المنشور

تأبيد قداسة المقاومة والسياسة!!


 
يتميز العقل العربي وسلوكه الثقافي بحالة وظاهرة التقديس والتابو , وقد كان الدين والجنس والسياسة هما الثالوث المحرم. وإذا ما كانت الأنظمة وحدها المعنية بممارسة الكبت والقمع السياسي على المعارضة , فان القمع الإعلامي والسياسي تبدى كظاهرة من آلة المعارضة المختلفة والآراء المتباينة , محاولا طرف محدد منح نفسه حق قمع الآخرين في إبداء رأيهم في كل نهج يرونه مخالفا , وصار ذلك النهج السياسي المخالف كله رغم تعدد أطيافه السياسية حالة واحدة , فتم وضع الجميع في سلة واحدة وختم على ظهره وصدره ختم الإدانة المطلقة بالعمالة والتخوين, دون منح العقل حق الحوار في قضية مصيرية تهم شعب كامل وفي القطاع وجد نفسه تحت وابل الموت , بل وصار خياره الوحيد هو المواجهة لقدر لم يختاره ولا لموقف كان قد قرره بإرادته. ما ينبغي علينا مناقشته ليس فقط ما قاله الشيخ القرضاوي في مؤتمر هيئة المسلمين العالمية حول من يعارضون ويهاجمون المقاومة وحماس أنهم يقفون في صف إسرائيل , وبهذا المعنى أو ما هو في جوهره , لهذا أراد منع الآخرين بصوته المرتفع في الفناء الإسلامي وحياضه أن يؤلب تلك الحالة الانفعالية أثناء القصف ضد أطراف ترى أن تلك العملية من المواجهة مع إسرائيل لم تكن خيارا سياسيا وعسكريا سليما. وإذا ما كان ذلك النقد والحوار مختلفا فليس معنى تلك النقاشات المدافعة عن مصير شعب غزة هو احتضان للبربرية الإسرائيلية بقدر ما كان محاولة لتجنب عنجهيتها وهوجها وهيجانها الذي كان يستعد للانتقام بشتى الطرق من خيبته في عام 2006 , ومن ضغوطاتها الداخلية وتحضيره للانتخابات وشعوره برحيل رجلها العزيز من البيت الأبيض وجهلها بمصيرها في آلية التعامل مع رئيس جديد ربما لن يبصم على كل ورقة, ويوافق على كل فكرة تحددها أطراف أحادية دون منح الوضع الإقليمي نظرة جديدة, وإعادة تقييم الصراع والتوتر الإقليمي برمته ابتداء من أفغانستان مرورا بباكستان وإيران وانتهاء بالبوابة الأوربية في الصراع التركي – القبرصي. لن يسعنا الوقت في هذه المقالة مناقشة مصطلح المقاومة والتجارب التاريخية فيها , فهناك الكثير من الأقلام المتحمسة للصراع في غزة وحربها بتشبيهه بحرب فيتنام ومقاومتها وحربها الشعبية , وفي ذات الوقت هجومها الشرس على أصوات رفعت عقيرتها منددة بكل ما حدث في غزة , في الوقت الذي كنا نرى ان تلك الأقلام والنقد الدائر ليس واحدا ومتشابها , ولا يجوز تحميله ما لا يستحقه هكذا دفعة واحدة كما يحدث لمن أطلقوا عليهم النار دون محاكمة عادلة بحجة وتهمة الخيانة والتعامل مع العدو . دون شك هناك أقلام انطلقت بهجومها التهكمي والعدائي لوضع المقاومة وظروفها في أوضاع إنسانية رغم أنها حاولت الفصل بين ظاهرتين , المقاومة وحماس وقوى أخرى تدور في فلكها أو تضع مسافة بينها فلا فرق فيما بينها في المغامرة السياسية والانتحار السياسي بجر شعب أعزل خلفها أو التمترس به لعله يصبح مادة إعلامية عالمية في الوقت الذي فقدت المقاومة سمعتها الدولية كونها مصنفة في خانة الإرهاب الدولي. هذا التداخل ما بين شعب غزة وانكشاف ظهره بعد تدمير وحشي للمدينة ولأجزاء من أحياء فيها , وتقديم الجثث للمصورين كقربان للآلهة المتوحشة بروحها العسكرية. فكان العالم المحتج بصوته القوي ضد الحرب فرصة وتكتيك لم يهتم به ولا بنتائجه ومحصلاته وضحاياه , إلا من يرفعون شعارات وهمية مخادعة للنفس « عن إن كل الثورات الشعبية والمقاومة تقدم ضحايا من دمها شرفا لها , ولا مانع أن تختفي تلك الدماء ” الزكية نهارا وتخرج ليلا لكي تنتظر أن تصطاد دبابة هنا أو دبابة هناك , ولكن يا للحسرة لم نر إلا كمائن لم تهتم بها إسرائيل فقد كان الجيش الإسرائيلي على علم بما تنويه ” المقاومة الليلية” !! فعله , لهذا استخدمت كل تقنية من أسلحتها من السماء والأرض. فمن يا ترى كان مختفيا من شعب غزة ومن كان بلا حول ولا قوة ؟! هذا السؤال ينبغي الإجابة عنه , مثلما ينبغي الإجابة على سؤال آخر لماذا حاولت حماس تقديم دم الابرياء قربانا للدعاية الإنسانية وإثارة الرأي العام العالمي الهائج ضد الحرب والعدوانية ؟ لماذا لم يهتم بالخسائر البشرية والأبرياء من الشيوخ العزل ؟ لأنه كان يحتمي خلفهم ويوظفهم بشعار لن تستسلم المقاومة وترفع الراية البيضاء , فحماس كانت تعبيرا عن الصمود , مثلما كان الشعب الأعزل خياره الجبري هو الصمود , فليس أمام الحمم والدبابات إلا الصراخ والعويل والمفردات الإنسانية المخادعة للذات . هل يستوجب علينا أن نصفق لشعب غزة الذي دفع الثمن بتضحياته أم نصفق لحماس المختفية في النهار والمتحركة في الليل فقط دون أن تنجز أعمالا باهرة تدفع إسرائيل للاستسلام كما فعل الفيتكونغ.
 
