تنطلق جمعية التجديد من أرضيةٍ فكريةٍ نختلفُ معها، ويمكن القول أن هذه الجمعية أتتْ من معطف حزب الدعوة وجمعية التوعية الإسلامية، قبل أن يختلف مؤسسوها مع الحزب الأم، ويتخذوا لأنفسهم مساراً آخر كان موضع جدل خلال السنوات الماضية.
لذلك نحن لا ننطلق من أواصر قربى فكرية أو سياسية مع جمعية التجديد، حين نعبر عن استهجاننا لما تعرض له أحد مُنتسبيها من اعتداء بالضرب المبرح أثناء حضوره الندوة التي أقيمت في أحد مآتم عالي، حيث اندفع نحوه عشرات من الحاضرين لينالوا منه ضرباً، وإنما نعبر عما يحمله ذلك من مؤشرات مقلقة حول طريقة التعاطي مع أصحاب الرأي المُختلفْ عن الرأي السائد في هذه المنطقة أو تلك، أو في هذا الموقع أو ذاك.
وكنا نتمنى لو أن الأخوة في جمعية الوفاق بادروا فأصدروا بياناً توضيحياً حول ما جرى، يتضمن إدانتهم لاستخدام العنف وسيلة حوار مع أصحاب رأي مختلف، وبراءتهم مما جرى، لأنهم بذلك يَرفعون الغطاءَ عن كل من تُسول له نفسه الإقدام على مثل هذه الأساليب في المستقبل، لكن صمت “الوفاق” سيصنف، للأسف الشديد، في دائرة: السكوت علامة الرضا.
نحن في غنى عن التأكيد أن في المجتمع وجهات نظر عديدة متباينة، وهذا ينطبقُ على كلِ مناطق البحرين، بما فيها المناطق التي تمثلها الوفاق الآن في مجلس النواب أو في المجالس البلدية، ومن حقِ أصحاب هذه الآراء ووجهات النظر أن يعبروا عن أنفسهم بكل حُرية، طالما كان الأمر في حدود القانون وأصول الحوار والتعبير المرعية. وعلى الجمعيات السياسية التي تُريد أن تجعل من نفسها ممثلةً للمجتمع أن تعطي القدوة الحسنة في هذا المجال، وينطبق هذا، بشكل خاص في الحالة موضوع الحديث على جمعية الوفاق قبل سواها، ففي نهاية المطاف لدى الناس المقدرة على اصطفاء ما يجدونه صحيحاً أو متسقاً مع قناعاتهم، وما من فكرة يمكن أن تُحجب بالقوة أو بالتعريض بأصحابها أو بعزلهم، فهذه أساليب جُربت طويلاً، وبرهنت التجربة عدم جدواها.
ولأن الأمر يتصل بالحريات، خاصةً حرية التعبير والمعتقد، فان ما جرى في عالي يضعف صُدقية المطالبات التي توجه للدولة بتوسيع نطاق هذه الحرية، وإلغاء التدابير والتشريعات التي تحد منها، فكيف يستقيم أن تجري مطالبة الدولة بذلك، فيما المطالبون أنفسهم عاجزون عن تحملِ رأيٍ آخر، ليس في موقع سلطة أو تأثير، ومستعدون لمعاقبة أصحابه أو دعاته بالضرب أو العزل.
ما جرى في عالي مؤخراً جدير بوقفة جادة من الجميع، فلا يجوز للمجتمع، قبل الدولة حتى، أن يسكتَ عن مثل هذه التصرفات، التي يجب أن تُدان، وأن يؤسسَ لقواعد يحترمها الجميع بعدم جواز تكرارها، وأن يُصار إلى ضمان حق الجميع في اعتناق ما يرونه مناسباً من وجهات نظر وآراء، دون أن يملك أحد الحق في تخوينهم أو الدعوة لنبذهم أو عزلهم، ناهيك عن الاعتداء عليهم بالضرب.
صحيفة الايام
1 سبتمبر 2008