أستغرب اعتقاد كثير من الرجال بما فيهم المثقفين في البحرين أن نضال المرأة البحرينية من أجل سن قانون الأحوال الشخصية؛ هو نضال من أجل تحرر المرأة من القيود الميتافيزيقية والاجتماعية والاقتصادية فقط، ولا علاقة للرجل به، لذا وبناء على هذا الاعتقاد المضطرب والمغلوط جملة وتفصيلاً، ينبغي أن تترك المرأة وحدها للنضال من أجل تحررها ولا علاقة للرجل بالتورط في مثل هذه ‘المصيبة’!
أعتقد أن المسألة أبعد من ذلك الاعتقاد الخاطئ بكثير، إذ إن قانون الأحوال الشخصية هو قانون وضع من أجل حماية المجتمع الأسري بمختلف أفراده وليس للمرأة فقط، فهو إذ يحمي المرأة فإنه في الوقت نفسه يحمي الرجل وينظم العلاقة بين جميع أفراد المجتمع، فلا يمكن أن تقوم لأي مجتمع قائمة دون سن هذا القانون، فهو الحد الفاصل بين التقدم والتخلف، بين التنوير والجهل، بين الماضي الظلامي والمستقبل المشرق، وما لم يسن مثل هذا القانون سيظل المجتمع البحريني فاقداً لبوصلة الاستقرار الاجتماعي، إذ إن قانون الأحوال الشخصية قانون مؤسس على الاختيار لا الإجبار، قانون يحترم الحريات الشخصية والإرادة وحقوق الفرد في المجتمع، على خلاف ‘اللاقانون’ الذي ينطلق من لغة عدائية للقانون ومن أعراف تحتاج إلى مراجعة جادة خصوصاً في هذا العصر الذي يحسب تقدم المجتمعات فيه بناء على مدى التزامها بالقانون وخصوصاً قانون الأحوال الشخصية.
لذا لا ينبغي أن تترك المرأة البحرينية وحيدة في نضالها من أجل سن قانون الأحوال الشخصية، ولا ينبغي أن يكون نضالها طارئاً ووقتياً، ينبغي أن يكون مستمراً ومعضداً بمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات العربية والدولية المستنيرة، وينبغي أن يفهم هذا النضال المطلبي على أنه نضال مجتمعي من أجل إرساء قيم مجتمعية فاعلة.
إن غياب قانون الأحوال الشخصية من أي مجتمع يعني إعطاء فسحة أكبر للتخلف وللظلم الاجتماعي وللعبث والتخبط واللامبالاة بحقوق من يعانون من غياب هذا القانون.
لنضرب مثلاً بأهمية هذا القانون من خلال مؤتمر العنف المنزلي الذي عقد في مدينة ليستر البريطانية بحضور سياسيين ومسؤولين مجتمعيين والذي أجبر الحكومة على سن قوانين جديدة لمنع الزيجات القسرية في بريطانيا والخارج لحماية الذين وقعوا ضحايا لهذه الزيجات والتي للأسف الشديد لا زالت مستشرية في مجتمعنا.
نص هذا القانون الجديد على السجن سنتين لكل من يحاول إكراه شخص ما على الزواج ويمكن للضحية أو صديق لها أو الشرطة أن تطلب تفويضاً بحماية الشخصية، ومن شأن أوامر المحكمة أن تمنع العائلات من اصطحاب شخص إلى الخارج لغاية الزواج أو حجز جواز السفر أو تخويف الضحية، ‘تخيلوا معي لو طبق هذا القانون في مجتمعنا.. كم ضحية سنشهد وكم جلاد سيذهب إلى السجن؟!’.
إن هذا القانون صدر من وزارة العدل البريطانية، ونحن هنا فقط عندما ‘لهجت’ وزارة العدل وبهدوء شديد على ضرورة تنظيم بناء دور العبادة في مدن وقرى المملكة قامت الدنيا ولم تقعد، فما بالكم لو سنت قانونا؟ وفي كل الأحوال ينبغي أن تسن القوانين مهما كانت عواقبها طالما أنها تنصب في خدمة المجتمع والرقي بأفراده نساء ورجالاً. وينبغي أن تعمل هذه الوزارة على بلورة سياسات جديدة من أجل ذلك، فإن إهمال هذه القوانين يعني تهيئة المجال واسعاً للاعتداء على الحقوق الإنسانية الأساسية في المجتمع وهذا ما لم ينبغ أن يحدث في مجتمعنا مهما كان الثمن، ومن هنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني المستنيرة في تعضيد المطالب المستنيرة سواء صدرت من امرأة أو رجل أو طفل.
الوطن 28 نوفمبر 2008