المنشور

برلمانيون فاسدون‮ ..!‬

ليس هذا أول كلام عن فساد البرلمانيين ، وحتماً لن يكون الأخير، فقد جرت أحاديث عن برلمانيين حملوا ومنهم من لازال يحمل لواء مكافحة الفساد وهم أول الضالعين في الفساد، وقيل بأن أعظم وأخطر فساد هو الفساد الذي ينال من نواب يفترض أنهم أول المعنيين بالمراقبة والمساءلة ومناهضة كل مظاهر الانحراف والفساد، وفي شأن هذا الموضوع هناك أكثر من شق، وأكثر من عنوان، وكل عنوان أخطر من الآخر .
 ما يهمنا في هذا الكلام ، أنه صادر هذه المرة من برلمانيين  وهنا تكمن أهميته ودلالته ربما كانوا مستشعرين لدورهم في مكافحة غول الفساد، اجتمعوا في إطار مؤتمر عالمي هو الثالث للبرلمانيين ضد الفساد استضافته الكويت مؤخراً، وأهم ما في هذا المؤتمر ليس التوصيات التي خرج بها لأنها تكاد تتكرر في كل مؤتمر وينتهي مفعولها بانتهائه، وإنما تلك المناقشات التي دارت في ورشة عمل “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد”.. ففي هذه الورشة وجهت انتقادات لبعض البرلمانيين الذين يكونون أحياناً أول المتهمين بالفساد، وفي لمحة دالة منه رتب ممثل المنظمة العربية لمكافحة الفساد القضية بداية من شعب ينتخب نواباً، ونواب يملكون مراقبة حكومة، وحكومة تؤدي إلى فساد، ويخلص إلى أن النواب هم المسؤولون عن الفساد إذا تركوا السلطة التنفيذية تفسد وتفعل ما تريد وقتما تريد، منتقداً النواب الذين دأبوا على استخدام وإقحام عبارات وشعارات كبيرة لكنها تبقى شعارات لا تحاكي الحكومات في منهجها المناقض لتلك الشعارات، الأهم من ذلك تلك الصيحة أو الدعوة التي أطلقها أكثر من نائب المطالبة بالتصدي للفساد في المؤسسات التشريعية، والمقرونة بالتأكيد بأنه على هذه السلطة أن تبدأ بنفسها بالإصلاح والنزاهة والتخلي عن الفساد قبل أن تطالب الآخرين بذلك .
  القضية برمتها لابد أن تكون موضع انتباه واعتبار كافيين من الجميع، من الحكومات ، من المجالس النيابية، من مؤسسات المجتمع المدني والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية ذات العلاقة، وهي قضية لا يستطيع المرء أن يخفى شعوره بالأسى العميق إزاء هذه النوعية من البرلمانيين الفاسدين، وهو أسى مركب ، مرة لأن هذه النوعية من البرلمانيين يفترض أن تمثل الشعب بكل ما في هذا التمثيل من عزم وبأس ومسؤولية ونزاهة وواجبات واحترام والتزام ورقابة وتشريع ضد الفساد، ومرة ثانية لأن الشعب أساء اختيار من يمثله ، ومرة ثالثة لأن أعمال هؤلاء البرلمانيين تنسب إلى الديمقراطية ، رغم أنها أعمال وممارسات تعبر عن خلل عميق يعتري مسار وأساس العمل البرلماني والديمقراطي.
 لم يقف الأمر عند ذلك الحد من المناقشات عن فساد البرلمانيين ، بل امتد إلى انتقادات واتهامات بتستر البرلمانيين على فساد الحكومات، وتشريعهم قوانين تخدم مصالح بعض أصحاب النفوذ .. !!، والأخطر من ذلك ما جاء على ذمة مؤسسة أداء برلماني الكويتية “منار” التي كشفت بأن الفساد في المؤسسات التشريعية في الوطن العربي يتجاوز 75 ، وأن صور هذا الفساد تتعدد بدءاً بإساءة استغلال الحصانة البرلمانية والابتزاز ، مروراً بالإثراء غير المشروع، وعرقلة سير العدالة وتغيب الآليات التي تمنع تضارب المصالح وحتى “طأفنة” قضايا الوطن وجعل هذه الطأفنة ممراً حراً للفساد .. !!  لعل آخر ما يخطر على بال المرء أن يكون حجم البرلمانيين الفاسدين بتلك النسبة ، ولأن أي جهة يفترض أن تكون معنية، ولا حتى القائمون على مؤتمر البرلمانيين ضد الفساد ولا أي برلماني مشارك أو غير مشارك لم يبادر التكذيب أو التصحيح أو التعليق بأي شكل من الأشكال على تلك المعلومة التي أوردتها “منار”، وإنما التزم الجميع الصمت المطبق ، وكأن كل طرف لم يقرأ ولم يسمع، فإن ذلك لاشك أنه أمر باعث على قدر كبير من القلق والجزع، لذا لم يكن بمستغرب أن يتنادى بعض الكتاب إلى المطالبة بتحرك شعبي واسع النطاق ضد فساد النواب داعين إلى إنشاء مؤسسات تختص بمراقبة أداء النواب وهي دعوة لاشك أنها في محلها ونتمنى أن يلقى صداها في البحرين ..!!..
«مؤتمر برلمانيون عرب» ضد الفساد حذر من الآثار السلبية التي تفرزها المبالغة في مفهوم الحصانة البرلمانية لتصبح في النهاية وعاء لبعض الممارسات البرلمانية السلبية والفاسدة وهو لاشك يؤثر سلباً على مصداقية جهود الإصلاح ومحاربة الفساد، والمؤتمر لم يكتف بذلك بل طالب بتشكيل لجان تعني بنزاهة العمل البرلماني لضمان منع استغلال عضوية المجلس النيابي لتحقيق أغراض خاصة من خلال التشريع أو الرقابة، أو المساءلة والالتزام بالأدوات التي تكفل تطوير الأنظمة الأخلاقية للنواب، وأحسب أن هذه المسألة تحديداً التي تتوافق مع تلك الدعوة، لم تأخذ حقها من الاهتمام في الدوائر والأوساط المعنية، رغم أننا نتلقى أصداء فساد وانحراف وعجز وفشل وقصور اداء كثير من النواب كل صباح .
 إننا في حقيقة الأمر لا نستطيع أن نكتم قلقاً ودهشة إزاء هذا الذي قرأناه وتابعناه من صور وحكايات انحراف وفساد برلمانيين ، والتي نستطيع أن نضيف إليها مما يمكن اعتباره بأنه مستوحى من واقعنا، ومنها في حدود ما نعلم والله أعلم تلك التكتيكات المقصودة إلى شغل الساحة بقضايا صغيرة مفتعلة ومفبركة أو محرفة لغايات تلو حقائق معينة أو تجمل صورة رديئة، علاوة على استخدام الأدوات الدستورية، السؤال أو الاستجواب من أجل مساومة أو ابتزاز أو مصلحة تعود بالنفع الخاص على طائفة، أو مذهب أو قبيلة، أو فئة أو انتماء سياسي وليس لترسيخ الدور الرقابي والتشريعي في سبيل مصلحة عامة ، كما لا ننسى تلك الصورة من الفساد المتمثلة في محاولة فرض تيار هذا النائب أو ذاك للتحكم في مفاصل بعض الوزارات والمؤسسات الرسمية، والهيمنة على بعض الإدارات العامة، كما أن وصول بعض النواب إلى كرسي البرلمان عن طريق شراء الذمم أو عن طريق إتباع أساليب غير نزيهة ومخالفة للقانون، وارجعوا بذاكرتكم إلى أيام الانتخابات ولا يعني ذلك التمترس وراء الحصانة النيابية في ارتكاب التجاوزات واختراق القوانين، وحتى تسرب بعض أعضاء البرلمان ومقاطعة واجباتهم الدستورية، وتعطيل عمل المجلس الرقابي والتشريعي أو تسليط الضوء على انحرافات بعينها، وغض الطرف عن انحرافات أخرى مماثلة أو اشد جسامة هي من صور الفساد البرلماني المحملة بتفصيلات كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن على الأقل.
  الصور كثيرة.. لا تعد ولا تحصى .. لذا لن يكون هذا الكلام آخر حديث عن فساد البرلمانيين، وإن كان هناك من يرى بأن معظم المجالس النيابية العربية الحالية لا يمكن أن يعّول عليها في محاربة الفساد، محاربة حقيقية وليست محاربة صورية، ويرى أن معظم أعضاء هذه المجالس هم صناعة حكومية.. فإننا لن نغرق في الخيال، لأن هذا الواقع الذي فيه المزيد من الطموحات والخيبات والشكوك والصدمات نعلم أن محصلته لن تكون ناصعة وسيكون من الخطأ الفادح كيفما اتجه تفكيرنا والى أي زاوية اتجه تحليلنا أن نظن بأن الفاسدين يحاربون الفساد، والخطأ الأفدح حينما يظهر لنا هؤلاء بمظهر المنزهين عن الفساد..!!. 
  
