لو قارنا حال الحريات الصحافية المتاحة في البحرين اليوم بنظيرها في البلدان الخليجية الأخرى فان الإنصاف يقتضي القول أنها حال متقدمة، إذا ما استثنينا حال الحريات الصحافية في الكويت، التي يُمكن القول أن الصحافة فيها تعد سلطة رابعة بالفعل، بالنظر إلى السقف العالي لحرية التعبير ولجرأة الصحافة في الاقتراب من أشد المناطق حساسية. ولا ينطلق حال الصحافة الكويتية من الفراغ، إنما هو يستند إلى تقاليد راسخة تعود إلى العصر الذهبي في الحياة السياسية الكويتية قبل أن يستحوذ على مجلس الأمة وعلى المجتمع ممثلو الإسلام السياسي والقوى التقليدية، والى ذلك العصر الذهبي الذي انبثق من الرؤية السديدة لأبي الحياة الدستورية والديمقراطية هناك المغفور له عبدالله السالم يعود الفضل في نهضة الكويت وتقدمها. نريد أن نتفاءل بوعد وزير الإعلام الأستاذ جهاد أبو كمال بأن يكون قانون الصحافة المنتظر أفضل قانون للمطبوعات والنشر في المنطقة، وهذا التفاؤل مشروط بألا ننظر إلى الحالات الأدنى منا وإنما لما هو أعلى ولمن هم في حالٍ أفضل منا، لذا فتطلعنا هو إلى حال من الحريات الصحافية مثل تلك المتوفرة في الكويت، وهي الحريات التي جعلت من الصحافة الكويتية رافعة من روافع الحيوية السياسية، والى مؤثر يُعتد به في مُجريات الأمور. ولدينا في البحرين كل ما يؤهلنا لبلوغ هذا الحال، من تعدد المنابر الصحافية بفضل النهضة التي شهدتها الصحافة في البحرين بعد المشروع الإصلاحي، وارتفاع سقف الحريات بشكلٍ لا يمكن مقارنته بما كان عليه الحال في المرحلة السابقة، مرحلة قانون أمن الدولة. والى ذلك كله، لدينا حراك سياسي نشط يتمثل في وجود وفعالية الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وطبيعة الانشغالات السياسية والاجتماعية التي تسمح بطرح قضايا أساسية تتصل بالبناء الديمقراطي وآفاقه للنقاش. لكن حجم المعوقات أمام ذلك الطموح ليس قليلاً، فمشروع قانون المطبوعات المقدم من الحكومة، رغم انه أخذ ببعض ملاحظات الجسم الصحافي والهيئات السياسية والحقوقية المعنية بحرية التعبير، خاصةً فيما يتصل بإلغاء النص على حبس الصحافي، إلا انه ترك الكثير من المنافذ التي يمكن أن تجعل من الصحافي مسائلاً بموجب قانون العقوبات، فكأننا في الظاهر حررنا قانون الصحافة من قيوده الظاهرة لنحيلها إلى قانون العقوبات. والمؤمل من مجلس النواب، وهو ينظر في المشروع في دور الانعقاد المقبل كما هو متوقع أن يقف أمام ذلك، وثقتنا كبيرة في أن وزير الإعلام يتفهم الهواجس التي تستحوذ على أذهان العاملين في الصحافة حول هذه المسألة بالذات. ثمة نقطة أخيرة هي أن المشكلة لا تنحصر فقط في النصوص المكتوبة، التي يمكن أن تكون جيدة، وإنما أيضاً في تلك القيود غير المكتوبة، والتي أصبحت تشكل مع الوقت خطوطاً حمراء لا يجوز الاقتراب منها، وهي بهذا المعنى قد تكون أشد خطورة من التقييدات القانونية، لذا نحن في حاجةٍ إلى مناخٍ متسامح يشيع شعوراً بالثقة والأمان والطمأنينة داخل الجسم الصحافي، يجعل العاملين فيه أحراراً ليس فقط من القيود المكتوبة على حرية الرأي، وإنما أيضاً من تلك المستقرة في الأذهان.
صحيفة الايام
15 سبتمبر 2008
تحرير الصحافة من القيود
العمالة الخليجية؛ الأرقام
تمثل العمالة الخليجية المكونة من عربٍ وغير عرب، مواطنين وأجانب، قوى العمل التي بذلت جهودها لتظهر الطرق والورش والمصانع والعمارات والصحف والجسور، وليتم إنتاج النفط وتصديره، وصيد السمك وجلب سلع الغذاء، وغير ذلك من شؤون العيش، فهي القوى التي صنعتْ الحياة واستمرارَها، لكنها لم تكن مالكة لثمار عملها، وسرعان ما نـُسيت بعد إنجازاتها وظلت معيشتها صعبة ورديئة في كثيرٍ من الأحيان، وهي مثل النهر الجاري المتدفق يتبدل كل لحظة، ويتدعم بروافد جديدة ودماء جديدة، ويعاني ويسكن ويعيش ويقع ضحية لاستغلال وحوادث وتبدلات لا تنتهي.
