت يتم الاتفاق عليها جميعاً بشأن نظام الحكم، صحيح أننا نختلف على تحقيق المطالب، ولكن خروج بعض الظواهر والتعرض لرموز النظام يكون مطية لعدد من المستفيدين ممن يستخدمون هذه العبارات من أجل تنمية حساباتهم في المصارف بصب أحقادهم على فئة أو طائفة في البحرين.

هل صحيح أن «الوفاق» دخلت للبرلمان ووجدت أن خلفها شارعاً لا يمكنها تلبية توقعاته، في ظل وجود سقف محدود لم يتعدَ حتى الآن تحقيق مشروع علاوة الغلاء، ما جعلها في معضلة مع الشارع؟

سيدهادي الموسوي:     أية دولة تؤمن بالحراك الديمقراطي وتنادي بأن لديها ديمقراطية تضاهي الديمقراطيات العريقة يفترض أن تعطي المساحة الكافية للحراك البرلماني بغرفتيه، وكان يفترض أن تعطى الغرفة التشريعية هذه المساحة حتى ينضح منها نتاج حقيقي.

وباعتقادي أن هناك استجابة طبيعية ومتحمسة جداً من «الوفاق» أو من جميع الفعاليات السياسية في هذا البلد بالتعاطي إيجابياً مع اي مبادرة للمساهمة في تعزيز الإصلاحات، وحتى المقاطعة التي حدثت كانت رغبة بالمشاركة وليس رغبة بالمقاطعة، وذلك من أجل تصحيح المسار. ولكن بعد مرور الفصل التشريعي الأول، وحين تمت المشاركة، تبين أن القنوات ضيقة ومزحومة بالمعوقات، ولو ترك الحكم للمجلس التشريعي بالعمل كما تعمل المجالس التشريعية في الدول الحضارية لتم توفير الكثير من الدعوات التي تنطلق من هنا وهناك في محاولة لملمة الوضع المعيشي والاقتصادي. وكان من المفترض أن يكون المجلس التشريعي هو المحطة التي ينبض منها قلب الشارع، لكي لا يحتاج الشارع إلى البحث عن قنوات أخرى يوصل آراءه من خلالها.

كما أن الأزمة في البلد هي في التباين في لغة الخطاب السياسي بين الجانبين الرسمي والشعبي، ما لا يدع مجالاً للتفاهم، وهناك أيضاً مشكلة الحالة الأمنية والإخفاق في المحافظة على هدوء الشارع والتعاطي الأمني في البلد، والإخفاق في التعاطي مع الملفات. لا إشكال لدينا في أن نقف مع مثل هذه المبادرة التي دعت إليها جمعية المنبر التقدمي.

… ولكن لم نجد تعليقاً على المبادرة من جمعية الوفاق، فهل هناك استجابة من قبل الجمعية لهذه المبادرة؟

الموسوي:     حين تُطلق مثل هذه الدعوات من أي طرف، لا يعني أن من يتفق معها يبادر بالاتصال بصاحبها، وإنما يمكن لأي طرف أن يدخل في هذا الحراك، وإن كنا لا نبرئ أنفسنا بعدم الرد على المبادرة. ولكن «الوفاق» شاركت في لقاء وزير العدل وعرضت عليه الأفكار التي كانت متوافقة مع ما طرحته المبادرة.

– الحليبي:     الجهة الوحيدة التي دعت لتبني المبادرة هي صحيفة «الوسط»، ويجب التأكيد أن هذه المبادرة ليست ملكاً لجمعية المنبر وإنما مطروحة لجميع القوى السياسية والفعاليات الوطنية، كما أننا في الجمعية سنتباحث بشأن المبادرة بغرض بلورتها بشكل أوسع ومن ثم طرحها للمجتمع والجهات الرسمية لتبنيها كمخرج للاحتقان والتأزم الوطني، لأن الدولة وكل القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني معنية بها.

ألا ترون أنه يجب على المعارضة أن تعلن التزامها بثوابت نظام الحكم وعدم المساس به لاسيما المس بالذات الملكية وبالعائلة الحاكمة، وأن على المعارضة أن تقف ضد المساس بهذه الثوابت من أي مصدر كان، وخصوصاً أن البعض يستخدمه لمزيد من التحشيد والتأجيج الحالي؟

عبدالنبي سلمان:    البلد على كف عفريت، وتجتاحها حالات من الاستفزاز والاستفزاز المضاد وكشفت عن أن الواقع في البحرين في وضع هش، والواضح أن كل المسببات التي نعيشها حالياً معروفة لدى الشارع والحكومة التي عليها مسئولية أدبية وتاريخية في هذه المرحلة بالذات، لأن المعارضة أثبتت في أكثر من مفصل منذ الانفتاح وحتى الآن مسئوليتها التاريخية تجاه تهدئة الشارع وإرسال مفاهيم النضال السلمي في البلد، كما أنها أعلنت ومنذ اليوم الأول لحالة الانفتاح السياسي أن الثوابت لا يمكن تخطيها ويجب أن تلتزم بها جميع التيارات السياسية.

لو عرض عليك أن تكون ضمن وفد للمطالبة بتفعيل المبادرة، فهل أنت على استعداد أن توصلها للحكومة؟

سلمان:     مثل أي مواطن بحريني فأنا أعتبر نفسي جندياً لهذا الوطن، ولكن أعتقد أن مسئولية بهذا الحجم لا يجب أن تتحملها جمعية أو شخصية وطنية، ومبادرة المنبر أطلقت لكي تكون بالفعل مبادرة وطنية بامتياز، أي أنها لا يجب أن تحصر على جمعيات سياسية فقطـ، وإنما تشارك فيها الحكومة والنقابات وجميع الأطراف الأخرى. وأقترح أن تأخذ جمعية المنبر الريادة عبر الاتصال بجميع الأطراف بما فيها الحكومة لعرض المبادرة، لكي لا تحصر المسألة في إطارها السياسي.

وفيما يتعلق بالحفاظ على الثوابت الوطنية، فأعتقد أن هناك جزءاً من المسئولية الأدبية تتحملها المعارضة تجاه ما يحدث من تخريب والكتابة على الجدران، وهي ثوابت لا يمكن تجاوزها، فمنع تخريب هذا البلد مسئولية الجميع، كما أني أعتقد أنه يجب على الحكومة أن تبادر لإبداء حسن النوايا وتقديم المبادرات لحلحلة الوضع.

الموسوي تحدث عن وجود خطابين ولغتين مختلفين بين الحكومة والمعارض، فهل تؤيد هذه النظرة؟ وهل ترى ضرورة تغييرها، وما هو السبيل لذلك؟

المحفوظ:     هناك أزمة حوار حقيقية، والحوار لا يعني أننا لا نتحدث، فهناك صحافة مفتوحة وأجواء مفتوحة نسبية، ولكن هل يسمع الطرف للطرف الآخر؟ ولذلك فإما يكون هناك غضب في الشارع أو لدى السلطة بسبب أزمة الحوار.

ولا أعتقد أنه يمكن فهم الطرف الآخر من دون حوار، والدليل على ذلك أن حوارات جلالة الملك ولقاءاته بالقوى السياسية في بداية العهد الإصلاحي بشكل مستمر انعكست إيجاباً على الوضع السياسي، ولذلك فإن أزمة الحوار لا يمكن أن يحلها وزير، وخصوصاُ أن المشروع الإصلاحي هو مشروع جلالته.

هناك دعوة لحلحلة الوضع، فهل أنتم مستعدون لإنجاحها؟

المحفوظ:     بالتأكيد إذا كانت المبادرة تدعو للحوار، فالمطلوب أن نسعى للتواصل مع بعضنا بعضاً، ووقف التعامل بلغة الطرشان أو أية لغة أخرى، فبدلاً من تشغيل ماكنة القوة والقوة المضادة والحوارات المتناثرة من هناك، فمن الممكن أن نجتمع لنتناقش بشأنها.

كما أننا في البحرين نعاني من أزمة الشراكة التي نحتاجها لحل أزمات كبيرة. وحتى يكون هذا الوطن مستقراً، يجب أن يكون أب وأم للجميع، وأنا أحد القوى الذي لا أعتبر نفسي شريكاً في هذا الوطن.

لذلك أؤكد أنه من خلال الحوار والشراكة، يمكن أن نستوعب الأمر، ويجب أن يشعر الجميع بأنهم جزء من الوطن، وأفضل مثال للشراكة كان على مستوى الرياضة حين وقف الناس جميعاً خلف المنتخب باعتباره وطناً لا منتخباً.

هل ترى في ظل ما أشير إليه من أزمة ثقة بين الحكومة والمعارضة أن تتمكن المبادرة التي دعت إليها جمعية المنبر من حلحلة هذه الأزمة؟ وهل تعتقد أن العام 2009 سيشهد تأزيماً مستمراً، أم أنه سيشهد حلحلة الأمور بعد التأزيم؟

عبدالنبي العكري:     المشروع الإصلاحي ليس مشروع جلالة الملك فقط وإنما هو مشروع توافق عليه الشعب مع جلالة الملك، وصيغ من خلال ميثاق، ولكن المشكلة أن الوضع بدأ يتراجع منذ فترة غير قصيرة ولم يتحرك أحد لتدارك الأمر بشكل فاعل.

يمكن أن ينتج عن هذه المبادرة أو غيرها تهدئة مؤقتة، وربما يطلق سراح بعض الموقوفين بعفو ملكي، ولكني لا أتوقع أن تنتهي الأزمة تماماً لأن الأزمة في بلادنا هي أزمة مركبة.

ولاشك في أن الحل في حلحلة الأمور هو في وجود حوار فعلي ويتم من خلاله اشراك القوى الفاعلة.

من يراقب الساحة يتيقن أن الساحة متعطشة إلى مبادرة كتلك التي أطلقتها جمعية المنبر، وكل صاحب مشروع يجب أن يطمئن بأن المشروع سيخطو الخطوات المطلوبة لتفعيله، فهل قامت جمعية المنبر بخطوات استباقية قبل أن يطلق هذا البيان؟

الحليبي:     المبادرة عبارة عن رؤية أولية لجمعية المنبر الديمقراطي، وسيتم بالفعل إطلاع القوى السياسية عليها ليتم العمل معهم باتجاه تفعيلها، وسيتم طرح هذه الرؤية على جمعيات التحالف السداسي.

ويجب أن أشير إلى أن المبادرة جاءت كفكرة في اجتماع اللجنة المركزية للجمعية، وعادة ما يصدر عن الاجتماع بلاغ سياسي، وصدر عن الاجتماع حينها بلاغ سياسي عن الوضع السياسي العام في البحرين ومن ضمنه هذه المبادرة، وحين تمت مناقشتها تم التأكيد أنها تخص الجميع ولا تخص المنبر فقط.

