المنشور

تجاهل الخطأ تقوية للخطأ‮.. !‬


بين الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030 وتقرير ديوان الرقابة المالية 2007ترابط وثيق، فإذا كانت الرؤية وما أثير بشأنها من كل حدب وصوب كافٍ أولاً للحكم على الأهمية الإستراتيجية لهذا المشروع الوطني بما ينطوي عليه من مبادىء ومحاور ومنطلقات وأهداف تجعله حقاً بوابة للإصلاح الاقتصادي، وكافٍ ثانياً لإظهار أن المواطنين تائقون توقاً عميقاً إلى مناهج عمل جديدة تجعل واقعنا واقتصادنا في أوفر عافية، وأن قادم الأيام ستكون حقاً خيراً مما سلف، فإن تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2007 نجد في كنفه غابة من المعضلات والتجاوزات والأخطاء ومظاهر من التسيب والهدر بالتفاصيل وبالأرقام، شأنه شأن التقارير السابقة التي تكلمت عن مخالفات لا تعد ولا تحصى، وأضحت في معظمها شأناً يكاد يتكرر في كل تقرير، سنة فسنة، مما يجعل الأمور لا تسير في الاتجاه الايجابي المنشود.


 وبما أن الرؤية الاقتصادية من ضمن عناوينها اللافتة: الإصلاح، واستئصال الفساد، والتقدم على سلم الشفافية، وتوفير أجواء التنافس الحر العادل في كافة المعاملات سواء في التوظيف أم المزادات العامة أم ترسية المناقصات أم السعي إلى التطبيق العادل للقوانين، وإرساء العدالة في المجتمع، والحوكمة للشركات المملوكة للدولة لتكون نماذج مثالية، فإن ذلك يفترض أن يكون بمثابة حافز يحثنا على البدء فوراً بتغيير أسلوب التعاطي مع تقرير ديوان الرقابة المالية بكل ما في ذلك من حزم وعزم وبأس وإرادة، لأنه ليس من الحكمة أن تستمر المخالفات والتجاوزات المنافية للمصلحة العامة، ونبقى نصر على التعامل معها مخففين من وطأتها و “ملطفين” من مسماها باعتبارها مجرد ملاحظات والتي بصرف النظر عن المسمى فإنها كالعادة لا تخضع لأي تحقيق، ولا تستدعي فرض انصياع المعنيون بها أو المتورطون فيها إلى ما يدفع نحو أي معالجة ولا نقول محاسبة، وكأن هناك من يريد لهذه الأحوال أن تستمر، متسبباً عمداً أو عجزاً في حدوث مترتبات ومضاعفات لاشك أنها لو استمرت، فإنني لا أظن أن المرء يحتاج إلى خيال واسع لكي يتصور كيف سيكون مسار الأوضاع الاقتصادية والأهداف التنموية من منظور الرؤية الاقتصادية المستقبلية التي نرى في مضمونها اليوم ما يبعث على البهجة والتفاؤل، وسيكون خطأ فادحاً أن نعجز عن تهيئة الأجواء التي تمهد لتطبيق الرؤية وتشيع الأمل في النفوس وتزيل منها ما هو عالق من إحباط، لذا لا نستطيع أن نكتم غيظنا من الشعور بأن الحسم والجدية كانا ولا يزالان مهمة مستحيلة لمواجهة ما ورد في التقرير الأخير تماماً كما هو الحال مع التقارير السابقة لديوان الرقابة المالية، وذلك لاشك أنه باعث على الوجع والقلق والانزعاج والدهشة، لأنه حتماً لا يخدم أي توجه نحو المستقبل ولا مطالب المستقبل .


ما جاء في التقرير فيه الكثير من التفصيلات التي لا مجال للخوض فيها الآن، ولكنها لا تدع مجالاً للشك في ان هناك خطأ يستوجب المعالجة، وأهم متطلبات المعالجة ان نعيد النظر وبكل جدية في الفعل وفي ردة الفعل، ومن هنا نتساءل عن المطلوب، ونجيب:


المطلوب أولاً: أن نتحلى فوراً بأقصى قدر من الجدية والحسم مع كل تقرير يصدره ديوان الرقابة المالية لوقف الهدر الذي يلحق بالمال العام، وليس من الحكمة أن تتكرر المخالفات والتجاوزات في كل عام ونبقى ننظر لها ونتعامل معها على أنها مجرد ملاحظات، في مشهد يرفع من شأن قيم سلبية معينة، ويهمش أو يضعف، بل ويغيب أو يجهض من شأن قيم إيجابية من قيم العمل العام أهمها قيمة المساءلة والمحاسبة، مما لا يصّوب المعوج ولا يصحح الخطأ، ومن هنا فإنه ليس بغريب أن يكون صدى هذا التقرير والتقارير الأخرى السابقة محصوراً حتى الآن في ذلك المشهد المتمثل في تسابق الوزارات والأجهزة الرسمية المعنية إلى نشر تصريحات وبيانات مسهبة تفند وتدحض ما ورد بشأنها من مخالفات المذهل أن كثير منها يكاد يتكرر في كل تقرير، وتتكرر معها التبريرات التي لا معنى ولا قيمة لها في غالب الأحيان، والتي منها ما يكفي في ابسط الأحوال أن يقدم من يتحمل المسؤولية عنها استقالته، إلا أننا على ما يبدو أمام نمط أو نماذج فذة من مسؤولين كثر لا يعرفون من ثقافة الاستقالة شيئاً، نماذج ترى أنها محصنة من الاستقالة أو الإقالة ولا ترى أن عمرها الافتراضي في موقع المسؤولية هنا أو هناك ينتهي اليوم أو غداً. وذلك في حد ذاته وجه آخر لمشكلة جديرة بالتأمل والتقصي والدراسة.
المطلوب ثانياً، الاقتناع بأن بلوغ أهداف الرؤية الاقتصادية والتنموية لا بد أن يقترن مع إصلاح حال الإدارة العامة وتنزيهها من ادران عديمي الكفاءة، والتسيب والفساد، بل لا بد أن يشكل هذا المطلب البعد الأعمق في أي رؤية، وفي قمة أولويات أي إستراتيجية عمل تنبثق عنها، أننا نحتاج اليوم قبل الغد إلى إصلاح إداري يجب أن يطال الجهاز الرسمي في بناه وأنظمته وأساليب عمله وتأهيله وفق أحدث الأساليب، مع اعتماد معايير الكفاءة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ذلك كله من شأنه أن يدفع بالأمور في الاتجاه السليم. والمطلوب أخيراً وليس آخراً من النواب أن يتعاملوا مع كل تقرير من تقارير ديوان الرقابة المالية بمهنية عالية من دون ادعاءات مزعومة، ومدافع إعلامية بات يجيدها البعض من النواب الذين دأبوا على توجيه أسئلة نيابية متكررة ورتيبة، فيما دأب البعض الآخر على إلهاء الرأي العام بمعارك مفتعلة في سبيل بطولات وهمية حول هذا الرقم أو ذاك، ومحتواه ومدلوله، فيما دأب آخرون على تسييس التعاطي مع الكثير من محتويات هذا التقرير.


