المنشور

الخليجيون ليسوا مغفلين


كل من جاء إليهم ادعى أنه فلتة زمانه، المهرجون وباعة البضائع الفاسدة والمستعمرون وقادة البوارج الحربية وأهل الطرب والفرفشة وخدم المنازل والمقاولون الفاشلون والدجالون الذين نفقت أسواقهم في بلدانهم، والسحرة الذين أحيلوا للمعاش، والطائرات التي لم تعد صالحة للاستعمال، والعملات المتآكلة في الأسواق العالمية، والمأكولات الكاسدة في قارات الدنيا.
كل من جاء إليهم يدعي انه الخبير المتخصص الذي لم يجُد الزمانُ بمثله، وكل حرفي محدود في بلده زعم انه مهندس خبير، وكل من خط حرفاً قال وادعى من دون إثبات مقنع انه الكاتب التحرير الفذ في الجريدة الأولى في بلده،
 

وكل أستاذ نفقت دروسه وهرب منه تلاميذه يحضر إليهم كأنه أرسطو زمانه وفولتير عصره، وهذا الصحفي يقول إنه سيكتب استطلاعاً عن هذه المنطقة المهمة من العالم، فأخذ الهدايا من العقود والساعات والدولارات حتى إذا رجع إلى بلده ذم المنطقة وأهلها المتخلفين، كلٌ منهم يقول هذه منطقة المغفلين فلنملأ جيوبنا من نفطها الزائل، حتى إذا رجع إلى بلده ذمها.
ألم يكن سكان الجزيرة العربية هم رواد النهضة؟ ألم يعش آباؤهم على تمر قليل وحليب نوق هزيلة وخيام قماشها ممزق، وتفجرت أشعارهم وتجد الأبطال الذين جيشوا الجيوش وقاتلوا حتى وصلوا إلى الصين؟
اقرأ شيئاً من الطبري وطالع أين وصل هؤلاء البدو البسطاء وكيف تدفقت الأشعار من أفواههم، وكيف ثاروا وانتجوا وقلبوا الدنيا رأساً على عقب.
فما بال أحفادهم خائرون، متخثرون، يحتاج الواحد منهم إلى عدة عمال كي ينظفوا بيته، وسيارته، وملابسه، وأبناءه، وأحذيته، وجواربه، وينظفوا ناديه، ويراكموا الصدأ على عقله الذي كان لا يزال على الصفر؟
يهاتف رئيس الشركة الأوروبية موظفيه: ارسلوا كل البضائع المنتهية الصلاحية إلى الخليج مزبلة الدنيا.


نعم هناك من يستقبل ويستفيد ويروج للبضائع الكاسدة ويوزعها في الأسواق، ولعله من أحفاد أولئك الثائرين والجبابرة الذين دوخوا العالم وهم على إبلهم يقاتلون ويملئون الدنيا شعراً ونثراً ويخصفون نعالهم ويجعلونها وسائد تحت رؤوسهم وهم في براري تركستان ويموتون من أجل كلمة.
ما بال أحفادهم خائرون متخثرون كأنهم لم يروا نعمة ولا أبصروا نقوداً، فتهالكوا على الدنيا كذباب متساقط على عسل مغشوش؟
أين ولت أرواحهم المندفعة إلى المعالي والسمو؟
كيف خبت أشعارهم وكانوا شعراء القارات كلها؟ فحين يقال العربي يقال الشعر والفرس والخيمة الحرة في فضاء الكون.
لماذا أصبحت نساؤهم متهالكات على الغسالات والثلاجات والخادمات والتفاهات؟
صرخات العالم تدوي:
اذهب للخليج واسرق.
اذهب للخليج وبع الفقاقيع.
ألا تشتاق في هذا الذل أن تكون صعلوكاً من صعاليك الجزيرة الأحرار الذين ملأوا الدنيا شعراً بطوليا بدلا من أن تكون عضوا قياديا في حزب نضالي فاسد وانتهازي؟ أو موظفاً مرتشياً تموت كل يوم من أجل دراهم بائرة وتجارة خاسرة؟
وأين أصحاب الكلمات الخالدات وأين المتدفقون لغة وحياة من هؤلاء المتلجلجين العاجزين عن النطق بالعربية والمتلعثمين في كل قضية؟
هل هؤلاء هم حفدة أولئك أم هم مسوخ شوههم التكالب على الفلوس؟
والأدهى من ذلك ان حراس نقود الناس هم الذين يضيعونها، فلماذا حرسوا نقودهم جيدا جدا وأهملوا أموال العامة؟
لماذا يقوون اقتصادات دول أخرى ويفشلون في تقوية الكهرباء والمياه في بلدانهم، أم يكون هذا نتيجة لذاك؟


يعرفون كيف يأكلون ويبلعون ويدخلون الأموال والعمال والشركات ولكن لا يعرفون كيف يهضمون، وكيف يخططون، ألا تجد ان الشوارع الضيقة امتلأت بعربات زائدة على الحاجة وأخذت تملأ الطرق وتعوق المرور بدلاً من أن تزيد الحركة وتوصل الناس إلى أعمالهم وبيوتهم وصارت تعرضهم في الشوارع؟
الإدارات والطواقم والوزارات تمضي في حركات عفوية مستمرة، واللصوص الذين أبعدوا يعودون بجوازات أخرى، والمعلبات المنتهية الصلاحية تملأ الأسواق، وكل شيء مستورد يُباع بقيمة أكبر من بلدان أخرى، وطبقة مستوردة تسمن على حساب عرق الملايين، وكلاء السلع، ووكلاء العمال القادمين ووكلاء الفيز الخ.
البرلمانات النادرة الأولى في المنطقة لديها جبال من القضايا والحكومات تتوهها في سراديب البيروقراطية بدلاً من أن تتعاون معها من أجل إزالة الصدأ من المواسير السياسية التي تمتلئ كل يوم بالفطريات والطفيليات.
ارتجفت العظام حين ترنحت البراميل الزيتية، وسقطت أسعارها إلى النصف، فبدأت الوجوه تتغير، وسوف تتوجه نحو العمال وأجورهم كالعادة، ونحو هياكل الإنفاق على الضروريات للمواطنين، لا أن يعيدوا قراءة مرحلة التنمية الفجة السابقة، وهذا الكرم الحاتمي للخارج.
وسوف تنزل أسعار النفط أكثر فأكثر وتكر سبحة التغيرات وتجد الأبنية الكثيرة نفسها فارغة، والعمارات تفرغ من ساكنيها، وتترنح الإيجارات فوق رؤوس المالكين.
إنه من الأفضل الآن إضافة إلى حماية البنوك الوطنية والمدخرات والاستثمارات أن يناقش المسئولون في الخليج هذه الكارثة التي حلت بالاقتصادين الغربي والعالمي وكيفية الخروج من التبعية للغرب ولعملاته، ولإستراتيجيته الاقتصادية وتكوين إستراتيجية اقتصادية خليجية متعاونة في القريب العاجل موحدة في المستقبل، تركز في الصناعات والتنمية الحقيقية لا التنمية الطابوقية والحجرية، والتهام الطبيعة الخضراء والزرقاء، بل تنمية الطبيعة الصحراوية الصفراء التي لديهم منها الكثير.


 

 
أخبار الخليج  3 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

أوبك لم تفعل سوى ما فعله الآخرون


احتجاج بريطانيا ووكالة الطاقة الدولية على قرار منظمة الأقطار المصدر للنفط ‘أوبك’ في اجتماعها الطارئ الذي عقد في فيينا في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي القاضي بإيقاع خفض في إنتاج المنظمة بواقع 5,1 مليون برميل يومياً .. واعتبارهما هذا القرار خطوةً لا تساعد على استعادة الأسواق والاقتصاد العالمي لعافيتهما هو موقف غريب، إن لجهة البحث كيفما اتفق عن كبش فداء لإلقاء مسؤولية ما جرى من انهيار مالي عالمي عليه، أو لجهة عدم دبلوماسية اللغة التي جرى التعبير بها عن ذلكم النزق الذي طفحت به أجهزة الميديا الغربية عقب إعلان أوبك عن قرارها خفض الإنتاج.
فما الذي فعلته أوبك سوى أنها تحركت إجرائياً لمقابلة استحقاقات الأزمة الاقتصادية العالمية تماماً على النحو الذي فعلته الدول الغربية عندما هبت فرادى وجماعياً لمحاولة وقف تداعيات الأزمة وأضرارها البليغة على كياناتها الاقتصادية بعد أن وصل إليها الإعصار المالي؟
وهل فكرت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في الانعكاسات المتوقعة لإجراءات الاستجابة (Response Measures) التي اتخذتها درءاً لأخطار الأزمة، على مصالح بقية الدول والمجموعات الاقتصادية العالمية؟
طبعاً كلا، فلقد تصرف الجميع بوحي من عقلية ‘يا روح ما بعدك روح’. فلم تنتظر أيرلندا أو اليونان قراراً (قد يأتي متأخراً) من الاتحاد الأوروبي يضمن ودائع المودعين ويوقف هلع الناس واندفاعهم لاستعادة أموالهم وتعميق أزمة السيولة المندلعة.
وهل كان منتظراً من مجموعة الدول الثلاث عشرة الأعضاء في أوبك أن ترى سعر سلعتها التي تشكل عصب حياتها الاقتصادية والتنموية وهو يهوي من 147 دولاراً للبرميل في يوليو الماضي إلى ما دون الستين دولاراً (يوم الاثنين 27 أكتوبر 2008) من دون أن تحرك ساكناً لمحاولة وقف هذا التدهور على الأقل؟
علماً بأن تحرك المنظمة قد جاء متأخراً للغاية وأنه اتخذ على وجل وفيه كثير من التحوط لردات فعل الدول المستهلكة.
بل إن حجم التخفيض المقرر وهو 5,1 مليون برميل يومياً لا يكاد يغطي حجم الفائض في السوق وقت اتخاذ القرار وهو 2 مليون برميل يومياً.
ولذلك فإنه يصبح من المحتم أن تقدِّم أوبك اجتماعها المقبل المقرر في شهر ديسمبر 2008 وأن تتخذ قراراً آخر بالتخفيض بواقع 5,1 مليون برميل يومياً كي تتمكن من الحصول على استجابة أكبر من الأسواق فيما يتعلق بتذبذبات السعر.
لبريطانيا والولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية التي عبرت عن قلقها وخيبتها (!) من قرار أوبك يوم الجمعة 24 أكتوبر 2008 خفض إنتاجها بواقع 5,1 مليون برميل يومياً، نقول إن العالم أجمع، بما في ذلك التجمعات الاقتصادية الراسخة مثل الاتحاد الأوروبي، لم يتخذ – حتى اللحظة على الأقل – قراراً واحداً يعبر عن مصالح المجموع، فيما عدا التخفيضات المنسقة لأسعار الفائدة لتخفيف الضغط عن السيولة والمتخذة من جانب الاحتياطي الفدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا.
واجتماع مجموعة العشرين الذي تقرر عقده في الولايات المتحدة (مكان اندلاع حريق الأزمة) في الخامس عشر من نوفمبر الجاري، لن يكون نزهة للدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة التي تعول على الحصول على دعم الدول المشاركة لاسيما الآسيوية منها لتجاوز مأزقها.
أوروبا نفسها لجأت للدول الآسيوية للحصول على موقف داعم لمطالبها في هذا الاجتماع من خلال عقد قمة مشتركة للخروج بموقف موحد يجبر الولايات المتحدة على الاستجابة لطلب الأسرة الدولية بإعادة النظر في النظام المالي والنقدي العالمي.
الغربيون يريدون اليوم من الصين والهند وروسيا والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية ودول النمور عموماً شيئين هما الحصول على التمويل لدعم موازين مدفوعاتهم، وأن تفتح الدول الآسيوية أسواقها لاستقبال السلع الغربية لتخفيف عجوزات موازينها التجارية وبالتالي المساهمة في تخفيف عجز موازين المدفوعات.
والمتوقع أن لا تعطي هذه الدول شيكات على بياض للدول الغربية من دون الحصول على مواقع جديدة في النظام المالي والنقدي العالمي لما بعد الأزمة.
والمتوقع أيضاً أن تنسق دول مجلس التعاون مع المملكة العربية السعودية التي ستشارك في ذلك الاجتماع موقفها دفاعاً عن مصالحها في النظام المالي والنقدي الدولي قيد المناقشة 
 



الوطن نوفمبر 2008
 

اقرأ المزيد

قراءة مواطن للرؤية الاقتصادية‮ (١-٤)‬


رحبت الأوساط والفئات والشرائح البحرينية المختلفة بالإعلان عن رؤية إستراتيجية ومستقبلية تحقق مسألة مهمة للمجتمع  ألا وهو زيادة دخل الفرد في الأسرة البحرينية وتحسين معيشتها إلى جانب تطور في الهياكل الاجتماعية المختلفة، اقتصادية ومهنية وتعليمية وصحية وحياتية وثقافية،
هذا التنوع المتكامل في الرؤية بدت ملامحه العريضة وخطوطه الأساسية واضحة، ولكن التفاصيل الجزئية للرؤية هي الأصعب في تلك المسألة. وقبل البدء في التعليق والتساؤل أود أن انطلق من سؤال بدا متأخرا ومن الصعب العودة إليه ولكن نحن بحاجة إلى إجابة شافية. لماذا تعطلت ولادة الرؤية لمدة سبع سنوات؟ الم يكن بالإمكان ولادتها على مسار متواز مع التجربة النيابية أي منذ عام ٢٠٠٢؟ لكي نلمس نتائجها القصيرة الأمد اليوم “وان كانت الرؤية مصممة على أساس عقدين من الزمن” أو بعبارة أصح لخمس دورات نيابية. هل كانت الرؤية مرتبطة ولادتها بانتظار معرفة النتائج الأولية للعملية السياسية ومنعطفاتها وتقلباتها؟ أليس الحكومة هي نفسها طوال هذه المدة والمخاض نفسه والثروة نفسها والشعب نفسه “لولا مسألتين هما حالة الفوضى النسبية والتوتر والحالة الثانية ارتفاع سعر النفط” الذي مكّن الدولة من رصد ميزانيات تحقق تطورا محسوسا في الهياكل المعنية، بما فيها إمكانية التعجيل بحل ملفات متراكمة مستعجلة كمشكلة الإسكان والأجور والعمل، فهي تمس بشكل مباشر الحياة المعيشية لشرائح واسعة من السكان..



 الآن لا تهم الإجابات وعلينا أن نبدأ من شهر أكتوبر عام 2008 عام الرؤية انطلاقا من مقولة أن تبدأ أفضل من أن تقف للأبد في مكانك مثلما قلنا أن الوسط الاجتماعي برمته رحب بالرؤية باختلاف ردود الأفعال بين الشعور بالحلم الممكن وبين القلق المستمر لمستقبل بات معلقاً في السقف المفتوح ولكن في عالم اليوم لا يوجد شيء غير ممكن التحقق متى ما توافرت عوامل النجاح وتوافرت معها الإرادة الفعلية لانجاز ذلك الحلم.
تذكرني القضايا الكبرى للشعوب والدول ومشاريعها الطموحة عندما تنهض دول بهممها من ركام الفقر والحروب الأهلية، بهدف الانطلاق نحو العالم لكي تبني وتحقق مكانتها في تلك الخارطة العالمية، تنهض دول بهدف أن تكون رقما مهما أياً كان حجمها السكاني ورقعتها الجغرافية، فلا نستغرب رغبة الحلم فهي من طبيعة المشاريع الكبرى. هكذا كان على لينين الشاب – زعيم دولة محاطة بتحديات كبرى – أن يضع روسيا المنهكة على نهج لم يرَ نتائجه بسبب الموت، ولكنه كان مهندس فكرتها وهي خطة “النيب” العظمى والتي جعلت من روسيا الشاسعة حتى اليوم دولة لها مكانتها، وقد نَعَت الصحفي الأمريكي الذي أجرى المقابلة معه حول طموحات الثورة الفتية وزعيمها، فلما استمع إلى تفاصيل تلك الرؤية “خطة النيب” البعيدة أطلق عليه تسمية “رجل الكرملين الحالم” ولكن ذلك الحلم على الأرض امتد إلى الفضاء.