الأيام 15 فبراير 2009
 

اقرأ المزيد

إيران والعودة للحداثة والعلمانية


ماذا لو تصورنا أن إيران تنقلب فجأة إلى دولة تكرس الحداثة والعلمانية في المنطقة؟!
التصور غير مستبعد فشعب إيران هو أول الشعوب التي كرست الحداثة في المنطقة في صراعها مع الاستعمار الغربي بألوانه المختلفة، منذ القرن السابع عشر، ثم كانت من أوائل الدول في الشرق التي ثارت من أجل الدستور والديمقراطية في أوائل القرن العشرين، فيما يُسمى الثورة المشروطية.
وقد كانت ثورة مصدق التي لم تأت في حينها الدقيق ولا أُديرت بذكاء كبير، قد حجمت الفئات الوسطى التحديثية بسبب القمعين الأمريكي والمحافظ.
ولهذا فإن التوجه نحو الحداثة والعلمانية ليس مستبعداً، وقد يحدث بصورةٍ مفاجئة حادة، فهناك تراكماتٌ تجري على صعيد نمو الفئات الوسطى التي اختنقت من السيطرة الحكومية المتشددة، مثلما أن أجهزة الدولة أفرزت مثل هذه الفئات التي انتعشت بفضل سياسة الحكومة المركزية لكنها صارت تخاف على رساميلها من شبح الحكومة.
ولم تأتِ سياسة الخصخصة بتحول كبير لمصلحة الفئات الوسطى الحرة، بل كسبتها الفئات الحكومية.
ومع هذا كله فإن الفئات المتوسطة يساندها عمالٌ مناضلون لهم تاريخٌ حافل في الصراع، قادرة على الانعطاف بالسياسة الإيرانية الرجعية على مدى السنوات السابقة نحو التحديث والحرية.
لقد كان رفسنجاني وخاتمي لحظتين سياسيتين في نمو هذه الفئات الوسطى باتجاه الغرب والحداثة، وإن جاء ذلك في قالب ديني، وفي رئاستيهما الحكيمتين شهدنا مرونة في السياسة الخارجية وبعض الانفتاح، لكن كبار الضباط في الجيش والداخلية والمؤسسات العسكرية الأخرى، لا يريدون انفتاحاً وعلاقات ودية مع دول الغرب والمنطقة، فهذا يقوض سياسة التسلح المتصاعدة ومكاسبهم منها.
إن احتمال فوز الرئيس نجاد في الانتخابات مجدداً مثل احتمال دخول إبليس في الجنة.
لقد كان نقطة تدهور في الحياة السياسية وفي العلاقة مع الأمم الحديثة ودول المنطقة، فلم يكن يتصرف بطريقة تليق بدولة ذات أهمية كبيرة، وذهبت كلماته عن دولة الكادحين والمستضعفين أدراج الرياح. بل تفاقمت سيطرة الجنرالات والبيروقراطية الحكومية واتسع الفساد وضاعت أموالٌ كبيرة.
لا نستبعد في خطوة مفاجئة في جمهورية المفاجآت والتطورات المباغتة أن يظهر رئيسٌ ثالث يضيف للرئيسين السابقين رفسنجاني وخاتمي، دورة رئاسية تحولية كبيرة.
ان الشعب الإيراني يتحفز من أجل رئيس يعبر عن الأغلبية الشعبية المحرومة، وأن يعيد للإسلام ارتباطه بالفقراء والكادحين لا بالبيروقراطية الاستغلالية، وأن يفتح الدرب للحداثة الإيرانية – الإسلامية – الإنسانية.
ورغم هذه التمنيات فإن الانتخابات القادمة الإيرانية لا يمكن إلا أن تعيد السيد خاتمي للحكم ثانية، وهو الرجل التحديثي الواقع في شباك الدينيين، لكنه مع ذلك سيجعل إيران أكثر مقاربة مع الحداثة.
لا يستطيع أي رئيس إيراني قادم أن يلغي النظام الديني الاستبدادي إلا حين يلغي السلطات الاستثنائية لرجال الدين، ويجعلُ البرلمانَ هو السلطة التشريعية التي تنبثق منها السلطة التنفيذية، وهذا لا يمكن أن يكون مع وجود القوى العسكرية البيروقراطية المسيطرة.
فيغدو حراك أي رئيس في هوامش النظام وقد تؤدي الأزمة الاقتصادية وتقزيم القطاع العام البيروقراطي وسياسة السلام أن توسع من حضور الفئات الوسطى التحديثية لإحداث تحول حاسم في النظام الإيراني باتجاه العلمانية والديمقراطية.
ومع رئيس جديد للولايات المتحدة، وحوارات أمريكية إيرانية ، تنتظرُ فوز خاتمي في الانتخابات، فإن مساراً جديداً ربما يتشكل في السياسة الإيرانية.
وسيعمل الطاقم الديني المتمسك بسياسته المحافظة العنيدة التي دهورت حياة شعب إيران، على إفشال التقارب الإيراني – الأمريكي، ومقاربة إيران الحثيثة مع الحداثة والعصر، وعلى إفشال سياسة الرئيس الإيراني الجديد.
هذا يتطلب جبهة شعبية إيرانية حداثية وعلمانية ذات حضور شعبي، تضعُ العلمانية في بؤرة عملها، وأي كلام آخر يكون مصيره انتصار آخر للرجعيين.
ولابد من إعادة تجديد إيران وعودة ملايين القرويين إلى قراهم، وإحداث سياسة إصلاح زراعي عميقة، وتجديد الفقه الإسلامي باتجاه الحداثة، فهل سوف ستقوم مقولات خاتمي المترددة المحافظة في جوانب عديدة منها بفهم هذا وتحويله إلى نضال شعبي؟
من الصعب حصول ذلك، لكن إذا أصرت القوى المحافظة على عبور الخط الأحمر، والاستمرار في مغامراتها فإن ضربات عسكرية قد توجه لها وتحدث بالقوة تغيرات رهيبة فيها وفي المنطقة.
لإيران أشهر مهمة حاسمة قادمة فإما أن تمشي مع الركب الإنساني الصاعد وأما أن تواجهه.
ووجود رئيس ديمقراطي قوي غير متردد ومشكل لجبهة حداثية شعبية من شأنه أن يقود لتغييرات مهمة تبعد شبح الحرب عن المنطقة وتعيد إيران لصف الحداثة والديمقراطية الذي غادرته.
إن الفئات العسكرية والبيروقراطية أقوى وهي محيطة بأي رئيس كما أن القوى الدينية المحافظة موجودة بثقل كبير، وقد قادت هذه القوى إيران بحماقتها وعدم تبصرها لمثل هذا الاصطفاف الرهيب.
لقد كان نظام صدام حسين أقوى وزعم أشياء كثيرة ثم قـُبر فسياسة العنف والتوسع والدكتاتورية مآلها الفشل.
 
