المنشور

الإخلاص للوطن لا يحتاج إلى رخصة


الندوة التي نظمتها جمعية المنبر التقدمي مساء أمس في مقرها بمدينة عيسى تحدثت عن المبادرة التي أطلقتها الجمعية لحلحلة الوضع السياسي، وحاول المنتدون الإجابة على الأسئلة التي يطرحها البعض عن شروط «الوساطة»، و «التوسط». وقد أشار رئيس الجمعية حسن مدن إلى أن ما تم طرحه يمكن أن يكون دعوة أو إعلان مبادئ بشأن قضايا الوطن.

نعم، وأضم صوتي إلى كل دعوة مخلصة في أي وقت، لأن المخلصين لوطنهم يستشعرون المسئولية، وهم «معنيون» بما يدور في بلدهم سلباً أو إيجاباً، والمخلصون ليسوا وسطاء ولا يحتاجون إلى رخصة أو وصاية من بعض الجهات التي تهزأ بمن يرفع دعوة الخير.

ولعل أن المستهزئين بدعاة الخير للوطن لا يمكن لومهم على ذلك، فهم قد يرون في البيئة المعقلنة والعادلة خسارة مباشرة لهم، ومثل هذا الاستهزاء ينتشر لدى أصحاب الخطاب اليميني المتطرف في كل البلدان وليس في البحرين فقط. أصحاب هذا الخطاب يعتمدون على الفرز المجتمعي على أساس «نحن» و«هم»، وينتهجون أسلوباً انتقائياً لمعالجة القضايا الوطنية يجب أن ينتهي إلى ربح لهم وخسارة لغيرهم. الفرز المجتمعي يعتبر ضرورة حياتية بالنسبة لدعاة الخطاب اليميني المتطرف، الذين يخشون دعوات إصلاح ذات البين وفتح المزيد من قنوات الحوار.

إن دعوة جمعية المنبر التقدمي لا تختلف عن أي دعوة أخرى لترشيد الخطاب السياسي وعقلنة البيئة السياسية، بما في ذلك احترام هيبة الدولة، ونبذ العنف المستخدم في الاحتجاجات ورفض انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك بث اعترافات متلفزة ومعاملة سيئة أثناء الاحتجاز، والتشكيك في نوايا الناس.

إن طرح مطلب الحوار الآن أو في أي وقت لا يعبر عن حالة ضعف، ولا يستهدف الإفراج عن شخص أو أكثر، وإنما يستهدف العيش في بلد تخلو سجونه من مواطنين يتحولون بين ليلة وضحاها الى «المدعو فلا ن وزمرته»… فما هي النتيجة المرجوة من ملء السجون كل عشر سنوات بمئات أو آلاف من المواطنين تحت أي تهمة كانت؟ وهل يعقل أن الذين يقولون إن الوضع لا يستحق الحوار هم ذاتهم الذين كانوا قبل شهر يتحدثون عن كوارث إرهابية وسياسية حلت علينا من كل حدب وصوب؟ ألا نفهم من هذا أن هناك حاجة إلى أن نفهم بعضنا ونتفاهم ونتساعد في حل المشكلات؟

إننا بحاجة إلى إفساح المجال لسد الثغرات وإبعاد الساحة عن التوترات عبر حلول تطرح المنطق المعتدل الذي يفتح آفاق الوطن نحو مستقبل مشرق يتساوى فيه أبناء الوطن أمام القانون وتتاح الفرصة للجميع لخدمة الوطن على أساس الكفاءة .



الوسط 9 فبراير 2009

اقرأ المزيد

حجب المواقع الإلكترونية


منتدى «الوسط» المنشور اليوم (إنظر ص 14 و 15) خصص لمناقشة حجب المواقع الإلكترونية في البحرين، بعد إصدار وزارة الثقافة والإعلام قرار رقم (1) لسنة 2009، والذي استخدم لإغلاق عدد كبير من المواقع الإلكترونية. والهدف من التطرق إلى هذا الموضوع إنما هو للمساهمة في علاجه… والعلاج يجب أن يكون مع إفساح المجال للتكنولوجيا الحديثة و لحرية المعرفة والمعلومات. ونحن إذ نؤكد بأننا نقف ضد المواقع التي تحرض على الفتنة الطائفية أو التي تنال من أي من العوائل البحرينية، نؤكد أيضاً بأن علينا في البحرين – دولة ومجتمع – أن نتعاون من أجل أن نبعد الجوانب السلبية التي قد تصاحب تكنولوجيا العصر الحديث ولكن من دون اللجوء إلى حجب المواقع بالشكل الذي نشاهده حالياً.

البحرين، بحسب أحد الخبراء الذي زار البحرين الأسبوع الماضي، أصبحت الآن واحدة من 14 دولة في العالم، ممن تغلق المواقع الإلكترونية لأسباب سياسية. ومثل هذا الحديث لاينبغي أن يرتبط بهوية البحرين، فنحن نعرف أن سمعة البحرين منفتحة أكثر من دول الجوار، وإذا أغلقنا هذا الانفتاح فسوف نفقد الميزات التنافسية وسنجتذب تقارير حقوقية تعطي صورة سلبية غير لائقة. من المهم أن نعرف أيضاً أن الخبير الذي طلب عدم ذكر اسمه زار البحرين ضمن برنامج لمؤسسته التي وضعت هدفها فتح المواقع الإلكترونية لشعوب الدول التي تصنف بأنها معادية للإنترنت ، وهذه المؤسسة توفر خدمات وتقنيات مجانية لكسر الحجب ، وتدخل في عملية رصد مضاد لكل وسائل الحجب الحالية.

من المهم أيضاً أن نستذكر منظمة «مراسلون بلا حدود» الفرنسية التي أعلنت يوماً دولياً لحرية التعبير على الانترنت (12 مارس / آذار)، ابتداءً من الشهر المقبل، وهذه هي المنظمة ذاتها التي سارعت إلى إصدار بيان استنكرت فيه حجب المواقع الإلكترونية في البحرين – بعد إصدار وزارة الثقافة والإعلام قرار رقم (1) لسنة 2009 – وأعتبرت أن هذا الإجراء «يشكل خطوة نحو تشديد الرقابة المفروضة على الشبكة».