هل نتوقع أن تقوم جمعية المنبر بزيارات لتفعيل المبادرة؟

الحليبي:     هناك توجه لدينا في الجمعية بعقد ندوة في الأسبوع المقبل سندعو إليها مختلف أطراف القوى الأخرى حتى وإن كان رأيهم مختلفاً لمناقشة آليات تفعيل المبادرة.

هل لديكم نية لإقناع جهات وسيطة لتكون حلقة وصل مع الحكومة في إطار تفعيل المبادرة، مثلما كانت هناك جهات وسيطة فترة التوقيع على الميثاق، مثل جواد العريض أو حسن فخرو، فهل يمكنكم الوصول لمثل هذه الشخصيات الوطنية؟

الحليبي:     إذا تبلورت الرؤية بشأن المبادرة بشكل واضح وطرحت بصورة متكاملة فما المانع؟ وخصوصاً أن شخصية مثل الوزير حسن فخرو شخصية وطنية تعاملنا معها ويمكن أن نتعاطى معها في مثل هذا الملف.

سلمان     : الحديث الذي يدور الآن هو في عدم احتكار الجمعية للفكرة، وإنما الاستفادة من هذه الحوارات بإعطاء طابع شعبي لهذه المبادرة، وبالتالي فإن وجود مثل هذا النوع من الشخصيات وكبار المحامين والحقوقيين هي رغبة وطلب أساسي لتفعيل المبادرة، التي يجب ألا يقتصر دورها على كونها فرصة لإبراء الذمة فقط، وإنما هي مسئولية على الجميع.

أما بالحديث عن موضوع المساس بالثوابت الوطنية، فيجب عدم إغفال أن هناك من يشتم المعارضة في وسائل إعلام معينة وفي المساجد. وإذا أردنا أن نضع حلولاً، فيجب أن نتحرك من منطلق مسئولية وطنية، والأيام المقبلة في هذا العام ستكون أصعب، وخصوصاً مع توقعات أن تظهر على السطح تداعيات الأزمة المالية قريباً. ونرجو أن يكون هناك في القيادة السياسية والمعارضة من يتحمل مسئوليته هذا الشأن.

هناك اتفاق على أن المساس بالثوابت الوطنية والشتم هو أحد عوارض أزمة الثقة بين الحكومة والمعارضة، فما هي اقتراحاتك لتنقية هذه الأجواء؟

الجودر:      الشتم في المجالس والمساجد والمآتم وبعض الجمعيات، هي ثقافة موجودة منذ فترة، وهذه المسألة انتقلت للشباب وبحاجة لإعادة قيادتها قبل أن ينفلت زمام الأمور، وباعتقادي أن الوطنيين لم يتخلوا عن مسئوليتهم التاريخية، ولكن لولا مبادرة المنبر لما سمعنا استنكاراًً لرفض سياسة العنف والشتيمة.

كما أعتقد أن الجميع يعاني من قضايا مشتركة، وحين توضع على طاولة النقاش يمكن التقدم برؤية جديدة في الساحة بكل شفافية.

والإشكال الحاصل أن بعض قادة الرأي يسيرون في الاسترزاق السياسي، وإذا لم يحصلوا على مكاسب ذاتية لجمعياتهم فإنهم لا يتقدمون للمشاركة، وتراهم يتقاعسون عن دورهم الوطني.

من سيقود هذه المبادرة؟ وهل سيستمع الحكم لهذه المبادرة؟

غازي:      لابد من استحضار التاريخ، إذ لم توجد مبادرة حقيقية لنزع فتيل الأزمة سوى مبادرة هيئة الاتحاد الوطني مابين 1954 و 1956 التي دعت لنزع فتيل الأزمة الطائفية، ومن الممكن أن نتحدث عن حلول طويلة وقصيرة الأمد، وحلول في مستوى الجمعيات للتوافق على مبادرة وطنية وحلول على مستوى الشخصيات الوطنية، يمكن إضافة الشيخ عيسى قاسم والشيخ عبداللطيف المحمود إليها. وفي كل الحالات يجب المبادرة لإيقاف ما يحصل في الشارع، وبعد ذلك تتم إعادة المراجعة وتحديد استراتيجية للعمل، ومراعاة ألا يطول الحوار ويصل إلى منافذ مسدودة، كما يجب السعي الآن لوضع استراتيجية للتحرك، ولابد من إيقاف فوري للأزمة، كما يجب تشكيل هيئة للشخصيات الوطنية ذات الثقل السياسي في البحرين ليتولوا زمام الحوار.

مبادرة جمعية المنبر جيدة، والحوار مع الجمعيات السياسية أمر مطلوب، ولكن المبادرة على مستوى الجمعيات سوف تكتنفها الكثير من الأمور التي ستؤزمها، ولكننا نتحدث عن سقف بلد، وأزمات مالية مقبلين عليها.

ومن خلال هذه الندوة أدعو إلى التوجه لمبادرة وطنية على صيغة هيئة الاتحاد الوطني فوراً، وبعض دول الخليج وضعت مراكز لرصد الكوارث فيها، وفي البحرين من باب أولى أن يكون لنا مثل هذا المركز، ونحن لا نبحث عن تهدئة مؤقتة وإنما دائمة، ولذلك يجب أن تكون هناك شخصيات وطنية تسعى لنزع الفتيل، ومن ثم الجلوس على طاولة نقاش لطرح قضايا السكن والعمل وإيجاد الحلول للقضايا المستعصية بالشراكة بين الحكومة والمعارضة.

– المحفوظ:      لو جاءت المبادرة من الحكومة لاتجهت باتجاه الأمن، ويتضح ذلك من خلال قوات مكافحة الشغب التي لا تستطيع أن تعالج الشغب إلا بشغب آخر.

كما يجب اعتبار المبادرة نافذة لمسلسل طويل من المبادرات التي تستطيع أن تعالج المشكلة الموجودة، وينبغي أولاً أن نعترف بوجود أزمة بفتح الملفات، كما يجب عدم اختزال الأزمة في جانب معين بالإفراج عن المعتقلين، إذ إن ذلك لن يسحب إلا جزءاً من فتيل الأزمة. ومن الواضح أن هناك من يريد استمرار الأزمة، ونخشى أن نعود لوضع لتسعينيات.

تحدثتم عن عدم وجود مبادرة وطنية إنما مطالب، فهل نحن بحاجة إلى مبادرة على شاكلة مبادرة هيئة الاتحاد الوطني في العام 1954؟

– العكري:     الهيئة حلت مشكلة الفتنة الطائفية في الخمسينات، وكان لدينا مبادرة في التسعينات من القرن الماضي (لجنة العريضة) التي قوبلت بالرفض من الحكم، وأكدنا في أكثر من مرة أن هناك أزمة تحتاج إلى حوار حقيقي وإلى أن تجلس الحكومة والقوى السياسية سوياً، والحكومة ترد على المعارضة دائماً بأن الوزراء مجالسهم مفتوحة.

هناك حاجة لإعادة توازن القوى، وتغيير الوضع يتطلب أن تكون هناك قوى واعية ولديها ضمير للاجتماع واتخاذ موقف موحد، وعدم الدخول في صراعات جانبية. كما يجب عدم تحويل بعض الملفات إلى مشكلة .

القوى الوطنية يجب أن تنطلق من موقف، وأن يتم الاستمرار بالعمل السلمي المدني، وخصوصاً أن ردود الفعل التي تحدث تؤذي المواطنين أكثر من الحكومة.

هناك اتهامات لجمعية الوفاق بأنها غير مصدومة مما حدث، وبأنها شغلت المجتمع بقضايا غير ذات أهمية في الوقت الذي تحترق فيه البلد؟

– الموسوي:      هذا الحديث محزن، فالأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان عاش وأكل وشرب مع الاستاذ حسن مشميع، ونائب الأمين العام للجمعية حسين الديهي كان جزءاً من المبادرة التي انطلقت من داخل السجن في 1995، ومشميع في تصرفاته وقناعاته وحركته كانت تدور في إطار حرية الرأي، ونحن نؤمن بأنه صاحب رأي حر.

الحراك السياسي لديه دينامية، وتعقيباً علىمبادرة المنبر الحالية، فانها تأتي لتصلح نتجت من أطراف مختلفة، ويجب أن ندعم هذا النوع من المبادرات على أن تقدم معالجة حقيقية، ونخرجها في منتج نهائي نقول إنها نتيجة الجهود التي أسهم فيها الجميع، كمشارك وكفرد وكجمعية وكأسرة.

بعد النقاشات التي دارت بشأن المبادرة في هذه الندوة التي رعتها «الوسط»، هل أنتم محبطون الآن أم متشجعون للاستمرار في مبادرة الجمعية؟

– الحليبي:     أنا متفاعل مع ما طرح في هذه الندوة، وكجمعية تعودنا على الصبر في برامجنا السياسية، وما نطرحه اليوم سوف نحققه غداً، فقضايا المجتمع المدني والنقابات وبقية المكتسبات تحققت بفضل نضال شعبنا.

أما فيما يتعلق بشأن ما أثير على صعيد مسألة التوافق على طبيعة الحكم، فيجب التأكيد أن الشعب صوت في السبعينيات على الحكم، وأكد ذلك في ميثاق العمل الوطني، وبالتالي فإن المشكلة ليست مشكلة طبيعة الحكم، وإنما مسألة الحقوق والعدالة الاجتماعية. فالشعب يريد التوزيع العادل للثروة، ويريد المساواة والعدالة في المؤسسات والوزارات، وهناك حاجة لمقومات صحيحة لإرساء دولة القانون والمؤسسات، لأن المواطن يريد أن يعيش بكرامة في بلده، ولذلك من الأهمية بالحكومة أن تنظر في الحقوق العادلة والمشروعة للمواطنين.

كما يجب أن نؤكد أهمية إرساء أساليب العمل الوطني السلمي، والنضال السلمي الذي يقود إلى تراكمات نوعية وتغيرات تحدث نتائجها في المستقبل، ويجب على الحكم أن يدرك أن تصويت شعب البحرين على الميثاق كان مكسباً للنظام.

نحن نؤكد دور الجميع باتخاذ هذا الاتجاه باعتباره الطريق الصحيح للخروج من المأزق والتأزم السياسي، حتى يعيش شعب البحرين سعيداً، ولاشك في أن الجميع لا يريد لهذا الوطن إلا كل الخير.
 
