المنشور

متى تكون اليقظة .. ؟


هالنا هذا الذي جرى , وصدمنا مرتين , مرة في الفعل , ومرة في رد الفعل, وسيكون من الخطأ الفادح أن نهّون من الأمر في الحالتين , رغم كاريكاتورية المشهد العام الذي يزخر بأمور كثيرة لا تسر, لا ينبغي أن نتعامى عن قراءة رشيدة لها.
بدءاً نتحدث وتحديداً عن مضمون الخبر الذي نشر في صدر الصفحة الأولى بهذه الجريدة في 28 يناير الماضي, فهو خبر بدا غريباً أن يمر مرور الكرام دونما رد أو تعليق من أي جهة كانت , وكأنما ليس هناك ما يستحق التوقف عنده, أو أن ما حدث هو أمر عادي لا يستلفت الانتباه ولا يستدعي التوضيح ولا حتى التبرير ..!!
الخبر يكشف عن هروب تاجر مخدرات عربي من البحرين عن طريق المطار بعد أن قضت المحكمة بمعاقبته بالسجن لمدة عشر سنوات وتغريمه 5000 دينار وإبعاده عن البلاد نهائياً بعد قضاء العقوبة .. !!
الخبر في تفصيلاته يشير إلى أن ذلك الهروب أدى إلى حالة من الاستغراب الشديد جراء ” عدم توفر ضوابط وأنظمة تمنع خروج المحكومين والمطلوبين قضائياً , وتحول دون هروبهم من تنفيذ الأحكام والاستهتار بالقوانين والنظم القضائية “..!!
أياً كانت الخلاصة والاستنتاجات حيال مضمون ذلك الخبر وما يعنيه ذلك , فإنه خبر يفرض علينا أن نستدعي من الذاكرة تلك القضية الشهيرة لتاجر الذهب الهندي الشهيـر ” بكوانجي “واليوم ليس ببعيد عن الأمس , فهذه القضية كانت قد استأثرت باهتمام واسع وملأت المقالات والعناوين مصحوبة بعلامات تعجب كثيرة, وللتذكير فإن هذا التاجر كان قد اقترض قبل بضع سنوات ملايين من الدنانير من بنوك وطنية عدة وهرب بها, وهي قضية المدهش والمذهل فيها حتى الآن تلك الجزئية التي كشف عنها وبكل وضوح الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت في لقاء صحافي نشر بتاريخ 8 سبتمبر الماضي, فالرجل قال: ” بكوانجي هرب من البلاد.. كان قد قبض عليه وتم إحضاره إلى البحرين , وهرب من جديد , ولا نعرف كيف ولأسباب لا نعلمها “..!!
ذلك كلام خطير لا ريب , هو الآخر ما كان ينبغي أن يمر مروراً عابراً لأنه وذاك الحدث يعبران عن وجه من وجوه الخلل والخطأ وربما الفساد في بعض مواقع العمل العام ويوحيان بتساهل لافت في تحديد المسؤوليات والمسؤولين , والغريب حقاً أن الأمر في الحالتين لم يواجه لا بالإنكار ولا بالاستنكار , لازلنا نجد ونلمس في بعض مواقع العمل والمسئولية مظاهر عديدة من أوجه القصور والإهمال والتراخي والتي تتميز ردود الفعل حيالها بإغفال التصدي لها أو تحجيمها وتبسيطها أو الاكتفاء بالعموميات, وذلك كله لا يكفي لإزالة القلق.
مواقع الخلل والتي عوارضها واضحة بدون علاج لعل منها – ونحن هنا لسنا بصدد تعدادها – تلك المحاولات التي تريد أن ننشغل بمشاكلنا عن قضايانا بممارسة السفسطة وخوض المناقشات والآراء والمواقف البيزنطية والمضللة, والصخب الذي لا يجدي نفعاً الذي تعبر عنه تلك التحريضات والاستفزازات والتراشقات والاتهامات والعنتريات والمعارك المفتعلة والعصبيات الطائفية والمذهبية المحتدمة , والانتهازيات السياسية التي نشهدها هذه الأيام من قبل أطراف وقوى وتيارات وكتل تخلق خنادق الفتنة والتباعد بين أبناء الوطن في كل شأن وطني توافقاً مع هوى البعض ممن ألفناهم يتلاعبون بالألفاظ والشعارات ويخادعون ويضللون بالتفسيرات والتبريرات والمواقف المزدوجة ويبنون أمجادهم المزيفة على الخلافات التي تشدد الخناق على المواطن وتجعله متعب بحاضره وقلق على مستقبله.
وبمقدور المرء أن يراجع ويمعن في الكثير من مجريات الأمور والأحداث اليومية, وأيضاً في دلالات ما تكشفه الكثير من الأخبار والتعليقات والتصريحات والمواقف التي منها ما يعبر عن مفارقات لا تخلو من سخرية, وأن هناك طبقة من المسؤولين والسياسيين والنواب من لا يحسنون المسؤولية ولا يحاولون , وجودهم في موقع من مواقع المسؤولية العامة هو في حد ذاته خطأ ومشكلة في آن واحد.
, وكل ذلك يفرض نهجاً جديداً بات ملحاً في التعاطي مع مختلف القضايا و معالجة شئون الوطن والمجتمع إجمالاً , بقدر كبير من الجدية وقدر أكبر من المسؤولية, وقدر أكبر من الوعي بطبيعة ما يجري في واقعنا الراهن, وفي دلالاته وإفرازاته وهي كثيرة وتحتاج إلى دراسة معمقة لصلتها الوثيقة بتراجع قيم ومبادئ لابد أن نحرص على ترسيخها وتأصيلها في مقدمتها قيمة احترام القانون, وقيمة احترام المساءلة والمحاسبة جيداً.
بقي أن نقول أننا في حاجة إلى روح جديدة للمسؤولية في كل موقع, وهذه مسألة لا تحتمل التأويل والمغالطة, لعلنا بذلك نضع الأمور في نصابها الصحيح ونضع أيدينا على أصل الداء, ونوقف هذا التمادي في الأخطاء ليسترد مجتمعنا عافيته .والسؤال .. متى تكون اليقظة ؟
 
الأيام 13 فبراير 2009

اقرأ المزيد

العَلمانية التركية والسلام والتقدم


اختارت القوى الدينية العربية والإيرانية سياسة المجابهة، وهي سياسة نازفة للموارد المحدودة، لكن الفئات الوسطى التركية باتجاهها الديني – الإسلامي اختارت التنمية والسلام والتقدم.
بطبيعة الحال كانت هناك خلفية الإمبراطورية العثمانية والتحديث المتردد فيها، التي استفادت من الموارد الكبيرة التي أتاحتها تلك الهيمنة الطويلة على البلدان العربية والإسلامية الأخرى.

