المنشور

كيف يتآكل المناضل؟

في أحد الأفلام الأمريكية الحديثة تدور القصة حول مطرب شاب ثائر يشارك في أحداث الاحتجاجات في الستينيات ضد حرب فيتنام، ويقدمُ غناء جديداً مليئاً بالإثارة والكلمات الشعرية، رغم صغر سنه، لكنه كان متكبراً، تملأ نفسه الادعاءات. حين تمتلئ الجيوب، ويكثر الأطفال، ويتكاثر الشحم في الجسد الطائر، ويقوم الأولادُ بقصقصة أجنحة الأب المحلق في الهواء، والذي يزداد انحناءً، وتلعب الفواتير والإيجارات والأجور أدوارها في لجم الحصان الفتي، يتعقل المناضلُ المراهق، ويكتشفُ أهمية بعد النظر، ودور (الحكمة) في صناعة التاريخ. وهذه (العقلانية) أفضل من استمرار الطفولية الصاخبة عن الثورة، على اسوأ فرض، ولكنها عقلانية حامضة في مشوار العمر الزاهي.
لم يعمق المغني قراءاته، واعتمد على فتات المعرفة والشعارات الصاخبة، وأغرته المياه الفوارة بالنشوة، والأدخنة السحرية المدمرة للوعي، وبهره القصر الكبير الذي اشتراه بأموال المعجبين، ولم يزل يخلط بين تأييد الثورات والعصابات، لا يعرف أين هي الثورة الحقيقية واين هي قيادات التعفن السياسية، حتى انفض المعجبون وتراكمت القضايا وعصفت به الديون، فصار في شقة متواضعة، فراح يغني من أجل المسيح، ويدعو الناس للسير في الغيب، والصعود للسماء، وكان ينتفض على الأرض في شبابه، حتى وجد نفسه كهلاً يعيشُ في المناطق الخربة. كم مرت من موجات التغيير وكم ظهر من المناضلين ومن الداعين للثورات وكم بقي منهم؟ في زمن الشباب أو الافلاس المادي وفي فترة المراهقة حيث لا واجبات مالية، يكثر الصخب والادعاء، ولا تقدر هذه الحشود على البقاء في كلام الجهاد. تراجعات الوعي السياسي عند الكتاب والمناضلين هي تحدث لأسباب عدم القراءة والتجذر في المعرفة التحويلية للحياة، فتترافق لحظات المراهقة مع حفظ بعض الشعارات وتأييد جملة عامة من المبادئ، في حين ان تطورات المجتمع والعالم تتطلب المتابعة العميقة، واكتشاف سببيات التحول. وتلعب التيارات السياسية العربية الشمولية عادة دوراً في تكرار هذه المعلبات، فهو قد حفظ دور الاشتراكية في سحق الرأسمالية والامبريالية ولم يعد يقبل بشيء آخر، وأخذ بعض الجمل التي ظهرت في بداية القرن العشرين ليجعلها مثل الآيات المقدسة، في حين ان الرأسماليات القومية كانت هي التي تتشكل وتنمو. وتغدو ضربات الرأسماليات الغربية تستدعي قوة أخرى لم تعد موجودة، وهو كاشتراكي وبالأحرى كديني، يريد قوة ميتافيزيقية تقوم بالقضاء على الرأسمالية الهاجمة، فيتقارب مع الدينيين الذين هم أعداء للرأسمالية باللفظ وأكثر المستفيدين منها، ويلعب الذلُ القومي دوره المتنوع حيث تظهر إسرائيل كذلك، وتغدو هذه القوى المقتحمة للنسيج الديني كقوى قدرية لا تغلب إلا بمثلها، لكن البحث عن قوة عليا خارقة تهزم هذا الجبروت يحقق بمثال الدول الاستبدادية الدينية الشرقية، فهي مرتبطة بقوى غيبية كما تزعم، وهي تعادي الرأسمالية في جوانب معينة حين تقوم الرأسمالية بتفكيك سيطرة الجبروت الديني على الحكم والعاملين وعلى الثقافة والوعي، ولكن حين تتحول الرأسمالية إلى بنوك إسلامية وروابط مساندة للنظام الاستبدادي فهي تغدو رائعة. مساندة المناضل للأنظمة والحركات الاستبدادية المحافظة، هو جزءٌ من تآكله الفكري، ومن خوائه الايديولوجي، وعدم متابعته لقوى الشعب العادية في حياتها اليومية، التي لمست بوضوح اضرار هذه الدول والحركات على حياتها وقيامها بمغامرات عسكرية وسياسية خطيرة. حين تردد هذه الدول شعارات معاداة الاستعمار والرأسمالية مدغدغة الحس العاطفي الساذج للشعوب، تعرب عن فسادها السياسي وعلى نقل الثروات للعسكريين البيروقراطيين المتسلطين عليها، وهؤلاء يكرهون الديمقراطية والسلام. ولدينا كمية كبيرة من المثقفين العرب مساندي الاستبداد والمجعجعين بمعاداة الاستعمار، وهم قد تخلوا عن القراءات العميقة، وعن الحفر في الواقع العربي وتشريحه، لكون ذلك يسبب لهم مشكلات مالية كبيرة. إن فراغ الجملة الفكرية أو الأدبية من التحليل المنغرس في تعرية الواقع، هو إشارة على بدء التراجع والانسحاب، وإذا ارتبط ذلك بفساد وانتهازية فيتحول إلى جمود ومعاداة للعلوم الطبيعية والاجتماعية. إن العلوم بتركيبتها المتآزرة تحرر الطبيعة والمجتمع من استخدام الدين لأغراض سياسية انتهازية، وذاتية، والمناضل المتآكل ليست لديه قدرة على استيعابها، بل قدرته هي حفظية شعارية، تبريرية لموقفه الديني والسياسي المسبق، وهذا لا ينطبق على المفكر حتى لو كان محافظاً، فالمفكر المحافظ على طراز هيجل أو كانت، يؤسس فلسفة، وحتى لو كانت مثالية فهي عظيمة، لأن فيها الكثير من الجوانب المفيدة، بخلاف المناضل المتآكل، الذي يبرر الشمولية والمحافظة الشرقية المتخلفة، زاعماً انها النسيج الوحيد للشرقيين الذين لا يمكن أن يكونوا تحديثيين علميين، فيحكم على المسلمين بالتبعية والتخلف الأبديين. وإساءة المتآكل للدين والقومية هو أمرٌ شائع لأن من يسقط يكره أن يرى الناس واقفين صامدين، ولا يجد سوى الجعجعة بالشعارات الطائفية لكونها تحوله إلى مناضل لكن بعد أن فقد هويته الوطنية والتقدمية. إن انتقال العديد من المثقفين الذين كانوا قريبين من اليسار إلى القوى الطائفية المحافظة، يسحب معه كل تلوث هذه العملية من هجوم شخصي وادعاءات ثقافية كبرى وتوهم العملقة، لأن الحفر العلمي الذي كان يجب أن يكرس نفسه له فقده، فلا يجد سوى ترقيع ذاته المثقوبة ببالونات فاقعة الألوان. وهذه العملية تزيد الأضرار على أي بلد تقع فيه، خاصة حين يكثر الافساد، وتؤدي إلى انهيارات اجتماعية وكوارث إنسانية، فليست الكلمة أو الفكرة لعبة بل هي خيارات بشرية وأخلاقية عظيمة، يجد المرء في حساب الساعة انه إما أن يكون في جهة الشر وإما جهة الخير، أما في عالم الانحطاط أو في عالم الرفعة والشرف، وهو ما عبر عنه أسلافنا بالحساب أي بالجنة أو النار. فكيف تزعم الدين وأنت مروج للفساد والتخلف والاستبداد؟
 