الوسط – أماني المسقطي

 5  يناير 2009

اقرأ المزيد

عن أي يساري نتحدث؟

تعرفت قبل  سنوات أنا و مجموعة من الصبية والفتيات المولعين بالمسرح على شخصية فريدة تولي إهتماماً بالشباب وتحاورهم بالسؤال المستفز للوعي والمخيلة وتبث فيهم الثقة بالنفس وتحثهم على التعبير عن آرائهم ومجادلة السائد من واقعهم.  
كانت تلك الشخصية هي الأستاذ يوسف الحمدان الذي وضع طريقي على الكتابة قبل سنوات حينما قال لي “أرى فيك مستقبل كاتبٍ متميز.. أكتب رأيك وسأساعدك على نشره” . وعليه كتبت أول مقال لي في صفحة ملتقى الشباب الثقافي التي كان يشرف على تحريرها الاستاذ يوسف الحمدان ..  
أضع هذه المقدمة لأبين مدى تقديري وإعتزازي بما بناه يوسف الحمدان في شخصيتي قبل أن أكتب مقالاً بنيته رداً على تساؤلات الحمدان الواردة في مقاله المنشور في العدد 1153 من صحيفة الوطن الصادرة يوم الخميس الموافق 5 فبراير 2009 بعنوان ” عن أي  يسار نتحدث” .  
قال لي صديق الطفولة وأسمه قاسم وهو عامل بسيط يقرأ في التاريخ والجغرافيا من وقت لآخر ويتسم بصفات نقية وبريئة رغم شكله الذي يوحي بغير ذلك قال ” اليسار زين أو مو زين” فأجبته ساخراً.. وكيف يكون ذلك.  
فرد قائلاً:” لقد أطلعت بشكل عام على أفكار اليسار ووجدتها أفكاراً نزيهة وعظيمة.. لكني لم أجد واحداً ممن ارتبط اسمهم باليسار ممثلاً لتلك الافكار، بل هم على العكس انانيون، سلطويون، يحتقرون البشر الاقل منهم مادة وثقافة ويبجلون اصحاب المادة والنفوذ”. 
حيرني أمر قاسم كثيراً وراودتني هذه التساؤلات لعلها تجيب على تعليق صديقي قاسم الذي لم أخنه يوماً ولم يخني: عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه اليساريون ملحقين بمشاريع السلطة ومروجين لحداثتها وتنورها؟! عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه اليساريون مهرولين نحو المادة وإن كان مصدرها  جهة  جلدت وأغتالت رفاقهم؟! عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه الدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية والمساواة إرهابا؟! عن أي يساري نتحدث في زمن بات فيه اليساريون يغلبون كفة القمع والمحسوبية والفساد على كفة  النضال؟! عن أي يساري نتحدث حينما يصبح نقد الاستبداد والظلم تهوراً؟! عن أي يساري نتحدث حينما تصبح القنابل الامريكية مدخلاً للديمقراطية والحداثة؟! عن أي يساري نتحدث حينما يتحول النضال الجماهيري إلى تنظيرات وصفصفة للكلمات المنمقة تحت اضاءة ليلية خافتة؟! عن أي يساري نتحدث حينما يرتكز تحليلنا للواقع على مصالحنا الشخصية الضيقة؟! عن أي يساري نتحدث حينما يزج بثلة من الرفاق في الصراعات السياسية بينما يكتفي الباقي بقضاء وقتهم ليلاً بالنقد الجارح؟! عن أي قائمة لليساري نتحدث حينما يفقد الناس الثقة بمبادئ اليسار ويجدون فيهم مجموعة من الانانيين المكيفيين لتحليلاتهم ونقدهم وفق ما يتناسب مع مصالحهم الشخصية؟! عن أي يساري نتحدث حينما يستميح اليساري لنفسه العذر لغفران ذنب من عذب وجلد ويتم واغتصب، ولا يكلف نفسه لحظة لاستيعاب ظروف شعبه؟! عن أي تاريخ لليسار المجيد والعتيد نتحدث بعدما تبدلت الوجوه ونثر التراب على أجساد المناضلين وحل محلهم المتسلقين الداعين لمواقف أكثر إعتدالاً وفق مقاييس تمييع الخطاب بما يتناسب مع أرباب نعمتهم. حي على اليسار فهو يساوي في معناه العدالة والصدق والتفاني من أجل المجتمع.
 
خاص بالتقدمي
5 فبراير 2009

اقرأ المزيد

مصر.. والقضية الفلسطينية (2 ــ 2)

حزب الله والقاهرة

حينما تسلم الرئيس محمد حسني مبارك مقاليد الحكم قبل 28 عاما في مصر وتحديدا في خريف 1981م غداة اغتيال سلفه الرئيس أنورالسادات فقد كان تسلمه السلطة كمرشح وحيد في استفتاء شعبي قد تم بموجب شرعيتين: الاولى شرعية رئيسية أساسية تتمثل في انه امتداد لشرعية نظام الحكم القائم على ثورة 23 يوليو 1952م التي قادها الرئيس الاسبق الراحل جمال عبدالناصر، والشرعية الثانية تتمثل في انه امتداد لعهد الرئيس السابق الراحل أنور السادات الذي وقع مع اسرائيل اتفاقيات الصلح المعروفة باتفاقيات كامب ديفيد عام 1979م. وقد كان الرئيس مبارك شريكا أساسيا في عهد حكم الرئيس السادات ونائبا له، وشارك في حرب اكتوبر 1973م التي عززت سلطة السادات وأكسبته شعبية جديدة.
ولئن كان الرئيس السادات قد تسلم مقاليد الحكم في خريف 1970م بعد الموت المفاجئ للرئيس عبدالناصر حيث كان نائبا أول لرئيس الجمهورية وجرى الاستفتاء الشعبي له على هذا الاساس قد استدار بزاوية 180 درجة عن مبادئ الثورة التي جاء للسلطة بمقتضى شرعيتها، فلم يكن بمقدور مبارك في ظل موازين وتوازن قوى محلية مختلفة في السلطة فضلا عن موازين قوى اقليمية ودولية ان يستدير بزاوية 180 درجة عن نهج السادات، وقد كان شريكه في الحكم ونائبا له. فخطوة كهذه تتطلب قناعات وارادة جديدة ليقوم بانقلاب جديد كامل على الطبقة السياسية الساداتية المتشكلة في الحكم وعلى المؤسسات السياسية القائمة، وعلى الاخص العسكرية. وما كان واردا اطلاقا في ذهنية وقناعات مبارك الاقدام على مغامرة من هذا القبيل شبيهة بالمغامرة التي أقدم عليها سلفه السادات في عام 1971م مستندا الى سلطاته الدستورية الواسعة، وذلك حينما طهر مؤسسات السلطة والاتحاد الاشتراكي من الرموز والقوى الناصرية التي أسماها «مراكز القوى«، واستدار يمينا نحو أمريكا ورفع سياسة «الانفتاح الاقتصادي« كعنوان للتراجع عن كل قرارات يوليو الاشتراكية، وصولا إلى إقامة صلح دائم مع العدو الاسرائيلي. على ان الرئيس مبارك يحسب له انه حاول قدر المستطاع ان يرد الاعتبار لشرعية ثورة يوليو وان يكون أمينا ولو رمزيا من ناحية الخطاب السياسي لكلتا الشرعيتين اللتين ورثهما: شرعية ثورة يوليو وشرعية العهد الساداتي الذي بموجبه آلت السلطة اليه. وعلى سبيل المثال فقد تم في عهد مبارك احياء تراث ثورة يوليو السياسي في عهد عبدالناصر، ومن ذلك اذاعة أغاني الثورة في المناسبات الوطنية التي ظلت مغيبة طوال حكم السادات واعادة طبع خطب عبدالناصر وقراراته ومشاريعه الكبيرة السياسية.. الخ، ونأى مبارك بذلك عن نفسه توجيه الاساءات غير المباشرة التي كان يوجهها السادات في خطبه الى عبدالناصر. والمشكلة ان العرب الذين يطالبون القيادة السياسية المصرية بأن تلعب دورا صداميا مع اسرائيل يغفلون أو يجهلون كل هذه الخلفيات والحقائق التاريخية والاشكالية التي جاء في ظل ظروفها الرئيس مبارك للحكم عام 1981م، وينسون كذلك ان العرب، أنظمة ومعارضات، قد سلموا مقدما بأهمية الدور المصري حتى في ظل التزام القاهرة بكامب ديفيد وذلك بعد عشر سنوات من فشل مقاطعتها ونقل مقر الجامعة العربية منها الى تونس. وبالتالي فهم ينسون أيضا ان الدور المصري يظل بالغ الأهمية ومطلوبا، ولا يمكن تجاوزه في كل الظروف ولاسيما عند أخطر المنعطفات التي تمر بها القضية الفلسطينية وقضايا العرب المصيرية الأخرى. ولعل خير شاهد على ذلك تسليم جميع الأطراف العربية الآن، شاء بعضها أم أبى، وتسليم كذلك كل الفصائل الفلسطينية وبضمنها «حماس«، بهذا الدور الذي لعبته مصر خلال العدوان على غزة ومازالت تلعبه بعد وقف العدوان. ورغم احترامي وتقديري لعطاءات وتضحيات حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني الجهادية ودوره التاريخي في المقاومة اللبنانية وعدم تشكيكي في وطنيته وصدق نياته، فإن واحدا من أكبر أخطائه خلال العدوان الأخير هو لجوؤه في التعبير عن نقده واختلافه مع القيادة المصرية، فيما يتعلق بمواقفها خلال العدوان على غزة إلى الهجوم الخطابي المباشر المنفعل الحاد ضد القيادة المصرية على نحو ليس أشد من المعارضة الوطنية المصرية نفسها فحسب، بل على نحو لم تلجأ إليه البتة «حماس« نفسها ضحية العدوان وحليفة حزب الله، مما يعرض الاولى للحرج البالغ في هذه الظروف الدقيقة التي تقوم خلالها القاهرة بجهود الوساطة للمصالحة الوطنية الفلسطينية، فضلا عن جهودها لتثبيت تهدئة جديدة في غزة بأقل الخسائر السياسية الممكنة مع العدو الاسرائيلي. وإذا كانت «حماس« قد لاذت بالصمت حول هجوم السيد نصرالله اللاذع المتكرر ضد الحكم المصري، فلربما مما لم يخطر على بال السيد حسن نصرالله، بل الكثير من العرب، ان المصريين هم من أكثر الشعوب العربية حساسية، ان لم يكن أكثرهم، تجاه من ينصب نفسه من العرب ناطقا باسمهم ضد نظامهم، أو يزايد على وطنيتهم ويلقي عليهم دروسا قومية أو نضالية أو جهادية فيما ينبغي ان يفعلوه أو ما لا يفعلونه ضد سلطتهم. ومن هنا تكمن بالضبط ردة الفعل الغاضبة من قبل معظم أو كل القوى السياسية المصرية، وليست السلطة فقط، وذلك حينما حرض السيد نصرالله، ضمنيا، المؤسسة العسكرية ضد القيادة السياسية في مصر ابان العدوان الاسرائيلي الاخير على غزة. نعم يستطيع ان يفعل «السيد« ذلك داخل وطنه في مطلق الأحوال كما يحلو له تجاه خصومه من القوى السياسية الداخلية، بصرف النظر عن مدى صحة هذا النهج في مطلق الاحوال، لكن ما يجانبه الصواب لو اتبع هجومه في مطلق الاحوال ضد الحكومات والقيادات الرسمية العربية. ولعل واحدا من أكبر الاخطاء السياسية التي مازالت تقع فيها قيادة حزب الله، للأسف، ولا يبدو انها بصدد مراجعتها انه بالرغم مما تخوضه من صراع ازاء مشكلات داخلية عاصفة وفي منتهى الخطورة والدقة فإن ذلك لا يحول دون ان تخوض في ذات الوقت عدة معارك خارجية في آن واحد على عدة جبهات وفي جميع الاتجاهات، من دون ان تسمح لنفسها بأن تلتقط أنفاسها قليلا، ومن دون تربص بعواقب ذلك على مستقبل الحزب. ناهيك عن ان هذا الحزب له تمثيل في حكومة يفترض، لضمان مصالحها، ان يكون نهجها معتدلا متوازنا ومحايدا بين الحكومات والمحاور العربية المتضاربة. وبالتالي أما كان من الممكن في هذه الظروف ان يعبر الحزب عن خلافه مع القاهرة بصورة إعلامية أقل من الهجوم القيادي المباشر؟ ولئن دأبت القاهرة الرسمية في دفاعها عن نفسها منذ عهد السادات على أنها أكثر الدول العربية التي قدمت تضحيات هائلة من أجل القضية الفلسطينية، فإنه آن الأوان لمراجعة مثل هذا الرد، ليس لكي لا يبدو منة على الفلسطينيين فحسب، بل لأن مصر حينما خاضت كل حروبها ضد اسرائيل انما خاضتها أساسا ليس من أجل فلسطين فقط، بل دفاعا عن أمنها القومي حيث كانت اسرائيل على الدوام تهدد كل العرب، ودفاعا أيضا عن شرفها وكرامتها ودفاعا عن دورها الريادي المقيض لها ان تلعبه في الفضاء العربي في هذه المرحلة التاريخية المديدة من حياة الامة العربية.. وبالتالي فهذا قدرها الموضوعي الذي رسمته لها الجغرافية والتاريخ والثقافة العربية المشتركة.. ولا تستطيع بإرادة أي حاكم من حكامها التراجع عنه مهما طال الزمان.