ونحن لا نقيمُ حواجز في درس قوى العمل، ففي الحياة الاقتصادية ليس ثمة مجال للأشكال الوطنية والقومية، فهي كلها تبذلُ جهوداً تقاس بمعايير اقتصادية محددة، وهي كلها تعبر عن بذل طاقةٍ نافدةٍ من الإنسان، وعن تراكيب اقتصادية وبُنى اجتماعية مختلفة، تتعاونُ أو تتصارع، حسب أوضاع العمل والأجور والسكن والبيئة والثقافة. وإذا كان الطابع العربي الخليجي يميز العمالات الوطنية حيث الانتماء لقومية واحدة، ذات جذور في الأرض، وهذا يعطيها ميزة الأقدمية والأفضلية في ميدان التوظيف، لكن هذا أمرٌ ليس متماثلاً في دول الخليج، فإن القوى الأخرى هي العمالةُ الأجنبية الوافدة غير العربية والعربية ذات المصادر القومية المختلفة، وتتباين ظروف تشغيلها تبايناً شديداً. ولا توجد أرقامٌ عامة تمثل هذه التباينات القومية والإدارية الكبرى، لكن علينا أن نبحثَ عنها، ونرى مساراتها، وعلاقة هذه المسارات بالتطورات الاقتصادية في كلِ بلد وفي منطقة الخليج عامة، وعلاقة هذه المسارات بالتطورات السياسية المناطقية والعالمية.
لكن في البداية لابد من معرفة بعض الأرقام المتوافرة عن أحجام العمالة. وهناك الرقم الشهير الذي يجعل سكان الخليج عرباً وأجانب يقارب الثلاثين مليوناً، أكثر من نصفه عمالة أجنبية وبعضها عربي.
تشير أرقامُ العمالة الأجنبية في السعودية إلى وجود (8،8) ملايين عامل أجنبي بين عدد سكان يبلغ 17 مليوناً، والعمال من الهند وبنغلاديش وباكستان بين مليون ونصف مليون عامل، و500 ألف من اندونيسيا وأقل بقليل من ذلك عدد السيرلانكيين وأغلبهم نساء. ويؤكد العديد من الخبراء أن العدد الاجمالي للعمالة الأجنبية في الخليج يقارب الخمسة عشر مليوناً، أغلبهم آسيويون، وتقدر تحويلاتهم بـ 25 مليار دولار. وهناك عمال عرب كثيرون من مصر وفلسطين والسودان وسوريا والعراق الخ.. ولم تحدد أعدادهم بدقة، لكن عدد المصريين في السعودية أكثر من مليون.
وفي تقرير صادر عن منظمة هيومان رايتس في سنة 2003 يذكرُ أن عدد العمال في الخليج قد بلغ عشرة ملايين، أغلبهم من العمال غير المهرة ثم أنصاف المهرة، ويمثل المهاجرون في دولة الإمارات العربية 90% من عدد السكان، وقد بلغ عددهم 1،7 ملايين . وتقول المنظمة إن حجم التحويلات سنة 2002 بلغت 80 مليارا بعد أن كانت في سنة 1998، 60 مليارا، ويقول التقرير إن هذه الأموال غدت مهمة في البلدان النامية،(بدرجة تفوق الإقراض الخاص ومعونات التنمية الرسمية)، (ففي عام 2001 قـُدر حجم هذه الأموال في الهند بعشرة مليارات وفي الفلبين ستة مليارات وأكثر من مليارين في كل من مصر والمغرب والأردن ولبنان). لقد حدثَ ترابطٌ اقتصادي وسكاني واسع بين منطقة الخليج وعددٍ كبير من بلدان الشرق خاصة، وعلى الجانبين راحت تنمو علاقات اقتصادية غير مدروسة بعد. وبعد أحداث العمالة في الكويت ذكر ان عدد العمال البنغاليين في الكويت يبلغ أكثر من 400 ألف عامل. وذكر تقرير لجريدة عكاظ السعودية ان عدد العمال البنغلادشيين في السعودية يبلغ 8،1 مليون، يحولون إلى بلدهم سنوياً 14 ملياراً من الدولارات.
وكان بروز هذه العمالة على سطح الأحداث جزءا من حراك عمالي نضالي كبير، صورته بعضُ الدوائر بالمؤامرات وتكفي هذه الأرقام الكبيرة من قوى العمل ولمحة بسيطة عن ظروفها لتؤكد أن المسألة أعقد من ذلك.
وإذا كان الأمر يتعلق هنا بالظروف الاقتصادية في بلد التشغيل، فإن ظروفاً أخرى عديدة تلعب دوراً في وضع هذه العمالة المهاجرة كظروف السكن والأجور خاصة، وعملية التحويلات وفروق العملة ومدى قدرة الأجور على إعالة العائلات التي تقف وراء هؤلاء العمال. وفي دراسة أعدها صندوقُ النقد العربي ذكرَ أن مصر تأتي على رأس المستقبلة لتحويلات العمالة العربية في الخليج، بنحو 5 مليارات دولار سنة 2005، تليها المغرب بنحو 6،4 مليارات، ثم لبنان 3،4، ثم الأردن والجزائر بمبلغ 5،2 ثم البلدان الأخرى كاليمن والسودان بمبالغ أقل. ومن الواضح هنا أن ثمة سيادة عمالة آسيوية غير عربية على العمالة العربية الخليجية وغير الخليجية، وهو أمرٌ يعكس طبيعة هذه العمالة المتناقضة مع المحتوى القومي للخليج، وهو أول تناقض نبصره في هذا التباين الكبير بين عمالة وافدة لا تتكلم لغة المنطقة وعمالة عربية شحيحة تتكلم لغة المنطقة. وهذا يعبر عن أن علاقات العمل والإنتاج السائدة في الخليج مفصولة عن جذور المنطقة، وأنها مُركبة فوقها بطريقةٍ آليةٍ مفروضة، وأن قوى الإنتاج ذات طابع عالمي غربي، كما رأينا في تركيبة البترول التاريخية، (راجع: البترول رأس مال العرب)، وأن هذا الطابع الغربي هو الذي شكل العمالة المهاجرة وصاغها حسب مصالحه التاريخية، ونمو سلعه وإنتاجه.