 بالرغم من الاختلاف في المكان والتاريخ والحالة، فإنني وددت أن استنبط فكرة الحلم والإرادة السياسية وكيفية استنهاض قوة العمل والإنتاج عند الشعب عندما يؤمن أن هذا الوطن ملكه وان الثروة ثروته وان الانجاز سيكون لصالحه. فهل نحن باتجاه استيقاظ واستنهاض تلك الهمة النائمة والمشاعر المرتابة والحالة التاريخية المضطربة، وإننا قادرون على إخراج شعبنا من كومة تلك الحالة التاريخية الرمادية؟ فعصب المشكلة وجوهر المحنة إن الرؤية حتى وان كانت اقتصادية فهي بحاجة لشعب ينفذها ومواطن يؤمن بها إيمانا حقيقيا وفعالا لطالما جعلته الخيار الوحيد، فنحن إزاء حالتين وظاهرتين لسيكولوجية شعبنا ومؤسساتنا ومزاجهما وقيمهما، الأولى التعود على العطاء والخمول والاتكالية والتملق والخوف، والحالة الثانية التململ وفقدان الصبر والعجالة والتشكيك وغياب التضحية البسيطة إزاء أية مشكلة تواجهه، فلو حدث أي عطل في أزمة ما وجدنا الناس تتذمر وتتفنن بالشكوى والمبالغة دون معنى، وتوجه اللوم دون دراية بل ولا تصنع وتتحمل القرار المشترك إزاء تلك الظواهر المحتملة.



ما قدمته الرؤية من خطوط لم تذهب إلى كيف نزيح تلك الحالة من فقدان الثقة بما فيها القطاع الخاص؟ وكيف نردم الهوة لكي يتعاطى الشعب / المواطنين مع الرؤية بايجابية متواصلة ومستدامة؟ ربما السنوات السبع كانت سنوات تراكم خبرة للرجل الصاعد مستقبلا (ولي العهد)، فالرؤية تبدو بكل وضوح مصاغة لجيل شاب بشكل أكثر من جيلنا، فنحن حتى عام 2030 ربما لن نكون على هذا الكوكب، لهذا جاءت هندسة تلك الرؤية لجيل ينتظر أن يحصد حصته من الثروة القادمة في وطن أكثر رخاء واسترخاء في الأمن الاجتماعي والمعيشي والحياتي. ولكن هل بإمكاننا أن نشهد في فترة حياتنا جزءاً من انجازات تلك الرؤية؟ اعتقد أن المسألة لا تحتاج إلى إجابة دقيقة وصعبة، إذا ما تركت الحالة للانسجام والتآلف بين المبادئ الثلاثة (الاستدامة – التنافسية – العدالة) وحدها كما هي رؤية الوثيقة التاريخية للمملكة.

 
ما تنشده الوثيقة من تعزيز مكانة البحرين دوليا مرهون بوضعنا الداخلي وبالوضع الإقليمي والعالمي، فالسماء لا تمطر ذهبا، فلكي بالفعل – كما تشير الوثيقة -  أنها تسعى لرفع المستوى المعيشي للمواطنين، وبالطبع ذلك التحسين المعيشي لا ينتج إلا بتضافر جانبي العمل المثمر وإرساء قيم العمل وعدالة الأجور في مناخ اقتصادي يحقق فرص عمل وتكافؤاً بين الجميع على أساس من النزاهة والشفافية في وطن قادر على توزيع عدالته بين مواطنيه، ذلك الوطن الذي لن يتقدم أبدا في بيئة سياسية متقلبة ومشحونة بالتوتر والاضطرابات.. وطن يدخل في متاهات أحلامه ومطالبه، مما يعيق حركة العربة التاريخية لمشروع الرؤية الحالمة، فننتقل من حلم الواقع إلى واقع الحلم المفقود، فلا نمسك لا بالحلم الجميل المستهدف ولا نخرج من الواقع المضطرب، فننشد بين حركة العجلة والحصان المعاكس المعاند لهذا لا يمكن تطبيق الرؤية من جانب واحد، وإنما يقتضي تفهم الجانبين لكل متطلبات المرحلة وخططها بكل مرونة، بحيث يبدي الطرفان مقدارا من التفاهم والتعاون بل وحتى التنازل بين الطرفين عندما تقتضي المسألة تنازلا أهم لمصلحة الوطن العليا. وتمحورت تلك الأحلام والرؤية في ثلاث حلقات أو مرتكزات أساسية، فلا يمكن انجازها منفردة حلقة دون سواها، فالعملية الإصلاحية متكاملة في تلك الرؤية الشمولية الطموحة، في عالم متقلب من حولنا. فما هي تلك الحلقات الثلاث وكيف نقرأ جوانبها بمنظار مختلف .



الأيام 4 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

تحليق النقود بعيداً عن الإنتاج


كان انفصال النقود عن الإنتاج قد بدأ منذ فجر التاريخ المكتوب، حين أخذت معادن الذهب والفضة والنقود دورها كمعادل للبضائع، وجاءت النقود الورقية مع الرأسمالية ليزداد الانفصال بين الإنتاج والنقد، وصحيح ان هذا الانفصال لعب دوراً كبيراً في تطوير عمليات الإنتاج، لكن قفزات النقود كانت لها مخاطرها الجسيمة كذلك.
بل لقد أخذت القوى المالية دور السيطرة على العالم الاقتصادي، وأُضيف إلى الورق النقدي والعملات جملة من الأوراق غير ذات قيمة، وصارت رموزاً للأشياء وللديون وللأصول المختلفة كالشيكات والصكوك والحوالات.


ونتيجة لسيطرة الولايات المتحدة على الرأسمالية العالمية، وتحول الدولار إلى عملة كونية، فقد انطلقت بمادة الورق الرمزية تلك إلى آفاق بعيدة.
في سنة 1970 قام ريتشارد نيكسون رئيس أمريكا وقتذاك بإلغاء العلاقة بين الدولار وقاعدة الذهب، فحلق الدولار في السماء عملة ورقية بلا قواعد مادية تشده إلى الأرض، وصار بإمكان الحكومة الأمريكية طبع ما تشاء من هذه الدولارات الورقية، وأقامت قوتها على متانة الاقتصاد الأمريكي.
وفي إحدى السنوات طالب رئيس إحدى الدول الأوروبية بمعرفة ما تضعهُ الولاياتُ المتحدة من ذهب كرصيد وغطاء لتلك العملة فرفضتْ الإجابة.
كشفت أزمة الرهون العقارية كيف تم التلاعب بأصول العقارات الرمزية وتحويلها إلى أداة نقدية جديدة يتم عبرها التسليف والشراء، فتتراكم العلاقات الوهمية بين المستثمرين بعضهم ببعض وبين عمليات جديدة مالية يقومون بها على تلك الأصول المتضخمة التي تتضاءل قيمتها كلما اتسعت علاقاتها.
وقد قام مستثمرون آخرون من أنحاء العالم بالمساهمة في عملية المضاربة تلك، واستغلالها من أجل مزيد من الأرباح.
بَعُدت عملية إنتاج البيوت تلك عن عمليات الإنتاج الحقيقية، فهي ليست سوى بناء عقارات لا تضيف شيئاً إلى الإنتاج المادي، فهي استهلاكٌ بذخي، لكنها بدلاً من ذلك تحولت إلى وسيلةِ استثمارٍ كبرى، فرُهن ما مجموعهُ مليونا منزل.


تحليق النقود وورقيتها المتصاعدة وظهور حشود من الأوراق الرمزية الناتجة عنها التي لها تحليقها الخاص كذلك، ضاعفتها عملياتُ التداخل بين الدول وتقاربها عبر أشكال العولمة كافة، فراحت العمليات المالية المحلقة تشمل الكرة الأرضية كلها، عبر أجهزة انفصلت كليا عن الإنتاج وأشيائه مثل الإنترنت والفاكس والبرقيات والبث الفضائي وقامت كلها بعمليات اقتصادية واسعة وأصبح الإعلان محركاً لاقتصاد بذخي عالمي يتوجه نحو المجهول.
في بالونة العقارات المنفجرة بدا أن العالم كله يغذي طبقة صغيرة مرفهة في الولايات المتحدة، يضخُ لها النقود من كل صوب، من أجل أن تبني فللاً وبيوتاً ولأناس تزداد ديونهم، ثم يفلسون، ويفلسون معهم شبكة كبيرة من المتعاملين.
كانت هذه فقاعة التبعية الواسعة وقد انفجرت بعد أربعين سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية التي صنعتْ العالمَ الرأسمالي الغربي المتحد.
الدولار الورقي المسيطر، وغياب ضمانات الذهب والأصول المادية، وتحريك الاقتصاد العالمي بشكل هائل في تلك الحقبة، وانتصار الرأسمالية العالمية، وانضمام فرقاء جدد إليها، كلها نتاج تلك الحقبة.
وقد دمرت السياسة الأمريكية ما كان انتصارا أمريكيا اقتصاديا، عبر هذه الحروب والمصروفات الفلكية حيث تبلغ الكلفة الشهرية للحرب في افغانستان 200 مليون دولار، وهناك أصول تبلغ عدة تريليونات من الدولارات مفلسة.
كل العالم الاقتصادي الحر بذلك الشكل المطلق انتهى، وعبر تدخل الدول انتهت عمليا الليبرالية الجديدة التي أصرت على حرية كاملة للمشروع الخاص بشكل ايديولوجي مضاد للاشتراكية.


جرى التحليق بعيداً عن الإنتاج، وتحولت قارات إلى مصدر تام للمواد الخام وشبه المصنعة وللقروض أو لتصدير رأس مال نقدي متضخم في بلدانها، في حين أثبتت الدول التي نمت العمليات المالية جنباً إلى جنب مع الإنتاج قوة اقتصادها، وتملكت فوائض نقدية كبيرة كالصين.
وهذا أيضاً يضع علامات استفهام على قيادة أمريكا الاقتصادية حيث يهتز الدولار، وتتصاعد عملات أخرى، وكذلك على قيادتها السياسية وضرورة وجود قيادة جماعية للعالم، وأنه من الضروري أن يتوجه العالم إلى نظام مركب من الاقتصاد الرأسمالي الحر والاقتصاد الاشتراكي.
إن الدول التي وازنت بين الاقتصاد الخاص ودور الدولة، وجعلت الإنتاج وتطوير الأشياء واكتشاف المواد وتصنيعها هو بوصلة الاقتصاد، وألغت السياسة الحربية ومصروفات الجيش الهائلة، حققت تطوراً كبيراً.


وهي ليست دولة بل جملة من الدول ذات البنى الاقتصادية القوية. إن التطرف في الحرية الاقتصادية أو التطرف في هيمنة الدول له نتائج وخيمة، فلابد من جدلية التركيب على المستوى الوطني في كل بلد وعلى مستوى العالم عبر تطوير دور الأمم المتحدة.
لكن لن يتدهور الاقتصاد الأمريكي كليا، بل سيتعافى ويتطور ثانية عبر إجرائه عمليات جراحية كبيرة، وبدخول أجهزة الحكم المعبرة عن الجمهور، دور المراقبة للعمليات الاقتصادية وإعادة وجودها على الأرض وفي العمليات الاقتصادية الإنتاجية الحيوية للناس.
إن الرأسمالية الاحتكارية المندفعة في جنون الأرباح تمثل خطراً على العمليات الرأسمالية المختلفة في الاقتصاد، وهي تقود إلى الابتعاد عن الإمكانيات الحقيقية الإنتاجية والقيام بمغامرات تشابه المغامرات العسكرية، وتلعب الأزماتُ دورَ الفرامل من أجل المشي على الأرض الموضوعية، وإعادة النمو المعتدل وإزالة الترهلات.

اقرأ المزيد

تبدلات ميزان القوى الدولي‮ ‬في‮ ‬ضوء الأزمة المالية


هل يقدَّر لقضايا الملف النووي الإيراني، والتورط الأطلسي في أفغانستان، والتورط الأمريكي في العراق، والتوتر بين روسيا والغرب، وملف النزاع العربي الإسرائيلي، أن تبقى محتفظةً بصدارتها في سلم أولويات اهتمامات الأسرة الدولية ومؤسساتها الناظمة؟.
سؤال أصبح يطرح نفسه في ظل الصدمة الهائلة التي أحدثها الإعصار المالي الذي ضرب الكرة الأرضية من أقصى غربها إلى أقصى شرقها وأودى بحياة الكثير من الشركات والمؤسسات الكبرى الفاعلة في الاقتصاد الدولي.


بطبيعة الحال لن يتوقف رجال السياسة وصناع قراراتها من وزارات الخارجية إلى المنظمات الدولية المتخصصة إلى كبار المستشارين السياسيين وكافة الأوساط الوطنية والدولية المنخرطة في العمل والأنشطة السياسية – لن يتوقفوا جميعاً عن الاضطلاع بأدوارهم المعتادة فقط لأن العالم تعرض لزلزال اقتصادي لا أحد يستطيع حتى الآن التكهن بما ستؤول إليه تداعياته على الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية.
ولكن هؤلاء جميعاً لن يستطيعوا التغافل عن الحقائق الجديدة التي أفرزتها الصدمة المفاجئة لأزمة الانهيار العظيم للبورصات والنظام المصرفي الغربي والعالمي، والتي سوف تستحوذ على القسم الأعظم من الجهود الوطنية المحلية (لكل دولة على حدة) والجهود الدولية الرامية إعادة بناء وترميم ما هدّمته أعاصير الأزمة، خصوصاً من حيث تأثيرها على جدول الأولويات متمثلاً في اتجاه تركيز الاهتمامات على معالجة آثار وذيول الأزمة على الصعيدين الوطني والدولي.