أخبار الخليج  15 فبراير 2009

اقرأ المزيد

سياحة الفقر بين جنوب افريقيا والخليج


قبل نحو عام ونصف عام تقريبا، وتحديدا أثناء الموسم السياحي العالمي في صيف سنة 2007م، نشرت الصحافة العالمية خبرا سياحيا ظريفا ومؤلما في آن واحد، يمكن القول انه من جنس “شر البلية ما يضحك. الخبر مفاده ان سكان الصفيح والأكواخ السود في سويتو بجنوب افريقيا الذين يغرقون في بحر من البؤس المدقع قد ابتكروا وسيلة “سياحية” جديدة تدر عليهم بضعة دولارات في اليوم الواحد، ولو كانت تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة، الا انها تسهم في توفير رغيف يسد الرمق.
اما هذا الاكتشاف المذهل في قطاع صناعة السياحة فيتمثل ببساطة في دعوة ركاب حافلات السياح من الأوروبيين البيض الأجانب المتوجهين لزيارة بيت الزعيم التاريخي لشعب جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا للنزول على خط سيرهم عند مناطق أكواخهم ومخيماتهم للاستماع والتفرج على حياة البؤس المدقع التي يعيشون في ظلها، حيث يستقبلهم هناك عدد من المرشدين السياحيين من أبناء تلك الأكواخ.
والغريب ان مخيمات البؤس السياحية هذه لا توجد فيها، طبقا لمتن الخبر، أي عناصر جذب سياحية كالمتاحف والآثار مثلا او المناظر الطبيعية الخلابة او ما يعرف لدينا عربيا بـ “الماء.. والخضرة.. والوجه الحسن”.
ويصف الخبر واحدا من هذه المخيمات، ألا هو مخيم “موتسولداي” بأنه بلا مياه، وبلا كهرباء، وتسكن العائلة الواحدة في بضعة امتار مربعة ولا يوجد لديها اكثر من سرير واحد ومائدة واحدة. أما جهاز التلفزيون فان حظيت واحدة من العائلات المحسودة به فهو يعمل على بطارية سيارة. ومع ذلك، ورغم انعدام كل عناصر الجذب السياحي، فقد تمكن هؤلاء “الأبالسة” البؤساء السود الجنوب أفريقيون من إقناع السياح الأوروبيين بتمضية وقت سعيد للاستمتاع بالتفرج على أحيائهم من الداخل على الطبيعة، بدلا مما كان متعارفا عليه سابقا بإلقاء نظرة عابرة من الخارج على المخيمات عبر نوافذ الحافلات السياحية وهم في طريقهم قاصدين البيت التاريخي القديم للزعيم الوطني الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا.
ويبدو في الصورة مع الخبر المنشور سائحان اوروبيان (زوج وزوجة) عند أحد الأكواخ البائسة يرتشفان الشاي الذي قدمه إليهما صاحب الكوخ وهما في حالة نشوة من الاستمتاع السياحي بالتفرج على وضع وحال ذلك الكوخ المزري الذي يبعث على الشفقة الإنسانية بتلك الحياة الوضيعة المدمية لكرامة الإنسان ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين.
الأغرب من ذلك – كما يورد الخبر – انقسام السياح البيض أنفسهم وسكان الصفيح السود معا حول هذا النوع من السياحة، فبينما أعربت مثلا السائحة البلجيكية ليف فانتكوم عن اشمئزازها من هذا الابتكار السخيف من السياحة باعتباره شكلا يحط من كرامة آدمية الإنسان، وإنها تفضل بدلا منه زيارة الأمكنة المرتبطة تاريخيا بقصص وملاحم الكفاح ضد العنصرية، لم ير سياح آخرون أي حرج من تجريب هذا النوع من السياحة التفرج على حياة أولئك البؤساء.
أما سكان الأكواخ المعدمون السود فلا ينفرون او لا يجدون غضاضة من تقديم هذا النوع من الخدمات السياحية للسياح البيض للتفرج على أحوال شظف الحياة التي يرزحون في ظلها مادامت توفر لهم بضعة قروش.
حينما قرأت ذلك الخبر بمزيج من الصدمة والذهول لذلك الحال الذي عليه سكان الصفيح في واحدة من اهم المدن الجنوب افريقية المتحررة من العنصرية حيث يعيشون في عالم آخر تغلفه المباني الشاهقة الجميلة توهمت حينها بأن ذلك سيثير ضجة لن تهدأ من قبل منظمات حقوق الانسان، لكن ذلك لم يحدث البتة على الارجح، إذ مر الخبر مرور الكرام.
ولربما جاء هذا الصمت من قبل الدولة الوطنية التي تحررت من عنصرية وعبودية البيض، لأنها هي نفسها عاجزة أو لا تملك حلا لخلاصهم من الوضع المعيشي والطبقي الذي هم فيه، ولربما كذلك هو سر صمت منظمات حقوق الإنسان، تماما كما هو حال العائلات التي تضطر الى تشغيل أطفالها ونسائها في الشوارع وفي الأعمال الخطرة وغيرها من أعمال ومهن الاتجار في البشر المعروفة.
ولما كانت معظم دول مجلس التعاون النفطية، ان لم يكن كلها، توجد فيها وإن بدرجات متفاوتة أحزمة الفقر المستورة ايضا خلف العمارات الحديثة الشاهقة والفيلل الفاخرة والشوارع المنسقة المزينة بالنخيل والتي ترمز لثرائها، وان كانت هذه الأحزمة لربما تعيش حياة أفضل نسبيا من أحزمة البؤس بمدن جنوب أفريقيا، فان ثمة خشية حقيقية في سياق الجدل الدائر منذ سنوات في بعض أقطار المجلس حول شروط ومقومات السياحة النظيفة ومفهوم “السياحة غير النظيفة” بالرغم من ان طقس الخليج القاسي الرطب والحار جدا صيفا لا يصلح للسياحة، بأن يأتي اليوم الذي نجد فيه سكان تلك الأحزمة الخليجية والتي لم يتبدل حالها منذ اكتشاف النفط وتحقيق استقلالها الوطني وقد سرقوا على حين غرة براءة الاختراع السياحي الجنوب أفريقي لتخفيف معاناتهم المعيشية، لكن هل يوجد حقا ثمة سياح بيض أوروبيون مستعدون لتحمل قساوة مناخنا في عز القيظ لمجرد إشباع نزوتهم السياحية بالتفرج على قرى وأحزمة الفقر في تلك البلدان الخليجية؟!
 
أخبار الخليج  15 فبراير 2009

اقرأ المزيد

مداخلة د.حسن مدن الأمين العام في المؤتمر الصحافي حول مبادرة المنبر عن الحوار الوطني


 
 

 

 

 

Al-Taqadomi.jpg

  

في بداية هذا المؤتمر الصحافي أتوجه بالتهنئة لجلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى الخليفة وإلى شعب البحرين بمناسبة احتفالات البلاد بالذكرى الثامنة لميثاق العمل الوطني، وأن أؤكد  على أن مبادرة المنبر التقدمي تنطلق من روح وجوهر ونصوص ميثاق العمل الوطني ومن النهج السياسي الذي  قاده جلالة الملك، ومن خلاله دخلت البلاد مرحلة جديدة من المصالحة والحوار وإغلاق الملفات الموجعة في هذا البلد ومنها ملف قانون أمن الدولة وما يتصل به من ممارسات ونهج على أصعدة مختلفة.
 
تنطلق المبادرة مما وجهته اللجنة المركزية لمنبرنا التقدمي في اجتماعها الأخير المنعقد بتاريخي 26 و27 يناير/ كانون أول الماضي  من دعوة لمبادرة وطنية شاملة لمنع تدهور الأوضاع في البلاد أكثر فأكثر، بخلق آلية للحوار بين الدولة وكافة القوى السياسية، سواء تلك الممثلة في مجلس النواب أو غير الممثلة فيه، لبلوغ تفاهمات مشتركة ومتفق عليها حول قضايا الإصلاح السياسي والدستوري، وإعادة البلاد مجددا إلى مناخ الثقة الذي عشناه قبل سنوات، وبناء جسور الشراكة بما يحمي البحرين من المخاطر، ويحقق الأمن والاستقرار فيها.
 
وليست الدعوة إلى الحوار وبلوغ تسويات سياسية وتوافقات حول المسائل الخلافية في البلاد بين الدولة والقوى المجتمعية المختلفة بأمر طارئ وجديد على المنبر التقدمي، فهذا ما حرصنا عليه خلال السنوات الماضية.
 
 مبادرتنا هذه المرة لا تنطلق، إذاً، من فراغ، وإنما تستمد جذورها من منهجنا في العمل السياسي الذي عرفنا به المجتمع والقوى السياسية والاجتماعية، وحتى الدولة نفسها.
 
وطبيعي أن كل العقلاء والمخلصين في هذا الوطن، في الصحافة الوطنية والجمعيات السياسية والشخصيات الوطنية المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني، رحبت بهذه الدعوة، لأنها وجدت فيها العقلانية والواقعية اللتين نحتاجهما اليوم  وسط الخطاب السياسي المتشنج والتصعيدي من أطراف عديدة في الدولة والمجتمع.
 
وبعد مرور أكثر من أسبوعين من إطلاق المبادرة والتفاعل الايجابي المُشرف معها في المجتمع، يرى المنبر التقدمي أن التطورات  السياسية والأمنية على الأرض تضاعف أهمية هذه المبادرة، وتؤكد أن ما تنص عليه من أسس ومبادئ  يستجيب للمصالح العليا للوطن.
 