إن ديوان الرقابة المالية رسالته التحقق من سلامة ومشروعية استخدام الأموال العامة وحسن إدارتها، وإحكام الرقابة عليها، ومن المصلحة أن تكون تقارير هذا الديوان دافعاً للعمل والإصلاح وسد الثغرات التي تستغل في ارتكاب المخالفات والتلاعب بالأموال العامة وليس لخيبة الأمل وتكريس واقع محبط، وفي النهاية ليس أمامنا إلا القول: أن تجاهل الخطأ تقوية للخطأ، وأنه ليس من المنطق في شيء في أحسن الأحوال أن يعهد الى نفس الأشخاص الذين تجاوزوا وتخطوا الإشارات الحمراء في ارتكاب الأخطاء والانحرافات بمهمة الحساب والمساءلة ومعالجة ما ارتكبوه من أخطاء، لا ينبغي أن يكون ذلك حتى في حالة الإصرار على التعامل مع هذه الأخطاء والتجاوزات بأنها مجرد ملاحظات لا تستدعي أكثر من الرد والتوضيح.
من المؤكد أن ذلك يعيد إنتاج الأوضاع التي نشكو منها، ومن هذه الزاوية بات الإصلاح الإداري أمراً يفرض نفسه بقوة أكثر من أي وقت مضى لأسباب اعتقد أنها معلومة للكافة، وأتمنى أن تكون الرسالة واضحة والتنبيه أوضح ما يكون.
 
الأيام 7 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

نقابة ألبا‮..‬‮ ‬فوز‮ ‬يهزم الطعن والتشكيك‮!!‬


أبدا.. لم يكن غريبا أو غير متوقع فوز الكتلة العمالية بكافة المقاعد في انتخابات نقابة ألبا، ذلك أن هذه الكتلة معضدة بجهود رئيس النقابة علي البنعلي قد حققت حضورا مميزا في الانتخابات السابقة للنقابة، وعملت على الارتقاء بمستوى العامل فيها بجانب سعيها الدؤوب لتحقيق مطالبه النقابية والعمالية ووقوفها على القضايا الإدارية الإشكالية والمعلقة في الشركة، وتفرغها لمتابعة شؤون العمال ومحاولتها قدر المستطاع تيسيرها وتسخير كافة الإمكانات لرأب الصدع فيها، بجانب مواجهتها المسؤولة والجريئة لكل من يحاول عرقلة مطالب العمال، سواء كانت في إدارة الشركة نفسها أو من مصادر أخرى غيرها، وتركيزها على القضايا النقابية والعمالية دونما شطوح في التسييس أو انشغال بالصراعات الطائفية التي تسرق كثير من الجهد المفترض الاضطلاع به من أجل تحسين الوضع العمالي في النقابة، هذا فضلا عن رؤيتها المستقبلية لهذا الوضع وسعيها للحد من نسبة معوقاته، ولعلنا لمسنا ذلك في مطالبة رئيس النقابة الذي نتمنى أن يكون القادم أيضا، مطالبته إدارة الشركة باعتماد موازنة إضافية لمساندة المشاريع التي تسهم في تعديل أوضاع العمال ومن بينها ملف التأمين الصحي الذي قدر البنعلي موازنته بـ 201 مليون دينار، مؤكدا البنعلي على ضرورة أن تتعاطى النقابة هذا الملف وغيره من الملفات الملحة بشكل جديد وبأدوات مختلفة للوصول إلى ما يرضي جميع عمال ألبا.
قلنا لم يكن غريبا على هذه الكتلة الفوز بالمقاعد الخمسة عشر في النقابة، نظرا لهذه الجهود التي تبذلها من أجل العامل في ألبا، ولكن الغريب أن يأتي من يشكك ويطعن في هذا الإنجاز الذي أخضع لرقابة متعددة، تجسدت في جمعية الشفافية البحرينية والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان وجمعية مراقبة حقوق الإنسان والاتحاد العام لعمال نقابات البحرين.
ياترى ما هو الهدف من هذا التشكيك؟ هل ينصب في مصلحة العامل أم في قضية أخرى لا تذهب إلا إلى تسييس النقابة وتطييفها وهذا ما لم تتأسس على (مذاهبه) نقابة ألبا والكتلة العمالية على وجه التحديد؟
هل هو في وارد المشروطية لصلاحية النقابة ونزاهتها ضرورة فوز كتلة أو كتل أخرى مع الكتلة العمالية؟ لماذا كان الرضا واردا وملموسا من مختلف الأطياف على الدور الإيجابي الذي لعبه البنعلي كرئيس للنقابة بجانب بعض أعضاء الكتلة في سياق مجلس الإدارة السابق بينما الرضا مشكوكا في (نزاهته) في انتخابات مجلس الإدارة الحالي؟ هل ستكون الانتخابات عادلة إذا حازت مثلا كتلة التغيير على مقعد أو مقعدين في الانتخابات الحالية؟ وهل هذا هو هدفنا من النقابة أم أن أهدافنا أبعد من ذلك بكثير؟ ولماذا تفكر الكتل الخاسرة في تشكيل مجالس ظل للضغط على الكتل الفائزة؟ لماذا هذا التفكير؟ وهل فعلا أن الكتل التي لم تفز خاسرة؟ لماذا نعزز مثل هذه (المحبطات والميئسات) في جسد عمالنا؟
النقابة لا يمكن أن تحلق بجناح واحد، إنها تحلق بأجنحة كل العاملين فيها انطلاقا من كون النقابة في خدمة العامل أولا وأخيرا، وليست معنية بكون هذا العامل ينتمي للوفاق أو المنبر التقدمي أو وعد أو غير ذلك، وبالتالي لا ينبغي أن نرسخ مثل هذه (المسميات)، كما أنه ينبغي بدلا من التفكير في تشكيل مجالس ظل للضغط على الكتلة العمالية، ينبغي أن نشكل رؤية تضيء الطريق أمام عمل الكتلة العمالية، وتساعد على تعزيز لحمتهم العمالية وتشد من أزرهم أثناء مواجهة هذه الكتلة بعض الضغوطات من إدارة الشركة أو من أية إدارة أو جهاز آخر، كما أن هذا التفكير يشي بعدم اقتدار هذه الكتلة الفائزة على القيام بواجبها تجاه عمال ألبا وبالتالي لا بد من رقيب ربما يكون أكثر (اقتدارا)، أو كما لو أن هذه الكتلة العمالية في هدنة مع إدارة الشركة وبالتالي لا بد من وجود مجلس آخر يخترق هذا الود (البين) بين الكتلة والإدارة.
لماذا هذا الضغط على طاقات عانت من الضغط ما لم -ربما- يتحمله من يطالب بتشكيل هذا المجلس (الضغطي) من أجل مصلحة العامل ومطالبه، ودخلت في صراعات ومفاوضات عمت ثمارها جميع العمال دون استثناء؟ فهل يستحق منا من يسخر جل وقته وصحته من أجل العمال مضاعفة الضغط عليه بدلا من تخفيفه عبر الجهد المشترك معه؟
إن نجاح الكتلة العمالية يكمن في الأساس عبر عملها نقابيا من أجل العمال بعيدا عن التسييس وإشكالاته وبعيدا عن (قولبتها) بشكل مطلق للمنبر الديمقراطي التقدمي، كما أن هذه الكتلة في نقابة ألبا تمكنت من أن تضرب مثلا على قوة أدائها النقابي التي تحتاجه كثير من نقاباتنا العمالية، بل وربما يحتاجه -أحيانا- الاتحاد العام لعمال نقابات البحرين، هذا إلى جانب كونها سعت ولا تزال إلى تأسيس وتشكيل أفق مستنير عبر عملها النقابي تحتاج كثير من النقابات والجمعيات السياسية بما فيها المستنيرة أن تؤسس وتشكل أفق مثله، وهذه حالة نادرة على صعيد العمل والتفكير لم تتوفر ولم تتحقق في مؤسساتنا المعنية بالشأن العام بما فيها المجلس النيابي، فهل تتعلم هذه المؤسسات من دروس نقابة ألبا وكتلتها العمالية؟ وهل تدرك أن من تصدى لإدارة هذه النقابة لم يزل بعد في يفاعة شبابه وهو النقابي الفذ علي البنعلي؟
إذن لننتظر الكثير من هذه الطاقات التي أذابت سبائك الألمنيوم برؤية من نور
 
الوطن 6 نوفمبر 2008
 

اقرأ المزيد

تحية للأيادي البيضاء في دعم المشاريع الوطنية والتنموية


إن ما يقوم به العديد من الوجهاء ومؤسسات القطاع الخاص، بالتبرع من اجل إقامة مشاريع تنموية أو تربوية أو طبية أو اجتماعية، أو دعم مؤسسات علمية وتربوية وعلاجية طبية، ومراكز للطفولة والنشء، في مملكة البحرين، يمثل عملا وطنيا واجتماعيا وأخلاقيا، يفخر به المجتمع البحريني، بقدر ما يكشف عن تلك الأيادي البيضاء، التي يؤكد أصحابها إنهم من ذوي الضمائر الحية واليقظة، برقي إنسانيتهم وارتقاء أخلاقياتهم، ورقي سلوكياتهم، وصفاء سريرتهم، ونقاء معدنهم.