الأيام 5 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

العسكرية العربية والعلمانية


لابد للدول العربية من أن تخطو خطوات كبيرة باتجاه العلمانية السياسية، بسبب تفاقم الصراعات الاجتماعية التي تتخذ ألواناً دينية ومذهبية وعنصرية وإقليمية، وتأتي الأحداثُ كل يوم بأخبار المذابح والحروب والكوارث التي تجري على أساس ديني ومذهبي وعنصري وقبلي الخ.
انظر إلى تفكك السودان ومذابح نيجيريا والجزائر والعراق والهند وباكستان الخ، لترى بأنكَ لستَ في مأمنٍ من الأخطار.

كما أن العالمَ القديم الذي تسيطر عليه تمام السيطرة الدول الغربية بدأ يفلت زمامهُ، وتتفجر الأزماتُ المالية والاقتصادية والعسكرية، وتعود الدولُ الشمولية الشرقية العسكرية لتصطاد في المياه العكرة وتشجع الفرقاء الدينيين والمذهبيين والعنصريين وتمدهم بالسلاح والتكنولوجيا المتطورة، فهي تريد أموالاً بأي شكل، وهي تريد بلداناً مفككة لتتوغل فيها.

ولهذا فإن الانقلابات على أساس ديني ومذهبي وعنصري ليست بعيدة عن الجيوش العربية، في السنوات القادمة، وهي الغارقة في حياة السكان، ولم تصبح فصائلَ منعزلة عن صراعاتهم الدينية والمذهبية والسياسية والعنصرية، بل هي داخلة فيها، وهذه الجماعات بدورها تستفيد من طابع الولاء الديني والمذهبي والسياسي في التغلغل في أعصاب الجيوش وعروقها الداخلية المخفية.

ومع اشتداد الأزمات الوطنية والإقليمية، وتفكك الدول بسبب الصراعات الدينية والمذهبية والعنصرية وغيرها، فإن توغل هذه الصراعات داخل الجيوش، واتخاذها مبررات للانقلابات و(إنقاذ الأمة) ليست بعيدة عن الاحتمالات المفتوحة.


ولهذا فإن الدول الدينية والدول الكبيرة ذات الأحلام التوسعية تعتمد على غزو الجيوش من الداخل، وتغيير ولاء ضباطها، أو احتكار جماعاتها التابعة لها للسلاح، ورفضها الدخول والانصياع لإرادة الجيوش الوطنية، والذوبان في الجيوش الوطنية والتخلي عن أيديولوجياتها المزعومة بأنها الدين الحق، والمذهب الحق، وهي التابعة لعصابات ودول ناقعة في الفسادين الديني والسياسي.


أو ترى هذه الجماعات المسلحة تقوم بالاضطرابات المستمرة، وتدبر المذابح الرهيبة، وتقتل الأبرياء في مغامرات تدعي فيها أنها تحرر البلد من الطغيان، وتقوم بفصل الأقاليم في حرب ضروس باسم المصلحة الوطنية العليا وهي تبحرُ في مستنقعات من الدم.
بل هناك حتى محاولات الاستيلاء على مدن واحتجاز الرهائن كما جرى في الهند مؤخراً. وقد دمر هؤلاء كل شيء باسم الدين والمذهب والعنصر.


كل هذا يجري والعواصف لم تتنشر انتشارها الكثيف مع تنامي الأزمات الاقتصادية المتصاعدة في الدول الأخرى، التي تنظر لهذه الكوارث كأنها بمنأى عنها، وأنها في عالم مستقر أبدي.


ومن هنا ضرورة وجود جيوش عربية خالية من التوجهات المذهبية والدينية والعنصرية والإقليمية، وأن يكون ولاؤها للوطن والدستور، وألا يُسمح بتوغل هذه الاتجاهات داخل صفوفها، وأن تمنع أية دعاية طائفية ومذهبية وقومية عنصرية داخلها. فاليوم هؤلاء معك وإذ تمكنوا فهم غداً ضدك.


كما أنه يجب عدم بقاء المروجين الدينيين والمذهبيين والعنصريين وغيرهم من أصحاب الرؤى التقسيمية للشعب داخلها، وأن يُضم كل عنصر يرفض هذه التوجهات حين يصيرُ جنديا، فنريد جيوشاً منضبطة قوية لا تدين بالولاء إلا للوطن والدستور، وكل من يقبل ذلك ويلتزم به بصرامة وقوة يكون عسكريا وإلا فليخرج من الجيوش العربية.


ويجب ألا تنظر قيادات الجيوش لمنبت المجند أو عائلته أو طائفته أو إقليمه بل تنظر لمدى التزامه بالإخلاص للوطن والدستور، ومن هنا ضرورة أن تكون الدساتير بمستوى تحديات التاريخ الراهن، وتتحول مثل الجيوش إلى دساتير ديمقراطية علمانية.
إن تربية وطنية علمانية عسكرية باتت ضرورة كبرى في هذه المنزلقات التي تجري، وتجرُ بلداً بعد آخر لدروب الانقلابات والحروب وتجعل الجيوش تتفكك وتنقسم إلى طوائف كما هو حال البلد المتزعزع، فبعضٌ من الدول العربية تحتوي على ثلاثة جيوش متطاحنة مستفيدة من اتساع المساحة في هذه الدول.


ولا شك أن الإصلاحين السياسي والعسكري يترافقان مع بعضهما، وأي إصلاح يعتمد على مدى تغيير ظروف أغلبية الشعب، وعدم وضعها في دوائر الأزمات والفقر المدقع وعرضة لهيمنة الخارج، وحين لا يُلتفت إلى ذلك ويتم جذب المجندين الفقراء العاطلين الجهلة وجعلهم أساس الجندية، فهؤلاء يغدون سبب المشكلات والتمردات لا على أساس الضبط والربط المطلوبين.
كما أن وضع الضباط المؤدلجين والمؤيدين للتيارات المذهبية والدينية والعنصرية على رأس هؤلاء، وفي بلدان تغلي بالأزمات والصراعات، ليس معناه سوى الانفجارات السياسية.


إن الجيوش الحضارية العلمانية كما في الغرب والهند وتركيا وغيرها من الدول التي نأت بالجيوش عن التدخل في الدين والمذهب والسياسة، هي أداة للحكومات التي تصل إلى الحكم عن طريق القانون والدستور، فتخدم سياستها، لا أن تكون هي مصدر السياسة.
وتغدو هذه الجيوش حارسة للدستور في حالة الاضطرابات وانفلات زمام السيطرة، وتمنع العودة للوراء، أي للدولة الطائفية والعنصرية.
والعديد من الكتاب العرب ينتقدون التجربة التركية وسيطرة الجيش وحمايته للدستور، رغم أن هذا الأمر هو الذي جعل تركيا تتطور بهدوء خلال العقود السابقة، رغم قلة موارد هذه الدولة وغياب النفط والموارد الكبيرة الأخرى التي يتمتع بها بعض الدول العربية لكن حياتها كلها اضطراب وقلاقل وانقلابات خلال العقود نفسها.


كما أن الجيش التركي يحمي الحدود وهي مهمته الأساسية، والقمع التركي للأكراد هو بسبب تطرف حزب العمال التركي ومطالبته بالانفصال عن تركيا، وهذا الأمر خطير ويحول أي دولة إلى فسيفساء متناحرة.
يتحول الجيش في الدولة الشرقية العلمانية إلى حام للحدود وحارس للدستور، وليس متدخلا في الصراعات السياسية مادامت الأحزاب تلتزم بالدستور.
 