وحين خرجتْ تركيا الحديثة من الارتباط بهذه الإمبراطورية الشائخة، وابتعدت عن الدخول في المحاور الأوروبية المتصارعة على المستعمرات بدءاً من الحرب العالمية الثانية، حققتْ هذه السياسة تراكماتٍ اقتصادية وسياسية مفيدة لها، أهلتها لأن تنعطفَ بفهمِها الديني نحو آفاق الحداثة.
كانت الحرية الاقتصادية مقدمة لانتعاش الفئات الوسطى المختلفة، ورغم أن حكم الجنرالات كان حكماً دكتاتورياً، لكنه كان مركزاً على الناحية السياسية بدرجة أولى.
وحتى لو كان الحكم مؤسساً لأنظمة يمينية فاسدة وتابعة للغرب، لكنه كان مؤسساً كذلك لوحدة تركيا الحديثة الوطنية.
إن تركيا الخارجة من العصور الوسطى مثل بقية الدول العربية والإسلامية واجهت تحديين أساسيين: فثمة خطر المغامرة اليسارية المتطرفة الداعية لتحول تركيا إلى دولة اشتراكية عمالية تسحق البرجوازية، وكان هذا الخيار يجد صداه في العديد من المنظمات اليسارية المتشددة الصغيرة، وفي صفوف بعض قطاعات الجماهير الفقيرة المعدمة. وكان الخيار الثاني هو دولة رأسمالية حرة بشكل كلي وهو أمر لم ينضج بعد.
 
وتركيا دولة تسودُ فيها طبقة الفلاحين الفقراء، حيث تركيا هضبة كبرى واسعة شبه زراعية، ضعيفة الموارد.
ولم تحدثْ لهذه الطبقة إصلاحات عميقة، أو تحولات رأسمالية كبيرة، تحول فلاحي الريف إلى عمال.

كما أن القومية التركية هي قومية سائدة فوق الأكراد والعرب وغيرهم من القوميات الأقل عدداً، ولم تعط هذه القوميات حقوقها الكاملة، مما أوجد جماعات متطرفة رفعتْ السلاحَ وأنهكت تركيا كدولةٍ تتوجهُ للتنمية.

إن تحقق الديمقراطية بنفس المستوى الغربي غير ممكن تماماً بسبب ان الفئات الوسطى لم تستطع أن تقوم بالتحديث الصناعي وتوحيد السكان حولها، إلا في بعض المدن الرئيسية، وهو ما جعل هذه الفئات تبحثُ عن الجمهور الواسع المغذي لها بالتأييد وبالادخار المالي والاستهلاك.

وبين العلمانية الساحقة للتراث، وبين القومية ذات النزعة الأوروبية والوطنية المعادية للعمال والشرق(المسلم المتخلف)، حسب فهمها، تقلبت هذه الفئات عدة عقود، حتى استقرت على صيغة تحديثية وطنية – إسلامية – علمانية.
إن دكتاتورية الجنرالات قد أفادت في جوانب معينة مهمة، وهي إبعاد الفئات الوسطى عن التجارة بالدين، وهو أمرٌ كان يضعفها اقتصادياً وسياسياً وفكرياً، ومع انقطاع هذه الفئات عن التجارة بالدين توجهتْ للاستثمار الحقيقي وتحرير النساء ودفعهن بأعداد كبيرة للعمل المنتج، كما فتح أفقاً لفهم مختلف للتاريخ والتراث، وحتى الآن فإن هذا الجانب يبدو أقل الجوانب حضوراً وانتشاراً بين الأمم الإسلامية.
وعبر هذه العقود فإنها أحدثت تراكمات اقتصادية مؤثرة، قادتها لأن تبرز على المسرح السياسي بقوة، وكلما قاربت الحداثة والعلمانية تحقق لها نجاح أكبر.
ليست هذه القسمات السياسية والفكرية هي مجرد كلام مجرد، بل هي استثمار وأموال ومصانع وتجارة، فالتسييس الديني يدفع المجتمع للصدام مع الغرب خاصة، ومع المذاهب الإسلامية الأخرى ومع الأديان المختلفة، مما يقود إلى حروب نازفة للموارد.
وهو أمرٌ نلحظه الآن بوضوح شديد لدى الجماعات الدينية العربية والإيرانية والافغانية التي تتغذى بالصدام وتريد توجيه بعض الدول العربية للحرب، ولكن كان لدى الطبقة الحاكمة التركية خاصة العسكرية خبرة مؤلمة في هذا الشأن، ورفضت طوال عقود سابقة الانجرار لمسألة الحروب حتى في ظل سياسة حلف الأطلسي.
فالتراكم الاقتصادي في دولة فقيرة كتركيا ليس سهلاً، كما أن النزاعات القومية والسياسية والاجتماعية، تجعل هذا التراكم صعباً ومؤلماً، لأنه انتزاع لفوائض القيمة القادمة من المصانع وتوزيعها بأشكال غير متكافئة بين الطبقات. وقد جعلتها سياسة السلام هذه تكبر على مسرح المنطقة، أكبر من دخول المسرح الأوروبي.
فلا تزال معاييرها للتقدم أقل من المعايير الغربية، ولا تزال بعضُ القوميات لا تتمتع بحقوقها، وهناك تفاوتات كبيرة بين مستويات المعيشة بين الأرياف والمدن الرئيسية. والمعايير الغربية ناتجة من ثورة صناعية على مدى ثلاثة قرون بينما التحديث التركي قصير نسبياً، فهذا تشرطٌ على تركيا فاقد للمقارنات التاريخية والنسبية في التطور السياسي.
وقد تحقق للنخب السياسية الراهنة حضور على مسرح المنطقة بقوة كبيرة، فتلك التبعية للسياسة الغربية بحذافيرها لم تعد مقبولة لديها، والخدمة للسياسة الإسرائيلية صارت عاراً مرفوضاً، وتحرر السياسة الخارجية من هذه الوصمة صار أمراً شعبياً.
لكن هذه النخب كذلك لم تنجر للسياسة المعادية للسلام، ودعت حماس أن تحذو حذوها في وعيها السياسي، لكن حماس نتاج مجتمع متقطع، لم يعش مستوى حريات طويلة، ولم تنشأ فيه فئات وسطى مهمة، ولا عمالة تقنية رفيعة المستوى، وغزة أشبه بجيب جغرافي ملحق بعدة دول، وهي ذيل سياسي لدول متنفذة في المنطقة وأقل من تنظيم مستقل.
وهكذا كان الحضور الحكومي التركي مفيداً للعديد من القطاعات، فقد أوضح بأن السياسة العلمانية الوطنية ذات الجذور الإسلامية ليست انقطاعاً عن مهمات السلام والتحرر والتقدم.
 