إن وزيرة الثقافة والإعلام الشيخة مي بنت محمد آل خليفة لها سمعة دولية مرموقة في مجال الدفاع عن الثقافة والآثار والفن، وهي التي حصلت على الجوائز العالمية، وهي التي أنقذت جزءاً مهماً من تراث البحرين، وهي التي ارتفع أسمها دولياً عندما شن عليها نواب حملة شعواء بعد مهرجان «ربيع الثقافة» قبل عامين، وهي مؤلفة كتب وتعرف تماماً قيمة المعرفة والثقافة والترجمة والفن والإبداع التكنولوجي المعاصر، وبالتالي فإن آخر مايتوقعه من وقف معها أن توضع البحرين في مصاف أقلية من الدول ممن تمنع حرية التعبير على الإنترنت… إننا نعتبر الشيخة مي فخراً للبحرين، ونأمل – بصفتها الوزيرة المختصة – أن تعيد النظر في قرار رقم (1) لسنة 2009.



الوسط  الأحد  8 فبراير 2009

اقرأ المزيد

الإنترنت معركة الحكومات الجديدة


تعتزم منظمة «مراسلون بلا حدود» ومقرها باريس تنظيم «يوم لحرية التعبير على الإنترنت» في 12 مارس/ آذار بدءاً من هذا العام.

في الوقت نفسه قررت منظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) مواصلة دفاعها وحمايتها عن القيم الأساسية لحرية التعبير والتنوع والانفتاح الثقافي الذي تتصدر له بعض حكومات دول العالم القامعة لأدوات ومواقع الإنترنت الذي جاء في تصريحات لمدير اليونسكو كويتشير وماتسيرا مضيفاً ” أن طابع الإنترنت الديمقراطي يوفّر فرصاً لا مثيل لها لتحقيق حلم التدفق العالمي الحر للأفكار وتبادل المعلومة مع الجميع”.

أما في موقع «أميركا دوت غوف» فقد أبلغ ممثلو المجموعات العالمية للدفاع عن الصحافيين أن الصحافيين العاملين في حقل الإنترنت أصبحوا يتعرضون للتهديد والتخويف أو السجن من قبل الحكومات التي تسعى إلى إسكات صوت المعارضة بينما يتنامى نفوذ وتأثير الإنترنت يوماً بعد يوم.

منظمة «مراسلون بلا حدود» قالت إن ” الحكومات القمعية تكتسب سنوياً أدوات جديدة تمكنها من مراقبة الإنترنت وتتعقب شتى البيانات الموجودة على الشبكة العنكبوتية وان الإنترنت تحول تدريجياً إلى ساحة حرب للمواطنين الذين يرغبون في توجيه النقد وللصحافيين الذين تفرض رقابة على أجهزة الإعلام التقليدية التابعين لها من الصحف والإذاعات على اعتبار أن الإنترنت أصبح يشكل خطراً على من هم في السلطة الذين تعودوا على الحكم كما يرغبون من دون حسيب أو رقيب”.

كما أشارت المنظمة إلى أن ” الحكومات تريد توجيه رسالة تخويف بقمعها للصحافيين على الإنترنت. فحين يزداد عدد الأشخاص الذين يتم سجنهم بسبب ما ينشرونه على الإنترنت، يقل عدد الناس الذين سيكونون على استعداد للكتابة على مدوناتهم الإلكترونية لأنهم يخشون أن يواجهوا نفس المصير”.

أما نائب مدير منظمة لجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك روبرت ماهوني فقد قال- كما ذكر موقع «أميركا دوت غوف» إن ” القمع ضد الصحافيين على الإنترنت تترتب عليه نتائج خطيرة على الصحافة إذ يوجد ما لا يقل عن 56 صحافياً ممن يعملون على الإنترنت يسجنون في جميع أنحاء العالم، وهو عدد يتجاوز لأول مرة عدد الصحافيين الذي يتم سجنهم من الصحافة التقليدية بحسب تقرير منظمة لجنة حماية الصحافيين للعام 2008″.

كل ما جاء ذكره يشير إلى بلدان مثل كوبا والصين وغيرهما ممن قام بإغلاق مجموعة كبيرة من المواقع والمدونات الإلكترونية… ونحن أيضاً لا نريد للبحرين أن تنظم إلى مصاف هذه الدول التي تناهض الانترنت، لأن ذلك سيحول المعارضة من «العلنية» إلى «معارضة افتراضية»، ربما يمكن حجبها جزئياً، ولكنها تصل بصوتها إلى كل مكان في العالم.



الوسط 5 فبراير 2009

اقرأ المزيد

ندوة «الوسط» لحلحلة الوضع


عقدت «الوسط» أمس ندوة حضرها المتحدث الرسمي باسم جمعية المنبر التقدمي فاضل الحليبي والنائب السابق عبدالنبي سلمان والنائب السابق المحامي فريد غازي والأمين العام لجمعية العمل الإسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ والشيخ صلاح الجودر ورئيس الجمعية البحرينية للشفافية عبدالنبي العكري وممثل جمعية الوفاق سيدهادي الموسوي، واستهدف النقاش تداول الآراء بشأن المبادرة الوطنية التي دعت إليها جمعية المنبر التقدمي لحلحلة الأوضاع من خلال إيجاد آلية، أو آليات وسيطة يمكن لمختلف الفئات استخدامها من أجل منع تدهور الأوضاع.

المتحدثون أمس أشاروا إلى أن البحرين افتقدت وجود تلك الحلقات الوسيطة التي تميز بها مجتمع البحرين في السابق… ففي العقود الماضية كان هناك وجهاء وتجار وعلماء دين ومثقفون وشخصيات تمارس دور التواصل بين النظام السياسي والفئات المجتمعية المختلفة. ولكن في السنوات الأخيرة طرأت متغيرات كثيرة أدت إلى ضمور دور مثل هذه الحلقات الوسيطة، وأدت الاستقطابات السياسية والطائفية إلى اختفاء القنوات التقليدية التي كانت تلعب دوراً محورياً في التواصل، وتبرز أهميتها بصورة أكبر أثناء الأزمات.

في حوار الأمس، كان واضحاً أن الحديث عن مبادرة جديدة يتعدى الجانب المعتاد الذي يتحدث فقط عن الإفراج عن المعتقلين، فالحاجة أصبحت ماسة لإبعاد الرسميات التي عطلت خطوط الاتصالات بين رموز الحكم وفئات المجتمع، ولاسيما أن المؤسسات التي أنشأت – كالبرلمان – تحولت في كثير من الأحيان إلى جزء من لعبة الاستقطابات التي زادت سوء الفهم بين مختلف الأطراف.