ولكن حينما تذهب تلك التبرعات والمساعدات إلى الصناديق الخيرية، التي هي بدورها تمثل همزة الوصل ما بين ما يقدمه بعض البنوك والشركات، من توزيع قسائم مشتريات ضمن اطار “برنامج الهبات والتبرعات للأسر المحتاجة” خاصة في شهر رمضان والمناسبات الأخرى.. فان تلك المساعدات تظل تائهة في بوتقة ازدواجية المتناقضات والمعايير معا، ما بين ما تمثله هذه المساعدات واجبا وطنيا وانسانيا وأخلاقيا، من دون تفرقة ولا تمييز إزاء البعض للصناديق الخيرية.. مثلما يظل (هذا الواجب) بالنسبة إلى البعض الآخر من الصناديق الخيرية، يمثل النقيض من ذلك، لكونها اتخذت تلك المساعدات من اجل المصالح السياسية والأغراض الانتخابية، والأهواء الذاتية، تكتنفها نزعات انتهازية ونعرات طائفية ومذهبية، عند محاولة هذا الصندوق الخيري إقصاء وتجاهل هؤلاء البعض وخروج أولئك البعض من قائمة المساعدات من الأسر المحتاجة، وذلك على أساس ممارسات غريبة وممقوتة، قد وأدها الشعب البحريني ودفنها منذ أمد بعيد، ممارسات اتسمت بالانقسامات الطائفية والاصطفافات المذهبية المرفوضة بالنسبة إلى الجميع.


ومن هذا المنطلق يبقى القول صحيحا ان تقديم تلك التبرعات من قبل الوجهاء والمؤسسات الشركات التي تقدر بآلاف الدنانير استوجب توظيفها لإقامة مشاريع تنموية رائدة، ودعم مؤسسات علمية وتربوية واجتماعية، كرصد ميزانية دعما لهذه المؤسسة او الاخرى، او دعما للوطن والمجتمع.. كبناء مدرسة او ترميم وصيانة مدرسة اخرى، او معهد علمي او معلم من المعالم الأثرية والتاريخية، أو التبرع برصد ميزانية للبحث العلمي او دعم مركز علمي للدراسة والبحوث، او مركز تربوي، او دعم مراكز طبية علاجية، على غرار إنشاء (وحدة المؤيد لعلاج مرضى الكلى) او التبرع لمراكز رعاية الموهوبين والمبدعين، وفي مقدمتها مركز رعاية الطلبة الموهوبين أو التبرع لجمعية الهلال الأحمر، وغيرها من المشاريع الرائدة التي تضفي حقائقها وتداعياتها الجوانب التنموية والاجتماعية والعلمية والإنسانية.


ولعل ما يفخر به الجميع بهذا الصدد، هو المبادرة الوطنية والأخلاقية التي تبناها الوجيه (شيخان الفارسي) بتبرعه بمليوني دينار – بحسب ما نشرته جريدة “أخبار الخليج” بتاريخ 5 سبتمبر 2008م – وذلك “لبناء ناد للأطفال والنشء في كل محافظة في مملكة البحرين” الذي يعد المشروع الأول من نوعه في مملكة البحرين.
هذا المشروع المميز يحمل بين طياته وماهيته نتائج مثمرة عظيمة ومكتسبات تنموية بشرية رائدة.. لكونه ينمي مواهب الأطفال والنشء الذين يشكلون نصف الحاضر وكل المستقبل، بقدر إثارة تساؤلاتهم، والإسراع في نضج أفكارهم، وتوسعة آفاقهم، وتنمية ملكاتهم، وتطوير وصقل مواهبهم وتعزيز عطاءاتهم وإبداعاتهم، وتوطيد أنماط أفكارهم، والنهوض بشخصياتهم وذواتهم، وتنوير معالم درب حياتهم العملية المستقبلية، وترسيخ ثقتهم بأنفسهم ونتاجاتهم.


في نهاية المطاف يبقى أن نفخر قولا إن مبادرة الوجيه شيخان الفارسي بتبرعه لإقامة مشروع تنموي وتربوي وإنساني واجتماعي، قد تلتقي مفاهيمه وحقائقه مغازي ودلالات تبرعات العديد من مؤسسات القطاع الخاص سواء من اجل اقامة او دعم مختلف المشاريع العلمية والتربوية والاجتماعية.
هذه المشاريع الرائدة جميعها لم تذهب نتائجها وتداعياتها سدى أو هباء أدراج الرياح، مثلما يحدث مع بعض الصناديق الخيرية بهذا الشأن.. وانما تظل هذه المشاريع راسخة في جذور أرضية الواقع الملموس عبر السنين والأعوام وتعاقب الأجيال.. لكون جوهر هذه المشاريع يجسد المعايير التراكمية بمقاييسها الكيفية والنوعية للتراث والإرث التاريخي، وللمفاهيم الحضارية الإنسانية المتطورة، والقائمة على نتاجات عقول مفكريها وعباقرتها ومثقفيها، وإبداعات مواطنيها وأبنائها، الذين جميعهم ينهلون العلم والمعرفة من خلال المؤسسات والمعالم والهيئات التعليمية والتربوية والعلمية والإنسانية سواء المدعومة من الدولة او الوجهاء او مختلف المؤسسات، بقدر ما يستنهضون الهمم والإرادات من معين العلوم التخصصية ومن معين الثقافة والمعارف النوعية العامة، التي من خلالها يتلمسون دربهم باستناراتها، ويشقون طريقهم بإضاءاتها.


أخبار الخليج 7  نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

اللون ليس هو المنتصر في انتخابات أمريكا


ليست المعركة السياسية في أمريكا هي معركة لونية، بل هي صراعات اجتماعية كبيرة متداخلة مع النضال ضد العنصرية.
الذين يحولونها إلى صراع بين لوني الأسود والأبيض، لهم بعض الحق، فثمة حقائق كبيرة وكثيرة على اضطهاد السود من قبل البيض، وثمة عنصرية ومنظمات إرهابية توجه كراهيتها للعرق الأسود، ولكن كل ذلك يجري لإخفاء معركة اجتماعية كبيرة بين أغلبية العاملين والفئات الوسطى وبين قمة البيض المهيمنة على الشركات الكبرى وشركات السلاح والنفط والبنوك والصحافة والاتصالات.


لقد عبرت أمريكا الشمالية والجنوبية عن زمن جديد للبشرية هو عصر الثورة الصناعية، تدفقت فيه قوى السكان من أوروبا وافريقيا بأشكال مختلفة، ففي حين جاء المستوطنون من أوروبا الغربية خاصة وهم عمال أو تجار أو سجناء مجرمون يقضون عقوبتهم فيها، جاءَ السودُ من افريقيا وهم مقيدون في أعماق السفن ومصفدون ومنتزعون من أراضيهم ومزارعهم وقراهم.
فرقٌ كبيرٌ بين من جاء غازياً مستعمراً، وفيه روح العدوان والاستغلال والعمل والتضحية والثقافة كذلك، ومن جاء عبداً، ثم كـُرس في مزارع العبودية ومعامل الأجرة المتدنية، وتوضع عليه أغلال الفقر والجوع والأمية والخرافة.