صحيفة اخبار الخليج
5 فبراير 2009

اقرأ المزيد

إعادة تقييم التجربة السياسية

يجري السكوت على الماضي إلا من إنجازاته، وهذا أمر مشترك لكل القوى الاجتماعية والسياسية. يحبذون نشر تاريخ مضيء زاهي الألوان، والكل مع هذا يدرك أن ثمة أخطاءَ جسيمة، وتقديم الصورة الزاهية قد يصل حتى إلى التشويه وعرض صور كاريكارتيرية عن تاريخ المجتمع والقوى المختلفة. وهذا ما يدفع إلى أن كل إنسان يقدم صورة وردية عن نفسه، حتى لوكان بعيداً جداً عن هذه الصورة البطولية المتألقة الزائفة. وبطبيعة الحال لا يصحح أحدٌ هذه الصورة، ولكن لماذا وقعنا ونستمر في هذه الكوابيس إذا كان الجميع أبطالاً؟ تستمر هذه القوى السياسية بنشر الصور الوردية لأن هذه الصور تعكس التوحد الزائف، وإخفاء الأخطاء الكبيرة في تاريخها وتداخل المخطئين والسيئين والحرامية والانتهازيين بأبطال العمل الحقيقي التائهين والضائعين والصلبين في هذا العزف المشترك للفرقة الحماسية الوطنية. صخب الفرقة وحماسها الذي يصم الآذان يتناقض مع بعض العيون الزائغة وفلتات اللسان عن سوء بعض البقع الكبرى في الماضي، وهذا الجمود السياسي في كل شيء وعن كل شيء حقيقي، ليستمر الماضي كما كان الماضي، المسرح نفسه والأبطال أنفسهم، والمأساة نفسها! الجمع السياسي أو التيار أو سلطة التجمع وما شئت من أسماء لا تريد تبصراً نقدياً للماضي، وألسنة أحوالها دعونا من الماضي، والحاضر أهم والمستقبل أجدى. إنه رجل مريض مأزوم يعيش عقداً ولكنه خائف من الذهاب للطبيب المعالج. فيكفي بهذه الوحدة الموهومة التي يعيش فيها مع نفسه في بضع لحظات من اليوم المعيشي، يكفي أن يتوهم الصلابة والبقاء والصحة، وإنه ليس منقسماً ولا منفصماً، بل هو بطل كبير! يقوم بكتابة صفحات كثيرة عن نفسه وإنه قاوم وكافح المردة والشياطين وقاد المظلومين وفعل وفعل ما لم يفعله أحد. لكن الواقع الذي يعرفه آخرون بأنه ليس في هذه المكانة العالية، وأنه رجل له إيجابياته وله أخطاؤه، لكن الصورة الموضوعية هذه إما أن تـُزال تماماً ولا يستطيع أحدٌ أن ينطق بها، وإما أنها تصير مهموسة ومنتشرة في أمكنة كثيرة ولكن لا تصل إلى أسماع البطل! في بعض القوى السياسية هناك رفض للتمادي في هذه الصورة البطولية الزائفة خاصة إذا قاد (البطل) الجماعة إلى كوارث، فيصبح الانقسام هنا ضرورياً، لكن الانقسام لا يصل إلى محاكمات فكرية في الماضي والحاضر، وكيف أن التيار أو القوة الاجتماعية الكبيرة تشكلا في ظل الحماس البطولي وعبر الكثير من الادعاءات والتباهي بالحزب أو بالقبيلة أو بالطائفة المنصورة. فقد كانت الدنيا ظلاماً حتى ظهرت القبيلة – الحزب – الطائفة – الجماعة النورانية، ورفعت الشمسَ المنيرة فوق المسرح المعتم، وحينذاك بدأ التاريخ! من الممكن في هذا التاريخ أن تـُستحضر أسماء وتواريخ دقيقة، وتـُجلب وثائق وحيثيات، وتنهمر ذكرياتٌ عاطفية مريرة مليئة بالدموع والشجن والفرح الوامض، ولكن كل هذا من أجل صورة البطل الخالد؛ الحزب، الجماعة، الطائفة، القبيلة، وكيف صارت في هذا العلو. إن حالة الأمية الثقافية والفقر النظري هي من حماس جماهيري شعبي بسيط للحفاظ على مصالح تائهة في خضم العولمة والتحولات الرهيبة التي جعلت الغرباء والأجانب والفضائيات والاقتصاد البذخي والاقتصاد الشمولي تهيمن، وجعلت كلها الناس الغلابة مثل أعواد في نهر جارٍ جارف، يتمسكون بأي شيء من أجل البقاء في العيش. وحتى المصالح القوية لا بد لها من صورة موهومة بطولية، ولكن إلى أي حد هي قوية؟ وفي غمضة برميل نفطي وانتباهته تتدحرج قوى وعوالم. يستبدلون بالرمضاء النار، فهم بحاجة الى البطل لكي يحفظ وحدتهم الموهومة الراهنة، ويدافع عن حقوقهم، أو امتيازاتهم غير الصامدة للتاريخ. ولهذا حين تحدث العروضُ التاريخية الزائفة وتـُوضع أدلة ناقصة، وتواريخ مبتورة، هي كلها بغرض أن (تاريخنا) كان هو التاريخ البطولي الذي صنع المجد الراهن. أو يجري عرض انتقادي بسيط لتاريخ الجماعة المنصورة فلو أنها واصلت نهجها لتوصلت إلى انتصار كامل. كان أغلب هذا التاريخ للجماعة – للحزب – أخطاء فادحة، ولكن هذه الأخطاء الرهيبة تم محوها من الشريط الملون الزاهي، الذي تواكبهُ الموسيقى الحماسية المخدرة للعقول! ويذهب المخدرون لمواقع النزاع والحرب التقليدية وخنادق التباهي بالأمجاد ليواصلوا حروب داحس والغبراء التي تزيد الطين الوطني بلة أجنبية وسرقات عولمية وتناثر الثروة الشعبية شرقاً وغرباً. لا يستطيع كلٌ من هذه القوى الاجتماعية أن يقرأ التاريخ الحقيقي، فالصور الزائفة لها حراسها وعلاماتها التجارية وإعلامها وفضائياتها وفرقها الغنائية. لا تستطيع أن تغير شيئاً جوهرياً في أحوالها، تصير متحجرات، أما النقد السياسي فلا يستطيع أن يخترقها، وإذا طاف في جوقة الدراويش فهو ضائع ويبتر بقوة. لا توجد حريات عميقة ونظرات مستقبلية بعيدة المدى فليس ثمة كوادر شبابية جديدة يُسمح لها بالنشوء الحر، حتى لو كانت تريد مصلحة الجماعة – الطبقة، فلا يتم تشجيعها من قبل الديناصورات السياسية على الإبداع السياسي إلا إذا كان تطبيلاً. المراكز المهيمنة في كل هذه الكتل الكبيرة والصغيرة تعيش على الأكل اليومي وما دامت الخزائن معمرة بالملايين أو أن البطون شبعى بالخبز، أو أن الأموال تتدفق على أقطاب الفئات الوسطى، فلا شيء يدعو للنظر في المستقبل وكشف تاريخ الجماعة المليء بالأخطاء أو رؤية الطوابق السفلى للوزارات. من هنا فإن الأبطال هم المسيطرون على المسرح المتداعي، وتجد العديد من المسوخ فرصة فريدة لكي تتحدث عن عظمتها.