صحيفة اخبار الخليج
8 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

الطريق لتحرير الجزر الثلاث

لم يكن مستغرباً البتة أن يأتي رد فعل طهران على بيان وزراء خارجية مجلس التعاون الأخير في جدة، والذي أدان فيه قيام سلطات الاحتلال الإيراني في جزيرة أبوموسى العربية الإماراتية بفتح مكتبين إداريين، وطالبها بإزالة هذه الإنشاءات غير المشروعة واحترام سيادة الإمارات على أراضيها.. نقول لم يكن مستغرباً أن يأتي رد فعل طهران على هذه الإدانة سريعاً، وذلك تبعاً للعادة التي درجت عليها مع صدور كل بيان للمجلس على مختلف مستويات اجتماعاته بما في ذلك اجتماعات القمة.
لا بل ليس مستغرباً أن تتصاعد لهجة رد فعل سلطة الدولة المحتلة للجزر الإماراتية الثلاث الى درجة تنم عن الاستخفاف والتحدي والغطرسة، وذلك كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية حسن قشقاوي مؤكدا أن هذه الجزر «تعتبر ملكاً أبدياً للجمهورية الإسلامية الإيرانية« وان ما أسماه بادعاءات الإمارات ومجلس التعاون بتبعية الجزر للإمارات «مزاعم مكررة لا أساس لها من الصحة.. وان الإجراءات كافة التي تتخذها إيران في جزيرة أبوموسى شرعية تتطابق مع حقوق إيران في هذه الجزيرة الإيرانية، وان طرح قضايا بهذا الصدد في بيان وزراء خارجية مجلس تعاون الخليج الفارسي، يعتبر تدخلاً سافراً في شئون إيران الداخلية«. فمادامت مواقف وتحرك الدولة المحتلة جزرها ومجلس التعاون منذ نحو عقدين مقتصرة على تكرار إصدار بيانات الشجب والاستنكار الإنشائية الملطفة، واجترار الدعوة الى الحوار أو رفع القضية إلى محكمة العدل الدولية دونما تطوير لهذه المواقف باستخدام وتوظيف أوراق ضغط سلمية سياسية ودبلوماسية واقتصادية ولا نقول عسكرية، والعياذ بالله، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فيجب أن نتوقع ألا تكتفي طهران فقط بهذه الردود الاستفزازية المتغطرسة أو تجديد الافتراء بحقوقها التاريخية والسيادية المشروعة في الجزر الإماراتية الثلاث، بل إمعانها الدؤوب في الإجراءات غير المشروعة على هذه الجزر لتكريس الأمر الواقع، وليتحول الاحتلال الإيراني بذلك في الجزر العربية الإماراتية الثلاث مع تقادم الزمن الى جزر إيرانية فارسية بحكم الأمر الواقع، مثلها في ذلك مثل عربستان التي قضمتها إيران نفسها، ومثل سبتة ومليلة المغربيتين، ومثل لواء الاسكندرون السوري، والأهم من كل ذلك مثل ضياع فلسطين العربية التي اغتصبتها العصابات الصهيونية بدعم من بريطانيا والغرب. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا الى متى سيظل موقف الدولة المحتلة جزرها الثلاث ودول مجلس التعاون مقتصراً على اجترار نفس عبارات الأسف لما تقوم به سلطات الاحتلال الإيرانية من إجراءات تنتهك من خلالها الحق المشروع لسيادة الإمارات على الجزر الثلاث والمطالبة بفتح حوار وتفاوض أو رفع القضية الى محكمة العدل الدولية وذلك بالرغم من مضي 20 عاما على اجترار وتكرار ذات وجوهر العبارات ومضامينها وإن بصيغ لغوية مختلفة في كل بيانات ومواقف الدولة المحتلة جزرها، وفي كل بيانات ومواقف مجلس التعاون أيضاً؟ لقد وصلت لغة الغطرسة الاستفزازية في رد الفعل الإيراني الى درجة ان تشذ عن كل المجتمع الدولي بتحريف تسمية المسمى الرسمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، كمنظمة إقليمية دولية مشروعة، الى تسميته بـ «مجلس تعاون الخليج الفارسي« كما جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في الفقرة المتقدم ذكرها، هذا بالرغم من ان دول الخليج العربية عند تأسيسها مجلس التعاون فإنها مراعاة لمشاعر طهران واتقاء غضبها لم تسم المجلس بـ «مجلس التعاون لدول الخليج العربي« مثلا، كما حرصت على مراعاة مشاعرها القومية حتى في تسمية الكثير من مؤسساتها من دون نعتها «الخليج« بـ «العربي« مثل «وكالة أنباء الخليج« وصحيفة «الخليج« و«أخبار الخليج«، و«طيران الخليج«، وغيرها من المؤسسات الكثيرة، في حين تمعن إيران على نحو دؤوب ومتعمد بعدم ذكر أي تسميات للمؤسسات الإيرانية وفي الإعلام الإيراني للخليج دونما نعته بـ «الفارسي«. فأينما وردت شاردة أو واردة لذكر «الخليج« جاء منعوتاً مضافاً إليه بـ «الفارسي« استدعى الأمر ذلك أم لم يستدع. والغريب ان طهران إذ تصر على هذه اللغة الاستفزازية المتغطرسة مع جيرانها حمائم مجلس التعاون تفعل ذلك وهي تواجه تحديات أمنية بالغة الخطورة فيما يتعلق بالملف النووي مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومع المجتمع الدولي ووكالة الطاقة الذرية. والغريب في المقابل انه بينما تفعل طهران كل ذلك في الجزر المحتلة ثمة بعض الأطراف الخليجية من يحاول دعوة رئيسها الى القمة الخليجية القادمة حتى بالرغم مما أحدثته لغة خطابه الوعظية المتعالية في القمة الماضية بالدوحة من صدمة لشعوب مجلس التعاون والتي كان من ضمنها إمعانه في تكرار تسمية الخليج بـ «الفارسي« في خطابه ثلاث مرات أمام مسامع ومرأى أقطاب القمة الحاضرين دونما حاجة لذلك. وتهربه كذلك من طرح أي مبادرة عملية لفتح صفحة جديدة مع دول المجلس تنهي كل الإشكاليات التي تحول دون تطوير العلاقات مع هذه الدول، وتعطي تطمينات حول نواياها النووية السلمية، بالتعاون الكامل مع الوكالة الدولية والمجتمع الدولي. وما لم تقم الدولة المحتلة جزرها ودول مجلس التعاون بإطلاق واستنهاض طاقات شعوبهم لممارسة كل الضغوط الممكنة من خلال قواها السياسية ومؤسسات مجتمعها المدني لما تملكه هذه القوى والمؤسسات من أوراق ضغط من خلال شبكة علاقاتها الدولية، وبالتضافر مع تطوير المواقف الرسمية للدولة المحتلة جزرها ودول المجلس معاً، فلن تتحرر الجزر الثلاث من الاحتلال الإيراني وستبقى قضيتها معلقة الى الأبد، بل ستصبح في ذمة التاريخ، حالها حال كل الأقاليم والأراضي العربية التي قضمتها كل قوى ودول البغي والعدوان والاستعمار العالمي.
 
