لا تُدار الدول بالتصريحات، وردود الأفعال، وسياسة «الباب اللي يجي منه الريح سدّه واستريح»، والتطبيق الانتقائي للقانون، وإنما تُدار الدول بالعمل المنهجي، وبتحديد الأهداف ووضع الخطط، ورسم السياسات، ومعالجة المشكلات، واتخاذ القرارات وتنفيذها، وتطبيق القانون…
وهذه ليست متطلبات تعجيزية، بل هي المتطلبات الأساسية والأولية لإدارة الدول… وهذا ما نفتقده بصورة فاضحة ليس في ظل الحكومة الحالية وحدها، وإنما في الحكومات المتعاقبة طوال ربع القرن الأخير!
فقد كشف التعامل الحكومي مع الإضرابات العمالية الأخيرة هذه الحقيقة المؤلمة… إذ ليست هناك بالأساس خطط ولا سياسات لاستقدام العمالة الأجنبية… كما تجاهلت الحكومة المشكلة أول الأمر إلى أن انفجرت بحيث لم يعد ممكناً تجاهلها، ثم تعاملت معها كمشكلة أمنية بحتة، بل لقد تمَّ اختصار المشكلة في حدود إضرابات العمال بينما جرى السكوت عن مسببات تلك الإضرابات، واكتفت الحكومة بملاحقة العمال المضربين وتسفير بعضهم، وأطلق المسؤولون بعض التصريحات الصحافية، ولم تتخذ إجراءات جادة تجاه الشركات المتسببة في المشكلة ولا ضد تجار الإقامات وهم معروفون، ولم يتم الكشف عن أسماء تلك الشركات ولا أسماء تجار الإقامات وهم معروفون، وأقصى ما تمَّ إقراره لم يتجاوز الإعلان عن ترتيبات لوضع حدّ متدنٍ لأجور العاملين في خدمات النظافة وشركات الحراسة والأمن لا يلبي أبسط المتطلبات المعيشية في ظل التضخم وارتفاع الأسعار!
وهذا يعني أنّ جذور المشكلة وأسبابها لم تعالج، وبالتالي فهي عرضة لأن تعود مرة أخرى.
والأمر ذاته ينطبق على مشكلة البدون، التي تنامت وتفاقمت جراء أسلوب التعامل الحكومي معها، فقد مارست السلطات منذ العام 1986 مختلف أشكال الضغط على البدون لإجبارهم على تعديل أوضاعهم أو مغادرة الكويت، وأطلق المسؤولون الحكوميون مئات التصريحات والوعود بحلّ مشكلة البدون، وتمّ التعامل مع المشكلة على أنها مشكلة أمنية بحتة، وجرى تجاهل أبعادها الإنسانية والاجتماعية، وها هي المشكلة قائمة بل متفاقمة!
والأمثلة كثيرة للقصور الحكومي الفاضح عن إدارة شؤون الدولة على نحو سليم، الذي بلغ درجة العجز المريع والفشل الذريع، ولم يخفف من عواقب هذا القصور والعجز ويستر سوءتهما سوى الوفرة المالية.
والمؤسف، بل الأخطر أنّ هناك ما يشبه التواطؤ الاجتماعي على القبول بهذا القصور والعجز على مستوى الإدارة السياسية للدولة والتعامل معه على أنّه أمر معتاد… وهو تواطؤ شاركت فيه معظم القوى السياسية والكتل النيابية، ووسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، حيث كانت تكتفي بانتقاد القشور والتركيز على الجزئيات والانشغال في التفاصيل، بينما تجنّبت عن عمد الحديث الصريح عن نهج الانفراد بالسلطة وما أوصل البلاد إليه، وسكتت عن تخلف وضعف الإدارة السياسية للدولة، ولعلّ أقصى ما فعلته “المعارضة”، التي لم تعد الآن معارضة، لم يتجاوز توجيه سهام نقدها اللاذع بالتصريحات وأدوات مساءلتها إلى بعض الوزراء مكشوفي الظهر ونحو عدد من وكلاء الوزارات من غير المحميين، بينما تعامت تماماً عن مركز القرار السياسي في البلاد، وفي أفضل الحالات اكتفت بالتلميح عن مسؤوليته دون التصريح بمساءلته.
ومادامت الحال كذلك فإنّ النهج الفاشل في إدارة الدولة سيستمر على ما هو عليه من دون تغيير يُذكر، فليس هناك حتى الآن مَنْ يدعو إلى هذا التغيير المستحق!
منقول عن جريدة عالم اليوم
إدارة فاشلة وتغيير مسكوت عنه
عالم الغيب والشهادة
كلما ازدادت حياة المدنِ العربية اضطراباً زاد غيبُها وضياعها. يجد بعضُ الفئات في هذا الاضطراب والضياع فرصةً للاستثمار، وإذ تفعل ذلك تزداد المدنُ اضطراباً لأن استغلاليين جدداً انضموا للقدامى فزادوا الحياة خراباً. إنها مدنٌ لا تحكمها عقليات عقلانية تخطيطية حاسبة لكل التطورات، بل هي تنمو بإرادات متصارعة كل منها يعمل لمصالحه الخاصة، فتحدث الاضطرابات نظراً لأن البلدان والناس صارت غنيمة لكل صياد. ومنذ أن كان الإنسان يصطادُ الوحوشَ في الصحراء بقوس وسهام يظهر له السحرةُ، يرقصون ويطلقون البخورَ ويشيرون إشاراتهم الغامضة التي تجعل الصيادين مأخوذين بهذه اللغة الغامضة ذات الدلالات الكثيرة، فيسقطون أمانيهم وأحلامَهم ومخاوفهم عليها.
يصبح السحرُ مهنةً لكن السحرة لا يشتغلون، فلا يخاطرون في حفر المناجم، ولا يتسلقون الأشجار، ولا يغوصون في البحار، فهم عاطلون عن العمل، لكن يغدون مركز السيطرة على الناس، ويصنعون حصالةً كبيرة تتجمعُ فيها نقودُ وعظام ودماء الناس.
كل الأمم أبعدت الدين عن الاستغلاليين التجاري والسياسي إلا أمة المسلمين. فميراث السحر كبير في حياتهم، ومعقلنو الدين لم يستطيعوا أن يتحدوا ويشكلوا ثقافة كبيرة مؤثرة. أنظمة تقليدية نهمة في سلب الثروات، وهجمات من الأمم الأخرى وطيران عابر للقارات من قبل الشركات العالمية.
لقد توصل بعض كبار فلاسفة المسلمين إلى وضع كل من الدين والعلم في سياقه المعقول، فلديهم ان العالم فيه إلهٌ واحد، لكن العالم له قوانينه الموضوعية، فالنار لها أسباب، وارتفاع الأسعار له أسباب أخرى، والأنظمة لها قوانين سببية لتتشكل وتهلك، والدين له أسباب.