هناك أكثر من عثرة واجهت انسيابية الإصلاحات السياسية في البلد، بينها الخلاف حول الدستور الجديد، وما نجم عن هذا الخلاف من اختيار بعض الجمعيات السياسية المقاطعة في الفصل التشريعي الأول وما نجم عن هذا الخيار من تداعيات.
 
لكننا نرى أن قرار الوفاق بثقلها الجماهيري الكبير بالمشاركة في انتخابات عام 2006، شكل فرصة تاريخية للتغلب على تلك التداعيات، وخَلْقْ مناخٍ من التفاعل الايجابي لو أن الدولة تصرفت بشكل آخر، لكن الذي حدث، للأسف، هو العكس حيث سعت الدولة بمعونة بعض الكتل النيابية الأخرى إعاقة أي نجاح تحرزه الوفاق على الصعيدين التشريعي والرقابي في مجلس النواب، فضلاً عن التراخي والتهرب من معالجة ملفات مفصلية ظلت بدون حل، رغم أنها داخلة في جوهر المشروع الإصلاحي.
 
 خلق ذلك حالةً من الإحباط والسخط والشعور باللاجدوى  في صفوف قطاعات واسعة من الجمهور، خاصة في صفوف الشبان الذين يعانون من التهميش والفقر والبطالة وغيرها من أوجه المعاناة.
 
غلبت أجهزة الدولة الخيارات الأمنية في التعاطي مع الأمر، ونُثمن هنا التدخلات المتكررة المقدرة لجلالة الملك  بالعفو عن المعتقلين أو عمن تصدر ضدهم أحكام  من القضاء، لكن أجهزة الدولة المعنية ظلت بعيدة عن القيام بمبادرة عامة تُشرك فيها مختلف القوى  من أجل الوصول إلى حلول، حتى لو كانت في منتصف المسافة، بين الفرقاء المعنيين بالأمر.
 
وقد تفاقم الوضع الأمني في الآونة الأخيرة على خلفية ما عرف بقضية الحجيرة، التي نتجت عنها اعتقالات وتوقيفات، ومن ثم الإعلان عن محاكمات وشيكة، أدت بالنتيجة إلى توترات أمنية جديدة.
 
 من هنا نعلن اليوم الأسس والمنطلقات التي تتضمنها مبادرتنا لإطلاق آلية حوار، نرى أن نتوصل في نتيجتها إلى إعلان مبادئ متفق عليه من جميع الأطراف المعنية، في الدولة وفي المجتمع، يلزم الكل بالتأكيد على مرجعية ميثاق العمل الوطني وعلى الثوابت الدستورية والوطنية التي توافق عليها الجميع.
 
 
 
ويترتب على ذلك التزامات متبادلة على النحو المبين أدناه:
 
1-   تلتزم القوى السياسية والاجتماعية بالمبادئ التالية:
 
-         احترام النظام السياسي في البلاد الذي توافقنا عليه عند التصويت على ميثاق العمل الوطني،

          والذي  نصت عليه المادة 1 من الدستور.
 
-         ترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والبعد عن الإساءة إليها.
 
  -       نبذ كافة مظاهر العنف من حرق وتفجيرات والاعتداء على رجال الأمن.
 
  -      التأكيد على سلمية العمل السياسي، والالتزام بالقواعد والأطر القانونية المنظمة له، على أن 
         يترافق ذلك  مع استمرار المطالبة بتطوير هذه القواعد والأطر لتنص على مزيد من 
         الحريات ولترتقي للمعايير الدولية في هذا المجال.
 
  -     وقف خطابات التحريض والتخوين والتشكيك في الولاء الوطني للمواطنين، على أساس

        انتمائهم  المذهبي، وتجريم كافة أشكال التسعير المذهبي والطائفي، من أي جهة       
        جاءت ومعاقبة من يروج هذه الخطابات.
 
2-  تلتزم الدولة بالمبادئ والأسس التالية:
 
  -    إطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين، ووضع نهاية لوسائل التعذيب ضد المعتقلين إثناء
       التحقيق، واحترام الضمانات القانونية للمتهمين، وإغلاق الملفات الأمنية الحالية.
 
  -    نبذ العنف المستخدم من قبل رجال الأمن، والذي يتخذ في بعض الحالات صفة العقاب
       الجماعي للمناطق المكتظة بالسكان. 
  
  -    ضمان فتح حوار بينها وبين القوى المجتمعية والسياسية حول الملفات موضع الخلاف.
 
لبلوغ الاتفاق على تلك الأسس والمبادئ المتبادلة سيعمل المنبر التقدمي وفق الخطة التالية:
 
     -   الاتصال بالجمعيات السياسية بمختلف أطيافها ومؤسسات المجتمع المدني والاتحادات
         الجماهيرية مثل اتحاد النقابات والاتحاد النسائي، وكذلك الشخصيات المستقلة
         ورجال الدين ورؤساء تحرير الصحف المحلية، لاطلاعهم على محتوى مبادرته
         وأهدافها، وطلب دعمهم لها.
 
     –   اللقاء برئيسي مجلس النواب والشورى لتسليمهما المبادرة، ودعوتهما لدعم ما تنطوي
         عليه من أفكار وأسس.
 
     –   السعي للاتصال بالجهات المعنية في الدولة لإبلاغها فحوى هذه المبادرة.
 
 ويأمل المنبر التقدمي أن نصل في خلاصة هذه الاتصالات إلى تسمية لجنة مصغرة من الشخصيات ذات الخبرة والمصداقية  التي تتوافق عليها القوى المعنية، على أن تمثل جميع القوى الفاعلة في المجتمع لا تلك الممثلة في البرلمان وحدها، لأن الخريطة السياسية والاجتماعية في البحرين أوسع وأغنى بكثير.
 
 ويناط  بهذه اللجنة المصغرة الدخول  في حوار مع الدولة حول المسائل موضوع الاختلاف والتي لم يصر إلى حل لها، في اتجاه تحقيق توافق حول التعديلات الدستورية المطلوبة وتطوير النظام الانتخابي وإلغاء أو تعديل التشريعات المقيدة للحريات وتسوية أوضاع ضحايا مرحلة امن الدولة، وإعادة النظر في سياسة التجنيس المتبعة والنهوض بالأوضاع المعيشية للمواطنين في مجالات السكن والعمل وغيرهما، وتكريس مبدأ المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات.
 
 
مداخلة حسن مدن الأمين العام للمنبر التقدمي
في المؤتمر الصحافي بتاريخ  15 فبراير 2009
حول مبادرة المنبر عن الحوار الوطني
 

 

اقرأ المزيد

الذكرى الثامنة للميثاق


  
 
تمر اليوم الذكرى الثامنة لميثاق العمل الوطني، وهي ذكرى تعيدنا إلى ما حدث قبل ثمان سنوات. حينها كانت السجون مملوءة بالمعتقلين السياسيين، والمبعدون كانوا منتشرين في عواصم العالم المختلفة، وصورة البحرين أمام الرأي العام العالمي لم تكن تسر الحال.

المدة بين الإعلان عن مشروع الميثاق والانتهاء من إعداده كانت أربعة أسابيع (من 23 نوفمبر 2000 إلى 23 ديسمبر 2000)، وبين الإعلان عن الميثاق المقترح والبدء بإطلاق سراح رموز المعارضة أربعة أسابيع أخرى (من 23 ديسمبر 2000 حتى 23 يناير 2001)، وبين الإفراج عن المعتقلين السياسيين والتصويت على الميثاق ثلاثة أسابيع (من 23 يناير 2001 حتى 14 فبراير 2001)… وخلال هذه الأسابيع الثلاثة خرج النشاء السياسيون من السجون وقادوا حملة كبيرة دعوا خلالها مؤيديهم للتصويت بـ «نعم» للميثاق.

قبيل التصويت على الميثاق، قام جلالة الملك بزيارة المحرق في 10 فبراير 2001، وفي نفس اليوم زار منزل السيد علوي الغريفي في النعيم، وثم في 11 فبراير 2001 زار سترة، تلك المنطقة التي تقترب من تعريف المناطق “المنكوبة”، والتي تعتبر إحدى قلاع المعارضة ومنطلقاً للاضطرابات السياسية على مدى سنوات التسعينيات. ما حدث في سترة سيخلده التاريخ، إذ خرج جلالة الملك إلى شعبه من دون حراسة، وقام أبناء تلك المنطقة «المنكوبة» برفع سيارته والهتاف بحياته… وكان المشهد خارج نطاق التوقعات آنذاك.

بعد التصويت على الميثاق بأربعة أيام، وذلك في 18 فبراير 2001، اتخذ جلالة الملك (سمو الأمير حينها) خطوة كبيرة جداً عبر إلغاء قانون أمن الدولة ومحاكم أمن الدولة، وهذا أدى لخروج مسيرات التأييد في مناطق عديدة، بما في ذلك في منطقتي الديه والسنابس المعروفتين بأنهما من قلاع المعارضة النشطة باستمرار.

الذكرى الثامنة للميثاق تقول لنا إنه بالإمكان أن نعيش أياماً سعيدة تجمع أبناء الوطن في بوتقة واحدة من دون تفريق ومن دون شكاوى ومن دون أنين ومن دون سجون ومن دون اضطرابات ومن دون تأجيج ومن دون خطابات منفلتة ومن دون تحريض ومن دون عنف ومن دون الحاجة للاعتماد على أساليب أمنية قد تحقق الأمن الظاهري ولكنها تستبطن وتولد المشكلات على مر الزمن.

إن الذكرى الثامنة للميثاق تقول لنا إن القائد الذي استطاع أن يجمع شعبه ويحصل على 98.4 في المئة لتأييد مشروعه الإصلاحي، هو القائد ذاته أيضاً الذي يستطيع أن يحمي مشروعه التاريخي من التعثر أو العودة إلى الوراء. إن تصويت الشعب بأكثريته على الميثاق يجعل منه وثيقة ملزمة للجميع، والذكرى الثامنة تحثنا جميعاً للعودة لبنود الميثاق لنحتكم إليها بهدوء، وبإخلاص لوطننا الذي يحتاج إلى تضامن القلوب اليوم أكثر من أي فترة مضت.
 
الوسط 14 فبراير 2009
 
 

اقرأ المزيد

لا حَظَتْ بِرْجَيلْهَا


في مطلع السبعينات تعرفت عليه، كان شابا متحمسا وواعدا وممتلئا رغبة في نشر التنوير والتغيير, وأنيقا وجذابا ومختلفا ولا يشبه أقرانه في تلك الأوقات لا شكلا ولا مضمونا ويتجلى الذوق والفن والكياسة في كل سكناته وكلماته, وشاءت الصدف ان يأتي إلى مدرستنا الثانوية محاضرا, فبهر الطالبات والمدرسات بذوقه ورقته وحسن معاملته للنساء. كانت هيئته تذكر بالشخصيات الغربية التي كنا نراها في الأفلام, طاقة إبداع وتمكن وحيوية ونشاط.

عندما أصبحت صحفية حرصت على إجراء لقاء معه, تبدد الإعجاب منذ أول وهلة عندما أحجم عن الإجابة على أسئلة عديدة, قال: رجاء لا تورطينني, ولا تدفعيني للإجابة على أسئلة محرجة قد تحرف مساري المهني وتخرب مستقبلي الوظيفي, كيف ؟ قلت له: فقال: أنا أهيئ نفسي لمنصب كبير, ولا أود أن تقف هذه التصريحات الصحفية في المواضيع الحساسة عقبة في طريقي.

منذ ذلك الوقت تحول المثقف إلى عبده مشتاق, وعبده مشتاق لمن لا يعرف هو ذلك الإنسان الذي ينتظر المنصب الحكومي الكبير او الحقيبة الوزارية, الاسم كما سبق وأشرت هو من ابتكار الصحافة المصرية, والمتعارف عليه سواء في مصر او في غيرها من الدول العربية, ان الذي ينال الحظوة فيها ليس بالضرورة من أهل الاختصاص او الكفاءة إنما هناك معايير وشروط أخرى كثيرة ومتغيرة, الثابت فيها هو عنصر الولاء, لذا يضطر كل «عبده مشتاق» للتخلي عن كل قناعاته وأفكاره ومبادئه السابقة ويسلك في حياته طريقا واحدا لا يحيد عنه قيد أنملة, انصرف زميلنا عن الثقافة وعن الأدب والشعر والفن وكرس نفسه «عبده مشتاق», ومضت أكثر من عشرين عاما وهو ينتظر دون جدوى, تمزق بين طريقين لا يلتقيان, الطريق السابق الذي غادره والطريق الجديد الذي لا يبدو انه سيوصله إلى شيء, يخامره حنين بالعودة إلى نفسه والى موقعه الأساس والأصلي كي ينجز شيئا لنفسه ولتاريخه الشخصي لكن الأمل في المنصب الجديد يعاوده, لماذا اخفق في كسب ود الحكومة ؟ لا يدري, ثمة سر استعصى على فهمه, هو يعلم بداهة ان الحكومة العربية في كل الأرض العربية لا تعطي قبل أن تأخذ, «افعل شيئا لتنال رضاها» نصحه العارفون, لم تجد محاولات «الرزة» هنا وهناك, يعتصره الندم على مشروعه الثقافي المجهض والكتب النوعية المتخصصة التي كان ينوي تأليفها والتي أحجم عنها خشية ان يرد فيها ما قد يفهم او يفسر عكسها فتضيع جهوده وتخفق مساعيه, وأما الأنشطة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت تستدعي حضوره وتواجده فقد اختلق الأعذار للهرب منها ومن عواقبها وما قد تحمله من مخاطر «لا احد يدري» قال في نفسه فقد تنفلت جملة من هنا او هناك فيصير شاهدا على ما يزعل الحكومة, «مالي انا وهذه المناسبات الخطرة, الجلسة في البيت وأمام التلفزيون أحسن واسلم قال في نفسه, حين مرض «عبده مشتاق», فسر مرضه بمرض الانتظار الخائب, لكن, توقع الناس ان ينال الشفقة والتعاطف من باب الإنسانية ليس الا, اشتد مرضه وما بارح موقعه كعبده مشتاق, لم ييأس ولم يتغير فما عاد في العمر متسع للمراجعة او التغيير, غاب عبده مشتاق عن الساحة بينما كان يتهيأ لسماع خبر جديد يليق بانتظاره الطويل, عبده مشتاق تكرس في أذهان الناس بعد وفاته بتلك المرأة التي خسرت زوجها القديم ولم تنل العريس الجديد «لا حظت برجيلها ولا خذت سيد علي» ، إنني لا زلت أتذكر عبارته «رجاء لا تورطيني», قد كان منذ ذلك اليوم في ورطة!.



