المنشور

علاوة الغلاء.. غير إلكترونية!

أثخنوا آذاننا بـ «الحكومة الإلكترونية».. فصدقنا! ولمَ لا نصدق؟! فإنهم يوم الاستقطاع 1% لصالح القانون ضد التعطل، رصدت هذه الحكومة حتى دبيب النمل وتحركاته، وما جمعه في الصيف ليأكله في الشتاء، ولم يستثنوا أي كائن كان.. فكان ما كان، ولم يبق بحريني واحد يعمل، إلا والحاسوب يعرف كم راتبه، وأين يشتغل، والنسبة بالضبط المستحقة للاستقطاع «الاشتراكي» وفق المبدأ القائل: «الواحد للكل.. والكل للواحد»، فكانت المسألة ببساطة هكذا: الأجهزة الإلكترونية، دخلت المؤسسات والشركات الرسمية والخاصة والبنوك، وكذا الوزارات، وهيئة التأمينات الاجتماعية والتقاعد، فعرفت أسرار كل العاملين أكثر من معرفة العاملين أنفسهم عن أنفسهم، وتم الاستقطاع الفوري على طريقة «من كل حسب طاقته، ولكل حسب عمله» تماشياً ما يطلبه الاشتراكيون لبناء نظامهم، لكن الحكومة الإلكترونية، وكأن أجهزتها تعطلت فوراً «بفعل فاعل» في موضوع «علاوة الغلاء»، التي لا تتجاوز خمسين ديناراً في كل شهر قبل 8 أشهر ولمدة عام فقط»، فأصبح يوجد لدينا مركز واحد للتظلم، وعلى المواطن، أن يذهب باكراً ليقف في طابور يتسع للبحرين كلها مصطحباً معه أوراق ثبوتية (رصيد للراتب من المؤسسة التي يعمل بها، عقد زواج، بطاقات سكانية للأولاد والزوجة، رقم حساب مصرفي.. إلى آخره) ومع كل ذلك، ربما يقبل تظلمه، وربما يرفض، و«على المتضرر اللجوء إلى القضاء»، مصطحباً محامياً للدفاع عنه مرفق بأتعابه، أو يموت حسرة، وإنْ شاء، يشهر عدم حصوله على «علاوة الغلاء» عند أول «سوبرماكت» يدخل إليها لتبضع احتياجاته الضرورية، ويا حسرتاه، لأنه لا يملك هذه «الشهادة»، وإن ملكها، وهذا مستحيل، فإنها لا تصرف في البنك مثل «الشيك من دون رصيد»، ويمكن أن يسخر منه أصغر بائع آسيوي في برادة صغيرة.



في البدء، كان ضجيج «معونة الشتاء» بنشر أسماء المستحقين لهذه العلاوة، تلاها ضجيج أرقام المستحقين الشخصية المنشورة في الصحف المحلية ليخبروا العالم كله أنهم لا يبخلون على مواطنيهم في المساعدة لكبح كابح الغلاء، الذي هو في الأصل «ظاهرة عالمية»، ولا دخل لهم فيه، فتحدثوا عن زيادات للعاملين في القطاع الحكومي فقط، أما القطاع الخاص، فلا حول لهم ولا طول، فهم مواطنون درجة ثالثة، والغلاء لا يعنيهم من قريب أو بعيد، فرواتبهم ” رواتب إنجليز “، يكفيهم ويزيد، و«البطر شين»، خصوصاً عند العاطلين عن العمل، الذين أصبحوا بقدرة الظروف «كلهم تجار» ولديهم سجلات تجارية منخفضة الثمن (عشرين ديناراً لفتح سجل تجاري – يا محلى الرخص!)، ولأنهم لا يفهمون في الدورة الاقتصادية: «نقود، سلعة، نقود» تهافتوا على الاقتناء بالسجلات التجارية من دون امتلاك النقود لتحرك تجارتهم، فقضوا على البطالة بأيديهم في سجلات أرقام العاطلين الرسمية.. وظلوا عاطلين، والأنكى، حرموا من «علاوة الغلاء» تحت ذريعة امتلاكهم «سجلات تجارية!» لا تغني ولا تسمن من جوع.



جل الدول الخليجية ضاعفت رواتب العاملين في القطاعين، العام والخاص، وأعطت علاوات الغلاء لجميع الأسر مرات عدة هذا العام من دون ضجة ولا مزايدة، إلا عندنا في البحرين، لأنها تبدو «غير وغير»، فالمحتاج هنا، يجب أن يأكل لقمته «مغمسة بالذل» ليقف ساعات في عز الصيف، فيصببه العرق، ويصاب بضربة شمس أو” لِزغ “، وذلك ليتظلم على شيء يستحقه ولو بعد حين؟!



تُرى، لماذا هذه اللفة الطويلة والعريضة، ولدينا حكومة إلكترونية تعرف الواجب إتباعه ونحن في الشهر التاسع المليء بالمصروفات: افتتاح مدارس، رمضان، وعيد، وحتماً أقساط ديون وتسجيل سيارات، ودفع فواتير وإيجارات.. إلى آخره من المصروفات اليومية العادية؟!




الوقت 7 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

شكاوى طلبة الجامعات الخاصة

مع اقتراب العام الدراسي الجديد وبدء التسجيل في الجامعات الخاصة ازدادت شكاوى طلبة هذه الجامعات من الآليات المتبعة في عملية التسجيل وعدم حصولهم على المقررات وعدد الساعات التي يرغبون في الحصول عليها.
الأمين العام لمجلس التعليم العالي علوي الهاشمي اعترف إن وضع الجامعات الخاصة لدينا ليس بالوضع الذي يطمح إليه الجميع، مؤكدا أن موضوع تصحيح أوضاع الجامعات يحتاج إلى وقت ولا يمكن أن تتم المعالجة بسرعة.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه الهاشمي أن المجلس لن يسمح بوجود جامعات في «دكاكين» أو مجمعات أو بنايات يرى الطلبة أن الكثير من هذه الجامعات لا تزال تتعامل معهم كزبائن لا كطلبة علم.
شكاوى الطلبة تتركز في عدم حصولهم على المواد التي تؤهلهم للتخرج في الفترة التي حددتها الجامعات نفسها، ففي الوقت الذي تحدد فيه الجامعات فترة أربع سنوات للحصول على شهادة البكالوريوس بواقع سبع مواد للفصل الواحد فإنهم يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على مادتين إلى ثلاث مواد على أحسن تقدير مما يعني أن تخرجهم سيستمر لفترة ثمان سنوات على الأقل.
ويقول الطلبة إن من يحصل على سبع أو ست مواد هم الطلبة الذين يدفعون رسوم المقررات نقدا أو هم من أصحاب الواسطات الكبيرة.
ويقولون إن عدم حصولهم على ما يرغبون به من مواد يرجع إلى قلة عدد الأساتذة وعدم وجود فصول دراسية كافية وعلى رغم كل ذلك فإن الجامعات تستمر في قبول المزيد من الطلبة الجدد مما يشكل ضغطا كبيرا على الفصول والمرافق بشكل عام كالمكتبات و الكفتيريات حتى أن بعض الجامعات اضطرت إلى تحويل الكثير من المرافق المهمة إلى فصول دراسية.
الطلبة يذكرون إن إحدى هذه الجامعات والتي لا تزيد طاقتها الاستيعابية عن ألفي طالب يدرس فيها في الوقت الحالي أكثر من 5 آلاف طالب بحيث يتحول مبنى الجامعة إلى ما يشبه «سوق المقاصيص» من كثرة اكتظاظ الطلبة ما يشكل خطرا كبيرا عليهم في حالة حصول أي حادث.
الطامة الكبرى كما يذكرها الطلبة هي قلة أعداد المدرسين مما يؤثر بشكل سلبي على أدائهم وخصوصا أن بعضهم يقدم محاضرات ومواد ليست من اختصاصه أصلا.