ولسوف تكثر اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات والفعاليات الإقليمية والدولية التي ستكرَّس لمناقشة كافة جوانب الأزمة وإمكانيات وفرص تجاوز تداعياتها وانعكاساتها بجهود عالمية مشتركة وحلول توفيقية تستوعب مصالح كافة أعضاء الأسرة الدولية لاسيما مصالح الكبار ذوي السطوة والنفوذ والتأثير في صناعة القرار الدولي.
وبمعنى من المعاني فإن هذه الأزمة وتداعياتها سوف تلقي بظلالها على الأجندات السياسية العالمية الرئيسية التي كانت إلى ما قبل اندلاع الأزمة تشكل محور الاهتمام العالمي، لاسيما مراكز صناعة القرار الدولي في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض عواصم الشرق الصاعدة، إلى جانب روسيا بطبيعة الحال التي لم تنجُ من انعكاسات الأزمة على اقتصادها الذي راح يحلق عالياً بمعدلات نمو لافتة تراوح حول 6-8٪ واحتياطيات نقدية وذهبية متزايدة لامست سقف الـ 600 مليار دولار قبل أن تداهمها أزمة الأسواق المالية وقبلها الحرب الجورجية وتقضم منها.
بالمقابل لابد من التسليم بحقيقة أن العلاقات الدولية ذات الصلة بالمصالح الجيوسياسية، تشكل مجالاً حيوياً للغرب لا يمكن لطبقته السياسية الحاكمة التي ‘تتوارث’ الحكم وفقاً لعملية ديمقراطية تداولية محسوبة، أن تفرط فيه وهي التي تملك كل مقومات الهيمنة والسيطرة على مقاديره واتجاهاته العامة.
فهي وإن تعرضت لبعض الأعطاب الاقتصادية الخطيرة التي لابد أن تصيبها ببعض الوهن وفقدان بعض ‘الرشاقة في الحركة’ خصوصاً على الصعيد الخارجي، إلا أن هذه الأعطاب لم تنل بصورة مباشرة من أحد أهم مكامن قوتها وجبروتها، وهي هنا القوة العسكرية التي تشكل القاعدة المتينة والراسخة ‘لقطاعها’ السياسي وأدواته وآليات عمله المختلفة ومنها الآلية الدبلوماسية، الناعمة ‘والخشنة’، سواء على صعيد القدرات الفردية القطرية أو على الصعيد فوق القومي (القوة الضاربة لحلف شمال الأطلسي ‘الناتو’ تحديداً).
وبما أن هذا المصدر الحيوي من مصادر قوة وطغيان نفوذ المنظومة الغربية في النظام العالمي، يعتبر الميزة النسبية (Competitive edge) الوحيدة التي لازالت تتفرد بها، فإن المتوقع أن تواصل استثمارها ربما بحيوية واندفاع أكبر منعاً لتآكل هذا المصدر بدوره.
ثم لا ننس أن الحاضرة الأولى في العالم لتصنيع وإخراج القرار الدولي هي على موعد مع مَقْدَمْ رئيس جديد سوف يتبوأ موقعه الرئاسي في البيت الأبيض في شهر يناير من العام المقبل، وإنه لابد وأن يثبت نجاعته في مجال العلاقات الدولية الذي يشكل مجالاً حيوياً ومفصلياً للمصالح القومية الأمريكية، خصوصاً لجهة إصلاح الأعطاب والأضرار التي خلفتها ثمان سنوات من حكم ‘المغامرين الجدد’ على البلاد الأمريكية وعلى سمعتها الدولية التي ذهبت ضحية لسياساتهم.


والأمر سيان سواء فاز المرشح الديمقراطي باراك أوباما الذي يقع الآن تحت ضغط ‘الإرهاب الاستلابي’ ، وهو الأسلوب الذي اهتدى إليه الجمهوريون لمعالجة الفجوة في استطلاع الرأي التي تميل كفتها لصالح المرشح الديمقراطي، ويتمثل في إرهاب الأمريكيين وتخويفهم من مَقْدَم أوباما ذي الأصول الأفريقية وربما الإسلامية والضرب على الوتر العنصري .. أو فاز المرشح الجمهوري جون ماكين، فإن كليهما سوف يواصل الاطلاع بدورها الأبوي القيادي الذي اختصت نفسها به من دون أن يكون للعالم رأي فيه بقدر ما كان الأمر تسليماً لواقع أملته حقائق مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي دشنت الصعود التاريخي للولايات المتحدة وتفوقها الكاسح في الميدانين الاقتصادي والعسكري.
الأدوار ستتغير، هذا مما لاشك فيه نظراً لتغير المعطيات. فموقع الزعامة الأحادية الأمريكية قد أصيب إصابة بالغة، وما لم يتم إصلاح وتدارك الموقف والأعطاب التي أصابت البلاد – وهذا سوف يستغرق وقتاً ليس بالقصير – فإن حالة عالمية جديدة سوف تفرز نفسها استناداً إلى ميزان القوى المستجد الذي أنتجته الأزمة.


ولكننا لا نشك إطلاقاً في استمرار دفق الحراك السياسي الأمريكي على الصعيد الدولي دفاعاً غريزياً (مصلحياً وإيديولوجياً ونمط حياة) عن عرش زعامتها المهدد بالانتكاس، بما يشمل حتى الملفات الأكثر سخونة التي لم تزل واشنطن تضعها في أعلى سلم أولوياتها.

 
  
الوطن  نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

حصاد مر للمرحلة

كان الوعي العربي في بعض الدول العربية المركزية نتاج حراك الأرياف، وحراك البوادي والأرياف كان دائماً المغذي سلباً وإيجاباً لحياةِ المدن العربية التي هي مركز للحكم أساساً وأسواق عرضية.
وقد انقطعت المدنُ عن الإنتاج التحديثي في نهاية العقود الأولى من القرن العشرين، بعد تجذر الهيمنة الاستعمارية، ونشوء الدول – الإقطاعيات الحديثة. وهو أمرٌ قطعَ التداولَ العربي الواسع العميق، وركز الدولَ في العلاقة مع المتروبول.
وبسبب ذلك أخذت الأريافُ تضخُ موجاتِها الاجتماعية السياسية، في حين كانت الصحارى قد تجمدت وهي سوف تضخ زيتها وغبارها في مرحلة اكتشاف النفط وإنتاجه.
وهناك فرقٌ غريبٌ ومعقد بين حضور طه حسين للقاهرة وحضور البنا، فالأول يتوجه لمشروع (نهضوي) تحديثي، والثاني يطرح العودة للماضي.
وبين تراجع فكر طه حسين التنويري والديمقراطي وصعود فكر البنا، تقع لحظتان سياسيتان مهمتان، عجز الوفد عن التحول كحزبٍ للبرجوازية الصناعية، وظهور الدولة العسكرية ككيانٍ سياسي شمولي التهم العلمانيين والدينيين معاً، ولكنه أضعف العلمانيين أكثر، في حين كانت موجات التدفق الريفي تواصل التهام أحياء القاهرة ومقابرها.
وهو امر راح يتكرر عربياً بأشكال مختلفة.
ولكن الأمواج الريفية سوف تزداد توغلاً في المدن العربية، مع تفاقم أزمة الزراعة والمواد الخام، وعجز المدن عن التحول للحداثة.
وهذا سوف يؤدي إلى الاستعانة بالدين كوعي مطلق قادر على فعل المعجزات التي عجز عنها من سبقوهم، ومن هنا تأتي القراءة الغيبية الإعجازية عند سيد قطب للقرآن، فأمام المد الغربي المتصاعد لاستغلال المسلمين وعجز بناهم وأنظمتهم الجديدة عن فعل توحيدي ديمقراطي (نهضوي) شامخ وذي كبرياء، يتم اللجوء إلى ضخ المعرفة الحدسية في الثقافة السياسية، وبأنهُ من الممكن حدوث معجزة. فهم يقرأون الإسلام كإعجاز لغوي وليس كموضوعية اجتماعية.
وكان انتظار المعجزات هو أحد أهم أشكال الوعي الريفي في طرحه، فهناك معجزات تجري: سقوط الاتحاد السوفيتي، ومجيء الثورة الإيرانية، وصمود حزب الله، وأزمات الرأسمالية الكثيرة الرهيبة وغيرها من الظاهرات (الإلهية الكبرى) المؤثرة التي لا يمكن تفسيرها إلا باقتراب تطبيق الإسلام وانتصاره الكامل في مشارق الأرض ومغاربها.
وهذا ما تلح عليه التفاسير(العلموية) التي تخالفُ مناهجَ رجال الدين شكلاً لكنها تتوافق معها مضموناً.
وفي البداية لابد من رؤية كيفية تدهور الوعي العلمي في الجامعات العربية، عبر منع دراسة المدارس الكبرى الفكرية كالماركسية ونظرية التطور والبنيوية الوظيفية وغيرها، والنشر بكثافة للمدارس التغريبية الشكلانية وهي التي توافق هوى الفئة الوسطى التي تجلبُ البضاعة الغربية من دون أن تقوم بحفريات في الأنظمة التقليدية الشمولية الدينية الراهنة وتكشف أزماتها، وهو الأمر الذي يسبب تصاعد مواقفها النقدية لو حدث.
ولهذا فإن الريفي الجامعي والمستورد للنظريات الغربية يؤكد دائماً ويقرأ في ضوء النظريات (العلمية) سواء للشعر أم للقصة أم للرواية أم للمقال أم للتراث الخ، وسيكون المؤَلـَف حاشداً بالترقيم والاستشهادات، وسوف يقرأ ظاهرات في هذه الكتب معزولة، جانبية، تم تكسير وجوهها الدلالية النقدية والنضالية، وحشرها في أنابيب مختبرية، ويقوم بإدخال الأحكام الذاتية التي ستبدو شديدة الموضوعية في مثل هذه الدراسات (المحكمة).
ولو تتبعنا نماذج من هذه الدراسات سنجد المتواري هو إسقاط الأبعاد الطائفية والأيديولوجية والذاتية في هذه الأعمال، وستكون خاضعة لعلاقات المؤلف وهواه الشخصي، فيرفع من يرفع ويُسقط من يسقط، أو يقوم بتناول كاتب ثانوي ويترك المؤلفين الرئيسيين، ابتعاداً عن كشف صراعات الواقع الموضوعية.
مثلما أن الحركة الحقوقية تتجاهل اضطهاد الحركات الدينية للناس وتركز في الحكومات، وليس أن تقوم بجرد موضوعي للطرفين بنزاهة.
مثل هاتين الموضوعية والنزاهة هما عمليات حفر فكرية لا يستطيع الريفي المحافظ، الرمز الأبرز للمرحلة، أن يقوم بها، لأنه لا يمثل طبقة أو نظاماً، هو يمثل حالة ضبابية دفاعية لنمط إنتاج حِرفي دمرهُ النظامُ الرأسمالي الحديث.
وهو غير قادر على تقديم البديل لجمهوره وهو المصنع، الذي يمثل اختراقا ماديا وعلميا واقتصاديا لوضعه كبرجوازي صغير ولوضع المرحلة، فيقدمُ البنكَ والوكالة والدكان، مفروشة بسجاجيد(إسلامية) لكنها حصالات للغرب.
ولهذا فإنه يلجأ إلى تكذيب التطور الحديث، وهذا يتمظهر لدى رجل الدين بكلمات السقوط، (سقوط الشيوعية)، و(سقوط الرأسمالية)، و(سقوط العلوم الكافرة وعودة الإيمان) الخ ولكن الذي يسقط فعلاً هو ذاتهُ العتيقة غير القادرة على الوقوف في العصر.
ويتمظهر لدى مثقفه العصري المتخرج في جامعات الغرب والشرق بظهور ما بعد الحداثة، وما إلى ذلك، وتتحول سيرورة الغرب التحديثي إلى فسيفساء مفتتة لا تتكشف علميا.
ومن هنا يقوم بتفسير ظواهر الشرق بفذاذة عجيبة، فيسمي قهر الحكومات والحركات الدينية للشعوب أنه عودة عميقة لأصالة الذات، ولكن حتى رجله الديني يصرخ بانتشار الفساد في النظم (الإلهية) ولكنه لا يعترف نظراً لقصوره الديني والموضوعي بأن زيادة القمع في الدول الدينية هرّب الناس من الدين ووجههم بقوة نحو المفاسد، في حين ان السويد التي يجعلها على رأس الدول الفاسدة يتوجه فيها الناس للفضيلة أكثر.
إن توحد رجل الدين الغارق في النصوص الشكلانية المحافظة هو ذاته توحد الريفي الجامعي بالنظريات الشكلانية المستوردة المفتتة، المأخوذة بذاتية وانتقائية عجائبية.
كما أن الريفيين؛ رجلَ الدين والجامعي، يمثلان مجتمعاً قديماً في حالة انهيار، لكنه يتبدى لهما كانتصار دولة الإسلام القادمة العظيمة، وليس لكون الريف في حالة انهيار اقتصادي، وأنه بحاجة إلى حلول اقتصادية وثقافية عميقة، كإعادة الأرض الزراعية وتوزيعها على الفقراء ومكننة الزراعة وإعادة تشكيل النساء باتجاه الحرية والأسرة الصغيرة.
إن الحديث عن عودة دولة الإسلام السحرية هذه ليس هو منطق خريج اكسفورد، لكنه يقول إن الجمهور يستبطن اللاوعي العميق للحياة وان في مكنوناته وعباداته رموزا استعادية للحضارة وغير هذا من الشعوذة “المصوغة” ببعض مصطلحات مدارس معينة تتجاهل أزمات الجمهور وعذاباته الذي هو بأشد الحاجة إلى الصناعة والعلوم والعمل.

صحيفة اخبار الخليج
5 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

تغير الشكل وظل الجوهر

منذ عامين أو ثلاثة،‮ ‬طرح احد المواقع على شبكة الانترنت سلسلة من الأسئلة داعياً‮ ‬المشاركين فيه وزواره لإبداء وجهة نظرهم حولها‮.‬ من تلك الأسئلة‮: ‬ما هي‮ ‬التحولات التي‮ ‬طرأت على بنية الطبقة العاملة خلال القرن العشرين على صعيدي‮ ‬الدول الرأسمالية المتطورة والدول النامية؟،‮ ‬وما هي‮ ‬علاقة ذلك باتجاهات تطور الثورة العلمية والتقنية وثورة المعلومات مع بداية القرن الحادي‮ ‬والعشرين،‮ ‬وما هي‮ ‬تأثيرات العولمة على مجرى تلك التحولات،‮ ‬وما هي،‮ ‬بالتالي،‮ ‬مهام الطبقة العاملة ببنيتها الراهنة في‮ ‬ظل عملية العولمة الجارية‮.‬ وأمر حسن أن‮ ‬يثير منبر إعلامي‮ ‬مثل هذه الأسئلة داعياً‮ ‬لإطلاق نقاش حولها،‮ ‬لأنها أسئلة ما زالت تحتفظ بدلالاتها ومغازيها الأصلية بعد أن انتهى نظام القطبية الثنائية وجرى الترويج لانتصار الليبرالية الجديدة،‮ ‬في‮ ‬صورتها المتوحشة التي‮ ‬تريد خلق عالمٍ‮ ‬جديد على هواها،‮ ‬تُلحق فيه الأطراف قسراً‮ ‬بالمركز العالمي‮.‬ أي‮ ‬أن الفكرة الأساس التي‮ ‬انبثت عليها مثل هذه الأسئلة ما زالت حية،‮ ‬وهي‮ ‬لا تتوارى ولا تتلاشى،‮ ‬بل لعلها تكتسب مضامين وأبعاداً‮ ‬جديدة في‮ ‬عالم اليوم المتحول،‮ ‬والواقع إنه منذ عقود والنقاش‮ ‬يدور حول التحولات العميقة التي‮ ‬جرت في‮ ‬بنية وتركيب تلك الشرائح الاجتماعية الواسعة المنضوية تحت هذا المصطلح المتداول في‮ ‬العلوم الاجتماعية وفي‮ ‬الاقتصاد السياسي‮ ‬خاصة،‮ ‬أي‮ ‬مصطلح الطبقة العاملة‮.‬ ‮ ‬فالثورة الالكترونية الهائلة التي‮ ‬عصفت بالعالم،‮ ‬وتجاوزت في‮ ‬نتائجها وآثارها ما كانت الثورة الصناعية منذ حوالي‮ ‬ثلاثة قرون قد أحدثته،‮ ‬للدرجة التي‮ ‬تطرح على بساط البحث السؤال عن المقصود تحديداً‮ ‬بها أو ما هي‮ ‬الفئات التي‮ ‬يمكن أن تندرج تحت هذا السياق‮.‬ لكن هذا النقاش لا‮ ‬يُغيب الفكرة الجوهرية المتصلة بحقيقة أن العالم رغم ما شهده من تحولات جذرية لم‮ ‬يصبح أكثر عدالة وسعادة،‮ ‬وما زالت الثروات فيه تقسم قسمة طيزي،‮ ‬بل أن هذا العالم بات أكثر انقساماً‮ ‬بين شماله وجنوبه،‮ ‬وما زال‮ ‬يخلق الآليات التي‮ ‬تولد الحروب والانقسامات الاجتماعية والعرقية والاثنية،‮ ‬ومظاهر الغبن والعسف والظلم،‮ ‬التي‮ ‬وإن تغيرت أشكالها فإنها لا تتغير من حيث الجوهر‮. ‬ما‮ ‬يجعل من المغزى الكفاحي‮ ‬والمنهجي‮ ‬لهذه الأسئلة حاضراً‮ ‬وبقوة أكثر على الصعيد الدولي‮ ‬العام وعلى صعيد كل بلدٍ‮ ‬على حدة‮.‬
 
صحيفة الايام
5 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد

بيان الجمعيات الست عن «نبذ العنف والموقف من الإصلاح» يفتح المجال لحلحلة الملفات

 

العنف.jpg

 


دافع عدد من النشطاء السياسيين عن بيان الجمعيات السياسية بشأن نبذ العنف، وقالوا: «إن هذا البيان يفتح طريقاً آخر أمام المواطنين للمعارضة, فالحكومة تقوم بغلق جميع المنافذ على الناس بحيث تترك منفذَين فقط؛ فإما اليأس وإما التطرف ونحن نحاول أن نفتح المنفذ الثالث وهو المقاومة المدنية».