صحيفة اخبار الخليج
5 فبراير 2009

اقرأ المزيد

المبادرات السياسية

سلطت وسائل الاعلام خلال الايام القليلة الماضية على بيان اللجنة المركزية للمنبر التقدمي الذي دعا فيها الى مبادرة لحلحة الاوضاع السياسية التي تشهدها البلاد وتطوراتها خلال الاسبوعين الماضيين.
وهذه المبادرات من الطبيعي ان تصدر من الجمعيات الديمقراطية تحديداً، واعني هنا بالتحديد جمعيتي المنبر التقدمي والعمل الوطني، لسببين رئيسيين، الاول لما لهما من رصيد وتجربة سياسية، والثاني لأنهما يستطيعان بوصفهما ممثلان عن التيار الديمقراطي ان يمدا الجسور بين الطوائف.
ان المبادرة التي دعا لها التقدمي، والذي  أبدى الأمين العام د. حسن مدن استطاعة تياره تفعيلها، تحتاج الى حوار يبدأ بالجمعيات والقوى السياسية الفاعلة في المجتمع والمعنية بحركة الشارع وجماهيره، حتى تتمكن ان تصل الى صيغ تفاهم تجمع هذه القوى بشأنها.
ولا يمكن ان تنجح أي مبادرة إذا كانت عقلية المؤامرة (معشعشة) في ادمغة بعض (الديماغوجيين) الذين لا يقبلون أي شيء يصدر من الاخر، ويطلبون من الآخر ان يقبل كل ما يصدر عنهم.
المبادرة تحتاج الى الحضور بذهن مستعد لتقبل النقد ومستعد لإبداء التنازلات، ذهن يبعد عنه الكبرياء والأنفة حتى يستطيع ان يفكر بعيداً عن أية مصالح ضيقة او تأثير لجمهور او تيار.
إذا ما قرر المنبر التقدمي ان يتحمل هذه المبادرة فإن عليه حمل كبير، ولكنها محاولة نأمل ان تقدم شيء يجعل من بلدنا أكثر تقدماً وأمنا.

5 فبراير 2009
صحيفة الايام

اقرأ المزيد

جيل 1968

في عام 1964 عندما كان الجنرال شارل ديجول رئيساً للجمهورية الفرنسية سأل مندوب مجلة فرنسية الكاتب والمفكر جان بول سارتر عن تفسيره لانصراف الشبيبة في فرنسا عن السياسة. قال الصحافي: إن فرنسا تفقد اهتمامها بالسياسة, وهذا اللاتسييس يتجلى في انصراف الشبيبة الفرنسية ليس عن الايديولوجيات فحسب, بل حتى عن الأفكار, فما يستحوذ على اهتمام الشبيبة هو التقنية بوصفها سبيلا للرفاه. بعد أربع سنوات فقط من طرح هذا السؤال شهدت فرنسا انبثاق الحركة الطلابية التي غيرت أشياء كثيرة في فرنسا وفي أوروبا, لا بل في العالم كله, سواء في السياسة أو في الفكر أو في الثقافة, أي أن الشبيبة التي وصفها مندوب المجلة الذي حاور سارتر بأنها تنصرف عن السياسة هي ذاتها التي ملأت الشوارع في باريس وبقية المدن الفرنسية رافعة الشعار الشهير: “كونوا واقعيين واطلبوا المستحيل”. خصصت النسخة العربية من مجلة «فكر وفن» الألمانية عدداً خاصاً عن حركة الطلبة والشباب في عام 1968 التي مرت في العام الماضي الذكرى الأربعون عليها. ابتدأت تلك الحركة في فرنسا, واجتاحت, فيما بعد, البلدان الأوروبية الأخرى, ثم شملت آثارها البلدان النامية, بما فيها البلدان العربية, لذلك فإن الملف المذكور اهتم برصد انطباعات عدد من المثقفين والناشطين السياسيين العرب, من أولئك الذين ينتمون إلى ذلك الجيل, عن آثار تلك الانتفاضة على وعيهم ونشاطهم. علينا ملاحظة أن هذا العام, عربياً, كان العام الذي تلى هزيمة الخامس من حزيران/يونيو التي شكلت صدمة في الوعي العربي. ردة الفعل يومها لم تكن التسليم بالهزيمة, وإنما التمرد على العوامل التي قادت إليها, لذا فان أفكار الانتفاضة الطلابية الفرنسية صادفت هوىً في نفوس الجيل الجديد من الشبان, خاصةً منهم طلبة الجامعات. من مفاعيل ذلك انبثاق الحركة الطلابية المصرية في مطالع السبعينات التي قامت تحت عنوان رئيسي هو الدعوة للحرب, للثأر من الهزيمة ولتحرير الأراضي المحتلة. في سنواته الأخيرة بدا جمال عبد الناصر متفهماً لغضب الطلبة وتمردهم وللدوافع الوطنية وراء تحركهم, لذلك أصدر توجيهات بتوسيع الحريات الأكاديمية والنقابية في الجامعة. لكن عبد الناصر سرعان ما رحل, وجاء السادات الذي واجه صعود التيارات الديمقراطية بتمكين التيارات الإسلامية في الجامعة, والنتائج معروفة لا على المصير الدراماتيكي للسادات نفسه فحسب, وإنما على صعيد التحولات الفكرية والاجتماعية التي شهدها المجتمع, وامتدت آثارها عربياً. أكثر من مشارك عربي في الملف المذكور رأوا أن آثار 1968 لم تنته أو تزول, رغم كل التحولات التي جرت. رشيد الضعيف, من لبنان, مُوقنٌ بأن أثر هذه الأحداث باقٍ لأنها حفرت عميقاً, في الأخلاق وفي الثقافة, وهو أثر يتعايش مع التحول المستجد. أما المغربي محمد بنيس فيعبر عن اندهاشه من أولئك الذين يعبرون عن ندمهم لكونهم شاركوا يوماً في تلك الأحداث, سواء في المغرب والعالم العربي أو في فرنسا ذاتها, مع أن انتفاضة 68 كانت ثورةً على ما شَرع في الظهور من نموذجِ حياةٍ يقومُ على الفرجة والاستهلاك. بالنسبة له, فإن تلك الانتفاضة هي الروح التي كانت للشعوب في أزمنة عبر التاريخ, وهي تحضرُ اليوم في كتابات وأعمال فنية لا تستريح.
 
5 فبراير 2009
صحيفة الايام

اقرأ المزيد

حميد مجيد موسى حول الانتخابات ونتائجها: فاز العراق.. فليشعر الجميع بانهم فائزون


هنأ سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق حميد مجيد موسى، الشعب العراقي على نجاح الانتخابات التي جرت أمس الأول، ووصفها بالفعالية الكبيرة من فعاليات ترسيخ الحياة الديمقراطية، رغم كل ما اعتراها من ثغرات ونواقص، مؤكدا أنها محطة مهمة على طريق استقرار البلد السياسي والأمني واستعادة استقلاله وسيادته. جاء ذلك خلال لقاء أجرته “طريق الشعب” مع موسى، بعد انتهاء عمليات الاقتراع وقبل إعلان النتائج، للحديث عن انتخابات مجالس المحافظات ومدى أهميتها وتأثيرها على لوحة تناسب القوى السياسية، وعلى العملية السياسية في البلاد عموما. وفي ما يلي نص اللقاء:


ما أهمية انتخابات مجالس المحافظات، التي جرت امس؟ وما هي انعكاساتها في العمل السياسي العراقي: عمل مجلس النواب، الحكومة، وفي التطورات اللاحقة وصولا الى الانتخابات العامة؟


هذه الانتخابات، باعتبارها استحقاقا دستوريا وقانونيا، سترسخ المسيرة الديمقراطية في العراق. وستؤكد إن صناديق الاقتراع وآراء المواطنين والأساليب السلمية هي الأجدى والأنفع لاستعادة البلاد عافيتها.
وهي، أيضا، حدث سياسي مهم جرى على خلفية صراع متنوع الأوجه على السلطة وعلى رسم ملامح مستقبل العراق. فهناك تنافس على الدور الأكبر في صنع القرار السياسي، وصراع على القيادة في إدارة الدولة.
وجاءت هذه الانتخابات لا لكي تحسم هذا الصراع بشكل نهائي، إنما لتضع مؤشرات أساسية على طريق تمايز القوى، وإعادة اصطفافها، وبالتالي تأشير أدوارها في المستقبل القريب، خصوصا وإنها مدخل لانتخابات مهمة قادمة ستجري نهاية العام الجاري، ونعني انتخابات مجلس النواب الجديد.
جرت الانتخابات في ظل ظروف أمنية أفضل قياسا الى ما كان في انتخابات سابقة. وقد شهدت مشاركة واسعة ممن لم تتسن لهم المشاركة من قبل. وهذا مرتبط بالنجاحات على الصعيد الأمني والعسكري وفي هبوط معدل العنف والأعمال التخريبية وتأثيرها الضار على مساهمة المواطنين ومجرى العملية الانتخابية، فضلا عن انها تمت في ظل ظرف سياسي عام انسب من السابق.

لكن، ورغم هذا التقدير بان العملية الانتخابية – بشقها الأول: الحملة الإعلامية، وشقها الثاني: التصويت – اتسمت بالطبيعية، الا ان هناك ثغرات ونواقص لا يمكن تفسيرها بمجرد حداثة التجربة. فقسم منها يعود الى سوء الإدارة والى خروقات ارتكبتها بعض الكيانات والشخصيات المرشحة. فمثلا الإرباك الذي حصل في سجل الناخبين وما عاناه المواطنون في العثور على مراكزهم وأسمائهم فيها، بسبب التغييرات التي طرأت على السجلات،  هذا الارباك حرم عددا غير قليل منهم من فرصة الإدلاء بأصواتهم.
كذلك لعبت محاولات البعض الضغط والتشويش على حرية واستقلالية رأي المواطنين، دورها بهذا الشكل او ذاك. فيما عكس تضييق بعض المسؤولين على دور المراقبين وممثلي الكيانات السياسية، بالرغم من محدوديته، موقفا سلبيا من جانب بعض من لم يحسن اختيارهم في ادارة مراكز الاقتراع، ازاء الديمقراطية، هذا فضلا عن مساعي البعض من ممثلي الادارة المحلية للتدخل والتأثير على ارداة بعض الناخبين.
وهناك النواقص ذات الطابع اللوجستي، مثل تأخر فتح المراكز وعدم توفر بعض المستلزمات او النقص في وسائل النقل مما  اثر سلبا، بشكل او باخر، على العملية الانتخابية وأحدث بعض الشروخ.

كل هذا لا يمنع القول بان الانتخابات جرت، على العموم، بشكل طبيعي.

اما تأثير هذه الانتخابات على لوحة تناسب القوى السياسية فامر لا شك فيه. حيث ستتغير مواقع لصالح بعض القوائم على حساب قوائم اخرى. وسنشهد تغيرا ملحوظا، ولكن غير جذري في تركيبة مجالس المحافظات. واذا كان هذا التغيير سيؤثر على بعض جوانب عمل وتوجهات مجالس المحافظات، كقضية العلاقة بين السلطة الاتحادية وصلاحيات المحافظات او حول فكرة تشكيل الأقاليم، فان هذا لن يعني بالضرورة ان مجالس المحافظات، بصيغتها الجديدة، ستتخلص من الكثير من الممارسات السلبية. بل يمكن ان يحتدم الصراع بين الاطراف الجديدة المكونة لهذا المجالس، ما قد يؤدي  الى شللها، ان لم نحسن ادارة ملف التنوع والتعدد واحترام الرأي والرأي الاخر عبر البحث عن المشتركات، لاستخلاص ما يوفر لهذه المجالس من ظروف وبيئة لتحقيق بعض المكاسب،  خصوصا تحسين الخدمات

توزانات القوى

وستنعكس نتائج انتخابات مجالس المحافظات على علاقات القوى  على الصعيد الوطني وتوازناتها. وهذا سيخلق مفارقات جديدة؛ اذ ستبقى السلطة المركزية على تركيبتها الحالية،  بينما ستأتي نتائج الانتخابات بمحصلة أخرى، لا يمكن تجاهلها، مثلما لا يمكن الاعتماد عليها في تغيير مسار عمل الهيئات الاتحادية التي بنيت على أسس أخرى. وهذا سيؤثر سلبا، ان لم تجر ادارته بطريقة مسؤولة ومرنة وواقعية،  على عموم انجازية مؤسسات الدولة، وضمنا سيتجسد في عمل مجلس النواب.