وبهذه التعليلات سد هؤلاء الفلاسفةُ البابَ في وجه السحر كي لا ينفذ في الإسلام. لكن السحرةَ الدينيين رفضوا ذلك، لأنهم لا يقرؤون في علوم الطبيعة ولا علوم المجتمع والإنسان، كما أن الجمهور لم يعط أي فرص ليتعلم، وإذا تعلم علموه الخرافة. هذا الرفض يجعلهم لا يفهمون ولا يتعلمون بل يعتمدون على المادة الدينية المحفوظة، الغارقة في عالم السحر، لكي تجعلهم أيديهم طويلة على روح (العبد) وحركته الاجتماعية وتعطله السياسي.
الأنظمة ورجال الدين يلتقون في مجتمعات لا مكان فيها للعلوم الموجهة للسياسة والاجتماع والثقافة. يلجأ الزعيم السياسي للبخور الديني بعد أن كشفت الأحداثُ فشلَ سياسته، وبدلاً من أن يعالج المسألة بموضوعية، وأن جماعتَه هجموا على موارد البلد مثل الهجوم على المريس(معجون التمر)، لكنه يروح باحثاً عن أسباب أخرى في الغيب. قال بعضُ شجعان الرأي لمروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية، وهو الملقب بالحمار لا لغبائه بل لنشاطه العسكري الذي لم يتوقف؛ بأن لجوءه للمنجمين في غير محله، وأن مشكلته تكمنُ في أسرته الكثيفة التي التهمت الخزينة منذ زمن بعيد. لقد صارت أعدادُ بني أمية أكثر من ستين ألفاً في ذلك الوقت، وكل منهم أمير وله قطائع، ويريد أن يحكم، وانتفض بنو أمية على الحمار وبعثروا سلطته قبل أن يستثمر ذلك بنو العباس فيزيلوها من المشرق
. وكم من قائد في العصر الحديث لجأ للدجل، حتى صارت الأمة كلها في مصح عقلي، وكلما كثرت الانتخابات كثر الجنون، وظهرت طوائف جديدة من المشعوذين والانتهازيين، وكم من مثقف استغل حاجات الناس الروحية ليتربع على كرسي السلطان، من دون أن يقدم شيئاً لمعالجة شؤونهم الاقتصادية السيئة، ليس لشيء غير الجهل الاقتصادي.
فهؤلاء قادة السياسة لا يفهمون شيئاً في الاقتصاد، وهم سحرة جدد، والأمة كلها ربما تجري وراءهم، ثم يتضح بأن خططهم أدت إلى كوارث اقتصادية للناس الذين رفعوهم. قادة لا يعرفون كيف تتشكل الأسعار والأجور، وكيف تهربُ الشركاتُ العامة الأموالَ، وكيف تلتهم الأسرُ المتنفذة السوقَ، وهو العالم القريب المحسوس، فكيف سيجري فهم عالم الدول الجديدة والعولمة وثورة التقنيات، لكنهم يتنطعون، بلا حزب عالم باحث، ولكنهم يمتلكون السحر ويستطيعون تحويل فشلهم على الغيب بتلك الكلمات التي كان يرددها الساحرُ في زمن الصيد. عالم السياسة وعالم الاقتصاد عالمان بالغا التعقيد وإذا كان كل شاب يحلم بملء جيوبه، وكل ملا يتصور أن جعجعته تصلح لقيادة شعب، وأن كل من أخذ بعض الدروس في علم الكلام ليفكك أسرار الشركات.
أخبار الخليج 12 سبتمبر 2008
تطرف الكهرباء وضحاياه!!
مثلما للشغب والفوضى والحروب متضررون وجرحى وضحايا، كذلك الحال بالنسبة للكهرباء في بلادنا، ولكن الكهرباء تختلف عن الشغب وما ماثله بأن ضررها وضحاياها ينتجان عن حالتين، وكلتيهما مر، فإذا انطفأت الكهرباء عن الناس تضرروا، وإذا عادت إليهم بشكل مبالغ فيه من حيث قوة الدفع أيضاً تضرروا، خاصة وإنهم اعتادوا على ‘القطارة’ في كل شيء وأمر في حياتهم، وفي كلتي الحالتين كهرباؤنا في حالة غير سوية، باختصار متطرفة، ولأنها على مثل هذه الحال منذ سنين فإنه على ما يبدو أصبح القائمون عليها ومن ‘تكيف’ من المعنيين بشؤون العباد معها أصبحوا يعيشون نفس حالة الكهرباء ذاتها في ‘انطفائها’ وفي ‘فورتها’ المباغتة.
هذا ما حدث مع أهالي المحافظة الوسطى، وخاصة مجمع (814) بمدينة عيسى، فحين أطفأت الكهرباء عليهم للمرة التي لا تحصى لم يطالب أهالي هذا المجمع وما جاوره من مجمعات القائمين على شؤون الكهرباء سوى التسريع في إعادة الكهرباء إلى مجمعاتهم وإنقاذهم من كارثة الحر القاتل ومن التشرد من بيوتهم بحثاً عن نسمة هواء تحميهم من مضاعفات هذه الكارثة، ولكن حين أعاد القائمون على الكهرباء التيار الكهربي إلى هذه المجمعات، لم يتمكنوا من التحكم في سرعته وقوة دفعه، وعليه تعرض أهالي هذه المجمعات إلى خسائر قد تكون بالنسبة لذوي الدخل المحدود والفقراء فادحة، فمنهم من تلفت ثلاجته ومنهم من عدم الوسيلة في تلفازه ومنهم من اضطر لغسل ثيابه وتجفيفها بيده لأن الغسالة أتلفت، ومنهم من خسر كل هذه الضرورات مضافاً إليها أجهزة أخرى، وبالتالي ضاعفت حرارة الكهرباء وقوتها من حرارة القلب ومرارته.
ولأن المملكة وفرت للمواطنين كل وسائل وقنوات الاتصال بالجهات المعنية بهيئة الكهرباء لحل هذه المشكلة وتعويض هؤلاء الناس عن خسائرهم الكهربية، لجأ هؤلاء الأهالي إليها، وناشدوهم حل هذه المشكلة وتعويضهم عما فقدوه، ولكن يبدو أن هذه الجهات لا يعنيها كثيراً ما حدث لهؤلاء المتضررين، بالرغم من تكليفها بمتابعة شؤون عباد الله المتضررين، ومثل ما يقولون ‘يومهم ابسنه’ إذا لم يكن دهراً، هذا إذا لم يعتبروا شكوى المتضررين اللاجئين إليهم لحل المشكلة، شكوى ضدهم، وبالتالي ينبغي التعامل معهم بشكل آخر، كتأجيل شكواهم أو ‘بهدلتهم’ بعدم الرد على هواتفهم أو رسائل شكواهم أو بزجرهم نظير حاجتهم إليهم، هذا ما عرفته من بعض المتضررين في مجمع (814) الذين ضاقت بهم الدنيا جراء ما خسروه من أجهزة كهربائية (دفعة واحدة)، حيث لم يتلقوا من هؤلاء المسؤولين عن شكاواهم سوى ما يزيد من مرارتهم.