الوسط   6 سبتمبر 2008
 

اقرأ المزيد

تعدد مصادر الدخل

ما وصلنا إليه من نمو اقتصادي ملحوظ ونهضة عمرانية وتنمية في مجالات عدة إسكانية وصحية وإدارية وتعليمية وتقدم على مستوى الخدمات المالية ومع ذلك تفرض علينا تحدياتنا الاقتصادية المستقبلية دعم تعدد مصادر الدخل كأولوية من أولويات سياستنا الوطنية، وبالتالي دعونا من كل هذا التراشق بالاتهامات بين مجلسي الشورى والنيابي حول من هو المعني بتمثيل الشعب، و” خلونا ” في المهم وهو التحرك من اجل اغلب الفئات الاجتماعية الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة وهي تعاني من مشكلات حياتية صعبة تعود إلى التضخم والغلاء والفقر وتدني الأجور، ودعونا أيضا من هذه الثرثرة والاستعراضات ولنلتفت من دون تراخ إلى تلك الفئات ونتفرغ إلى مشكلاتنا وتحدياتنا الداخلية التي أصبحت في أمس الحاجة إلى تشريعات حديثة فاعلة.
الكل يعلم إن البحرين ليست من الدول النفطية التي تتمتع بغزارة الإنتاج ورغم تصنيفها من الدول الداعمة لتعدد مصادر الدخل إلا أن وعلى المكشوف لم نسمع عن تحرك برلماني أو شوري واسع يساند هذه السياسة الاقتصادية وخاصة إن النفط كما تقول الدراسات الاقتصادية في طريقه للنضوب.
والكل يعلم أيضا أن البحرين التي التزمت بتأمين مستقبل الأجيال باستقطاع دولار واحد من سعر كل برميل نفط لديها ما يؤهلها لتعدد مصادر الدخل وخاصة موقعها الجغرافي المهم وإمكانياتها وطاقاتها البشرية ومركزها المالي والمصرفي المرموق فضلاً عن قطاعها السياحي، بالإضافة إلى أنها تعتبر من مراكز التسوق والتجارة والتصدير وإعادة التصدير والشحن والتدريب.
إذن فالقضية هي كيف نخطط لمستقبل هذه البلاد في ضوء كل هذه العوامل والمقومات المشجعة؟ ولماذا لا تكون البحرين الأفضل بين دول الجوار؟
تجربة ماليزيا خير تجربة أليست هذه الدولة الزراعية تحولت بفعل سياستها الاقتصادية الناجحة إلى دولة صناعية متطورة مبتكرة ومنافسة وصلت استثماراتها إلى المليارات.
إذن أين الخلل في تجربتنا؟ هذا ما يجب مناقشته على طاولة البحث وهذا ما يجب معرفته في الوقت الحاضر.
على أية حال وعلى مستوى سياستنا الاقتصادية كان لسمو ولي العهد رؤية حكيمة وصائبة حينما قال في مقابلة اجراها معه ” جون دفتريوس ” مقدم برنامج ” اسواق الشرق الاوسط cnn ” ” اذا لم ننوع اقتصادنا ومصادر دخلنا بعيداً عن النفط فإن الابنية الجميلة الفاخرة لن تساعدنا على المشاكل التي تعترضنا ما لم يكن في داخلها أشخاص من أصحاب الخبرة “.
إذن رؤية سمو ولي العهد بخصوص تنوع الاقتصاد وتعدد مصادر الدخل من الأولويات الاقتصادية حتى نخرج من حالة الخوف من المستقبل لان السياسات الاقتصادية المرتجلة لا تفرز إلا عواقب قد تؤدي إلى تداعيات خطيرة واحتمالات غير متوقعة.
وبالتالي فإذا كنا ننشد تنمية بشرية حقيقية فلابد من قوانين وتشريعات صائبة تخدم هذه التنمية، وإذا لم نضع في اعتبارنا على المستوى النيابي والشورى تحسين أوضاع المواطنين وتعدد مصادر الدخل كأولوية للارتفاع بمستوى هذه الأوضاع فإن المؤشرات المستقبلية ستكون محفوفة بالمخاطر..
ومن هنا كيف نتجنب هذه المخاطر أو على الأقل كيف نحدّ منها هذا ما ينبغي الاتفاق عليه بين المجلسين حالياً.
 