صحيفة اخبار الخليج
8 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

يوجد خيار آخر

بعد نحو عقد ونصف العقد من سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي،‮ ‬فإن أفكار العدالة الاجتماعية والبحث عن خيار آخر للعالم تعود لتطرح نفسها بقوة،‮ ‬حتى تلك القطاعات من الناس التي‮ ‬صدقت أن هذه الأفكار باتت من الماضي‮ ‬ولن تقوم لها قائمة بعد اليوم،‮ ‬وانطلى عليها وهْمُ‮ ‬أن العولمة ستعمم الديمقراطية والرفاه في‮ ‬العالم،‮ ‬بدأت تدرك وبالمعاينة الميدانية زيف ذلك‮.‬ كان لـ ‮٠٢‬٪‮ ‬من سكان العالم الذين‮ ‬يعيشون في‮ ‬البلدان الأكثر‮ ‬غنى دخل‮ ‬يفوق بثلاثين مرة دخل الـ ‮٠٢‬٪‮ ‬الأكثر فقرا عام ‮٢٦٩١‬،‮ ‬اتسعت هذه الهوة لتصبح في‮ ‬نهاية التسعينات اثنتين وثمانين مرة،‮ ‬والأرقام تترى،‮ ‬فدخل الفرد في‮ ‬أكثر من سبعين دولة من دول العالم هو دون ما كان عليه قبل عشرين سنة،‮ ‬وفي‮ ‬العالم قرابة ثلاثة مليارات من البشر أي‮ ‬نصف البشرية بالتمام والكمال،‮ ‬أو بالتقريب إن شئنا،‮ ‬يعيشون بدخل‮ ‬يقل عن دولار واحد في‮ ‬اليوم‮.‬ يحدث كل هذا في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬وصلت فيه وفرة السلع إلى مستويات لا سابق لها،‮ ‬والحبوب الغذائية لم تتوافر أبدا كما الحال الآن‮. ‬المشكلة تكمن في‮ ‬التوزيع‮ ‬غير العادل للثروات الذي‮ ‬من جرائه‮ ‬يموت كل سنة ثلاثون مليون شخص بسبب الجوع،‮ ‬ويعاني‮ ‬ثمانمائة مليون آخرين من سوء تغذية دائم،‮ ‬ومن مجموع أربعة مليارات ونصف مليار نسمة هم سكان الدول النامية،‮ ‬فان قرابة الثلث لا‮ ‬يشربون مياهاً‮ ‬صالحة للشرب،‮ ‬وان أكثر من مليار شخص،‮ ‬يعانون من سوء التغذية‮.‬ بعض الدراسات تقول انه‮ ‬يكفي‮ ‬اقتطاع أقل من ‮٤ ‬٪‮ ‬من الثروة المتراكمة لما لا‮ ‬يزيد على ‮٥٢٢ ‬رجلا فقط هم أثرى أثرياء العالم،‮ ‬للوصول إلى تلبية حاجات كل العالم في‮ ‬الصحة والتعليم والغذاء،‮ ‬والتي‮ ‬لا تزيد كلفتها على ثلاثة عشر مليار دولار،‮ ‬أي‮ ‬بالكاد ما‮ ‬يصرفه سكان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي‮ ‬سنويا على شراء العطور‮.‬ ‮ ‬إن بدا أن ذلك‮ ‬يعني‮ ‬في‮ ‬الظاهر إخضاع العالم،‮ ‬فإنه في‮ ‬الجوهر‮ ‬يستنهض قوى عديدة على مدار الكوكب لن ترضى بأن‮ ‬يقاد العالم نحو هذا الخيار المدمر للبشرية وللبيئة،‮ ‬نتيجة استشراء نفوذ ما بات‮ ‬يدعى‮ »‬الليبرالية الجديدة‮« ‬التي‮ ‬تستعير من الرأسمالية،‮ ‬أدواتها القديمة القائمة على تسييد مبدأ الربحية كحاكم أوحد،‮ ‬وتعيد النظر في‮ ‬الضمانات الاجتماعية والمكتسبات التي‮ ‬نالتها الفئات الكادحة في‮ ‬صراعها المديد مع أصحاب رؤوس الأموال،‮ ‬وتطال إعادة النظر هذه حقولاً‮ ‬مهمة كالتعليم والصحة والإعانات المعيشية والاجتماعية والخدمات الثقافية والترفيهية وإلغاء الدعم على الأسعار وتجميد الأجور وتحرير التجارة الخارجية وبيع القطاع العام‮.  ‬ ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬القارة الأمريكية اللاتينية‮ ‬يقدم مثالاً‮ ‬عن طبيعة التحولات الدائرة في‮ ‬هذا الكوكب علينا تأمله ملياً،‮ ‬ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬يعتبر البعض عندنا أن الهيمنة الأمريكية أمراً‮ ‬لا راد له،‮ ‬تعطي‮ ‬أمريكا اللاتينية،‮ ‬وعلى بعد أميال ليست كثيرة من الولايات المتحدة،‮ ‬انه‮ ‬يوجد خيار آخر‮.‬
 
صحيفة الايام
8 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

تعميمات تذكر بأمن الدولة


عممت وزارة التربية والتعليم على المدارس الحكومية والمؤسسات التابعة لها توجيهات ديوان الخدمة المدنية باتخاذ إجراءات قانونية صارمة منها الفصل ضد الموظفين العموميين في حالة مخالفتهم القوانين واللوائح، أو صدور أية إجراءات قضائية بحقهم نتيجة مشاركتهم بأعمال الشغب أو المشاركة في تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة وجميع الأعمال التي تزعزع الأمن والاستقرار.

التعميم يقول إن كل من يدعو أو يشترك أو يحرض على الإضراب في المرافق الحيوية عقوبته الفصل من الخدمة بما فيه من ينظم اعتصامات غير مرخصة أو غير المصرح بها أو الدعوة إلى الاشتراك أو التحريض على ذلك فإن عقوبته الفصل من الخدمة.

تعميم «التربية» جاء لينفذ أوامر ديوان الخدمة المدنية والذي جاء فيه «يود ديوان الخدمة أن يتصدى بكل حزم ومن دون تهاون إلى جميع الأعمال والأنشطة التي من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار، وأن يؤكد على ضرورة الإيعاز باتخاذ الإجراءات القانونية الصارمة على الموظفين العموميين في حالة مخالفتهم القوانين واللوائح أو صدور أية إجراءات قضائية ضدهم نتيجة قيامهم بأعمال الشغب أو المشاركة في تخريب الممتلكات العامة أو الخاصة أو المشاركة في التجمعات والاعتصامات غير المرخص لها وجميع الأعمال التي تزعزع الأمن والاستقرار».

المشكلة في تعميم الخدمة المدنية هي نفسها المشكلة التي كانت لدى البحرينيين بشأن قانون أمن الدولة الذي من المفترض أنه ألغي في مطلع 2001. فذلك القانون سيئ الصيت كان يخول لوزارة الداخلية أن تفعل ما تشاء بأي مواطن «تشك» في أن لديه نشاطات سياسية. واليوم ينطلق مرة أخرى الأسلوب العقابي القديم الذي يمقته كل مواطن وقف ضد الحقبة السوداء التي عايشتها البلاد من قبل.

إن تعميمات الخدمة المدنية والوزارة لن تجمل صورة الدولة ولن يرفع من قدرها على المستوى المحلي ولا على المستوى الدولي، بل إن مثل هذه الخطوة ستجلب المتاعب وتصبح محط نقد في المحافل الحقوقية وستكون جاذبة للنقد اللاذع للهيئات الحكومية التي بدأت تتصرف وكأنها أجهزة أمن دولة تتخطى بإجراءاتها القضاء.
 
الوسط 7  سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

لا تضيقوا عدسة التصوير

يبدو ان‮  ‬النواب ضاقوا ذرعاً‮ ‬بالصحافة،‮ ‬فراحوا هذه المرة‮ ‬يفكرون جدياً‮ ‬في‮ ‬تقييد حركة المصورين الذين‮ ‬يتواجدون داخل قاعة البرلمان ويتحركون بعدساتهم نحو النواب‮ ‬يميناً‮ ‬ويساراً‮ ‬حتى‮ ‬يلتقطوا أبرز الصور التي‮ ‬تجعل من قارئ الصحف في‮ ‬اليوم الآخر‮ ‬يعيش مع الحدث‮.‬
معظم النواب عندما‮ ‬يلاحظون المصورين موجهين عدساتهم عليهم فإن حركتهم تتغير تلقائياً،‮ ‬يعتدلون ويشيرون بأصابعهم ويغيرون من قسمات وجههم،‮ ‬والسبب في‮ ‬ذلك حتى‮ ‬يراهم جمهورهم،‮ ‬ويقتنعوا بأنهم أبلوا بلاء حسناً‮ ‬في‮ ‬الجلسة‮.‬
ولكن بعض النواب أرادوا ان‮ ‬يضحوا بذلك،‮ ‬لأنهم اكتشفوا بان عدسات المصورين تلتقط لهم صورا أحيانا لا‮ ‬يرغبون في‮ ‬ان‮ ‬يشاهدها جمهورهم،‮ ‬كقبلة على انف مسؤول أو اعتذار لهذا وذاك،‮ ‬فكثير من النواب تراه مهاجماً‮ ‬لوزير ما في‮ ‬الجلسة وما ان‮ ‬يخرج من الباب حتى‮ ‬يلحق به ويعتذر‮!‬
وبما أنهم لا سلطة لهم على الصحافة،‮ ‬فكروا في‮ ‬تقييد هذه العدسة‮.‬
ولكي‮ ‬لا‮ ‬ينحرجوا مع الناس ولا الصحافة،‮ ‬فكروا في‮ ‬أن‮ ‬يخاطبوا عددا من سفارات وبرلمانات بعض الدول العربية والأجنبية للاستفسار عن هذا الموضوع‮.‬
واستأنس النواب والأمانة العامة للمجلس بما وجدوه في‮ ‬بعض الدول حيث‮  ‬يُسمح للمصورين بالتصوير في‮ ‬بدء الجلسة فقط،‮ ‬ومن ثم‮ ‬يتوجهون الى شرفة الإعلاميين للتصوير والمتابعة ولا‮ ‬يسمح لهم بالتواجد داخل القاعة إلا في‮ ‬أضيق الحدود بعد أخذ الموافقة‮.‬
لا أفهم من‮ ‬يدعي‮ ‬انه مدافع عن قانون مستنير للصحافة،‮ ‬ومن جانب آخر‮ ‬يريد ان‮ ‬يدفع باتجاه التضييق على الصحافة من خلال حرمان المواطن من مشاهدة الصورة التي‮ ‬يكون لها بالغ‮ ‬الاثر في‮ ‬معرفة ما‮ ‬يحدث في‮ ‬البرلمان وخلال الجلسة‮.‬
التفكير في‮ ‬هذا النوع من التضييق على المصورين امر مستهجن،‮ ‬ونطالب ان‮ ‬يرفضه النواب خصوصاً‮ ‬من‮ ‬يحق لنا ان نسميهم بأصدقاء الصحافة‮.‬

صحيفة الايام
7 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

عراكٌ لا جدل حول السفارة

منذ أن ظهرت جماعة التجديد من أقبية السجن المكلل بالمعاناة وهي محط اشتباه عند الغالبية العظمى من الجماعات السياسية الشيعية، بسبب النشأة الغامضة للجماعة في أتون السجن ودعوتها لأشياء جديدة لا تتوافق مع الجو السياسي العاطفي الساخن لدى هذه الأغلبية. ظل أصل النشأة غامضاً، لكون الجماعة لم تصدر شيئا تاريخيا بهذا الصدد، فظهرت شائعات كثيرة أغلبها يربطُ الجماعةَ بمؤامرة بهدف زعزعة الصف الشيعي المتماسك الموحد. واعتبرت هذه الشائعات أن تكوينَ جماعةٍ سياسية تزعمُ الاتصالَ بالمهدي وأنها طليعة لقدومه العظيم، هو خطة مدبرة دقيقة، ولكن ما قـُدم من قبل الرافضين لهذا التشكل لا يعدو أشياء عجائبية لا يصدقها العقل، مثل أن زعيم الجماعة كان يُظهر معجزات بالاتفاق مع إدارة السجن، لكي يرتفع في نظر اتباعه القلة وقتذاك، الذين تضاعف عددهم بعد الخروج من السجن.
وإذا كان ذلك صحيحاً على هذا الافتراض فإنه من الصعب التصديق بأن هذه الجماعة هي مؤامرة بهذه الطريقة، فقد توجهت لإنتاج الفكر وإصدار الكتب وعقد الندوات وتوفير أجواء من البحث، من دون أن تكون كل هذه الثمار المتنوعة بمثابة (مؤامرة). ولا يمكن لمشعوذ مهما كانت قدراته أن يخلق تيارا فكريا. وإذا قال معارضو جماعة التجديد: إنها مؤامرة موجهة لتفتيت الصف الشيعي فإننا لم نجد شيئاً مسيئاً للشيعة أو لغيرهم من المسلمين في هذه الأدبيات. أما إذا قيل: إنها جماعة موالية للسلطة فلماذا لا يُسمح بظهور جماعات سياسية موالية للسلطة؟ ولماذا لا تظهر جماعاتٌ أخرى محافظة معارضة؟ لكن لا توجد كذلك أدلة على موقف سياسي محدد لجماعة التجديد، فهي أقرب لجماعة فكرية تتسم بمرونة سياسية وببعد نظر ثقافي ولا تحشرُ نفسَها في زاوية، صحيح أن أطروحاتها الاجتماعية ضد الفقر والبطالة والاستغلال غير مرئية، لكن ذلك أيضاً هو موقف اجتماعي هي حرة في انتهاجه. والمهم هنا أنها تدعو إلى أفكار بالكلمة وهذا هو المميز، أما المواقف الفكرية فلها حساب مختلف. إنها تطرح الاختلاف وتجتهد في البحث وهذا لا يضر أحداً لأن القضاء على الفكرة يتم بالفكرة لا بالقبضات القوية والعصي. وتبدو الجماعات الكبيرة المعادية لجماعة التجديد في وضعها الفكري المحافظ غير راغبة في اثارة أي جدل فكري، وهي تغلق الأبواب في بحث تاريخ الأديان والأفكار، وهذا ليس من حقها، بل من واجبها إطلاق حرية البحث حتى فيما يتعلق بالمذهب الشيعي نفسه، فهو ملكٌ للمسلمين وليس فقط حكراً عليها. لكن جماعة التجديد في كتبها وأوراق بحوثها الكثيرة ومقالات أعضائها تتجنب الصراعات وتمتنع عن الإثارة كما هو الحاصل في بقية التيارات، ربما لإدراكها صعوبة مثل هذه الإثارة في وسط ديني محافظ، كما أن خطوات التجديد في الوعي الديني بحاجة إلى الحصافة وبعُد النظر والهدوء، فهذه مقدسات الناس وليست تجارة بضائع، وهو ما التزمت به الجماعة. وهي لها حق الاجتهاد والتأويل في الموروث الديني من دون أن تلزم غيرها به كذلك. ونريد من يتهم هذه الجماعة بذلك أن يضع بين أيدينا دليلاً على إساءة الجماعة لرمز من الرموز الدينية، أو تحقيرها لعبادة وسوى ذلك من الأدلة، أما الاتهامات الجزافية فهو أمر خطر. ان التركيز في لفظ (السفارة) وان الجماعة تزعم الاتصال بالمهدي عليه السلام وانها تمهد لعودته وغير هذا من الافتراضات، فلا يوجد دليل ملموس حول ذلك. لكن إذا خرجت الجماعات من أفق هذا التفكير النصوصي، ورأت ان رمزية المهدي أوسع من هذه المحدودية، وأنها رمزية خلقت ثورات فكرية وخصباً جدلياً وثقافياً كبيرين، فكم من ثائر قال ذلك، وكم من حركات في التاريخ الإسلامي الطويل نشأت على هذا التداخل بين الغيبي والواقعي، بل ان التاريخ الثقافي الشيعي نفسه مليء بمثل هذه الحركات. وفي الثقافة السنية اندلعت ثورات كبرى وتشكلت مقاومة وطنية باسم المهدي، وكل هذا بسبب هذه الرمزية المتعددة الآفاق والاحتمالات، فيجب ألا تـُؤخذ بحرفية نصوصية وبانعدام للخيال الخصب والتأويل. ومن المؤكد أن رمزية الاتصال تعني تشكيل موقف سياسي ويجد القائمون على احتكار المعنى الرمزي أنه يجب ألا ينازعهم منازعٌ في هذا الاحتكار، ثم تم تحويل الصراع مع جماعة التجديد إلى هذه الجزئية الصغيرة وتم شحن العواطف حولها، ونسيان الجوانب الثقافية الأخرى، مما يؤدي إلى تحريض البسطاء الذين لا يعرفون أن المسألة ثقافية واجتماعية كبيرة، ذات أبعاد معقدة ومركبة، فيتم التركيز في تفصيل هدم المقدس والاعتداء على حرمة الدين. وحتى لو أن جماعة التجديد توجهت لهذا الهدم المزعوم فهل تستطيع أن تفعل شيئاً؟ هل تستطيع أن تزيل حجراً واحداً من هذا الإيمان؟ بطبيعة الحال هذا غير ممكن، ولهذا ما الداعي للخوف والتناحر؟
 
صحيفة اخبار الخليج
7 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

مرتبات وثروات رؤساء الدول

في شهر يونيو من العام الجاري 2008 نشرت صحيفة الشرق الاوسط السعودية تقريرا صحفيا عن مرتبات زعماء دول العالم لكن هذا التقرير تضمن قائمة بأسماء الزعماء الثمانية الذين يتقاضون اعلى المرتبات، حيث جاء في المرتبة الاولى رئيس الوزراء السنغافوري لي هسيان لونج بمرتب سنوي قدره 05،2 مليون دولار، واحتل المرتبة الثانية رئيس الوزراء الايرلندي برايان كوين بمرتب سنوي قدره 434 ألف دولار، وجاء الرئيس الامريكي جورج بوش في المرتبة الثالثة بمرتب قدره 400 ألف دولار، واحتل رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون المرتبة الرابعة بمرتب قدره 324،371 ألف دولار، ثم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بمرتب سنوي قدره 346 ألف دولار، ثم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بمرتب قدره 318 ألف دولار، ثم رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين بمرتب 81 ألف دولار، ثم الرئيس اللبناني ميشال سليمان بمرتب قدره 200،67 ألف دولار، وأخيرا الرئيس البوليفي ايفور موراليس بمرتب قدره 600،21 ألف دولار.
واللافت في القائمة المذكورة انها خلت من مرتبات جل الاقطاب العرب، وعلى الاخص الخليجيون منهم باستثناء الرئيس اللبناني سليمان، علما بأن ترتيب قائمة الزعماء الثمانية الأعلى في المرتبات عالميا هي من حيث الاجور الفعلية الرسمية التي يتقاضونها من ميزانية الدولة ولا تشمل بطبيعة الحال ثرواتهم الخاصة، كما ان احجام هذه المرتبات من حيث قيمتها الفعلية ينبغي ألا تقاس من حيث من هو صاحب الرقم الاعلى في الاجر بالدولار إذ ان حجم اقتصاد الدولة وحجم التضخم ومستوى المعيشة واسعار السلع ومستوى المداخيل والقيم الثقافية الاستهلاكية السائدة كلها امور ينبغي اخذها في الحسبان، وهو ما اكد عليه الاقتصادي اللبناني محمد زبيب في تعليقه على القائمة المذكورة. ولكن من اللافت أيضا ان جميع اسماء الزعماء الثمانية المتقدم ذكرهم ينتمون إلى دول ديمقراطية متفاوتة المحتوى والعراقة وبضمنهم زعيم الدولة العربية الوحيدة في القائمة الرئيس اللبناني ميشيل سليمان. وبمقارنة هذه القائمة الخاصة بالمرتبات الاعلى عالميا لزعماء ثماني دول في العالم والذين لا يوجد لبعضهم من دخل آخر سوى المرتب اصدرت مجلة فوربس في أواخر الشهر الماضي قائمة بأثرى 15 شخصية حاكمة في العالم فجاءت المفاجأة ان واحدة من افقر دول جنوب شرقي آسيا، وان كانت تعد من النمور الآسيوية، احتل ملكها بوميبول ادولياديج المرتبة الأولى بثروة قدرها 35 مليار دولار، في حين جاء ملك واحدة من الدول الافريقية مسواتى الثالث في ذيل القائمة بثروة قدرها 200 مليون دولار وهو المعروف بنشر صحافة العالم تقارير عن فساده وكثرة زواجه من الصبايا (13 زوجة)، وقد احتل المرتبة الثامنة واحد من زعماء افقر الدول المغاربية العربية بثروة قدرها مليار ونصف المليار. وفي حين جاء اربعة من زعماء دول مجلس التعاون ضمن المراكز السبعة الأولى من بينهم رئيس دولة ورئيس وزرائه، وجاء زعيم خليجي ضمن المركز العاشر وتدرجت ثرواتهم حسب الترتيب من 23 مليار دولار وهو حجم ثروة رئيس الدولة الخليجية التي جاءت في المرتبة الثانية في القائمة، ثم 21 مليار دولار (حجم ثروة الدولة الخليجية التي جاءت في المرتبة الثالثة) ثم 18 مليارا (الترتيب الخامس) حجم ثروة رئيس وزراء ذات الدولة الخليجية التي جاء رئيسها في المرتبة الثانية، ثم 2 مليار دولار حجم ثروة الدولة الخليجية التي جاء أميرها في الترتيب السابع. وهكذا فان خمسة زعماء من دول مجلس التعاون، من ضمنهم رئيس دولة ورئيس وزرائه معا، جاءوا ضمن المراكز السبعة الاولى في القائمة في حين خلت القائمة تماما من دولتين خليجيتين هما الكويت والبحرين وهما الدولتان الوحيدتان اللتان تتبنيان شكلا من اشكال النظم الديمقراطية. في تقرير القائمة الاولى الخاص بقائمة زعماء العالم الاكبر في المرتبات يشير إلى ان جوردون براون سيرفض العلاوة على مرتبه هذه السنة تضامنا مع الشعب البريطاني في محنة الغلاء، وانه سيطلب من وزرائه فعل ذلك ايضا، هو الذي لا يقارن مرتبه السنوي البتة بحجم ثروات الزعماء العرب الذين وردت اسماؤهم ضمن قائمة اثرى 15 شخصية حاكمة في العالم التي نشرتها مجلة فوربس الامريكية. ومع ان لا أحد ينكر ما يقدمونه من تبرعات لشعوبهم وبخاصة شرائحها الفقيرة، لكن نخشى ان نقول إنه لو صدرت قائمة عالمية بأكثر زعماء العالم الاثرياء سخاء في التبرعات تجاه شعوبهم لربما جاء زعماؤنا العرب في ذيل القائمة مقارنة برؤساء وملوك الدول الديمقراطية الذين خلت منهم تماما قائمة اثرى 15 شخصية حاكمة في العالم باستثناء ملكة بريطانيا وملكة هولندا، وذلك إذا ما نظرنا لبعض رؤساء الدول الديمقراطية كيف يؤثرون التبرع بأجزاء من مرتباتهم وعلاواتهم من اجل شعوبهم خلال موجة الغلاء العالمية المسعورة الحالية التي تجتاح دول العالم كافة.
 
صحيفة اخبار الخليج
7 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

هل هي‮ ‬قرية كونية؟‮!‬

‬كان مارشال ماك لوهان بين أوائل من تحدثوا عن‮ » ‬القرية العالمية‮«‬،‮ ‬وسرعان ما جرى تداول هذا المصطلح على نطاق واسع في‮ ‬أرجاء المعمورة،‮ ‬بل أن‮ “‬أطراف‮” ‬النظام الرأسمالي‮ ‬العالمي،‮ ‬تمييزا لها عن مركزه،‮ ‬صارت تروج لهذه المقولة بحماسٍ‮ ‬شديد مصدقة إنها مُحتواة بالفعل داخل هذه القرية،‮ ‬وأن لها من الحقوق والواجبات ما لدى سكان القرية الآخرين‮.‬ التكنولوجيا الحديثة،‮ ‬خاصة تكنولوجيا المعلومات ووسائطها‮: ‬الكمبيوتر وشبكة الانترنت ومحطات التلفزة التي‮ ‬تبث عبر الأقمار الصناعية مع اندثار أو قرب اندثار البث الأرضي‮ ‬قادرة على خلق هذا الوهم وتزييف الوعي‮.‬ ‮ ‬هذه الوسائط تحجب تلك الفوارق الجوهرية بين الواقع،‮ ‬من حيث هو واقع بشر من لحمٍ‮ ‬ودم وأفكار ومصالح متضادة،‮ ‬وبين الواقع الافتراضي‮ ‬الذي‮ ‬يوحي‮ ‬بنهاية جغرافية المكان،‮ ‬ونشوء جغرافيا جديدة خالية من الحدود،‮ ‬أو لا تحدها حدود‮.‬ إزاء هذا الكرنفال الواسع من النشوة بسقوط الواقع نفسه أمام سطوة الواقع الافتراضي،‮ ‬يجري‮ ‬إغفال حقيقة أن المتمكنين من استخدام وسائط هذا الواقع البديل،‮ ‬يظلون أقلية وسط الأغلبية الساحقة في‮ ‬هذا العالم الواسع من ذوي‮ ‬الثقافات والانتماءات العرقية والدينية الذين ما زالوا أبعد ما‮ ‬يكونوا من أن‮ ‬يتحولوا إلى سكان قرية صغيرة‮ ‬يعرفون بعضهم بعضاً‮. ‬ ثمة إحصائية استشهد بها الدكتور علي‮ ‬اومليل في‮ ‬إحدى دراساته عن الموضوع فحواها أن نصف سكان الأرض لا‮ ‬يملكون حتى الهاتف‮ ‬،‮ ‬فكيف لنا أن نتخيل إمكانية استيعابهم في‮ ‬هذه القرية الكونية المفترضة طالما كانوا على هامشها؟ إن التقانة الحديثة،‮ ‬كما كان الحال فترة الثورة الصناعية،‮ ‬هي‮ ‬وسائل سيطرة ونفوذ بيد القوى الكبرى،‮ ‬القوى النافذة القادرة على إخضاع العالم ونهب ثرواته وغزو أسواقه ببضائعها‮. ‬ وتجير هذه القوى الانجازات العلمية الكبرى لتحقيق الأهداف الخاصة بها،‮ ‬خاصة وان ما‮ ‬يعرف بالاقتصاد الجديد القائم على منجزات الثورة المعلوماتية والوسائط الرقمية‮ ‬يشكل الآن حوالي‮ ٠٨‬٪‮ ‬من الناتج العالمي‮ ‬الخام،‮ ‬حيث‮ ‬يجري‮ ‬دمج البحث العلمي‮ ‬في‮ ‬الاقتصاد،‮ ‬لا بل وإعطائه دوراً‮ ‬قيادياً‮ ‬فيه ليذهب به نحو اكتشافات ومواقع جديدة‮.‬ وهو أمر‮ ‬يعني‮ ‬أن البلدان المتخلفة،‮ ‬مهما سعت لمجاراة العالم المتقدم ستظل متخلفة،‮ ‬وتكفي‮ ‬الإشارة إلى أن حصة البحث العلمي‮ ‬في‮ ‬العالم العربي‮ ‬لا تتجاوز ‮١‬،‮٠‬٪،‮ ‬فيما تبلغ‮ ‬في‮ ‬الدول المتقدمة نسبةً‮ ‬تفوق ‮٣‬٪‮. ‬ هذه النتائج المتناقضة للتدويل الاقتصادي‮ ‬لا تنسحب على البلدان النامية وحدها،‮ ‬وإنما تترك آثارها السلبية على المجتمعات المتقدمة ذاتها،‮ ‬فحسب بعض المعطيات فان شركات أمريكية كبرى تُشغل،‮ ‬وعن بُعد،‮ ‬مهندسين وخبراء تقنية،‮ ‬من الهند مثلا،‮ ‬بأجورٍ‮ ‬أدنى بكثير من تلك التي‮ ‬يطلبها نظراؤهم الأمريكان الذين‮ ‬يطالبون أيضا بضمانات اجتماعية أخرى،‮ ‬مما‮ ‬يوفر لهذه الشركات أرباحاً‮ ‬مضاعفة،‮ ‬ويدفع بأعدادٍ‮ ‬كبيرة من الخبراء نحو البطالة‮.‬ ‮ ‬العولمة لا تجلب الثراءَ‮ ‬وحده،‮ ‬وهي‮ ‬لما تزل قارات متضادةً‮ ‬من المصالح وليست قرية كونية للتكافل.
 
صحيفة الايام
7 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

الفرار أم الردى؟‮!‬

يبدو ان الصراع بين الفلسطينيين على السلطة هو التناقض الأساسي‮ ‬بينما بات الصراع مع العدو الإسرائيلي‮ ‬صراعا ثانويا ومؤجلا حتى إشعار آخر،‮ ‬مما جعل حكومة اولمرت ومن سيأتي‮ ‬بعدها مرتاحة في‮ ‬تعاملها مع ملف القضية الفلسطينية،‮ ‬طالما أن هناك على الأرض سلطتين قائمتان تتنازعان على شرعية قيادة الشعب الفلسطيني،‮ ‬وتتصارعان حتى الدم على ابسط موقع عائلي‮ ‬وفصائلي‮ ‬في‮ ‬إحدى الضفتين أو القطاعين،‮ ‬في‮ ‬وقت كثيرا ما أسمعتنا قيادات الشعب الفلسطيني‮ ‬اسطوانة باتت مهترئة،‮ ‬وهو إن الدم الفلسطيني،،‮ ‬خط احمر،،‮ ‬وعليهم حاليا وبعد جولات من التصفيات والملاحقات وأنماط التعذيب والخطف وغيرها من الممارسات التي‮ ‬لا تضيف للقضية إلا صورة من صور التشويه لدى الإعلام والمراقب الخارجي،‮ ‬فنحن العرب حالتنا من حالة الشعب الفلسطيني‮ ‬واعتدنا على وضعه المحزن منذ زمن النكبة،‮ ‬بل والنكبات وآخرها نكبة النزاع المؤلم والتراجيدي‮ ‬في‮ ‬حي‮ ‬الشجاعية،‮ ‬والذي‮ ‬جعل من المشهد السياسي‮ ‬في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة‮ ‬يفوق كل المشاهد المسرحية الإغريقية من التراجيديات المكتوبة والمفارقات العجيبة،‮ ‬فقد طغت سنة حمورابي‮ ‬في‮ ‬منهج الإخوة الفلسطينيين،‮ ‬فالعين بالعين والسن بالسن والبادي‮ ‬اظلم،‮ ‬فمن‮ ‬يخطف مني‮ ‬في‮ ‬الضفة الغربية اخطف منه في‮ ‬قطاع‮ ‬غزة ومن‮ ‬يقتل في‮ ‬غزة اقتل منه في‮ ‬الضفة الغربية ومن‮ ‬يعتقل ويقتل في‮ ‬غزة لا ارحمه في‮ ‬الضفة الغربية‮ . ‬بهذا المنهج القتالي‮ ‬الانتقامي،‮ ‬الفصائلي‮ ‬والانفعالي،‮ ‬ذي‮ ‬الطابع القبائلي‮ ‬الثأري‮ ‬يدخلنا المتنازعون في‮ ‬منطق لم تكن تعرفه الثورة الفلسطينية في‮ ‬أزمنة ما،‮ ‬وان كان في‮ ‬بعض الأحيان‮ ‬يطل برأسه في‮ ‬المخيمات اللبنانية،‮ ‬ولكن الظرف السابق ونتيجة لحضور قيادات رمزية قوية ومؤثرة من نوع أبو جهاد وأبو عمار وغيرهما،‮ ‬فان احتواء كل حالة من حالات الاقتتال الداخلي‮ ‬لم‮ ‬يكن صعبا،‮ ‬بل ولم تكن‮ ‬يومها هناك سلطة على الأرض ولا حلم لميراث الثروة والمقعد والزعامة الرسمية،‮ ‬بكل مخصصاتها ومستحقاتها المالية وامتيازاتها الاجتماعية والمهنية‮ . ‬
يوم ذاك ظل التطاحن ثقافة اقل بشاعة واحتمالا مما هو اليوم،‮ ‬فقد سيجت الحالة الفلسطينية نفسها في‮ ‬القطاعين بسيكولوجية عامة،‮ ‬متذمرة وشعبية كطرف ثالث لا تعجبه هذه الحالة،‮ ‬فيما ظلت بعض من الآلية الحزبية والعمياء للعناصر الملتزمة بالتنظيمين حماس وفتح،‮ ‬كوادر مسلحة وقيادات،‮ ‬فهي‮ ‬توزع تعليماتها المعلنة والسرية في‮ ‬الضغط على الزناد أو ارتداء الأقنعة واللثام والهجوم على خلق الله،‮ ‬مما افرز وضعا لا‮ ‬يمكن تركه بتلك الطريقة عربيا،‮ ‬فمن‮ ‬يراهنون على إسرائيل والولايات المتحدة في‮ ‬التدخل لفض النزاعات الداخلية الفلسطينية‮ – ‬الفلسطينية‮ ‬يتجاهل بكل بساطة نظرية الثقاب وعلبة البنزين،‮ ‬فكلاهما في‮ ‬الغابة‮ ‬يحملهما شخص واحد‮ ‬ينوي‮ ‬إحراق الغابة والنفاذ بجلده،‮ ‬لهذا نجد الغابة الفلسطينية مشتعلة باستمرار،‮ ‬متوترة دون مخارج،‮ ‬متأزمة دون معالجات جادة،‮ ‬متشظية دون تنازلات للصالح العام والوحدة الوطنية،‮ ‬بالرغم من إن شعار المتصارعين‮ – ‬كلاميا وبرتوكوليا وفي‮ ‬حظوة الوساطات العربية‮ – ‬بما فيها اتفاق مكة كونه في‮ ‬ارض مقدسة‮ – ‬لم‮ ‬يتم الالتزام به فتم سكب الدم من الطرفين بدم بارد،‮ ‬ويبدو أن الدم البارد عند الانفعال‮ ‬يتحول حارا متدفقا وكلما استطعم لذة الانتقام والقتل صار الدم باردا‮ – ‬بمعناه المجازي‮- ‬فما عادت الإخوة والقضية كل شيء وما عاد العدو الجاثم في‮ ‬الأرض وفي‮ ‬كل مخافر ومعابر الكيان والاستيطان‮ ‬يعني‮ ‬شيئا أبدا كلما انطلقت زخات الرصاص‮ .‬
‮ ‬ما نتج عن اقتتال حي‮ ‬الشجاعية ليس صدفة ولا أمرا‮ ‬غير محتمل،‮ ‬فمنطق الممارسات والنزاع والتوترات،‮ ‬كانت نتيجته منتظرة،‮ ‬ولكن ما لم‮ ‬يكن منتظرا حالة أبو فراس الحمداني‮ ‬عندما كان في‮ ‬وضع الخيار بين الفرار أو الردى،‮ ‬فلم‮ ‬يجد إلا أن‮ ‬يقول لنا،،‮ ‬هما أمران أحلهما مر،،‮ ‬لهذا حمل الفلسطينيون الفارون أنفسهم إلى حضن العدو بدلا من حضن الإخوة،‮ ‬فقد زاد منسوب العداء بل وزاد منسوب الدم في‮ ‬الحاضنة الفلسطينية،‮ ‬فقدم الهاربون مثالا جميلا للإعلام الإسرائيلي‮ ‬وللمراقبين الدوليين،‮ ‬عن إن إسرائيل الصدر الحنون للهاربين والحضن الدافئ للمأساة،‮ ‬فبدت الحضارة وثقافة الدم والقتل بين واقعين إسرائيلي‮ ‬وفلسطيني،،‮ ‬أمران أحلهما مر‮ !!‬،،‮ ‬أمران لا‮ ‬يحسد عليه الإخوة في‮ ‬فتح وحماس،‮ ‬إذ صار الهروب صدمة للطرفين وكلاهما لو استيقظتا جيدا وانتبهتا جيدا للحالة،‮ ‬فانه‮ ‬يسيء لسمعة البيت الفلسطيني،‮ ‬بدلا من أن‮ ‬يضيف لهما خيلاء السطوة والقوة واستعراضهما في‮ ‬كلا القطاعين،‮ ‬من هو أقوى هناك أقوى هنا،‮ ‬فلا تلعبوا معي‮ ‬لعبتكم،‮ ‬هكذا تراشق الصغار بالرشاشات والكبار بالتصريحات،،‮ ‬فاستعذبنا،،‮ ‬نحن العرب بخيبتنا ونكباتنا المتتالية نكبة تلو نكبة‮ .‬
‮ ‬بهذا الصمت وتلك المأساة المضحكة بات الوضع الفلسطيني‮ ‬اليوم،‮ ‬سواء في‮ ‬غزة أو في‮ ‬الضفة ترجمة للتمزق وعنوانا كبيرا دوليا،،‮ ‬للرأفة الإسرائيلية وحضارتها،‮ ‬في‮ ‬وقت كان العالم‮ ‬يتحدث عن انتهاك إسرائيل للأطفال الفلسطينيين في‮ ‬سجونهم‮!
 
صحيفة الايام
7 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد

هكذا‮ ‬ينظرون إلينا‮..‬


يقول الصحفي الأمريكي توماس فريدمان في مقال له بعنوان أمريكا والعجز الثلاثي ” إن ارتفاع سعر برميل النفط إلى 200 دولار يعني أن (أوبك) يمكنها شراء (بنك أميركا) بحصيلة شهر واحد، وشركة (أبل) للكمبيوتر بحصيلة أسبوع، و(جنرال موتورز) بحصيلة ثلاثة أيام “.
 والمعروف إن الإيرادات النفطية في جميع الدول الخليجية تشكل ما نسبته 80٪ من دخل الخزينة – تزيد أو تنقص قليلا – وتعد البحرين ضمن هذه المنظومة.
الرقم الحقيقي لهذه الوفرة يتباين من مصدر لأخر، التنظيمات والقوى السياسية المعارضة تقول رقما كبيرا والمصادر الرسمية تقرر رقما اصغر.
 النائب البرلماني الاقتصادي د. جاسم حسين يقول إن دخل الموازنة ارتفع بنسبة ٣٢٪ في عام 2007 بسبب ثورة أسعار النفط الجديدة. وحتى إذا افترضت المالية سعرا منخفضا لبرميل النفط لا يتجاوز الأربعين او الخمسين دولارا فإن الوفرة لافتة وموجبة للسؤال في أوجه إنفاقها والقطاعات الأكثر استفادة منها ومدى استفادة الشرائح الكبرى من مردودها.  لكن الوفرة النفطية ترافقت مع موجة الغلاء العالمي والمحلي وارتفاع نسب التضخم التي جعلت النقود عملة ترابية لا تساوي شيئا خصوصا في التعاطي مع أسعار العقار والأراضي، والواقع إن الحكومة فتحت الباب على مصراعيه للتملك والاستثمار الخارجي في كل بقعة من هذه الأرض ولم يقتصر الأمر على البحار والسواحل الأعلى سعرا، بل طالت حتى امتدادات القرى والمدن المخصصة من البداية وضمن المخطط الهيكلي العام للإسكان، المواطن العادي البسيط ذو الدخل المتوسط أو المحدود ضاعت كل فرصه في ملاحقة هذا الصعود الجنوني والمضاربات في أسعار العقار، وان كان السكن يلتهم ثلث المدخول وفق دراسة محلية أجريت قبل سنوات، فكم سيكون نصيب السكن اليوم مع صعود العقار؟


مع ذلك نقول إن دعم الجانب القطاع السكني ومساعدة المواطن على الوقوف على قدميه ممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية وجرى تحديد المدن الإسكانية الشعبية الراهنة والمستقبلية وتطويقها بأسوار من القوانين والتشريعات والمعلومة الصحيحة من اجل حمايتها من التعدي ولجم شهوة الاستحواذ لدى البعض، كذلك ودعم موازنة الإسكان ورفع مبالغ القروض.


إن أسعار السلع المستوردة خارج أيدينا، لكن إيجاد حلول إسكانية في الداخل لا يزال متاحا وممكنا، وفي ندوة الغلاء التي أقامها عدد من الاقتصاديين في مجلس احمد جناحي مؤخرا طالب المنتدون بزيادة الأجور وقصر الدعم على المواطن المستحق سواء في الغذاء أو الوقود أو الرسوم والضرائب، وفك ارتباط العملة المحلية بالدولار وتوسيع فرص العمل الخاص ودعم السلع للأسر المحتاجة بالكوبونات الغذائية المعمول بها في أمريكا والشراء الموحد للسلع الحيوية كالأدوية التي تقصم ظهر المرضى.


قالوا بأهمية رفع المستوى الاقتصادي بشكل عام وليس مجرد رفع الأجور ذلك إن رفع المستوى الاقتصادي يعني سلة معالجات متكاملة ترفع حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مع ايلاء الاعتبار لأوضاع الفئات الدنيا في المجتمع.  
في البلد السائر على المنظومة الرأسمالية والمعولمة والالتزام باتفاقيات منظمة التجارة العالمية وحرية السوق وغيرها تعني أيضا خلق المواطن المعولم ذي الحقوق المعولمة والأجور المعولمة والحريات الديمقرطية والنقابية المعولمة وليس التشدق بجانب دون أخر أو القول بعدم التدخل وترك قوى السوق والقوى المسيطرة تأخذ مجراها الطبيعي وتتحكم في الأسعار، في الندوة طالب البعض بإقامة حوار وطني اقتصادي سياسي موسع لمعالجة تداعيات المشهد الاقتصادي الجديد وتأثراتها على المواطن.


 واللافت أن المماحكات الرسمية حول كوادر المهنيين والتخصصين في كل وزارة حكومية تلقى التعنت ذاته سواء في زمان الرخاء والازدهار او التراجع، لكن دخل الخزينة هو المعبر الحقيقي عن وضع الدولة الاقتصادي وانسحاب هذا الازدهار على جميع الشرائح خير معبر عن جدية الإصلاح وتدارك الحلقات الأضعف في المجتمع ورفع مستواها المعيشي.


من غير المقبول أن تتذرع الدولة بعدم القدرة على تحسين الكوادر المهنية في هذه الفترة بالذات، إن التحول الديمقراطي يبدأ من الخزينة ومن المساواة في توزيع الموارد ومن استجابة الموازانات للنهضة المجتمعية الشاملة، ومن عدم إغفالها للأضعف والأكثر حاجة والأقل تمكينا، أما علاوات الغلاء وبدل السكن ومساعدات التنمية الاجتماعية فلا تعدو كونها مسكنات مؤقتة لم تعد تليق بدول الخليج المصنفة اليوم من أهم الدول الغنية والناشطة اقتصاديا.



الأيام  4 سبتمبر 2008

اقرأ المزيد