أخبار الخليج 4 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

أحـمــد الـكـــادح

 

 

 

 

 



أحـــــمــد الـكـــــــــــــــادح 
  


 



        (إلى الرفيق أحمد الفاتح…الحاضر دوماً)

 


مــن أصـغـريــهْ
وفي يـبـاس ِالـبـؤسِ
شاعـت صـرخـة ُالـبـشـرى
لـتعـلـم والـديــهْ:
قـد جـاءَ أحـمـدُ
إفـرشوا بُـسُط َالـحـنــانِ
ودثـّروا…
بـقـمـاط ِقـلـب ِالأمِّ رعـشة َجانـبـيـهْ
ولبـانُ أحـمـدَ آهــةُ الحـرمــانِ…
في زمـن ِالـعـجـاف ِالسـود.ِ…
تـلـتـحـفُ الـكــآبــةْ
فالعـسفُ خـط ّبـجـدول ِالأعـمـال.ِ..
في النـاس ِإرتـيــابـهْ
والحــوتُ…
عـبـرَ بـحـار ِسـوق ِالـمـال.ِ…
لـلـحـقِّ إنـتـهـابـهْ
قـد جـاء أحـمـد…
فاستــوى:
طـفـلاً..صـبـيـاً..يـافـعـاً
مـتـقـمّـصـاً وعـيَ الشـغـيـلـة ِ
آخـذا ًمـن صحـبـة الاتــراب…
آلاء َالـصـبـابــةْ
فـنـحا رؤى الإشـراق ِ…
مـغـتـرفـاً كـتـاب َالـمـاء ِ…
مـن عـيـن الـنـجـابــةْ
فـأفـاد َمـن عـشـق ِالـمـطـارق ِ….
فـاتـحـاً لـنـوارس ِ(الـتـحـريــرِ) بـابــهْ
مـا راعـه نـبـح ُالـقـيـود ِ…
فـخـاف مـنـه الـخـوفُ…
أسـرج كــدحـَهُ…
أصـغـى لـشـقـشـقـة ِالإهـابــةْ
ورأى الـرعـيـل َمـكـابــداً شـظـفـاً…
تـقـاومـه الـحـنــايــا
ورأى الضـلـوعَ كـمـا الـدروع ِ…
تــذودُ عـن عـشـق لـديــهْ
ورأى الـعـقـوقَ.. رأى الـحـقـوقَ…
تـداس ُحـيـن وعـى اسـتـلابــهْ
ورأى الـحـديــدَ عـلى الـقـصـيــد ِ…
رأى الـشـهـيــدَ…
رأى الـطــريــدَ…
رأى .. رأى
فـانـضـم مـمـتـشـقـاً شـبـابــهْ
فـي (مـصـنـع الـمـوت ِ) انـتـخـى لـلـهـم ِّ
والحـرمـان ُيـلـتـهـم الـضـحـايــا –
فـتـرصّـد الـعـسـسُ الـمـهـجّـنُ سـاعـديــهْ
ومـضى يـخـب الـوجـدَ صوب َالـمـوعـد ِالآتي…
بـصـبـح الـمـهـرجـانْ
والـيــوم…
تـغـتـال الـفـجـاءة ُوجـهـه َالـبـاهي …
فـتـشـتـعـلُ الـمـهـابــةْ
الـيـــوم …
سـاد حـضـوره ُالـزاهي …
لـكـي يـنـفـي غـيـابــهْ
الـيـــوم …
زدت ُتـواصـلاً…
وأنـا عـلى ذات الـطـريــق–
فـمـن الـرفـيـق ِإلـى الـرفـيـق :
شكـوى الـهـضـيـم ِمـغـاضـباً…
مـن لـيــل غـابــة
حـيـث الـكـواسـرُ غـيـلـة ً…
تـعـدو عـلـى ذمـم ِالـبـرايــا
حـيـث الـصـدى بـيـد الـعــدى…
يـجـنـي فـيـمـحـضـنـا سـرابــهْ
حـيـث الـريـاشُ لـمـن يـعـاشُ…
عـلى الـنـخـاسة كالـسـبـايــا
حـيـث الـفـوارسُ قـلـة…
والـجـلّ قـد أرخـى ركـابــهْ
أنـبـيــه :
كالـحـلـم الـذي قـد كـان يـسـكـن نـاظـريــه –
إن الـنـهـــــار…
سـيـجـيء كالـبـحـر الـخـضـمّ…
إذا تـألـق ضـاحـكــاً…
بالـشـمـس يـغـمـر شـاطـئـيــهْ
سـتـقـرُّ عـيـنُ الـنـخـل ِ…
تـطـعـم أنـفـسـاً حـرّى …
وتـهـمـي …
مـن عـدالـتـها سـحـابــة
ويـلـمـنـا الـوطـنُ الـمـفــدّى …
والـحـيــاة ُفـم ُالـشـهـيــد …
والـوردُ فــرحة راحـتـيــهْ
سـيـــجــيء يـــــــــــــــــــــــــــوم …
 
 
 

اقرأ المزيد

الــصـمــــت الـمـدوّي


في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، وفي مجلة ” هنا البحرين ” الأسبوعية ، التي تصدرها وزارة الإعلام ، وكان يشرف على تحرير الصفحات الأدبية فيها الشاعر الأستاذ علي عبدالله خليفة ، كتب الشاعر الأستاذ علي الشرقاوي ، مغاضباً ، مقالاً بعنوان” أين الوجه الآخر للكلمة ؟”، يتساءل فيه ، وبحرقة قلب مخلص ، عن الصمت الذي ران على الساحة الأدبية والفنية بمختلف أنواعها وعلى كل الصعد الحياتية ، التي كان يمر بها الوطن والشعب حينذاك ، فكان ردي آنذاك بعنوان“هذا هو الوجه الآخر للكلمة”، والذي نشرته ذات المجلة بعددها للإسبوع الذي تلاه ، حيث بينت فيه إصرارأصحاب المواهب الواعية ، على الإسهام الفاعل والبنـّاء في عملية التنوير يومذاك.
 
واليوم ، وقد تعددت وسائل الاتصال، المرئي والمقروء والمسموع، أمسى لزاماً على كل المبدعين الخيّرين، حيث الشعراء الذين يكتبون قصيدة الحياة اليومية جاعلين من الشعر شعوراً مرهفاً يعبر عن تجليات الضمير الإنساني الحي، والمسرحيون الذين يحوّلون المسرح الهادف إلى مدرسة للشعب ، والسينمائيّون والرسّامون والنحّاتون، الذين يعكسون بمرآة فنونهم ، صورة الواقع المعاش، إيجابا ًوسلباً، والإعلاميون، في الإذاعة والتلفزيون والمدوّنات، الذين ينقلون بأمانة كل محسوس وملموس من الأمور، والذين ينظرون ببصيرة النقد البنـّاء، إلى وضع الحلول الناجعة للمشاكل الماثلة وإجتراح كيفية التخلـّص من الأزمات، والمغنـّون الذين ينشدون أعذب ألحانهم وكلمات قلوبهم المفعمة بالإخلاص، في حب وطنهم وشعبهم، ومن أجل غد أفضل.
 
صحيح إن أيام السبعينات قد ولــّت، وإن مياه كثيرة قد جرت، وإن تطورات وطنية وإقليمية وعربية وعالمية، قد حدثت، فانهارت كتل دولية وأزيلت جدران وحواجز، وتبدلت بعض المفاهيم والمواقف والنظم، لكن الصحيح أيضاً، إن الحرية والانتصار لها والموقف مع المستضعفين ضدالإستغلال، ومع الخير ضد الشر، ومع الإشراق ضد العتمة، ومع السلم ضد الحرب، ما زال وسيبقى إلى الأبد، رهيناً بالمدلول المعرفي لدى الإنسان، لمفهوم الحرية، الذي هو بالتأكيد فهم الضرورة، أي اتخاذ الموقف اللازم، بشروطه الذاتية والموضوعية، لأداء عمل ما في ظرف ما، بوسيلة مشروعة ولهدف مشروع.
إذا كان الصمت، في أحيان كثيرة، أو ما يعبر عنه بالسكوت، نابعاً من موقف أخلاقي، وتترتب على نتائجه منجاة مادية أو معنوية أو كلاهما، انطلاقا من إنـّه(إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، أو:-

فـلـئن نـدمت على سكـوتي مـرة         فلـقـد نـدمت على الكـلام مـرارا

ويطول الحديث وتكثر الأمثلة، حول فضيلة الصمت فتتحوّل أحياناً إلى رذيلة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، كما إن كلمة الحق تم إعتبارها خير الجهاد عند الضرورة.
 
كل أصحاب القلم وما يسطرون، مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بريادة المنافحة عن آلام وآمال الناس وطموحهم المضيء.
عليهم إشعال شموع المعرفة وإستيقاظ النخيل والسباحة في بحر الجرح وصولاً إلى شاطئ الفجر.
 
إضـــــــــاءة
 
يا أيها الحرف المبجل…أنت يا خبز الإهابة
سيزول ظلَك…
                إن غفوت على جراحك والكآبة
الأرض عطشى …
                       والمداد الحرّ من طعم السحابة
إنزل فديتك …
                 واجترح فرحاً…
                          فبدر الناس قد طال اغترابه
 

نشرة التقدمي

اقرأ المزيد

صراع الطوائف والطبقات في فلسطين ( 3 )