وأكدوا خلال الندوة التي نظمتها صحيفة «الوسط» بشأن بيان الجمعيات السياسية عن نبذ العنف السياسي والموقف من الإصلاحات أن الجمعيات السياسية لا تحاول من خلال هذا البيان التبرير لعمليات العنف بل تحاول شرح الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة كخطوة أولى لوضع الحلول لها.

وشارك في النَّدوة كل من الأمين العام لجمعية التجمع القومي الديمقراطي رسول الجشي والأمين العام لجمعية ميثاق العمل الوطني أحمد جمعة والأمين العام لجمعية المنبر التقدمي الديمقراطي حسن مدن والأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف وعضو اللجنة المركزية بجمعية الوسط العربي الإسلامي أحمد سند البنعلي, والأمين العام لجمعية الإخاء الوطني موسى الأنصاري, والأمين العام لجمعية العمل الإسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ, والنائب في كتلة الوفاق جواد فيروز.

وفي حين رأى عدد من المشاركين أن البيان استخدم لمسألة تبرير العنف على رغم أنه لا يدعو إلى العنف, وقالوا: «يمكن لمن يمارس العنف أن يستشهد بهذا البيان الذي يتيح له ممارسة العنف», أكد عدد منهم أن هذا البيان يعد دليلاً ساطعاً على أن هذه الجمعيات تدين العنف لكنها ترى أن لهذا العنف أسبابه». مؤكدين أن المشكلة تكمن في رفض وزارة الداخلية النصف الآخر من البيان.

وأضافوا «إن القراءة المتأنية لهذا البيان تشير الى أن هذه الجمعيات تدين العنف بما في ذلك العنف الآتي من الشارع بشكل جلي وواضح وهي بذلك تنزع الغطاء السياسي عن بعض الممارسات التي تتخذ طابع العنف في المظاهرات والمسيرات».



وف
يما يأتي نص الجزء الأول من الندوة:





*في ضوء الأحداث التي تكررت كثيراً منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي بشكل خطير بحيث أصبحت هناك الآن احتمالات لانفلات الوضع، فمن جانب هناك لغة تصعيدية من قبل بعض أطراف المعارضة ومن جانب آخر هناك تصعيد أمني، وخلال الفترة الأخيرة سقط 3 أشخاص جراء أحداث العنف التي شهدتها البلاد. سنناقش في هذا المنتدى الأسباب التي أدت الى حدوث مثل هذه الأحداث وإمكانية إيجاد حلول لها، وكان بودنا أن تكون وزارة الداخلية ممثلة في هذه الندوة وقد أبدت استعدادها لذلك في بادئ الأمر ولكن بسبب ما ورد في بيان الجمعيات السياسية الداعي الى نبذ العنف الذي أصدرته هذه الجمعيات حديثاً، فإن الوزارة ترى أنه على رغم إدانة هذه الجمعيات أعمال العنف فإنها تبرر هذا العنف من قبل البعض، فهل صحيح أن الجمعيات السياسية المعارضة تنبذ العنف في بداية البيان ثم تبرره في آخر البيان ما يعني أنها تشجع الأفراد الذين يقومون بمثل هذه الأعمال؟

رسول الجشي: في رأيي أن هذا السؤال هو الذي يبلور أساس المشكلة لدى المسئولين في وزارة الداخلية، فعندما أدانت الجمعيات العنف في البداية، فإن ذلك يعد دليلاً على أن هذه الجمعيات تدين العنف لكنها ترى أن لهذا العنف أسبابه، إن المشكلة تكمن في رفض وزارة الداخلية النصف الآخر من البيان، فلا يمكن أن يحدث عنف من دون أسباب ومبررات، نحن نريد أن نتتبع الأحداث لمعرفة هذه الأسباب، وإذا استطعنا أن نصل إلى هذه الأسباب التي أدت الى هذا العنف فربما نستطيع أن نصل الى الحل، وإذا كان بعض الأسباب غير قابل للحل فذلك موضوع آخر، ولكن إن استطعنا الوصول الى نقاط إيجابية فيما يتعلق بالمشاكل واستمر العنف فإن الخطاب حينها سيتغير، فإن كان العنف من أجل تحقيق هدف معين وقامت الحكومة بتحقيق هذا الهدف فإن الخطاب للجمعيات السياسية سيتغير حينها، وحينها ستبرز علامة استفهام كبيرة عن أسباب هذا العنف ومن يقف وراءه ولكن عندما تكون أسباب العنف واضحة وجلية وموجودة وتكرر بشكل يومي – كما جاء في البيان- فلا يوجد هناك داعٍ لإعلان أن ليس هناك مبررات لهذا العنف أو السكوت عن ذلك.

لا تبرير للعنف

*ما رأيك، أحمد جمعة، في ذلك؛ هل ترى أن خطاب من يسمون أنفسهم بالجمعيات السياسية المعارضة يدين العنف لكنه مع ذلك يوجد تبريرات للعنف؟

أحمد جمعة: فيما يخص البيانات التي صدرت لإدانة العنف، فقد أصدرنا نحن في جمعية ميثاق العمل الوطني أكثر من بيانين بهذا الخصوص على رغم أننا لم نوقعْ البيان الأخير الذي أصدرته الجمعيات الست، فالقراءة الأولى لهذا البيان تعيدنا الى الوراء كما تعيدنا الى مجموعة من البيانات التي صدرت في السنوات الأخيرة، فجميع البيانات التي تصدرها الجمعيات المتخندقة داخل إطار الجمعيات المعارضة والتي تكون في تغير مستمر فمرة تكون ثلاث جمعيات ومرة أخرى تكون أربع جمعيات أو ست جمعيات، بما فيها البيان الأخير لا يختلف تماماً عن الكثير من البيانات التي صدرت خلال أربع السنوات الأخيرة، ومع ذلك أستطيع القول أن لا هذا البيان ولا المئات من البيانات الأخرى تستطيع أن تعالج مسألة العنف والاحتقان الحاصل…

*نحن لا نطرح هنا مسألة الحل ولكن مسألة تبرير العنف، فهل ترى أن هذا البيان يبرر للعنف الحاصل؟

جمعة: إن هذا البيان استخدم لمسألة تبرير العنف على رغم أنه لا يدعو إلى العنف، من زاوية أننا لا نؤمن بالعنف ولكن يمكن لمن يمارس العنف أن يستشهد بهذا البيان الذي يتيح له ممارسة العنف، في حالة وجود حالة من العنف في المجتمع فإن ما يجب فعله هو إما إدانة هذا العنف أو تبريره إذ لا توجد لغة أخرى أو لغة تمسك الميزان من الطرفين بحيث لا تخشى خسران الشارع وفي الوقت نفسه تدين العنف.

أسباب الظاهرة

*دعونا ننتقل إلى حسـن مـدن، إن ما ذكره أحمد جمعة من أن هذه الجمعيات لا تريد أن تفقد الشارع وبالتالي فهي تلقي باللوم على الدَّولة، فهل ذلك صحيح؟

حســن مـدن: أرى أن القراءة المتأنية لهذا البيان تشير الى أن هذه الجمعيات تدين العنف بما في ذلك العنف الآتي من الشارع بشكل جلي وواضح وهي بذلك تنزع الغطاء السياسي عن بعض الممارسات التي تتخذ طابع العنف في المظاهرات والمسيرات، هذه الجمعيات السياسية الموقعة للبيان تريد أن تقول إننا لا نلتمس أي عذر لأشكال العنف التي تطبع هذه التحركات من جانب المشاركين فيها وأعتقد أن هذا موقف سياسي مهم لأنه ينزع الغطاء السياسي عن هذه التحركات ولا يقدم إليها أي مبرر وهذا الموقف ليس موقفاً جديداً وإنما يندرج في إطار مواقف سابقة، ولكن الجديد في هذا البيان هو أنه يأتي في رؤية متكاملة لمعالجة مسألة العنف، ليس صحيحاً ما يقال من أننا ندين العنف … ولكن، عندما نأتي لهذه الظاهرة وبمعزل عن كوننا سياسيين فإن أي باحث اجتماعي عندما يتصدى لأية ظاهرة في المجتمع فيجب عليه أن يبحث في أسبابها فلا توجد ظاهرة في المطلق أو في الهواء بمعزل عن سياق اجتماعي اقتصادي معيشي معين فلنعُد إلى جميع الأبحاث والدِّراسات الأكاديمية التي لا تنطلق من بواعث سياسية فهي لا يمكن أن تدرس ظاهرة العنف بمعزل عن سياقها، أعتقد أن على الدولة أن تنظر بعين موضوعية إلى أهمية أن جمعيات سياسية بهذا الوزن وبتمثيلها شرائح واسعة من المجتمع تقول هذا الكلام وأن يكون صدر الدولة واسعاً لتحمل النقد.



*ما يفهم من كلامك هو أن هناك فرقاً بين التبرير والبحث في الأسباب وأنكم لم تكونوا تبررون هذا العنف وإنما تبحثون في أسبابه، كما أشرت إلى أن الجديد في هذا البيان أنه طرح رؤية متكاملة وبالفعل فإن من يقرأ البيان يرى فيه أجندة وطنية تتضمن 7 نقاط أساسية من بينها المصالحة الوطنية، فهل ما طرح كان تجميعاً لما هو موجود على الساحة أم أنها فكرة قد تم العمل عليها بحيث تصدر كرؤية وطنية للعلاج؟

مـدن: البيان لم يكن تجميعاً، وإنما هو وقفة وطنية مسئولة أمام ظاهرة العنف، فقد ذكرت في السؤال الأول أن هذه الظاهرة تتكرر في الآونة الأخيرة وهناك مؤشرات على تفاقمها خلال الفترة المقبلة وهذا يتطلب وقفة جادة من الجميع سواء من الجمعيات السياسية أو الدولة أو مؤسسات المجتمع المدني والصحافة وجميع الشرائح الوطنية المعنية بهذا الموضوع والوقوف أمام هذه الظاهرة ودراستها من جميع جوانبها، ولذلك؛ فإن هذه الوقفة الوطنية تطلبت أن تأتي ضمن رؤية متكاملة، فنحن ندين العنف الآتي من الشارع وندين الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن في التعاطي مع التحركات الشعبية والتي تتخذ في بعض الحالات صورة عقاب جماعي لبعض المناطق، وهناك الكثير من الشكاوى التي ترد عن أن هناك العديد من المناطق التي تضررت من دون مبرر، هناك حديث يدور في الفترة الأخيرة حول هجوم قوات مكافحة الشغب على المواطنين في داخل المحكمة وهذا تجاوز خطير لا يمكن السكوت عنه، فالصوت النَّاقد والصوت المعارض في المجتمع يعتبر ضرورة من ضرورات الإصلاح فلا يمكن أن تنتظر الدولة من الجمعيات السياسية في مواقعها المختلفة أن تكون في موقف مؤيد لكل ما تقوم به الدولة.

الفقر والبطالة من أهم الأسباب



*لقد قامت جمعية الإخاء بتوقيع هذا البيان على رغم أنها لم تكن طرفاً فيما يدور من أحداث عنف في الشارع، فما الذي دفعكم إلى اتخاذ هذا الموقف؟

موسى الأنصاري: إن وحدة ومصلحة الشعب البحريني بشكل كامل هو ما دفعنا إلى اتخاذ هذا الموقف، فظاهرة العنف لا تؤثر على منطقة معينة فقط أو محافظة معينة فقط أو حتى طائفة معينة فقط.

*هناك 7 نقاط طرحت من خلال البيان، فما هي الرسالة التي أردتم إيصالها إلى الدولة من خلال هذه النقاط؟

الأنصاري: إننا نرفض العنف المستخدم من قبل الدولة كما نرفض وبشكل أقل العنف المستخدم من قبل الشارع، إن رؤيتنا تنطلق من أسباب العنف في الشارع فلم يتم الحديث عن ذلك حتى الآن، إن العنف موجود منذ عدة سنوات ولدى الحكومة من الأدوات التي تمكنها من الوصول الى أسباب العنف، وإذا أردنا معرفة هذه الأسباب فدعني أقول إن العنف لا يحدث في المناطق الجديدة والراقية وإنما يحدث في المناطق والقرى الفقيرة التي تسكن فيها عوائل كبيرة من 20 أو 30 شخصاً في منزل صغير لا يتسع إلى 5 أفراد. إن هؤلاء يقاسون ويعانون الفقر والحاجة وليس لديهم من مخرج آخر سوى الاحتجاج والمظاهرات، كان يجب على الحكومة النظر في الأحوال المعيشية لمثل هؤلاء المواطنين كما كان على الدَّولة أن تشكل لجنة لمعرفة الأسباب التي أدت الى حدوث أعمال العنف في هذه المناطق بالذات، هناك أسباب كثيرة لذلك وهي البطالة والجوع والفقر.

*من ضمن النقاط المطروحة في البيان الحاجة إلى مصالحة وطنية، فهل تعتقدون أن البحرين تنقصها المصالحة الوطنية وأن هذه المصالحة قد تكون عاملاً من عوامل الحد من العنف ونبذه، أم أن ذلك عذر يتعذر به من لا يريد نبذ العنف؟

أحمد سند البنعلي: قبل أن ندخل في موضوع المصالحة يجب أن نعرف أن هذه المصالحة بين مَن ومَن، هل هي بين النظام والمعارضة أم هي بين أنواع المعارضة، فما يسمى بالمعارضة حاليّاً هي متفاوتة في درجاتها، فهناك معارضة حادة ومعارضة خفيفة.

بالنسبة إلى البيان فان الجمعية لم توقعه ولا أعرف إن كان عرض عليها أم لا، لكنني بصراحة أعجبت بهذا البيان كشخص وليس كجمعية فيما عدى بعض النقاط، لقد أحسست بأن هذا البيان هو عبارة عن برنامج عمل، في السابق لم يكن مثل هذا الطرح موجوداً فأية جمعية معارضة يجب أن يكون لديها برنامج عمل لكي تطرحه، المعارضة لم تطرح برنامجاً وإنما تحدثت عن نقاط معينة كالتجنيس والعنف وعن العدالة الاجتماعية لكنها لم تطرح آلية للعمل للحد من هذه الظواهر، في حين أن هذا البيان يتضمن آلية وكأنه شبه برنامج، ولكن هناك عدة نقاط استوقفتني فيه، فعندما يطرح البيان «رفضت قوى المعارضة توظيف رجال الأمن وشرطة مكافحة الشغب من غير أبناء البلد» هذه نقطة نحن متفقون عليها ولكن عندما يضيف «واستغلالهم في مواجهة المتظاهرين أو المعتصمين وهي عادة دأب عليها المستعمر البريطاني» فما الذي دعا الجمعيات السياسية إلى إدخال هذه النقطة في البيان، فإذا كنا نتحدث عن بيان يتحدث عن وضع وطني أو عن عنف في الساحة الوطنية فما الذي يدخل المستعمر البريطاني في هذه الحالة.