والقضية بحاجة إلى من ينظر في شأنها من أعضاء المجلسين البلدي والنواب، ولكن للأسف الشديد يبدو أن الأبواب مغلقة، و’ابن عمك أصمخ’ ولا حياة لمن تنادي، فبالرغم من اتصال هؤلاء الأهالي بالمنسقين والمختصين بشأن أهالي المحافظة، إلا أن الأمور مثل المياه الآسنة راكدة لا يحركها حتى أثقل الأحجار، وكما لو إن هؤلاء الأعضاء البلديين والنواب وجودهم صوري لا دور له وغير فاعل أو مؤثر، وبدلاً من أن يتحرك هؤلاء الأعضاء بأنفسهم للتعرف على شكاوى الناس، صار الناس أنفسهم يلهثون وراءهم عسى أن يجدوا من يستجيب لهم أو يتمتع بأذن صاغية لشكاواهم.
مثل هذه الحال الكارثية التي لا تحبذها وتستنكرها الحكومة ممثلة في سلطتها التنفيذية في كل سانحة وفي كل موقف يحدث، مثل هذه الحال لا تزال متورمة في جسد بعض الجهات الحيوية في البلد وفي جسد ممثلي الشعب.
إلى من يتوجه هؤلاء الأهالي في شكاواهم إذا كانت هذه الجهات المعنية تشكو من مرض عضال؟
الكرة الآن في ملعب الحكومة. فهي الأقدر على حل مثل هذه المشاكل إذا سدت الأبواب في وجه المتضررين من (تطرف الكهرباء)!!.
الوطن 12 سبتمبر 2008
في رحاب رمضان..
” ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا” صدق الله العظيم
– ربنا نوّر قلوبنا بمحبتك وطاعتك، واجعل البحرين غاية وهدف الجميع ونقطة تلاقيهم ومحور توحدهم وقبلة انتمائهم.
– ربنا لا تجعلنا نتخذ من الصيام ذريعة لتعطيل مصالح العباد، لأن إحياء شعائر الشهر الفضيل لا يعني أن لا نعطي العمل حقه المفروض من السرعة والإتقان والدقة، فالدين المعاملة كما قال الرسول الكريم “ص”.
– ربنا متعنا بحسن البصر والبصيرة كي لا نجعل حلول مشاكل البلاد والعباد متروكة لتصاريف الزمن، ولا تجعلنا ندمن لعبة تضييع الوقت وتضييع المسؤوليات، ولا تجعلنا نعجز عن الإمساك بنقطة البداية الصحيحة أو نتفنن في خلط الأوراق كي لا نظل نراوح في مكاننا.
– ربنا لا تجعل حصول الأمور الطبيعية وكأنها معجزة، وحدوث ما هو خطير وكأنه أمر عادي، ولا تجعل استحصال الحقوق وكأنها منّة أو هبة من سواك يارب العالمين.
– ربنا لا تجعل عنوان دولة المؤسسات والقانون مجرد لافتة أو شعــــــــــــــار أو “بروبوجندا إعلامية” تطرح في المؤتمرات والمهرجانات والاحتفالات، واجعله يارب العالمين منهجاً وسلوكاً يومياً يطبقه ويلتزم به الكبير قبل الصغير.
– ربنا قوِّ نظر قصار النظر من المسؤولين الذين لا يرون في المسؤولية أنها تعني القدرة على مواجهة الأزمات والمشكلات ولا يحسنون التشخيص ولا العلاج، ولا يرون أنهم عندما يعجزون عن ذلك أو يتعاملون بسلبية مع مجريات الأمور في واقعنا يكون بقاؤهم متنافياً مع أبسط شروط والتزامات المسؤولية.
– ربنا نجنا من تبعات أعمال أولئك الذين أدمنوا الفشل في تحمل مسؤولياتهم وفي إدارة شؤون الناس والمجتمع وأصبحوا لا يرون في الفشل ما يوجب الانزعاج ولا حتى تعكير المزاج.
– ربنا خلصنا من “العروض المسرحية الرخيصة” التي يؤديها بعض السياسيين والقوى ومكّنا يا رب العالمين من أن نكتشف دوماً حقيقة أفعالهم وأقوالهم حتى وإن تدثرت بكلمات طنانة رنانة عن حب الوطن والوحدة الوطنية التي هي بالنسبة إليهم ما هي إلا واجهة مخادعة تختبىء خلفها مصالح ومقاصد هي أبعد ما تكون عن الوحدة الوطنية.
– ربنا أبعد عنا سياسات الارتجال والعشوائية والقرارات غير المدروسة في إدارة وتسيير شؤوننا العامة واجعل اقتصادنا يقوم على خطط مدروسة لا إلى حقل تجارب على هوى أي مسؤول كان لتكون هناك أساسيات وثوابت شفافة تقوم عليها السياسات الاقتصادية والتنموية، فلا يخرج علينا مسؤول أو وزير بقرار ندفع ثمنه من حاضر ومستقبل البلاد.
– ربنا ساعدنا على بلوغ واقع اجتماعي يتسم بالعدالة والشفافية والمصداقية، واقع يوفر لأبناء البلاد على الأقل الحد الأدنى من تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
– يارب احمنا وساعدنا وقوِّ عزيمتنا على أن نواجه بكل جدية وحسم مجموعة من قضايانا ومشاكلنا المزمنة سواء كانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية أم شفافية وفي كل المجالات وأبعدنا عن كل المسكنات التي نبتلعها كل يوم.
– ربنا احم ما تبقى من ثروة البحرين من الأراضي في البر والبحر من طوفان الاعتداءات واستباحة مقدرات الوطن لحماية حقوق ومتطلبات الأجيال القادمة، بعد أن ارتكبت أكبر جناية في حق هذه الثروة من قبل من تعاملوا مع الوطن كشركة عقارية.
– يارب لا تجعل أحداً يدعي احتكار الوطنية لنفسه وينكرها على الآخرين، واحمنا واحم الوطن من أولئك الذين يرفعون الراية الوطنية ويرتدون اللبوس الوطني وهم في كل يوم يضربون الوطن ويضربون الوحدة الوطنية في الصميم.
– ربنا إهد صراط من يلعبون على أوتار الانقسامات والحساسيات الطائفية والمذهبية والذين يقيسون كل شيء على مقاسات طائفية، وخلصنا يارب العالمين من الذين يغلفون الأحقاد والمآرب الخاصة بأغلفة وطنية ولا هم لهم إلا أن يحتجزوننا في أنانياتهم.
– يارب فرج عنا في هذه الأيام المفترجة، وترفق بنا وخفف عنا يارب العالمين وطأة غلاء الأسعار، ورد كيد من أرادوا إذلال المواطن بذريعة صرف علاوة غلاء الأسعار.