الأيام 6 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

لكمات أطلسية روسية متبادلة توقد جمرات الحرب الباردة

بعد أن ظل الحذر والريبة مسيطران على علاقات روسيا ببلدان الحلف الأطلسي خصوصاً في الولاية الثانية للرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين التي تغطي السنوات الأربع الأخيرة، يبدو أن الطرفين صارا جاهزين للانتقال إلى مواقع احتكاك تتجاوز حالة الريبة والحذر وتجذبهما أكثر فأكثر، ورويداً رويداً، نحو آفاق الحرب الباردة الرحبة وأجوائها المهيأة على وقع تزايد نقاط تماس المصالح الوطنية المتضادة.
وحين نتحدث عن تضاد المصالح فإن حديثنا ينصرف إلى نجاح خطة الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين في استرداد كافة أصول القطاع البترولي الروسي في زمن قياسي من الشركات النفطية الغربية التي كانت حصلت عليها بسهولة وبأسعار مغرية إبان حكم الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسن، واستعادة شركات النفط والغاز الروسية لمكانتها ونفوذها سواء داخل روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق أو على الصعيد الدولي.
وإلى جانب استعادة المبادرة الاقتصادية في الداخل والسيطرة على موارد وإمدادات الطاقة، فإن إدارة الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين نجحت خلال ثمان سنوات تقريباً في إعادة بناء الجيش الروسي والترسانة العسكرية الروسية بما يشمل ذلك القوة الصاروخية الضاربة العابرة للقارات والتكتيكية، التقليدية منها والنووية، وكذلك القاذفات بعيدة المدى الحاملة للأسلحة النووية وإعادة برنامج طلعاتها الجوية الذي كان عُلق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. كما عادت الصناعة الحربية الروسية إلى سابق عهدها فيما يتعلق بمبيعات سوق السلاح الدولية.
وفوق هذا أن روسيا التي ترك يلتسن خزينتها شبه خاوية (90 مليون دولار فقط) تحتكم اليوم على احتياطات تناهز 600 مليار دولار، توفر لاقتصادها وعملتها الوطنية وسادة مريحة للمناورة الاستثمارية التوسعية في الداخل والخارج.
وإلى ذلك أيضاً، إنه في الوقت الذي كانت روسيا تضع حداً لحقبة يلتسن الكارثية على الاقتصاد الروسي وعلى الحالة الروسية عموماً والتي امتدت لعشر سنوات (منذ انهيار الاتحاد السوفييتي حتى العام 2000) وتستهل عهد فلاديمير بوتين الذي نهض بمهمة إعادة بناء ما تم تدميره – في هذا الوقت، ويا للمفارقة العجيبة، كانت الولايات المتحدة على موعد مع حلقة جديدة من حلقات الصراع الدولي الدامي والمدمر بعد أن كانت وضعت لبناته الأولى في أفغانستان وغيرها، مبتغية، هذه المرة، صراعاً حضارياً متسعاً وممتداً لثلاثين عاماً كما قال الرئيس جورج بوش الابن في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية على واشنطن ونيويورك.
وكانت الولايات المتحدة التي وقعت في قبضة زمرة من عتاة الأصولية الأيديولوجية في الحزب الجمهوري الذين أضفوا عليه نزعاتهم المغامرة في الهيمنة والسيطرة واستخدام الحروب الاستباقية وسيلةً لتحقيق هذه الغاية – كانت هي التي دفعت بزخم التنظير لصراع الحضارات إلى أقصى مداه من قبل أن تقع هجمات سبتمبر الإرهابية وإعلان أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ونصير الأمريكيين السابق من تورا بورا – تناغماً مع ‘رؤية’ صراع الحضارات الأمريكية – عن ‘انقسام العالم إلى فسطاطين’!
فكانت هذه ‘الرؤية’ المغامرة التي تحمس لها رهط من جماعة أمريكان انتربرايز انستيتوت المغرقة في يمينيتها ومنهم وليم كريستول وريتشارد بيرل وبول وولفويتز ودونالد هيث وغيرهم – كانت سبباً في الورطة التي أضحت عليها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق (وربما تنزلق القدم الأمريكية قريباً نحو هاوية المستنقع الباكستاني الذي يتهادى رويداً رويداً نحو المآل الأفغاني).
ومع ذلك، وعلى رغم المآزق التي أوقعت الولايات المتحدة نفسها فيها، فإنها لم تغفل عن تتبع عملية استعادة روسيا عافيتها وعودتها الجزئية إلى المسرح الدولي وارتفاع وتيرة وأشكال تعبيراتها عن طموحاتها الوطنية والعالمية.
ويبدو أن تسارع هذه العملية هو الذي قرّب الطرفين من لحظة الصدام التي لم تشأ الإدارة الأمريكية الحالية المستنزفة أصلاً جراء أسلوبها المغامر، تفويتها على رغم الفسحة الزمنية الضيقة المتبقية لها في الحكم. فكان أن تقدمت في البدء بمشروع نشر الدرع الصاروخية في كل من تشيكيا وبولندا العضوتين السابقتين في حلف وارسو والحديثتي العهد بحلف الناتو. فكان أن أثارت هذه الخطوة حفيظة روسيا التي لم يترك رئيسها آنذاك فلاديمير بوتين سانحة إلا وعبر فيها عن سخطه على هذه الخطوة التصعيدية ضد بلاده، وعن استهجانه للرواية الأمريكية المضحكة الزاعمة بأن هدف هذه الدرع الصاروخية هو حماية أوروبا من الهجمات الصاروخية الإيرانية والكورية الشمالية.
ثم أتبعت واشنطن هذه الخطوة بخطوة استفزازية أخرى منسقة بإحكام مع حلفائها الأوروبيين، وهي اتخاذ تدابير عسكرية وسياسية استباقية لإعلان استقلال كوسوفو عن صربيا من جانب واحد خرقاً للمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا في إطار الأمم المتحدة لتقرير مصير الإقليم الذي ترفض روسيا فصله عن حليفتها السلافية صربيا.
فكان تفضيل الغرب خيار التصعيد الاستفزازي مع موسكو على خيار التفاوض للتوصل إلى حل وسط لهذه المشكلة الاثنية التي غذتها وفاقمتها عقلية الحرب الباردة، سبباً في إثارة غضب موسكو وشعورها باستصغار الغرب ولا مبالاته لمصالحها.
وكأن ذلك لم يكفِ، إذ عمدت العواصم الغربية، إلى إرسال رسائل إيحائية إلى تبليسي من سوء تقدير الرئيس الجورجي ساكشفيلي المتحمس بتهور للمزايدة على لعبة الاستفزاز الغربية، أن قرأها بالشكل الذي عكسه في هجمته الليلية ‘العنترية’ على أوسيتيا الجنوبية والتهمها على طريقة التهام هتلر لتشيكيا وسلوفاكيا عشية الحرب العالمية الثانية.
أما وقد بلغ السيل (الاستفزازي) الزبى، فقد تعين على روسيا أن ترد على ‘الرسالة’ الغربية ‘بأحسن منها’ .. رداً موجعاً لازالت أصداه تتردد في مقر الناتو والعواصم الغربية. فها قد أتى الرد الروسي، وإن جاء متأخراً، على خطوة الغرب بإعلان استقلال كوسوفو عن صربيا، بقرار مجلس الدوما (البرلمان) الروسي الاعتراف باستقلال كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ومصادقة الرئيس الروسي على هذا القرار.
بهذا يكون طرفا الأزمة: روسيا والغرب أوصلاها إلى ذروتها التي لا مناص من تأديتها لإشعال فتيل حرب باردة جديدة بينهما. وبما أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الأبواب (نوفمبر المقبل)، وبما أن مزايداتها مشرعة الأبواب هي الأخرى لكل من يطمع في شريحة من وليمة امتيازاتها الدسمة، فإن الوقود اللازم لإيقاد مراجلها يصبح مؤمناً سلفاً .. إلى أن ينجلي غبار المعركة الانتخابية الأمريكية.
بيد أن انتهاء المعركة الانتخابية وانتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية لن يكون كافياً بحد ذاته لنزع فتيل الأزمة والحرب الباردة العائدة عبر بواباتها (بوابات الأزمة إياها)، إلا إذا توصل الطرفان إلى توافق على مصالحهما المتصلة بمصادر وإمدادات الطاقة على الأقل.
 