جرى تصوير الصراع، اثناء الحملة الانتخابية، على انه صراع بين قوى اسلامية واخرى علمانية، ما مدى تأثير هذا الترويج على العملية الانتخابية بشكل عام، وما الغاية منه؟


لم يكن الصراع في محتواه الأساسي صراعا بين القوى الدينية الإسلامية والعلمانية، فذلك تشويه وافتراء على الواقع، يمثل رغبة بعض الأطراف والقوى في التضبيب، والتأثير على المسار الحقيقي للصراع الدائر في المجتمع العراقي.
ان الصراع، في حقيقته، يدور بين القوى التي تنشد الدولة المدنية الديمقراطية، وبين قوى الإرهاب والتخريب والدكتاتورية واصحاب الأجندات الخارجية.
ونحن نعتقد ان الصراع الرئيسي يجري حول إعادة بناء الدولة لتكون دولة قانون ومؤسسات ديمقراطية، دولة مستقلة وذات سيادة كاملة. لذلك نرى ان الجبهة المؤيدة لهذا التوجه تشمل إسلاميين وعلمانيين، فهناك كثير من الإسلاميين يعملون على بناء دولة مدنية ديمقراطية مستقلة، وهناك بين العلمانيين من لا يحترم الديمقراطية ومنظومتها المطلوبة، بل يحن الى زمن الاستبداد والدكتاتورية والمركزية المفرطة ويساهم حتى في إعمال التخريب

تشويه مقصود

هذا التشويش والتشويه المقصود، الذي يتورط فيه البعض بشكل غير واع، ينبغي الحذر منه. فلا زال البلد يواجه مهمة ترسيخ الاوضاع السياسية والامن والتنمية الاقتصادية الكفوءة، التي توفر فرص العمل الواسعة، ومهمة تحسين مستوى المعيشة وتطوير الخدمات، في ظل ظروف سلمية بعيدة عن العنف والتعصب الطائفي وألاثني والمليشيات، في دولة يحكمها القانون وتؤطرها المؤسسات الديمقراطية وحرية الاختيار واحترام حقوق الإنسان.
واذا كان هذا هو التناقض الأساسي في العراق، فأنه لا ينفي وجود تناقضات فرعية بين الإسلاميين أنفسهم. وبين العلمانيين أنفسهم.  وبين العلمانيين الديمقراطيين وبين الإسلاميين المتشددين. وبين توجهات عقلانية علمية في إدارة الاقتصاد والخدمات الاجتماعية، وبين توجهات ليبرالية منفلتة.

خلال جميع مراحل العملية الانتخابية ضخ العديد من  استطلاعات الرأي. هل يمتلك العراق مؤسسات كفوءة بامكانها تقديم استطلاعات مجردة وحيادية؟


لقد حذرنا، منذ البداية، من الركون إلى مثل هذه الاستطلاعات. فالبلد لم يستقر بعد، ولم تتبلور فيه، بشكل واضح، اراء المواطنين. ولم تتوفر مؤسسات مقتدرة تعتمد منهجا علميا وحيادية مطلوبة لاجراء مثل هذه الاستطلاعات. بل ان الكثير منها يحمل في طياته الاحكام المسبقة، بعيدا عن التجرد. اختياراتها وعيناتها غير مناسبة. لهذا تأتي، في غالبيتها، بنتائج غير دقيقة؛ احيانا تبالغ، وأحيانا اخرى تستخف وتستصغر. وفي الحالتين يكون المردود سلبيا، خصوصا على الاطراف المتنافسة.
 فاذا بالغت فهي تدفع الى الغرور وما يأتي به من خدر وكسل. وان بخست وقللت فهي تأتي باليأس والاحباط وعدم الاكتراث. مازال امامنا شوط طويل حتى تبنى مؤسسات نزيهة علمية مجردة للقيام بأستطلاعات موضوعية للراي العام العراقي واتجاهاته.

وكيف تقيمون سير العملية الانتخابية، بمختلف مراحلها؟


المجتمع العراقي حديث العهد بالممارسة الانتخابية، وتجربته ليست طويلة في التقاليد الديمقراطية. لكن هذه الجولة اتسمت بأفضليات واضحة على التجارب السابقة، على اكثر من صعيد:  في توفر الظروف السياسية والأمنية وفي التعليمات والقوانين والإجراءات الإدارية. ومع ذلك لا يمكن القول انها تجاوزت كل النواقص والثغرات، فاذا كان هناك بد من تأشير خلاصات حول هذه الجولة فيمكن استخلاص مجموعة من الدروس تفيدنا في ترسيخ الممارسة الديمقراطية:

دروس


(1) علينا ان ننظم الدعاية الانتخابية. فقد صرف مال سياسي دون ضوابط، وهذا يؤثر على قناعة المواطن وحرية اختياره. فالكثير من الدول الديمقراطية تضع الضوابط وتنظم عملية الصرف ونفقات الحملة الانتخابية. وهنا يتوجب على قانوني الانتخابات والأحزاب ان يحددا ضوابط هذه المصاريف.
(2) تنظيم عملية تسجيل الناخبين وتيسير إمكانية وصول الناخب الى صندوق الاقتراع دون تعقيدات. وهذا يحتاج الى تقليص التغييرات غير المبررة في سجلات الناخبين. وضرورة التثقيف الواسع بأهمية مراجعتها قبل الاقتراع.
(3) الحاجة لان يكون عمل المفوضية دائميا وليس موسميا لكي لتكون معرفة المجتمع بالتعليمات والآليات عميقة وراسخة وواضحة. وعلينا ان ندخل هذه التعليمات والمفاهيم في نظامنا التعليمي الابتدائي والثانوي والجامعي، فضلا عن وسائل الأعلام، حتى تستقر الأمور لدى المواطنين.
(4) الحاجة ما زالت مستمرة لتأهيل وتدريب العناصر المسؤولة عن إدارة المحطات والمراكز، والتركيز على اختيار الأفضل والانزه والأكثر التزاما بتنفيذ القانون.
(5) إيجاد سبل واليات للتأثير على الضخ المشوش لبعض وسائل الأعلام والفضائيات.
(6) تعديل قانون الانتخابات بما يضمن  تجسيد حصة المراة  في مجالس المحافظات، وتعديل ما يتعلق بنظام توزيع المقاعد المتبقية.


هل يمكن القول ان خيارات الناخب باتت، اليوم، اكثر نضجا؟ وانه لم يعد يستند الى الولاءات التقليدية؟


في هذه الانتخابات ضعف صوت التعصب الطائفي والاثني الى حد كبير. وهذا تطور جيد ويؤسس لعمليات أفضل، في المستقبل،  باتجاه التضييق على المحاصصة عموما.
وهذا يؤشر توجه الكثير من المواطنين الى صناديق الاقتراع ليس بدافع الولاء الطائفي، وانما بدافع وطني ورغبة في اختيار الأفضل وتحسين الخدمات.
لكن هذا لا يعني بان كثيرا من المواطنين البسطاء، الذين يعانون من ألامية والجهل والتخلف والعوز والفقر، وهي أمراض مستشرية في مجتمعنا، قد تحرروا من الولاءات التقليدية ومن الخوف. وتمكنوا من ممارسة استقلاليتهم الفكرية والسياسية التي لا زالت ترتبط، الى حد كبير، بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، ما اضطرهم الى إعلان الولاء الى هذه الجهة او تلك للحفاظ على مصدر الرزق او لقمة العيش.

اعادة تربية

هذه عملية تحتاج الى جهد سياسي واجتماعي واسع كي يستطيع المواطن الاختيار بشكل حر.  والى تثقيف وإعادة تربية وضمان الحرية لمساعدة المواطن في التخلص من عقدة الخوف التي رسختها الأنظمة الاستبدادية والفوضى والتجاذبات والفتن الطائفية وسطوة المليشيات.
بدون ان نعيد العافية الى المجتمع، ويتحقق الاستقرار الامني والسياسي وتتوفر فرص العمل، يصعب القول ان المواطن تخلص من عقدة الولاءات التقليدية وتأثيرها.

كيف تنظرون الى اداء الحزب الشيوعي العراقي في هذه الانتخابات؟


سعى الحزب الشيوعي العراقي ، انطلاقا من فهمه لما تعنيه هذه الانتخابات، الى ان يكون مساهما فعالا فيها، لا بهدف التطاحن وتأجيج الصراع، ولا بهدف التسلق والحصول على مقاعد دون وجه شرعي وقانوني، على الرغم من اهميتها وضرورتها، انما لكي يمارس حقه في الوصول الى الجماهير وتعريفهم بمواقفه وبرنامجه، ليكون طريقا سليما للوصل الى مواقع المسؤولية.
لهذا عبأنا منظماتنا وشكلنا لجانا انتخابية مركزية، ووضعنا الخطط التفصيلية لتنظيم وتعبئة قدراتنا على المساهمة في العملية الانتخابية دون الاستخفاف بالعقبات والعراقيل والصعوبات التاريخية والآنية، الفكرية والسياسية. وكنا، اعتمادا على تجارب سابقة، نسعى الى تحسين موقعنا، وبالأساس للحصول على نسبة أصوات اكبر، ومد جسور وصلات أوسع مع جمهور شغيلة اليد والفكر.