– يارب اعلُ في مجتمعنا قيم الجدية والطهارة والنزاهة والشرف، ولا تجعــــــــل “المظهرية” منهاج عملنا على حساب الجوهر والمضمون وترفق بنا يا أرحم الراحمين مما بات يسكن فينا من هموم ومواجع.
– يا رب اجعل كل مسؤول، وكل وزير، وكل نائب يدرك قيمة وعظم المسؤولية وأنه مؤتمن على كل الوطن بكل طوائفه ومناطقه، ولا تجعل أياّ منهم يفقد الاتجاه الصحيح لا يعرف إلى أين هو ذاهب لتتكرر الأخطاء تلو الأخطاء، واجعل نوابنا نواب شعب لا نواب كتل وجمعيات وتيارات وطوائف.
– يارب العالمين اهدِ الجميع ليجعلوا أي حوار وطني يتقدمه حسن الظن بالنيات والمقاصد، ووفق كل من يرفعون مخلصين رايات الحوار بعيداً عن لغة المصالح والغايات، واجعل أي حوار وطني مقبل مباركاً على كل البحرينيين.
– يارب اجعل مجتمعنا يحارب الفساد بكل مظاهره وأشكاله، وامنحنا الإرادة وشجاعة القرار لنبدأ الخطوة الأولى للدفاع عن قدسية المال العام، ورسّخ يارب العالمين في قلوب وعقول الجميع أن الفساد هو تدمير لمقومات توازن واستقرار أي مجتمع، ووقف الفساد هو السلاح الأنجح في إطلاق التنمية الحقيقية ولا تجعل يا رب العالمين الفاسدين يحملون شعارات محاربة الفساد كما يحمل اللصوص حملة تنوير الشوارع.
– يارب اجعلنا مجتمعاً يحترم العلم والعلماء، ويقدر أصحاب الكفاءات وأهل الإبداع، ولا تجعل شبابنا محبطا وطاقاتهم مهدرة ومواهبهم ضائعة أمام قيم وموازين مختلة.
– يارب العالمين احمنا من أفعال وأقوال “نواب أبو العّريف” الذين يفهمون في كل شيء، ويفتون في كل شيء، ويختزلون الوطن والوطنية في شخوصهم.
– ربنا خلصنا من عمليات الإقصاء التي تتم في بعض الوزارات والمؤسسات الرسمية لكل من لا يدور في فلك بعض الجمعيات والتيارات التي تتلفع بالدين أو الطائفة.
– ربنا مكنا وساعدنا واهدنا لجعل الديمقراطية تؤسس على المواطنة الحقة وعلى الحقوق المتساوية بين المواطنين، وجعل الدولة دولة مواطنين لا رعايا يكون المواطن فيها حجر الزاوية في كل شيء.
– ربنا لا تجعل الإصلاح يتراجع أو يقف في المنتصف، وعلمنا كيف نستفيد من تجارب الآخرين، وإلا نكرر اخطاءنا حتى لا يكون الإصلاح والتغيير والتجديد والتطوير مجرد كلام في كلام.
– يا ربنا اجعل الذين يتحدثون عن مستقبل البحرين، وعن الرؤية الاقتصادية وعن المشروعات التنموية والمشروعات العملاقة هنا وهناك وهنالك، اجعلهم يارب العالمين يدركون أن التنمية الحقيقية التي لا يستفيد منها المواطن لا يمكن أن تكون تنمية.
– يارب ارحمنا ولا تزيد علينا لا طوابير العاطلين والمهمشين والمحبطين، ولا طوابير الفاشلين والفاسدين والموتورين، وارحمنا من أفعال من لا أخلاق لهم ولا دين ومن يريدون أن يوقعونا في حسابات خاطئة ونيات غير مخلصة وأهداف غير أمينة، وسلوكيات غارقة في وحل الطائفية والفساد.
– ربنا ندعوك أن توسع عقولنا وقلوبنا لمزيد من حرية الرأي والفكر دون حَجْر أو وصاية أو مسارعة إلى الاتهام وإساءة الظن لكل من يبدي رأيا أو فكراً.
– ربنا سمعنا وأطعنا واليك المصير إنك سميع الدعاء.
الأيام 12 سبتمبر 2008
الفطور والتراويح والحوار المريح!
يبدو النهار الرمضاني من الصوم في هذه الأيام متعبا، خاصة لدى الناس الذين يعتقدون، أو يتوهمون أن الصيام والشهر الفضيل، يصبح أكثر بركة كلما كشروا بوجوههم وعبسوا بجفونهم وحواجبهم، وكأنهم يبعثون برسائل للناس عن أن الصوم عبادة وسلوكيات نهارية منفرة بالفظاظة واحتباس المشاعر تفوق الاحتباس الحراري للصوم.
ذلك السلوك يخف ليلا لدى أولئك المستنفرين نهارا بعد مدفع الإفطار، بحجج أن الصوم مسألة متعبة ولها خصوصيات سلوكية نوزعها على العباد في النهار، عن طريق وجوهنا المكفهرة وفي الليل نزيح ذلك الماكياج الأصفر عن وجوهنا، لعل الناس ترى فينا عبادا آخرين.
لم يكن لرمضان أيام زمان هذا التوتر النهاري ولا ذلك النهج العدواني المستنفر، والاختفاء كسلا خلف حجج الصوم والأيام الرمضانية، التي يقل فيها الإنتاج ويزداد فيها التبطل والتعطل والمبررات الكثيرة للغياب نتيجة السهر المفرط. قبل أربعة عقود ويزيد، كانت الناس سلسة، سهلة، مسترخية، تصوم نهارها بهدوء وتفطر يومها بكل راحة، ثم تبدأ الجولات الرمضانية البسيطة دون مجالس نيابية ولا أعيان جدد ولا صحافة وأقلام مبتذلة بالمديح، وأصوات نشاز واستنفار يفوق استنفار حالة الطوارئ في الصومال والعراق!!
اعرفهم الآباء الذين كانوا يسترخون عند البحر في النهار وهم يستمتعون بدفء الشمس إذا ما زارنا رمضان شتاء، وإذا ما بدا في ثوب الصيف اللاهب، فالناس تستظل برحمة ربها وتستظل بالصبر والقناعة دون مكيفات، فيما راحت تلك القوى العمالية القادمة من قلب البحر تستيقظ صباحا مبكرا، لتلحق بباص بابكو، سواء كان الباص العادي أم الباص المعروف بـ “سالم خطر” بعنقه الثعباني المتميز، وقدرة السواقين المهرة بالعبور به من شوارع ضيقة، حتى ضربت الأمثال بمهارتهم وقدرتهم على امتطاء ذلك التنين، بل وردد البعض حكايات خرافية عن ذلك السائق المجنون الذي سرق “سالم خطر” ومر به من بوابة باب البحرين عندما كانت تطارده الشرطة! حمل الناس يومها حكاياتهم الرمضانية ليلا ونهارا، وهم يستحمون في ظلال البركة وساعات البركة دون تصنع أو طلبا للرحمة المفتعلة، فقد كانوا يصومون بتواضع ويصلون دون مظاهر الزينة أو التقشف الصوفي المفتعل، كما نراه في يومنا.