أخبار الخليج 13 فبراير 2009
 

اقرأ المزيد

النظر بموضوعية في تاريخ الإنسان

لا يمثل تاريخ الأديان سوى واحد بالمائة من تاريخ البشر، في حين تحتل الأسطورة الـ99% منه. أما تاريخ العلم فحتى الآن لم يصل لشيءٍ من ذلك. ولهذا حين ظهرتْ الأديانُ حاولتْ أن تخفف من الأسطورة بالاعتماد على بعضِ ركائزها. تاريخُ العلوم الضئيل لا يعني عدم أهميته الجبارة ولكن نسبة وجوده في حياة البشر محدودة، وحتى في العصر الحديث فإن الاختراعات والصناعات هائلة لكن أن تتجسد كتاريخ فكري علمي في حياة الناس فهذا أمر آخر. ومن هنا نجد أن تاريخ المجانين والطغاة والمرضى النفسيين وأصحاب الهلوسة الذين صاروا زعماء وقادة امبراطوريات وأحزاب وأشعلوا الحروب التي راح ضحيتها الملايين من البشر وكذلك الغابات والمدن والأشياء من الجماد والنبات، فهم أكثر بكثير من الفلاسفة العقلانيين. وكذلك كانت الجماعات الدينية المهلوسة والعصابية والمجنونة بفكرها وسلطاتها وأحكامها الباترة بقتل البشر والتضحية بهم واستغلالهم أكثر من قطرات المحيطات وشعور الرؤوس في شتى الأزمنة! فكما أن العلوم مثل قطرة في المحيطات، فكذلك العقل الإنساني لحظة وامضة نادرة في الوجود. الإنسان كائنٌ خرافي، لا يعترف بأنه جزءٌ ضئيل من الطبيعة، أمه التي انقطع عن ثديها بأوهامه الخيالية، ومع ذلك فلايزال يعتبرُ الأسدَ ملكهُ في الغابة، والذئبَ رفيقه في حملاته لتصفية المعارضين، والحية سيدته التي تقدم له السموم،(وكان العسلُ المسموم مادة لتغيير التاريخ والحكام). الإنسان الخرافي يستخدم شتى الأفكار ليجعل من نفسه الكائن المختلف عن الطبيعة، ولكن قوانينها سارية في جسمه، فأقل خطأ بيولوجي في تركيبه يحيله إلى عدم. عاش الإنسان بأغلبية تاريخه على الأوهام، وذلك لأسباب موضوعية خارجةٍ عن إرادته ككائن، فالطبيعة مسيطرة عليه بميلاده وموته، وهي طبيعة ليست في خدمته، بل معادية له، لأنه نشأ داخل تطوراتها التي لم يتحكم فيها، فوجد نفسه داخلها، فراح يسيطر عليها بصعوبات جمة كثيرة خارقة، وتاريخه الحقيقي مبنى على هذه السيطرة المحدودة. كما واجه من داخل تاريخه الإنساني عقبات لا تقل خطورة ومأساوية عن عقبات الطبيعة الضارية العائشة على لحمه وعقله، فظهرت أنظمة حيوانية طبيعية، وهي تاريخية مع ذلك، تنهش أيامه القليلة في الوجود، هي امتداد لحيوانية الأسد والذئب والحية، فغدا مثل نقطة الزيت على الصفيحة الملتهبة، فكيف ينتج منه فكر عقلاني؟ يغدو دفاع الإنسان الأول هو التمسك بالمعيشة البسيطة، أن يكون له منزل وعائلة وامتداد، أن يكون أعلى درجة من الجمل والضفدع، وحتى في هذه المكانة الحيوانية المتدنية فلا الطبيعة القاسية تتركه ولا الطبيعة الحيوانية السياسية تدعه يعيش بكرامة. فكلتا الطبيعتين لها البراكين والزلازل والفيض البحري والأمراض، وللطبيعة الثانية السجون والدكتاتوريات والحروب والتجارب النووية والأنظمة الباطشة اللامسئولة العداونية. فيظل ملجأه الأمل والحلم الأسطورة والدين، هما يخلقان له عالماً سعيداً له أوله ونهايته، وقد يتحولان هما أيضاً إلى جزء من الطبيعة الحيوانية الباطشة، لأنهما جزء من تفكير الإنسان التاريخي، لهما دور نهضوي لإحداث تقدم في حياته، ولهما دور الزنزانة التي تعتقل قدراته وتحجم عقله، من أجل مصلحة القوى الحيوانية الاستغلالية التي حولتهما إلى دور تعطيلي بدلاً من الدور النهضوي. ولهذا فإن تاريخ الإنسان بمعظمه هو تاريخ الحيوان الضاري، فانظر إلى جيوشه واسمائها، كيف أخذت من الحيوان رموزها، ومن الطبيعة الجائرة عناوينها: جماعة الفهود السود، والصاعقة، والرعد، والشهاب اللامع، والأسد، والضبع، والفهد الخ.. وأخذت من الطبيعة البعيدة اللامبالية بالمشاعر والقلوب والعقول رموزها، فقالوا دولة الشمس وحددوا الضباط بأنهم ذوو رتب من النجوم ليكرسوا فيهم الابتعاد عن الإنسان، وقالوا آلهة القمر ودولة القمر والتيجان ووضعوا النسور والمناشير والسيوف رموزاً في أعلامهم لتدل على الأسنان والمخالب الضارية! فهي تعترف صراحة بأنها جزء من الطبيعة القاسية ومن الجماعة الحيوانية الآكلة لحم البشر! وفي الخيال تقول انها غير ذلك، وهي الاكتمال والطهارة والقداسة، وهي دولة الوطن الواحد والقانون والدستور والديمقراطية! لا تريد الدول أن تقول إنها جعلت الأسود تحكم لتنهش من اللحوم وتستأثر بالأموال وتتلاعب بأموال الفقراء الهزيلة، بل انها تضع أقنعة (إنسانية) فوق وجوهها وقد قال الشاعر (إذا رأيتَ نيوبَ الليث بارزة..)، وهو تعبير ليس عن مشابهة شكلية بيانية بل إدراك لطبيعة السلطات.
وقال العامي الفصيح (الذيب ما يهرول عبثاً)، فحتى هرولة هذا الوحش التي تبدو صنيعاً إنسانياً تستهدف اللحم الاقتصادي أو البروتيني، وقد تداخلت اللحوم. وكما أن العلوم تمثل شيئاً رمزياً في الاحصاء العقلاني لتاريخ البشر اللاعقلاني والخرافي فإن الجهود المناضلة لأنسنة تاريخ الإنسان هي مثل ذلك، وربما أقل، لأن الجهود في تشكيل مجتمعات إنسانية خالية من الأسود والفهود وشموس المناجل والمطارق النازلة على جماجم البشر، هي نادرة وقلما تفلح وتصمد لأن الحيوانات البشرية تظهرُ بشكلٍ مستمر من داخل هذه الجماعات والمجتمعات بسبب قصور التنظيمات والوعي والمراقبة وتخلف أساليب الإنتاج لدى البشر عموماً. فهذه الحيوانات البشرية تريد أن تستحوذ على الغنيمة الاقتصادية وتنهشها بسرعة وتحتفظ بها، وتجعل ذلك أسلوب عيشها وسيطرتها. وهذا يعتمد على مدى يقظة المذبوحين والمسلوخين والعمال، دجاج التاريخ الطازج، هل ينتبهون ويقاومون أم يتركون الذئاب ترعى في مرعى الغنم؟