ليس المطلوب جلسات رسمية، وليس المطلوب مفاوضات، وليس المطلوب تبادل أجندات مكتوبة ومحاضر اجتماعات… المطلوب هو استعادة روح المبادرة لدى تلك الفئات الوسيطة التي كانت تلعب دورها من دون ضجيج ومن دون أن تستهدف تسجيل مواقف. فنحن بحاجة إلى أن تصل بعض الأمور لمن يعنيهم الأمر في مركز القرار السياسي، وإلى من يعنيهم الأمر في المجتمع، وليس كل شيء يمكن كتابته أو التصريح به، إذ إن هناك القضايا التي تبدو صغيرة، ولكن تحقيقها يؤدي إلى تعزيز الثقة وإبعاد البلاد عن أزمات أمنية لا حاجة لنا بها.

إن البحرين متأثرة بلا شك بالأزمة المالية العالمية، وهي أيضاً متأثرة بمجريات الوضع السياسي الإقليمي، وهي لذلك ليست بحاجة إلى ما يشغلها محلياً عن الالتفات إلى القضايا الكبرى المحيطة والتي تحتاج – فيما تحتاج – إلى سلم أهلي وبيئة سياسية غير مشحونة بالعداء والاستقطاب المجتمعي.
الوسط 5 فبراير 2009

اقرأ المزيد

لحظات حرجة في تاريخ الجزيرة العربية الحديث (2)

كان التسارع في خطى الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي يتضح على صعيد التبدل المستمر لمسميات التنظيم ونطاق عمله، فمن ظفار حتى عمان كما اضيف كذلك تحرير دول الخليج. فأية قوة عسكرية تستطيع تحرير هذا الخليج من شماله إلى جنوبه وبتلك المجموعات المسلحة البسيطة؟ هذا جزء من خيال سياسي سوف يواصل خلق هذا التخيل المستمر. أما على صعيد البرامج فيتضح تناقض الأهداف الاجتماعية الوطنية والأهداف السياسية الكبرى. ففي حين تركز هذه البرامج في البدايات على مهمات بسيطة وأهداف اجتماعية معقولة كإصلاح الأوضاع المعيشية والخدمات، فإنها بعد ذلك تقفز لمهمات سياسية كبرى لا تقدر عليها حتى الدول. كان المؤتمر الثاني للجبهة في(حمرين) الذي تم فيه إقصاء المجموعات الوطنية المعتدلة قد عُقد في سبتمبر 1968، وهيمن عليه أصحاب الجمل الثورية: فالجبهة كما يقول البيان تلتزم (بنضال الجماهير العربية في شتى أرجاء منطقة الخليج العربي المحتل، والالتزام بالاشتراكية العلمية، واعتماد خط جذري في مواجهة الاستعمار والرجعية يقوده حزب ثوري يستلهم ايديولوجية البروليتاريا ويستقطب كل الطبقات الثورية لخوض نضال طويل المدى ضد الاستعمار وتبني شعار الكفاح المسلح بصفته شكل النضال الأساسي، وعبر العنف الثوري المنظم، وإدانة(القيادة البرجوازية) للحركة المتمثلة بتنظيم الكويت وتعليق عضوية هذا التنظيم …). مع ذلك فإن المهمات الاجتماعية في ظفار لا تتعدى (تحرير الرق وتنظيم الزراعة وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل). أناسٌ تعمل من أجل إلغاء الرق وفي الوقت نفسه تريد بناء الاشتراكية. كان هذا البرنامج يعني عدم الإدراك السياسي وزج جمهور في مغامرة خطرة محفوفة بالمخاطر الجسيمة، كما أنه يطرح أسئلة سياسية لاتزال الإجابة عنها محدودة، فقد كانت القوى السائدة في الخليج تعيدُ تنظيم أنظمتها بغرض التغيير، وتتوجه لشيء من التحديث والاستقلال، وكان الاستعمار البريطاني قد أعلن بدء انسحابه في الوقت نفسه الذي صدر فيه بيان حمرين السابق الذكر. هل كانت الأجهزة الخفية تعمل لضرب الجماعات المثقفة التنويرية والإصلاحية في الخليج ودفعها لمغامرات للقضاء عليها وتخويف الأنظمة الخليجية من اليسار ومن الديمقراطية؟ خاصة أن هذا كله كان يجري والاستعمار البريطاني يتقلص، ولا يريد زوال ركائزه. لا أحد يعرف الإجابة حتى الآن، لكن العداء

للجماعة القومية الوطنية في الكويت وغيرها من الجماعات الوطنية المعتدلة، كان يشير مهما كانت الدوافع إلى إزالة الممكن السياسي الوطني الوحيد في ذلك الوقت الذي كان يمثل قوى صغيرة لكنها ذات صوت قوي فهي التي أسست نفسها وحصلت على مساندة شعبية مؤثرة حينذاك. كان يعاضد هذا الصراخ الثوري مجيء جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية، التي ساندت الكفاح المسلح في ظفار، وتلقي مساعدات من جمهورية الصين الشعبية التي غيرت مواقفها بعد زوال حكم عصابة الأربعة، ومجيء حكم الانفتاح الرأسمالي – الشيوعي! فقد كانت أول الأطراف الدولية التي ساندت جماعة ظفار ثم تخلت عنها نظراً لما وجدته من مزايا اقتصادية في التعامل مع دول الخليج وإيران. لكن أفكار ماو تسي تونج ظلت لدى الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي. وفي حين كان الكتاب الأحمر يتم تدريسه للرعاة والفلاحين في ظفار كانت الصين تقيم علاقات قوية مع نظام شاه إيران الذي بدأ القيام بعمليات عسكرية ضد ثوار ظفار وتمكن من سحقهم والاستيلاء على طريق حمرين الذي كـُتب في أحد مواقعه ذلك البرنامج السالف الذكر. بطبيعة الحال كان الوقوف مع العمال والفلاحين والبسطاء مفخرة للمناضلين، ومهما كانت الخسائر في ظل النضال الوطني الواقعي فهي مبررة، لكن من الضروري أن تكون معقولة وتؤدي إلى تراكمات، كما يُعاد النظر في أطروحاتها وبرامجها، لا أن يتم تكرارها. يمكن تلخيص هذه التجربة بأن طرح برنامج بذلك المدى هو عملية خارقة تتجاوز حتى مستوى بلدان رأسمالية متطورة، وقد حدثت تراجعات على مستوى تمثيل الجبهة للمنطقة فقلصت حدودها وتركزت في بلد واحد، لكن محتوى البرنامج القافز للمراحل، والمعتمد على شكل صعب ومخيف وهو شكل المواجهة العسكرية الكاسحة، الذي يريد سيطرة طبقة غير موجودة في ذلك البلد وهي الطبقة العاملة، كل هذا يعبر عن استمرار المراهقة السياسية وعدم تغيير محتواها. كما أن إعادة التحولات في دول الخليج تمثل برنامجا معاكسا قويا مؤيدا من دول الغرب وبعض الدول العربية المؤثرة، وهو الأمر الذي انعكس على التسلح، ففيما كان الجيش المواجه لجبهة ظفار يزداد قوة وتنضم إليه طائرات كثيرة متعددة الأنواع، ويحصل على معدات متطورة، وينضم إليه المنقسمون والمنشقون عن الجبهة، والمواطنون العاديون، كانت جماعات الجبهة تتحلل وتعجز عن تحقيق انتصارات وتتخلى عن مواقعها، وتـُحاصر في مؤنها وإمداداتها، حتى تتحول إلى جماعات خارج الحدود تضربُ من الخارج، لكن الدول المساندة تتخلى عنها، وتـُمنع من إطلاق النار. وكانت الايديولوجيا اليسارية المتطرفة من جهة أخرى الرافضة للإسلام والعبادات الشعبية قد أسهمت هي الأخرى في انفضاض الجمهور عنها وتركها مجموعات صغيرة، وسلم الكثير منهم نفسه للجيش الحكومي وعمل معه ضد رفاقه السابقين.
 