ليست الفروق بسيطة وليس نمو البيض كنمو السود، لقد توحد بعض البيض مع أحدث أسلوب إنتاج، وكان يقوم بثورات علمية هائلة، وانتشرت علاقات ديمقراطية في الأسرة وتطورت الثقافة وتعملق المسرح والسينما بشكل عالمي، بينما خضع السود للأحياء الفقيرة يتوالدون فيها بشكل كثيف، كأنهم يحافظون على نسلهم من الاندثار. لكنهم في هذه الأحياء المليئة بالإجرام والتخلف صارعوا ظروفهم، وتعلموا التجارة واشتركوا في النقابات والأحزاب، وابتكروا ثقافتهم الأفريقية – الأمريكية، لكن تيارات التعصب كالفهود السود والزنوجة لم تنتصر، لأن بعضهم حين رجع إلى افريقيا اكتشف الفروق الكبيرة التي تبعده عنها، فقد صار أمريكيا من أصل افريقي، ولم تعد افريقيا بمناسبة له.


لكن أمريكا كذلك تحتاج إلى تغيير، وبين الحصول على حق التصويت وحق الأكل في المطاعم العامة وحق ركوب المواصلات جنباً إلى جنب مع البيض، وبين الدخول في الأحزاب والنقابات والترشح إلى المجالس الوطنية، ثمة مسافة كبيرة قطعت عبر عشرات السنين بكفاح مرير ومعارك ودماء.


الأمريكيون من أصل افريقي بلغوا عشرات الملايين وغدوا رقما مهما لليسار وفي الانتخابات، وكأي أقلية تـُضطهد فانها تطلقُ كلَ طاقاتها وإذا كان الحقد قد فشل في تجاوز الخنادق العنصرية، فإن الرياضة والفنون والسياسة والاقتصاد والانتخابات لعبت أدوارها الحضارية، وصعّدت هذه الأقلية، لتغدو هي البارزة في شتى نواحي الحياة رغم كونها أقلية.
منذ سنوات طويلة ركز اليسارُ الأمريكي في اختراق هذه الأقلية باعتبارها قلب الحيوية الاجتماعية في مواجهة طغيان وعنصرية البيض ولكون أغلبيتها الكاسحة عمالا، وكان التأثير فيها سهلا نسبيا، فانتقلت من الزنوجة وعبادة الأرواح إلى القوة السوداء والماركسية وحرب العصابات حتى استقرت عند المسيحية بمذاهبها المعارضة.


في تاريخ باراك أوباما نجد هذا الانتقال من الإلحاد والإسلام إلى اعتناق المسيحية، وهذا الاعتناق يمثل العقلانية السياسية لرجل يريد أن يعبر عن بلده وشعبه، فالمسيحية تمثل الأغلبية الكاسحة، ومن المستحيل لرجل يطمح إلى الوصول إلى منصب رئيس أمريكا أن يكون غير مسيحي.
فالعلمانية لا تعني العدمية الدينية كما يتصور البعض، لكن في مقابل عنصرية البيض وديانتهم الارستقراطية تتوجه ديانة السود المسيحيين للبساطة وللديمقراطية الشعبية ولتوحيد المسيحيين البيض والسود في نضال مشترك.
وهو صراع مصالح بين أغلبية شعبية عاملة ومالكة وبين قوى الشركات الكبرى مالكة السلاح والنفط والمال والدعاية، وهي القوى التي يصعب اختراقها وستظل حاكمة إلى أن يتبدل نمط الإنتاج.
ولهذا فإن التبدلات ستكون جزئية في السنوات القادمة لحكم أوباما متجهة إلى وضع مصالح هذه الطبقات في الاعتبار، والتخفيف من معاناتها، والتخفيف من الحروب وضرائبها الفادحة، والتوجه إلى السلام والمفاوضات والحوار مع الدول الأخرى، وهذا يعني تراجع دور أمريكا كشرطي عالمي، ولكن لن يعني توقف نموها الاقتصادي وتوجهها إلى غزو الأسواق ومنافسة الرأسماليات الكبرى العملاقة التي أزاحتها.
هذا يعني التخفيف من الضرائب على الشعب والعاملين مما يؤدي إلى انعاش الأسواق، وتوجيه المداخيل للسلام والسوق الأمريكية.
وهو برنامج معتدل ليس فيه تأميم أو ضربات اقتصادية للبنوك والشركات، فباراك يمثل نسخة رأسمالية معتدلة، وحلا وسطا بعد تطرف، لكن ذلك يمثل مصالحة ومقاربة بين قوى متصارعة كبيرة ستتجابه مرة أخرى في سنوات مقبلة بشكل أكثر جذرية.
وهو نسخة أخرى من حكم كلينتون ولكن بشكل أكثر قوة، ولن تتغير العلاقات الدولية بشكل جوهري، أو يحدث فيها انقلاب دراماتيكي، بل ستحدث تغيرات سلمية أكبر وتخفيف من الصدامات.