الأيام 14 فبراير 2009

اقرأ المزيد

التنسيق ليس على ما يرام


  
 
مشهد الانتقاد لطبيعة العلاقة بين الجمعيات السياسية داخل التنسيق «السداسي»
الشيخ محمد علي المحفوظ الأمين العام لجمعية العمل الإسلامي، في حديث جمعني به، أبدى إحباطه من هذه العلاقة التي لم ترتق للتحالف، بل ويشير المحفوظ إلى أن قادة هذه الجمعيات لم يفكروا ولم يناقشوا، ولم يتفوهوا ببنت شفة عن تطوير العلاقة بينهم.
واليوم يعيد نائب الأمين العام لجمعية التجمع القومي ذات المشكلة المتعلقة بالعلاقة بين هذه الجمعيات، تجلت في الدعوة للاعتصام الذي سينظم اليوم السبت وتخلفت عنه جمعيتان سياسيتان.
المشكلة هذه ليست جديدة، والإشارات أيضا ليست جديدة، ولكن للأسف مازالت مستمرة، وبالتالي فإن الإحباط الموجود عند المحفوظ لعدم وجود تحالف بين هذه الجمعيات سيزيد، لأنه حتى التنسيق فيما بين هذه الجمعيات ليس على ما يرام.
التنسيق لا يعني أنني أقرر وعلى الباقي ان يتبعوني، فالجمعيات الأخرى لها فكرتها وتحليلها المستقل عن فكر من قرر للفعالية، ومنها فعالية الاعتصام على الرغم أن 4 جمعيات سياسية أبدت موافقتها.
كان ينبغي ان توضع المواقف على طاولة اجتماع السداسي ويتم الحوار، وبعدها يقرروا، فلعل هناك صيغة وفعالية تتوافق عليها الجمعيات الأخرى، كما حصل في المسيرة التي كانت ستنظم في مدينة حمد، فمن أجل التنسيق تم تغيير هذه المسيرة إلى موقع آخر بناء على طلب من بعض الجمعيات السياسية.
ما ندعو إليه هو ان تعيد الوفاق وبقية الجمعيات السياسية علاقتها مع بعضها البعض، بان تترك مساحة للفعاليات الخاصة بكل جمعية، وان يتم التفاهم بشأن الفعاليات المشتركة ليس على شاكلة «أقرر وعليكم الاتباع».
 
الأيام 14 فبراير 2009

اقرأ المزيد

ترميـــــــــــم الذاكـــــــــرة


لماذا بين ركام الأحداث والوقائع الكثيرة التي نحياها في حياة ممتدة لا تحتفظ ذاكرتنا إلا بنزر يسير منها؟ لماذا تلح على أذهاننا ذكرى بعض الحكايات, وتتوارى آلاف الحكايات اليومية التي عشناها في الطبقات السفلى العميقة من الذاكرة ولا تحضر على بالنا وقتما نشتهي؟ لان لهذه الحكايات وقعا خاصا وسحرا خاصا كبدايات قصص الحب, ام لان حيز الذاكرة محدود وضيق لا يتسع إلا لأشياء محدودة, أشبه بطاقة سد لحبس المياه لا يحتمل أكثر من طاقته؟ هكذا في بداية «ترميم الذاكرة» يتساءل الكاتب حسن مدن تساؤلات عن الذاكرة.
من يقرأ قراءة متأنية لهذا الإصدار أو لسيرة «مدن» الذاتية يجد ذاكرته مليئة بالمحطات المتداخلة تفاصيلها حكايات حياتية ووطنية مستقرة في هذه الذاكرة.
وعن الذاكرة عموما يقول: هي من يصف هي التي تعيد صياغة تشكيل الأشياء بعد أن تصبح على مسافة كافية من تلك المساحة الضرورية لإشعال الحنين إليها. ويقول أيضا: انك لن تستطيع ان تصف المكان اذ تكون داخله لا تكاد تلحظ تفاصيله ودقائقه التي تتآلف منها او تلمسها كل ساعة او تمر عليها كل يوم.
وعلى اثر هذا الاستنتاج انه بالفعل كلما ابتعدنا عن الأمكنة القريبة من قلوبنا والمألوفة لنا مسافات طويلة كلما انشغلت ذاكرتنا بها وازداد الحنين إليها ولكن هل بمقدورنا ان نتذكر تفاصيل هذه الأمكنة؟ لا اعتقد ذلك لان وببساطة جدا كم من الأمكنة غابت تفاصيلها عن ذاكرتنا؟
ورغم كل هذا يبقى القول صحيحاً ما أكثر الأمكنة التي تثيرها الذاكرة على العموم «ترميم الذاكرة» استحضار لأزمنة وأمكنة مختلفة وبالتالي فهي محطات وان توارت بعض ملامحها بفعل الزمن حياتية ونضالية في حياة «مدن» وفي ذاكرته الوطنية.
في هذه السيرة الذاتية الجماعية التي غلب عليها الأسلوب الأدبي الشيق ودفء الكلمات والدلالات العميقة راح «مدن» يغوص في ذاكرته فيتذكر: المراحل الزمنية الأولى وسائر الأمكنة في بدايات حياته عندما كان في تلك القرية البائسة المكتظة بالنخيل ووجوه البسطاء المهمومة القريبة من نفسه وكذلك بيت عائلته القديم وغرفته الخاصة وحياة الطفولة والصبي والبحر وآلام الفقر, والأصدقاء والمدرسة التي كانت محطته الوطنية الأولى, وبدايات العمل في الصحافة المحلية والمجلات والإصدارات الوطنية العربية وكيف لعبت في تشكل وعيه, ابان المرحلة الناصرية ولعبت أيضا في التعرف على المناخ الوطني التقدمي في البلاد والسجن في زنازن البحرين وفي القاهرة عندما كان يدرس هناك, بيروت, دمشق, بغداد, موسكو, الإمارات وعواصم آخرى.
أشياء كثيرة لها وقع خاص في حياته واهم هذه الأشياء الوطن الذي قال عنه «على هذه الجزر الجميلة حكايات مجيدة عن وطن نحبه صاغ شعبه أساطير عن نشأته.
ومن هنا «مدن» الذي ارتبط بهموم وأحلام هذا الوطن الذي عرف قامات وطنية شامخة في وجه الشدائد والمحن في معركة الحياة لم يغب الوطن عنه ابداً بل كان محفورا في قلبه ووجدانه كبقية المنفيين والمبعدين الذين ذاقوا مرارة وقساوة المنفى والغربة ومن هنا وأمام هذا التحدي الكبير في حياته ذاق هذه المرارة وهو في ربيع عمره وبالفعل كان الاختيار صعباً بين العودة الى الوطن والبقاء خارج حدوده ولكنه ليس مستحيلا وبالتالي وبمسؤولية ووعي كبيرين حسم «مدن» هذا التردد ولأجل الوطن ولأجل الناس البسطاء ولكن في كل الأحوال معاناة «مدن» كشاب صغير وقتذاك معاناة ليست سهلة وخاصة انه بقدر ما كان هذا القرار مفيداً في اغناء تجربته الحياتية كما يقول الا انه تم أيضا على حساب تفاصيل إنسانية صغيرة ومهمة في آنٍ في حياته وحرمه من ممارسة الحياة الاعتيادية لشاب في مثل عمره.
لا نريد الدخول في تفاصيل الأمكنة او المحطات النضالية التي انشغل بها «مدن» أكثر من ربع قرن ولكن كل ما نقوله هنا ان هذه المحطات لها تأثير بالغ في تجذر وعيه السياسي والوطني والقومي والاممي, والحق ان قارئ هذه السيرة المختصرة يلاحظ كيف كانت ولا تزال مسيرته النضالية التي هي جزء من مسيرة هذا الوطن الذي تهدد استقراره الآن القوى الإسلامية الأصولية المتعصبة بأجندة ومشاريع ماضوية عدائية للحريات والتعدد والتقدم.. كيف كانت هذه المسيرة في خدمة الوطن والفكر والثقافة والتقدم.
 