صحيفة اخبار الخليج
8 فبراير 2009

اقرأ المزيد

لحظات حرجة في تاريخ الجزيرة العربية الحديث (1)

كانت سنوات الستينيات تمثل نقطة تحول خطيرة في تاريخ الجزيرة العربية، وخاصة في الساحل الشرقي منها، حيث تفاقمت الصراعات بين شعوب المنطقة والاستعمار، وتغلغلت قوى دولية فجأة في الجسد المضرج بالدم في مناطق التوتر فيها، وكانت البقعة الملتهبة جدا هي (ظفار)، التي لم تكن على الخريطة السياسية العربية ثم فجأة تصدرتها وبعد هذه الفترة غابت كأنها لم تكن ملء السمع والبصر.
كانت هذه المنطقة الضائعة بين الجغرافيا والأساطير، تجثم في جنوب الجزيرة العربية بين اليمن وعُمان، أهلها يتكلمون بلغات حميرية قديمة، انقطعت صلاتـها بالعربية، وهي منطقة مغايرة كذلك في طبيعة المناخ والتضاريس بالجزيرة العربية، وهي كذلك تمثل بشرا قفزوا فجأة للثورة المسلحة بشعارات (شيوعية)، فكأنها تمثل نيزكاً سقط من السماوات العلا على التاريخ المعاصر.
قررت هذه المنطقة الثورة بعد حادث عرضي بين مجموعة عسكرية وشركة تنقيب عن النفط، وكانت ثمة تنظيمات تشتغل في الأرض البكر، كلها تتركز في منطقة ظفار، وما لبث الحادث العرضي أن تحول إلى حادث جوهري مفصلي تاريخي.
والحوادث التاريخية الخطيرة هنا تقوم على مثل هذه الحوادث العرضية البسيطة، فالحماسة وقلة التبصر تحولان الأحداث العرضية إلى لحظات تاريخية مفصلية.
كانت عُمان كلها في الواقع تتعرض لسوء إدارة قديمة، ولم يكن ثمة قهر خاص لظفار، ولكن كان الاستيراد السياسي لأفكار القوميين العرب إلى هذه البيئة المتخلفة قد لعب دورا في تصعيد فكر المغامرة لدى هذه الجماعات.
لم يكن القوميون العرب يدركون اختلاف مستوى البـُنى العربية، وأن القبائل (العربية) في أقصى الجنوب من الجزيرة العربية لا يمكن أن ترتفع فجأة لأفكار صُنعت في الدول الغربية المتطورة، أو حتى لأفكار تم اختلاقها في دمشق وبيروت.
فما بالك إذا كانت هذه القبائل نفسها لا تقرأ، وإذا قرأت فإنها لا تقرأ العربية؟
لكن الاستيراد المناطقي كان يغذيه الحماس، وهو لا يعترف بالتضاريس الاجتماعية أو بالمراحل أو بالأمم وتنوع تطورها التاريخي، أو باللحظات الموضوعية الممكنة للتغيير.
فكانت جبهة تحرير ظفار (تكونت سنة 1963) هي نتاج لمعاناة معينة، للتخلف الشديد في منطقة، وكان يمكن أن تتحول إلى تنظيم إصلاحي بعيد النظر، يتوجه إلى الخطوات السلمية التدريجية، وهو كان واعدا بذلك، لكن أعضاءه لم يكونوا ذوي خلفية فكرية عميقة، فهم عرضة للرياح الحماسية بسبب الأمية الثقافية.
وهكذا ففي خلال شهور تم تحول هؤلاء الإصلاحيين المناطقيين، إلى شيوعيين يطالبون بالثورة البروليتارية الساحقة للبرجوازية.
ما الذي دفعهم إلى هذه التحولات الكبيرة في الفكر؟
كان هناك عدة أفراد يحلقون في الفضاء السياسي المجرد، ارتبطوا بقادة من القوميين العرب في بيروت ودمشق، وكانت الظروف في الستينيات في بلدان الشمال العربية بعد أزمات الأنظمة القومية تطرح ضرورة تجذير التحولات، ومجيء القيادات العمالية، لتحقيق الاشتراكية الجذرية.
ولم يكن ثمة فهم لهذه الاشتراكية الجذرية لا على الصعيد العالمي ولا على صعيد الدول العربية.
وكان عدم الفهم هذا بسبب المنزلق الذي دخلت فيه روسيا لتطبيق الاشتراكية وإزالة الطبقات والذي راحت تنسخه شعوب أخرى أقل تطورا، من العراق حتى اليمن، وفي مثل هذه الخيالية السياسية، كان يمكن بكل جدارة أن يطرح مثقفون في ظفار مسألة القفزة للاشتراكية حتى لو لم تتوافر أي مقومات حتى للنهضة البسيطة في ذلك الحين.
وهكذا في لحظة صوفية سياسية سحرية قرر بعض المجتمعين في مؤتمر في ظفار أن يتحدوا وهو خطوة حسنة، ولكن بأن يشكلوا جبهة لتحرير عُمان والخليج العربي كله.
وإضافة إلى القفزة على الخريطة الجغرافية السياسية، فإنهم قرروا الالتحاق بأفكار الماركسية ولكن على آخر طراز تمثل في شعارات ماوتسي تونغ وجيفارا وكاسترو وهم المعروفون بالوعي الفوضوي والمغامر.
كان هذا يعني في الواقع استمرار التجريب العسكري واستخدام العنف في بلد قبائل بسيطة هي بحاجة إلى أبسط الخدمات بدلا من القفزة للاشتراكية.
كان هذا يغذيه من الجانب الشعبي عدم وجود تطور للعلاقات الرأسمالية وحضور حياة تعاونية مشتركة بين الفقراء، وسيطرة العلاقات الاقطاعية حيث يهيمن شيوخ القبائل المتحكمة في المراعي والأراضي الزراعية على عموم القبائل الفقيرة وعلى العامة المنبوذة من المراكز القبلية الكبيرة.
وكان يمكن لبرنامج إصلاحي متدرج ذي خطوات سلمية من قوى سياسية بعيدة النظر أن يجنب المنطقة مثل ذلك التجريب الدموي.
لكن المغامرين كانوا أقوى في مثل وعي شعبي ديمقراطي غائب تماما، ولوجود مجموعة من الشباب الهائج عاطفيا وسياسيا، الذي يتوهم انه سوف يقفز للمسرح السياسي الكبير ويصير مثل ماو محقق الثورة وباني الوحدة الصينية.
وهو الرجل الذي في نهاية عمره كتب الكتاب الأحمر ككتاب ديني شرقي، بسبب عجز وعيه عن فهم تطور الصين، وأن الصين تحتاج إلى الرأسمالية الديمقراطية وليس إلى نظام القفزة الشيوعية.
(وسنرى بعد ذلك تداخلات مصير الصين وظفار وروسيا في شبكة معقدة متداخلة من التحولات).