صحيفة اخبار الخليج
12 فبراير 2009

اقرأ المزيد

رجلان عند موقف الباص

«التقى رجلان عند موقف الباص، لم يُسلم أي منهما على الثاني، ولم يبتسم أي منهما للآخر، كان كل منهما يروز الثاني بنظرة حادة. إذا جلس أحدهما على المقعد قام الثاني ونظر نظرة شزرة، ولا يلبث الواقف أن يتعب، فالشمس حارة وطاقة الصبر والأناة استهلكها العمل فيجلس، ويقوم الجالس وينظر نظرة قاسية ويدير ظهره. لم يصل الباص إلا وكان كل منهما يتمنى في سره سحق الآخر، كما يسحق صرصور تحت قدم حانقة».
هذا ملخص قصة قصيرة للكاتب السوري محمد إبراهيم الحاج صالح، وهي بامتياز قصة عن سيكولوجيا الإنسان المقهور، بتعبير د. مصطفى حجازي، والمقصود به الانسان الذي يعوض عن القهر الواقع عليه بابداء كراهية، أو قهر مبطن ضد نظرائه من الناس المقهورين أيضا.
وهي فيما نرى سيكولوجيا المواطن العربي البسيط على امتداد رقعة هذا الوطن الكبير، المواطن الذي تسحقه الأزمات المعيشية وتطحنه دوامة الحياة القاسية، وتهدر كرامته وهو يريق ماء وجهه مرات في اليوم الواحد جريا وراء تأمين لقمة العيش له ولأطفاله، في أوطان تبدو الآفاق أمامها مسدودة، حيث تتدحرج نحو هاوية المزيد من الأزمات.
للكاتب الكبير الراحل محمد الماغوط مقالة صحفية ساخرة، يحدد فيها التضاريس الجغرافية للعالم العربي ويسمي معالمها من جبال وأنهار وسهول ومدن وقرى وأحراش، ثم يعرج على وصف الكائنات التي تعيش في هذا العالم العربي من الجمل إلى الحصان إلى الحمار وسواها من حيوانات، واصفا كل واحد منها بما يميزه، وفي نهاية مقاله يصل إلى الإنسان العربي فيكتب: وعاش هنا الإنسان العربي.
أراد الماغوط من وضع الأمر في صيغة الماضي القول بأن هذا الكائن من الخليقة المدعو المواطن العربي قد انقرض.
هذا نوع من الكوميديا السوداء، ولكنها كوميديا مأخوذة من هذا الواقع، مترعة بمآسيه ومتشربة بطعم العلقم الذي ينضح به. إن ما فعلته التحولات العمياء التي شهدتها المجتمعات العربية على مدار عقود قد أدت إلى سحق هذا المواطن وتغييبه وإهدار كرامته، وتفريغ عالمه الروحي وتجويفه.
علينا بعد رؤية هذه التحولات أن نفهم هذا الحال من الخيبة واللا مبالاة واليأس والحياد الواضح من قبل هذا المواطن تجاه ما يجري حوله من أحداث جسام. ما الذي يستطيع هذا المواطن العربي أن يفعله وقد فقد هو نفسه الإرادة والإحساس العالي بالكرامة، وعلينا بعد هذا وذاك أن نفهم، وربما نتفهم، طبيعة ردود الفعل العفوية على هذا الوضع، حين تأخذ الطابع العبثي وتبدو من غير رؤية أو هدف أو مشروع، وان وجد هذا الهدف فانه غالبا ما يكون معلقا في الهواء، معزولا عن الزمان والمكان.
الهزيمة ليست هي تلك التي تتكبدها الجيوش في معارك القتال. الهزيمة الحقيقية، الكبرى، هي الهزيمة الداخلية، هزيمة الإنسان الفرد حين تنخر النفوس واحدة بعد الأخرى وتصيبها بالخراب وفساد المعنويات.
وجوهر كل ما يجري هو الوصول بهذا المواطن البسيط إلى هذا المآل البائس، وان تحقق ذلك، لا سمح االله، فان الظلام سيطبق علينا من كل الجهات.

صحيفة الايام
12 فبراير 2009

اقرأ المزيد

حجب المواقع أم الآراء؟


في مساء اليوم الأخير من مؤتمر القمة، استقبل وكيل وزارة الإعلام الكويتي في بيته مجموعةً من الصحافيين من لبنان والبحرين وعُمان والأردن ومصر، حيث استهله بالتنويه بدور الصحافة والإعلام في نشر الوعي والثقافة وإيصال الحقائق للرأي العام.

بعض الزملاء استغل الفرصة ليطرح سؤالاً يردّده الكثيرون في العالم العربي، وهو عن السر الكويتي في التعامل مع «الرأي الآخر»، وما تسبّبه «الديمقراطية» وحرية التعبير من «وجع رأس»، نظراً لما يتابعونه من أداءٍ في البرلمان، ومن حرية واسعة في الصحافة، دون أن يضيق بها صدر الحكم.

الوكيل كان واضحاً وواقعياً في إجابته حين قال: «الأفضل لي أن أقرأ الرأي الآخر بدل أن أمنعه، فيصل إلى الناس عبر قنوات أخرى». ورفع هاتفه النقّال ولوّح به قائلاً: “وحتى لو منعته فسوف يصل عبر الإنترنت، بل سيصلني حتى عبر هذا الموبايل”!

وأضاف بفخر: «لدينا سقف حرية عالٍ في الصحافة، وقد حققنا المركز الأول في حرية الصحافة على مستوى الشرق الأوسط. الديمقراطية لها سلبياتها وإيجابياتها، وعليك أن تقبلها بحلوها ومرها».

كان ذلك في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، وفي الفترة نفسها، كانت وزارة الإعلام لدينا مشغولة بتدشين حملةٍ لإغلاق مجموعةٍ من المواقع الإلكترونية. ولأن كل الأعين في البحرين مفتوحة على الآخر، وكل شيء مسيّس، سرعان ما انكشف أن الحملة لم تكن شاملة لجميع المواقع «المشبوهة»!

إحدى الظواهر اللافتة في هذا البلد الصغير، أن لكل مدينةٍ وقريةٍ موقعاً أو منتدى أو ملتقى أو حواريات، وأحياناً لكل منطقةٍ أكثر من موقع إلكتروني، تعبّر عن تجمعات شبابية صغيرة. هذه المواقع ربما تمثّل طلائع صحافة المستقبل، في أبسط صورها، بينما يناقش العالم الغربي اليوم فكرة «الصحافة الشعبية»، حيث يتولى الناس نشر الأخبار والتقارير والآراء وبثها في الفضاء الإلكتروني المفتوح.

هذا الفضاء المفتوح، وفي الدول المتقدمة، لم يتم وضع قوانين للحد والمنع فيما عدا المواقع الإباحية والمتاجرة بالبشر، فالأصل هو البراءة وحرية التعبير، وليس تعميم المنع وكبت الآراء وملاحقة الناس ومعاقبتهم على آرائهم ونواياهم.

وطبعاً من أجل تمرير اللقمة، كان لابد من خلط الحابل بالنابل، والمواقع الحوارية والمنتديات بالمواقع الإباحية… فهذه تبرّر تلك. ولكن العارفين بالأمور يقولون إن نسبة الوصول إلى الإنترنت في البحرين هي من بين النسب الأعلى في العالم، وخصوصاً بين الشباب والناشئة، وكل عملية منع، تعقبها زيادة كبيرة في معدل الدخول على المواقع المحجوبة. والأهم هو تشخيصهم للقضية: هناك إعلامٌ رسميٌ ضعيفٌ وباهتٌ، لا يمتلك القدرة على الإقناع ولا استقطاب الجمهور، وعاجز عن إيصال الرؤية الرسمية للمشاهدين. ومع وجود سقفٍ يحكم الإعلام المقروء (الصحافة)، يأتي «الإعلام الشعبي» ليغطّي ما يعجز عنه الإعلام الآخر، وخصوصاً لما يتمتع به من سرعة وتدفّق معلومات وسقف عالٍ، وهو ما يعوّض أحياناً جانب ضعف الدقة والصدقية.