الأيام 14 فبراير 2009

اقرأ المزيد

العلمانية ورأس المال


ليست العلمانية نظاما سياسيا في الهواء، بل هي تعتمد في نشوئها على الأرباح ومدى تجذر رأس المال في التربة الوطنية لأي بلد.
في الشرق الذي له قوانين تطور اجتماعية مغايرة للغرب، فإن ذلك يعتمد على كيفية نشوء الفئات الوسطى وعلى أي مداخيل تعتمد.
فإذا كانت فئات وسطى تعتمد على مداخيلها الخاصة، وغير المرتكزة على القطاعات الحكومية المسيطرة، بشكل مباشر وغير مباشر، فإنها سوف تنحو نحو الأفكار الحرة.
ولهذا فإن بروز الفئات الوسطى الحرة شيء محدود، لأن العديد من شخصيات هذه الفئات تعتمد على دخول تأتيها من دولها أو من دول أخرى.
ولهذا فإن معارضتها للاقتصاد الحكومي المسيطر تكون محدودة في بلدها، وتتلفعُ بمفاهيمَ مذهبيةٍ لعدمِ الدخول في صراعٍ ضد هذه الملكية العامة التي تحدُ من تطورِ الاقتصاد ومن نشوء هذه الفئاتِ الوسطى الحرة.

ولكونها مذهبية فإن نشوءها ومصدرَ تكوينِها السياسي يأتيان من دولٍ ذات حكومات شمولية، فلا تستطيع أن تنتجَ مفاهيمَ الحرية بالصورة النضالية العميقة. والمذهبياتُ الشمولية عموماً تشكلت في ركاب الدول المركزية الشمولية كذلك.
 لا تأتي الحرية والحداثة والعلمانية والديمقراطية إلا من فئاتٍ اقتصاديةٍ حرة، يتشكلُ رأسمالـُها من عرق عمالها، وأين يمكن أن يجري ذلك؟

حين يتفكك القطاع العام ولا يغدو مركز الإنتاج والدخول وتظهر فئاتٌ وسطى من خارجه تعيش على مصادر دخل مستقلة، فإن أفكارها الحداثية تكون ذات جذور موضوعية، لأن الأفكار الحداثية لا تنتج وحدها، بل تريد مفكرين وقادة وسياسيين، يضعونها في مجال التداول الاجتماعي.
لكن هذا لا يمكن أن يجري بصورة مطلقة، فلابد أن تتوجه أغلبية الفوائض الصادرة عن عملية التحول هذه إلى الصناعة، والتعليم المهني، وتوسعات السوق، لا أن تتوجه للخارج، أو التبذير، أو الرفاهيات الخاصة، أو عمليات التسلح الواسعة.
حين يحدث ذلك تزداد الفئاتُ الحرة، سواءً على مستوى الفئات الوسطى أم على مستوى العمال، وحينئذٍ تـُطرح تصورات مختلفة عن الدين والوطن والحياة السياسية.
حينئذٍ يُعاد إنتاج المذاهب الدينية، ويغير اليسار استراتيجياته، ويتم التركيز في الحريات وتبادل السلطة وإيجاد دولة علمانية ديمقراطية.
هذا يفترضُ وجود سلطة خارج الصراع الديني – الديني، تتوجه لدعم الفئات الاقتصادية الوطنية في المجالات كافة، لأن تصدير السلع وترقية الإنتاج وتقدم القوى العاملة هو ما يضمنُ للبلدِ استقراره السياسي، وما يعود بالتطور على جميع طبقاته وفئاته بأشكالٍ غير متساوية بطبيعة حال اقتصاد الملكية والعمل بالأجرة.
الدول المركزية الحكومية الشمولية تفترضُ رؤىً دينية تقليدية جامدة، من حيث تصور الألوهية والسببيات والقوانين الفاعلة في الظاهرات الطبيعية والاجتماعية، تعيد كل شيء إلى فعل خارجي، وغيبي، وليس من داخل هذه الظاهرات.
مثلها مثل النظريات الحديثة التي تقول: إن العلم وقف عندها.
ومع نشوء وتطور الفئات الوسطى والعمالية الحرة، تتكرسُ الأحكامُ العقلانية، ويزدهرُ الفقهُ الحر، فتتحرر الأحكامُ الدينية من الجمود، وتخضعها لحاجات المسلمين والمواطنين للتحديث واستقلال الاقتصاد وتقدمه ولتحرر الأمم الإسلامية من التبعية، ولرقي الشخصية المواطنية المستقلة.
حين نرى تطور الأمم الإسلامية في هذا الوقت سوف نجد أن الأمم والشعوب التي توجهت بقوة أكبر للاقتصاد الحر وغير العسكري الشمولي، والتي لم تخندق الشعب في فئات متقشفة محرومة واسعة، ووسعت سبل الرزق له، وقلصت بقوة البيروقراطية الحاكمة الاستغلالية، تتوجه بقوة للحرية والتقدم ورقي الصناعة والتصدير، في حين ان الدول التي هي بخلاف ذلك تعيش أسطوانات الحروب والصراعات الخارجية والداخلية.
إن الدول حين تتضخم عبر المؤسسات بحاجة إلى أيديولوجيا شمولية سواء كان ذلك بشكل قومي أو ماركسي أو ديني، فهي تجعل الفكرة السياسية دينيا.
ومن هنا نرى الجماعات الدينية تحمل مثل هذه الأفكار لأنها تريد مواصلة نموذج الدولة الشاملة، ولم تهضم أفكار الحرية على مختلف المستويات.
فليست العلمانية سوى التخفيف من هذا الغطاء الشمولي الذي يتحكم في الاقتصاد، والحياة الاجتماعية، وجعل القطاعات الاقتصادية حرة دون قوة عليا تهيمن عليها.
إن تركيا تنمو بشكل أفضل من إيران، رأس المال في تركيا يتراكم ويتوجه للصناعات، وفي إيران يهدر جانب منه على التسلح، وفي ذات يوم سوف يصطدم هذا الرأسمال الصناعي – العسكري بالوضع الدولي، ويذهب هباءً، وقد كان نتاج تراكم طويل لعمل العمال.
هيمنة الدولة أو الدين أو القومية على رأس المال تؤدي إلى ضموره وتدهوره أو هروبه.
مثل الطاقات العلمية البشرية – من علماء ومهندسين وغيرهما – تهرب من الدول والمجتمعات الشمولية، ورأس المال العلمي والمادي وجهان لعملة واحدة.
لا تستطيع التنظيمات من قومية ودينية وغيرهما إلا أن تعمل على الحرية إذا أرادت توسيع الحرية السياسية، فالحريات لا تتجزأ، وليست وطنية ومقصورة على قسم بشري دون آخر، بل الحرية عامة لكل الشعوب.

 
أخبار الخليج 14 فبراير 2009
 

اقرأ المزيد

سيناريو الانقسام‮ ‬يتكرر‮.. ‬ولكنه نوعي‮ ‬هذه المرة‮!‬

قبل حوالي ثلاثة عقود تم إبرام صلح منفرد مع إسرائيل وكان ‘فارسه’ آنذاك الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات.
وقد أدت هذه الخطوة إلى انقسام العالم العربي إلى فريقين برؤيتين مختلفتين فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. فريق يرى أن استرداد الأراضي والحقوق العربية التي اغتصبتها إسرائيل سيتم من الآن ‘آنذاك طبعاً’ فصاعداً من خلال المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، ومن خلال اعتماد مبدأ خيار السلام بدلاً عن خيار الحرب، في إستراتيجية عربية جامعة لتحقيق ذلك الهدف: وإن ‘حرب أكتوبر 1973 هي آخر الحروب العربية ضد إسرائيل’، على حد تعبير الرئيس المصري الراحل أنور السادات.   
وقد استغرق الأمر بضع سنوات قبل أن يلتئم الشمل العربي من جديد إثر ذبول وهج ما كان يسمى بجبهة الصمود والتصدي أولاً وجبهة الرفض تالياً بسبب عدم استناد دول هذا المعسكر إلى تحصينات شعبية وإنجازات اقتصادية واجتماعية معقولة، ونهوض معسكر ما يسمى بدول الاعتدال، بالمقابل، على أكتاف الإيرادات الريعية المزدهرة.  
فكان أن اتخذ مسار الأداء السياسي العربي في العلاقات الدولية خطاً وسطياً، في المتوسط، ما بين الخطاب الثوروي الفاقع والخطاب الوطني والقومي المعتدل. وظن كثيرون أن هذه الحوصلة المتموضعة منذ نجاح جهود التقريب والمصالحة بين دمشق والقاهرة، هي حصيلة تحولات موضوعية، سياسية واقتصادية وثقافية، وإنها، بهذا المعنى، تبلورت واستقرت عند المقاربة التي حفظها الجميع منذ ما قبل اجتماعات مدريد الإسبانية وما بعد مدريد، وما قبل أوسلو وما بعد أوسلو .. وصولاً إلى ما سمي بخارطة الطريق وتفاهمات ميتشيل وتينت وأنابوليس و… ‘الحبل على الجرار’!     
بيد أن بوادر عدم قناعة ثم ممانعة فتمرد على هذه المقاربة، كان قد ولد في رحم كل تلك المراوحات الكلامية الدعائية المرسلة ‘بفتح السين’، خصوصاً بعد أن أصبح أنصار مدرسة المفاوضات المستديمة ‘المسجوعة للمفارقة على وزن العقيمة’ في وضع لا يحسدون عليه، حتى انه لم يتبق لديهم ما يتحدثون به منطقياً ‘موضوعياً عنه، اللهم إلا اللعثمة والتأتأة!
وكان أن أدى هذا الوضع إلى استقواء معسكر الممانعة، الذي كان قد اضطر لمسايرة مدرسة المفاوضات المستديمة، مستفيداً من انكشاف المأزق ‘المادي’ التفاوض الذي انتهى إليه فريق مدرسة التفاوضي المتجدد ‘التفاوضي من أجل التفاوض’.
وكان أن بدأ ذلك الافتراق يشق بنصله جسم وحدة الموقف العربي إزاء التعامل مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي، إلى أن أسفر عن نفسه بصورة صارخة في عدوان يوليو الصهيوني على لبنان. 
وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ يكاد سيناريو سبعينات وثمانينات القرن الماضي يعيد إنتاج نسخته بالتقاطيع والتفاصيل نفسها، ولكن مع فارق في غاية الأهمية، وهو دخول التنظيمات السياسية وأجنحتها العسكرية هذه المرة على خط حالة الانقسام العربي الحالية لتضفي على المشهد العام نوعاً جديداً من الإثارة والتسخين الإعلامي الذي تكفلت القنوات الفضائية المتناكفة بتوفير ذخيرته ومفرقعاته، إذ أصبحت هذه المنظمات السياسية المسلحة طرفاً مفروضاً يرسم الواقع في عملية الاستقطاب المتضادة على نحو واسع، والتي انتهى إليها من جديد النظام العربي بشقيه الرسمي وغير الرسمي.     
وقد وصل هذا الاستقطاب الانقسامي في المشهد السياسي العربي إلى ذروته إبان الاعتداء الصهيوني البربري والوحشي على قطاع غزة والذي أعاد خلاله معسكر الممانعة حركة اصطفافاته ورفع سقف وقوة حضوره واستخدم كل طاقاته وإمكاناته لاستعراض قوته ونفوذه وللظهور بمظهر الند للمعسكر الآخر الذي هو الآخر لم يتردد في توظيف كل مصادر قوته للدفاع عن رؤيته ومقاربته الشرق أوسطية.    
وبمناسبة الرؤية الأمريكية الشرق أوسطية، فإن التحول الذي طرأ على الموقف السياسي التركي من الصراع العربي الإسرائيلي مؤخراً – وتركيا هي، بالمناسبة أيضاً، إحدى الركائز المهمة في ذلك المشروع أو تلك الرؤية الشرق أوسطية – قد أضاف جرعة أخرى من الإثارة التي سيطرت في الأسابيع الأربعة الأخيرة على مشهد الانقسامات العربية، خصوصاً وأن الموقف التركي المستجد جاء متناغماً بصورة لافتة مع موقف معسكر الممانعة.      
وبلغت الإثارة ذروتها مع اشتداد ضغط جريمة العدوان على غزة سياسياً ومعنوياً وأخلاقياً على أطراف الأزمة – الإقليميين والدوليين – بما فيها الطرف الإسرائيلي، وأطراف الانقسام العربي معاً، حيث تسابق طرفا الانقسام العربي على تسجيل أكبر عدد من النقاط ضد بعضهما بعضاً أكثر من اهتمامهما بمصير ومآل الجريمة الإسرائيلية ومرتكبيها إصراراً وترصداً.   
وقد كان ممكناً إسدال الستار على هذا التهافت العبثي لو أن طرفيه قبلا ببارومتر ‘نقطة التعادل’ (Break even) الاقتصادية الرياضية المعبرة عن لا خسارة ولا ربح، والتي ابتدرها على نحو فاجأ الجميع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في افتتاح القمة الاقتصادية العربية الأولى التي عقدت بدولة الكويت خلال الشهر الماضي، حيث أعلن في خطابه إلى القمة انتهاء الخصومة بين الفريقين ونجاحه فيما بعد في جمع شملهما، لولا أن تمكنت العصبيات ‘ومناقبيات’ الماضي ‘التليد’ من سكنات أفئدة كافة أطراف المشكل التأزيمي الانقسامي.         
والنتيجة أن عاد الجميع من دولة الكويت بخفي حنين عاكسين فشلهم في استغلال الفرصة التي كانت مواتية في الكويت للتوافق على حد أدنى من الموقف المشترك الذي كان يمكن أن يساعد أهل غزة كثيراً في سرعة تضميد جراحهم ومعاودة إنتاج حياتهم الطبيعية اليومية. 
نعم لقد هدأت زوبعة تجليات الانقسام العربي على النحو الضاج، السافر والمخجل، ولكنها هدأت فقط لتعود إلى ملاذاتها وكواليسها وزواريبها الخلفية ما من وظيفة لها سوى تعطيل كل فرصة وحجب كل بارقة أمل تلوح في أفق العلاقات العربية العربية.
 
الوطن 14 فبراير 2009
 

اقرأ المزيد