إن المصالحة الوطنية تعني أن هناك خلافاً بين جهتين وأن هناك طرحاً يقرب بينهما بحيث يسيرون في قارب واحد أو حل وسط، السؤال هو: هل نحن مختلفون على نظام الحكم أم لا، فان كنا مختلفين بشأن ذلك؛ فهذه قضية أخرى ولكن إن كنا جميعنا كجمعيات سياسية متفقين على نظام الحكم وإننا بحاجة إليه على رغم ما يحتاج من إصلاحات، فسؤالي هنا: هل نحن متفقون على نظام الحكم؟ من وجهة نظري إن الجميع متفق على ذلك ولا أحد يريد تغيير نظام الحكم لا معارضة ولا موالاة ولكن عندما نطرح مثل هذه المسألة فإن ذلك يوحي الى شيء معين أو كما يقال بالعامية «نغزة».

فيما طرحه الأخ موسى الأنصاري، فما فهمته من كلامه انه يريد أن يقول إن العنف موجود في القرى بسبب أن هذه القرى مظلومة، في حين أنني أعرف أن هناك الكثير من العوائل الفقيرة في منطقة المحرق، فهناك من لا يملك مكيفاً في الصيف أو سخاناً في الشتاء وبيوتهم تشبه الأزقة، ولذلك فإنني أرجو عدم التمييز بين مناطق البحرين فيما يخص الظلم الاجتماعي، فالظلم الاجتماعي وعدم وجود عدالة اجتماعية شاملة لكامل المجتمع البحريني.

إن كان هناك ظلم فانه واقع على الجميع، ولكن هل هذا يبرر – إن كانت هذه الحادثة صحيحة- قذف مواطنين يمرون في الشارع في منطقة كرزكان بزجاجات الملتوف؟ فهذا يعتبر جريمة، العنف الذي أتحدث عنه هنا أنه عندما تكون هناك مظاهرة سلمية وووجهت بنوع من العنف وردت هذه المظاهرة بعنف مقابل يمكن أن يكون ذلك مقبولاً.

عنف أم جريمة

*إذاً أنت تقول إن ما يحدث ليس عنفاً سياسيّاً وإنما جرائم؟

البنعلي: بعض الحالات كما حدث في كرزكان يعتبر جريمة وليس عنفاً سياسيّاً، مقبولاً إنه عندما تطلق سيارات الشرطة الرصاص على المتظاهرين ويرد عليهم بالملتوف.

جمعة: أنت تقول إنه من المقبول أن يتم إلقاء زجاجات الملتوف على سيارات الشرطة؟

البنعلي: أنا لم أقل ذلك إنني ضد العنف بجميع أشكاله سواء من السلطة أو المواطنين.

جمعة: لكنك قلت انه عندما تكون سيارة شرطة فإن ذلك يعتبر اقل من التعرض لمواطن عادي؟

البنعلي: أقول انه لو حدث أن جماعة أطلقت الرصاص على جماعة معينة وأن الجماعة الأخرى ردت ودافعت عن نفسها فإن ذلك لا يعتبر عنفا وإنما شيئ متبادل، هناك قانون يحكم هذا البلد وفي هذه الحالة يجب محاسبة المخطئ، ولكن عندما يسير مواطن في أي منطقة في البحرين أو أي قرية ويتم رمي زجاجات الملتوف عليه فإن ذلك لا يجوز ويعتبر جريمة محاولة الشروع في القتل، اتفق مع ما ذكره حسن مدن من أن العنف له مبرراته…

*ولكن حسن مدن قال إن للعنف أسبابه وليس مبرراته؟

البنعلي: إن من درس القانون يعرف انه حتى للجريمة أسبابها، وهناك من يقول إن المجتمع هو من يدفع الإنسان إلى ارتكاب الجريمة وهناك من يقول إن الإنسان نفسه يولد ولديه نزعة للإجرام وهناك من يقول إن الأسباب مشتركة بين الاثنين، وبالتالي فان العنف الفردي يمكن أن تكون له أسباب مجتمعية.



*دعونا نحيل السؤال إلى النائب جواد فيروز، هناك من يقول ان جمعية الوفاق تورطت بالمشاركة في الانتخابات وهي ترى الآن أنها تفقد شارعها لصالح حركة حق، وبالتالي فإن لدى الوفاق جماعة تتحدث الى الشارع بلغة معينة كما أن لدى الوفاق كتلة برلمانية تتحدث بلغة أخرى في البرلمان، ولديها أيضا علماء دين يتحدثون بلغة ثالثة كما أن لديها من يجتمع بالجمعيات السياسية ويتحدث بلغة أخرى، ما يعني عدم وجود لغة واحدة لجمعية الوفاق كما أنها لم تشارك الدولة في حفظ الأمن ونبذ العنف وإنما تركت الشارع ليتصرف على هواه خوفاً من أن تفقده؟

جواد فيروز: أولا أحب تأكيد أن الوفاق لم تتورط في دخول البرلمان وإنما اتخذت قرار المشاركة بقناعة تامة وهو موقف سياسي يمكن أن يتغير أو أن يثبت، أما ما يخص موقف الوفاق من العنف فإن هذا الموقف كان واضحاً ليس فقط خلال فترة الإصلاحات بل حتى في فترة التسعينات فان جميع رموز الوفاق سواء داخل البحرين أو في الخارج كانوا ينبذون العنف ولم يتبنوا العنف بدلاً عن العمل السياسي، وفي اعتقادي فإن العنف لا يشكل ظاهرة في البحرين وإنما هو حالة استثنائية ونادرة، ففي جميع دول العالم قد تحدث محطات من العنف ولكن القوى السياسية غير متهمة بأنها تدير عملية العنف أو تشجعها…

*ولكن بالنسبة الى البحرين فإن موت شخصين خلال أقل من سنة يعتبر شيئاً كبيراً، ففي ديسمبر من العام الماضي تم قتل أحد الأشخاص وفي شهر ابريل/ نيسان قتل الشرطي ماجد أصغر؟

فيروز: من مفهومنا الشرعي فإن إراقة الدم أمر ليس مقبولاً وليس القتل، أؤكد أن نبذ العنف هو مسألة جوهرية في خطابنا وفي حركتنا الميدانية…

الدفاع عن مرتكبي العنف

*إن جميع ذلك معروف ولكن انتم متهمون بالتبرير للعنف والدفاع عمن يرتكب هذا العنف من قبل الشارع؟ إذ إنكم دعوتم حديثاً إلى الإفراج عن المتهمين بقتل الشرطي من دون حتى محاكمة؟

فيروز: نحن نطالب بنزاهة القضاء في جميع القضايا، ولنرجع الى الموضوع الأصلي، فان الجمعيات السياسية عامة والجمعيات الست خاصة قد أثبتت تكرارا ومرارا أن مواقفها ومن خلال تبنيها عدداً من المشاريع السياسية أنها لا تستخدم نبذ العنف كتكتيك وإنما ذلك إستراتيجية دائمة لديها والبيان الأخير في تصوري كان تأكيدا للكثير من الثوابت، ومسألة ال «لكن» لم أجدها في بيان الجمعيات وإنما وجدتها بعكس ذلك في بيان وزارة الداخلية، إن بيان الجمعيات فسح المجال للدولة أن تستخدم العنف في إطار الحدود القانونية وأن يكون هناك تعاط عقلان مع استخدام العنف لوقف الفوضى وقد جاء في البيان «عدم استخدام العنف المفرط مع الجمهور» أما ما يخص الجمهور فقد أورد البيان «على المتظاهرين والمحتجين عدم اللجوء الى الأساليب العنيفة ضد رجال الأمن»، إن ذلك عكس بيان الداخلية الذي يؤكد في غالبيته استخدام العنف «في إطار القانون» نحن نطالب الداخلية بهذا الأمر فليثبتوا لنا الآن أنهم يستخدمون العنف في إطار القانون لقد وجدنا مؤخرا استخدام العنف في داخل أروقة المحكمة، أليس هذا استخداماً للعنف في خارج إطار القانون، فلم يتم الحصول على موافقة القاضي لممارسة هذا العنف، لقد تم استخدام العنف المفرط في الكثير من الحالات ولم نسمع بمحاكمة واحدة لأحد رجال الأمن الذين استخدموا هذا الأسلوب، شخصيّاً تعرضت للعنف من قبل رجال الأمن في مسيرة سلمية وأصبت بطلقة مطاطية التي تنفي وزارة الداخلية استخدامها -رافعاً كيساً جلبه معه- هذا كيس ملآن بالرصاص المطاطي، كما أن هناك الكثير من مثل هذه الطلقات لدى الناس جمعوها منذ العام 2002 وحتى العام 2008، نحن نطالب وزارة الداخلية بأنها إن أرادت بالفعل أن تكون نزيهة أن تفتح تحقيقاً في ذلك ونحن سنشارك في هذا التحقيق سواء من خلال البرلمان أو كجمعيات سياسية.

الخوف من الشارع

*ولكن بعيداً عن البيانات، هل قمتم بأي عمل على الأرض لتوعية الجمهور بهدف نبذهم العنف، وهل قمتم بضبط الجمهور المنفلت خلال المظاهرات؟ أم خفتم من أن ينقلب هذا الجمهور عليكم؟

فيروز: نحن لا نخشى من انقلاب الشارع، خطابنا السياسي واضح جدّاً بهذا الشأن، نحن لم نسير أية مسيرة تؤدي الى العنف ولم نجد في خطاباتنا أية إشارة أو دعوة إلى العنف، بالطبع نحن ندافع عن الناس حتى المتهمين يجب البحث في أدلتهم وحيثياتهم بحيث نحقق لهم العدالة وذلك ليس تبريراً للعنف، لماذا تبرر وزارة الداخلية ممارستها للعنف، أليس التعذيب الحاصل الآن على عدد من المعتقلين جزءاً من العنف، لقد أوصلت شخصيّاً للمسئولين في الوزارة عددا من الأسماء المتهمين بممارسة العنف على من هم في داخل السجن، إن الجدية في هذا الموضوع تعني تعاون الجميع بأن نبحث في جذور المشكلة والحل لها.

*الاتهام نفسه يوجه إلى جمعية «أمل» من حيث لغة الخطاب، فغالبية خطب الشيخ محمد علي المحفوظ لا تخلو من خطاب مبطن للعنف كما أن البيان يتهم غالبية رجال الأمن بأنهم مجنسون وكأنما هم هدف مشروع لعمليات العنف؟

الشيخ محمدعلي المحفوظ: سأنطلق من نقطة مهمة جدّاً في هذا الموضوع وهي هل توجد رؤية للنظام السياسي في البحرين، إن ما نلاحظه من خلال الواقع هو عدم وجود رؤية سياسية واضحة، وإنما هناك تفكير في أن النظام حكم مطلق ولذلك فهو يحاكم كل كلمة تصدر، هذه مشكلة كبيرة فهل نحن شركاء في الوطن كشعب، إذ الدُّول في العادة تشكل من خلال طرفين الشعب والحكومة، الحكومة قابلة للتغير حتى وان كانت ثابتة، نحن الآن نناقش مسألة تشخيص لحالة العنف من قبل وزارة الداخلية، فالوزارة تريد أن تحاكم الناس وهي ليست في موقع الحاكم وإنما هي طرف في قضية ممارسة العنف فحتى لو اتهمت الجمعيات السياسية أو أطرافاً معينة بممارسة العنف فإن موقعها ليس موقع إصدار الأحكام ولا حتى الدولة مهيأة لذلك فقد جاء في القرآن الكريم «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر» ( إذ ليس من مسئولية أحد السيطرة على الناس، ولذلك فان غياب الرؤية لدى الدولة يجعل دائماً الناس هم الطرف الأسفل وتنظر إليهم باستعلائية، ولذلك فهي تطلب منا توضيح عباراتنا بينما لا يستطيع أحد أن يطلب من وزارة الداخلية توضيح عباراتها أو أن يختصمها أمام القاضي فهي الخصم وهي الحكم، كما أنها قدمت الكثير من القضايا وخصوصاً في محاكمة قتل الشرطي ماجد اصغر وما تبع ذلك من ظهور الوثيقة – سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة- أي سواء أكانت الوزارة مخطئة في قاعدة البيانات أم لا…

*القضية هي هل انتم كجمعية «أمل» تبررون للعنف أم لا؟

المحفوظ: إن ما أطرحه هو قضية مهمة جدا فمن المفترض على الدولة أن تحاول أن تتجاوب مع هذا الخطاب وترد عليه بواقعية، فالكل مجمع الآن على أن هذا الخطاب هو خطاب عقلائي وإن اختلفت بعض المفردات في حين أن لدى وزارة الداخلية مبدأ دائم هو «أثبت هل أنت مع العنف أم ضد العنف» ليس الدولة من يحدد ذلك وإنما الحقائق هي من تحدد، فطالما هناك قمع في أي مجتمع، وهناك قمع سياسي في البحرين وهناك قمع في «البحر» حتى أن 97 في المئة من البحر لا يستطيع المواطن العادي الوصول إليه وهناك قمع بالنسبة الى السكن وهناك قمع بالنسبة الى الراتب ومعيشة الناس وهناك فساد سياسي وغياب للعدالة وعدم توزيع عادل للثروة كل هذه الأمور موجودة ما يعني حشر الآخرين في زاوية، فمن المحتمل أن من يمارس هذا العنف موجود في داخل الدَّولة ويريد أن يرتقي درجة وقد صدر الكثير من الحديث عن الحرس القديم والحرس الجديد ومواقع الأشخاص في ظل هذا الواقع السياسي إذ من الممكن أن يمارس البعض العنف السياسي بسبب أنه طريق للارتقاء في وظيفته أو معيشته… حتى نعالج مسألة العنف ينبغي علينا أن نخرج من حالة الحكم المطلق…

العنف مازال مستمرا

*ولنفرض أن الدولة لم تخرج من حالة الحكم المطلق فهل ذلك يبرر حالة العنف؟ إن ما طرحه عدد من المسئولين في ابريل الماضي هو أن مشاريع التنمية تتعطل بسبب هذا العنف؟

المحفوظ: إن هذا الكلام ليست له مصداقية على أرض الواقع بسبب انه طالما انه موجود هذا الواقع السيئ فان ذلك ليس مبرراًً للاحتجاج، العنف ليس موجودا في الشارع فقط، هناك العشرات ممن استشهدوا في السجن نتيجة العنف…

*ولكن ذلك كان في فترة سابقة؟

المحفوظ: لا يهم، حتى في الفترات اللاحقة وفي ظل فترات الإصلاح استشهد أحد المتظاهرين برصاصة مطاطية بالإضافة إلى حالات نشر الذُّعر والخوف بين الناس وإلقاء مسيلات الدموع، إن ما يجب الاتفاق عليه هو أن وجود العنف فيما قبل المشروع الإصلاحي وما بعد المشروع الإصلاحي ليس مرتبطاً فقط بالشارع وإنما في جميع الواقع السياسي.

إن الجمعيات السياسية ليس لديها حضور عسكري وكل ما تفعله هو ندوات سياسية وبرامج ومقرات سياسية مفتوحة أمام الدولة تفتشها كلما أرادت وهناك مراقبة على هواتف النشطاء السياسيين، إن من يخيف هو من يمتلك السلاح.