البعض يقرأ القرار في إطارٍ أكبر، على خلفية التراجعات التي رصدتها بعض التقارير المحايدة، في مجال الحقوق والحريات العامة وحرية التعبير. وقرار المنع الذي وصفه الحقوقي العربي المعروف هيثم منّاع بأنه «خطوة متخلفة تعود إلى العصور الوسطى»، يتطلب التذكير بالحكمة الكويتية: ” علينا أن نقبل الديمقراطية بحلوها ومرها، فالرأي الآخر الذي نمنعه سيصلنا على الموبايل”!
 
 
الوسط الثلاثاء 3 فبراير 2009
 

اقرأ المزيد

الخطاب العقلاني والخطاب العنصري


مبادرة «المنبر التقدمي» بشأن إطلاق آليةٍ للحوار بين الدولة والمجتمع، تنم عن روحٍ وطنيةٍ جامعةٍ وشعورٍ عالٍ بالمسئولة، تجاه البلد.
الأجمل تلك اللهجة الرصينة المتواضعة التي غلّفت المبادرة، سواءً في خطاب الناطق الرسمي باسم المنبر فاضل الحليبي حين استضافته «الوسط» مع آخرين في ندوتها الأسبوع الماضي، أو في خطاب الأمين العام حسن مدن في تصريحاته أو مقاله أمس. فالرجلان كرّرا أن هذا النهج ليس قصراً على المنبر وحده، بل هو نهج قطاعات واسعة من المجتمع، حريصة على أن تسود البلاد حالة التوافق والاستقرار.

مدن لم يعتبر نفسه وسيطاً وإنما جزء من المشهد السياسي، وبالتالي ردّ على من غمز جمعيته للعبها دور «الوسيط»، بقوله إننا نمتلك رؤية وموقفاً هدفه مصلحة الوطن، وبالتالي فالحوار مكسبٌ لكل القوى البحرينية الخيّرة. وركّز على التمسك بالثوابت الدستورية، وترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والسعي لتطوير القوانين بوسائل النضال المشروعة، ورفض جميع مظاهر العنف والعنف المضاد. وبينما عبّر عن نبذه لممارسات الحرق والاعتداء على رجال الأمن، اعترض على الاستخدام المفرط للقوة أو الممارسات التي تمس بكرامة الانسان البحريني.
خطاب عقلاني متوازن، لا تمتلك إلا أن تحترمه وتدعو إليه، لأنه يهدف إلى تغليب الحوار على الحلول التصعيدية التي جرّبناها عقوداً فما زادتنا إلا آلاماً وتأخراً وتردّي السمعة في مجال انتهاك حقوق الإنسان.

أمام هذا الخطاب العقلاني المتزن، يبرز خطابٌ آخر تحريضي، ينبذ الحوار، ويصرّ على التصعيد والتشدّد، يبدأ بالتشكيك في الحاجة أصلاً لحوار، وينتهي بطرح نظريات ذات روح عنصرية، تذكّرنا بمنظّري «البوير» وكهنة حقبة الابارتهايد في جنوب أفريقيا، الذين كانوا يتخيّلون أنفسهم نوعاً يمثل خلاصة الجنس البشري الأبيض، وأن الأفارقة مجرد جنسٍ من العبيد، لا يصلحون إلاّ لزرع المحاصيل الزراعية وكنس الشوارع.
هذه النظرية العنصرية الشاذة سقطت سقوطاً مدوياً في جنوب أفريقيا، بفضل النضال السلمي الطويل الذي قاده الوطنيون في جنوب أفريقيا، وأصبحت الآن فصلاً كئيباً من التاريخ المقيت في الذاكرة البشرية، لا يتشرف أحدٌ بالدفاع عنه أو تبريره.

من يقرأ التاريخ الجزائري، سيصطدم بالشريحة العنصرية الشاذة نفسها، ففي حرب الاستقلال عن فرنسا، كانت الحرب في الميدان الثقافي على أشدها، ففي مواجهة دعوات الحرية كان بعض المثقفين العنصريين الفرنسيين يروّجون لنظريات التفوّق العرقي، فالجزائريون دمويون متخلفون وشرسون، ولابد من دراستهم ضمن الأجناس البربرية التي لا تستحق غير القتل والسحق تحت جنازير الدبابات والمدرعات. تلك حقبةٌ قد مضت، وأصبح مثقفو حقبة الاستعمار الفرنسي في مزبلة التاريخ.

اليوم… البحرين أمام دعوةٍ عقلانيةٍ معتدلة، يطرحها عددٌ من رجالاتها بقلوبٍ لم تدنّسها الأحقاد أو المصالح الشخصية والفئوية، وبالمقابل هناك دعوةٌ عنصريةٌ تحرّض للإمعان في نهج الصدام ولغة العنف والعنف المضاد. وبدل الدعوة إلى حلحلة المشكلات العالقة التي يئن منها المجتمع، والالتفات لحل قضايا الاقتصاد السياسي، التي تغذي الاضطراب والقلاقل الاجتماعية، يتم تشطير البلد إلى بلدين، والعقيدة إلى دينين، والمجتمع إلى فئتين، تتويجاً لأبشع نظريات العنصرية الانثروبولوجية: «مساجدنا» و»مساجدكم»… وهنا «مربط العنصريين الجدد»!
 
صحيفة الوسط
11 فبراير 2009

اقرأ المزيد

الـ “بي.بي.سي”.. تاريخ من الحرب النفسية

شاءت المصادفة الزمنية التي لا تخلو من مغزى عميق ودلالات سياسية تاريخية أن يأتي موقف شبكة هيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية المعروفة اختصارا بـ الـ”بي.بي.سي” برفضها الحازم المتعنت لبث نداءات لجنة الطوارئ الخاصة المعروفة اختصارا بـ “دي.اي.سي” لجمع الأموال لمساعدة منكوبي المجازر الصهيونية الفلسطينيين في قطاع غزة.. نقول شاءت هذه المصادفة الساخرة ان يأتي موقف هذه الهيئة متزامنا بالضبط مع غداة احتفالاتها بمرور 70 عاما على انشاء القسم العربي فيها، والذي جاء كما نعلم عشية الحرب العالمية الثانية.
فكأنما هذا الموقف الفاضح في تحيزه امام كل العالم الحر الشريف، وليس امام العالم العربي فحسب، جاء تتويجا ورمزا لخبرة سبعة عقود متصلة من ممارسة الحرب النفسية الذكية والنهج الاعلامي المريب الذي دأبت عليه اذاعة لندن العربية، إذ ظلت طوال هذا التاريخ الطويل منذ تأسيسها عام 1938 اكثر الاذاعات الاجنبية العربية كفاءة في فنون الدعاية الاعلامية المخاتلة المخططة والحرب النفسية ضد العرب، على نحو لم تستطع ان تجاريها فيه اذاعات عربية لدول كبرى اخرى كالولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي السابق، وايطاليا، والمانيا، وفرنسا، وغيرها، حيث كانت تتلاعب بالمادة الاعلامية والصياغة الخبرية بطريقة تبدو حيادية موضوعية لكن لا تخلو من الدس الذكي أو التحيز المخاتل غير المكشوف في الكثير من الاحداث المرتبطة بالمنطقة العربية وذلك منذ انشائها عام .1938
وكانت اذاعة الـ “بي.بي.سي” العربية خلال عقدي المد الوطني والقومي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي اكثر فترة من فترات تورطها المكشوف في شن الحرب النفسية والدعاية السياسية لخدمة السياسات والمصالح البريطانية في الشرق الأوسط، وهي الحرب التي برعت الـ “بي.بي.سي” على التخطيط الدعائي الاعلامي لها بكفاءة وفق أسس مدروسة وذكية بحيث تجذب المستمعين العرب وتحاول تزييف وعيهم السياسي ومعلوماتهم عن حقائق أحداث المنطقة وفق جرعات مدروسة ومحسوبة في كل حدث أو خبر مبثوث ليمكن تمريره وتصديقه لدى المستمع العادي، او حتى لدى المستمع المثقف الذي يفتقد وعيا سياسيا معمقا قادرا على التمييز والتمحيص في اكتشاف تحوير المادة الخبرية او الاعلامية المتعلقة بأحداث المنطقة وفق ضوابط محسوبة ومقننة يعكف على اعادة مونتاجها ان صح القول مطبخ صياغة الأخبار والتحليل السياسي داخل الهيئة الذي يشرف عليه البريطانيون الانجليز ويوزع بعدئذ على كل اقسام الهيئة التي تذيع ترجمته بعدد كبير من اللغات الاجنبية ومنها العربية.
وتمكنت اذاعة القسم العربي من استقطاب اعداد هائلة من المستمعين العرب مستفيدة في ذلك من التخلف الاعلامي لكل الاذاعات العربية التي ظلت تسيطر على مجملها الحكومات العربية، سواء خلال الفترة الاستعمارية أم بعد قيام الدول العربية المستقلة الحديثة، وكانت مواد الاذاعة المتنوعة المشوقة في السياسة والثقافة والفن والادب والرياضة من عوامل جذب المستمعين العرب، ناهيك عن الاداء الرفيع المحترف الذي يتميز به عادة مذيعوها العرب مقارنة بأداء مذيعي الاذاعات العربية، ناهيك عن سرعتها القياسية في بث اخبار الاحداث المهمة في المنطقة والعالم على نحو لا تضاهيها فيه الاذاعات العربية الرسمية، كل ذلك كان من عوامل جذب المستمعين العرب.
لكن الـ “بي.بي.سي” أخذت تفتقد تدريجيا بريقها الذهبي لدى المستمعين العرب منذ نحو عقدين وبخاصة مع تغيير ورحيل واستقالة العديد من الكفاءات العربية الشامية والعراقية منها، والأهم من ذلك مع ظهور عصر الفضائيات وتراجع اهتمام المستمعين العرب بالإقبال على سماع الاذاعات حتى بالرغم من استحداثها فضائية عربية، ومع ذلك فانها لم تبدل سواء من خلال الاذاعة او الفضائية الجديدة سياساتها المنحازة لاسرائيل على نحو مخاتل يتلبس الحياد والموضوعية منذ انشائها. ولكي نعرف الجذور التاريخية لظروف ودوافع انشائها والنهج الاعلامي الذي تم ارساؤه منذ ذلك التاريخ ولم يتبدل في الجوهر حتى الآن، نشير الى ان “هنا لندن” أو الـ “بي.بي.سي” من اوائل الاذاعات العربية التي اخذت توجه بثها الى المنطقة قبل انشاء معظم اذاعات البلدان العربية نفسها، وكان ذلك عام .1938 وجاء هذا المشروع الاعلامي البريطاني على خلفية التنافس الاستعماري، بين بريطانيا من جهة وفرنسا وايطاليا كل على حدة من جهة اخرى، على تعزيز وتقاسم مناطق النفوذ في المنطقة العربية، فلما كان الايطاليون هم أول من بث باللغة العربية اذاعيا، وكان ذلك عام 1932م فقد شكل نجاح هذه الاذاعة وما تبثه من دعايات نازية بعدئذ قلقا للبريطانيين فقرروا بدورهم فتح قسمهم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية عام 1938م لتسخيره في خدمة الدعاية البريطانية في مناطق مستعمراتهم ونفوذهم في الشرق الاوسط، وعلى الأخص في مصر وفلسطين والعراق والخليج وجنوب اليمن. هذا على الرغم من ان أجهزة الراديو كانت محدودة في كل هذه المناطق خلال سنوات من انطلاقة البث، وحيث كانت الامية تناهز الـ 90% في معظم هذه البلدان. وهكذا فقد جاء إنشاء القسم العربي لأغراض سياسية بحتة تتمثل باختصار شديد بتوظيف هذه الاذاعة العربية في خدمة المصالح الاستعمارية للسيطرة على عقول ابناء مستعمراتها العربية بما يخدم ويؤبد وجودها في المنطقة، وبما يخدم تلك المصالح.
ومن المؤسف حقا انه في الوقت الذي يستنكر فيه العديد من الشخصيات والمؤسسات الجامعية والسياسية والمدنية البريطانية موقف الـ”بي.بي.سي” من منكوبي المذابح الصهيونية البشعة في غزة، ومن هذه الشخصيات المستنكرة عميد كلية الصحافة في جامعة “سيتي” ادريان مونك، وفي الوقت الذي وافقت فيه أيضا قنوات تلفزيونية بريطانية عديدة مستقلة لم يعرف عنها وقوفها الى جانب القضايا العربية على بث نداءات اغاثة منكوبي غزة، فإننا لم نسمع من أي كوادر الاذاعة والتلفزيون العرب في القسم العربي للهيئة أي موقف جريء شجاع فرديا او جماعيا، للاحتجاج ولو بلغة ملطفة وعتابية لهذا الموقف الانحيازي السافر لاسرائيل ضد ضحايا جرائمها الابادية في غزة، لا بل من المؤسف حقا ان يسخر الاستاذ حسام السكري، مدير القسم العربي نفسه في خدمة ترديد مبررات المدير الرئيسي العام للهيئة الانجليزي الجنسية بدعوى “الحياد” المزعوم او “الحيادية الاعلامية” بدلا من ان يذكر، السكري، على الاقل انه يتحدث بصفته مسؤولا رسميا عن القسم في الهيئة وليس بصفته الشخصية.

صحيفة اخبار الخليج
11 فبراير 2009

اقرأ المزيد

أرض السواد: الدلالات السياسية

توجه الساردُ – المؤلف في رواية أرض السواد لعرض فترة نهوض تحديثية في حياة العراق، بجعل داود باشا بؤرة الروي الشخوصية المركزية في هذا العرض الروائي الواسع، وهو أمر جسد استعادة الإقطاع المركزي السياسي العراقي دوره القديم، وهو أمرٌ مماثل كذلك لما كان يجري في مصر خاصة عبر دور محمد علي باشا، أي أن العملية لم تكن محض لعبة شخصية، بل كانت عملية صراع اجتماعية كبيرة، تقودها شخصياتٌ من النظام القروسطي التقليدي بهدف إجراء تحسينات على نظامٍ مهترئٍ مفككٍ عبر دور قوي مركزي للدولة والجيش خاصة.
وكان هذا يجري في لحظة كانت السلطة المركزية في اسطنبول العاصمة للخلافة تقوم بمثل ذلك عبر خطوات مترددة ضعيفة، فيما كانت الدول الغربية تتوجه نحو السيطرة الاستعمارية على العالم، فظهر ذلك بشكلٍ أولي وقتذاك، وكانت السيادة على الدول الغربية تتراوح بين فرنسا الثورة المجهضة، وبريطانيا قائدة المعسكر الغربي المنتصرة والمتوسعة.
فنجد في الرواية عدة تيارات سياسية تتغلغل أحداثها وشخوصها، فيمثل داود الشخصية العراقية الوطنية النهضوية الساعية لإعادة تحديث المجتمع عبر مستواه العسكري البيروقراطي الشمولي، فهو متآمر دقيق، ومخطط ماهر للعمليات السياسية والعسكرية، وهو يبدو وحيداً في هذه البؤرة، في حين يجهل كلٌ من حوله وكل من يعارضه أو يؤيده أهدافـَهُ الحقيقية، فهو يتحركُ في ظلمةٍ سياسية متلحفاً بأرديةٍ متعددة، ولا تظهر هذه النهضوية الغامضة إلا من خلال فلتات تندفعُ من أفواهِ بعض الشخصيات الواعية، كالقنصل البريطاني الذي يرى تحولات جديدة تجري في بغداد كتبدل المؤسسات الحكومية وتنظيمها الدقيق ونمو التجارة الواسع، وإن كانت ملاحظاته تلك التقريظية لا تنفي كراهيته لداود، ومعارضته له لأنه يقوم بتقليص الوجود المتنفذ للقنصلية البريطانية، التي تريد أن تهيمن على بغداد والجنوب العراقي خاصة، مستخدمة شخصيات عديدة وأدوات حربية استعراضية ومقدمة مشروعات للسيطرة التدريجية على النظام الوليد، ومتغلغلة في خريطة العراق سكاناً وأقاليم وثروات أثرية خاصة.
وبهذا فإن داود النهضوي يتلبس بداود الاستبدادي الشرقي، وتغدو النهضوية شكلاً للاستبداد المتنامي الشخصي، ولا يكشف الساردُ – المؤلف هذه التناقضية، نظراً لالتحاق عملية السرد بما هو طافحٌ تاريخياً، فالشخصياتُ أدواتُ عرضٍ للتاريخِ الرسمي، كذلك فإن الشخصيات الشعبية لا تعرفُ أهدافَ الحاكم داود، ودلالاتِ أعمالهِ، لكون هذه الأعمال لا تتوغلُ في حياتِها شبعاً وتقدماً، بل تجد نفسها مُلحقة بخططهِ وأدواتِ حكمه، فاذا دعاها لحربٍ قام رجالهُ بحملاتِ تجنيدٍ للعامة، وإذ كان هذا مظهراً يدل على وطنية جنينية متصاعدة، فإن العامة والمجندين خاصة لا يعرفون الأهداف الجيدة لمثل هذه الحروب التي تواجه العصابات والقبائل المتمردة على السلطة المركزية.
وأكثر ما يزعج العامة هو الارتفاع المستمر لأسعار المواد المعيشية، لكنهم يجدون الحاكم داود مهتماً بقوة بهذه الأسعار المرتفعة وبموجات الغلاء الخطرة التي تـُسيس في بعض الأحيان من قبل الاستعمار البريطاني الرابض استعداداً لسيطرته القادمة، وداود يجابهُ الغلاءَ بإرادةٍ قوية وعبرِ شحنِ المواد من البلدان الأخرى وبأشكال مبتكرة تدل على حنكته السياسية.
وهذا الأمر كان يريح العامة ويجعلها تتعاطفُ مع الوالي، وحين يقوم القنصل البريطاني بتحديه لداود ويرفض أن تتم مساواة القنصلية ورعاياها برعايا الدول الأخرى، ويعلنُ العصيانَ، فإن داود يحاصر القنصلية، ويجوعها، وحين يزداد القنصل تحدياً ويضع قوىً عسكرية خاصة سلاحَ المدمرة الرابضة عند القنصلية بمواجهة دار الوالي، فإن داود يطلقُ يدَ الناس ضده، فما كان منه سوى الرضوخ لإرادة هذا الوالي المستقلة، جنين الوطنية العراقية الحديثة.
لكن هذه الوطنية النهضوية تبقى مجردَ أفعالٍ سياسية متقطعة، لا تستطيع بطبيعة القوى السائدة على السلطة في الولاية العراقية أم في المركز العثماني، أن تكون أكثر من ذلك.
ومن جهة أخرى فقد حاول الساردُ – المؤلف أن يتجاوز محدودية الفعل النضالي في هذا العصر واقتصار الحركة الاجتماعية على الارستقراطية الانكشارية والسفارات الأجنبية، بأن يوسع دور العامة العراقية، فأفرد فصولاً كثيرة لها، ونقل أحاديثها، وتعليقاتها السياسية وصراعاتها الشخوصية المحدودة، التي كانت بمثابة الهامش على المتن، وقد ارتفعت بعض الشخوص كالضابط بدري إلى مستوى تلك الارستقراطية العسكرية، وبدأت شخصيات شعبية بأخذ مستوى تشخصي مرتفع، لكن بما أن الرواية تمثل تاريخاً منجزاً قد انتهى صنعه، وختم بالشمع الأحمر سياسياً، فالإضافة الشعبية فيه لا تصل لتغييره.
كذلك فإن هذا الهامش الشعبي جسد حركة الفئات الشعبية الهامشية في العاصمة، وغاب عن جمهور الاعتراض والحركة المتمثل في الفلاحين والقبائل البدوية، فتركز السرد على متابعة دور المركزية السياسية وأهميتها لا دور الطبقات المنتجة الوطنية وفاعليتها والعناصر النضالية المتراكمة من جهودٍ لعصرها وللعصر التالي.
وهذا يقود إلى سردٍ مصورٍ للحركة الفوقية للطبقة العليا وهي حركة مهمة وذات تأثير كبير، ولكنها غير تاريخية مستمرة ومطلقة، وما يمثل السيرورة التاريخية الباقية هو فعل تلك الطبقات الشعبية المُغيّبة في السرد الروائي.
لقد نـُظر لتلك التمردات للقبائل العربية باعتبارها نشازاً في رواية تسرد نمو نظام مركزي، لكن ذلك النشاز هو الذي سوف يسود، فهؤلاء المتمردون سوف يكونون المدن وينتشرون في العاصمة ثم يحكمونها بين بناء وخراب.
إن خيوط السيرورة التاريخية غير ممكنةٍ في سردٍ روائي تسجيلي أو فوتغرافي، لأنه يقف عند الزمان والمكان المتجمدين، ولا يقرأ تطورهما، ولا يأخذ قوى الغالبية الشعبية كصانعة للتاريخ ولا يرى تراكمية نضالها، رغم أنه يحاول كشف هذا التاريخ، وهو متعاطفٌ معها ويبرز بعضَ ومضاتها، فيجمدُ سيرورة التاريخ وهو يريد أن يراها ويجسدها فناً.