أخبار الخليج 7 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

في لعبة “أهون الشرين” يضيع حُلم التغيير

نكتب هذه السطور بعد إغلاق أغلب صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقبيل ساعات من إعلان النتائج الأولية للتصويت على المرشحين المتنافسين الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري جون ماكين، وسط توقعات ساحقة تعززها نتائج استطلاعات الرأي العديدة بفوز الأول في هذه الانتخابات ليكون أول مرشح أسود يصل إلى البيت الأبيض منذ أول انتخابات رئاسية في تاريخ الولايات المتحدة عام 1860، أي منذ قرابة قرن ونصف القرن.
وطوال هذه الحقبة الطويلة تناوب على حكم الولايات المتحدة الحزبان الكبيران ذاتهما أي الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، وظلت الفروقات بينهما في الشعارات والممارسة السياسية هي في الغالب الأعم شكلية وضئيلة، إنْ فيما يتعلق بقضايا السياسة الداخلية وإن فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية.
ومن حيث المبدأ لا يمكن فصل نُبل وأخلاقية السياسة الداخلية عن أخلاقية ونُبل السياسة الخارجية من الناحيتين الانسانية والديمقراطية الحقة.. فكل سياسة خارجية لا انسانية وغير أخلاقية هي بالضرورة صدى وامتداد لسياسة داخلية لا إنسانية وغير أخلاقية. وإن كانت اللعبة والملابسات والظروف التاريخية المتباينة تتيح أحياناً حجب هذه الحقيقة ــ المسلمة، فيظهر على خلاف القاعدة تفاوت بين أوجه السياستين الداخلية والخارجية، إلا أن الاستثناء أو النسبية في التفاوت لا يلغي القاعدة.
وهذه هي بالضبط مأساة واحدة من أعرق الديمقرطيات الغربية، فلم تكن السياسة الداخلية عادلة طوال تعاقب حكم الحزبين تجاه عشرات الملايين من الفقراء والسود والأقليات والطبقات المسحوقة، لا في توزيع الثروة ولا في حق المشاركة السياسية الحقة والمساواة في نيل كامل الحقوق المدنية، ومن ثم لا يمكن توقع سلطة هكذا هي سياستها الداخلية أن تكون سياستها الخارجية مختلفة تجاه شعوب العالم وقضاياها العادلة.
وسواء فاز الجمهوري “اليميني” جون ماكين أم فاز الديمقراطي باراك أوباما، كما هو مرجح بقوة ما لم تحدث مفاجآت اللحظات الأخيرة، فإن “التغيير” الحقيقي السياسي مهما كانت إغراءات وجاذبية هذا الشعار الفضفاض الذي يكرره المرشحون مع كل موسم بازار انتخابي لن يحدث لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية، ما لم يجر إدخال إصلاحات جذرية حقيقية داخل المؤسسة السياسية الأمريكية.
فالآباء المؤسسون الذين أرسوا مداميك هذه المؤسسة فصلوها على مقاس مصالح الرأسمالية الصناعية الصاعدة، وعلى حساب الملايين الذين ضحوا من أجل الاستقلال الوطني لأمريكا، ولاسيما العمال والسود. وكلا المرشحين الديمقراطي أوباما والجمهوري ماكين انما يقف خلفهما وراء ستار المسرح السياسي الأشبه بمسرح العرائس رجال الأعمال والشركات الاحتكارية الكبرى، والتنافس الحقيقي، بعيداً عن الشعارات، انما هو تنافس بين شرائح وفئات هذه الطبقة العريضة على الوصول إلى الحكم. ففي النهاية هذه الطبقة بكل شرائحها وفئاتها الصناعية والتجارية والمالية لن تتضرر ضررا جوهريا كبيرا بوصول أي منهما إلى البيت الأبيض، وفي النهاية فإن المتضرر الحقيقي هم الطبقات القابعة في وسط وأسفل الهرم الاجتماعي داخليا، أما خارجيا فهي الشعوب المتضررة من تسلط الولايات المتحدة على مقاديرها وقضاياها وفي المقدمة منها شعوبنا العربية وشعوب العالم الثالث عامة.
يكفي لنعرف ما ينخر هذه المؤسسة الديمقراطية من فساد مشروع دستوري تاريخي متقادم على حساب عشرات الملايين من الشعب الأمريكي انه يتاح لكلا المرشحين أن ينفق ما يشاء في حملته الانتخابية يضخها من وراء كل منهما أرباب البلايين من الدولارات، فهي ليست من جيب أي منهما بل من جيب حزبه الذي يقف وراءه. والحزب يصنع سياساته الحقيقية من وراء الكواليس هم أنفسهم أولئك الأرباب، ففي الوقت الذي تنفجر فيه الأزمة المالية الأخيرة ويبلغ غلاء الأسعار مداه وذرره غير المسبوقة تاريخيا وينهش الجوع بطون عشرات الملايين الفقراء من الشعب الأمريكي نفسه بلغت تكاليف الحملات الانتخابية 3،5 مليارات دولار، ووُصفت بأنها أكثر الحملات غلاء في تاريخ الولايات المتحدة.
فأي ديمقراطية أو عدالة منشودة لهدر مثل هذه الأموال على تمثيل سياسي مزيف غير حقيقي، في حين من شأن هذه المليارات اطعام بطون وحل أهم المشاكل المعيشية لأولئك الملايين المحرومة؟
ولعل من المفارقات الصارخة الساخرة ان أوباما الذي أثبت براعته في دغدغة أحلام الفقراء والسود والطبقة الوسطى هو نفسه أنفق مليار دولار من تبرعات حملته الانتخابية، متفوقاً بذلك على منافسه الجمهوري اليميني ماكين. وعلى الرغم مما قيل إن أوباما لم يعتمد على تبرعات الشركات ورجال الأعمال لحملته الانتخابية فإنه تبقى الحقيقة الصارخة، بصرف النظر عن فن سيناريو جمع الأموال ان الذي يضخها هم المليارديرية والمليونيرية، فالفقراء وذوو الدخل المحدود وأبناء الطبقة الوسطى ليس بامكانهم مجتمعين جمع مليون دولار مهما كان كرمهم فما بالك بمليار دولار؟ انها اللعبة السياسية في الديمقراطية الرأسمالية.
حتى الـ “واشنطن بوست” وصفت هذه المقامرة المالية في البازار الانتخابي الأخير بأنها نمط من المقامرات المالية أكثر من كونها سباقا انتخابيا حقا. ولن يفهم أحد هذه اللعبة الديمقراطية السمجة الحاذقة ما لم يفهم كيف تشتري الشركات الكبرى وكبار رجال الأعمال رئيساً للبلاد من خلال تبرعاتها المرئية وغير المرئية التي يمكننا القول إنها أشبه بلعبة غسل الأموال في تغطية مصادرها الحقيقية لشراء رئيس للبيت الأبيض.
ولعل أكثر من حلل وكشف عن هذه الحقيقة الكاتب السياسي تشارلس لويس الذي أسس “مركز الاستقامة السياسية” لمراقبة الفساد السياسي وأصدر هذا المركز كتابين مهمين “شراء الرئيس”، و”شراء الكونجرس” وكلا هذين الكتابين يفضح دور الشركات الكبرى في صناعة نجوم الكونجرس والبيت الأبيض وسيده.
وإذا كان تجار العبيد اضطروا بعد ثورات السود إلى عتق رقابهم، ها هم أحفادهم اليوم يشترون بأموالهم حفيداً من أحفاد السود المعتوقين ليمثل مصالحهم خلف غطاء من الشعارات المخاتلة الديماغوجية، فيما لايزال وسيظل الملايين من أبناء جلدته يرزحون تحت أوضاعهم الاجتماعية المأساوية التي لن تتغير حتى بوصول نجم أسود إلى البيت الأبيض.
وفي وضع مستديم تاريخي طويل من هذه اللعبة السياسية لا يبقى أمام ملايين الناخبين الشرفاء والفقراء ومئات الملايين من شعوب العالم من خيار سوى خيار ابتذال حسبة “أهون الشرين” وهو أوباما بالطبع، لكنه يبقى “شراً”. أما خيار “أحسن الحسنين” فسيظل حلماً مؤجلاً حتى تأزف ساعة التغيير والإصلاح الحقيقي داخل المؤسسة السياسية الأمريكية نفسها.

صحيفة اخبار الخليج
6 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

التغيير آتٍ…

‘إذا كان هناك من لايزال يشك في أن كل شيء ممكن في أميركا، أو يتساءل إذا ما كان حلم آبائنا المؤسسين مايزال حيا أو يشك في قوة ديمقراطيتنا، فهذا المساء جاءت الإجابة’.. بهذه الكلمات بدأ أول رئيس ملوّن للولايات المتحدة (باراك أوباما) خطابه احتفالاً بالنصر التاريخي الكبير أمام مؤيديه الذين قال لهم أيضاً ‘لولاكم لما كنت رئيساً.. فقد وصلت عجلة التغيير إلى أميركا، وساعته قد حانت’.
وفي خطاب بث في مارس/ آذار الماضي، إثر تعرضه للانتقاد، وذلك لعلاقته بقس أسود متشدد، قال أوباما ‘إننا بحاجة إلى أن نُذكّر أنفسنا بأن الكثير من التباينات الموجودة في أوساط الأميركيين من أصل إفريقي اليوم، يمكن أن ترجع بشكل مباشر إلى أشكال إجحاف عانت منها أجيال سبقت تحت وطأة الإرث الوحشي للعبودية’.
الآن يتذكر العالم خطاب داعية الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينج التاريخي الشهير: ‘لدي حلم’، والآن، يبدو أن الأميركيين أجمعوا أن يتحول حلم مارتن لوثر إلى حقيقة، حيث أصبح ذو البشرة السوداء الرئيس الـ”44 للولايات المتحدة بتفويض كاسحٍ من شعبه، ما يعتبر امتداداً لشرارة فجرت حركة الحقوق المدنية في أميركا منذ العام 1963 بحلم لوثر كينج، غير أن هذه الرهانات ستبقى ناقصة في أميركا بدون تنفيذ الشعار الذي تردده في كل المناسبات وتعمل عكسه، والقائل ‘حريات، مبادئ، ديمقراطية وحقوق الإنسان’، حيث خربته الإدارات السابقة بغطرستها، واضطهاد الشعوب الأخرى، في حين أن المعادلة الصحيحة، وفق مقولة شهيرة تقول: ‘إن أمة تضطهد أخرى لا يمكن أن تكون حرة!!’.
انتخاب أوباما بمبادئه المعلنة يُشكل درساً، وتحولاً نوعياً وتاريخياً، ليس في التفكير الأميركي فحسب، بل وفي تطلعات شعوب العالم أيضاً، فمن كان يُصدّق أن يفوز رئيس ‘ملون’ في الولايات المتحدة المعروفة بعنصريتها عبر تاريخها الطويل؟
وماذا بعد أميركياً؟.. نتفهم أن الأميركيين التفوا حوله وناصروه، لأنهم ينشدون التغيير ورفع الإحباط واليأس لما أحدثته سياسات الإدارة السابقة، لكن ما لا نفهمه، هل سيسمح له الرأسمال الأميركي وأصحاب المصالح، وتجار الحروب بأن يستمر ويهدد مصالحهم؟؟.. هذا ما يخشاه الكثيرون، غير أن باراك أوباما قام بثورة عظيمة في أميركا، وأصبح رئيساً بنهج جديد لها، وللعالم.
وأخيراً، ماذا لو كان أوباما بمبادئه مواطناً عربياً، هل سيفوز برئاسة دولة عربية، أو بمنصب وكيل وزارة، مثلاً؟…
 