عن الأسماء المستعارة
كثيرون هم من يقفون خلف “الكيبورد” وينشرون سمومهم بكل جبن وهم يتخفون تحت أسماء مستعارة، يهدفون إلى التحريض الطائفي أو السياسي، أو يشككون ويخونون أشخاصاً أو تياراً.
ووصل الحد بهم إلى استعارة أسماء لعائلات معروفة حتى يتخفون ورائها، ومنهم من عمم رسالة أدعى فيها إن المنبر التقدمي استلم أموالا من إحدى الجهات، وصاحب هذا البريد الالكتروني تخفى وراء إحدى العوائل المعروفة، وبعد سؤالي شخصياً لأحد أفراد هذه العائلة اتضح انه لا يوجد لديهم اسم احد في عائلتهم مشابه لمن عمم هذا البريد الالكتروني.
من يلجأ إلى الأسماء المستعارة يدل أولا على أن صاحب هذا البريد الالكتروني محتال نصاب، كما يدل على جبنه وعدم شجاعته في المواجهة، فلجأ إلى الهروب ونشر ما يهدف إلى نشره الفارغ باسم مستعار، فلو كان صاحب البريد الالكتروني عضواً في المنبر التقدمي حقاً، لما احتاج إلى أن يسأل هذا السؤال الغبي، من أين حصل المنبر التقدمي على مبلغ لشراء مقر له؟ ثم لماذا يلجأ هو وغيره إلى محاربة المنبر التقدمي في كل أمر ينجح فيه حتى لو كان بسيطاً، ماذا يريدون من المنبر التقدمي، وماذا قدموا هم للتيار الديمقراطي؟
فقط هم التقدميون يعرفون الجهد الذي بذله الأعضاء والمناصرين لجمع مبلغ لم يكتمل حتى الآن لشراء المقر.
وأنا أتحدى صاحب الاسم المستعار أن يثبت بالدليل القاطع ان الأموال التي جمعها المنبر التقدمي هي من غير أعضائه وأصدقائه ومناصريه وشخصيات وطنية، عندها فعلاً سيكون لكل حادث حديث، ولكني أجزم بان هذا البريد الالكتروني تقف وراءه جهة مشبوهة وليس شخصاً.
الحنين إلى الماضي وأساليب التخوين
البعض لا يزال يعيش في الماضي النضالي «الجميل» ولا يقبل بأي حال من الأحوال التغيرات والتطورات سواء على الصعيد العالمي أو المحلي وتوقف التاريخ لديه عند محطات كانت تعتبر فترات ذهبية لأسلوب النضال التي اتخذها لتحقيق أهدافه في الحرية والديمقراطية والمساواة, فكما وقف التاريخ عند البعض عند فترة التسعينيات حين كان أسلوب المواجهة والمظاهرات وحرق الإطارات وتفجير أنابيب الغاز الأسلوب النضالي الوحيد واستمر في ممارسة هذا الأسلوب حتى اليوم, فإن البعض قد تجمد التاريخ لديه عند فترة الستينيات والسبعينيات حين اتخذ من النضال السري أسلوباً ونهجاً لبث الوعي لدى الجماهير.
مناسبة هذا الحديث هي رسالة بعث بها أحد أعضاء المنبر التقدمي لعبدالهادي خلف (أحد رموز جبهة التحرير الوطني البحرانية) كما بعث بنسخة منها عبر البريد الالكتروني لعدد من الصحافيين والنشطاء السياسيين يتهم فيها المنبر التقدمي بالزحف إلى الديوان الملكي للحصول على أموال لشراء المقر الجديد للجمعية.
العضو الذي ذيَّل رسالته باسم «خالد» وعبَّر عن نفسه بأنه يحلم «بعودة المبدئيين من جبهة التحرير لقيادة الوريث الحالي لها المسمى المنبر التقدمي» يقول في رسالته الالكترونية إن «الرفاق» زحفوا صوب الديوان للحصول على 270 ألف دينار لشراء مقر لهم في مدينة عيسى، كما يتهم قيادات المنبر بأنها ” قيادات مهذبة في خطاباتها!!! ورقيقة وغير قادرة أن تكون معارضة صادقة”.
نتفق مع «الرفيق خالد» بأن قيادات المنبر مهذبة في خطاباتها ولكننا نختلف معه في مجمل ما طرحه من أن القيادات سعت لدى الديوان الملكي لتلقي الأموال فلا الحكومة معنية بمد يد العون إلى المنبر ولا المنبر في وارد التخلي عن مبادئه للحصول على مجرد مقر, فما يحسب للمنبر أنه دائماً ما كان متسقاً في تحركاته مع ما يطرحه من أفكار.