صحيفة اخبار الخليج
8 فبراير 2009

اقرأ المزيد

كم ينفق العالم العربي على البحــــــــث العلمي؟

تبدو الأرقام في هذا المجال مخجلة وباعثة على الخيبة, ليس فقط إذا ما قورنت بما تخصصه الدول المتقدمة, بل إذا ما قورنت بما تخصصه دول أخرى تعد دولاً نامية كالهند وباكستان وكوريا وسواها, بل إذا ما قورنت بما تخصصه إسرائيل له, التي أدركت منذ البداية أهمية مثل هذا البحث في الظفر بأسباب القوة. ورغم العدد الكبير للجامعات والمعاهد العليا في العالم العربي مجتمعاً, وفي كل دولة عربية على حدة, فان هذه الجامعات والمعاهد أشبه بأماكن تفريخ لعشرات الآلاف, لا بل مئات الآلاف من الخريجين, وان البحث العلمي بالذات هو في آخر أولوياتها, هذا إذا كان يعد من الأولويات أصلاً. لذا نجد أن خيرة الأدمغة العربية في حقول البحث المختلفة, سواء منها تلك العاملة في العلوم التطبيقية أو في العلوم الاجتماعية إنما تلمع وتتفوق في الجامعات ومراكز الأبحاث في البلدان الأجنبية وتحديدا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية, حيث العديد من الأسماء ذات الصيت العالمي في مجال اختصاصها إنما هي أسماء عربية. ويدور حديث منذ سنوات عن موضوع البحث العلمي في البلدان العربية من زاوية أن العديد من مراكز الأبحاث في بلدان عربية إنما تعمل بتمويل من هيئات وجهات غربية, وينقسم الرأي بين مؤيد ومفسر ومبرر لهذه الظاهرة, وبين رافضٍ لها جملة وتفصيلا انطلاقا من القناعة بأن نوايا الممولين لا يمكن أن تكون بريئة تماما في الانفاق على أبحاث ميدانية في البلدان العربية, وان بعض هذه المراكز كثيرا ما أثار موضوعات ليست على الحدة التي يتصورها الباحثون, بل أن الأمر في بعض الحالات يصل إلى حدود افتعال موضوعات ليت مطروحة أصلاً. وان ما يجب أن يتوجه إليه البحث العلمي هو قضايا أخرى تتصل بالمعضلات الحقيقية لهذه المجتمعات, مثل قضايا الفقر والبيئة وأوضاع النساء والنهوض بالأرياف والأقاليم المهملة, فضلاً عن قضايا الشباب والنساء وهي قضايا يجري تجاهلها بقصد, والانصراف إلى ما يعد هامشياً أو غير جوهري. مثل هذا النقاش يُلفت الأنظار إلى الحقيقة المسكوت عنها وهي أن الحكومات العربية معنية بأن تُولي, عبر هيئاتها المعنية وعبر الجامعات والمعاهد العليا, البحث العلمي الأهمية التي يستحقها من خلال تخصيص ميزانيات مجزية له, لأنه ليس ترفاً وإنما هو يدخل في صلب ضرورات التنمية والنهوض بأوضاعنا العربية. ومثل هذا الاهتمام يتطلب بالضرورة مساحة من الحرية والتسامح وشفافية المعلومات والبيانات, واستقطاب الباحثين العرب الذين يتمتعون بالصدقية والحياد والنزاهة العلمية إلى هذه الهيئات المدعومة من الدولة, وان لم يتم ذلك فان مراكز الأبحاث الممولة من الخارج, مع ما يثيره وجودها من لغط, مرشحة للتزايد والتكاثر . غني عن التوضيح أن أي حديث عن التنمية في غياب الدراسات وقاعدة البيانات وبنوك المعلومات والأبحاث الميدانية لن يعدو كونه حديث هراء, أو أن «التنمية» التي يدور عنها الحديث تفتقد أهم شروطها وهو التخطيط المستند إلى الدراسة.
 
صحيفة الايام
8 فبراير 2009

اقرأ المزيد

حول بيان قمة الكويت الاقتصادية!