 
كانت الأوضاع الاقتصادية متردية في الضفة والقطاع منذ بداية القرن العشرين فيما تكشفه الأرقام، فيصف تقرير للأمم المتحدة الأوضاع بالصورة التالية:
(ذكرت بعثة منظمة العمل الدولية في تقريرها أن عمليات إغلاق الحدود الإسرائيلية ونقاط التفتيش بين الأراضي المحتلة وإسرائيل والبلدان المجاورة أثرت تأثيراً مأساوياً على اقتصاد المنطقة. فهبطت الأجور الحقيقية للعمال الفلسطينيين في إسرائيل بنسبة 46% تقريباً في 2001 مقارنة بالعام السابق، في حين تدنت إيرادات السلطة الفلسطينية بنسبة تزيد عن 70%). 
وذكر التقرير أن تصعيد العنف والاحتلال العسكري للأراضي تسببا في أضرار مادية كبيرة بالبنية التحتية والأراضي الزراعية. وتقدر الأرقام الأولية تكلفة إعادة بناء المباني العامة والخاصة والبنية الأساسية في الضفة الغربية وحدها بنحو 432 مليون دولار أمريكي.
وأضاف التقرير أن النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بالمناطق الفلسطينية هبط بنسبة 12% في عام 2001 كما هبط الدخل القومي الإجمالي الحقيقي – وهو مجموع الناتج المحلي الإجمالي وعامل الدخل المكتسب في الخارج (أجور العمال الفلسطينيين المكتسب في إسرائيل) بنسبة 7،18%.
ولاحظ التقرير أن أكثر من 90% من السكان الفلسطينيين يعتمدون على شكل من أشكال الدخل الناتج عن عمل في الأراضي المحتلة. وأضاف أن “أي هبوط في الاستخدام في الدخـل الناتج عن العمل يترجم فوراً إلى هبوط في الاستهلاك والرفاهة”. وتشير التقديرات الأوليـة للمكتب إلى أن “البطالة يمكن أن تصل إلى قرابة 43% في الأراضي المحتلة خلال الربع الأول من عام .2002 وقد ازدادت النسبة المئوية للسكان الذين يعيشون في فقر (اقل من 1،2 دولار أمريكي يومياً) من 21% عام 1999 إلى 33% عام 2000 وإلى 46% عام .2001 وذكر التقرير أن الرقم يمكن أن يصل إلى 62% عام  2002 . ووفقاً لما ورد في التقرير، فإن إسرائيل لم تنج من الانتفاضة. فقد عانى النشاط الاقتصادي في إسرائيل من انكماش حاد خلال عام 2001 بهبوط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5،0% خلال عام 2001 بعد زيادة بلغت 4،6% عام 2000 .
وقد تضرر الاقتصاد الإسرائيلي بشدة نتيجة ثلاث صدمات اقتصادية: تباطؤ الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من العام 2000؛ وتدهور الوضع الأمني لنشوب انتفاضة 2000؛ وعواقب أحداث 11سبتمبر.
واستطرد التقرير قائلاً “وكانت الصناعات العالية التكنولوجيا هي الأشد تضرراً من جراء تدني النشاط في الاقتصاد الأمريكي، يليها هبوط بنسبة 50% في عدد السائحين في 2001 نتيجة أحداث 11سبتمبر، وتدهور الوضع الأمني الداخلي. وتعرض النشاط في قطاع البناء لفوضى حادة نتيجة الانسحاب المفاجئ لنحو 000 55 عامل فلسطيني، فضلاً عن هبوط الطلب المحلي والاستثمار العام. وامتدت هذه الصدمات التراكمية إلى الاقتصاد برمته.
وارتفعت البطالـة بشكل متواصل خلال عام 2001، من 1،8% في الربع الأول إلى 5،10% في الربع الأخير – أي ما يساوي 000 267 شخص. وأضاف التقرير أنه “تم استدعاء نحو 000 30 من قوات الاحتياط للخدمة العسكرية في الربع الأول من عام 2002، الأمر الذي قد يحدث أثاراً ضارة على أنشطة. واختتم تقرير المكتب قائلاً “يدفع السكان الفلسطينيون والإسرائيليون ثمناً باهظاً للاحتلال والعنف. ويشهد الوضعان الاقتصادي والاجتماعي في الأراضي المحتلة تدهوراً يومياً مع ارتفاع مستويات الفقر والبطالة التي أصبحت عملياً أزمة إنسانية سائدة”.
لقد غدت البنية الاقتصادية الفلسطينية معتمدة على البنية الاقتصادية الإسرائيلية، وليس ثمة إمكانية للتفكيك بينهما، وأي علاقات توتر تنعكس على المعيشة بين الشعبين، كما يجري ذلك أيضاً على المستويين المصري والأردني بدرجتين أقل.
ولهذا فإن غالبية الشعبين تتطلع إلى علاقات جديدة بينهما، وبهذا فإن الأوساط المتطرفة في كلا الجانبين خفتت لكنها لاتزال قوية كذلك، فالقوى اليمينية المتطرفة الإسرائيلية ترفض أي انسحابات وتقوم بتوسيع المستعمرات، وتعزز الجدار الفاصل، وتريد حدوداً تختلف عن حدود 1967، في حين تقوي حماس والجماعات الدينية في غزة التوتر وترفض الحلول السلمية لهذه الأزمة الرهيبة الطويلة التي استنزفت الشعب الفلسطيني بدرجة خاصة لأسباب غدت واضحة.
ومن المؤكد ان الحل النهائي للأزمة لن ينهي العلاقات بين الجانبين بسبب اعتماد العمالة الفلسطينية الكبير على الاقتصاد الإسرائيلي، وبسبب تدني أجور هذه العمالة وتفاقم الهجرة اليهودية من إسرائيل نحو الغرب.
وفي دراسة أمريكية استطلاعية عبرت شريحة من المواطنين العرب والإسرائيليين في داخل إسرائيل عن تأييدها للتعايش المشترك بين الجانبين:
(أظهرت نتائج استطلاع الرأي أن أغلبية مهمة من المواطنين اليهود والعرب يؤيدون التعايش، إذ عبرت الغالبية العظمى من المواطنين اليهود (73 %) والمواطنين العرب (94 %) عن رغبتهم في أن تكون إسرائيل مجتمعاً يقوم على الاحترام المتبادل بين المواطنين العرب واليهود وعلى تكافؤ فرص)، (عن شبكة العلمانيين العرب).
إن نمو الفلسطينيين داخل إسرائيل يتزايد وهم يشكلون ما يقارب 20% من السكان، ويزداد حضور اللغة العربية وتدريسها في الجامعات الإسرائيلية.
ومن المؤكد ان نمو علاقات سلمية سوف يزيد الحضور السياسي للجمهور المدني وخاصة القوى العاملة المتضرر الأكبر من الصراع، وبالتالي فإن هذا سوف يزيد من حضور الأحزاب الديمقراطية والتقدمية في الجانبين.
 
 
أخبار الخليج 3 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

الدبابة لا‮ ‬يمكنها منع الأغنية


رحلت المغنية الأفريقية مريام ماكيبي عن عالمنا بعد أن هزت بأغانيها ومرحلتها عالما كان يعيش ألق الأغنية السياسية ومجدها. ففي منتصف الستينات حتى أوائل الثمانينات كانت الأغنية السياسية ثرية ومؤثرة وفاعلة في الشارع السياسي الغربي المزدهر بالحريات. بل وبتعبير زمرة الدكتاتورية العسكرية اليونانية يوم ذاك عن أن الدبابة لا يمكنها قتل الأغنية ومقاومتها أو منعها .وقيلت تلك الجملة حين أخذت الحشود وطلبة البوليتكنيك يغنون في شوارع أثينا أغاني وموسيقى ميكيس ثيوداركيس ؟ وهو قابع في منفاه وسجنه في احد الجزر اليونانية يشاطره المحنة ذاتها الشاعر الكبير يانيس ريتسوس في سجن من سجون الأرخبيل الجميل !  وهما يعزفان وينشدان أغاني الحرية.
يومها تتالت الانقلابات العسكرية وتنوعت أشكال القمع والملاحقات في قارات عدة ولكن الأغنية السياسية ظلت تلعلع في أمكنة عديدة وخلف جدران البيوت والمقاهي الشعبية وبين أفئدة الناس، ففيها عاش الجمهور حالة التنفيس وحق التعبير وغياب الحريات والاحتجاج المكبوت. جاءت ماكيبي في هذه الحقبة المتوترة في جنوب أفريقيا، حيث كانت الجماهير تصرخ في شوارعها منددة بإطلاق سراح نلسون مندللا وبإلغاء حالة التمييز العنصري .
وفي تلك الأيام السوداء انبعثت الأغنية السياسية ليس في جنوب أفريقيا وحدها وحسب، بل وطارت إلى كل القارة ومن هناك إلى أصقاع العالم حاملة مريام ماكيبي مشاعل التحريض السياسي والتعبئة وتسليط الضوء حول قضية بلادها، فهل بإمكان سلطات بيضاء عنصرية أن تفعل شيئا إزاء أغنية تطير مع الأثير ويحملها الناس معهم في حقائبهم وملابسهم. لم تجد السلطات العنصرية انتقاما إلا أن تسحب جنسيتها كملاذ وسلوك فاشل، فعاشت في المنافي تتنقل كقوة وطير للحرية عبرت عنها الأغنية السياسية والتراثية، فما كان على العالم إلا أن يلقبها بإمبراطورة الأغنية الأفريقية.. يومها كان العالم يزخر بأغان سياسية متنوعة أملتها المرحلة ونضالات الشعوب من اجل التحرر والديمقراطية والسلم العالمي.
 يومها كانت الكثير من الأغنيات تترافق مع الهتافات في الشوارع السياسية على امتداد القارات المختلفة، ففي تشيلي كان هناك فيكتور هارا وأغنيات أمريكية لاتينية من نمط “أديوس مجاجوس” فيما راحت الحركة المدنية المناهضة للتمييز العنصري في الشوارع الأمريكية في أعوام ٦٦- 68  تردد أغان للمغنية جون بيز والمغنى جون ريد الأمريكيين، حيث عرف العالم أغنية مٍُك ْمًُّ ٌٌفوَّ مٌّ  وتعرف العالم على أغاني فرنسا وايطاليا واسبانيا وأمريكا اللاتينية المعطاء في مجال الأغنية السياسية، فقد مزج شارعهم السياسي ما بين الهتافات والأغاني، بل واستعار المؤلفون مفرداتهم وإيقاعاتهم اللحنية ( الميلودي ) من تلك الهتافات بعد أن تم تحويلها إلى أغان دائمة ورمزية، حيث تهدئ الشوارع وينام الحمام خوفا من البوليس السري! فمن من جيلنا نحن لا يتذكر أغنية “آفانتي بابلو” الايطالية التي حملت تاريخها الغنائي الشعوب المعادية للفاشية والحرب.
ومع لحظة الأزمة العربية ونكبتها بعد هزيمة حزيران عام 1967 فرضت القصيدة السياسية وشعر المقاومة حضورهما فبرز محمود درويش ورفاقه من داخل إسرائيل يغنون الأغاني الأكثر تحريضا على الثورة والمقاومة، فما كان من مغنين من نمط الشيخ إمام ومارسيل خليفة إلا الدخول في حومة الأغنية السياسية لكونهم يعيشون مرحلتها وهم جزء لا يتجزأ منها ومن معاناتها. يومها كان الشارع العربي محبطا ومهزوما فجاءت القصيدة والأغنية لكي تكون بمثابة رافعة جديدة تنتشله من كبوته وخيبته. النكتة السياسية والأغنية والقصيدة لعبت دوما في تاريخ الإنسانية وفي لحظة من لحظاتها العابرة دورا معبرا عن تلك الروح الثقافية والوجدانية والعاطفية للشعب. في هذه المرحلة جاءت المغنية من جنوب أفريقيا لتنهض بعالمها الأكثر تمييزا وعنصرية من أي بلد كان، فهل بإمكان فنان  وفي لحظة ما قادر على عزل نفسه عن تلك السياط والوحشية؟ لم تنس ماكيبي الأغنية العاطفية المتجاورة مع الأغنية السياسية فقد كان التزامن الإنساني يتداخل بعضه البعض في الستينات والسبعينات بقوة، بل وكانت الأغنية السياسية وحدها كفيلة بأن ترفعها إلى السماء لتضيف إلى شهرتها نجومية كبيرة.
واصلت إمبراطورة الأغنية الأفريقية جولاتها عبر العالم كسفير لا يقاوم، حاملة رسالة بلادها من اجل الخلاص. فمن مسارح الولايات المتحدة إلى مسارح لندن والساحات العامة والفضاء المكشوف حتى ايطاليا مستقرها وبيتها الدائم صدحت المغنية الأفريقية دون توقف. وقد أعيدت إليها جنسيتها في الثمانينات، وقد عادت فيما بعد حيث شهدت انتصار قضيتها وسقوط جدار الفصل العنصري وصعود الرجل التاريخي إلى سدة السلطة. يومها هدأت الإمبراطورة العجوز عن غزو العالم بأغنياتها المحرضة والمذكرة بقضية بلادها المنسية .
لن ينسى العالم وتحديدا الثقافة الأفريقية بأن هناك مغنية من جنوب أفريقيا نادت بحرية القارة ووحدتها وهمومها ومستقبلها بأغنيتها “عودي يا أفريقيا”   فهل تنتهي رحلة القارة أم ستتواصل بعد موت ماكيبي التي ستكون ذكرى مستمرة في ذاكرة شعوب أفريقيا والعالم، وذاكرة مرحلتها الخصبة بالأغنية السياسية.
 
الأيام 2 ديسمبر 2008
 

اقرأ المزيد

تناسل الأسئلة اليائسة

 
مازلت اذكر وقائع ندوة علمية عقدت في المغرب كان عنوانها: «أسئلة المغرب المعاصر»، وهو عنوان جاذب لكل معني أو مهتم بقضايا التحول السياسي  الاجتماعي والثقافي في البلدان العربية جميعها.  والمغرب وان كان بعيدا عنا جغرافيا، فانه قريب إلينا في كونه مجتمعا عربيا متحولا، شأنه في ذلك شأن أي بلد عربي آخر في المشرق أو المغرب.  وتدعو للاهتمام المحاور التي ناقشتها الندوة المذكورة والمشاركون فيها، وهي محاور تلامس قضايا من نوع: «الهوية والمواطنة والديمقراطية والحداثة»، وهي كما نرى أشبه بالمظلة الواسعة التي تطرح أكثر القضايا إشكالية وإلحاحاً في واقعنا العربي على إطلاقه.
وفي مجتمع يتمتع بهامش معقول من حرية التعبير، كما هو حال المغرب اليوم، فان مناقشة – تذهب بهذه المسائل نحو العمق – يمكن أن تفضي إلى نتائج تستحق الدراسة والتمحيص.  بل إن مناقشةً مثل هذه يمكن أن تسفر عن توصيات ونتائج وخلاصات تمثل قدرا من التعميم على بلدان أخرى، أو على الأقل تتيح إمكانية الاسترشاد بها أو استيحاء أفكار منها، خاصة حين نقرأ أن الندوة طالبت الحكومة بالنظر في عمق إلى القضايا المطروحة وسن مشاريع قوانين إصلاحية بعيدة المدى وفق إستراتيجية واضحة وإرادة ممنهجة، وذلك بغية الحد من تناسل الأسئلة اليائسة من قبيل: «ما جدوى الثقافة وما جدوى التعليم». 
ومثل هذه الأسئلة اليائسة تخصنا جميعاً، وتخصنا هنا في بلدان الخليج العربية بصورة عميقة، أخذاً بعين الاعتبار إننا ما زلنا نعد مجتمعات فتية في انفتاحها على العصر وعلى العالم، وهي بالكاد تؤسس لتقاليد ثقافية وتربوية متينة وراسخة، فإذا بنا نداهم بطوفان الثقافة الاستهلاكية التي «تحتفل بالمظاهر وتفصل بين الوسيلة والهدف، وبين الذات وموضوعها، وتعيد إنتاج الأزمات وتُعمقها، وتشجع ثقافة التهميش والاقصاء».
نود في هذا السياق أن نشير إلى بعض عناوين الأبحاث التي قدمت في الندوة المذكورة : «نحو ميثاق للإصلاح الثقافي»، «أبعاد ورهانات الإصلاح التربوي بالمغرب»، «الثقافة المغربية في أفق القرن الحادي والعشرين».  والأمر هنا ليس مقتصراً على العناوين التي غالبا ما تكون كبيرة وجذابة، فيما المعالجة سطحية وعجلى، إنما هو تحديدا في تلك الومضات الجريئة واللافتة واللماحة التي تضمنتها تلك الأوراق حكما من العرض الموجز الذي أشرنا إليه في بداية الحديث.
مثل هذا النوع من المناقشات، في صورة مؤتمرات وطنية موسعة ومعمقة، وفي صورة مناقشات في الصحافة ووسائل الإعلام، هو حاجة لمجتمعات الخليج عامة حين تنطرح أمامنا قضايا قد تكون أكثر دقة وحساسية في أشكال تجليها عندنا منها في البلدان العربية الأخرى.
إن جزءاً كبيراً من هذه القضايا مغيب أو مسكوت عنه، وليس مطروحاً حتى على شكل أسئلة. وطرح الأمور والظواهر للنقاش لا يعني بالضرورة إمكانية حلها الفوري، لأن قضايا من هذا النوع هي أكثر عمقا وتعقيدا وتشابكا من أن تحل بين عشية وضحاها، ولكن مجرد إثارة الأسئلة، وجعلها مدار بحث دائم، مما يفضي إلى تفريعات جديدة ومعالجات متنوعة، هو المدخل السليم لوعي المجتمع بمشاكله.  والوعي بالمشكلة هو نصف حلها.

 الأيام 3 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

صراع الطوائف والطبقات في فلسطين (2)


عكس التوجه الفلسطيني لخلق مؤسسات منتخبة رغبة الإدارة الأمريكية في زمن الرئيس بوش تحقيق مسحة ديمقراطية لأصدقاء الحكومة الأمريكية في المنطقة العربية، وإذا كان هذا هدفا أصيلا كذلك للشعب الفلسطيني إلا أن التطورات الداخلية الفلسطينية الإيجابية هذه جاءت بتسريع لم يـُنضّج له على مستوى البُنى الاجتماعية والسياسية، التي هي مثل غيرها في الدول العربية بُنى تقليدية ماضوية لا علاقة لها بالديمقراطية الحديثة. وإذا كانت فتح ذاتها قد استغلتْ هذه البنى في سيطرتها السياسية، ووضعت رجلاً أخرى في الحداثة كذلك، فإن عملية التسارع في السيطرة على الضفة والقطاع بعد الانسحاب الإسرائيلي، تنفيذاً لاتفاقيات أوسلو، لم تتشكل عبر جبهة حداثية فلسطينية علمانية ديمقراطية بقيادتها.

عبرت هذه الاتفاقية عن مستويين؛ مستوى الحوار الفلسطيني – الإسرائيلي، ومستوى القوة الفلسطينية المحدودة على الأرض. ولثاني مرة يحدث انسحابٌ إسرائيلي من أرض عربية كبيرة (بعد مصر)، ويخلف انفراجات سياسية وتقدما اجتماعيا مهما، مما أكد أهمية سياسة السلام في خلق التحولات بعد كل تلك الكوارث للحروب السابقة. ومن جهة أخرى فإن الانسحابات المحدودة التي لا تحل مخلفات الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، تعني بقاء سيطرة القوى العسكرية – الدينية المتنفذة في إسرائيل، واستمرار المواجهة مع أطراف عربية أخرى، وهو أمرٌ يؤدي إلى عدم حل القضية الفلسطينية ذاتها.

إن التسويات المنفردة رغم تمثلها للتقدم المهم فإنها تحوي بذور الصراعات والحروب أيضاً، فالصراع العربي – الإسرائيلي يحتاج إلى تسوية تاريخية عميقة شاملة، على مستوى تعاون الأديان السماوية، وعلى مستوى تصالح الشعوب، وعلى مستوى إزالة الاحتلال. وبهذا فإن توجه فتح لحكم الضفة والقطاع وجعل أجهزتها تهيمن عليهما، بعد عقودٍ من الاحتلال الذي خلف الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فجعلها هذا التسرع المتعدد الوجوه تتعرض لانتقادات كبيرة من الجمهور الفلسطيني، الذي بعد أن فارق نشوة التحرير أرجعته صرخات البطون والبيوت والحشود الفقيرة إلى الأرض الحادة. وكان التسريعُ (الديمقراطي) يعتمدُ على تلك المنظمة الفتحاوية الجماهيرية العريضة، غير الراسخة في بناها العلمانية الديمقراطية، التي قبلتْ وجود الأحزاب الدينية، وبجعل تنظيم سياسي آخر يمثل الإسلام وحده، وبهذا فقد نزعتْ صفة الإسلام عنها وعن بقية الأحزاب العلمانية.

ولم يكن فضاء نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين مثل أزمنة الستينيات فقد غاصتْ المجتمعاتُ العربية في أزمة فشل التحديث الرأسمالي المحافظ بعجز تلك الأنظمة عن مقاربة الحداثة، وصعد محور دول العراق وإيران والجزيرة العربية، النفطي المحافظ الأكثر من السابق، وراجت الشعاراتُ المذهبية السياسية كشكلٍ لتدفق سكان القرى والبوادي على المدن العربية، طارحة فضاءً غيبياً لحل الأزمات السياسية والمعيشية. وقد استثمرت منظمة حماس التكوين الإسرائيلي الأولي لها كمنظمة يكمنُ دورُها في شقِ صفوف الفلسطينيين، وخاصة شق منظمة التحرير، وكذلك بقائها الطويل المهادن على الأرض خلال عقود، وذلك الغياب للوعي الديمقراطي والعلماني وسط الجمهور الفقير الحاشد الذي امتلأت به أزقة غزة خاصة، وبهذا فقد كانت الانتخابات التي قلبت الأوضاع السياسية وشقت الفلسطينيين على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الأرض، هي جزء من المتغيرات الفلسطينية التي جرت في الجمهور، وجزء من متغيرات المنطقة. لقد جمدت فتح منظمة التحرير التي كانت مؤسسة مهمة لصقل الفكر الفلسطيني الديمقراطي العلماني المفترض والإسلامي العميق كذلك، وتحولت إلى تنظيم فضفاض، راح كوادرهُ يستولون على موارد مهمة، وبطبيعة الحال لم تكن قادرة على أن تكون معبرة عن برجوازية فلسطينية قوية، لضعف الصناعة ولعوامل الشتات، وحروبها، التي كانت كلها ضرباً للرأسمال الفلسطيني وللعمال. وكان قادة حماس قد سيجوا الفقراء حولهم بشعاراتِ الغيبِ (الإلهية)، المؤدلجة لمصلحة بعض قوى الأرض الفاسدة، واستثمروا خطاب العنف الفلسطيني الإلغائي الطويل، (دولة من النهر إلى البحر) الذي تكرس بقوة في انفعالات الشعب العاطفية الحادة، وعلى بحار الدم الفلسطينية، فانتصروا انتخابياً وعمقوا أزمة الشعب الفلسطيني أكثر فأكثر.

 وبهذا كانت الضربة لدكتاتورية فتح، وتبياناً لخطورة الخطاب العنفي الفلسطيني العاطفي، ولعدم التحضير المطول لإنشاء دولة علمانية، ولعدم تكريس سياسة السلام، ولعدم قراءة الإسلام بعمق. وقد سارعت فتح في الحفاظ على سلطتها الحزبية، فأصدر المجلسُ التشريعي المنتهية صلاحياته الذي تسيطر عليه فتح عدة قرارات كبيرة محورية، وهي صدور مرسوم رئاسي بتعيين رئيس الموظفين كتابع لديوان الرئاسة، ومنع الحكومة المقبلة من تعيين أو فصل الموظفين، وتعيين أمين عام للمجلس التشريعي الجديد من فتح، وإنشاء محكمة دستورية يعينُ الرئيسُ الفلسطيني قضاتها، ونقل مسئولية الأجهزة الأمنية للرئيس مباشرة وليس لوزير الداخلية كما يُفترض، ونقل الإذاعة والتلفزيون إلى إدارة الرئيس كذلك، وبهذا قامت فتح بإفراغ سلطة حماس من نفوذها الأمني والإعلامي، رغم انها حكومة منتخبة. ولم تتقبل حماس هذا التحجيم ولم تقبل بدور العمل لتغيير أوضاع الشعب الفلسطيني الحادة، وابتعادها عن سلطات الرئيس التي غدت رسمية قانونية، فتوجهت للصراع مع مؤسسات الرئاسة ومن ثم الانقلاب على السلطة العليا، وعدم القبول بقرارات الرئيس، ثم فصل قطاع غزة عن الضفة. كان عدم توجه حماس للتركيز في أوضاع الشعب المعيشية التي كان ينبغي أن تكون بؤرة نشاطها الحكومي المفترض والتي أنتخبت على أساسها، يعبر عن رؤية متضخمة لذاتها، ولكونها تتجاوز أطروحات فتح والقوى الوطنية الأخرى، فهي تحمل هوية (إلهية) قادرة على هزيمة إسرائيل عسكرياً، بعد أن عجز عن ذلك فارس الفرسان، وتمخضت تلك الهوية الميتافيزيقية عن انصراف عن الأمور المحورية الاقتصادية للسكان، وجرهم إلى معارك غير متكافئة مع الجيش الإسرائيلي، وتخريب وضعهم المعيشي السيئ. ومن هنا فهي تخاف من أي انتخابات جديدة بعد أن تم كشفها على صعيد الممارسة السياسية الضعيفة على الأرض.

ومن الواضح أن ذلك كله جرى وليس في حماس اهتمام جدي بعملية السلام المحورية في حياة الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد جاءت على أجنحة رؤية تصادمية هي استمرار للماضي العنفي، وحاولت أن تجعل من الضفة وغزة الخارجتين بصعوبة من الاحتلال منطقتي حرب وبداية لتحرير فلسطين. وقد توافق هذا مع سياسة المحور الإيراني – السوري، ومع صقور المؤسسة العسكرية الإسرائيلية والحركات الدينية اليهودية المعادية للسلام، وهي قوى تشترك من خلال مواقعها المختلفة في تأجيج التدخلات في الدول والنزاعات وتوتيرها خدمة لأهدافِ كل منها الخاصة. وبهذا أصبح لفلسطين جسمان جغرافيان منفصلان، عوضاً عن ضم الجسم الثالث السليب. وبدلاً من رئيس واحد صار لها رئيسان. وصارت لها دولتان وعلمان، العلم الفلسطيني الرسمي والعلم الأخضر، وصار لها نشيدان الخ! وانشغلت الضفة بطلب المساعدات وتغيير أوضاع الناس الاقتصادية وانشغلت غزة بإطلاق الصواريخ، ومقاومة الحصار، وضاع برنامج التحرير والسلام إن لم يكن قد ضاع وجود الشعب.

لابد من القول كلمة هنا حول استثمار حماس للإسلام، وهو بخلاف الاستثمار الفتحاوي الانتهازي النفعي السابق الذكر، فهو استثمار رجعي متضخم، فقد حاولَ قادة حماس أن يضعوا أنفسهم مقاربة لمنزلة النبوة في صراعها مع اليهود، فكأنهم في النزال نفسه والمكانة نفسها، وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يواجه مجموعة ليست بضخامة اليهود الحاليين، ولا بعدتهم ولا بعلاقاتهم الجبارة مع قوى الهيمنة في العالم، وكان بقربه مئات الآلاف من العرب استطاع أن يحركها ويوظفها، فكان صراعه معهم صراع اقتدار وانتصار ولغاية (تأسيسية) للأمة، وبعد ذلك جاء التعامل المغاير معهم ومع غيرهم بحسب إنسانية وديمقراطية الحركات والدول الإسلامية، أما صراع حماس الراهن مع إسرائيل فهو صراع انتحار وكوارث على الشعب الفلسطيني. فيجب عدم توظيف آيات القرآن توظيفا خاطئا شرعا وسياسة، وإجراء عمليات المماثلة بين تاريخين مختلفين، في وضعين مغايرين، فتكون إساءة مزودجة لتاريخ الإسلام ولرموزه وللوعي والمسئولية في السياسة المعاصرة.

أخبار الخليج 2 ديسمبر 2008

اقرأ المزيد

النظام المالي والنقدي الإقليمي كخيار واقعي


كل عدة أيام تحمل الأخبار من أميركا ما يؤشر على واقع ومستقبل النظام المالي العالمي. في الأسبوع الماضي جاء من فيلادلفيا أن التأميم الفعلي لسيتي جروب مقابل 306 مليارات دولار أبقى خلف عجلة قيادة النظام المالي الأميركي عائلتين فقط: الروتشلديين والروكفلريين، أي Goldman Sachs وJP Morgan chase. وعموما أعلنت الحكومة الأميركية عن استعدادها لأن تقدم للمؤسسات المالية مبالغ نقدية وضمانات بقيمة 4,7 ترليون دولار. وهذا تقريبا يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي (ن.م.إ) الأميركي.
 في الوقت نفسه يتوقع ارتفاع الدين الأميركي ليحلق فوق سحابة 17-18 ترليون دولار[1] ولشدة ما أوقع الدين الأميركي العالم في ورطة فقد سبق للرئيس الأميركي الراحل ريغان بأن قال عنه في حينه إنه نما إلى درجة يستطيع معها الاهتمام بنفسه ذاتيا. على إيقاع هذه الأحداث والاتجاهات انعقدت في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في واشنطن قمة ‘العشرين G20’ غير الاعتيادية والتي جاءت لتعطي الإشارة بأنها قد حلت بديلا عن قمم ‘السبع الكبار G7’ بعد أن اعترفت الأخيرة مضطرة بأنها لا تستطيع مواجهة الأزمة بدون مشاركة الدول النامية. كما حددت قمة G20 الاتجاه العام الذي يتعين التحرك فيه لتخطي الأزمة. دعا المشاركون إلى تشديد الرقابة على كبريات المصارف العالمية عبر آلية ‘مجموعات التفتيش’، وإلى تنظيم أسواق المشتقات والأوراق المالية. وعلقوا آمالا خاصة على تحقيق نجاحات قبل نهاية هذا العام في إحداث قفزة في المفاوضات المتعلقة بالتجارة العالمية. وأكد البيان على التخلي عن الحمائية الشديدة والتمسك بمبدأ التجارة الحرة واتباع نظم أكثر إحكاما لضبط الأسواق المالية العالمية.
عموما اتفقوا على كل ما يساعد على خفض احتمال السيناريو التصادمي للخروج من الأزمة. غير أن الواضح هو أن الاقتصادات الناشئة والسريعة النمو سوف تضايق عمالقة الاقتصاد القدماء من حيث الحجم. كما تغيرت بنية الاقتصاد العالمي. ففي العقود الأخيرة جرت في البلدان المتقدمة عملية التخلي عن التصنيع Deindustrialization لصالح تطور الخدمات، بينما أصبحت الدول النامية هي المهيمنة في معظم فروع الإنتاج الصناعي. وغدت من كبار مصدري رأس المال الذي يموّل عجز ميزان مدفوعات أميركا وغيرها.
كان من أهم نتائج القمة توسيع تركيبة ‘منتدى الاستقرار المالي’ (أنشأته G7 العام 1999). وهذا المنتدى، إلى جانب صندوق النقد الدولي هما الجهتان المنوط بهما الدور الرئيسي في تجسيد البرنامج الذي أقرته قمة ‘العشرين’. وسيتعين على المنتدى أن يحدد معايير البناء المالي العالمي، بينما حصل صندوق النقد للمرة الأولى على وظائف رقابية كانت من صلاحيات المصارف المركزية وحدها’. وهكذا تتهيأ فرصة تاريخية بألا يبقى الصندوق كما أريد له حين أنشئ العام 1944 من أجل تحقيق المصالح المالية للمساهم الأساسي فيه – أميركا. إنه وإن جرى الحديث عما يشبه ‘خطة مارشال’ القرن الحادي والعشرين، إلا أنه، بخلاف سنوات ما بعد الحرب، ليس هناك الآن بلد يمتلك المال الذي يؤهله لكي يصبح القاطرة الوحيدة لإعادة بناء الاقتصاد العالمي. لقد تنامت أسواق المشتقات بمقاييس فلكية. حجمها خارج البورصات يقدر اليوم بـ 595 ترليون دولار – أي، بما يفوق حجم (ن.م.إ) العالمي بأكثر من 9 مرات! وفي البورصات وصل حجم المشتقات (أوبشنز وفيوتشرز) حسب تقديرات بنك التسويات العالمية، إلى 3,2 كوادرليون[2]دولار هذا النمو لأسواق المشتقات يقوم على أنها سائلة وخاضعة للمضاربة، وهي تلتف على النظم الوطنية والعالمية، ما يطرح السؤال حول الأمن والاستقرار في هذا القطاع المالي، الذي يمتلك علاقة وسيطة بالاقتصاد الحقيقي. وحسب رجل المال الشهير جورج سوروس فإن الأزمة الحالية على قدر من الجدية وباتت تعني عمليا نهاية حقبة الرأسمالية المالية. وبرأيه أيضا فإن الاقتصاد العالمي بدأ الآن التحرك من ‘الأصولية السوقية’ إلى درجة أعلى من تنظيم النظام المالي. لكن ذلك لا يعني أفولا تلقائيا للمؤسسات والأسواق المالية[3]. المخاطرة الكبرى اليوم هي في أنه إذا أدت الأزمة الحالية إلى كساد عالمي فإن المستثمرين سيطالبون (وهم بالفعل بدؤوا يطالبون) برفع العائد على المخاطر. وفي هذه الحالة فإن حجم المال المتاح للمؤسسات المالية من أجل الحصول على الأرباح، يأخذ في التقلص. ونتيجة ذلك هو ما يحدث الآن: تختفي عشرات الآلاف من الوظائف، بعض المصارف تلغي تماما فروعا عاملة حول العالم. وهي تعود للأعمال الأقل ربحية (لكن الأقل مخاطرة) مع العملاء التقليديين من أفراد وشركات باعتبار هذا الشكل من النشاط الاقتصادي هو الأكثر شفافية ووضوحا. مع هذا الميل العالمي يتوقع بعض الاقتصاديين أن العالم يدخل مرحلة الإقليمية المالية[4]. ستواصل المصارف أنشطتها مع الزبائن المضمونين الذين تعرفهم جيدا، وهؤلاء عادة هم الأقرب جغرافيا. وبما أن المال المتاح سيكون أقل وبالتالي أغلى، وكذلك المخاطر، فإنه سوف تنعدم الوفرة المالية التي تدعم تحقيق الطموحات نحو العالمية. هذا أيضا سيعني تطور مراكز المال الإقليمية وتصحيح العلاقات النقدية الإقليمية. وإلى حد ما يجد هذا تفسيره في أن مجموعات المصارف العالمية المتأثرة بالأزمة تجد مشترين لها من قبل مجموعات إقليمية أخرى. ويؤكد مثل هذا التحول الموضوعي أهمية العمل على سرعة المضي في تحقيق النظام النقدي والمالي الخليجي الموحد. من جهة أخرى، يتوقع هؤلاء الاقتصاديون تزايد أهمية المبادلات التجارية الحقيقية. ففي السنوات الأخيرة وبسبب النمو غير الاعتيادي للنظام المالي فإن أسعار صرف العملات، وكذلك أسعار المواد الخام اعتمدت على تدفقات المال أكثر منها على الموازين التجارية. أما الآن فستستعيد التجارة أهميتها التي كانت في الأصل. ولهذا فسوف لن يلحظ حدوث انعطاف حاد نحو الإقليمية التجارية. فلقد ترسخت في العالم تخصصات قطاعية حسب الأقاليم على أساس من تقسيم العمل الدولي. ومن الصعب أن تتغير هذه الصيغة سريعا. وهكذا فسيبقى العالم يستورد الإلكترونيات من شرق آسيا والمنتجات الزراعية من أميركا اللاتينية والنفط من الخليج. وبناء على هذا التحول الموضوعي الثاني تكتسب مسألة الاستثمار اللاحق في الصناعة النفطية واستعادة زمام السيطرة من قبل أوبك في تحديد الإنتاج والأسعار أهمية ترتبط بمستقبل دور صناعتي النفط والغاز في الاقتصاد الخليجي ولاختيار الموقع الأفضل في إطار التقسيم الدولي للعمل مدعوما بنظام مالي ونقدي إقليمي.

1 ‘زافترا’ ، 2008,11,26
1 2 كوادرليون = 1000 ترليون
3 للتعرف على آراء سوروس في الأزمة العالمية أنظر موقعه http://web.mit.edu
4 ألكسندر كوكشاروف ، مراسل الأكسبرت من لندن، ‘إكسبرت’، 24 نوفمبر .2008
 
الوقت 2 ديسمبر 2008 
  
 

اقرأ المزيد

إصلاحات أم تعميقٌ للأزمات؟!

قامت الإصلاحاتُ السياسية الراهنة في بعض دول العالم العربي على أسسٍ خاطئة، فهي لم ترتكز على أسسِ الحداثة، فاعتمدت نفس السياسة المذهبية والاثنية والعرقية والإقليمية، وكان قصدها الحفاظ على دولها ذات الحكم المركزي من التفتت والانشقاق، ولكنها عبر هذه الأسس نفسها، قامت بتمزيق دولها!
فهم أرادوا دولاً موحدة متماسكة لكنهم أجروا الانتخابات بهيمنة الأحزاب الدينية والعرقية والمناطقية!
وهم أرادوا إسلاماً قوياً ولكن على الأرض تمزق المسلمون شيعاً وأحزاباً!
 

كانت الأسسُ الخاطئة هي بسبب محدودية فهمهم للإسلام والحداثة، فهم مسلمون محافظون عاشوا على قشور الفهم الديني السائد، وهم حداثيون ولكنهم كرسوا تبعية للغرب الشمولي وليس للغرب الديمقراطي.
إن الحكام والمشرعين السياسيين أرادوا أن يجاروا (الموضة) السائدة للديمقراطية، فكانت تلك القشور المنتزعة من ظروفها ومناخها وعوالمها تحقيقاً لقوة الأنظمة وبقائها في عاصفة الديمقراطية الغربية.
لم يفهموا الجوهرَ الاجتماعي الذي توج به الإسلامُ نضالَهُ في القرآن، ولا بما أضاف به السلفُ في حكم الخلفاء الراشدين، ومن تبعهم من الأئمة بنضال ديمقراطي إلى يوم الدين، بل اعتبروا السائد من الفرق التقليدية الراهنة بأنها هي الإسلام، وهي ممزقة المسلمين، ومفككة الأوطان.
وكانت توجيهاتُ البيت الأبيض في عهد بوش بأن أقيموا الديمقراطية على ما أنتم عليه من استبدادين حكومي ومذهبي.
وتلك توجيهاتٌ ليست من عمق الديمقراطية الغربية كذلك ولكنها مطلوبة لتسويغ النفط والأموال العربية وإضفاء مظاهر من الديمقراطية الشكلية.
وفي خضم تطبيق الإصلاحات زادت المشكلات وعم الخراب والتناحر وتمزقت البلدان التي كانت متوحدة، وبدأت مظاهر الحروب الأهلية وغرقَ فيها البعضُ فعلاً.
حتى كفرتْ الأغلبياتُ بـ (الديمقراطية)!
لكن الديمقراطية لا تـُوضع على أسس مثل هذه الأسس التي تعكزت عليها في العالم العربي.
فهي تستند إلى: (منع تشكيل الأحزاب الدينية والطائفية والمناطقية والعنصرية).
هذا هو المبدأ الأول والمحوري، فكيف تجري انتخابات نتائجها معروفة سلفاً، وهي تفكيك أي بلد إلى سلطاته العشائرية والطائفية والعنصرية؟!
كيف تمزقُ بلدَك بيدك؟
إن الديمقراطية نظامٌ عميقٌ عريقٌ يحتاجُ إلى تطور كبير لدى الشعب في حياته المعيشية بدرجة أساسية فالشعب الجائع لا يصنع ديمقراطية، والشعب المُطارد لا يصنع ديمقراطية والشعب العاطل يكون وبالاً على الديمقراطية.
أي أنه لا يكون شعباً طائفياً جاهلاً، غارقاً في العنصرية والتخلف، فأي خياراتٍ سياسية يمكن أن ينتجها شعبٌ كهذا؟
لكن الديمقراطية في العالم العربي كانت مناورات حكومية ومناطقية وطائفية، وتعني تقاسم الحصص على صعيد الحكم وعلى صعيد المناطق وعلى صعيد الطوائف والعناصر!
أي كانت برنامجاً دقيقاً للحروب الأهلية!
وفي حين كانت دولُ الاستبداد باسم المذهب وباسم القومية وهي دول الجماعات الكبرى المتحدثة بالإسلام والعروبة، تشتغلُ للاستفادة من المياه العكرة التي اثارتها الديمقراطية الأمريكية.
لابد من تطبيق المادة الأولى في الديمقراطية وهي(يُمنع منعاً باتاً تشكيل الأحزاب الدينية والمذهبية والعنصرية والاثنية الخ).
يمنع منعاً باتاً المتاجرة بالإسلام ورموزه في قضايا التسلق الحزبي والمتاجرة بلحوم الفقراء في السياسة.
بطبيعة الحال تحتاج هذه الإصلاحات المبنية على العلمانية والديمقراطية والعقلانية إلى فترة إصلاح اقتصادي حقيقي وتطوير ظروف الأغلبية من العاملين، والأهم على حكومة لا يتطرق لها الفساد، وأين يمكن أن نجد ذلك؟!
هذه هي الحلقة المفرغة بين الواقع والبرنامج الإصلاحي الحقيقي.
إن ظهور شرفاء سياسيين غير ملوثين غير مرتشين غير فاسدين هو بؤرة المسألة. وقد نجدهم في نفس الأحزاب الدينية والأحزاب العلمانية والحكومات كأفراد وعناصر منعزلة.
وكل هؤلاء محاط بقوى كثيرة من الفاسدين والمستغلين، يكرهون التغيير.
وبهذا فإن الإصلاحَ السياسي العميق لابد أن يُوجد منعاً لهذا الانزلاق المستمر في مستنقع الطائفية والعنصرية وتفكك أي بلد إلى فسيفساء صغيرة.
سوف تجبرُ هذه الفوضى والتمزقات القوى العسكرية في الجيوش على التدخل، وسوف يقوم الغربُ مرة أخرى بالتدخلات الضرورية التي يعجز عنها أهلُ الشرق، سواء أكان ذلك من انقلابيين أم من حكومات تصل حد اليأس من الجماعات الدينية وتلاعبها، أو من الحكومات وفسادها وعجزها، وتأتي بهذا الشكل أو ذاك حكوماتٌ عربية عسكرية علمانية، تقومُ بحل هذه الجماعات الدينية والعنصرية والطائفية بالقوة الجبرية.
إذا لم تتطور الجماعاتُ الدينية من داخلها وتقبل بالحداثة.
إذا عجزت الحكوماتُ العربية عن ضبط أوضاعها ولم تستطع منع الفوضى داخلها ونقلتها للجيران.
إذا استمرت الشعوب في دعم هذه الجماعات الاستبدادية والفوضوية والارهابية.
ليس هذا حكمي بل هو قراءة لاحتمالات الغد الصعبة.
وقد قرأ بعضُ رجال الدين الحكماء هذه الأحوال من المتاجرة بالدين ومن العجز عن الإصلاح لدى الحكومات، معاً، فلم يورطوا الدينَ في تدخلاتٍ سياسيةٍ محكوم عليها بالفشل، بل جعلوا رجال السياسة هم الذين يتحكمون ويتطورون ويكونون مسئولين عما هو عابر وفاشل أو ناجح، وبقوا في المكانة العليا يتركون الشعوب تقرر، ولا يفرضون عليها أحكاماً سياسية وأنظمة ويدعونها للثورات كل يوم! بل هم يطرحون مبادئ عامة من جوهر الإسلام يكون للقوى السياسية فيه اختياراتها واستقلالها. وهذه عبقرية من بعض رجال الدين المسلمين وغيرهم استغرق قروناً ليبلغها.
ويبقى لديهم التربية الفقهية والروحية والأخلاقية وهي الباقية وما عداها مؤقت ومتغير كثيراً.
فكم تلاعب السياسيون بالناس وبالمبادئ!
ولابد من رأي عام كذلك يشكمهم ويراقبهم فعليهم ألا يتاجروا بالدين وبالشعوب.

أخبار الخليج 30 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد