الولايات المتحدة والشرق الأوسط بعد 11 سبتمبر 2001
ورقة مقدمة لمؤتمر “شباب الخليج والطريق الى الديمقراطية”
والذي نظمته جمعية الشبيبة البحرينية بالتعاون مع اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي “وفدي”
البحرين 31 أكتوبر – 1 نوفمبر 2008
شهد القرن المنصرم من تاريخ البشرية كثيرا من الأحداث التي تركت بصماتها على تطوره، لكن أهم حدث على الإطلاق كان انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا. فلقد دشنت الثورة أمام البشرية عهدا جديدا بقيام الاتحاد السوفييتي كأول نظام اشتراكي. وبتحمله العبء الأكبر في مواجهة ألمانيا الهتلرية أنقد الاتحاد السوفييتي البشرية من خطر الطاعون الفاشي. وخلال مجرى الحرب العالمية الثانية وبعدها ساعد الاتحاد السوفييتي شعوب بلدان شرق أوربا ووسط آسيا والبلطيق وغيرها على تحررها واختيار طريق التطور الاشتراكي وقيام النظام الاشتراكي العالمي في مقابل النظام الرأسمالي العالمي. كما انتصرت الاشتراكية في الصين وكوبا وشمال كوريا وفيتنام وغيرها.
لكن ربع القرن الأخير منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي شهد ثلاثة أحداث كبار لكل منها أثره الكبير في تعرجات الطريق الذي رسمه أكتوبر العظيم. فقد شكل انهيار الاتحاد السوفييتي ثم الدول الاشتراكية في شرق أوروبا هزيمة مؤقتة، لكنها كبرى بالنسبة للاشتراكية العالمية. وتحولت هذه البلدان إلى اقتصاد السوق عبر مرحلة انتقالية تميزت بالرأسمالية المتوحشة التي أصبحت تواجه مقاومة من قبل فئات واسعة من شعوب هذه البلدان التي فقدت معظم الضمانات التي كان يوفرها النظام الاشتراكي بالرغم من كل مثالبه. ورغم الهزيمة المرة إلا أن الاشتراكية العالمية أثبتت من جديد حيويتها على المستويين العملي والأيديولوجي. البلدان الاشتراكية الباقية طورت نماذجها الاشتراكية كالصين وفيتنام وبيلوروسيا وكوريا وكوبا. وبفعل إلهام الأخيرة اختارت التوجه نحو اليسار بلدان أخرى في أميركا اللاتينية وفي مقدمتها فنزويلا. وعادت الحركة اليسارية والعمالية العالمية إلى لقاءاتها الدورية لتدارس آثار الهزيمة ورسم الطريق من جديد أمام انطلاقة اشتراكية القرن الواحد والعشرين.
الحدث الثاني الكبير، والذي سنتابع آثاره أكثر تفصيلا تمثل في أحداث 11 سبتمبر الإرهابية بتدمير برجي المركز التجاري في نيويورك. والحقيقة أنه قبل أن ينفجر هذان البرجان كانت قد انفجرت فقاعة الاقتصاد الأميركي التي تكشفت قبيل سبتمبر 2001. وقد بين انهيار أسواق الأسهم وشركات الدوت كوم أن الاقتصاد الأميركي مقدر بـ 45% أو 7.7 ترليون $ أكثر مما هو حقيقة. وسجلت تلك الفترة تراجع معدل النمو الاقتصادي السنوي إلى 2.2%. وكان سعر صرف الدولار يهوي بشدة. هنا نشأت الحاجة إلى استراتيجية جديدة لإنقاذ المؤسسات المنهارة بولادة قيصرية عن طريق تدخل الدولة.
ومهما حاول المرء طرد نظرية المؤامرة من رأسه إلا أن ما جرى في 11 سبتمبر وبعده يشي بتزاوج إرهاب الدولة الرسمي في مراكز النظام الرأسمالي العالمي والإرهاب الناتج عن التخلف في أطراف هذا النظام. ولعل المفكر الإسرائيلي اليساري إسرائيل شامير قد فسر ما حدث بدقة وبلاغة حين قال أنه “حتى ولو كان منفذو الأحداث متطرفون إسلاميون فإن اللحظة جاءت على ذلك القدر من الارتباط بانهيار الدولار، بحيث يصعب التخلص من فكرة أن هذه الأشياء تجري بتكامل يأخذ الألباب”.
ووراء الدوافع الجيوسياسية لما حدث كانت تقف عقيدة مونرو القائلة بأن ” نصف الكرة الأرضية الغربي تابع لأمريكا” والتي تتحول الآن إلى ” كل العالم لأمريكا”. وهذا ما يجد تفسيره في بقاء شبكة القواعد والأحلاف العسكرية الأميركية حول العالم، وإعلان مناطق بأكملها مناطق مصالح حيوية أميركية ، كمنطقة الخليج النفطية الاستراتيجية. وتطورت استراتيجية خوض الحرب وربع الحرب الأميركية في التسعينات إلى خوض أكثر من حرب كما حدث في أفغانستان والعراق ولبنان ومناطق أخرى بهدف جعل الولايات المتحدة الملاذ الأكثر أمنا للاستثمار.
وإذا كانت النزعة العسكرية العدوانية هي من طبيعة الإمبريالية، فإن بروز عالم القطب الواحدة قد جعل هذه النزعة لدى الإمبريالية الأميركية أكثر مغامرة.
ولفهم التوجه لضمان بقاء عالم القطب الواحد والتحكم الأميركي بمقدرات العالم من المفيد التذكير بتقرير المجلس الوطني الأمريكي للاستخبارات المعد في ديسمبر 2000 تحت عنوان ” التوجهات الكونية حتى عام 2015″. ففي فصل “موارد الطاقة” توجد استنتاجات كهذه : ” إن أكثر زيادة في الحاجة إلى مواد الطاقة متوقعة في آسيا، وخصوصا في الصين، وبدرجة أقل في الهند، مما سيزحزح أمريكا الشمالية من مكان المستهلك الرئيسي ويستحوذ على أكثر من نصف الاستهلاك العالمي. وحتى عام 2015 فإن 10 % فقط من النفط المستخرج من منطقة الخليج سيتم ضخها إلى الأسواق الغربية، وأربعة أخماس ستضخ إلى آسيا “. ويتساءل الاستراتيجي العسكري الروسي الجنرال إيفاشوف : فهل سيقبل الأميركيون المرفهون بشد الأحزمة وخفض استهلاكهم من مواد الوقود، بل ومن غيرها أيضا ؟
ومن أهم الدوافع كانت الأيديولوجية. طوال عقود السنوات الماضية تصارعت في أميركا أيديولوجيتان : إحداهما تنطلق من مصلحة النظام الرأسمالي العالمي ككل، والثانية تنطلق من المصالح القومية الشوفينية والأنانية للولايات المتحدة تجاه العالم. وفي داخل أميركا : الصراع بين نمطي الاقتصاد القديم والجديد : الأولوية لمصالح شركات النفط والسلاح (الآلة العسكرية والطيران أكبر مستهلكي النفط). وتنطوي أيديلولوجية المحافظين الجدد على تناقض صارخ بين السعي لوحدة العالم، لكن لكي يخدم العالم المصالح الضيقة لفئة اجتماعية محدودة في الولايات المتحدة. ومحرك هذه الأيديولوجية عنصري. فمنذ السبعينات طرحت بشدة نظرية نيكسون التي تقول أن الثروات الباطنية موزعة في الأرض بشكل غير عادل، إذ تتركز في البلدان المتخلفة ، بينما تحتاجها الدول المتقدمة أكثر. وكانت الترجمة العملية لهذه الأيديولوجية في منطقة هي سياسة الركيزتين (العصا والجزرة) : صرة المال السعودية والهراوة العسكرية لنظام الشاه في إيران.
إذن، فالسيطرة على العالم تقتضي السيطرة على النفط أولا. أي : بحر قزوين ( ومدخله أفغانستان) و الخليج ( ومدخله العراق) والبقية تأتي. وهذا ليس لأن أميركا تستورد ما يفوق إمكانيات إنتاجها من النفط فقط، وإنما أيضا لإعاقة وصول القوى الجيوسياسية المنافسة إلى هذه الموارد، وخصوصا الصين. حرب البلقان كانت من أجل تشكيل شبكة من الدويلات القزمية لضمان مصير الممر البلغاري – المقدوني – الألباني لخطوط أنابيب نقل النفط. حرب أفغانستان من أجل خلق ممرات آمنة لإمدادات النفط عبر آسيا الوسطى وتركيا تفاديا للأراضي الروسية.الحرب على العراق والخطط العسكرية بشان إيران والخليج بهدف وضع اليد مباشرة على مخزون النفط العالمي الأساسي والتحكم في منافذ واتجاهات تصديره. وبعيد الحرب على أفغانستان تنبأ إسرائيل شامير بأن “موجة عاتية ستجتاح آسيا.. بعد أفغانستان العراق، ثم إيران، وبعدها السعودية، وهكذا”.