كانت سفرة زمان ابسط ومباركة أيضا فالرحمة لا توزع بالضرورة على بيوت الثراء والنعمة، ولا يظل فقراء الدنيا خارج بوابة الفردوس، لكون الحياة في رمضان كانت واسعة برحمتها دون مباهج إعلانية وتليفزيونية. رمضان سيظل كما هو منذ فجر الإسلام شعيرة دينية وان كانت سفرات البيوت ليست واحدة!’
ولكن ما تبدل وسيتبدل هو “الطقوسية الاجتماعية” لمسألة دينية. ربما بعد نصف قرن سيكون رمضان برائحة مختلفة، ومجالس تزدهر في أركانها ليس هواتف نقالة بالمجان وإنما أجهزة كومبيوتر صغيرة متعددة الوظائف والمهام، وسفرة سيكون فيها كل شيء حاضرا من وجبات بلاستيكية مستخرجة من مشتقات النفط، جاءت من أمريكا اللاتينية ونيوزلندا وبنغلاديش، فيما عدا الهريس اليتيم المصنوع جاهزا في تايلاند والصين والهند!!، حيث باتت النساء من ذلك الجيل ربما لا يعرفن كيف يلفظن مفردة الهريسة لكونها تسبب لهن مغصا في المعدة، كلما حاولن تذكرها، فمعدات شابات ذلك الجيل المولعات بالرجيم والتدقيق بالسعرات الحرارية (الكالورات) وغيرها منشغلات بقراءة مجلات الأزياء والمطبخ العصري، فمن الأحسن تعداد حبات السمبوسة بدون زيادة في الدهن النباتي.
رمضان الماضي والحاضر والمستقبل لن يكون واحدا ومماثلا بالتأكيد، فأشخاص من جيلي لا يرون متعة في رمضان هذا الوقت، إلا اجترار طعام بارد وذكرى مستعادة دون رائحة فرح حقيقية.
لقد اختفت المساحات من مدننا في زمن العمران، فما عدنا نسمع بأذاننا ككائنات مستنفرة بالسمع صوت المدفع القادم من أقصى نقطة، فلم تكن البيوت متعلقة لا بالتلفاز ولا بساعات الهواتف، فقد كان للمدفع والمذياع والآذان لحنا واحدا ينطلق دفعة واحدة، دون أن تربكنا حوادث السيارات ولا عدد الذين ترددوا إلى قسم الطوارئ مصابين بدوخة وغثيان وزع لونه “العجيب” على أرصفة الشوارع والأزقة، فقد شكلت العمالة البائسة جزءا من حضورها المزري عند بوابات المساجد والطرقات، وكأنها المدينة في حالة إغاثة وبلد يعيش مجاعة وزمن حرب.
مشاهد لم اعرفها وطرقات لم ألمسها وإنما هدوء واسترخاء في كل شيء، في الحركة والكلام والوداعة والبساطة والطيبة والانسجام الداخلي للإنسان بين ربه ونفسه. لم تكن أبواق وأصوات النفاق والرياء بهذا الحجم، مثلما لم تكن أصباغ التمثيل تستنفذ من المحلات، فقد كان الخباز يعرف زبائنه في الحي ولا يحتاج احد للترشيح والانتخاب، ولا بطاقة دعوة للدخول لطاولات المطاعم الفاخرة ليلا لجمعيات سياسية ثرية ونواب باتوا أثرياء جدد يزاحمون الطبقة الوسطى المتذمرة!!.
من يفطرون اليوم بقلق الأسهم، ومن ينهون صلاة التراويح بعجالة منتظرة، هم من تعلقت قلوبهم بموائد أخرى، وبأحاديث مستهلكة عن السياسة، واستعادة حوار بارد، باهت، لا يسمن ولا يغني من جوع إلا جوع ساعات الصوم، ففي شهر رمضان يصاب عقل بعض الساسة بالجمود، فيما تنتفخ بطون بعضهم فوق اللازم، إذ يكتشف اغلبهم يوم العيد أن وزنه قد زاد!، فقد فضحه قياس ثوبه عند بطنه فيصرخ مستنكرا “والله عجيب كنت صائما طوال الشهر!!” وقد أنهكتني مجالس البلاد، التي أينما ذهبت كنائب معني بشؤون الشعب!، يسألونني أين هو دوركم في معالجة المشاكل الفعلية؟
رمضان مبارك على نوابنا بالفطور والتراويح راجين لهم حوارا مريحا، في كل شيء إلا مسألة ممنوعة من الصرف والتصريح!
الأيام 12 سبتمبر 2008
أين التخطيط ؟
منذ بداية الأسبوع، حيث استقبلنا العام الدراسي الجديد، والصحف تتحدث عن جملةٍ من المشاكل ذات الصلة، بدءاً من الاختناقات المرورية بفعل البطء في انجاز مشاريع توسعة الشوارع، التي تجعل من المشروع الذي يُمكن انجازه في شهور يستغرق أعواماً، وانتهاءً بالنقص في الفصول الدراسية، حيث تعجز الكثير من المدارس عن استيعاب الزيادة في أعداد التلاميذ والتلميذات، مروراً بتأخر بدء الدراسة أمام بطء تنظيم الجدول الدراسي، بسبب الإرباكات في توزيع المعلمين والمعلمات.
ليست المسألة في شارعٍ تأخرت توسعته أو نفقٍ أو جسرٍ طالت مدة انجازه، وليست في بضعة مئات زائدة من التلاميذ ذهبوا للمدارس فلم يجدوا فصولاً أو مقاعد يجلسون عليها ليتعلموا.
المسألة تكمن في علةٍ أكبر بكثير، هي غياب التخطيط الذي يكاد يكون معدوماً في مختلف أوجه الحياة والإدارة في البلاد، بدليل أن المناطق التي تجري توسعتها وتشيد فيها الجسور أو الأنفاق مناطق حديثة لم تمض على بعضها بضع سنوات، ومع ذلك فإننا سرعان ما نجد عجزها عن استيعاب النمو الحاصل وزيادة عدد السكان، بالطريقة التي تشير إلى أن من صمم هذه المناطق بعد ردم البحر وتوزيع قسائم الأرض على المتنفذين لم يحسب أكثر من العوائد الذاهبة إلى جيبه نتيجة ذلك، أما تخطيط هذه المناطق فذلك شأن لا يعنيه.
والدولة التي تٌغرق البلاد بالمجنسين لاعتبارات سياسية تتجاهل انه على هذا التجنيس ستترتب خدمات إضافية مُكلفة بينها الحاجة إلى مدارس ومستشفيات ومناطق سكن جديدة، ولكن هنا أيضاً يجري التفكير في المصلحة السياسية المباشرة لا في مستقبل الوطن وعيش أبنائه.
لا عجب بعد ذلك حين نجد أوجه التخبط والفوضى قد عمت في شتى المرافق، وتراكمت المشاكل فلم نعد نعرف من أيها نبدأ، فيما أساس العلة هو أننا، فيما يتصل بمصالح الناس، نجعل للتخطيط أدنى المراتب، هذا إن وجدت له مرتبة أصلاًً.
خاص بالتقدمي
كارثة المقطم
بقدر ما يشعر المرء بالأسى والألم الشديد للكارثة الانسانية المروعة التي يمر بها حي الدويقة بسفح جبل المقطم الشهير بالقاهرة من جراء انهيار كتل صخرية ضخمة تدحرجت من أعلى الجبل وجثمت على منازل ذلك الحي الشعبي الفقير وسوتها في ثوان مع الأرض تحت الانقاض، وحيث راح ضحية هذه الكارثة حتى الآن عشرات المواطنين وصلت تقديرات أعداد القتلى منهم حتى ساعة اعداد هذا الموضوع الى ما يقرب من 50 قتيلاً فيما بلغت تقديرات أعداد المصابين الى أكثر من 60 مصاباً.. نقول: بقدر ما يشعر المرء بالأسى والألم الشديد لافتقاد ارواح هؤلاء الابرياء فانه يشعر بالأسى لما تعرض له رجال الأمن الانقاذيون الابرياء من اعتداء من قبل الأهالي المفجوعين من ذوي المنكوبين.
فلئن كان المرء يتفهم تماما عمق الجروح الغائرة التي انتابت نفوس المفجوعين من ذوي ضحايا الكارثة مما دفع اعدادا منهم لصب جام غضبهم الشديد بالاعتداء على أولئك البسطاء من رجال الأمن والجيش المسخرين لعمليات الاغاثة والانقاذ، فإن هؤلاء البسطاء من قوات الشرطة لا حول لهم ولا قوة فيما حدث، ولا يتحملون أدنى مسؤولية إدارية أو سياسية في مسببات الكارثة التي أرجعها معظم المحللين والمراقبين المصريين، وبضمنهم قيادات في الحزب الحاكم، لاسباب فسادية واهمالية. وعلى سبيل المثال فإن محافظ القاهرة «عبدالعظيم وزير« اعترف بشجاعة بوجود تقارير حكومية تنذر بوقوع الكارثة منذ عام .1993 ذلك بأن رجال الانقاذ من قوات الأمن والجيش، بغض النظر عما فرض على بعض فرقهم في بعض المحطات التاريخية من اصطدامات ومواجهات مع الأهالي في الاضطرابات السياسية الشعبية على امتداد عقود طويلة منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة، إلا انهم من اكثر شرطة وجيوش الدول العربية أصالة، وتضرب جذورهم تاريخيا الى أعماق التربة المصرية. وكانت لهم مواقف وطنية وانسانية مشهودة في التاريخ المصري المعاصر. وبالتالي فليس كل صفحات تاريخهم سوداء، كما يُعتقد وهماً. علاوة على ذلك، فليس كلهم بجميع فرقهم وتفرعاتهم ومهامهم الوظيفية مسخرين، كما يُظن، للمواجهات أو لقمع الاضطرابات والمظاهرات الشعبية. وبعيداً عن كل الجدل المحتدم الآن داخلياً حول المسببات السياسية والإدارية التي أدت الى كارثة المقطم، فإن ما غاب كليا من عوامل الكارثة في هذا الجدل هو افتقاد الدولة الى الامكانيات والوسائل الآلية التكنولوجية المتطورة في عملية الانقاذ، كالتي تتوافر عادة في الدول المتقدمة، فلو وقعت مثل هذه الكارثة فرضاً في دولة متقدمة، كالولايات المتحدة، لتم انقاذ الناجين المحشورين تحت الانقاض في غضون ساعات ربما لا تتجاوز يوما واحدا على الاكثر. والانكى من ذلك فمثلما لم تظهر الولايات المتحدة الصديقة الحليفة لمصر ولدول مجلس التعاون أي شهامة تعاون في كارثة الاعصار جونجو بسلطنة عمان، ها هي تقف متفرجة على محنة الصديق المصري في كارثة المقطم الراهنة، حيث عمليات الانقاذ مازالت بطيئة رغم تقدمها النسبي مؤخرا، ورغم مرور نحو اسبوع على وقوع الكارثة وذلك بسبب ضعف وتخلف الامكانيات الآلية الموظفة في عملية الانقاذ الجارية قياساً بتطورها في الدول المتقدمة كأمريكا، ومن ضمنها الوسائل والتقنيات والآليات والمروحيات الحديثة البالغة التطور. وعلى سبيل فقد ذكرتني – كارثة المقطم وضعف وسائل وامكانيات العمليات الانقاذية المتطورة التي لا تملكها مصر ودول العالم الثالث عامة بحوار جرى بيني وبين أحد أساتذة جامعة بكين قبيل افتتاح الدورة الاولمبية، حينما فاجأني بالقول، كغيره ممن التقيتهم قبلاً من كبار المسؤولين، بأنهم لا يعتبرون بلادهم حتى الآن دولة صناعية متقدمة، حتى بالرغم من كل ما حققته من انجازات اقتصادية وانتاجية باهرة خلال العقدين الماضيين. وحينما اردت الاطالة في مجادلته بطرح المزيد من الاسئلة لتوضيح هذه المفارقة الغريبة اكتفى لإفحامي وقطع هذه المجادلة بضرب مثل من واقع ظروف محاولة اغاثة الناجين في كارثة زلزال سيشوان ببلاده حيث كان أحد العوامل الرئيسية لتعقد محاولة الاغاثة عدم امتلاك الصين مروحيات ثقيلة تحمل عشرات الأطنان، في حين كانت الجارة روسيا لديها مثل هذه المروحيات المتطورة ولم تتوان عن الاسراع في المساهمة باغاثة الصديق الصيني لانقاذ من يمكن انقاذهم من تحت الانقاض. على أي حال ثمة دروس وعبر اخرى يمكن الاستفادة منها من كارثة المقطم تتصل بمدى جاهزية وتجهيز جيوشنا العربية، لا الجيش المصري وحده للمشاركة والتعامل مع مثل هذه الكوارث الطبيعية الطارئة في أوقات السلم، وهو ما تفتقد إليه كل الدول العربية، مما يستحق ان نفرد له وقفة خاصة مستقبلا.
صحيفة اخبار الخليج
11 سبتمبر 2008
الصناعات الخليجية.. مواقف الغرف
تبدو مواقف الغرف الخليجية من العمليات التحولية الكبيرة في الاقتصاد وآفاق المنطقة عائمة وباهتة، فهي لا تمتلك أي تصورات عميقة للتحول، وهي تقزم بهذا نفسها، معبرة عن قوى اجتماعية تهتم بالربح من دون مساهمة كبيرة في تحديث المنطقة وتعريبها. يقول الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية لدول الخليج السيد عبدالرحيم حسن نقي في تصريح لإحدى الجرائد الكويتية محدداً السياسة العامة لهذه الغرف في رؤيتها للتحول الاقتصادي الذي يمر به الخليج: (إن القطاع الخاص ظل يعمل جاهداً على توظيف أكبر عدد من ممكن من العمالة الوطنية في مختلف المستويات الإدارية والفنية، وظل يعمل في هذا الدور جنباً لجنب مع القطاع العام لذا من الضروري الرجوع إلى القطاع الخاص الخليجي في حال إصدار أو تطبيق أي تشريعات جديدة تتعلق بتنظيم سوق العمل الخليجي خلال السنوات المقبلة). تغدو مسالة تغيير أوضاع الحياة الاقتصادية مرئية فقط من وجهة نظر أرباب العمل، فهنا كلمات عامة مجردة حول(يعمل جاهداً) و(توظيف العمالة الوطنية في مختلف المستويات) من دون ذكر أي أرقام عن هذا التوظيف وعن تناميه، كما أن تحديد تشغيل العمالة في وظائف إدارية يشير إلى طبيعة العمل في بعض دول الخليج حيث يقل وجود العمالة المهنية، وهو أمرٌ لا يرسم لوحة متكاملة للعمل في هذه المنطقة. كذلك فإن أمين عام الغرف وهو لا يقدم واجبات ملزمة قوية محددة لأرباب العمل يطالبُ بأن تلعبَ الغرفُ دوراً أساسياً في صدور التشريعات، بحيث تمنع التوطين والخلجنة والتعريب في الخريطة الاقتصادية السائبة، وهو أمرٌ يشير إلى سيطرة هواجس الأرباح السريعة، وفقدان أي رؤية سياسية قومية للاستقرار على المدى الطويل عند قيادات العمل الخاص. وهو كذلك يطالبُ الحكومات الخليجية بتطوير نظم التعلم وخاصة إنشاء المعاهد التطبيقية ويدعو(إلى ضرورة استقطاب الأيدي العاملة الأجنبية وتوظيفها والقضاء على ظاهرة العمالة السائبة). وحول ضرورة توسيع مشاركة المواطنين في مؤسسات القطاع الخاص أكد انه من الضرورة أولاً(رفع المستوى التدريبي للمواطنين). وهكذا تغدو الحلقة مفرغة، فالقطاعات الخاصة تتجه بقوة للعمالة الأجنبية الرخيصة تاركة الأهالي من دون أعمال، أو تطلب من الدول أن تشحنهم إلى دوائرها ليكونوا بطالة مقنعة، ولكن على هؤلاء المواطنين أن يتدربوا وتزداد قدراتهم في العلوم التطبيقية! ولكن حينئذٍ سوف تزداد أجورهم حسبما بذلوه من دراسة، وبهذا يزداد تعطلهم! وتذكر الاحصائيات أن حجم الصفقات للشركات الخليجية بلغت 821 مليون دولار في سنة 2003 فقط لكن هذا الرقم قفز بقوة فارتفعت هذه الصفقات في سنة 2007 إلى مبلغ 55 مليار دولار. وهذا يدل كذلك على اتساع السيولة المالية حيث كانت الصفقات تمول نقدياً. ولكن إلى أين يوجه رجال الأعمال هذه السيولة الكبيرة المتصاعدة؟ إنهم يوجهونها نحو المزيد من الأرباح واستنزاف جيوب المواطنين والعمالة الأجنبية، فقد حصلت شركات الاتصالات الخليجية وحدها على قروض قدرها 32 مليار دولار. وهكذا فإن قيادات القطاع الخاص حسب النموذج المهم المعروض هنا تمتلك رؤية اقتصادية آنية، وتتطلع لمصالحها المباشرة بكل قوة، ومن دون ربط هذه المصالح بتطورات الحياة الاقتصادية والسياسية، فيجري رؤية إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني في كل دولة خليجية، بصورةٍ لو تمتْ بهذه المعايير لأدت إلى فوضى اقتصادية كبيرة وإلى غليان سياسي مخيف. فسوف تؤدي إعادة الهيكلة، وهي ستحدث الآن أو غداً، لكونها تتماثل مع قوانين القيمة، إلى بطالة واسعة بين المواطنين أكثر مما هي الآن، وإلى تدفق عارم للعمالة الأجنبية، وإلى توجه الرساميل للخارج أو المشروعات التجارية والسكنية المرتفعة الإيجارات وغير هذا من الظاهرات التي ترفع الأسعار وتضخم الأرباح وتجعل الخصخصة وسيلة لالتهام مشروعات الدول العامة الإنتاجية المربحة. لم نجد في رؤى القطاع الخاص نظرةً مستقبلية كبيرة ونافذة، ومن هنا فإن معدلات التدفق العمالي الأجنبي ومشروعات المقاولات البنائية والفندقية وكل مشروعات الربح السريع هي التي يتم التركيز فيها من قبل القطاع الخاص، وهذه التطورات المتلاحقة لا يمكن أن تـُواكب بتعليم وطني تقني وعلمي متقدم، فيتم رهن دول الخليج للخارج عبر استيراد القوى الإنتاجية وتصدير الثروة للخارج من جهةٍ أخرى. أي يتم إيجاد اقتصاد خدماتي يستنزف الثروة. ولإحداث التوازن بين مطالب القطاع الخاص المتطرفة، وظروف شعوب الخليج، لا بد من تصاعد دور التيارات السياسية والنقابات المعبرة عن المنتجين العرب الخليجيين، لتحديد جلب العمالة ونوعياتها وتحديد مجالات الاستثمار الأكثر ضرورة وفائدة للمنطقة، وتكوين تطورات متدرجة في كل هذه المستويات، عبر الانتقال للاقتصاد الإنتاجي والتخفيف من الاقتصاد الخدماتي الذي قد يواجه الكوارث في حالة سيطرته، والتوجه إلى الاقتصاد المعلوماتي الكثيف وإدخال النساء الخليجيات والعربيات بصورة موسعة في عمليات الإنتاج.
صحيفة اخبار الخليج
11 سبتمبر 2008
جثث تحت الصخور
الحادثة المأساوية الناجمة عن انهيار الكتل الصخرية الضخمة على حي منشية ناصر العشوائي في القاهرة تُسلط الضوء مجدداً على ظاهرة الأحياء العشوائية ومدن الصفيح والمقابر، لا في القاهرة وحدها وإنما في بلدان عربية أخرى. عدد ضحايا هذه المأساة آخذ في الارتفاع مع مرور الأيام عليها، حيث يُقدر عدد من هم تحت الأنقاض بما لا يقل عن خمسمائة إنسان. وتسير محاولات الإنقاذ وانتشال الضحايا ببطء شديد لا يتناسب مع حجم الكارثة، وسط سخط أهالي الضحايا وسكان الحي المنكوب، بسبب وعورة المنطقة وضعف، وربما انعدام، جاهزية التعامل مع مثل هذه الكوارث، في منطقة لم تهيأ أصلاً لتكون للسكن. الأحياء العشوائية في مدينة كبيرة مكتظة بالسكان مثل القاهرة هي حالة نموذجية لمثيلاتها في عواصم ومدن عربية أخرى تعاني من هجرة واسعة إليها من الأطراف والبلدات والأرياف، بسبب تدني المستوى المعيشي وانعدام فرص العمل، فيما العواصم مأزومة هي الأخرى، وتنوء بسكانها الأصليين الذين تعجز عن تأمين حياة مقبولة لهم. وحي منشية ناصر مثل حي على ذلك، حيث تشتهر هذه المنطقة العشوائية بالازدحام، إذ يقطنها أكثر من نصف مليون شخص، أغلبهم من المهاجرين من الأرياف بحثاً عن فرص عمل في القاهرة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من ٧١ مليون نسمة. وحسب تقارير صحافية فإن العديد من العائلات تقيم في غرفة واحدة ولا يتوفر الصرف الصحي وغيره من الخدمات الأساسية في الحي المقام على جرف صخري، سبق أن تعرض إلى كوارث مُشابهة في سنوات ماضية. مثل هذه العشوائيات تشكل مستودعاً للاحتجاج والغضب، وتوفر بيئة ملائمة للتطرف والتعصب، في غياب الخطط التنموية بعيدة المدى القادرة على استيعاب الأجيال الجديدة من الشبان الذين يولدون ويكبرون في مثل هذه الأحياء في حال من الشعور بعدم الأمان وبانسداد الأفق أمامهم في حياة كريمة تؤمن لهم التعليم والعمل والخدمات الضرورية.لا يبدو الأمر، والحال كذلك، مقتصراً على كوارث إنسانية مثل هذه التي يعيشها حي منشية ناصر بمحاذاة جبل المقطم، وإنما نذير كوارث اجتماعية أوسع مدى تطال مجتمعاتنا العربية كافة ما لم يُصر إلى استراتيجيات متكاملة بأبعاد تنموية واجتماعية وخدماتية وتربوية لمعالجة الأمر، ومحاربة الانتشار السرطاني لبؤر الفساد التي تجعل مثل هذه الاستراتيجيات متعذرة. ليس بلا مغزى أن الثكالى والمفجوعين من أهالي الضحايا يتحدثون بمرارة عن رجل الأعمال الذي رصد مليوني دولار، وهو مبلغ تتضاعف قيمته مرات حين يُحول إلى العملة المصرية، لقاتل محترف انقم له بقتل مغنية كان على علاقة بها، فيما لا يجد هؤلاء الفقراء مكاناً يؤويهم، ولا لقمة تسد رمقهم، وحين يهوون تحت الصخور لا يجدون من يستطيع انتشال جثثهم.
صحيفة الايام
11 سبتمبر 2008
اتفاقية مكافحة الفساد
تعد اتفاقية مكافحة الفساد الدولية واحدة من أهم الاتفاقيات المعنية لا بمكافحة الفساد وملاحقة مرتكبيه وتجميد وحجز وإرجاع العائدات المتأتية من الأفعال المجرمة، فحسب، ولكن باتخاذ كافة التدابير الوقائية لمكافحته وخلق البيئة السياسية والاجتماعية والإدارية الطاردة للفساد مع إيجاد آلية للمراقبة، وكانت البحرين إحدى الدول التي انضمت لهذه الاتفاقية، وقد أحال مجلس الوزراء للسلطة التشريعية مؤخرا مشروع قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإذا جرى التصديق على هذه الاتفاقية فمن المؤمل ان تنشط مؤسسات المجتمع المدني لمساندة وتعزيز هذه الاتفاقية الهامة التي تعد حجرا أساسيا في البناء المؤسسي الديمقراطي القائم على الحكم الرشيد وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة.
ويكلف الفساد العربي المليارات سنويا وبعض الفساد يصعب حصره في بيئة مجتمعية تمنح الامتيازات الخاصة للبعض وتشح فيها المعلومة المهمة وخصوصا حين تصل إلى الموازنات المالية والثروات الوطنية وخزائن إيرادات النفط وغيرها، لذا تعتبر المعلومة مهمة جدا في هذه الاتفاقية.
وتقرر ديباجة الاتفاقية الأممية إن الفساد يشكل خطرا على استقرار المجتمعات وأمنها كما يقوض مؤسسات الديمقراطية والقيم الأخلاقية ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر. وجاء في التدابير الوقائية للاتفاقية بأن تقوم كل دولة موقعة على الاتفاقية بوضع وتنفيذ سياسات فعالة ومنسقة لمكافحة الفساد تعزيز المشاركة الشعبية والرأي العام فيه ضمن منظومة تعمل على حسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية والنزاهة والشفافية والمساءلة.
وعلى صعيد مكافحة الفساد في القطاع العام تقرر الهيئة ضرورة إرساء العدالة في التوظيف والأجور والتدريب ومنح الحوافز والترقيات المنصفة للجميع، وتقول الاتفاقية بأهمية أن تتوافر مؤسسات ومصالح الدولة وقطاعها الخاص على مدونات ومعايير سلوكية معلنة ومنشورة من اجل الأداء الصحيح والسليم للوظائف العملية وإرساء تدابير ونظم تيسر قيام الموظفين العمومين والخاصين بإبلاغ السلطات عن أفعال الفساد عند اكتشافها مع إيجاد الحماية القانونية للمبلغين، والأمر ذاته ينطبق على المشتريات العمومية والتشارك في المناقصات.
الاتفاقية تفصّل في التدابير المانعة لعمليات غسيل الأموال وكيفية إنفاذ القانون في الموظفين العمومين الفاسدين وعند اختلاس الممتلكات وتسريبها وتبديدها والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استغلال الوظائف والثراء غير المشروع والإخفاء وإعاقة سير العدالة، كما تفصّل في مساءلة الشخصيات الاعتبارية وفي التعاون الدولي بين جميع الدول الموقعة على هذه الاتفاقية وتتشارك في مؤتمر دولي خاص بها لضمان سير العمل بها باستمرار وليس ضمن مواسم متقطعة.
إن التصديق على اتفاقية مكافحة الفساد من شأنه أن يخلق بيئة جيدة ويحسن الأداء الحكومي والقضائي والنيابة العامة والمجالس النيابية والتنظيمات المجتمعية والقطاع الخاص وكل مجال قد ينشط فيه فيروس الفساد أو يجد الحماية والتستر .
إننا نتأمل الكثير من هذه الاتفاقية المحلية المتماشية مع الاتفاقية الدولية المعنية بمكافحة الفساد وتطويقه ومحاصرته بالقانون والعقوبات الرادعة.
الأيام 10 سبتمبر 2008