بعد فترة انتظار وترقب اختتمت في الكويت مؤخرا القمة العربية الاقتصادية, والتي سبق موعد انعقادها الكثير من الآمال العربية الواسعة المعلقة عليها, كونها القمة الاقتصادية التي تم الإعداد المبكر لها منذ فترة ليست بالقصيرة, لتكون بمثابة الرافعة الحقيقية لتفعيل العمل العربي المشترك, حيث حُملت إليها آمال الشارع العربي, الداعية إلى وضع العربة العربية على السكة الصحيحة هذه المرة, بعد عقود من الفشل لمعظم القمم الدورية والاستثنائية والطارئة التي سبقتها, تلك القمم التي خصصت للتعاطي مع شؤوننا السياسية العربية طيلة عقود من الزمن لم تفلح فيها الأنظمة ومعها جماهير الأمة في الاقتراب ولو قليلاً من طموحاتها وآمالها أو أن تعيد لهم شيئاً من كرامتهم التي أهدرت وضيعت في طرقات ودهاليز المنظمات والمؤتمرات والقرارات الدولية المعنية بقضايا المنطقة, والتي كانت حصيلتها على الدوام المزيد من الهوان لشعوبنا ودولنا العربية التي يبدو أن عليها أن تتعايش مع عبث الساسة والسياسات. ومع مرور الوقت وزيادة حدة عجز الأنظمة, فقدت الشعوب العربية ثقتها في جدوى تلك القمم ووجدت نفسها غير عابئة بمواعيد انعقادها ونتائجها وتوصياتها, التي كانت على الدوام حبراً على ورق وبيانات لا ترقى لحال وتعقيدات قضاياهم المعاشة, حيث لم تستطع كل تلك البيانات المتشنجة أو الحماسية أو المنفعلة أو حتى المهادنة منها أن تغير من واقعنا المرير شيئاً, وباتت القمم ونتائجها عبئا ثقيلا لا يحتمل ومواعيد للتندر والخذلان. من هنا فإن الآمال التي عقدت هذه المرة على قمة الكويت الاقتصادية والتنموية والاجتماعية, بحسب طبيعة الملفات التي كان يفترض منها التصدي لها كبيراً, خاصة وأنها تأتي في ظل أوضاع مالية واقتصادية عالمية صعبة, حيث لا زال العالم يجهد في البحث لها عن حلول ومخارج, فيما تنتظر شعوبنا من قادتها وأنظمتها مع هكذا وضع جدية في التعاطي المسئول معها, خاصة وأن الكثير من تداعياتها المخيفة, وبحسب أكثر المراقبين تفاؤلاً أصبحت قريبة منا بل أننا بالفعل بدأنا نتلمسها, دون أن تكون لنا حيلة تجاهها حتى اللحظة على الرغم من التطمينات الرسمية التي يصعب علينا تصديقها.

ولكن, وبالرغم من تلك التحديات والمصاعب المنتظرة, وما ترافق معها من آمال عريضة, في أن تجمعنا هذه المرة المصالح ومشاريع التنمية الموعودة بعد أن مزقتنا السياسات ونتائجها الوخيمة, فان الوضع العربي المتردي لم يسمح لنا حتى بمجرد التقاط الأنفاس والتحسب لما ينتظرنا من مصير اقتصادي نعجز حتى اللحظة عن توقع حجم تداعياته على أمتنا, حيث فجرت أحداث غزة المأساوية وتداعياتها الكثير من ردَات الفعل والتباينات والتشنجات بين مختلف الزعامات العربية, ونجحت القمة التي يراد لها أن تكون انتصاراً مؤزراً, وهي ليست كذلك كما نعلم جميعا, نجحت في تعزيز الصف العربي, فبدلا من الإصرار على إنجاح القمة الاقتصادية التي كان بالإمكان أن تكون نتائجها عنوانا حافزاً للمرحلة بكل تداعياتها وتحدياتها, وجدنا أنفسنا في زحمة ثلاث قمم خلال فترة أسبوع حافل بكل ما يعزز انقساماتنا من بيانات وتصريحات, أفصحت عن حجم تردي أوضاعنا وفرقتنا, ولم تسعفها حتى تلك المصالحة البروتوكولية بين بعض المختلفين, كما غاب وبهت عنها حتى الطابع الاحتفالي الذي حفلت به القمم السابقة نتيجة استحكام حدة خلافاتنا, رغم ما بذلته دولة الكويت من إمكانات كبيرة لإنجاحها, عوضا عن مضامين ونتائج تلك القمم الثلاث التي لم نستطع أن نتبيَن منها شيئا يذكر.
وفي محاولة لتدارك الاضطراب والفشل في قمة الاقتصاد والتنمية, وذلك ما عبر عنه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مع إعلان البيان الختامي, حين أعلنها صريحة «أن الوضع العربي لا يزال مضطرباً ومتوترا» فقد تم حشو الكثير من المشاريع التي تم الحديث عنها قبيل انعقاد القمة عنوة, في سياق إعلان الكويت دون أية معالم لكيفية تنفيذ أو متابعة تلك المشاريع المعلن عنها, حيث ذكر البيان الختامي الكثير من المشاريع التي يبدو أن ظاهرها تكاملياً وتعاونياً واستثماريا ولكن قدرتها على التحقق على ارض الواقع تظل مبهمة ومشكوك فيها بدرجة كبيرة, فهي مجرد عموميات كثيراً ما رددتها القمم السابقة, فها هي الدعوة لدعم مشاريع البنية التحتية بين الدول العربية تتكرر, وكذلك الحال مع تنمية قطاع الإنتاج والتجارة والخدمات والبيئة والمشروعات الاجتماعية, ومشاريع الربط الكهربائي, والربط البري والاتحاد الجمركي العربي, والحديث المطول عن استراتيجية الأمن الغذائي والمائي بين دولنا, والدعوة لإعداد الدراسات اللازمة لتكوين احتياطي غذائي عربي, ومشروع السكة الحديد بين الدول العربية, والمطالبة بتنفيذ البرنامج العربي للحد من الفقر, وأيضا الدعوة على عجل لتطوير التعليم في الوطن العربي, الذي تخترقه الأمية والجهل من أقصاه إلى أقصاه!, ومشاريع تحسين الرعاية الصحية, وقد ذُيل بيان القمة -الاقتصادية طبعاً- من خلال فقرة إنشائية مقتضبة للحديث عن الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها والدعوة لإسناد المؤسسات المالية العربية, وتعزيز الشفافية وأساليب الرقابة والإشراف عليها, دون أن يُشرح لنا كيف سيتم ذلك وما هي ألآليات المتبعة! كذلك, الحال مع دعوة البيان ذاته, لممارسة الدول العربية لدور أكثر فاعلية في العلاقات الاقتصادية الدولية, والمشاركة في الجهود الدولية لضمان الاستقرار المالي العالمي…!! كلام عام في بيان عام لم يستطع أن يجيب بكل أسف على تساؤلاتنا وطموحاتنا وآمالنا التي كم اعتادت شعوبنا العربية على تأجيلها باستمرار, والتي يتعين علينا أن نحملها معنا إلى أن يحين موعد قمة أخرى قادمة, إن كان هناك متسع من الوقت قبل أن يداهمنا طوفان الوضع الاقتصادي العالمي.
 