الوطن  6 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

السلام أهم من التعصب القومي

حين تحاول القيادة الإيرانية جر المنطقة إلى سباق تسلح محفوف بكل أنواع المخاطر فيه تجني على شعبها وشعب الخليج المسالم. قيادات إيران موجودة في مناطق بعيدة عن الخليج في طهران وقم، وهما منطقتان نائيتنان، فتعرف أنها بعيدة شخصياً عن الأخطار، فلا تفكر في الشعوب التي تقحمها في مغامراتها الخطرة. إن المسألة هنا ليست مذهبية ولا قومية بل مسألة حياة وموت، فمن الممكن أن تؤيد حماس الحاكمة في غزة مثل هذه السياسة الإيرانية، لكونها قد ارتبطت بسياسة الحرب والمواجهة، والتنافس المرضي مع فتح، لكن أي مصلحة لتنظيمات خليجية في مثل هذه السياسة الهوجاء للحكومة الإيرانية؟ وبطبيعة الحال رفضت معظم التنظيمات السنية – المتفقة مع حماس في المذهب المختلفة معها في التوجه السياسي – مثل هذه السياسة الإيرانية فهي تدرك خطورة مثل هذه السياسة على سلامة الحياة البشرية، وهي أكثر المقومات التي أكدها الإسلام أكثر من أي دين آخر في هذا المجال.
قادة إيران وقادة حماس وقادة متطرفون آخرون بعيدون عن خندق النار الذي تؤججه السياسة الإيرانية النووية، وهو خطٌ حصل على تأييد أو تجاهل من قادة روسيا كذلك، الذين صار وعيهم لا يختلف عن وعي قادة طهران وحماس ودمشق، حيث التعصب القومي والمذهبي وإعلاء شأن الأمة(أي الدولة الجامدة الدكتاتورية) حتى لو كانت بسياسة حافة الحرب أو بالسياسة الفاشية التي صارت هذه القوى تقتربُ منها. فلينظر القادة الكبار إلى شأن منطقة الخليج وشعبها المحاصر على الضفاف البحرية في شريط ضيق، مليء بمعامل التكرير ومصانع البتروكيماويات والطاقة المختلفة، فإن أي إطلاق نار في هذه المنطقة معناه صنع الجحيم.
ربما ثمة أحقاد ” دفينة “. ربما ثمة حسد من مستوى المعيشة.  وبالتأكيد هناك سياسة المغامرة التي فشلت في تغيير معيشة الشعب السيئة وتريد أن تزايد على قضية فلسطين كالعادة السخيفة التي عرفها العرب كثيراً إلا هؤلاء الذين يعلقون المشجب الفلسطيني في كل مجزرة يرتكبونها. وقد عبرت أصواتٌ نادرة في التنظيمات الشيعية عن وقوفها في جبهة السلام ورفض شن الحروب واعربت عن خطورة البرنامج النووي الإيراني. أصواتٌ نادرة كأن القنابل والنيران سوف تفرق بين حي وحي، أو أن النار ستعرف الابتعاد عن منزل هذا أو ذاك. وهي سياسة كما فعل النظام العراقي السابق الذي كان يجر المنطقة لمشكلات خطيرة وكارثية، ويبدو ان النظام الإيراني العاجز عن الديمقراطية وتحقيق التقدم المعيشي لشعبه، يكررها الآن في سياسة الهروب إلى الامام وقيادة المنطقة إلى حافة الهاوية لكن لا يعتقد هذا النظام ان قوى الغرب عاجزة وقد فكر في ذلك دكتاتور العراق وظن أن الغرب غير قادر على وضع حد لنظامه، فكان سوء تقدير كبيرا.
وحتى لو حاول القادة الإيرانيون التمسح بالقيادة الروسية فإنها سوف تخذلهم وتفضل مصالحها القومية وتتركهم للسباع يأكلونهم، كما فعلت مع قيادة العراق التي نزلت إلى حضيض الأرض الذي لم ينقذها.
إن التحدي هو في إتباع خيار الصين التي طورت بلدها ونأت عن سياسة الحروب، لقد حركت كل فرد من بلدها، وغزت الأسواق الغربية بسلعها وطورت تقنيتها السلمية ولم تهدد جيرانها وحتى المناطق التي كانت لها رفضت استخدام السلاح في استعادتها ورجعت هذه باختيار أهلها وبفضل السلع وليس الصواريخ. فليس هناك ما يمنع علو شأن الفرس أو الروس أو العرب لكن عليهم أن يتبعوا سبل السلام، والتجارة والصناعة، والثقافة، أما سياسة التهديدات والسلاح فهي تعود وبالاً عليهم وتجعلهم يتراجعون ويتخلفون. وكم أكسبت سياسة إيران السلمية وتجارتها مع دول الخليج المنطقة والسلام فيها، وكم عادت بفوائد على الجانبين وأبعدت أشباح التسلط والعداء القومي! لكن سياسة التسلح النووية والتهديدات دمرت كل ذلك، ووضعت المنطقة الخليجية على حافة بركان. 

أخبار الخليج 6 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

كلام عجب وفعل أعجب


لا يكاد يمر يوم أو اثنين دون أن تصدع فيه حكومتنا العتيدة رؤوسنا بدعواتها وصلواتها من اجل أن لا يذل المواطن ولا يهان ولا يفقر ولا يصاب بالهزال من الجوع  ولا يبيت في العراء من غير سقف ولا يصاب بمرض الرعاش من هجمة ارتفاع الاسعارعلى مرتبه وعلى قدرته الشرائية وو..
 