صحيفة الوقت
6 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

أمريكا تنتصر على ذاتها ولذاتها

نحن من دُعاة التفريق بين السياسات الأمريكية،‮ ‬خاصةً‮ ‬في‮ ‬شقها الخارجي،‮ ‬المتصل بمنطق الهيمنة على العالم ومحاولة إخضاعه،‮ ‬وبين الشعب الأمريكي‮ ‬نفسه،‮ ‬الذي‮ ‬هو شعب عظيم،‮ ‬نتاج انصهار حضاري‮ ‬مديد‮.‬ وكانت السياسة العنصرية للنخبة الحاكمة هي‮ ‬المُعوق الرئيس في‮ ‬وجه أن تأخذ هذه العملية مجراها الطبيعي‮ ‬حتى النهاية،‮ ‬فلا تعود أمريكا تكوينات اثنية نافرة،‮ ‬وإنما نسيج قومي‮ ‬واحد‮.‬ من هنا أهمية النصر الساحق الذي‮ ‬حققه باراك أوباما في‮ ‬الانتخابات الرئاسية،‮ ‬فبهذا تكون أمريكا قد انتصرت على ذاتها ولذاتها بالمعنى المزدوج للتعبير‮.‬ انتصرت على ذاتها،‮ ‬بقهر ميراثٍ‮ ‬بغيض،‮ ‬ثقيل،‮ ‬من التفرقة العنصرية التي‮ ‬كانت تضع الأسود دائماً‮ ‬في‮ ‬مرتبة متدنية في‮ ‬كل شيء،‮ ‬فما بالنا بأن‮ ‬يكون أسودٌ‮ ‬رئيساً‮ ‬للبيت الأبيض،‮ ‬ونصر أوباما،‮ ‬بهذا المعنى،‮ ‬يعني‮ ‬أن المجتمع الأمريكي‮ ‬بلغ‮ ‬مرحلة من النضج التي‮ ‬تجعل منه‮ ‬يتفوق على هذا الإرث الثقيل ويتخطاه بشجاعة‮.‬ وأمريكا انتصرت لذاتها،‮ ‬لحاجات التطور التاريخي‮ ‬الموضوعي‮ ‬الذي‮ ‬يجعل من السود والملونين جزءاً‮ ‬لا‮ ‬يتجزأ من نسيجها الحضاري،‮ ‬الإنساني‮ ‬والثقافي‮ ‬والاجتماعي‮.‬ ولسنا من حملة الأوهام بأن أوباما سيُحدث المعجزات في‮ ‬السياسة الخارجية لبلاده،‮ ‬فنحن إزاء دولة مؤسسات،‮ ‬فيها منظومةٌ‮ ‬من الآليات المُعقدة في‮ ‬اتخاذ القرار السياسي،‮ ‬خاصة منه ذلك ذو الطابع الاستراتيجي،‮ ‬ودور الرئيس،‮ ‬والإدارة الأمريكية،‮ ‬على أهميته ليس سوى إحدى هذه الآليات‮.‬ لذا مفيد التنبيه لسطحية الوهم الذي‮ ‬يهيمن على الكثيرين من بني‮ ‬جلدتنا ممن‮ ‬يراهنون على أن كون اسم والد اوباما هو حسين،‮ ‬سيُحدث انعطافةً‮ ‬في‮ ‬السياسة الأمريكية،‮ ‬خاصة الخارجية منها،‮ ‬فاوباما هو ابن أمريكا وأصبح مرشح الحزب الديمقراطي،‮ ‬قبل أن‮ ‬يفوز بالرئاسة،‮ ‬ليمثل سياسة حزبه ومصالح بلاده ويدافع عنها من منظور التوازنات القائمة في‮ ‬البلد‮.‬ مع ذلك،‮ ‬فلا مجال للتقليل من الأهمية التاريخية لفوز أوباما‮. ‬انه رد حاسم على السياسة الهوجاء لجورج بوش والمحافظين الجدد،‮ ‬داخلياً‮ ‬وخارجياً،‮ ‬التي‮ ‬قادت إلى الكثير من الكوارث،‮ ‬وهو إيذان بنهجٍ‮ ‬أكثر عقلانية للولايات المتحدة،‮ ‬ينسجم مع مكانتها ودورها على الصعيد الدولي،‮ ‬وفيه أيضاً‮ ‬رد اعتبار لسياسات الحماية الاجتماعية للفئات الكادحة والشرائح الوسطى،‮ ‬التي‮ ‬سحقتها سياسات الخصخصة وتغييب دور الدولة،‮ ‬وهي‮ ‬السياسات التي‮ ‬يجري‮ ‬استنساخها بغباء في‮ ‬بلدان العالم الأخرى‮.‬ ولأن الكثيرين منا مغرمون بالنموذج الأمريكي،‮ ‬فلا بأس من التأمل المليء في‮ ‬حقيقة أن هذا المجتمع العظيم المتفوق في‮ ‬العلم والاقتصاد وغيرهما من حقول،‮ ‬يعطي‮ ‬مثالاً‮ ‬مُعبراً‮ ‬في‮ ‬تجاوز انقساماته الإثنية،‮ ‬فيما نحن ما نزال منهمكين في‮ ‬التمحيص في‮ ‬الاسم واللقب واسم العائلة،‮ ‬وإلى أي‮ ‬مذهب أو طائفة أو قبيلة‮ ‬ينتسب كل منا،‮ ‬لنرى مدى قرابة أو بعد الشخص منا،‮ ‬كي‮ ‬نقرر بعدها الطريقة الأنسب في‮ ‬التعاطي‮ ‬معه‮.‬ ولكي‮ ‬نقيس بُعد الشقة بيننا وبين العصر الذي‮ ‬نعيش فيه،‮ ‬علينا التأمل في‮ ‬دلالة فوز اوباما،‮ ‬الذي‮ ‬أتى أبوه،‮ ‬وليس جده،‮ ‬من كينيا مهاجراً‮ ‬إلى أمريكا،‮ ‬فيتزوج هناك،‮ ‬ويُخلف ابناً‮ ‬لامعاً‮ ‬ذكياً،‮ ‬ليكبر ويصبح رئيساً‮ ‬لأقوى دولة في‮ ‬العالم،‮ ‬فيما لو مكث أبوه في‮ ‬عالمنا الإسلامي،‮ ‬لربما لم‮ ‬يكن ولده لينجو من الأمية،‮ ‬وألا‮ ‬يصبح أكثر من راعي‮ ‬غنم،‮ ‬مع إجلالنا لكل المهن‮.‬
 
صحيفة الايام
6 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

سجل حافل من التخبط !