لقد غاب عن كاتب الرسالة أن جبهة التحرير لها فضل كبير على العديد من الكوادر البحرينية من مهندسين وأطباء ومحامين وغيرهم ممن ابتعثتهم للدراسة في الدول الاشتراكية وخصوصاً الاتحاد السوفياتي السابق في الوقت الذي كانت الدراسة الجامعية وخصوصاً في الخارج ليست متاحة للجميع وأن هذه الكوادر التي أصبحت في مراكز مرموقة والتي تُعَدُّ بالمئات لم تنسَ هذا الفضل وأنها مستعدة لتقديم يد المساعدة لمن كان له الفضل في وصولها لهذه المراكز.
الأمين العام للمنبر التقدمي الديمقراطي حسن مدن أكد في مقابلة أجرتها معه «الوسط» – ستُنشر في وقت لاحق – أن مبلغ المبنى الجديد ليس 270 ألف دينار وإنما 175 ألفاً، وأن جميع هذه المبالغ تم جمعها من أعضاء ومناصري الجمعية وأن جميع الأرصدة التي تثبت ذلك موجودة لدى الجمعية لمن أراد التأكد من ذلك.
فعلاوة على أن البعض لا يزال يعيش في الماضي ويتحين الفرصة للعودة إلى الوراء فإننا مرة أخرى نثبت أننا كبحرينيين لا نعرف كيف نختلف مع الآخرين فمجرد أن نختلف ولو في جزئية بسيطة فإننا مستعدون لتخوينهم والقدح في ذمتهم وأخلاقهم وحتى في شرفهم.
الوسط 13 سبتمبر 2008
مفخرة الانجازات الحكومية الجديدة.. قطع الكهرباء عن المواطنين
دعونا نسلم بصحة البيانات الحكومية الرسمية القائلة بأن اجمالي الطاقة الانتاجية لمحطات انتاج الكهرباء بقطاعيها العام والخاص يبلغ حالياً 2737 ميجاوات، وإن الحمل الاقصى المتوقع لعام 2008 الجاري قد تم تحديده من جانب هيئة الكهرباء والماء بـ2370، ما يعني أن الهيئة لديها فائض في عرض الطاقة يبلغ 367.
وإذا كانت هيئة الكهرباء والماء قد قامت في الاعوام الثلاثة الماضية باصلاح شبكة التوزيع واستبدال الكابلات المستهلكة وتركيب كابلات اخرى ذات قدرة أكبر على تحمل الاحمال الزائدة على الشبكة كما تدعي، فكيف تفسر الحكومة كل هذه الانقطاعات المتوالية للكهرباء عن كثير من مناطق البحرين والتي أحالت حياة آلاف البحرينيين-خصوصا مع بدء العام الدراسي ودخول شهر رمضان المبارك – جحيما.
لماذا كلما تخفق الحكومة وتصر على تأكيد فشلها الواحد تلو الآخر، تستعيض عن ذلك باللجوء إلى اسلوب التلميع والتصقيل الرديء الذي تخصصت فيه ولا تريد مغادرته مهما تغير الزمن وتغيرت ظروفه ومعطياته وأدوات حراكه اليومي.
الحكومة تصر على تفخيم وتضخيم وظائفها الاعتيادية ورفعها إلى مرتبة الانجازات العظيمة لكي تباهي وتفاخر بها. إلا أنها، على سبيل المثال فقط، لم تنبس بكلمة واحدة فيما يتعلق بفضيحة الملياري دولار التي طارت من خزينة ألبا والتي وصلت ذيولها وروائحها إلى الولايات المتحدة.
يتحدثون عن تغيير في التشكيلة الحكومية، وهو تغيير اذا ما تم لن يخرج عن اطار سياسة التلميع والتصقيل إياها. فهو لن يطال “السيستم” أي “حزب” العلاقات العامة وتفريخ وترسيخ عضوية مأسسة الفساد.
أمـلاك الدولة
وسط كثير من الانشغالات غير الجوهرية، التي انزلق إليها مجلس النواب، هناك لجنة تحقيق مُهمة أفلح المجلس في تشكيلها للنظر في أموال الدولة، وهي من لجان التحقيق القليلة، لا بل والنادرة، التي توجهت الوجهة الصحيحة، التي على المجلس أن يتوجه نحوها، في الاضطلاع بمهامه الرقابية، وفي التصدي لموضوع الفساد تحديداً، الذي لا يمكن مقاربته جدياً إلا بوضع الحدود الفاصلة بين الملكية العامة والملكية الخاصة.
وحقٌ لمجلس النواب، وللمجتمع كله معرفة أين تبدأ الأملاك الخاصة وأين تنتهي، وبأية وسيلة آلت إليهم هذه الأملاك، إذا كانت في الأساس تُصنف، أو يجب أن تصنف في إطار أموال الدولة.
سمعتُ من عددٍ من النواب، بينهم أعضاء في كتلة الوفاق وبعضهم من كتل أخرى، شكوى مُرة من شح الجهات الرسمية المعنية في تقديم البيانات والمعلومات التي تطلبها لجان التحقيق التي يُشكلها مجلس النواب عامة، وليس لجنة التحقيق في أملاك الدولة وحدها، وهو أمر يضعف من فعالية هذه اللجان وربما يُعطلها من الناحية الفعلية، فما الجدوى المُنتظرة من مثل هذه اللجان إذا كانت لم تصل إلى مصادر المعلومة الأصلية المحجوبة عن الرأي العام وعن الصحافة، وما الذي تستطيع هذه اللجان أن تفعله إذا لم تُمسك بهذه المعلومة لتقارع الدولة بالحجج لا بالكلام والخطب.