التأسيس لمرحلة جديدة

*هل تعتبرون أن هذا البيان يؤسس الى مرحلة جديدة من العمل السياسي تأملون من خلاله أن تفتحوا حواراً مع السلطة لحل العديد من المشاكل بما فيها العنف السياسي؟ وإن كان كذلك فهل لديكم آلية لتفعيل النِّقاط المطروحة في البيان على أرض الواقع؟

إبراهيم شريف: إن البيان مر بمرحلتين، وخلفية البيان كانت هناك محاولة في مطلع العام وبعد أحداث ديسمبر أن تكون هناك مبادرة وطنية وقد طرحت مسودة بتسمية «المبادرة الوطنية للإصلاح» في ذلك الوقت ولكن اجتماع الجمعيات كان حينها متقطعاً، إن ما طرحه الأخ احمد جمعة صحيح لأن البيان قد ضم قضيتين؛ هما الموقف من العنف والموقف من الإصلاح وعندما كلفت بصياغة موقف الجمعيات من العنف رجعت إلى هذه المسودة لأخذ أسباب العنف وأدخلناها على البيان، من الواضح انه كان هناك انسجام كبير بين الجمعيات الست خلال الفترة الماضية، بحيث لم نجد خلافات مهمة في القضايا الأساسية المطروحة ما سهل موقفاً مشتركاً بين الجمعيات، هناك تقدم فيما يخص علاقة الجمعيات بعضها ببعض ونأمل أن ترتقي هذه العلاقة إلى أكثر مما هو موجود الآن ولكن وضعنا الحالي أفضل مما كان عليه في السنة الماضية.

بيان الموقف من العنف موجه الى 3 جهات هناك محاولة لحث الشباب على ستخدام طرق أخرى، نحن لم نحدد طرق المقاومة المدنية مثلاً ولكن هناك حالة غضب موجودة – لا أعرف إن كانت قضية كرزكان تمت أم لم تتم لا يمكنني الحكم في ذلك- ولكن يمكن تلمس حالة شديدة من الغضب لدى الشباب تظهر في هتافات معينة تعتبر في حد ذاتها حالة من العنف اللفظي، إن هذا العنف اللفظي والغضب الشديد من السهولة أن يتحول الى حالة من العنف يتم فيها إلقاء الحجارة والملتوف، وبالتالي كان من المهم جدّاً أن «نعقلن» معارضة الشباب المتشدد ونحن بحاجة الى شباب شديدين في معارضتهم ولكن ليس بالأسلوب الذي يقومون به الآن، نحن نحتاج الى توجيه هؤلاء الشباب إلى العمل السلمي فإذا كانت لديهم أهداف نبيلة فيجب أن تكون أفعالهم من جنس أهدافهم، كانت هناك محاولة لتوجيه هؤلاء الشباب إلى أن العنف خطير على المجتمع وخطير علينا نحن.

الرسالة الثانية كانت موجهة إلى الحكومة وهي إن أردتم حل هذه المشاكل فيجب عليكم البحث في الأسباب، وابحثوا عن القضاء العاجز عن حل القضايا العالقة بين الناس، نحن نتحدث عن احتقانات وان لم تكن هناك طرق أو جهة تفض المنازعات في المجتمع فإن هذه الاحتقانات ستزداد، إن كنت شابّاً شيعيّاً وتريد العمل في الشرطة أو قوة الدفاع فإن ذلك ليس متاحا لك، فإذاً ما هي الطريقة التي يمكن من خلالها أن توصل احتجاجك هذا، فالنواب لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً والقضاء عاجز عن فعل ذلك، الحكومة تقوم بغلق المنافذ على الناس بحيث تترك منفذين فقط فإما اليأس وإما التطرف ونحن نحاول أن نفتح المنفذ الثالث وهو المقاومة المدنية.

ولننظر الى قانون التجمعات فلو عملنا تجمعا من 5 أشخاص امام إحدى القرى وعلى الرصيف بحيث لا نعطل المرور ورفعنا شعارا معينا، يمكن لقوات الأمن أن تضرب هذا التجمع من خلال «قانون التجمعات»، إن القوانين لها مقاصد معينة، كتنظيم الحياة أو تنظيم حركة المرور، الندوة التي نظمت قبل سنة ونصف في قرية النويدرات وشاركت فيها بجانب علي ربيعة والشيخ صلاح الجودر وجلال فيروز، نضرب جميعنا بمسيلات الدموع والرصاص المطاطي أمام وسائل الإعلام ومن دون أي إخطار سابق، سواء كان ذلك بإخطار أو من دونه… إن الدولة تريد أن «تكسر رأسك» كان بإمكان الدولة أن تقول إنكم خالفتم القانون وفي هذه الحالة يمكن للدولة أن ترفع قضية على من خالف وهذا هو الخيار المدني العاقل، قوات الأمن احتجت بأن هذا الاجتماع غير مرخص له وكان بإمكانها أن ترجع إلى قانون العقوبات الذي يشير الى التعامل مع هذه الحالات على رغم انه سيئ إلا انه يشير الى الخطوات الواجب اتخاذها، وأول شيء يجب على قوات الأمن أن تدعو المتجمهرين الى التفرق وبعدها يجب عدم استخدام مسيلات الدموع الا في حالة عدم وجود خيار آخر كما لا يجب استخدام الرصاص المطاطي إلا في حالة الدفاع عن النفس ولكن ما حدث هو أن قوات الأمن قامت باستخدام الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي من دون أن توجه أي إنذار.




 




نص الجزء الثاني من الندوة:



 




الحكم والمعارضة






أضاعا العديد مـن الفرص للخروج من حالة العنف











 



*هل ترون أن هذا البيان، المبادرة، يطرح خياراً آخر غير العنف أو اليأس؟ ولو تم تفعيل هذه المبادرة فإنها ستطرح منفذاً للمقاومة الشعبية بصورة مختلفة؟

إبراهيم شريف: أظن أننا نعاني في الوقت الحاضر من مشكلة، فمن دخل منا، المعارضة، المجلس النيابي وجد نفسه عاجزاً أمام تحقيق الأهداف المهمة التي وضعها نصب عينيه ومن قاطع وجد نفسه أيضاً عاجزاً عن عمل أي شيء، إن الناس أمام هذا العجز سيبحثون عن خيارين فإما أن ييأسوا وذلك ما لا نريده أو يتطرفوا وذلك ما لا نريده أيضاً، ولذلك فإننا نجد أن هناك حاجة لإبداء الرأي بشكل آخر. مثلاً يمكن الاحتجاج على مصادرة الأراضي العامة بأسلوب آخر، يمكن في هذه الحالة أن ننصب خيمة في إحدى هذه الأراضي التي تم مصادرتها وتحويلها من ساحل عام إلى ملكية خاصة وعندها فلتأتي الشرطة وتستخدم العنف ضدي بسبب أنني أقمت هذه الخيمة بدون إخطار وذلك مخالفة للقانون، أرى أنه في فترة من الفترات يجب أن نشجع مخالفة القانون بهدف إرجاع الحقوق، إن هذه ليست دولة القانون التي وعدنا بها فلو كانت هذه دولة القانون لكان القانون يطبق على الجميع.




حالة من عدم الثقة





*هل يعني ذلك أن هناك حالة من عدم الثقة بالنظام وأن هذا النظام ليس جاداً في عملية الإصلاح، هناك قضايا مازالت معلقة ومازالت حاضرة في فكرنا كقضية التقرير المثير والشحن الطائفي بالإضافة إلى تأثيرات الوضع في العراق وإيران، كل ذلك يأتي في ظل وجود صحافة وأقلام تسعى إلى الشحن الطائفي و إشعال الفتنة واستخدام القوة، وفي حين أن القوى المعارضة ليست فاعلة على الساحة فهي بالتالي ضحية لهذا الوضع مثلها مثل الشباب الذين يخرجون في الشارع ويقومون بأعمال العنف؟ هل ترون أنفسكم في هذا الوضع؟



رسول الجشي: نحن عندما ندعو إلى إيقاف العنف من جانب الطرفين فنحن لا نقتصر بذلك على ممارسة العنف بحد ذاته وإنما نسعى إلى نظرة أبعد من ذلك، فإن استمرار العنف في ظل هذه الأوضاع سيؤثر على الوضع العام كما سيؤثر على مشاريع التنمية والاستثمارات الخارجية والداخلية، فكما هو معروف فإن هذه الاستثمارات قد توقفت في فترة ما ولكن بعد أن هدأت الأمور بدأت البحرين تستقطب أعداداً كبيرة من الاستثمارات، ما أحب أن أتوقف عنده هي مسألة الثقة، فالبحرين تعاني من أزمة ثقة وهي إحدى الأسباب التي أدت إلى ما نحن عليه الآن وما تم ذكره في البيان فمثلاً قضية التجنيس هي أساساً نتيجة أزمة الثقة.

وفيما يخص اعتراض وزارة الداخلية على ما جاء في البيان وخصوصاً الإشارة إلى سياسة الاستعمار الإنجليزي، أنا وبحكم عمري قد عايشت هذه الفترة قبل 60 سنة وكنا في تلك الفترة نثير نقطة، لماذا يتم توظيف الشرطة من الهند؟ وفعلا جاءنا الرد من قبل بعض المسئولين وهو أن الحكومة البريطانية تثق في الهنود بحكم العلاقة المشتركة بين بريطانيا والهند على مدى أكثر من 400 سنة، ومع ذلك فإن الشرطة في البحرين كانت تدار من قبل بحرينيين، عدد كبير منهم من الطائفة الشيعية، أي من دون هذا التفكير الطائفي البغيض الذي يسيطر على أوضاعنا في الفترة الحالية.

عندما نتحدث عن التجنيس فإننا نتحدث عن هذه السياسة في ظل البطالة الكبيرة التي تعاني منها البحرين، لماذا لا ننشئ كلية للشرطة في البحرين نخرج من خلالها شرطة وطنية عوضاً عن توظيف أشخاص نأتي بهم من الخارج ونجنسهم، إن مثل هذا الطرح قد أثرناه أكثر من مرة مع الكثير من المسئولين، لننشئ هذه الكلية ونفتحها للجميع وإن رفضت مجموعة أو طائفة معينة الانخراط في سلك الشرطة فعندها سيقع اللوم عليها.

*إن ما تطرحه يشير إلى ما هو أكثر مما جاء في البيان، هل تعني أن فترة الاستعمار الإنجليزي كانت أفضل من هذه الفترة إذ كان يقود الشرطة حينها أفراد من الطائفتين؟

الجشي: إن ما أقوله لا يقتصر فقط على مسألة الثقة، وإنما البعض يطرح أن من يتم توظيفهم هم أناس مدربين ولا يوجد لدينا في البحرين أناس مدربين.

في فترة من الفترات كان أجمل مهرجان سنوي يقام في البحرين تنظمه الشرطة وكانت الشرطة هي من تقدم جميع الفقرات فيه وكان أغلب سكان البحرين يحرصون على مشاهدة هذا المهرجان، لقد كانت هناك علاقة حميمة بين الناس وبين الشرطة ولم يكن المواطنون يفكرون بأن الشرطة يشكلون خطراً عليهم.



هل توقف الإصلاح؟




*لو خرجنا قليلاً عن موضوع البيان، هناك من يرى أن عملية الإصلاح قد توقفت لحد ما، ربما بسبب وجود خوف وخشية أو بسبب أصحاب المصالح، فهل ترون أن قضية الإصلاح أصبحت مسألة نظرية وأن البحرين في الواقع تتجه إلى شيء مختلف تماماً؟ وما هو المستقبل في هذه الحالة وإلى أين نحن نتجه؟



الجشي: لقد طرحت موضوع الحوار، فإن كان لدى المسئولين استعداد لذلك فإن لدينا ما هو أكثر من الاستعداد، وهنا لا أقصد وزارة الداخلية وإنما المسئولين عن حلحلة جميع القضايا، فالبيانات السياسية لا تحتمل التفاصيل، نحن نطرح قضايا عامة وإن أراد المسئولين الحوار، عندها يمكن طرح التفاصيل للوصول إلى حلول معينة.

أحمد جمعة: أظن أننا نناقش النتائج بعيداً عن الأسباب، فالأخ إبراهيم تحدث عن المرحلة الحالية كما لو كانت أسوء من مرحلة ما قبل المشروع الإصلاحي، هدف هذه الندوة هو الدعوة لنبذ العنف، هناك من يقول إن المرحلة المقبلة يمكن أن تكون أسوء من المرحلة الحالية، وإن هناك ملفات ساخنة مازالت على الساحة كالبطالة والتجنيس، وجميع هذه المواضيع تأتي في إطار مشروع إصلاحي مر عليه أكثر من ثماني سنوات، ويرون أن البحرين قد عادت إلى الوراء خلال هذه السنوات الثماني، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية.

البحرين من أقل الدول الخليجية من حيث الإمكانات المادية ولكن البحرين كانت في فترة من الفترات من أقوى اقتصاديات المنطقة، ولكي نكون أكثر صراحة يجب أن نطرح سؤالاً يمكن أن يكون بعيداً عن موضوع هذه الندوة ولكنه يجيب عن الأسباب وليس النتائج التي نتحدث عنها الآن، مثلاً إضعاف الحكومة، ما أراه وما يراه المراقب غير المتحيز أن هناك محاولات لإضعاف الحكومة، كما أن هناك خطة أو منظومة تحاول وتسعى لذلك، وبصرف عن اتفاقنا مع الحكومة أو اختلافنا معها فعندما يتم إضعاف الحكومة كيف يمكن معالجة القضايا كالعنف والتجنيس والاستثمار والاقتصاد؟ إن إضعاف الحكومة يعني إضعاف الإنتاجية والتنمية وبالتالي إضعاف البحرين وكل المشروع الإصلاحي، هل ما يحدث الآن هو دعم للمشروع الإصلاحي أم هو مشروع لإضعاف البحرين؟ ما أراه هو أن السنوات الماضية أضعفت البحرين ولذلك يمكن التساؤل، أين ذهب الإصلاح؟ أنتم تتحدثون عن الديمقراطية في حين أن العنف وحرق الشوارع و انتشار الجريمة تتناقض مع الديمقراطية؛ فالجميع يعرف أنه كلما اتسعت الديمقراطية كلما قل العنف، إن ما نراه هو العكس، هذه هي الخطوط العريضة التي يجب أن نعي لها.




البرلمان هو الحل



*ولكن في رأيك من هو الذي يحاول إضعاف الحكومة؟


جمعة: أولاً هناك كتل في داخل المجلس النيابي تحاول إضعاف الحكومة، من وراء هذه الكتل؟ علينا أن نبحث عن ذلك، هناك أيضا تعدد القرارات داخل النظام، كما أن هناك جمعيات سياسية تكرر بياناتها منذ أكثر من ست سنوات لحد الآن في إدانة العنف، إن هذه الصيغة للبيان تؤكد على أن الجمعيات السياسية لم تتغير منذ ثمان سنوات.

الجشي: ذلك بسبب أن الوضع لم يتغير، ولو تغير الوضع لتغير خطاب الجمعيات السياسية.

جمعة: قبل ثمان سنوات كان هناك شعار «البرلمان هو الحل» وكان هذا الشعار يملأ الجدران والشوارع، بمعنى أن هناك برنامجاً يرى أن البرلمان والإصلاح والديمقراطية هي الحل، اليوم البرلمان موجود مع ملاحظة الأخ إبراهيم من أن هناك خطاً أحمر حول صلاحيات البرلمان ولكن بتجاوز ذلك نجد أن البرلمان موجود و الديمقراطية موجودة وهناك 18 نائباً من قوى المعارضة في هذا البرلمان وذلك ليس موجوداً في أية دولة عربية، إذاً يجب علينا الرجوع إلى البيان، وهل تغيّرَ خطاب هذا البيان عما سبقه قبل عملية الإصلاح.