صحيفة الايام
8 فبراير 2009

اقرأ المزيد

باراك أوباما والمؤشرات الإيجابية

يمكننا أن نفهم المؤشرات الايجابية نحو العالم والسياسات الداخلية للرئيس الجديد , من خلال التصريحات والسياسات التي وضعها لبلاده والتي تشكل خطوات أولى بينما تحتاج مؤشرات التحرك نحو العالم الخارجي وقتا من الزمن حتى وان جاءت كلمة وزيرة الخارجية وفريق عملها الذي تم اختياره بعناية ,مما يعكس رغبة الرئيس في علاج ملفات شائكة وطويلة من الصراع . ما قالته هيلاري كلينتون عن فريقها كان واضحا فحددت مهمات سياسة الولايات المتحدة الخارجية بأن تتميز «بالذكاء في توظيف تلك القوة « ولم تحدد كيف تلك القوة وتفاصيلها , ولكن حتما ستكون مختلفة عن السابق فالفريق الذي أمامنا هو نتاج مرحلة بيل كيلنتون ,الذي كان يبحث عن آفاق رؤية جديدة للعالم عندما بدأت نغمة العولمة .
من هنا ندرك حقيقة رغبة الرئيس الأمريكي الجديد في حسم ملفات صراع عالقة منذ وقت طويل تعطل حل قضايا اقتصادية وتنموية ,وهو يدرك أن الحل يعتمد دائما على الطرفين وبإرضاء الطرفين , ولكن إذا ما تشدد الطرف العربي والفلسطيني والإسرائيلي حول قضايا معينة فان الملف سيبقى معلقا لسنوات . وربما يرحل اوباما ولا احد يعرف هل سيأتي شخص أفضل أم أسوأ منه . ما قدمه الرئيس اوباما في بداية تقلده للحكم من شخصيات لديها خبرة في معالجة ملفات صعبة تؤكد رغبته الجادة في الانتهاء من أوضاع خارجية مهمة للالتفات إلى القضايا الدولية والداخلية المتعلقة بالأزمة الاقتصادية والتي تحتاج لمدة طويلة .
إن اختيار جورج ميتشل الذي كان له دور في معالجة القضية الايرلندية , بملفها الطويل يؤكد الحكمة السياسية لتلك الحكومة , وقد قال ميتشل في كلمته بان المشاكل والصراع وقيادته وصنعه هو من الإنسان , وان معالجتها مرهونة به , وهو القادر على حلها متى ما أراد ,وما خيار هولبروك للملف الباكستاني والأفغاني إلا دليل آخر في اتجاه تناول قضيتين شائكتين ربما أعمق واعقد من تناوله لمشكلة البوسنة ودوره في الأمم المتحدة .
وبالطبع لن يكون ملف باكستان وأفغانستان سهلا نتيجة العصبيات والصراعات والمفاهيم الجامدة والتشدد , فالذهنيات المتحاورة لديها رؤية مخالفة ومعادية للتوجه الغربي العالمي الذي يود تغيير العالم نحو الديمقراطية والحريات والتي كان كلينتون يرغب بها ولكن سقوط السياسات الأمريكية في أخطاء فادحة , مع صعود بوش وطريقة معالجته للتعامل مع العالم الإسلامي أثناء تنامي قوى التشدد الديني وببروز ظاهرة الإرهاب قبل أحداث سبتمبر . ومع تبدل طاقم السياسة الخارجية سيكون على غيتس المعني بالجانب العسكري أن ينفذ تعليمات السياسة الخارجية الجديدة في تغيير الخيارات التي طرحتها هيلاري كلينتون بتنفيذ القوة بذكاء مما يترجم هذا التعبير الشاري المرسل للرئيس بوش وعهده بأنه اتبع سياسة القوة بحماقة دون حسابات مهمة للسكان والمدنيين وفتح سجون قسرية ومارس التعذيب والسجن غير القانوني بحيث تتعارض مع القيم والأخلاق كما أشار إليها الرئيس نفسه بل وقرر في الحال اتخاذ قرارات حاسمة بإغلاق سجن غوانتانامو ومعالجة وضع السجناء بشكل قانوني , وإنهاء السجون الأمريكية في الخارج والتي كانت من نتاج مكافحة الإرهاب وأحداث سبتمبر .دون شك هذه السياسة لم تنبع نتائجها بين ليلة وضحاها وإنما عكف الفريق المنتقى خلال أسابيع منذ فوز اباما في انتخابات الرئاسة على تحديدها ,وانتظر الإعلان عنها رسميا بعد الانتهاء من القسم الدستوري ودخوله البيت الأبيض . لقد ترشحت تلك الأخبار عن تلك التعيينات في الصحافة الأمريكية , غير إن الرأي العام كان ينتظر الرئيس الجديد أن يقررها رسميا , فجاءت السياسة الجديدة المعلنة للعالم كمؤشر هام علينا نحن العرب أن نسعى إلى دراستها بكل جدية . من انتظر أن تولد سياسة أمريكية منحازة للعرب كانوا على خطأ بيّن , إذ لا يمكن أن تنتقل سياسات الدولة العظمى من موقف منحاز بالكامل إلى موقف عكسي , فهناك وضع إقليمي وعالمي متوازن يحسب له حسابه , عالم ما عاد بالإمكان التعامل معه بالقوة ونزعة الزعامة . إن قضية الشرق الأوسط برمتها ستكون في جلسات وحوارات المرحلة اللاحقة , فبعد الانتهاء من القضية الملحة في غزة وما يتبعها من تتاليات فلسطينية هامة ,فان صراع الشرق الأوسط الطويل ملفه اعقد وله ذيوله وجيوبه . وإذا ما نجحت السياسات الخارجية الأمريكية بتسوية الأمور بين الطرفين , فان الأبرز فيها هو حوار الإخوة وصراعهما , فهناك تراكم جديد ولد مع حرب غزة وخلق جرحا فلسطينيا عميقا , فإذا ما بدت أصوات أثناء الحرب وحممه تنادي بشعار الوحدة الوطنية , فان هذا الشعار يتباعد كثيرا أثناء الهدوء السلمي فتنبع التناقضات المؤجلة بين الفرقاء وتبرز نزاعات الانفصال والصراع على السلطة حول بلد لم ينه كل إجراءات استكمال استقلاله الوطني ولم يحقق كل ملامح ومكونات الدولة الفلسطينية الحديثة.

صحيفة الايام
8 فبراير 2009

اقرأ المزيد

ترشيد الطموحات ..