كلام عتيق ومتجدد لازالت الحكومة تعتقد انه قابل للتسويق حتى في ظل شرخ الثقة الشاسع الذي أحدثته بينها وبين المواطن عبر سنوات من الممارسات الضارة بمصالح المواطن والإدارة السيئة للموارد المادية والبشرية للبلاد.
 
ومع ذلك وكما يقول الممثل المصري “الميه تكذب الغطاس”. فها هو الملك عبد الله ملك الأردن يأمر بصرف مبلغ مائة دينار أردني لكل موظفي الجهاز الحكومي الأردني من عاملين ومتقاعدين



لمواجهة أعباء شهر رمضان الكريم. فأين الأردن الشقيق الذي يعتمد جزئيا على المعونات الخارجية من البحرين التي اتخمت خزينتها أسعار النفظ المرتفعة ؟!.. وأين أحاديث الحكومة المكررة عن حرصها على المواطن من فعل الملك عبد الله في الأردن الشقيق ؟
 

اقرأ المزيد

معركة أكبر مما نظن‮..!‬

علينا أن نولي بعض الانتباه لخبر إحالة مجلس الوزراء في اجتماعه المنعقد فــي 24 أغسطس الماضي إلى السلطة التشريعية مشروع قانون بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
أول ملاحظة على هذا الخبر أزعم أنها جوهرية، هو أن لا أحداً يعلم حتى الآن على الأقل مضمون رأي الحكومة وملاحظاتها على المشروع، ولكن المرجو والمأمول والملح أن يكون هذا الرأي مؤيداً وداعماً لقيام الهيئة حيث لا سبيل لإنجاح مشروعنا الديمقراطي والإصلاحي والتنموي إلا بمحاربة الفساد، كما لابد أن تأتي هذه الخطوة ضمن جهد يستهدف إيجاد منظومة تشريعية متكاملة هدفها أولاً وأخيراً مواجهة كل مظاهر الفساد واستحداث الآليات الفعالة لهذا الغرض، مع مراعاة أن المزيد من التأخير في هذا المجال لن يفهم منه إلا أن هناك من يريد أن نبقى نراوح في مكاننا على صعيد محاربة الفساد، وتحويل أي جهد يزعم أنه يبذل في هذا السياق إلى مجرد شكليات الهدف منها البهرجة الإعلامية والتسويق الخارجي، وهو للأسف جهد لا يمكن أن يتقدم بنا خطوة واحدة إلى الأمام.
إن مجلس النواب حينما أقر بالإجماع في 30 أكتوبر2007 اقتراحاً بقانون بإنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد فإن الهدف المعلن هو تعزيز وتفعيل جهود محاربة الفساد، ودعم الجهات الرقابية وتقويتها في مراقبة كافة المؤسسات التي تخضع لاستخدام المال العام، بالإضافة إلى تفعيل الشراكة الكاملة بين مختلف قطاعات المجتمع، وهذه مسألة لا يمكن أن يختلف أحد على أهميتها فقضية مكافحة الفساد وتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة هي قضية مجتمع وليست قضية طرف بعينه، ولكن على مجلس النواب أن يدرك بل عليه أن يتشدد ليس على إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فحسب، وإنما على أن تكون ضمن اختصاصات هذه الهيئة – تماماً كما هو الحال بالنسبة للهيئات المماثلة التي أنشئت في بعض البلدان- وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وتحديد آليات تفعيلها، واقتراح الإطار التشريعي والقوانين واللوائح ذات الصلة التي تؤدي إلى مزيد من الشفافية والنزاهة، وتعزز من أطر المساءلة والمحاسبة، وترصد حالات الفساد المالي والإداري وتدعم جهود الجهات الحكومية في أدائها في مكافحة الفساد وترسيخ شفافية المالية العامة، وتضع آليات سد الثغرات ومصادر نفاذ الفساد في الخدمات الحكومية وإجراءاتها. هذا أولاً..
وثانياً على مجلس النواب أن لا يبدي أي تراخ في استكمال منظومة التشريعات الداعمة والمشجعة على مقاومة الفساد، والانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وفي مقدمتها الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، خاصة وأن إنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد يشكل أحد الالتزامات والاستحقاقات التي تترتب على هذه الاتفاقية الدولية التي عبرت عن إرادة المجتمع الدولي حيال ظاهرة الفساد والشعور بمخاطرها المدمرة على حياة الشعوب، ومن ثم على أمن الدول واستقرارها، وتقويض المؤسسات الديمقراطية ومشاريع التنمية وتفشي ظاهرة الجريمة المنظمة.
الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وقعت عليها البحرين في ٨ فبراير2005، ممثلة في مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة وكان آنذاك السفير توفيق منصور، وأشاد من أشاد بهذه الخطوة التي قيل بعد التوقيع عليها مباشرة بأنها تأتي في سياق انضمام البحرين إلى الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ترمي إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان وإرساء سيادة القانون ومنع الفساد ومكافحته، بل وقيل إن انضمام البحرين إلى هذه الاتفاقية هي بداية صحيحة للسير في اتجاه الإصلاح الحقيقي، ولكن تبقى مسألة المصادقة على هذه الاتفاقية حتى الآن في علم المجهول، رغم أن وزير العدل بشرنا في ٢ فبراير 2008 عن قرب إحالة الحكومة للبرلمان مشروعاً بقانون للتصديق على هذه الاتفاقية، وأن اللجنة الوزارية تبحث حالياً الالتزامات القانونية المترتبة على تنفيذ الاتفاقية، “وبقيت أشياء بسيطة”، كما قال الوزير تمهد لإحالة مشروع القانون لمجلس النواب.
نعلم جيداً أن المصادقة على هذه الاتفاقية بات أمراً لابد منه وندعو بإلحاح إلى ذلك لأن هذه الاتفاقية ترمي إلى ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجح، وتروّج وتيسّر وتدعم التعاون الدولي وتقدم المساعدة التقنية للدول الأعضاء في مجال منع ومكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون والممتلكات العامة.
لهذا يتوجب على أعضاء مجلس النواب في دورة الانعقاد القريبة للمجلس أن يثبتوا قدرتهم على القيام بدور فاعل في مجال التصدي للفساد وإهدار المال العام، وهو دور يجب أن يدافعوا عنه بكل ضراوة، والنواب قادرون على أداء هذا الدور إذا أرادوا لأنه في صميم مسؤولياتهم، المهم أن تكون النيات صادقة وأن يكون هناك إيمان عميق بهذا الدور الذي قد يكون أخطر الأدوار وأعمقها أثراً، وبالتالي لابد على النواب أن يتعاملوا مع ملف الفساد برمته بقدر أكبر من الجدية والمسؤولية، وأن يجعلوا إنشاء تلك الهيئة والمصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وإيجاد منظومة متكاملة من التشريعات التي تجعل من حرمة المال العام هدفاً وغاية، ضمن أولوياتهم في الفترة القريبة المقبلة، وهي أولويات يجب أن تتلاقى عليها الإرادات وتشحذ حولها الهمم، وتستعلي فوقها الحساسيات والمساومات والمرارات والنزوات والمزايدات.
نقول ذلك لأن التجربة أثبتت أن أسوأ ما في تناول غالبية أعضاء مجلس النواب في الفصل التشريعي الأول أنهم حوّلوا ملفات الفساد المهمة التي عرضت عليهم إلى صراعات ومساومات وتناطح في مشهد بلغ ذروة مأساويته حين اعترت هذه التجربة النيابية الكثير من الثقوب والاختراقات التي حملت في ثناياها بعض المقاصد التي لازلنا نشكك في براءتها والتي “ميعت” وأهدرت فرصاً ما كان ينبغي أن تهدر، وكان يمكن أن تفعّل الدور الرقابي المطلوب لمجلس النواب في مناهضة الفساد، وهي تبقى على كل حال تجربة حافلة بالدلالات والدروس والعبر التي من الضروري أن تكون موضع اعتبار حينما يوضع مجلس النواب على محك ذات التجربة مرة أخرى.
بلغة العقل والمنطق والمصلحة نقول: إن معركتنا ضد الفساد أكبر بكثير مما نظن، وحاجتنا إلى مؤسسات وأجهزة تنفيذية ورقابية عالية الكفاءة وتنظيمات إدارية متطورة ومنظومة تشريعية متكاملة هي أيضاً حاجة ملحة أكبر مما نظن، والمطلوب الآن أن نخطو خطوة صحيحة في الاتجاه الصحيح.
وبذات اللغة، لغة العقل والمنطق والمصلحة نقول، إنه لا يجوز ومن المعيب أن يظهر أي كان، أو أي سلطة كانت وكأنها تقف ضد أي جهد يحارب الفساد، أو تفتعل الإعاقات التي تفرغ هذا الجهد من مضمونه.
 