وما نتمناه أن نسمع أصداء هذه الشكوى المُرة من تقاعس أجهزة السلطة التنفيذية في تقديم البيانات المطلوبة منها في جلسات المجلس بعد أن يستأنف عمله قريباً، فلا تعود هذه الشكوى مُقتصرة على الجلسات أو اللقاءات الجانبية. ونعبر عن هذه الأمنية من باب الرغبة في أن يسائل النواب الحكومة عن عدم تزويد النواب بما يريدونه من معطيات، هي حق لهم وضرورة ليؤدوا الأمانة التي ائتمنهم الناس عليها حين انتخبوهم في أن يكونوا رقيباً على أداء الحكومة، وحراساً على المال العام من باب التحقق من الأوجه التي يُصرف فيها هذا المال.
وعودة لأملاك الدولة التي نتطلع، آملين أن يكون تطلعنا في مكانه، بأن يكون النقاش حولها هو محور نشاط المجلس في دور انعقاده الثالث، ليس فقط تعويضاً عن الوقت الذي أُهدر خلال دوري الانعقاد السابقين فيما لا طائل وراءه، وإنما انسجاماً مع المسؤولية الأخلاقية الملقاة على عاتق النواب.
نقول ذلك ونحن نعلم أن الفخاخ منصوبة وستنصب للنواب لينصرفوا إلى ما عهدناهم عليه خلال دوري الانعقاد السابقين، وبعض ناصبي هذه الفخاخ هم من النواب أنفسهم، لكن مع ذلك سنترك مساحةً للأمل في أن النواب سيكونوا على قدر من الإحساس بالمسؤولية يجعلهم يتجنبون تلك الفخاخ.
الدكتاتور ورفاهية المنفى
غنى الشارع الباكستاني قبل أسابيع “ارحل مشرف، ارحل” وقد تم تحقيق أمنيات الأغنية الباكستانية، وهي بالطبع أغنية كل البلدان والشعوب عندما تضيق ذرعا بالاستبداد والدكتاتوريات.
وإذا ما كانت الأغنية تحدد اسما في هذا القطر أو ذاك فإنها بالمطلق تشير نحو شخصية ملموسة تحسس الناس الأذى والقمع من ورائها، تحسس الشعب كل أشكال القهر والفساد . والشخصيات الدكتاتورية القادمة من البنية أو المؤسسة العسكرية لا تختلف عن شخصية استبدادية نبعت وولدت من بنية مدنية، فالمؤسسات الأمنية في بلدان نامية كثيرة، لا تختلف عن شخصية الدكتاتور إلا ببزتها المدنية .
قد يحدث أن يخلع الدكتاتور العسكري بزته بعد العملية الانقلابية الناجحة، ويعتلي منصة الخطابة ويمارس التدجيل أو يتم إحضار طاقم التلفاز والإذاعة وقسم الماكياج إلى مكتبه الجديد لكي يلقي بيانه الأول، والذي اعتدنا على سماعه لعقود في كل القارات، والتي وثقت تاريخها بالانقلابات الدموية، وسينصّب نفسه أولا بأنه المدافع الغيور عن الشعب، وبأنه جاء لينقذ الشعب من الدكتاتور وحكمه!!، وعلينا تقبل تلك النكتة السياسية الممجوجة، ثم يشير ثانيا بكل عنجهية، بأنه جاء لإنقاذ البلاد والعباد من شر الفساد، أما الهدف الثالث من انقلابه فهو تطهير كل تلك الشرذمة المرتبطة بالعملاء والأجانب وقطع دابر الأفعى، دون أن يشير إليهم حتى لا يحرج نفسه، إذ من المحتمل أن يخطأ ويضع نفسه في وضع بائس مستقبلا، فهناك أجانب عدة وإسطبلات كثيرة من خيول المستعمر التي يمتطيها في الكلية العسكرية .
أما المسألة الرابعة والمهمة هو وعده للشعب بأنه سيعيد بسرعة البلاد إلى وضعها الطبيعي بإلغاء حالة الطوارئ المؤقتة، والتي عادة ما تتحول إلى دائمة، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، محاولا التأكيد – سيادة الجنرال الجديد – بأنه الحامي الفعلي للشرعية والدستور والديمقراطية، التي ستتم العودة إليها بأسرع ما يمكن وفي حالة استتباب الأمن في البلاد .
من تبدل في نظام الحكم الاستبدادي هم الجنرالات الكثر بنياشينهم، ولكن وحده من لم يتبدل هو سائق السيارة وحلاقه وخياطه والمذيع، الذي اعتاد أن يتلقى البيانات في حالة إصابة الجنرال في وعكة صحية، وهي في الحقيقة إخفاء لعلة الجنرال، الذي لغته سيئة بدرجة لا تمكنه لفظ المفردات بصورة سليمة، ولكي لا يكتشف الشعب علة الجنرال الانقلابي، وضمور هالته وهيبته، خاصة وان حزمة النياشين التي أثقلت كتفه الأيسر باتت محنة جديدة على خاصرته، نتيجة اختلال التوازن العضوي، إلى جانب اختلالات عدة في نظام حكم مجهول الهوية والأهداف، ما عدا هدف استيلاء الحكم ومقعد السلطة .
الباكستانيون مثل غيرهم، غادرهم الجنرال مشرف ولا يعرفون من هو الجنرال القادم، فعادة الجيش يبعث برسائل مضللة، مدعيا انه سيكون حاميا للشرعية والدستور واستقرار البلاد، وهي بالطبع ابسط الأكاذيب، حيث يبدأ الجنرالات الجدد بالدعوة لاجتماع عاجل لاختيار من سيكون الرجل القادم من زمرة عسكرية متآمرة، تحلم بمواصلة نهب الثروة وتمرير المشاريع الفاسدة.
رحل مشرف وقد كان مثل كل المنهزمين يحتفظ في داخله ليس انكسار العسكري وحسب بل وقدرة الممثل على البكائية باسم الوطن والشعب، بمسحة لا تخلو من “الدمعات الحبيسة والصوت التمثيلي المبحوح” وان كانت مرارة الرحيل نحو منفى الرفاهية لا توازيها مناصب الدنيا، ففي جزر المنفى البعيدة وفي مثل تلك البلدان، يسهل متابعة الأرصدة في البنوك الخارجية من خلال “اللاب توب” ولكنها لا توازي مظهره وبهائه، وهو يلوّح للعالم بقوة على انه سيطارد الإرهاب ويهزمه شر هزيمة !
ما يمكننا قوله إن الدكتاتور رحل، ولكن ارثه وارث من سبقوه في تلك المؤسسة متجذر، ومن الصعب أن تكشف كل الأوراق السرية للثروة المنهوبة، ولتلك البطانة التي عبثت بالبلاد دون حسيب أو رقيب . مطلوب من أولئك الذين سيخلفون الجنرال أن يكشفوا النقاب عن ما قبل مرحلة مشرف وخلاله عن كل الأسرار الخفية في لعبة باكستانية كبيرة، تمتد خيوطها نحو جغرافيا المنطقة، وجغرافيا بلدان عظمى غرست في تلك المنطقة حكايات خرافية عن الأسرار النووية ومكافحة الإرهاب والحرب السوفيتية – الأفغانية، والتعاون الإيراني الباكستاني ما قبل الثورة وبعدها، وموزاييك الطلاق- الزواج الأفغاني الباكستاني على الحدود وبين القبائل، ومحنة التنمية والديمقراطية وقفازات المؤسسة العسكرية والأمنية . إن التنقيب والحفر في اركيولوجيا المنظومة السياسية الرسمية الباكستانية بحاجة إلى متخصصين من منظمات غير فاسدة ومحايدة ! لقد رحل الجنرال نحو منفى الرفاهية وسيعيش في رغد ونعيم “الأمراء” ولكن باكستان باقية وبائسة فمن يغني عليها الآن أغنية:
ألأيام 14 سبتمبر 2008
العمالة الخليجية: التاريخ
لم يكن ثمة جذورٌ رأسمالية كبيرة لعلاقات الإنتاج في الخليج والجزيرة العربية، التي لم تعرفْ بعضاً من هذه العلاقات سوى في أسواق بعض المدن، ولهذا فإن العمل بالأجرة كان محدوداً، أما الطابع السائد فكان العمل بالقطيعة أو بالضمان، وهما شكلان من العمل في إنتاج الغوص والزراعة، يشكلان علاقات إقطاعية، بل حتى يقتربان من العبودية، بسبب تحولهما إلى ديون تغرقُ المنتجَ في التبعية الوجودية للمالك. وبهذا كانت علاقات الإنتاج الرأسمالية هامشية، ومقتصرةً على أشكال التوزيع البضائعي، التي نتجت من جذور التجارة العريقة في المنطقة وعبر التدخلات الرأسمالية الغربية التي جاءت من خلال سيطرة سياسية وفرضتْ أشكالاً خارجية لم تنبعْ من التطور الاقتصادي الداخلي العميق. وإذا كان العملُ بالأجرة محدوداً، وكان نشوءُ طبقة العمال على ضفاف بحر السكان الزراعيين والبحارة والبدو، لهذا لم تتشكل جذورٌ كبيرة للعلاقات الرأسمالية الحديثة، وهذا انعكس على العلاقات القانونية لوضع العاملين بالأجرة، فلم تكن لهم أوضاع إيجابية كبيرة، سواء بتحديد الأجرة وعلاقتها بالإنتاج ونموه وبأسعار المواد الضرورية لإعاشة العمال، أو بطابع التعليم لأولادهم، وبأوضاع مساكنهم الخ، وجاء ذلك سياسيا أي عبر وضع كل دولة على حدة وسياستها، ومدى إنتاجها النفطي، وجغرافيتها التي تحدد مواصلات العمل، وكم الفائض البشري ومصادره، وطبيعة علاقاته الاجتماعية، أي حجم البداوة، ومدى تطور المدن، وعادات العمل الخ..
وإذا كانت هذه البلدانُ تتسمُ بتدني طابع العمل، أي كونه مرتبطاً بمهن زراعية متنوعة متدهورة، فإن العمالةَ لديها توجهتْ خاصةً بعد تزايد أسعار النفط نحو المهن الإدارية والعسكرية، فتضخمت أجهزةُ الدول، وانفتحت لفئاتها العليا سبلُ التجارة وتوظيف مداخيلها لجلب مزيد من الدخل.
وبهذا فإن العلاقات الرأسمالية، أي نظم الاقتصاد الحر، لم تلعب الدور الكبير الحاسم في جلب العمالة الأجنبية، بل قامت بذلك أجهزةُ الدول وموظفوها المتنفذون خاصة، ومع هذا فقد كانت القطاعات الخاصة بدورها تواكب هذه العملية، وخاصة تلك التي ترضعُ من ثدي النفط. وبهذا فإن دمغَ سلعةِ النفط بالمضمون الإقطاعي، والشكلِ الرأسمالي الخارجي، ينسحبُ هنا على البضاعة البشرية؛ أي على قوى العمل المستوردة كذلك. فالموظفُ الكبير الذي يحصل على الدخل النفطي يقفزُ فوق العلاقات الاقتصادية البشرية العامة مستخدماً نفوذَهُ السياسي، وأساليبه الاقتصادية العتيقة، مثلما يتم تفريخ مثل هذه الطرائق الاقتصادية القديمة في توريد العمالة، وإسكانها، وتشكيل العلاقات معها، والتلاعب بأرزاقها.
إن ربَ العمل الأساسي هنا لا يختلفُ عن النوخذة القديم في السفينة، فهو لا يدري بشبكة العلاقات الاقتصادية الحديثة وقوانينها، وتدفعه الأرباحُ لاستيراد البشر، وتشغيلهم، بأي أشكال متاحة بين يديه، رغم المظاهر الحديثة التي تحيطُ به من أجهزة وموظفين. وتدفعه لتوظيف الدين في المعاملات واكتناز الأرباح وتهجيرها من ديار المسلمين كذلك.
لهذا تغدو السلطتان السياسية والدينية هما أكثر القوى الاجتماعية المستفيدة من الفائض النفطي، فتدعمان العلاقات التقليدية الماضوية وليست العلاقات الرأسمالية الحديثة. وتأتي السلطاتُ السياسيةُ الخليجية أول المستفيدين من هذه البضاعة السائلة، فيزداد امتلاكُها للأرض، أهم البضائع القديمة، لتتحول إلى عمارات وفنادق ومصايد الخ، ثم في مرحلة أخرى شركات وبنوك عالمية الخ. ومن هنا فإن العلاقات الرأسمالية الحديثة تبقى على الضفاف، فلا نجد لطبقات العمال المستوردة خاصة أي أثر تحولي إيجابي في تغيير العلاقات الاجتماعية الإقطاعية، وبسبب ذلك فان الرساميل المحلية المتكونة لا تستطيع أن تخترق تلك العلاقات التقليدية فتغير العائلة الأبوية أو مكانة المرأة المتدنية، أو أن توسع الثقافة العقلانية في العلوم والدين والأدب إلا بجهود خارقة، فالطبقتان الحديثتان التجار والرأسماليون من جهة، والعمال من جهة أخرى، تقعان على ضفاف الملكية السياسية الحاسمة للثروة النفطية، التي تنتجُ بدورهِا أشكالَ العلاقات الاجتماعية والقانونية. إن طابعَ النشأة الاجتماعية للبضاعة النفطية، وهي البضاعةُ المركزية، يطبعُ بطابعهِ في جريانِ ضخهِ للثروة، كلَ العلاقات الاقتصادية الأخرى، فيذيلُها لصالحه ومركزيته، لتغدو القوى التقليدية مهيمنةً على الثروة، وخاصة أيدي وأدمغة ملايين العمال الفقراء القادمين من وراء البحار، فتضعُ لهم الأجورَ والقوانينَ والمساكن حسبما تراهُ مناسباً، وعلينا أن نمضي لرؤية ذلك بالأدلةِ المتوافرة فيما يُسمى الأدب السياسي المحدود غير القادر على الحصول على المعلومات الكاملة عن هذه الظاهرات.
التعليم العالي والعقوبات الرادعة
الجزاءات التي ينوي مجلس التعليم العالي تطبيقها على الجامعات الخاصة المخالفة للأنظمة واللوائح التعليمية المعتمدة في اغلب جامعات العالم إجراءات تحد من التلاعب والتجاوزات التي ترتكبها بعض الجامعات الخاصة التي لا تحترم العلم والمعرفة والتحصيل الأكاديمي وخاصة أن تلك الجامعات قد تحوّلت إلى دكاكين تبيع المؤهلات العلمية وتمنح الشهادات لمن لا يستحقها فضلا عن مناهجها الدراسية التي تفتقد إلى مقاييس علمية تعتمد جودة مخرجات التعليم والإبداع وتنمية المعارف والقدرات كل ذلك يجري بدافع الربح والربحية لا غير على حساب مصالح الطلبة!!
نعم، حسنا فعلت وزارة التربية التي عالجت هذه المسألة بعقوبات رادعة لها أهمية بالغة على صعيد حماية التعليم العالي وخاصة إن هذه العقوبات تصل كما أفاد وزير التربية د. ماجد النعيمي إلى إيقاف التراخيص والبرامج المخالفة وكذلك إيقاف قبول الطلبة ووقف رئيس المؤسسة أو عميد الكلية أو رئيس القسم من العمل لفترة محدودة أو إقالتهم من الوظيفة وبالإضافة إلى ذلك عدم التصديق على الشهادات التي تمنحها الجامعة المخالفة.
نفهم من ذلك إن مجلس التعليم العالي لديه من الصلاحيات لتصحيح أوضاع الجامعات المخالفة حتى لا تتكرر على سبيل المثال مأساة أولئك الطلبة الذين بعد أن التحقوا ببعض الجامعات المحلية الخاصة وبذلوا الجهد والوقت والمال تبين ان هذه الجامعات لا ترتقي إلى المستوى الأكاديمي المطلوب وتبين أيضا ان المؤهلات التي تمنحها بعض الجامعات غير معترف بها، ناهيك عن ذلك الشهادات العلمية وخاصة الرفيعة منها التي يتم شراؤها من بعض الجامعات الخارجية!!
ومن الجدير بالذكر ان هذه الصلاحيات اذا ما طبقت وفق مبدأ الرقابة وتفعيل الإجراءات القانونية التي يعتزم المجلس تنفيذها أو تطبيقها لحماية التعليم العالي والطلبة على حد سواء من مزاد الدكاكين الجامعية فان الجامعات الخاصة في البلاد تصبح نموذجا يمتلك الثقة والنهج التعليمي والأكاديمي المتطور الملائم للمتغيرات الدائمة والاحتياجات العلمية التي تتناسب وسوق العمل.
وبالإضافة إلى أهمية التصدي للجامعات المخالفة فان ما ينبغي ان يستأثر باهتمامنا أيضا هو الحرية الأكاديمية أو حرية البحث العلمي التي ينبغي ان تحتل الصدارة في سلم أولويات هذا المجلس لان هذه الحرية الضرورية للإبداع لا يمكن أن تزدهر إلا في ضوء مساحة واسعة من الديمقراطية التي تحترم العملية النقدية وأهداف المؤسسة التعليمية أو البحثية وأهداف المجتمع والتعددية واحترام الرأي الآخر.
ومن هذا المنطلق لا نريد أن نتهم مجلس التعليم العالي بأنه مناهض لهذه الحرية لأننا ندرك ان الحرية في الجامعات والأكاديميات ليست إلا نتيجة لتفاعلات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية في المجتمع ولكن هذا المجلس في ذات الوقت مطالب بالدفاع عن هذه الحرية باعتباره صوتا مناصرا لها وخاصة ان هذه الحرية التي تتحدث عنها غالبا ما تتعرض إلى تدخلات واملاءات وقيود ووصاية من قبل قوى دينية متشددة ومتطرفة مهيمنة على هذه الجامعة أو تلك.
الأيام 14 سبتمبر 2008
سحر الإشارات
ثمة فارق جوهري بين الإشارة وبين الموقف. هذا الأخير يتضمن التحديد الصارم. موقف الإنسان هو كلمته الفاصلة وحكمه القاطع الذي لا يحتمل اللبس ولا التأويل، أما الإشارة فإنها بخلاف ذلك تحتمل الإيحاء والإيماء والتساؤل.
الموقف واضح، أما الإشارة فإنها غامضة، وفي ذلك جمالها وسحرها وفتنتنها وجاذبيتها وقابليتها لاستدراج المرء كي يكتشف كنهها.
كل غرابة الإشارة تكمن في أنها تقترح علينا جهدا كي نلتقطها، كي نفهمها ونقترب من الذي تومئ إليه. النبهاء من الناس يعرفون ذلك. إنهم خبراء ليس فقط في التقاط الإشارات وفهم مغازيها وأبعادها، وإنما في أدائها كأسلوب حياة في التعامل مع الناس ومع الأشياء.
الإشارة لغة، وهي بهذا المعنى تحتمل كل تعقيد اللغة: تعدد المعاني والتفسيرات والتأويلات، والتغير الذي يطرأ على دلالة الكلمة تبعا لموقعها في الجملة، أو في سياق الكلام أو الكتابة. فالإشارة تتطلب مهارة كتلك التي يتمتع بها اللغوي في التعاطي مع اللغة، ليس من حيث هي منظومة قواعد فحسب، وإنما من حيث هي مجموعة دلالات ورؤى. حين نميز بين الموقف والإشارة، فإننا تحديداً نرمي للقول أن الموقف قرين الجمود والثبات والوضوح البالغ السطحية والسذاجة إذا ما كان الكلام يدور عن الجوانب الرمزية في حياة البشر، أما الإشارة فإنها قرين الإبداع والمخيلة والفراسة في كشف الرداء الشفيف الذي تتدثر به. والإشارة في معنى من المعاني يمكن أن تنطوي على ما هو مخيف ومحير وباعث على القلق، حين ترتبط بالمجهول.
إن إشارة واحدة غامضة يمكن أن تجعلك شديد اليقظة والخوف والحذر من أمور يخبئها لك المستقبل. والمستقبل من طبعه ألا يكون واضحاً، فهو باعث على الخوف دائماً. الناس لا تخاف الحاضر ولا الماضي، لأنها تعرفهما. حتى الخطر الذي يداهمك به الحاضر يفقد بعد وهلته الأولى صدمته الكبرى، ويعودك على التاّلف معه، أما المستقبل لأنه مجهول، فانه يبعث على القلق والترقب، لا بل الخوف والحياة مجموعة من الإشارات، ونحن في الخضم اليومي من التفاصيل إزاء هذه الإشارات، نلتقطها أو نسعى لالتقاطها، وأحيانا نخفق في أن نفعل ذلك، وحين نخفق فإننا ندفع ثمن هذا العجز عن الالتقاط.
الروائي الليبي إبراهيم الكوني لاحظ عن حق أن الصحراء بالذات من حيث هي عالم غامض وغريب ملأى بالإشارات، والبدوي اكتسب فراسته من قدرته على التعامل مع هذه الإشارات بجسارة وإقدام ودون تردد. لكن لا نظن أن حياة اليوم من حيث هي عالم معقد ومتشابك من العلاقات والدلالات بأقل غنى وثراء في إشاراتها من إشارات الصحراء.