من أسوأ ما اتسم به سلوك التشكيلات الحكومية المتعاقبة للإدارة السياسية الحالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة هذا التخبط المتواصل، والتراجع المتكرر عن مراسيم تم إصدارها، وعن قرارات حكومية جرى اتخاذها، وعن إجراءات وخطوات بدأ العمل على تنفيذها، وعن مشروعات ومراسيم بقوانين تم الإعلان عنها وجرت محاولات لتمريرها، وذلك بالتراجع عنها مرة تحت ضغط التلويح باستجواب نيابي، وأخرى في مواجهة رفض شعبي، وثالثة بعد افتضاح ما انطوت عليه هذه المراسيم أو القرارات من أخطاء جوهرية صارخة لا يمكن سترها، وغير ذلك من أسباب وملابسات وظروف!


وهناك سجل حافل لمسلسل تخبط حكومات الرئاسة الحالية منذ العام 2006 إلى يومنا هذا… بدءاً من مناورة التقدم بمشروع قانون في شأن استحداث نظام الدوائر الانتخابية العشر مترافقاً مع الموافقة على طلب غريب مريب بإحالة المشروع قبل إقراره إلى المحكمة الدستورية، ثم محاولة التراجع عن ذلك الطلب، مما فاقم أزمة الدوائر وأدى إلى حلّ مجلس الأمة وإجراء انتخابات نيابية، وبعده اضطرار الحكومة اللاحقة إلى تقديم مشروع بقانون في شأن الدوائر الخمس، الذي كانت تتحفظ عليه وتعارضه!
مروراً بإقرار مشروع تفكيك وزارة الإعلام ثم التراجع عنه… وبعده إصدار المرسوم المثير للشبهات بتأسيس شركة أمانة للتخزين كشركة مساهمة عامة ثم إلغاؤه… وإقرار مجلس الخدمة المدنية عدداً من الكوادر المالية للعاملين في بعض الجهات الحكومية ثم تأجيلها وبعد ذلك التراجع عنها… وإقرار مرسوم قانون في شأن الاجتماعات العامة خلال فترة حلّ مجلس الأمة وانتخابات 2008 ثم سحبه… وإصدار مرسوم التجنيس الشهير من دون تدقيق وتثبّت، ثم افتضاح ما انطوى عليه ذلك المرسوم من أخطاء ومخالفات جسيمة تمثلت في منح الجنسية الكويتية لأشخاص متوفين ولعناصر عليها قيود أمنية، ليعقبه التراجع الأخير المثير للشفقة بعد مرور فترة طويلة من العناد الحكومي والدفاع المستميت عن ذلك المرسوم وإصدار مرسومين جديدين لتصحيح ما اعتوره من أخطاء… ومن شواهد التخبط الحكومي إصدار مجلس الوزراء قراره البائس المرقم 666/ رابعاً في شأن منع جمعيات النفع العام من مخاطبة أي جهة أو مراسلتها إلا عبر قنوات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ثم التراجع عنه، بل والتبرؤ منه… والمكابرة الحكومية في رفض الطلب النيابي المعد من النائب أحمد المليفي بإحالة ما أُثير حول مصروفات ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء إلى ديوان المحاسبة والضغط على بعض النواب لسحب توقيعاتهم عليه، ثم المزايدة عليهم بعد ذلك والإعلان عن تقديم طلب حكومي مستقل في هذا الشأن، وأخيراً بعد صدور تقرير ديوان المحاسبة جرت المحاولة الاستفزازية البائسة لتعميم النشر الصحافي لملخص مجتزأ ومخالف للحقيقة عما تضمنه التقرير ما استثار ردة فعل غاضبة من النائب المليفي دفعته إلى إعلان عزمه تقديم الاستجواب، وبعد ذلك أصدرت الحكومة في إطار المساومة لوقف الاستجواب الموعود قرارها الأخير بتشكيل لجنة حكومية في شأن المخالفات الواردة في التقرير، وهو إقرار حكومي فعلي بوجود المخالفات، التي سبق أن تمّ نفيها… وقبله إصدار القرار الخاطئ والمخالف للقانون في شأن نسب توزيع أسهم الاكتتاب في شركة الاتصالات الثالثة ثم التراجع عنه… بل أنّه حتى مشروع المصفاة الرابعة المثير للجدل كان عرضة ولا يزال لهذا التخبط الحكومي، فقد سبق أن أحالت الحكومة هذا المشروع في العام 2006 إلى لجنة المناقصات المركزية وأخضعته إلى أحكام قانون المناقصات العامة، ثم سحبته بعد ذلك وادعت أنّ مناقصات الشركات النفطية لا تخضع لقانون المناقصات، وخلقت بذلك أزمة ستضطر في الغالب بعد أيام إلى التراجع عن قرارها الخاطئ لتجنّب الاستجواب الموعود في حال استمرار الإجراءات المخالفة المتبعة حالياً.


هذا السجل الحافل والطويل من مسلسل التخبط الحكومي المتكرر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك عدم جدارة الإدارة السياسية الحالية، وليس فقط التشكيلة الوزارية القائمة، لتولي مسؤولية إدارة شؤون الدولة.
 