ويبين الجنرال إيفاشوف في مقالته “الاستفزاز العالمي” أن “هجوم 11 سبتمبر كان بالمعنى العام نفسيا فقط، إذ لم يستهدف القدرة المالية الأميركية، بل رمزها، ولا القوات العسكرية الأمريكية، بل رمزها، ولم تكن هناك محاولة لقتل الرئيس ولا شل الإدارةالأميركية، فهو لم يوجه ضد الحكومة أو مراكز الإدارة مباشرة“. وهكذا تكاد الطبعة الأمريكية حول “مكافحة الإرهاب العالمي” تنهار أمام الأعين.
ومع غزو أفغانستان في 7 أكتوبر 2001 عن الجوهر العنصري لسياسة “الحرب على الإرهاب” التي قال أنها ستمتد في الزمان والمكان مهددا العالم بأن من ليس مع أميركا فهو ضدها. أما الحرب على العراق في 19 مارس 2003 فقد شكلت المحطة الحقيقية للانطلاق نحو الاستراتيجية الكونية انطلاقا من السيطرة المباشرة على منابع النفط. ورغم كل الفوضى التي دبت في العراق طوال الحرب فإن قطاع النفط هون الذي تمتع بالحماية الفعالة. وكانت حجة أسلحة الدمار الشامل التي استخدمت ذريعة للوصول إلى النفط لا تعبر سوى عن أزمة الأخلاق كجزء من الأزمة الشاملة للمجتمع الأميركي.
وكان يراد للحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان بمباركة ودعم أميركيين في مارس 2006 أن تصبح مدخلا للحرب على إيران وسوريا. ما عرقل ذلك هو الإجهاد العسكري الذي واجهه الأميركيون في أفغانستان والعراق والصفعة الكبرى وبتحطيم روسيا لكل المدد العسكري الأميركي والإسرائيلي لجورجيا في الحرب الأخيرة هناك، وبانهيار الهرم المالي الأميركي – العالمي أخيرا.
وهكذا،إذا لن يتم فهم رابطة “السبب – النتيجة” لما حدث ويحدث فإن كل المعالجات ستبدو حربا على طواحين الهواء. طبيعي أن من الصعب بالنسبة للكثيرين فهم الزمن المعطى عندما تكون في داخله، لكن مجريات السنوات الماضية كفيلة بتأكيد أن ما يجري هو لمصلحة ترسيخ النظام العالمي الجديد الذي أعلنه جورج بوش – الأب عام 1991 وفق عقيدة مونرو.
التحولات الاقتصادية في المجتمع الأميركي منذ أحداث سبتمبر 2001 تبين أساس استفحال أزمته العامة. اجترار السياسة الاقتصادية الريغانية بتخفيف الضرائب على الأغنياء وتحميل الفئات الاجتماعية الأدنى أعباء مادية أكبر، وبإطلاق العنان لأسواق المال واستبعاد دور الدولة في الاقتصاد الذي أفقدها معظم أدوات الرقابة عليه تسبب في استبداد سلطان المال الأميركي بالمجتمع الأميركي وبالعالم كله. وتحت غطاء العملة النقدية الأميركية جرت معظم المبادلات في التجارة الدولية، وخصوصا مبيعات النفط التي فرضت الدولار كوحدة حسابية نقدية رئيسية في العالم. لكن الحقيقة هي أن قيمة الدولار الأميركية أخذت مع الزمن تقترب بتسارع من كلفة طباعتها لا أكثر. ونفخت هذه القوى الاجتماعية المستبدة في أسواق الأسهم والأوراق المالية والمصارف الأميركية والعالمية بتكرار اشتقاقات الأوراق المالية التي لا يقابلها أساس مادي في الواقع الاقتصادي. وبدا الاقتصاد أكبر من حقيقته بكثير. وكان لا بد لهذه الفقاعة – الكذبة الاقتصادية الكبرى أن تنفجر يوما في وجه صانعيها وضحاياهم في المعمورة. كان أول انفجار كبير من نوعه قبيل أحداث 11 سبتمبر كما ذكرنا. سارع المضاربون والمقامرون إلى إلقاء كل شعارات حرية السوق وعدم تدخل الدولة أرضا. ولم يكن الهدف بالطبع إعادة تركيب الهرم المالي النقدي والنظام الاقتصادي بشكل عقلاني بقدر ما كان الهدف ابتزاز الدولة كبقرة حلوب وحل المشاكل على حساب المجتمع. واستجابت الدولة بطريقة تهدئ الأزمة ، لكن بترحيلها لتنفجر مجددا وبشكل أكثر مدو. قدمت الدولة ضمانات القروض تحت حجة آثار 11 سبتمبر قدمت الدولة وفتحت قنوات إقراضية واسعة للشركات المفلسة. ومنذ خريف 2001 وحتى منتصف 2002 ضخت خزينة الدولة 200 مليار دولار شهريا للقطاع العسكري والطيران وقطاعات أخرى تعتبر روافع اقتصادية. وفرضت قيودا على سوق المال كما حدث ابان أزمة 1929-1932.
لكنه، وبعكس أزمة الثلاثينات المشكلة هذه المرة هي أن الركود ناتج عن أزمة بنيوية وليس مجرد تباطؤ. انتهى مفعول الضخ فعادت الأزمة. واستمرت المعالجات باستمرار خفض سعر صرف الدولار وسعر الفائدة عليه. وقد عنى ذلك تدفيع العالم الخارجي، وخصوصا الدول المرتبطة بالدولار ثمن ذلك. وعانت دول الخليج قبل غيرها من تدني عملتها المحلية التي قدرت دائما بأقل من قيمتها الحقيقية نظرا لارتباطها بالدولار. وأوهمت بلداننا أنه لكي لا يستمر تآكل استثماراتها في أسواق المال الأميركية فإن الحل في تدفق مزيد من المال إلى تلك الأسواق. لكن النتيجة هي مزيد من التآكل ومزيد من الاحتيال الناتج عن أزمة الأخلاق أيضا. واستورد إلى بلداننا ما سمي بمنتج الرهون العقارية ليتم معه استيراد مظاهر وجوهر أزمة الرهن العقاري التي انفجرت هناك منذ عام 2003 وتطورت لتكشف عن أزمة أكبر انفجرت في الآونة الأخيرة. وفي علاقاتها التجارية ببلداننا استطاعت الولايات المتحدة ن تخرجنا ن إطار اتفاقية التجارة الدولية إلى اتفاقية التجارة الثنائية بينها وكل من بلداننا للاستفراد بها على حدة، ولإضعاف العلاقات الاقتصادية الخليجية البينية وعرقلة قيام السوق الخليجية المشتركة والعملة الموحدة.
وإذا كانت المجموعة الأميركية لتطوير السياسة الوطنية للطاقة التي تضم ممثلين عن كبريات شركات الطاقة الحكومية الأميركية قد أوصت منذ عام 2001 بدعم التوجه من أجل فتح جزء من قطاع الطاقة في بلدان الشرق الأوسط أمام الاستثمار الأجنبي، فقد وجدنا ترجمة ذلك في قانون النفط العراقي الجديد الذي يعني “اتفاقات تقاسم الأرباح أو الإنتاج كبديل عن عقود الخدمات مع الشركات الأجنبية. والسعي الأميركي الحثيث للحصول على امتيازات حقول النفط في شمال الكويت بدلا من أن تقوم شركة النفط الكويتية بخبراتها الغنية باستغلال تلك الحقول. سبب هذا السعي المحموم هو اكتشاف ستة آبار في منطقة الشمال تحوي كميات جيدة من النفط الخفيف عالي الجودة والغاز المصاحب.
وإذا كانت الإطباق الأميركي على منابع النفط قد جرى في ظل البناء العسكري الأميركي المتزايد في المنطقة، فإن الولايات المتحد عملت على تسخير قوى حلفائها لتعزيز نفوذها. ولأول مرة خلال شهدنا خلال السنوات الأخيرة تمدد حلف شمال الأطلسي (الناتو) باتجاه الخليج. وقد بان ذلك للرأي العام المحلي على شكل مؤتمرات إعلامية بدأت بالمؤتمر الإعلامي للناتو في البحرين وأنشطة مماثلة في بلدان الخليج الأخرى تجسيدا لمبادرة أسطنبول، فإن التحرك الفعلي كان بالاتفاقيات التي أبرمت مع عدد من بلدان المنطقة حول مواجهة قرصنة البحر وحماية آبار النفط.
وفي إطار السعي لإحكام السيطرة على النفط سعت الولايات المتحدة إلى إحداث تغييرات جيوسياسية في المنطقة تبدأ من العراق. فلا تزال تغوص وتطفو خطط تقسيم العراق إلى مناطق ثلاث شيعية، سنية وكردية. وتستند هذه الخطط إلى دراسات أعدتها جامعة هارفرد من التسعينات ومركز سابن بمعهد بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية (دراسة «حالة التقسيم السهل للعراق»).
ورغم وعود الرئيس الأميركي بوش بقيام الدولة الوطنية الفلسطينية في عهده وفي عام 2005 بالتحديد، إلا أن أحدث غزة التي قسمت أراضي السلطة الوطنية فعليا لم تكن بمعزل عن يد الأميركيين كما أشار إلى ذلك الرئيس السابق كارتر في أحد مقالاته بعيد الأحداث. وبعد استلام رئيس الوزراء السابق توني بلير لرئاسة اللجنة الرباعية للشرق الأوسط بإصرار أميركي اختفت تماما معالم خارطة الطريق. وتراجعت إلى حد كبير آمال حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وللصراع العربي الإسرائيلي وقضية الشرق الأوسط.
لقد حققت بلدان مجلس التعاون عوائد مالية ضخمة بسبب طفرات أسعار النفط في السنوات الأخيرة. لكن فنوات واسعة فعلت إعادة ضخ هذه الأموال إلى الولايات المتحدة ودول الغرب عموما. وكانت برامج التسلح من أهمها. وكان ما سمي ببرنامج المساعدات العسكرية الأميركية للشرق الأوسط في العام الماضي يعني بترجمته الخليجية مساعدات خليجية لأميركا. 30 مليار $ لإسرائيل، بزيادة 25% على المساعدات العسكرية السابقة. 600 مليون دولار سنويا. ويدور الحديث ليس عن توريدات أسلحة أكثر تطورا فقط، بل وعن تمكين صناعتها العسكرية من إنتاج ما يحتاجه الجيش الإسرائيلي من أسلحة جديدة متقدمة. مليار $ لدول الخليج. الصفقة تتضمن قنابل متطورة موجهة من الأقمار الصناعية، تدريب متطور للعسكريين، سفنا حربية جديدة، بالإضافة إلى تطوير القوات الجوية وأنظمة الدفاع الصاروخية. واعتبرت أميركا هذه الصفقة جزءا من استراتيجيتها لاحتواء القوة الإيرانية في المنطقة وضد سوريا والقاعدة وحزب الله.
لم يثبت التسلح الخليجي المتزايد جدواه يوما. بل أن تنشيط تجارة السلاح يضعف لدى طرفي هذه التجارة اهتمامهم بالتطوير الديمقراطي. ومع الحديث عن برنامج المساعدات العسكرية تراجع كثيرا الحديث عن ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الديمقراطي. أضف إلى ذلك أن من تبعات صفقات الأسلحة هذه تدفق مزيد من الخبراء العسكريين الذين يؤثرون على سياسات البلدان المضيفة وفق متطلبات الاستراتيجية الأميركية والتي تمس السيادة الوطنية. كما أنها تتسبب في تكاليف غير منظورة من رواتب وأجور الخبراء، صيانة، قطع غيار .. إلخ.
إذا كانت الوضع الاقتصادي الأميركي يتميز بالعجز المزدوج في ميزانية الدولة والميزان التجاري، فإن وضعها الدولي يعاني من ضعف مزدوج : الاقتصادي نفسه والضعف العسكري بعد الخسائر في أفغانستان والعراق وجورجيا. غير أنه يجب دائما تذكر أن الحرب العالمية الأولى اندلعت في أعقاب أزمة نهاية القرن التاسع عشر بداية العشرين، وأن الحرب العالمية الثانية نشبت على إثر أزمة ثلاثينات القرن الماضي وأحداث سبتمبر وحرب أفغانستان والعراق ولبنان على أثر أزمة بداية القرن. فبعد كل أزمة اقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي تطرح مسألة إعادة اقتسام العالم من جديد عن طريق الحرب نفسها على جدول الأعمال. ومن هنا فإن جهود القوى الخيرة المناضلة من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي والمحبة للسلام يجب أن تكون مستعدة لتوحيد صفوفها في النضال من أجل درء شبح الحرب الذي يظل كامنا موضوعيا في أحشاء الأزمة المالية الحالية التي تفوق بحجمها وآثارها أزمة الثلاثينات.
بعد كل الذي يحدث كيف تبدو أميركا في عيون العرب ؟
نشرت صحيفة The International Herald Tribune نتيجة استطلاع سنوي Annual Arab Public Opinion Poll أجرته قريبا جامعة ميولاند بالاشتراك مع مؤسسة الزعبي إنترناشونال شمل عدد من البلدان العربية، منها خليجية، أن 83% ينظرون بسلبية شديدة إلى السياسة الأميركية، و 70% لا يثقون بما تقوله الولايات المتحدة، وأن 65% لا يصدقون أن الهدف الفعلي لأميركا هو الدفع الجدي بالعملية الديمقراطية في المنطقة.