تقييم اولي

تقييمنا الأولي ان منظماتنا الحزبية ورفاقنا بذلوا جهدا استثنائيا لتحقيق وجهة الحزب، وحشدوا إمكانياتهم وطاقاتهم. ونعتقد ان ما حققوه يمثل رأسمالا مهما، ليس  فقط للانتخابات الحالية، وإنما لمستقبل العملية الديمقراطية والانتخابات اللاحقة. فنحن ندرك إمكانياتنا المتواضعة ونعرف خلفياتها وأسبابها التي قسم من عواملها موضوعي خارج عن إرادتنا، وقسم اخر ذاتي يتعلق بخصوصياتنا وإمكانياتنا.  هذه العوامل تفرز وضعا ليس سهلا لنشاط الشيوعيين وحجم مساهمتهم في مجالس المحافظات وغيرها من المؤسسات. لكن هذا لا يدفعنا، اطلاقا، إلى اليأس. بل إننا مقتنعون ان الأمر المهم هو ان منظمات الحزب أصبحت أكثر قدرة تنظيمية وأكثر خبرة في العملية الديمقراطية، وأوسع صلة بالجماهير وأكثر معرفة بخصوصيات وتعقيدات الظرف السياسي ومشاكل المواطنين وادوار ونشاط القوى السياسية الأخرى.
محصلتنا، على الصعيد الحزبي الخاص، جيدة بصرف النظر عن النتائج التي ستتحقق في الوصول إلى هذا المجلس او ذاك. وسيكون لنا تقويم آخر بعد ان تتضح الأمور مع وصول تقارير منظماتنا الحزبية التفصيلية.



وكلمة اخيرة !

نهنئ الشعب العراقي على نجاح هذه الفعالية الكبيرة من فعاليات ترسيخ الحياة الديمقراطية، ورغم كل ما اعتراها من ثغرات ونواقص تبقى هذه الانتخابات محطة مهمة على طريق استقرار البلد السياسي والامني واستعادة استقلاله وسيادته. ونأمل من  جميع المتنافسين ان يتقبلوا، بمرونة ورحابة صدر، المحصلة التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات، وان لا يكون ذلك سببا في المزيد من التوتر والجفاء بين اطراف العملية السياسية. لا بد ان يكون دافعا الى مزيد من الحوارات باتجاه ازالة ما تراكم او تولد من ضغائن او حساسيات اثناء الحملة الانتخابية.
فليشعر الجميع بانهم فائزون مادام الفائز الحقيقي هو العراق، ومادامت هذه الفعالية الهامة قد دفعتنا الى الامام على طريق تعزيز المؤسسات الديمقراطية.



طريق الشعب
2 فبراير 2009

اقرأ المزيد

مصر.. والقضية الفلسطينية (1-2)

لا يمكن لأي باحث سياسي في العالم متجرد ومتسلح بأدوات المنهجية العلمية الرصينة ان يلم بكل المعوقات والكوابح التي تحد من تطور الوعي الديمقراطي في البلدان العربية من دون ان يلم جيداً بدور ومنزلة القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب العربية قاطبة، إذ ان هذه القضية ظلت ومازالت وستظل متشابكة موضوعيا مع القضايا المحلية القُطرية – بضم القاف – في كل الاقطار العربية.
وبسبب هذه المكانة التي تشغلها تحديداً القضية الفلسطينية فقد كانت على الدوام منذ هزيمة 1948م المعين الذي لا ينضب الذي يلجأ إليه عدد من الانظمة العربية الشمولية، وعلى الأخص القومية، لصرف أنظار شعوبها عن اخفاقاتها الداخلية وتبرير تغييب الحريات العامة والاصلاحات الدستورية والديمقراطية.
ولعل الكل يتذكر أن اشهر شعار رُفع بعد هزيمة 67 ردا على المطالبة بهذه الاستحقاقات هو شعار “لا صوت يعلو على صوت المعركة” في حين، كان احد الاسباب الرئيسية لهزيمة 1967م ليس فساد القيادات العسكرية فحسب، بل تغييب الديمقراطية عن نهج الحكم وتسييد الرأي الواحد وعبادة الفرد، وتبرير نهج القمع بنظرية المؤامرة الخارجية ومواجهة العدو الصهيوني الخارجي الذي ينبغي التحضير لشن المعركة عليه لإزالة آثار العدوان.
وعلى مدى 40 عاماً ونيفاً ومع كل عدوان جديد كبير تشنه اسرائيل على الفلسطينيين أو على احدى الدول العربية، يدخل عدد من الانظمة والقيادات السياسية في سباق جديد محموم من ألعاب الجمباز السياسي او السيرك الاعلامي السياسي ليثبت كل منها أنها الأكثر حرصاً على القضية الفلسطينية، وتستغل هذه القضية لتوظيفها في حملاتها الاعلامية ضد خصومها من الانظمة العربية فتتهمها بـ “الخيانة” أو التقصير.. إلخ.
وفي العدوان الاخير على غزة وجد عدد من الانظمة الشمولية ضالتها في هذا العدوان لاستغلال عواطف ومشاعر شعوبها المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني بتحشيده في المسيرات اليومية المنددة باسرائيل والامبريالية الامريكية وبتوجيه اصابع الاتهام لهما بدورهما في اثارة النزاعات الداخلية وتحريض هذه الشعوب على كراهية تلك الأنظمة القومية، وبالهجوم على القيادة المصرية وتوجيه المسيرات الى السفارات المصرية وهو أكبر خطأ تقع فيه هذه المسيرات لانه يسيء لمصر ليس نظاماً فحسب بل شعباً أيضاً.
وهكذا جرى اتهام الصهيونية وأمريكا بدورهما في خلق مشكلة “دارفور”، وهكذا جرى اتهامهما بدورهما في اثارة القلاقل وتحريض المنشقين من “اتباعهما” في سوريا للمطالبة بالديمقراطية والحريات العامة في حين ان سوريا تواجه مخاطر العدو الصهيوني، بل مازالت تستعد لخوض معركة تحرير الجولان. وهكذا ايضاً اضحت القضية الفلسطينية على رأس أولويات السياسة الايرانية حتى لو كان الشعب الايراني برمته غارقاً في بحر من الازمات الاقتصادية والمعيشية والسياسية، ولم تعد هذه القضية تشغل باله أو تطغى على همومه ومشاكله الداخلية المتفاقمة، اذا ما استثنينا المسيرات الموجهة رسميا في الغالب.
ولما كانت فنون “الجمبار السياسي” لا تكلف شيئاً فإنه من السهل جدا ممارسة الديماغوجية وتضليل الجماهير لتظهر بعض الانظمة بأنها اكثر التزاماً ووطنية وقومية تجاه القضية الفلسطينية وان تومئ او تتهم غيرها من غريماتها من الانظمة العربية بأنها ليست اقل وطنية واقل قومية منها فحسب، بل تمارس التواطؤ والتخاذل مع الاعداء على غزة، وسبق ان ذكرنا هنا في احدى الوقفات اثناء العدوان أن كل الانظمة العربية متساوية، تقريباً، وان بدرجات متفاوتة نسبيا جدا، في العجز وفي التخاذل عن نصرة الشعب الفلسطيني في غزة. لكن بعض أنظمة الشعارات الثورية والكلامية اختارت أن تشن أعنف انتقاداتها ضد القاهرة وكأنها هي معفاة تماماً من أي مسؤولية او تقصير لما حدث في غزة.
لا أحد بطبيعة الحال هنا ينفي او يبرر ثمة تقصيرات سياسية واخطاء غير مبررة ارتكبتها القاهرة خلال العدوان، وان ثمة ادواراً كانت معولة عليها لأدائها، وبخاصة فيما يتعلق بمعبر رفح اكبر من مستويات الادوار التي قامت بها، ولسنا هنا بصدد الدفاع عن الحكومة او القيادة المصريتين فهما اقدر على الدفاع عن مواقفهما الرسمية، لكن اعتقد أنه من الظلم بمكان تصوير موقف وسياسات القاهرة خلال العدوان بأنها اسوأ المواقف والسياسات العربية خلال العدوان، في حين ان مصر رسميا وشعبيا، وبالرغم من قيود كامب ديفيد المفروضة عليها، لعبت ادواراً مهمة خلال العدوان لايقافه، ما لم تلعبه البتة انظمة ما يسمى بـ “الممانعة” أو الثورية المتشددة، ومن دون التقليل من دور الضغوط الشعبية العربية والعالمية وقبل ذلك صمود ومقاومة أهل غزة، فإنه من الظلم بمكان اغفال الدور المصري أيا كان حجم هذا الدور في وقف المذبحة، وفي الدور الحالي الذي تؤديه للمصالحة الفلسطينية، وحسب معلوماتي الموثقة فإن الدور الشعبي المصري على مختلف المستويات لنجدة اشقائنا في غزة خلال العدوان كان اكبر الادوار العربية، وهذا بشهادة شهود عيان عرب وبحرينيين دخلوا غزة أثناء الحصار.
وصفوة القول: حتى في أسوأ الفروض تقديراً لم يكن الدور الرسمي المصري هو الاسوأ مقارنة بأنظمة لا تجيد سوى المزايدة وفن بيع الكلام المجاني وتستغل القضية الفلسطينية لصرف انظار شعوبها عن ازماتها الداخلية.

صحيفة اخبار الخليج
4 فبراير 2009

اقرأ المزيد

أرض السواد: بنية عامة

تقوم رواية أرض السواد على حوادث تاريخية حقيقية مثل مدن الملح، ويسودها الأسلوب الروائي التسجيلي نفسه، مما يجعل بنيتها الفنية مماثلة لبنية الرواية الأخرى.
فالأجزاء الثلاثة تعكس السيادة الاجتماعية نفسها للخاصة الارستقراطية، والدور الثانوي للعامة، عبر هذا التقسيم الكلاسيكي بين القوتين المتفارقتين.
فيغدو النشاط لداود باشا وبعض ضباطه الكبار وموظفيه المهمين، وللقنصل البريطاني المقيم في بغداد وزوجته، فهذه الفئة هي التي تحرك التاريخ وتصنع الأحداث، في حين أن الشعب يتلقى الأحداث بشكل سلبي غير مشارك فيها، ولا يملك سوى التعليقات المطولة عليها.
ولهذا فإن مسار الأحداث يبدأ وينتهي عند تلك الطبقة. فداود باشا الرجل الجورجي الذي كان من جنود الدولة العثمانية يرتقي في جهاز الدولة الحاكم في بغداد وينفصل عنه ويعتزل في أحد المقامات الدينية ثم يقود تمرداً على الحاكم من شمال العراق، ثم يسيطر على الحكم، ويقود حركة نهضوية في هذا القسم الأوسط والجنوبي من العراق. والنهضة المعنية هنا هي إنعاش التجارة ومقاومة الفيضانات وغير ذلك من ترميم البنية الاقتصادية نفسها وهي الحدود الاجتماعية للإقطاع في المنطقة على مر التاريخ الوسيط.
هرب داود (بعد أن وقع سعيد باشا في غرام شاب اسمه حمادي العلوجي)، (أصبح حمادي الآمر الناهي) ومن بغداد توجه داود للشمال (حيث يجتمع أعداء سعيد ومن هناك كاتب اسطنبول، واتصل بخالد أفندي، فلقي الدعم والتأييد)، ص 23، ج.1
يغدو العرض التسجيلي لهذه الأحداث المنجزة هو غاية الروي، وهو منجز لم يعد بالإمكان التحوير نفيه، كما أن الأسلوب التسجيلي في هذا الشق الفني يقوم على استعادته وعرضه عبر وثائقية التاريخ ومواده الحقيقية، في حين ان الجزء الشعبي التعليقي يقوم على التخيلِ ضمن ذلك المسار السائد الارستقراطي.
وهي البنية المتضادة التي لاحظناها في رواية(مدن الملح).
هيمنة الفوتغرافيا وثانوية التخيل الشعبي، أي تداخل الحقيقي واللاحقيقي، يجري كلاهما في تلك البنية الفنية الانعكاسية، التوثيقية للحقبة، وفيما أن التاريخَ درسٌ وتركيزٌ في السببيات، فإن الرواية هي تجسيدٌ تشخيصي، مشوقٌ في بعض الفصول ومملٌ في فصول أخرى، نظراً لهذا الهيكل الضخم، فالجزء الأول يحوي 539 صفحة، والجزء الثاني 548 صفحة، والجزء الثالث 307 صفحات. بسبب روح التسجيلية الطاغية، وضم كتابات من العصر تؤدي إلى الاكثار من الحواشي والتوسعات التي لا قيمة لها في صلب الرواية، كما هي الفصول العديدة عن زوجة القنصل واهتمامها الطاغي بجمع الآثار، وهي فصول مقتطفة من مذكرات القنصل البريطاني، الذي يغدو هو الشخصية المصارعة لدواد باشا ومحاولته النهضوية الاستقلالية.
فتغدو لدينا أنماط شخصية ليست منمذجة فنياً، فهي تـُقدم بشكلها التاريخي، العام، حسب الأحداث المرتبة، ولهذا فإن الحدثَ التاريخي الجزئي هو الذي يسير ويسود، وتتكشفُ لنا الشخصياتُ عبر هذه الحوادث، فليس لها أعماق دفينة مركبة، ومتخيلات، فهي شكلٌ آخر للحدث الجزئي، فداود باشا نعرفه أولاً كقائد فاتح لبغداد، ثم كموجه لقائده العسكري الآغا عليوي يدعوه للتخلص من سعيد باشا الذي تحصن في قلعة بغداد، وحين يغدو الحدث هو حركة الآغا للقضاء على سعيد باشا، تصير بؤرة الحدث عند الآغا ومشاعره وحركته المكانية المتجهة للقلعة، ويجري هنا تشويق درامي عبر دخول الآغا للقلعة حتى يصل إلى مخدع سعيد باشا، متجاوزاً الحرس الكثيرين بحيلة ابتكرها، وحين يقف على رأس الباشا يقوم بقطعه!
فتجري حركة الشخوص – الأحداث متابعة للتطور التاريخي، ويتم التركيز في المشاعر والأفكار وأشياء المكان المرتبطة بتلك اللحظة، وحين يتم الانتقال للحظة سياسية تاريخية أخرى فإن البؤرة تتركز في الشخصية الفاعلة لها، وتغدو بذات الطريقة السابقة، ويغدو سرد الراوي – المؤلف مستمراً في عرضه الهادئ المتوجه لعمومية اللحظة، دون خيال أو منولوجات أو اختلاف بين أسلوب شخصية وآخر، إلا في حالات الشخصيات العامية التي تـُسرد بالعامية المحكية.
وفي حين ان الشخصيات الارستقراطية تنشئ التاريخ فإن الشخصيات تظل في المقهى بين حوار وشتائم وسخريات وتعليقات سياسية مختلفة.
ومن هنا فإن الشخصيات المركزية تتقطع، فداود باشا نجدهُ في فقرةٍ سردية أولى بكلِ تاريخهِ السياسي قبل الحكم وحين الوصول إليه، وهي لا تتعدى بضعة سطور، ورغم حضوره المكثف في كل الرواية فلا نعرفُ جذورَهُ العائلية والقومية إلا في الجزء الثالث حين يحن إلى أمه في جورجيا والتي انتقدتهُ في رسالةٍ لها بأنهُ تخلى عن دينهِ المسيحي واعتنقَ الإسلام، وليس في هذه العودة الماضوية أي تحريك لشخصيته التاريخية ليغدو شخصية فنية.
ومن هنا يغدو مظهرُهُ الروائي مظهرَ شخصيةٍ تاريخيةٍ غيرِ مبطـنةٍ بحراكِ الشخصية الفنية، فهي تابعة للحظتها السياسية، ولا يبدو منها سوى أقوالها السياسية، وحراكها المكاني، الملتصق بتلك اللحظة، وهكذا فإننا نتابع الآغا عليوي ويبدو لنا كشخصية عامية عسكرية ساذجة ودموية، ولكن مجرى الحوادث المتصاعد يوضح ان الآغا له خلفية سياسية لم نعرفها إلا في الجزء الثالث بعد ألف صفحة من السرد، ولكن هذه الخلفية هي خلفية سياسية تقدم دفعة واحدة كذلك، حين تصاعد الخلاف مع القنصل البريطاني ووصل إلى حراك واسع، فنعرف بأن الآغا هو حليف أو عميل لذلك القنصل، رغم حضور الآغا الطويل في المعارك ضد العرب البدو، وتكوينه جماعة من الضباط مناوئة لداود باشا، وفي ترحيله للشمال واستمرار مؤامراته على داود.
في الحراك السردي مع الآغا نلمح تغيراً وحيوية في السرد فأمامنا شخصية متقلبة متوترة، تمضي للمعارك الطاحنة، ولكن السارد لا يعتبر هذه المواقع مكاناً لتجلية شخصية الآغا، فهي ليست سوى لحظة شخوصية – حدثية، تظهر حينما يأتي دورها في الحدث التاريخي وتزاح حين تزاح منه.
كما ان الساردَ لا يهتم بالقبائل العربية المتمردة، إلا في تفصيل علاقاتها بداود والحكم، لكن ليس مثل القنصل البريطاني ريتش، الذي يتم التوسع فيه بشكل مضاد لتقنية الرواية العام، ففي حين تحجم حضورُ شخصياتٍ أخرى ولم تعط خلفية أو نمواً فإن هذه الشخصية تجاوزت كل أولئك، والسبب يعود لكون السارد – المؤلف استعان بمذكرات ريتش هذا ووظفها في سردٍ مطول لا علاقة له بالحبكة التاريخية، مثلما قلنا حول دور زوجته في جمع الآثار العراقية وأخذها. فريتش يقوم بجولة مطولة في شمال العراق ويلتقي الأكراد ويتم تسجيل كل هذه التفصيلات التي لا علاقة بها بالمحور الروائي التسجيلي، والساردُ يذكرُ: (أما حين غادر ريتش القصر فقد وجد جواداً جميلاً عليه عدة مزركشة جميلة مهيأ له كهدية، (فلم أستطع إلا القبول) كما من دون باختصار في يومياته)، ص 163، ج3.
 
صحيفة اخبار الخليج
4 فبراير 2009

اقرأ المزيد

تفاصيل الصورة أو شموليتهــــــــــــــــــا؟

يروي الكاتب أنيس منصور انه حدث أن دعاهُ في وقت ما في ستينيات القرن الماضي أحمد بهاء الدين هو وكامل زهيري لمرافقة الشاعر الروسي الشهير يفغيني يفتوشينكو الذي كان يزور مصر يومها بدعوةٍ رسمية في رحلةٍ إلى مدينة الأقصر. ويفتوشينكو واحد من أهم الشعراء الروس المعاصرين الذين تخطى صيتهم نطاق روسيا والجمهوريات السوفياتية السابقة, فبلغ العالم كله, نظراً لموهبته المتألقة, وللإضافة التي قدمها للحركة الشعرية المعاصرة. وفي ليلة قمرية خرج الثلاثة : منصور وبهاء الدين وزهيري إلى رحلة على ظهر زورق فوق سطح النيل . كان الشاعر الروسي مستلقياً في الزورق مأخوذاً بالقمر والليل والنيل يتأمل فيما يرى, وفجأة دونما سابق حديث, سأل الضيف مضيفيه: « ما هي القضية التي يتجادل حولها المفكرون والمثقفون في مصر, فيتفقون أو يختلفون؟ ما الذي يشغلكم؟ يقول أنيس منصور: إن السؤال فاجأ جميع من هم في الزورق, واجتهد كل منهم في تقديم إجابة. كامل زهيري تحدث عن الأدب والجدل حول الواقعية كمدرسة, من هم معها ومن هم ضدها. منصور نفسه تحدث عن الوجودية بوصفها رداً للاعتبار للفرد في مواجهة ما فعلته فيه الشمولية, وأحمد بهاء الدين تحدث في أمر ثالث, وهكذا. فما كان من الضيف إلا أن روى لزملائه المصريين حكاية عن فنان طُلب منه أن يرسم «بورتريه» لرجلٍ مهم, ولكن في وجه هذا الرجل المهم كان ثمة عاهة, فإن أظهرها في الرسم قد يؤخذ عليه ذلك, فاحتال بأن رسم وجه الرجل من زاوية نظر جانبية, أو ما يعرف ب»البروفايل». واصل الشاعر الضيف: ما ذكرتموه من أجوبة ليس أكثر من «بروفيلات» لواقعكم. انكم تتفادون النظر إلى الواقع كما هو تماماً, كما فعل الفنان الذي تحاشى رسم البورتريه ولجأ إلى «البروفايل». يضيف أنيس منصور معقباً: أن السؤال الذي طرحه الشاعر الروسي, وما قاله من تعقيب شغلاه طويلاً, وسعى للإجابة عليه في كتبه التي ألفها دون أن يُوفق. ولست اتفق مع أنيس منصور لا في الفكر ولا في السلوك السياسي, لكني أظنه مُصيباً فيما ذهب إليه من أن الفكر العربي منشغل بالجدل في قضايا قد تكون مهمة, لكنها لا تشكل محور أو جوهر ما يدور في الواقع من إشكاليات. إن هذا الفكر يقع غالباً في أحد محذورين, فإما أن ينشغل بتفصيل معين من تفاصيل هذا الواقع, قد يكون مهماً, لكنه ليس الأهم, وفي غمرة انشغاله بأمر الشجرة ينسى الغابة التي تتكون من آلاف الأشجار, وإما أنه يلجأ إلى التجريد الذي يفصل حيثيات هذا الواقع. ومن طبيعة الفكر أن يكون مجرداً, لأنه يشتغل على القوانين العامة لحركة المجتمع, لكن هذه القوانين حين تبحث مفصولة أو مبتوتةً عن الواقع الذي تنشط فيه, تصبح رسماً أشبه بـ»البروفايل», لا رسماً لـ»البورتريه» على نحو ما ذهب إليه الشاعر يفغيني يفتوشينكو الذي حدثنا عنه أنيس منصور.
 
صحيفة الايام
4 فبراير 2009

اقرأ المزيد