ألأيام  5 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

الرئاسة اللبنانية والعلمانية


استطاعت تركيا أن تتخطى فسيفساء المذاهب السياسية الدينية باعتماد العَلمانية في نظام الدولة بطريقة عسكرية دكتاتورية، لكن كان وجود شخصية مثل كمال أتاتورك وطنية عامة ونهضوية عاملا مهما في تقدم تركيا على طريق الحداثة. وإذا كانت الأوروبة الشكلانية هي دفعة عاطفية أولى لإيجاد الحداثة فإنها في تركيا دفعت من خلال تطور القطاع الخاص الذي أحدث نقلة في بلد ريفي متخلف. ولعل لبنان هو أقرب بلد عربي لتكوين حداثة مماثلة تبعد التدخلات المذهبية والدينية السياسية، التي تجير الفلاحين والعاملين الحرفيين من أجل زعامات إقطاعية غير قادرة على التصنيع والتحديث الوطنيين.
إن القوى التقليدية الدينية عاجزة عن تطوير طوائفها لمتطلبات الحداثة المعاصرة، وهي في ذات الوقت لا تريد من هؤلاء الأتباع أن يخرجوا عن طاعتها، وهي تستخدمهم في أعمالها السياسية التي تؤدي إلى التصادم مع القوى الأخرى وتؤدي إلى الارتباط مع دول مماثلة في هياكلها الاستبدادية المحافظة، أو إلى الصراع مع دول أخرى تجاوزت مثل هذه الهياكل. وقد أخذ الجيش اللبناني يلعب دورا توحيديا وطنيا، رغم بنائه الحاشد بالطوائف، وكان دورا أقرب منه إلى جيش حقيقي يزاول واجبه الأول على الحدود وليس في قلب المدن يقوم بالقمع فيها ضد عناصر فوضوية مدسوسة. وقد كانت هذه العمليات جزءا من جر الجيش إلى مهمات أخرى، وتعطيل دوره الدفاعي الوطني، لكنه تغلب على هذه العقبة بعد جهد طويل نظرا إلى استخدام المندسين حرب العصابات في مناطق سكنية. وكذلك تعطل اختيار رئيس الجمهورية المتفق عليه من أغلب الكتل المذهبية والدينية السياسية، التي تمثل واقع العصور الوسطى بكل إرثها المحافظ، مع حداثة شكلانية مظهرية، وكان هذا يمثل مظهرا من تأخر التسويات الإقليمية والوطنية، وحين بدا أن الحكومة السورية تقوم بمفاوضات مع إسرائيل بعد كل جمل الرفض والتحدي، أيقن العديد من الفرقاء اللبنانيين المرتبطين بسوريا أن الخريطة السياسية الإقليمية تتغير بأسرع مما تخيلوا، وبهذا فإن تسوية وطنية لبنانية أخذت تنمو بتثاقل كبير وبمساومات مريرة على الكراسي. لقد مضت القوى المذهبية والدينية إلى وحدة وطنية مظهرية، ليس فيها عمق استراتيجي ولا ذوبان في برنامج نهضوي موحد أو في ثقافة سياسية مشتركة، وبدت الحكومة ممثلة بقوة للاقطاعات المسيطرة على الجغرافيا اللبنانية، أكثر منها مشروعا وطنيا. في حين توارى الجيش وراء لافتة وطنية غامضة، معتمدا على الصمت كوسيلة لإخفاء توجهاته التقليدية، الغائرة في جسمه العسكري – البوليسي. ولكي يتحول الجيش اللبناني إلى جيشٍ وطني يلزمه أن ينهي هذا الدور المزدوج دور الجيش – البوليس، وإنهاء هذا الدور يتطلب إنهاء الازدواجية بين اقطاعيات لبنان، وخاصة الاقطاعيات العسكرية، وهو أمر يبدو مستحيلا في ظل موازين القوى في المنطقة، التي لا تريد لبنان دولة موحدة ذات جيش واحد. ولهذا فإن هذه التوجهات التحديثية الوطنية تتطلب رئاسة علمانية تخرج من دوائر الطوائف، وتبثُ ثقافةً وطنية عصرية، تعلي المواطنة، وهو أمر يستطيع أن يقوم به الرئيس اللبناني والجيش، بل هو مهمة حياة وظيفية لهما. ولهذا فإن ردع الخطابات الطائفية وهزيمتها فكريا هو الأمر الأساسي للعلمانية اللبنانية العسكرية، لكي تتحول إلى الجيش الوحيد للبنانيين. ولهذا فإن خطوات الرئيس اللبناني لتطبيع الأوضاع مع سوريا، ستظل مرهونة بقدرته على علمنة لبنان، على انتزاع مؤسستي الرئاسة والجيش من المستنقع الطائفي، وجعلهما رمزين للبنان موحد، وقوي، وليس فيه عدة جيوش. وهذا يتطلب توحيد قوى الفئات الوسطى، بجعل مؤسسة رئاسة الوزراء تغدو معبرة عن قوى رجال الأعمال الوطنيين والقوى الشعبية، الذين يقدمون خدمات العمل والتصنيع والتعمير لكل المناطق اللبنانية. لقد كان لبنان هو وليد التطورات الإيجابية في الدكتاتورية الشرقية، ثم هو يتفجر بتصاعد سلبياتها، وبعجز الديمقراطيات الغربية عن تجاوز هيمنتها عليه. والآن هو زمن دكتاتوريات مذهبية خاصة في طوائف الإماميين والحنابلة. لكن هناك طيف أولي من القيادات المذهبية والدينية المقتربة من العلمانية الديمقراطية، فالمسيحيون العروبيون والديمقراطيون والدروز وأهل السنة التحديثيون واليسار الديمقراطي، تشكل أساسا لجبهة وطنية معاصرة ديمقراطية، ومن دون الاعتماد على هذه الجبهة فإن الرئاسة اللبنانية وقيادة الجيش تقود أنفسهما إلى متاهة سياسية. وللأسف فإن قوى المحافظين (التوجهات السياسية الإثناعشرية والعلوية والحنبلية والقومية الشمولية) ترتبط بمناطق متخلفة وبقوى حكومية لا تقبل التحديث ومراجعة تاريخها السياسي والفقهي، وترتبط بسياسة عسكرية مستقلة عن الحكم أو بمغامرات إرهابية تعرض كل شيء للخطر. وليس ثمة اختلاف جوهري بين السياستين، حين يكون (الإمام) سلطة فوق الدولة والمؤسسات الأهلية، وهو أمر يعود كما قلنا إلى العصور الوسطى، ويخترق موضوعية التطور الوطني. إن العلمانية العربية لا تنفصل عن منجزات الدينين الإسلامي والمسيحي وتطورات العصر الديمقراطية، فهي لا تتخلى عن جذورها، لكنها لا تقبل بتحكم المؤسسات الدينية في خيارها الوطني المستقل. لا تستطيع أن تكون المؤسسات العسكرية الحاضن الفكري لتطورات الوعي الديمقراطي بمختلف تلاوينه، فهي مؤسسات سلب وإخفاء للتوجهات، ولكن الخيار الوحيد يبدأ منها، وذلك هو مأزق العلمانية في دول الشرق. لقد راوح رؤساء عرب كثيرون في دائرة المناورات السياسية بين القوى المذهبية والدينية وضربوا بعضها بعضا لكي يتفردوا بالسلطة، لكن كانت هذه سياسة كوارث لا سياسة تحديث وديمقراطية.