جريدة عالم المعرفة
 5 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

أوبامــــا‮ ‬يفــــــــــــــوز‮..‬


بعض المراقبين السياسيين والمتابعين للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، يستبعدون أو يشككون في إمكانية فوز المرشح الرئاسي الديمقراطي السيناتور باراك أوباما بالرئاسة، وذلك للخبث السياسي المتجذر في جسد الإدارة الأمريكية وقدرتها الفائقة على تغيير اتجاه بوصلة الانتخابات لصالح المرشح الرئاسي الجمهوري الأبيض (مكين) في (غمضة عين)، مستعينة بشتى السبل والأحابيل والمكائد التي من شأنها أن تنتقص من شأن أوباما ومن شعبيته الكاسحة حتى لحظة نشر المقال.
من جهتي كمراقب دس أنفه عنوة في الشأن الانتخابي الأمريكي، حبًا في أوباما لا في السياسة الأمريكية، أرى أن أوباما قد حقق فوزًا لم يحققه مرشح أمريكي منذ عقود انتخابية متواصلة.
ألا يعد صمود مرشح أسود منذ بداية الانتخابات الرئاسية وحتى يوم إعلان نتائج الانتخابات، ألا يعد فوزًا؟ فمتى تمكن مرشح أسود من الصمود في وجه العاصفة البيضاء والعنصرية حتى نهاية الدور الأول في الانتخابات الرئاسية؟ ومتى تمكن مرشح أسود منذ أربعة عقود من إقناع الشعب الأمريكي بمختلف أعراقه وأثنياته بضرورة مشاركة الأسود بجانب الأبيض في الانتخابات الرئاسية؟ ألا يعد ذلك فوزا لباراك؟ أليس هو من قال في كلمته التي ألقاها في بوسطن أثناء انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 4002: ‘لا وجود لأمريكا يسارية وأخرى محافظة، هناك الولايات المتحدة الأمريكية، لا وجود لأمريكا سوداء وأخرى بيضاء أو لاتينية أو آسيوية، هنالك الولايات المتحدة الأمريكية فقط، نحن واحد’، ألا تعد هذه الكلمة التي نادت إلى توحيد الصفوف وإلغاء الأعراق والطوائف من قاموس الولايات المتحدة فوزًا لأوباما وأمريكا المواطنة؟
ألا يعتبر جذب أوباما حشود شبان منطقة أيوا التي يشكل البيض فيها 59٪ من السكان، جذبهم إلى اجتماعاته فوزًا على العنصرية التي تأصلت زمنًا غير عاديًا في جسد الخارطة الأمريكية؟
ألا يعتبر رده على بعض مسؤولي الجالية السوداء حين اتهمته بأنه ليس أسودًا بدرجة كافية، كافيًا لإثبات أن أمريكا للأمريكيين وليست للسود أو البيض؟ لنتأمل هذه الكلمة التي أطلقها أوباما للرد على (حسرة) الجالية السوداء: ‘بالنسبة للبعض ما زالت أمريكا تعيش في الماضي، الخطاب السياسي للسود ما زال راسخًا في الستينيات، لا أعتقد أن هذه الأمور هي التي تشغل غالبية الناخبين السود ولا غالبية الناخبين البيض’.
 إن أوباما الذي يطمح أن يكون رئيسًا لأمريكا، يأمل ألا يشكل لون بشرته رهان الانتخابات الرئاسية، ألا يعد ذلك التوجه الأوبامي نحو أمريكا للأمريكيين لا للسود أو البيض أو الملونين فوزًا بدى مفعوله يتغلغل في أوساط البيض قبل السود؟
ألا يعتبر تأكيد أوباما على أنه سليل القانون لا الديانات والطوائف والأعراق ردًا على المسلمين والمسيحيين واليهود الذين وجدوا فيه الرئيس الذي سيمثلهم نظرًا لتداخل أعراق عائلته؟ ألا يعتبر ذلك فوزًا للقانون من شأنه أن يقرب بين جميع الأديان من منطلقه الإنساني والأخلاقي.
ألا يعتبر إقناعه الشعب الأمريكي بأن الإدارة الأمريكية متورطة في الفساد وأنها إدارة لا يهمها في هذا العالم كله سوى الحروب والتضحية بالشعب الأمريكي قبل الشعوب الأخرى، بجانب تناوله قضايا الفقر والتعليم والهجرة، ألا يعتبر ذلك الإقناع فوزًا لأوباما؟
هل يمكن أن نعتبر قدرة أوباما الهائلة على إدارة مشروع تأهيل وتنمية أحياء الفقراء في مدينة شيكاغو منذ عام 1985 أمرًا آخر غير فوز أوباما بمشروع تتعايش فيه كافة الأعراق من الفقراء بمختلف ألوانهم؟
ألا تعتبر خطوات أوباما الأولى في عالم السياسة عندما أصبح مديرًا لمشروع التصويت في الينوي عام 1992   ومساعدته مائة وخمسين ألف فقير على تسجيل أسمائهم في سجلات الناخبين، ألا تعتبر فوزًا لأوباما؟ أليست تلك الخطوات التسعينية المبكرة رصيده الانتخابي في الألفية الثانية؟
ألا يعتبر كتاب أوباما الأخير (جرأة الأمل) الذي لخص فيه برنامجه بوصفه مرشح التغيير والأمل في أمريكا، جرعة قوية وناجعة تقوده نحو الفوز، وخاصة أن هذا الكتاب أقرب لوثيقة مكثفة عن أمريكا الجديدة التي يطمح في تحققها أوباما، مثلما يطمح إلى ذلك الشعب الأمريكي ودعاة الحرية والسلام في العالم؟
ألا يعتبر وصول أوباما إلى (نهائي) الانتخابات الرئاسية والتي لم يصل إليها أي أمريكي أسود منذ أربعة عقود، فوزًا لأوباما ومناهضي العنصرية في أمريكا والعالم؟
هذا الفوز الذي حققه باراك أوباما قبل أن يفوز بمقعد الرئاسة الأمريكية، فماذا لو فاز أوباما به؟ كيف سيرى المراقبون المستبعدون والمشككون مشهد هذا الفوز؟!
 
الوطن 5 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد

شباب العالم‮ ‬ فــــــي‮ ‬البحريــــــن

انعقدت في البحرين يومي الجمعة والسبت الماضيين ندوةٌ شارك فيها ممثلون عن منظماتٍ شبابيةٍ عربية وعالمية بدعوةٍ من لجنة الشبيبة والطلبة في المنبر التقدمي، ناقشت قضايا النضال المشترك للشبيبة في العالم من اجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وحقوق الشغيلة، ونبذ سياسة العسكرة وسباق التسلح وبناء القواعد العسكرية، عوضاً عن توجيه الأموال نحو تلبية حاجات الشباب والشعوب في التعليم والصحة والسكن والرفاه الاجتماعي.
 لشبيبةِ البحرين تقاليد راسخة تمتد لعقودٍ ماضية في النشاط المشترك مع الشبيبة العربية والعالمية تجاه هذه القضايا، وكانت شبيبة البحرين من خلال أطرها الشبابية والطلابية ممثلة في المنظمات الشبابية الديمقراطية العالمية مثل اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي واتحاد الطلاب العالمي، وشارك ممثلو شبيبتنا في مهرجانات ومؤتمرات شباب العالم بنشاط وحماس.
وتُواصل شبيبتنا اليوم هذه التقاليد المُشرفة، وما الندوة الأخيرة إلا أحد مظاهر ذلك. فإلى بلادنا، وفي ظروف الحريات التي توفرت في مرحلة ما بعد الميثاق، أتى ممثلو شبان العالم الذين دأبنا على الذهاب إلى بلدانهم بصورةٍ سرية وعبر مشاقٍ عديدة في سنوات الجمر، ليناقشوا في مناخ حر قضاياهم الملحة، في تعبير عن الترابط الأممي الوثيق بين هؤلاء الشبان في ما بات يعرف اليوم بالمجتمع المدني العالمي،الذي بات يملك، بفضل وسائل الاتصال الحديثة، إمكانات غير مسبوقة لتوسيع نشاطاته واستقطاب قطاعات كبيرة من المناصرين والنشطاء. لكن فكرة المجتمع المدني العالمي كانت قد تشكلت قبل ذلك بزمن طويل. إن آليات التدويل العالمي الواسعة أدت، في نتيجةٍ لا مناص منها، إلى ظهور هذا المجتمع المضاد لمنطق الهيمنة الذي يريد “هوامير” هذه العولمة فرضه على شعوب الكوكب من دون مقاومة.  ومن أهم مكونات هذا المجتمع المدني العالمي حركات الشباب والنساء والعمال ودعاة حماية البيئة، وطبيعي أن تجد الشبيبة الديمقراطية البحرينية المربية على تقاليد النضال المطلبي السلمي مكاناً لها في هذا المجتمع المدني العالمي.
 في كتابها الذي يحمل عنوان “نحو شركات خضراء”، تستشهد الدكتورة ليزا نيوتن بما بات يعرف بحكاية “برينت”، في إشارة إلى تمكن حركة السلام الأخضر التي شكلت تحالفا من الناشطين البيئيين لإحباط مخطط شركة “شل” بإغراق حاملة النفط العجوز “برينت” التي انتهت فترة صلاحيتها، في المحيط.
 الناشطون البيئيون رأوا أن هذا الإجراء سيسمم المحيط وقرروا التصدي للأمر. وعندما بدأ زورق سحب السفينة إلى عمق المحيط ظهر أسطول صغير من المراكب التي أرسلتها منظمة السلام الأخضر لاعتراض سبيله، مما افشل مشروع “شل”، وفتحت مفاوضات جديدة أدت إلى تفكيك الباخرة والتخلص منها على اليابسة. ستغدو هذه المعركة الناجحة إشارة البدء لحركة عالمية مناهضة للاحتكارات متعددة الجنسية، تحمل الطابع الأممي لن يعود بالوسع تجاهلها في ما بعد. هذه الحركة متعددة الأطياف والتنويعات تعمل، أحياناً بتنسيق وأحياناً أخرى بدونه، في سبيلِ حزمةٍ من القضايا المعاصرة التي تشغل بال الجيل الجديد وتؤرقه، في طموحه إلى حياة أفضل، وتتصل هذه القضايا بأمور المعيشة وتوفير فرص العمل ومواجهة البطالة، كما تشمل ديمقراطية التعليم وتحريره من القيود البيروقراطية وتمكين الشبان الفقراء من الحصول على التعليم، بما في ذلك التعليم الجامعي، هذا فضلاً عن قضايا الحرب والسلم والبيئة والحريات الديمقراطية.  



الأيام 4 نوفمبر 2008

اقرأ المزيد