علينا أن نلاحظ ونتنبه إلى أنه في الوقت الذي أقر فيه مجلس الوزراء يوم الأحد الماضي « الاستراتيجية التنموية الوطنية لتطوير العمل الاقتصادي والاجتماعي والحكومي للسنوات 2009 – 2014 « المنطلقة من الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 والتي ذكر بأنها تستهدف 3 محاور رئيسية هي تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين الإنتاجية والمهارات, وتطوير وتنويع الاقتصاد, والتركيز على القطاعات الاقتصادية المستقبلية الواعدة.
في هذا الوقت كان هناك توجس وقلق من مستقبل غامض بات يواجه أوساطا من التجار والصناعيين والعديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, ومبعث هذا التوجس والقلق الذي يراه البعض بأنه يتجاوز كل التوقعات, تلك الإجراءات والقيود التي أصبحت تفرضها المصارف على التسهيلات الائتمانية وزيادة كلفة الإقراض وكأن هذه الخدمات قد نضبت أو على وشك النضوب, بشكل أصبح يضرب بعرض الحائط خططا وبرامج وتطلعات ومصالح تلك الأطراف بل ومصلحة الاقتصاد الوطني.
لذلك لا ينبغي أن يمر تحذير رئيس الغرفة التجارية د. عصام فخرو من تبعات تضييق منافذ التسهيلات والخدمات للقطاع التجاري, لا ينبغي أن يمر مرور الكرام, خاصة اذا كانت هناك تجارب عديدة ومريرة مرت بها أوضاعنا الاقتصادية قد أثبتت أن المشاكل الاقتصادية تكون في حقيقتها أكبر وأعمق مما توحيه مؤشراتها في مراحلها الأولى, وان استمرارها والتباطؤ في التصدي الجريء لها والتردد في اتخاذ وتنفيذ القرارات المناسبة لمعالجتها يزيدها تعقيداً وتكلفة, فإن ذلك مدعاة بأن لا نجعل ذلك التحذير يمر مرور الكرام , أو نظل نغض الطرف عن هذا الذي يجري الآن بين المصارف والقطاع التجاري, لأن ذلك لا يخدم الاقتصاد الوطني ولا يدعم مشاريع نموه المستقبلية.
بوسع المتابع أن يتوقف عند أكثر من نقطة جوهرية سواء على صعيد ما قاله رئيس الغرفة, أو على صعيد واقع الحال الراهن الذي يبدو أنه بات يفرض علينا ترشيداً في الطموحات فيما يتعلق بالمسار الاقتصادي والتنموي, والرؤية الاقتصادية المستقبلية, واذا أردنا أن نتوقف تحديداً عند نقاط معينة فسنتوقف عند التالي:
– أن المؤسسات المصرفية تبالغ في تبني إجراءات احترازية بعد الأزمة العالمية, وأن الكثير من التجار والمؤسسات والشركات, وبالأخص الصغيرة والمتوسطة منها والتي تشكل أكثر من 70% من البنيان الاقتصادي قد دخلت في مرحلة حرجة وباتت عرضة للتعثر, وذهب البعض إلى أبعد من ذلك حينما حذر من توقف أعمال وإفلاس بعض المؤسسات والشركات جراء القيود غير المسبوقة من قبل المصارف على الائتمان والإقراض.
– أن النظام المالي في البلاد كما يطرح الآن وبدرجة عالية من الثقة لا يزال قوياً وأن المصارف باعتراف الكثير منها لديها السيولة الكافية التي تمكنها من الاستمرارية في أداء دورها, وهو أمر أكده رئيس الغرفة, ومن الخطأ الفادح التخلي عن هذا الدور الآن, لأنه سيؤدي إلى الكثير من السلبيات التي يبدو أنها لم تشخص, وهي بالنهاية ستلقي بظلالها ليس على القطاع التجاري فقط, وإنما حتى على المصارف, لأن التضييق على المؤسسات التجارية والصناعية وجر بعضها على مشارف الإفلاس سيولد أزمة هي الأخرى تلد أزمات, الأمر الذي لا يخدم مصلحة هذه المصارف, ولا الحركة الاقتصادية برمتها الآنية والمستقبلية.
– أن من حق المصارف أن تتخذ إجراءات احترازية للمحافظة على أموال المودعين , ونعلم أنه يخطئ كثيراً من يظن أن الأسوأ اقتصادياً قد مر على البحرين والمنطقة بنهاية 2008 وأن المرحلة مرحلة تعافٍ ونهوض, ولكن الاقتصاد البحريني باعتراف رئيس الغرفة وغيره من الشخصيات الاقتصادية لا يبعث حتى الآن على القلق الذي يستدعي من المصارف أن تسارع في تبني موقفها المتشدد الراهن, الذي حتماً سوف يعجل نحو تعثر مالي كبير لأفراد وشركات تصل إلى حد الإفلاس والانهيارات, وهذا هو الجانب السيئ من الأزمة, والأسوأ تجاهل تبعات ذلك, ثم الأسوأ أن تقف جهات الاختصاص موقف المتفرج مما يجري دون أن تبحث وتتدارس «أفضل الممكن», لأنه في ظروف كهذه وضغوط غير مسبوقة لا يمكن تحفيز النمو الاقتصادي ولا تحقيق ما جاء أدنى الطموحات التي وردت في الرؤية الاقتصادية.
– بقي التأكيد على أن القطاع الخاص والمؤسسات المصرفية هي حقاً كما قال رئيس الغرفة القاطرة التي تشد عملية الاقتصاد إلى مزيد من التنمية والتقدم, وحتى لا نسترسل في التشاؤم حيال الأوضاع المستقبلية للشركات والشركات الوطنية,
رغم ما قد يعده البعض ذلك نوعاً من السذاجة المفرطة, خاصة وأن حجم وطبيعة التأثيرات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية مازالت محل تباين في وجهات النظر, فإن دعوة الجهات الرقابية وتحديداً مصرف البحرين المركزي بأن يبحث بمنتهى الجدية الوضع القائم مع المؤسسات المصرفية وأن يقدم المزيد من التسهيلات وأن يتخذ الإجراءات التي تبث لدى المصارف الطمأنينة التي تجعلها تستمر في اداء دورها دونما خوف يضطرها إلى فرض شروط تعجيزية حتى المواطن العادي بات متضرراً منها وخلقت بالنهاية أزمة شديدة الوطأة عليه.
أخيراً .. لا احسبني بحاجة إلى القول أن ما يفصل بين النجاح والإخفاق في أي معالجات هو سرعة القرار, وأن حراجة الوضع للحالة الحاضرة لا تسمح بهدر الوقت والانزلاق في متاهات تبني إجراءات أو سياسات غير واقعية وغير فعالة ومكلفة ومعرقلة للنمو الاقتصادي الحقيقي.
 
الأيام 6 يناير 2009

اقرأ المزيد