أخبار الخليج  5 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

الانقطاعات الكهربائية وحديث كل عام

مثلما أصبحت عملية الانقطاعات الكهربائية في مختلف مناطق مملكة البحرين تقلق أفراد الأسر البحرينية والمقيمة، وتثير هواجسهم وتؤرق نفسياتهم وتقض مضاجعهم فإن هذه العملية المؤرقة من انقطاع التيار الكهربائي، قد تعبر عن رحلة مؤلمة من العذابات الموجعة التي منيت بها هذه الأسر المغلوب على أمرها . وبحسب ما يعاني أفراد الأسر وخاصة منهم الفقراء والعُوز تلك الانقطاعات الكهربائية نهاراً وليلاً بل أياما وليالي متعاقبة.. فإن معاناة هؤلاء المعذبين أخذت تتضاعف وتترسخ خلال ذاك المسلسل من الانقطاعات الكهربائية سواء المبرمجة منها أو العشوائية بشكل مستمر ودائم..
ذاك المسلسل من دهاليز الظلام قد بدأ منذ أوائل شهر مايو الماضي حتى الآن من الساعات واللحظات.. ولكن هذه الانقطاعات الكهربائية جاءت من المعايير الثقيلة بأوزارها الرهيبة لتحول هذا المنزل الى مصهر للألمنيوم، وذاك المنزل الأخر إلى تنور لشواء الذبائح.. إذ تبدأ تلك الانقطاعات الكهربائية منذ الفجر حتى وقت الظهيرة او من وقت الظهيرة إلى منتصف الليل.. بل تتواصل أحياناً مدة (24) ساعة.. وتتجاوزها أحياناً أخرى إلى أكثر من يومين وذلك بحسب شهادة الكثير من الأهالي والأسر باستغاثاتهم وشكاواهم الذين عايشوا ومازال الكثير منهم يعايشون أسوأ الاحتمالات وأقسى التوقعات للانقطاعات الكهربائية في أي وقت وكل الأوقات.. بقدر ما تلاشت كل آمالهم الخيالية في دواخلهم التي علقوها على التصريحات المتكررة والمتماثلة لمسئولي هيئة الكهرباء بالقول: ” لا انقطاعات كهربائية.. ولا قطع مبرمجاً للتيار الكهربائي.. الأوضاع في هذا الصيف ستكون مطمئنة مريحة للمواطنين والمقيمين”. وحينما ذهبت الوعود والتعهدات بسبب إهمال مسئولي وزارة الكهرباء هباء أدراج الرياح.. استبدلوا الأسباب الواهية والمبررات التسويفية والديماغوجية بها، التي اتسمت بالمعايير المزدوجة والانتقائية كـ ” تجاوز الأحمال وتفوقها على شبكة التوزيع أو تقاعس المقاولين في إصلاح الخلل والعطب “.
 إنه من الأهمية بمكان القول: إن أزمة الانقطاعات الكهربائية المتكررة من دون توقف أو نهاية أو إصلاح موطن الخلل ومواطن الثغرات.. فإنها (أي الانقطاعات الكهربائية) ستزيد معاناة أفراد الأسر خاصة ان المدارس على الأبواب وقد شارفت ببدء عام دراسي جديد.. الأمر الذي سيؤثر في طرائق تفكير وسلوكيات ومجهودات هؤلاء التلاميذ والتلميذات الأطفال، والطلاب والطالبات الشباب، بشكل سلبي ومؤسف يؤخر من تحصيلهم الدراسي ويضعف من نجاحهم العلمي والتعليمي ويهمش مساعيهم وطموحاتهم ويعثر خططهم وخطواتهم ، ناهيك عن بكاء وصراخ الرضع واستغاثة كبار السن والمقعدين الذين يصبحون معرضين للموت المحقق أو المفاجئ جراء هذه الانقطاعات الكهربائية. ليس هذا فحسب ولكن أيضا تلف المواد الغذائية المثلجة وكسادها وعطب الأجهزة الكهربائية وتخريبها التي تمثل عبئا ماديا طائلا على كواهل الطبقات الفقيرة.
ولعل من الضرورة بمكان القول: كم تطرق الكثير من المواطنين والمحللين والمتخصصين إلى أسباب الانقطاعات الكهربائية السنوية الموسمية المتكررة العشوائية منها والمبرمجة التي أرجعوها بالدرجة الأولى إلى غياب الإستراتيجية العلمية المطلوبة والدراسة والمسح الميدانيين اللذين تفتقدهما وزارة الكهرباء! وكذلك إعطاء التراخيص غير المدروسة لبناء وتشييد عمارات حديثة في مجمعات ومناطق قديمة. أضف الى ذلك قولاً غياب الصيانة الدورية لإصلاح أو استبدال الكابلات القديمة في فصل الشتاء بدلا من فصل الصيف.. أسباب محورية قد رسخت أزمة الانقطاعات الكهربائية في كل فصل صيف جديد وقادم. هذه السلبيات وهذه النواقص والثغرات وهذه الأسباب المرة التي تنطق بالنتائج الموجعة.. هي قضية وطنية شائكة ومعقدة.. لكنها واضحة بجلاء كوضوح الشمس في عز الظهيرة.. ولعل مسئولي وزارة الكهرباء هم اعرف العارفين بها وبحقائقها وأوجاعها.. ومن هنا استوجب إعطاء الحلول الناجعة لتداعياتها وتوفير النتائج الايجابية المنشودة لمفاهيمها.. من اجل تجنب الانقطاعات الكهربائية المزعجة التي باتت ترهب وترعب أفراد الأسر الذين ظلوا يعيشون بنفسيات وأعصاب متوترة مع كل فصل من فصول الصيف، مادام حال الناس والأسر والمجتمع والشعب إزاء هذه القضية المؤرقة لـ (الانقطاعات الكهربائية) تسير في اتجاه معاكس لراحتهم النفسية وأمانيهم المجتمعية واستقرارهم الأسري والمعيشي.