*ما هو ردكم على ما طرحه أحمد جمعة من أن البيانات المكررة قد أضعفت الحكومة، وأنه كانت هناك فرصة للمعارضة للوقوف مع المشروع الإصلاحي ودعمه لكن المعارضة قد أضاعت هذه الفرصة؟

إبراهيم شريف: إن هذا الاتهام لا يوجه لنا من قبل القوى الموالية والحكومة فقط ولكنه يوجه لنا حتى من قبل جمهور المعارضة، فجمهور المعارضة يرى أن الجمعيات السياسية دعته للتصديق على الميثاق في العام 2001 ومن ثم دفعته إلى المقاطعة ثم إلى المشاركة، وما الذي حصل لهذا الجمهور في النتيجة النهائية؟ أعتقد أن الجمهور محق في جزء كبير مما يطرحه.

هذه الحالة أتت على فرضية أن البناء السياسي للمعارضة بعد العام 2001 مختلف عما قبل العام 2001 إذ كنا نتعامل مع قانون أمن الدولة وكانت الفرضيات وأساليب عمل المعارضة معتمدة على الكفاح من أجل الحق الدستوري، وتم الاتفاق في العام 2001 على إعادة تفعيل الدستور وجرى ما جرى منذ ذلك الحين، نحن لا نتكلم فقط عن إخفاق الدولة بالالتزام بتعهداتها فيما يتعلق بدستور 1973 فهذا جزء من الموضوع، فمشروع الميثاق كان أكبر من مجرد دستور، فالميثاق يتحدث عن مجتمع منفتح ومشاركة الناس في صنع القرار والمشاركة في الثروة و خلق ديمقراطية عريقة.

المأخذ على الحكومة

ولنأخذ جميع الفرضيات، فالنظام كان يعتقد أن هناك تفويضاً له بسن دستور 2002 وقد قام بذلك. ولكنا لا نتحدث فقط عن دستور 2002 ولكن ما حدث بعد هذا الدستور، فإن جميع ما حدث كان تقويضاً للميثاق المبني على المشاركة الشعبية والمشاركة في الثروة والسلطة.

إن أسوأ فترة في تاريخ البحرين فيما يتعلق بتوزيع الثروة أي من يملك كثيراً ومن يملك قليلا هي هذه الفترة، فأجور الطبقة الفقيرة ارتفعت من 150 إلى 200 دينار ولكن دخل أصحاب النفوذ قد ارتفع بحدود عشرة إلى مئة مرة، ثانياً كان الفساد في السابق يتم من خلال أن المفسد يمد يده للحصول على مبالغ مالية من خلال عقود الدولة إذ يمكن أن يحصل على 5 في المئة أو 10 في المئة من قيمة هذه العقود، ولكن ما يحصل الآن أن هؤلاء المفسدين لا يحتاجون إلى عمل ذلك فهناك اليوم ظاهرة الاستيلاء على الأراضي، والدليل على ذلك، انه قد تم دفن أراضٍ في عهد الإصلاح أكثر مما تم دفنه في العهد السابق للإصلاح أي انه خلال 6 أو 7 سنوات من الإصلاح قد تم دفن أراضٍ في البحرين أكثر مما تم دفنه خلال 30 أو 40 سنة ماضية والسؤال المطروح هنا على الإخوة لمن ذهبت هذه الأراضي؟، لن أذكر مواقع هذه الأراضي لأن ذلك سيقودنا إلى أسماء معينة في داخل السلطة.

لو أن الحكومة قد اكتفت بسلب الإرادة الشعبية من خلال دستور 2002 ولم تقرر سلب الأراضي من الناس وإنما توزيعها عليهم لكان الأمر قد اختلف كثيراً، ولكان الكثير من الناس قد تناسى سلب الإرادة وسار مع الحكومة، أي أنه كان باستطاعة الحكومة سحب البساط من تحت أقدام المعارضة ولكن الحكومة أرادت أن تسلب حق الناس في أن يكون لهم مجلس منتخب كامل الصلاحيات وحقهم في ثروة البلد، وهذه هي المشكلة الأساسية في عدم وجود الثقة بين الحكومة والناس.

مسألة أخرى، كان هناك عهد جديد في العام 2001 استبشر الناس فيه بإلغاء التمييز الطائفي، أحد الأخوة يقول إن هناك فقراء من الطائفة السنية كما يوجد فقراء من الطائفة الشيعية ولكن هناك فقير يضاعف عليه حمل التمييز بسبب طائفته، إن الفقير دائماً ما يميز ضده مهما تكن طائفته ولكن إذا كان من طائفة معينة فإن هذا التمييز يضاعف وإذا كان من فئة معينة من المواطنين فإن هذا التمييز يضاعف لثلاث مرات، إنني أقول إنه لا يوجد فقط تميز ضد المواطنين الشيعة أو المواطنين من الأصول الفارسية، ولكن حتى المجنسين يعانون اليوم من التمييز إذ يتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة ويساقون كالعبيد لصناديق الاقتراع ويقال لهم إنهم مراقبين في عملية تصويتهم، كما يجبر أبناؤهم للعمل كحمالين في السوق المركزي… لدينا شبكة رهيبة من الاضطهاد، فأين مبادئ الميثاق؟ لدى الناس غضب على السلطة ولذلك فإن هذا القهر ينتقل إلى المعارضة في بعض الأحيان، ولذلك أرى أنه يجب فتح منافذ الإصلاح للناس.




دائرة العنف





* إن هذا التشكيك والتصوير الدراماتيكي لفساد النظام هو بحد ذاته تحريض على العنف، وبالتالي فنحن ننتهي إلى المربع الأول من الندوة، إذ إن هذا التوصيف عندما يقال في ندوة أو نقاش عام قد يشحن الناس بالكره للنظام، ألا ترون أننا ندور في حلقة مفرغة وفي دائرة عنيفة وأن ما يمكن استخلاصه أن لا مخرج من هذه الحالة وأن الوضع يسير من سيء إلى أسوأ؟



حسن مدن: دعنا نستعرض العملية السياسية خلال السنوات الماضية منذ بدء العمل بميثاق العمل الوطني بأوجهها المتناقضة والمركبة، هذه التجربة حققت مكاسب إيجابية يجب عدم الاستخفاف بها، كوضع الحريات السياسية و العمل الحزبي، رغم وجود القيود عليه، وحرية العمل النقابي وحرية الصحافة….



*هل جميع ما ذكرته أصبح وضعه أفضل من السابق؟



مــدن: نعم، إن الحركة الوطنية في البحرين ناضلت طويلاً من أجل انتزاع مثل هذه المكاسب وقدمت تضحيات كبيرة من أجل ذلك، ويجب أن نعطي هذه المكاسب حقها وأن نحافظ عليها، ثانيا أتفق مع ما طرحه بعض الإخوان من أن المعارضة مسئولة عن بعض الأخطاء التي وقعت، بدليل التكتيكات المتناقضة من المقاطعة إلى المشاركة وما أحدثته من إرباك في الحياة السياسية. من حسن الحظ إنني أمثل جمعية سياسية ربما كانت اقل عرضة لهذا الإرباك لأننا منذ البداية لم نصعد خط المقاطعة ليصل إلى عنان السماء وبعد ذلك حاولنا إقناع الناس أن المشاركة لا بد منها. إن المعارضة بسبب إرباكات تكتيكاتها قد ضيعت بعض الفرص، ولكن من الجانب الآخر يجب ملاحظة مسئولية السلطة والحكم فيما آلت إليه الأوضاع، الأخ إبراهيم أعطى بعض الأمثلة، بصرف النظر عن حالة الشحن، ولكنها تنطلق من واقع على الأرض، ربما البيان عكس هذه الحالة من الشعور أننا أمام وضع غامض وغير واضح؛ إلى أين ستذهب البلد؟ و في ظل الملفات الجوهرية التي كنا نعول على حلها بعد عهد الإصلاح فإن الكثير منها مازال غير محلول وربما قد تفاقم، هذه مسألة طبيعية فأي مسألة لا تحل في وقتها تتفاقم وتزداد وتتضاعف تداعياتها مع مرور الوقت وذلك ما يحصل الآن في مناخ من الحريات وحرية التعبير والصحافة التي وضعت جميع المشاكل تحت المسائلة. وهذا الجانب يجب ملاحظته فالوعي السياسي الذي تشكل في البحرين خلال هذه السنوات وعي كبير جداً بفضل الآلية التي نشأت في البلد وعلى الدولة أن تتحمل ذلك فهي قد أطلقت آلية جديدة، سواء أكانت تريد ذلك فعلاً أم لا.




المعارضة والموقف من عملية الاصلاح



*هناك حديث يدور أن المعارضة تنطلق من واقعها هي فقط ولا تريد أن تفهم واقع عملية الإصلاح، فعملية الإصلاح تتعرض لضغوط وتوازنات، وبالتالي فإن المعارضة قد ساعدت الأشخاص الذين كانوا يضغطون في اتجاه إيقاف عملية الإصلاح، وعمليات التصعيد التي حدثت مؤخراً تشير إلى أن هناك أناس داخل معادلة الحكم لا يريدون الإصلاح، فخلال المرحلة السابقة وخلال قانون أمن الدولة صعد الكثير من الأشخاص، وهؤلاء يطرحون عملية الإصلاح وأنها قد قدمت الكثير، في حين أن المعارضة لاتزال تطرح الشعارات المعادية وتخرب البلد، ولذلك فإن المعارضة مسئولة أيضاً عن الحالة السيئة التي انتهى إليها الوضع؟


جواد فيروز: لا توجد مقارنة بين الحركة الإصلاحية والتنازل عن بعض الأمور التي كانت موجودة سابقاً كالتعايش والشراكة، إن مسألة تأكيد وتثبيت نظام الحكم لم تتم مواجهتها بإصلاح جذري وحقيقي داخل النظام وأجهزته، صحيح أنه رفع كشعار ولكنه عملياً لم يطبق، وهناك كذب وافتراء وضحك على الذقون من خلال اتهام المعارضة بتبنيها للعنف، عملياً لو كانت المعارضة تتبنى العنف لأصبح الوضع مغايراً تماماً عما هو حاصل، إذ سيكون هناك صدام بشكل يومي في كل أنحاء البحرين بين قوات الأمن وكل أبناء البحرين…

*تقصد أبناء كل فئة من شعب البحرين؟

فيروز: في اعتقادي أن الكثير من أبناء البحرين كانوا سيتورطون في ذلك سواء ضد النظام أو دفاعاً عنه وكانت ستصبح حرب أهلية، والذي أوقف هذه العملية هذه المعارضة الناضجة والحكيمة التي في اعتقادي لم يتم تثمين مواقفها حتى الآن، فعندما نجد جلالة الملك يلتقي ويجتمع مع بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة في حين تمتنع وزارة الداخلية عن حضور جلسة لأفراد يمثلون المعارضة وهم أضلاع القوم وهم ينادون بنبذ العنف، أقول إن العلاج الحقيقي يجب أن يكون من خلال مد الجسور والعمل معاً على تثبيت النظام والاستقرار، ولكن فلنكن واقعيين، فعلى الطرف الآخر أن يكون عملياً في طرحه.

عندما نجد فصيلاً من المعارضة يتبنى المشاركة ويتم سد جميع الأبواب أمامهم في قضايا بسيطة جدا، كالمطالبة بالتحقيق في موضوع تكافؤ الفرص الذي هو ليس من الملفات الساخنة وإنما لتثبيت المواطنة، نجد أن هناك عرقلة لهذا المشروع… كما يتم رسم الدوائر الانتخابية بحيث تكون الكتلة الانتخابية الأكبر هي الأقلية…

من المسئول؟



*إن ما يمكن استخلاصه من هذا الكلام أن الجميع يرمي المسئولية على الآخر والضحية هو الوطن؟



موسى الأنصاري: إن الديمقراطية التي حدثت في البحرين كانت مفروضة سواء من الخارج أو الداخل، هناك الآن رأيين، هناك من يريد الإصلاح وهناك من لا يريد ذلك، إن ما حصلنا عليه من إصلاحات يقتصر على حرية الكلام وحرية تشكيل الجمعيات السياسية حتى لا يتم إنشاء تنظيمات تحت الأرض، ولكن فيما يخص تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين ونبذ التمييز ومكافحة الفساد فإن الوضع أسوأ من السابق. نحن كشعب بحريني ننقسم إلى الشيعة والسنة والعجم فهل من المعقول أن يكون وزير واحد فقط ذا حقيبة وزارية من الطائفة الشيعية ووزير واحا فقط من العجم في حين توجد خمس عائلات فقط من الطائفة اليهودية وتمثل بوجود سفير لها في أهم دولة في العالم، إن الأيام المقبلة ستكون أسوأ مما هي عليه الآن.

*في ظل هذا التوصيف الذي يبدو أنه سيوصلنا لأيام سوداء ماذا نعمل لنمنع الأيام السوداء المقبلة؟

أحمد سند البنعلي: سأجيب عن هذا السؤال، ولكن بودي أن أعلق على بعض الأمور التي تم طرحها، لقد تحدث بعض الإخوة عن التمييز وأفهم من ذلك أن هذا التمييز مرتبط بالتوظيف العسكري، وأحب أن أقول في هذا المجال أن ابني تقدم للالتحاق بقوة دفاع البحرين في العام 2002 وقد قدم جميع الأوراق والفحوص ولكن لحد الآن لم يتم توظيفه وكذلك حدث مع ابني الثاني، إن الأمور العسكرية أمور حساسة جداً، فمثلاً من يتم القبض عليه وهو يلقي بزجاجة ملوتوف في الشارع هل تريدون أن نوظفه في قوة الدفاع ونعطيه دبابة أو رشاش، يجب أخذ وجهة نظر الطرف الآخر.

*ولكن ما هي نصيحتك للجميع لكي لا نقبل على الأسوأ؟

البنعلي: أتفق مع ما طرحه حسن مدن من أن هناك مكتسبات يجب المحافظة عليها، في البحرين لا يوجد اليوم معتقل سياسي واحد بسبب التعبير عن رأيه.

نحن نطالب بشيء واحد وهو أن هناك قانوناً، إن كنا متفقين معه أو مختلفين على بعضه، هذه القوانين يجب أن تأخذ مجالها في المجتمع.

فيما يخص الحرية السياسية، فإنني أرى أنه قد أبيح نوع من الحرية السياسية لطرف واحد، بينما منع على الطرف الآخر، فنحن نعاني من عدم وجود حرية، شخصياً عندما أبديت موقفاً معيناً من الدولة في مقال لي، فإن هذا المقال رفض نشره حتى يومنا هذا، نحن نريد أن نعزز من عملية الإصلاح، هناك أزمة ثقة بين الطرفين ولأكون صريحاً بين الشيعة والسنة، التغيرات الإقليمية التي حدثت في العراق وغيرها من البلدان زعزعت نوعاً من الثقة التي كانت موجودة، يجب تعزيز الثقة بين الطرفين عن طريق إزالة التصرفات التي توحي بعدم الثقة.

الوصول إلى الحلول

*إذاً فإن الشيعة متهمون بأنهم يثيرون الشكوك على أنفسهم مثلما تثير السلطة هذه الشكوك على نفسها، ولكي لا ندفن رأسنا في التراب هناك أزمة شيعية سنية ربما استفاد منها الحكم، ما هي مقترحاتكم لتخفيف هذه الأزمة؟

الشيخ محمد علي المحفوظ: ليس من الجيد مخاطبتنا على أساس الشيعة والسنة فإن ذلك سيعزز من الطائفية ولكن أرى أنه من الجيد أن نتحاور بشكل شفاف وبصدر رحب.

أريد أن أتحدث عن مسألة، هي أن وزارة الداخلية لاتزال تعيش في العقلية السابقة وتنظر دائماً بعين المحقق، ولذلك فإن بياناً كبيراً يتحدث عن مشروع ينبغي أن تقرأه سياسياً لا أن تختزل وضع البحرين بأن هناك عنفاً وهذا نوع من تبسيط القضية، لا أرى أن العنف الموجود في البحرين يستدعي كل هذا التضخيم، كما أن جميع رجال الدين وجميع السياسيين يؤكدون يومياً على إدانتهم للعنف، ولكي لا نخدع أنفسنا فإننا نعتقد بأن مجرد بيان لن ينهي حالة العنف الموجودة في الشارع، ولذلك ينبغي نزع الفتيل ونزع الأسباب، من اضعف الدولة ليس الناس أو المعارضة، فالميثاق قد طرح مسألة المملكة الدستورية فمن الذي يستطيع تفعيل هذه المملكة الدستورية، فإما هي الدولة نفسها وإما الدولة مع الشعب ولو أننا خطونا خطوات المشروع الإصلاحي كما بدأ لوصلنا اليوم بعيداً جداً عن الوضع الحالي ولذلك يجب أن نرى أن الحل لجميع هذه المشاكل بيد من؟

أحمد جمعة: كلنا نعرف أن البحرين من أقل دول المنطقة من ناحية الإمكانيات، ولكن من خلال الإنسان البحريني بصرف النظر عن توصيفه فإنه بإمكاننا أن نعمل ما عملناه قبل 30 سنة والذي عجزت جميع دول المنطقة عن فعله، ولكن ما الذي أوقف هذه المسيرة؟ أوقفها عجزنا عن البناء ورؤية الإنسان البحريني وإمكانياته وطاقاته.
 
 
الوسط – جميل المحاري
 

اقرأ المزيد

عـُــــمـَـــال ألــــبـــــــــــا…!


 


 
عـُــــمـَـــال ألــــبـــــــــــا…!

 

هــُــم  هـــكــــذا:-
كالـمـاء مـن بـحـر السـواعـد يـطـلـعـــونْ
كالـنــور فـي لـيــل الـتـبـاعـد يسـطـعــونْ
كـمـنــارة الـــدرب الـمــؤمَـــل لـلـعــيــونْ
فـي مـصـنـع الـفـجـر انـتـشـوا…
وبـقـبـضة الـبـســلاء…
والـهـدف الـبـهـيــج يـلـوِّحــونْ
وبــريـشة ِالـجـرح ِالـمـضـمـَخٍ ِ…
بـالـبـنـفـسـج ِيـكـتـبـونْ

هــُـم هــكـــذا:-
ركـّابُ قـاطــرة ِالـنـضـال ِالـصُـلـب.ِ..
لـلـتـأريــخ حـيـن يـكـابــدونْ
أنــدادُ رأس ِالـمــال .ِ..
أضــدادُ الخـديـعـــةِ …
والــريــاح ِالـصُـفـرِ …
والشـوك ِالـمُـنشَّر والـظـنــونْ



كانــوا…
لأقـبـيـة الـزنـازن ِوالـفـجـيـعـةِ …
والـمـوانـئ يـألـفــونْ
وسـقـاهـم تـرسُ الـفـوائـضِ …
مُــرً كـاسـات الـمـنــونْ
( سـلـطـانُ ) يـفـتـتـح الـسُـرى…
و( عـزيــزُ )يـكـظـمُ غــربــة…
و ( مـحــمــدٌ )
مــا كــان آخــرُ مــن يـكــونْ

هـُــم هــكـــذا:-
مـن رحـم بـوتـقـة الـبــلاد تـولــدوا…
وتــوحـدوا…
وتـعـاهـدوا…
وتـواعـدوا…
وأدارهـم قـطــبُ الــرحى  –
هـمُّ الــرؤى والـخـبــز…
والـفـرح الـمـؤجَّـل والشـجـونْ –
فـأحـالـهـم…
صـفـّـاً و قـلـبـاً واحـداً…
لـشـنـار شـرنـقـة الـطـوائـف يـخـلـعـونْ

هـُــم هــكـــذا:-
نـفـضـوا غـبـار شـتـاتـهـم…
فـتــدفــّـقـوا…
وتـعـانـقـوا…
وتـــألـّـقـوا…
جـعـلـوا نـقـابـتـهـمْ…
سـفـيـنـة حـبـٍّهـمْ…
وبــهـا إلــى…
فــجــر ِالـحـقـيـقـة ِوالـسعـادة ِيُـبـحــرونْ
 

عـبـد الـصـمـد الـلـيــث
31/10 / 2008   
 

اقرأ المزيد

المضحك المبكي‮ ‬في‮ ‬موضوع الرشوة


من وحي ما أثير في شأن محاولة رشوة وزير البلديات، وعلى خلفية ذلك الكلام الغريب المنسوب لمحامي المتهم في هذه القضية في محاولة نفيه للقصد الجنائي للرشوة بتغيير مسماها بقوله: إن موكله لم يترك سوى 14500 دينار وعلبتي حلوى رخيصتين بحسن نية كهدية للوزير !!، من وحي وعلى خلفية ذلك استميحكم هذه المرة في أن استهل هذا الموضوع بنكات.. ربما لأننا مغلوبون على أمرنا نبتلع المر ونختزن الحزن ونرضى بالمقسوم، ونجد أنه من المناسب أحياناً أن نلوذ بالنكات مكتفين عبرها بممارسة أضعف الأيمان، ربما لأن صورة الواقع على كاريكاتوريتها مسكونة بقدر من المفارقات ذات الوزن الثقيل التي أحسب أنها تجعلنا لا نعرف ما اذا كنا نتقدم أو نتأخر، ولا نعرف ما اذا كنا “نتشـاءم” أم “نتساءل” بعد أن عبرت الرشوة عن أشكالها ووجوهها ومفاعليها ومدى تغلغلها في مفاصل الحياة العامة، وتلفعت بأكثر من عنوان قد تبدأ بـ “هدية من نوع تلك الهدية ” مروراً بـ ” إكرامية، أو عطية، أو حلاوة، أو عمولة أو شطارة” أو ” دهان سير” أو ” معلوم”، وقد تنتهي بكلمات من نــوع ” نفّع واستنفـــع” أو ” خذ هذا للأولاد”، أو” تفتيح المخ” وما شابه، مما لا يمكن اعتباره إلا عناوين للرشوة مهما كانت تصنيفاتها رمزية أو فاقعة، مادية أو عينية.
تقول نكتة: إن بعض المرتشين يرفضون قبض مبلغ الرشوة مباشرة، وأنهم تعودوا أن يطلبوا من الراشين أن يضعوا الرشوة على الأرض ليستطيعوا تحت أي ظرف الحلف بأنهم لم يقبضوا شيئاً، وإنما وجدوا المال على الطريق والتقطوه دون أن يمت ذلك إلى الإثم بصلة..!!.
وفيما بين هذه النكتة وتلك التي تقول إن مقاولاً كبيراً ذهب إلى موظف صغير عارضاً عليه رشوة، فصرخ فيه الموظف: أعوذ بالله، إنني متوضىء يا رجل، أمامك درج المكتب مفتوح ألا تراه، وبين النكتة التي تخبرنا أن رجل أعمال أراد أن يقدم رشوة إلى موظف حكومي كبير ليحصل على تسهيل معين، وعندما دخل إلى مكتب الموظف غافله وألقى تحت الكرسي الذي يجلس عليه الموظف مبلغ 50 ألف دينار، ثم قال له لقد سقط منك على الأرض مبلغ 50 ألف دينار، فرد عليه الموظف الحكومي الكبير قائلاً: لم يسقط منى 50 ألف دينار ولكن سقط مني 100 ألف دينار، في إشارة إلى أنه يريد رفع المبلغ إلى الضعف، بالإضافة إلى تلك النكتة التي تقول إن مواطناً أثناء انتخابات برلمانية في دولة عربية لم يجد اسمه في كشوف التصويت بالصندوق الذي يشرف عليه القاضي فاتجه إليه قائلاً: هل ممكن أن أضع أصبعي في الحبر، لأنني أخذت مبلغاً من أحد المرشحين، ولو خرجت من غير العلامة على أصبعي سأضطر لترجيع المبلغ..!!.
وتتلاحق أمام أعيننا مشاهد كثيرة مفزعة من وباء الرشوة بما يعد نذيراً بأن المجتمع بأسره أصبح في خطر، مثل ذلك المشهد الذي يعاني منه بلد عربي أو أكثر، ذكرت تقارير أن المسؤولين فيه يصلون إلى مناصبهم عن طريق رشوة المسؤولين الأعلى مركزاً، وحين يتولون المسؤولية فإن أول ما يبدأون به هو ابتزاز الناس العاديين من لا سند لهم ولا ظهير لكي يحصلوا على منافع ومبالغ أكبر بكثير من التي دفعوها، يتم ذلك بكثير من السرعة والعجلة قبل أن يأتي أشخاص آخرون ويزيحونهم من مناصبهم بعد أن دفعوا مبالغ أكبر إلى من يعينون ويعزلون..!
فيما بين تلك النكت قاسم مشترك تمثله تلك المأساة الحقيقية للرشوة التي أخذت أبعاداً وصوراً وأشكالاً مختلفة ومذهلة، وشهدت تطوراً هائلاً هذه الأيام، ربما لتواكب المتغيرات على الساحة الخارجية لدرجة أنه بات هناك مؤشر دولي تصدره منظمة الشفافية الدولية عنوانه ” مؤشر دافعي الرشاوي “.. !! ، كما بات هناك تصنيف لأنواع المرتشين ومستويات الرشوة، وأصبح بديهياً الحديث عن رشاو صغرى لعل منها محاولة رشوة وزير البلديات، ورشاو كبرى لعل منها ما عرف بقضية الرشوة في ” ألبا ” التي كان قد كشف عنها في فبراير الماضي، وبالمناسبة هذه القضية أضافت إلى معلوماتنا بأن سوق الرشاوي بات يشهد رشاوي قيمتها عدة مليارات من الدولارات، مع ملاحظة هامشية أخرى أن لا أحد يعلم حتى الآن عن مجريات هذه القضية في المحاكم الأمريكية وما إذا كانت لا تزال منظورة لدى القضاء الأمريكي.. !
نعلم أن الرشوة في بلادنا كما في بلدان أخرى أصبحت واقعاً يومياً في كثير من أجهزة ومؤسسات الدولة، وأصبح الاعتراف أو عدم الاعتراف بها الواقع من باب تحصيل الحاصل، حيث صار بوسع المرء معرفة ملامح وتضاريس خريطة الرشوة التي هي في أبسط وأوجز تعريف ” هي ما يعطي لإبطال حق أو لإحقاق باطل “، وبالتالي فهي ابنة شرعية للفساد الذي رغم أنه يهز وجداننا ويؤرقنا بقاؤه، إلا أننا لم نفعل شيئاً جدياً وحاسماً على طريق مواجهته رغم كل اليافطات والشعارات، ومادامت الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 التي تبنتها الدولة مؤخراً جاء ضمن محاورها استئصال الفساد والسعي للتطبيق العادل للقوانين، فإن من الواجب أن لا تبقى هناك أي ذريعة تعطل مواجهة الفساد بشكل أكثر رسوخاً وثباتاً ووضوحاً.. !!
نعود إلى قضية محاولة رشوة وزير البلديات المثار حولها لغط كثير، فبصرف النظر عن تفاصيل ووقائع وملابسات هذه القضية فإننا نرجو ألا يطول انتظارنا لنتائج التحقيقات فيها، وصدور الحكم بشأنها، لاسيما وأن هذه القضية تثير علامات استفهام وتعجب كثيرة، غير أنه لا يفوتنا ونحن نقلب على الأقل ما هو متداول ومنشور حتى الآن في خصوص هذه القضية أن نسجل أكثر من ملاحظة:
الملاحظة الأولى تتصل بما كشفت عنه القضية من مفاجآت وصفت بأنها من العيار الثقيل أبرزها أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يحاول فيها الراشي أو الشركة المتورطة أتباع هذا الأسلوب.. !! ونشر أن مسؤولاً كبيراً قبِل رشوة قدمت إليه وتصل إلى مئات الآلاف من الدنانير، وهو كلام خطير موثق ومنشور ولم يعقب عليه مسؤول واحد توضيحاً أو تكذيباً، ويبدو أنه سيكون من المتعذر نفي ذلك خاصة إذا أمعنا فيما أورده تقرير ديوان تقرير الرقابة المالية فيما يخص البلديات.. !!
أما الملاحظة الثانية فهي أن الشركة المتورطة هي نفسها التي فازت بعطاء النظافة في المحافظتين الشمالية والوسطى، وبافتراض صحة ما قيل عن اتجاه لفسخ العقد المبرم مع الشركة، إلا أن ذلك لا يعفي من السؤال تلو السؤال، وكل سؤال لا يخلو من وجاهة ومشروعية حول دور مجلس المناقصات ودور الجهات الرقابية، ودور كبار المسؤولين الذين تقلدوا على مدى السنوات الماضية، وحتى الذين لازالوا يمسكون بزمام المسؤوليات في  ” البلديات ” وخاصة ذات العلاقة بالمشتريات والمناقصات، وعلينا أن نتنبه إلى أن التصريح الذي أطلقه رئيس بلدي الشمالية قد كشف عن مفاجأة هي أيضاً من العيار الثقيل بقوله: إن شركة النظافة التي أرسيت عليها المناقصة لم تكن موجودة ضمن القائمة على الإطلاق، وأقحمت فجأة دون أن يعلم أحد عنها شيئاً، بل حتى عن اسمها، هذا التصريح يستدعي اسئلة ملحة ومحرجة، عن عدد الرشاوى والمناقصات التي مررت ومبالغها والمستفيدين منها، ولماذا لا يكون هناك صدى لهذا الأمر، والسؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا لماذا لا تتحرك النيابة لفتح تحقيق للوقوف على صحة تلك الاتهامات ووضع الأمور في نصابها الصحيح..!!.
الملاحظة الثالثة: فهي تتصل بما أورده تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير حيث يلفت الانتباه إلى عدم التزام شؤون البلديات ومعظم البلديات بالمحافظات بقانون تنظيم المناقصات والمشتريات الحكومية، واستمرار تجزئة كثير من المشتريات لتفادي طرحها في مناقصات، كما ينبه التقرير إلى وجود تعاملات مملوكة من قبل أشخاص لهم قرابة ببعض المسؤولين بالوزارة دون إفصاح هؤلاء المسؤولين بهذه العلاقة لكي لا يتم استبعادهم عن المعاملات المتعلقة بالجهات المعنية، الأمر الذي يتعارض مع مبادىء الإفصاح ويخلق تأثيراً للمصالح الشخصية على المصلحة العامة، الأمر الذي يجعل موضوع الرشوة غيض من فيض.
يا ترى ما هي حقيقة وخلفية رشوة وزير البلديات؟ وكم محاولة رشوة نجحت في البلديات، وفي غيرها من الوزارات والأجهزة الرسمية؟ والأهم ماذا فعلنا لكي نوقف الدوران في حلقة مفرغة، ونوقف الهدر في المال العام ونضع حداً للفساد ؟..
اقرؤوا تقرير ديوان الرقابة المالية الجديد وأمعنوا جيداً في صدى هذا التقرير، لعل في ذلك إجابة.. !


 

 
الأيام 31 اكتوبر 2008

اقرأ المزيد