صحيفة اخبار الخليج
11 فبراير 2009

اقرأ المزيد

الحوار

أبرز الدعوات التي وجهت خلال الاسابيع الماضية، هي الدعوة للحوار للتوافق بشأن الملفات التي يراد لها ان تتحرك من مكانها الذي راوحته طويلاً.
ولكن الحوار الذي يجب ان ندخله هذه الايام هو على اساس احترام جميع الاطراف، وعدم إقصاء اي طرف عن الدخول فيه، لا ان يكون على شاكلة جملة من الحوارات التي دخلتها بعض اطياف المعارضة خلال جدلية المشاركة والمقاطعة.
الخطأ في هذه الحوارات التي انتهت بالفشل هو ان الجمعيات الاربع في حينها عندما جلست على طاولة وزير العمل مجيد العلوي لم تؤمن ان هناك اطيافا اخرى شريكة في هذا الحوار كان لها تمثيل في البرلمان.
الحوار لا يمكن ان يتم دون الاخذ بعين الاعتبار جميع الاطراف التي تساهم في العملية السياسية، بشتى تلاوينها ومختلف مشاربها.
المؤسسات الدستورية في البلد لا بد من تمثيلها بما فيها مجلسي الشورى والنواب، لان هاتين الغرفتين معنيتان بالتشريع، والتشريع مرتبط بتعديل القوانين مثار الجدل، والتي لا يمكن إذا ما اريد ان تتحرك المياه نحو التوافق دون تعديل بعض القوانين المقيدة والتي تتسم فيها روح القوانين التي سبقت المشروع الاصلاحي لجلالة الملك.
مثل هذه القوانين المرتبطة بالحريات نقطة ارتكاز مهمة للسير قدماً نحو التوافق على كافة الملفات، لأنه من دون الحريات لا يمكن للقوى السياسية ان تتحرك وتبذل جهودها في ظل وجود تقييد وعراقيل قانونية.
دعوات الحوار التي تم اطلاقها من جميعات وطنية اومن شخصيات لها مكانتها يجب ان يسلط الضوء عليها والتفكير فيها من جميع الجوانب.
السؤال الذي يحيرنا انه لماذا يرفض الحوار، ولماذا توجه السهام اللاذعة لمن يريد ان يعزز من هذا الحوار؟
الحوار فرصة لان نجتمع جميعنا على طاولة واحدة من اجل صالح هذا البلد الذي يحتاجنا جميعاً.

صحيفة الايام
11 فبراير 2009

اقرأ المزيد

فرنسا بالعربي

حضرتُ مؤخراً محاضرةً للأكاديمي المغربي محمد الوافي الذي يعيش ويُعلم في فرنسا، تحدث فيها عن دور الإعلام الفرنسي الناطق باللغة العربية. خلص المحاضر إلى نتيجة مفادها أن هذا الإعلام يتسم بالضعف ويفتقد المنهجية. وأشار إلى أن الدبلوماسية الفرنسية باتت تُولي عناية للإعلام الموجه للخارج، ومن مظاهر هذا الاهتمام أن زوجة وزير الخارجية الفرنسي كوشنيار، هي من يُشرف، شخصياً، على هذا الملف. يمكن اعتبار ذلك نقطة تحول في الاهتمام الفرنسي، على أعلى مستوى، لأن يكون الإعلام أداة من أدوات التأثير الدبلوماسي، لأن الهدف، في نهاية المطاف، يتمثل في إبراز مواقف فرنسا وسياساتها تجاه العالم العربي. لعل الكثيرين لا يعرفون أن هناك فضائية فرنسية ناطقة باللغة العربية، وفي كلمات أخرى، موجهة للعالم العربي بدرجة أساسية، وكون غالبيتنا لا علم له بأمر هذه القناة، فذلك دليل أوجه قصور في تسويق فرنسا لإعلامها الموجه للعالم العربي. وأبديتُ للمحاضر ملاحظة عن التناقض الذي يظهر في طريقة اهتمام فرنسا في ترويج اللغة والثقافة الفرنسيتين في العالم العربي، وبين ما يناله الإعلام. ففرنسا، في حقلي اللغة والثقافة، لا تركز فقط على البلدان العربية المُصنفة ضمن الفضاء الفرانكفوني، كبلدان المغرب العربي، خاصة منها الجزائر والمغرب وتونس، وكذلك لبنان في المشرق، إنما باتت تولي اهتماماً بالبلدان العربية الأخرى المُصنفة تقليدياً في دائرة الاهتمام الانجلوسكسوني. ومن مظاهر ذلك ما نلمسهُ من اهتمام فرنسي، على الصعيد الثقافي، ببلدان الخليج، ففي عواصمنا ثمة مراكز لتدريس اللغة الفرنسية، كما أن بلدان الخليج تستضيف في مواسمها الثقافية فعاليات فرنسية في مجالات الموسيقى والتشكيل وحتى المحاضرات الثقافية والفكرية. ومنذ نحو عامين أُقيم في البحرين ملتقى ثقافي خليجي – فرنسي، شارك فيه بالإضافة لممثلي الجهات الرسمية المعنية بالشأن الثقافي، ممثلو مؤسسات المجتمع المدني والجهات الأهلية ذات الطبيعة الثقافية في بلدان مجلس التعاون الخليجي. إذا ما تذكرنا، على سبيل المقارنة، التأثير الكبير للنسخة العربية من هيئة الإذاعة البريطانية بوسعنا التساؤل: هل كان التأخر الفرنسي في توجيه إعلام ناطق بالعربية نابعاً من ثقة فرنسا المفرطة في نفوذها الثقافي التقليدي ضمن الحيز الفرانكفوني في عالمنا العربي، بدليل أن إذاعة مونتي كارلو الناطقة بالعربية موجهة أساساً نحو المشرق العربي، ولا يمكن التقاطها في بلدان المغرب؟ للأمر جانب آخر، أكثر أهمية فيما أرى، يتصل بالبعد السياسي، فلكي يكسب الإعلام الفرنسي الناطق بالعربية صُدقية أكبر لدى المتلقي العربي، مشاهداً كان أو مستمعاً أو حتى قارئاً، فان الأمر يتوقف بدرجة أساسية على مقدار ما ستظهره السياسة الخارجية الفرنسية في شقها المتصل بالعالم العربي من استقلالية عن الموقف الطاغي دولياً، ونعني به الموقف الأمريكي. يتطلع العرب إلى أن يروا أن لفرنسا، وهي الدولة التي لها ما لها من وزن وحضارة وتاريخ وثقافة، مواقف غير تلك التي اعتادوها من الولايات المتحدة، خاصة وأنه سيكون لمثل هذه الاستقلالية أثرها الكبير في تكوين موقف أوروبي عام في هذا الاتجاه، بالنظر لثقل فرنسا في الاتحاد الأوروبي. إن وُجد هذا الموقف، ستكون له بطبيعة الحال تجلياته الإعلامية التي لن تُخطئها ساعتئذ لا العين التي تشاهد وتقرأ، ولا الأذن التي تسمع في العالم العربي.
 
صحيفة الايام
11 فبراير 2009

اقرأ المزيد