أخبار الخليج 5 سبتمبر 2008
 

اقرأ المزيد

عودة روســيا

لم يبدأ المسعى الروسي في رفض الأحادية القطبية في العالم، مع حرب القوقاز الأخيرة وتداعياتها، وفي هذا المجال مفيد التذكير بالخطاب الذي ألقاه فلاديمير بوتين، عندما كان لم يزل رئيساً لروسيا في افتتاح مؤتمر ميونيخ الأخير الذي شارك فيه 250 مسؤولا من بينهم أكثر من 40 وزير دفاع وخارجية، وهو مؤتمر ينعقد سنويا، وكان قد انطلق للمرة الأولى عام 1962، حيث بات يمثل فرصة لزعماء العالم لبحث أكثر القضايا العالمية إلحاحاً.
 كان بوتين قد قال إن النهج الأمريكي “خطير جدا” في العلاقات الدولية ويُشعل سباق تسلح نووي، فبسبب الطريقة التي تتجاوز بها الولايات المتحدة حدودها الدولية بكل السبل، لم يعد أحد يشعر بالأمان أو أن بوسعه اللوذ بالقانون الدولي وهذا يُنعش سباقا للتسلح حيث يسعى عدد متزايد من الدول للحصول على الأسلحة النووية.
وخاطب بوتين الحضور قائلا: “ماذا يعني عالم وحيد القطبية؟ بصرف النظر عن محاولاتنا لتجميل تلك العبارة، فإنها لا تعني سوى وجود عالم يرتكز على وجود قوة واحدة تتحكم فيه. وان عالما له سيد واحد فقط قد قاد إلى كوارث. فالحروب الأهلية والإقليمية لم تقل، كما أن عدد الناس الذين يقتلون بسببها لم يقل بل زاد. إننا لا نرى أي نوع من التعقل في استخدام القوة، بل نرى استخداما مستديما ومفرطا للقوة “. وأضاف: “إن الولايات المتحدة قد خرجت من صراع لتدخل صراعا آخر من دون تحقيق أي حل شامل لأي منها”. في حينه سعت بعض الأوساط للتقليل من أهمية الخطاب، وقالوا إنه يعد إحدى الحركات التي دأبت روسيا على اتخاذها بصفة دورية للتعبير عن سخطها من تلاشي دورها الكبير الذي كانت تلعبه في الخريطة السياسية للعالم، لكن الناطق الإعلامي باسم البيت الأبيض لم يخفِ انزعاجه من التصريحات، وقال إن الولايات المتحدة تشعر بخيبة الأمل والاستغراب منها.
 تطورات الأحداث الأخيرة توشك أن تبرهن أن خطاب بوتين هذا كان نقطة تحول في العلاقات الدولية، وتشير ردود الفعل القوية التي أثارها في الدوائر الأمريكية والأطلسية عامة إلى قلق من أن تسعى روسيا لاستعادة دورها المفتقد في عالم اليوم. ولعل مصدر القلق الرئيسي لا يعود فقط إلى شعور روسيا بتنامي دورها مجدداً، وإنما أيضاً إلى إدراكها للتبدلات الملحوظة في توازنات القوى الدولية أمام تعثر السياسة الأمريكية في أكثر من مكان. 
وإذا كان الاتحاد السوفييتي شكل في مساحته سدس العالم، فإن روسيا وحدها تشكل ثُمن هذا العالم. ورغم الحرب النفسية التي تُشن ضد موسكو، تحت عناوين فرض العقوبات حيناً أو العزل حيناً آخر، فان الغرب ليس على كلمة واحدة في التعاطي مع روسيا التي تتحكم في عقدة مصالح اقتصادية وجيوسياسية ليس بوسع أحد في العواصم الغربية تجاهلها. وعلى قمة الهرم الحاكم في موسكو زعامة معروفة بحزمها، ومشبعة بروح المصالح القومية لروسيا، بعيدا عن الإطار الأيديولوجي السابق، مرشحة لأن تنهض بدور آخر ستكون له نتائج ليس بالوسع الاستخفاف بها.
 
الأيام 4 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد