المنشور

جمعية العمل وأمانتها المركزية بين الواقع والطموح

إن خطوة استحداث منصبين قياديين لدى (جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد«) وهما منصب الأمين العام للجنة المركزية الذي كان يشغله المناضل عبدالرحمن النعيمي، الذي نتمنى له الشفاء والصحة. ومنصب الأمين العام لجمعية العمل الوطني الذي يشغله الاستاذ ابراهيم شريف الذي فاز بالتزكية لولاية أخيرة خلال المؤتمر الرابع للجمعية الذي عقد في 27 يونيو 2008م.. هي خطوة جاءت امتدادا وتماشيا للاقتراح بقانون بشأن الأحزاب السياسية، الذي طرحته كتلة النواب الوطنيين الديمقراطيين على مجلس النواب خلال الفصل التشريعي الأول.
لقد تميزت خطوة جمعية العمل الوطني باستحداث (منصب الأمين العام للجنة المركزية) عن سائر الجمعيات السياسية الأخرى في مملكة البحرين، التي جميعها اقتصرت أدوار قياداتها على (الأمين العام لهذه الجمعية أو الجمعية الأخرى تلك).. بجانب (المكتب السياسي) المنتخب من اللجنة المركزية.. ولعل ما نفخر به قولا بهذا الصدد ان خطوة جمعية العمل الوطني السالفة الذكر.. هي خطوة وطنية ومبدئية تنسجم مع تاريخ الحركات الوطنية في البحرين والمتمثلة في (هيئة الاتحاد الوطني وجبهة التحرير الوطني وجبهة تحرير الخليج والجبهة الشعبية).. مثلما تتماشى هذه الخطوة الوطنية والمبدئية وأنظمة تشكيل الأحزاب السياسية التي هي جوهر النظم الديمقراطية.. وبحسب ما تعبر العضوية لدى الجمعية عن المعايير النوعية والكيفية، وما يتمخض عن مختلف شروطها الأرقى والأفضل، وأنظمتها الإدارية ولوائحها التنظيمية ولجنتها المركزية ومكتبها السياسي ولجانها الثقافية والاجتماعية والفكرية والسياسية الأدبية القائمة على مبدأ تكريس المسئولية الوطنية والمبدئية، ومضاعفة المهمة المجتمعية والسياسية والديمقراطية، إيمانا بمبدأ الالتزام الفكري والانتماء الأيديولوجي. ولعل ما يبعث على فخر الجميع أن الأمين العام للجنة المركزية لجمعية العمل الوطني المناضل عبدالرحمن النعيمي، الذي انتخب من بعده مؤخرا الاستاذ إبراهيم كمال الدين أمينا عاما للجنة المركزية.. هو أن الأب الروحي لجمعية العمل المناضل عبدالرحمن النعيمي قد انتخب لهذا المنصب الرفيع كتكليف لا تشريف لعوامل تعود أسبابها الجوهرية، أنه كان المناضل الأول والمناضل المميز والمناضل الفريد والمناضل الذي استحق ان يطلق عليه تسمية (الأب الروحي لمناضلي الجمعية ومناضلي الجبهة).. ولكونه اتسم بصفات انسانية ونضالية يفتقدها الكثير من الآخرين.. فهو الذي تميز بصفحة النضالات المضيئة وتألق بـ (مشاوير) ودروب التضحيات الرائعة.. لكونه كان شديد البأس، شامخ الرأس، قوي الإرادة، ثابت الخطوت، راسخ النهج، متألق التاريخ الوطني، قادرا على سبر الواقع ومحللا للأحداث، كفاءة بتسطير التاريخ حاضرا مثلما خلقه ماضيا، معروفا بالحزم والبسالة، متوقد الذهن قوي البصيرة، عميق الحصافة، نير الفكر، ناضج الوعي، بليغ الإدراك، حاضر البديهة، فطين الكلام، متواضع الحديث واللسان، مناضلا من أجل الوحدة الوطنية، نابذا للتعصب بجميع أشكاله الطائفية والفئوية والحزبية، مالك الحجة والبرهان والدليل، طويل الباع وعميق الخبرة والممارسة، أسمى بنفسه ومكانته وارتقى باسمه وسمعته وسلوكاته، فأصبح موضع ثقة جميع من حوله ومن رفاقه. إن هذه الصفات الإنسانية والنضالية، وهذه المميزات الفكرية والمبدئية، وهذه القيم الأخلاقية والسلوكية التي تحلى بها المناضل عبدالرحمن النعيمي، وتجلى بها بكل ما تحمله الكلمة من معاني صدق ومصداقية التضحيات الكبرى، هل سنجدها فيمن سيخلفونه في تبوؤ المنصب الرفيع والمسئولية الكبرى؟ وهل ما أسلفناه من سيرة ذاتية للمناضل عبدالرحمن النعيمي تنطبق أو تنسحب على من جاء وأتى من بعده بصياغة الشخصية المناضلة المنشودة من أجل حمل المسئولية التاريخية الكبرى على أكتافه وتحمل المهمة الوطنية على كواهله؟ هل اللجنة المركزية لجمعية العمل الوطني برئاسة الاستاذ ابراهيم كمال الدين ستكون على درجة من الكفاءة والجدارة.. بدلا من انقيادها وراء تنظيمات تيار الإسلام السياسي أو إيمانها بما يرفع من شعارات إسلامية من خلال مرجعيتها الدينية؟ هذه الأسئلة ستظل أجوبتها معلقة في الهواء، ما لم يثبت الأمين العام الجديد للجنة المركزية كفاءته. إنه من الأهمية بمكان القول إنه حينما أسلفنا الذكر بعدم انجرار جمعية العمل وراء تنظيمات تيار الإسلام السياسي، فإن هذه المناشدة تأتي انطلاقا من إيمان المناضلين الحريصين الوطنيين التقدميين والديمقراطيين على مكانة (جمعية العمل الوطني الديمقراطي) والذود عن هويتها وتاريخها، والحفاظ على التوازن ما بين استقلاليتها (فكريا وأيديولوجيا) وما بين (نشاطاتها وفعالياتها السياسية والقواسم الوطنية المشتركة)..والإيمان بأسبقية (القضايا المبدئية على القضايا السياسية).. بقدر مناشدة المخلصين الأمين العام الجديد للجنة المركزية ابراهيم كمال الدين أن يخرج جمعيته من الشرنقة التي تحاصر جمعية العمل الوطني، ضمن إطار التحالف الرباعي الذي يهيمن عليه تيار الإسلام السياسي.. وبحسب إقامة التحالف بالمقابل مع التيار الديمقراطي وخاصة (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي).. فهذا هو المخاض العسير من الدرس العظيم للأمين العام للجنة المركزية السيد ابراهيم كمال الدين في أن يثبت جدارته ويؤكد كفاءته، بعيداً عن التعصب الفئوي أو الحزبي أو الطائفي، وأن يرتقي بجمعيته التي تميزت بتشكيلتها التنظيمية عن سائر الجمعيات السياسية الأخرى.. بقدر ما يستوجب أن يقتدي بالأمين العام للجمعية الاستاذ ابراهيم شريف، الذي كتبنا مقالة نشرناها قبل شهر تقريبا في جريدة «أخبار الخليج« الغراء أي بتاريخ 18 يوليو 2008م حول الوحدة الوطنية التي دعا إليها.. بحيث جاءت افتتاحيتها «لقد جاء تصريح الأمين العام لجمعية العمل الوطني الاستاذ ابراهيم شريف مؤخراً حول عدد الموقعين على نداء من أجل الوحدة الوطنية الذين بلغ عددهم (100) شخصية وطنية مبعث فخر الشعب البحريني«. إن الجميع يخاطب الأمين العام للجنة المركزية ابراهيم كمال الدين ان يكون على درجة من المسئولية.. وخاصة أنه يخوض أول تجربة (نضالية حزبية) بالغة الصعوبة تناط بأعناقه، اقتضى منه تحمل أعبائها وتجاوز تداعياتها وصعابها بنجاح واقتدار.. وإلا ستمثل هذه التجربة شعارا براقا وجميلا قد لا يجدي نفعا.

صحيفة اخبار الخليج
15 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

البترول رأس مال العرب (10)

سمى العديدُ من الباحثين القطاعَ النفطي من اقتصاد الدول العربية أنه اقتصاد (ريعي) من دون تحديد علاقته بالتشكيلة التاريخية، فكأن النظامَ الاقتصادي كلهُ نظامٌ ريعي، وهي تسميةٌ تركزُ في شكلِ توزيعِ الفائض الاقتصادي، أو تـُعنى بجزئيةٍ فيه مثل أن يُقال نظام الخراج كما سمى بعضُ الباحثين الأسلوبَ الإقطاعي العربي القديم بتلك التسمية التوزيعية الجزئية،(راجع سمير أمين). والريعُ يعني الدخلَ الصادرَ من (إيجار) مبنى أو أرض أو منجم، وهو شكلٌ من أشكالِ الربح يتعلقُ بالأرض ونتاجاتِها المختلفة كالحقول الزراعية والمناجم.
لكن الدولَ العربية التي أعطتْ امتيازاتٍ للشركات النفطية هي دولٌ إقطاعية، وهي أجرت الأرضَ ليس تأجيراً اقتصادياً فقط بل تأجيراً سياسياً، والتأجير السياسي لم يَردْ في مسائل الريع كما تم عرضها في كتاب (رأس المال) لكارل ماركس، لكونه درسَ أشكالَ التأجير في دولٍ رأسمالية متقدمة ولعلاقاتٍ تتعلقُ بالملكية الخاصة، وليس في الدول الشرقية ذات النمط الإنتاجي المختلف حيث تسودُ ملكيةُ ما قبل الرأسمالية. وبهذا نصلُ لكون الريع النفطي الذي يُقدم للزعماء أو للحكومات نظير تأجير أرض للحصول على النفط واستخراجه وتسويقه وبيعه، هو ريعي إقطاعي، وهو يقدمُ نظير هذه التنازلات والاستئجار، وتأخذهُ هذه الجماعاتُ الشرقية المختلفة بسبب سيطرتها السياسية على جهاز الحكم ولا شيء غير ذلك. أي أن هذه القوى الشرقية التي تقدمُ الأرضَ لاستئجار الشركات النفطية تقدمها خدمةً سياسية وليس بضاعةً حرة تتشكلُ في محيط التداول الحر للبضائع، ولا يتعلقُ هذا بسببِ طبيعة الامتيازات الأولى المُقدمة لهذه الشركات فقط بل كذلك لطبيعة العلاقة السياسية بين حكومات مسيطرة بشكل مطلق على الموارد الاقتصادية بسبب سيطرتها العسكرية وحكومات ظل ليس لها من الحكم سوى اسمه، ولهذا فإن مبالغَ إيجار الأرض ستتغير تبعاً لتطور الصراع السياسي بين الدول المنتجة المالكة شكلياً والدول المستوردة المالكة الحقيقية. وكان يمكن أن يحدث ذلك في الدولتين الأموية والعباسية ومن جاء بعدهما، فيغدو النفطُ مثل الأراضي الأميرية أو (الصوافي) جزءاً من دخل الدولة والحكام، وقد ظهرَ ذلك في الامتيازات الأولى حين لم يوجد سوى حاكم المنطقة، فتعطيه الشركة دخلاً من دون اعتبار لأفراد قبيلته أو وضع بلده. ونظراً لكون هذا الامتيازات السياسية جرت في بلدان سياسية ذات ظروف متباينة، فقد دخلتْ هذه الظروفُ في الامتيازات وفي طبيعة الاتفاقيات المعقودة مع الشركات، فخصص بعض الدخل للميزانية العامة، أو لبيوت الشيخ، أو للملك أو للعائلة الحاكمة أو لمجلس قيادة الثورة الخ، وتشكلت عقودٌ علنية وسرية واختفت بنود وعموماً ضُخمت ثروات المسيطرين بغير وجه حق، مما يشير إلى كون عمليات الاستئجار عمليات سياسية، ولهذا فإن الاتفاقيات النفطية تتغير، وتدخل أوبك في معارك لتعديل هذه الاتفاقيات، في حين تقوم حكوماتٌ أخرى بالتأميم كالحكومتين العراقية والليبية في بداية السبعينيات من القرن الماضي. ولنقل إن الحكومات العربية وهي الناشئة في عمليات الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية، عبرتْ عن تشبث القوى الحاكمة المختلفة بالهيمنة على الموارد الاقتصادية الغنية، وتصرفتْ بملكٍ عام من دون الإرادة الحرة للشعوب، وحين أشركتْ الشعوبَ في بعض الدخل، قامت بأشكالٍ كثيرة من التحايل لتبقي أغلبية هذا الدخل بين أيدي الحاكمين، وحين ظهرت برلماناتٌ لم تعبرْ بدقةٍ عن قوى الناس الحقيقية، ظلتْ تلك الملكياتُ المهمة من دون كشفٍ حقيقي لمواردها وميزانياتها التحتية الضاربة في السرية والتخفي فلم ينشأ ضبطٌ مالي عادل. ولكن الشركات – كما سنرى بوضوح فيما بعد – لم تدخل مبالغ الإيجار وضروب الصرف الأخرى، إلا كجزء من ريع احتكاري فرضتهُ تلك السيطرة على النفط والحكومات، وهو ريعٌ قادم من الفروق في السعر بين النفط العربي وسعر الأساس العالمي. وبهذا لم يختلف بئر النفط عن بئر الماء الذي يتحكم به شيخُ القبيلة فيؤجرهُ أو يأخذ عليه ضريبة. ثم يقوم بتوريثه لأولاده وتوزيع دخله عليهم. ولو افترضنا أن شركةً غربية جاءت واستثمرته أو حفرت له آباراً أخرى بعقود معينة بينها وبينه، فإن الأمرَ لم يختلفْ عن مادةٍ سائلة أخرى. وتقوم الشركاتُ النفطيةُ باستغلالِ الأزمات الاقتصادية في بلدان المنطقة من أجل تملك ثروة لا تقدر بثمن، فقد أخذت شركةُ أرامكو امتيازَ الحقول النفطية السعودية الهائلة سنة 1933 بمبلغ 000،500 جنيه استرليني ذهباً. ولم يكن يكلف استخراج البرميل في السعودية أكثر من 35،0 دولار للبرميل ويُباع بـ 23،2 دولار. فجاء المبلغُ الزهيدُ المقدم للحكومة السعودية في ذلك الوقت من هذا الفارق الكبير بين الكلفة الزهيدة وبين السعر العالي الدولي في ذلك الحين. وهذه العمليةُ تتم في دول المنطقة بأشكالٍ مختلفة حسب مستوى تطور كل بلد وظروف حكامه وشعبه. لكن في ذلك الزمن الأولي الذي استمر ثلاثة عقود (وفي العراق أكثر من ذلك حيث بدأ استخراج النفط مبكراً) استرخت فيها الشركاتُ ونهبتْ ما طاب لها النهب! فلا يوجد إذًا ما يُسمى اقتصاد الريع بل يوجد اقتصاد إقطاعي اعتبر فيه النفطُ مثل مياه البرك المؤجرة والبساتين، لكون البناء الاجتماعي السائد يطبعُ المستوردَ القادم بطابعه، فيُطبق عليه ما يُطبق على الضمان الزراعي، فيغدو الريعُ ريعاً إقطاعياً. إن الريع يغدو جزءاً من سيطرة إقطاعية سياسية فيلعب دوراً كبيراً في الاكثار من أولاده العاقين للأرض، فتظهر البنايات المؤجرة والفنادق المؤجرة والبشر المؤجرون الخ، فيلعبُ العقارُ دوراً محورياً في نمو البناء الاقتصادي، تتبعه هياكل هشة من الصناعات التحويلية، وبناء ثقافي تقليدي ديني شكلاني وسحري وترفيهي بذخي مدمر للتراكم الاقتصادي الحقيقي.
 
صحيفة اخبار الخليج
15 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

البترول رأس مال العرب (9)

حين اعتبرت بضاعةُ البترول، الذهب الأسود، بضاعةً لا تختلفُ عن النوق من قبل الإدارات الحكومية العربية، فهذا سيعني تاريخياً وبشكلٍ مديد ان النفطَ ونتائجَهُ الاقتصادية والثقافية ستكون خاضعةً للنظام التقليدي العربي، ومنذ البداية ستنظرُ تلك الإداراتُ للامتيازاتِ الاقتصادية بذات النظرة السائدة وقتذاك مثل أن يقومَ حاكمٌ ما بتأجير بستان أو قطعة أرض كبيرة لإنتاج علف الحيوان. وهذا تجسد أول ما تجسد في امتيازات النفط، وهي هذه العقود التاريخية التي تبيع مثل هذه الثروة الهائلة لمدة قرن كامل أو قرنين، وتـُعطى من المساحة نصف البلد أو كله، وتعفى الشركات من دفع الضرائب والرسوم لمدة 99 سنة الخ! (هذا، وكانت مساحة الأراضي، التي تشملها الامتيازات النفطية في بلدان الشرق الأوسط، أكبر مما لا يقاس من تلك، التي كانت تشملها معاهدات الامتياز والايجار في الدول «المتمدنة«. وفي بعض الحالات كانت تشمل مساحة أراضي البلد المعني كلها. مثلاً، الامتياز الذي حصل عليه دارسي عام 1901 كان يغطي ثلاثة على أربع مساحة ايران. وكان امتياز «شركة نفط العراق« والشركتين المرتبطتين بها «شركة نفط الموصل« و«شركة نفط البصرة« يغطي كل الأراضي العراقية، تقريباً. امتياز «شركة نفط البحرين« الأمريكية كان أيضاً يغطي كل اراضي الإمارة. وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى «شركة نفط قطر« في قطر و«شركة زيت الكويت« في الكويت. وكانت شركة «ارامكو« المعروفة تسيطر على مساحة 880 الف كلم مربع في المملكة العربية السعودية، أي ما يوازي ثلث أراضي البلاد تقريباً)، (بريماكوف، المصدر السابق) لقد أدى تقديم هذه الثروة الهائلة بهذه الأسعار المتدنيةِ إلى صعود ما سُمي حينذاك بالشركات السبع الكبرى، وبالتالي تطور الاقتصاد الغربي على منافسيه، وبتدني مكانة الفحم كمصدرٍ للطاقة، وبهذا فقد تكرس الغربُ كأهم قوة اقتصادية عالمية ازاحت منافسيها: ألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفيتي الخ، ولكن في مقابل ذلك ماذا أعطت للبلدان المصدرة للنفط؟ (ان طبيعة العلاقات هذه بين الاحتكارات النفطية والحكام المحليين ساعدت على تشديد سيطرة الرأسمال الأجنبي على صناعة النفط واستغلال الثروات الطبيعية لبلدان الشرق الأوسط وشعوبها. اضافةً لذلك ساعدتْ أيضاً على المحافظة على التخلف الاقتصادي لدول المنطقة. في اطار هذه العلاقات كان يجري تمويل الفئات الاقطاعية وغيرها من الفئات الطفيلية مما اتاح لها ليس امكانية البقاء فحسب، بل الاحتفاظ بالسلطتين السياسية والاقتصادية أيضاً. وبالمقابل أعفيت الشركات صاحبة الامتيازات من دفع الضرائب والرسوم الجمركية المحلية ومُنحت الحرية في إخراج كامل أرباحها من البلاد)، (بريماكوف، المصدر السابق). لقد ابقت الشركاتُ والحكوماتُ الغربية على البناء الإقطاعي في كل بلد، وكرسته لكي تبقى المادة الأولية كما هي، ومن هنا أعلنت الولايات المتحدة (منطقة الخليج العربي منطقة حيوية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية)، وكان هذا مترافقاً مع تحول الولايات المتحدة نفسها كأكبر مستورد للنفط تخزيناً وتصنيعاً وبيعاً. لقد أُعطيت الشقيقات السبع: («أكسون«، «موبيل«، «ستاندارد اويل كومباني اوف كاليفورنيا«، تكساكو«، «غالف« الأمريكية، و«بريتش بتروليوم« البريطانية، «رويال دوتش – شل« البريطانية الهولندية، والتحقت بها «كومباني فرانسيز دي بترول« الفرنسية) 5،8 ملايين كلم مربع من منطقة الشرق الأوسط، وكانت تسيطر على 60 بالمائة من إنتاج العالم النفطي، و55 بالمائة من تكريره. وبهذا فإن البناء الاقتصادي التقليدي سيكون محمياً بقوة الشركات الرأسمالية الكبرى هذه، وغيرها من الشركات اليابانية والإيطالية والألمانية التي سوف تدخلُ الميدانَ بعد ذلك الاحتكار الكبير للشقيقات السبع، وسوف تتنامى من جهة أخرى الإرادة الوطنية للشعوب من أجل وضع حد لهذه الامتيازات المجحفة، وستتكون منظمةُ دول الأوبك لتغيير هذه العلاقات الاقتصادية وسوف تفلحُ المنظمةُ والأحداثُ السياسية الصراعية في تبديلِ بعضِ جوانب تلك الامتيازات الخرافية لكن البناءَ التقليدي النفطي كان قد وُضعت أساسياتهُ، وهو بناءُ الزواج غير الشرعي بين الإقطاع والرأسمالية، الذي استمر بالوجود رغم كل ابنائهِ غير الشرعيين الذين يملأون الأزقة. وحتى تصاعد أسعار النفط بهذا الشكل الذي أصبح ظاهرةً حادة في السنوات الأخيرة كان من قرارات الشقيقات السبع التي قررت في أواخر الستينيات ترك أسعارَ النفط تبعاً لظروف السوق بدلاً من الاحتكار التي كانت تفرضهُ وهذا سيحققُ نتائجَ اقتصاديةً مبهرةً لصالحها في العقود التالية كما سنرى لاحقاً. وكان من جراءِ التطور النفطي هذا كله تفاقمُ قوة الولايات المتحدة وتوسعها في المنطقة وتدخلاتها الكثيفة فيها: (وبنتيجة الحرب العالمية الثانية تغير ميزان القوى في هذه المنطقة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، التي بسطت سيطرتها على الثروات النفطية في الجزيرة العربية، والتي اتضح انها الاضخم في العالم، (المصدر السابق). ونستطيع أن نضيف على كتاب الباحث السابق الذي توفي شاباً ولم يشهد تحولات العالم الأخيرة بأن التمدد على نفط الجزيرة العربية امتد للعراق كذلك وتبقى إيران ونفط القوقاز، وبهذا فقد غدت الولايات المتحدة هي أكبر قوة سياسية وعسكرية وبترولية أيضاً.
 
14 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

حكايات من تاريخنا (64)

تاريخ الحركة الطلابية

منذ بزوغ مرحلة الانفراج السياسي التي دشنها جلالة الملك قبل نحو ثماني سنوات والحديث عن كتابة تاريخنا الوطني الشامل ما فتئ يتواصل ويثور الجدل حوله وحول الحاجة الملحة لتدوينه ليشمل جميع عصوره التاريخية من دون استثناء وهو جدل كما هو معلوم لم يحسم بعد ومازالت المحاولات الدؤوبة للشروع الجاد في مشروع هذا التدوين تتعثر، وبضمنها حتى أحد المشاريع التي انطلقت بضوء أخضر رسمي على مستوى عال ثم جمد المشروع. بيد ان تعثر كتابة تاريخنا الوطني الشامل لم يمنع بفضل هذه المرحلة السياسية الجديدة من اقبال عدد من الكتاب والمثقفين والسياسيين والنقابيين القدماء على كتابة مذكراتهم التاريخية في المجال الذي كانوا شهودا على احداثه ووقائعه. وهنالك من حاولوا ان «يؤرخوا« لوقائع وأحداث القطاع الذي كان لهم دور ما فيه اعتمادا فقط على ذاكرتهم، كتاريخ الحركة النقابية، أو «تاريخ الحركة السياسية« بمجملها، أو تاريخ الحركة الثقافية.. الخ، ولم يتوانوا عن اصدار كتب تحت هذه المسميات الكبيرة، رغم ما يشوب هذه الكتابات من تأثر عاطفي سياسي وغياب جانب كبير من التجرد والموضوعية ومهما يكن فانها لا تخلو من الفائدة العلمية في سياق تدوين ولو جوانب من وقائع وأحداث تاريخنا المتعلقة بعدد من قطاعات اجتماعية محددة أو مؤسسات مجتمعنا المدني قبل تحولها الى العمل العلني. وإذا ما نظرنا للدور التاريخي الكبير الذي لعبته الحركة الطلابية في الحركة السياسية والوطنية عامة على امتداد ما لا يقل عن سبعة عقود، وعلى الاخص منذ مطالع خمسينيات القرن الماضي، فلعل هذه الحركة هي ضمن مقدمة القطاعات الاجتماعية التي تستحق الكتابة التاريخية عنها بأي شكل من الاشكال في حين مازالت هذه الحركة أكثر الحركات البحرينية اهمالا من قبل المعنيين بها وعلى الاخص ممن كان لهم دور في تأسيس الروابط الطلابية في الخارج والتي تحولت لاحقا الى فروع للاتحاد الوطني لطلبة البحرين، فضلا عمن كان لهم دور في تأسيس هذا الاتحاد نفسه في فبراير .1972 وهذا التأسيس كان من أهم الاحداث الشبابية التاريخية في تقديري، لما له من تأثير حاسم لاحقا على امتداد نحو 20 عاما على وعي الطلبة الجامعيين وتأطير وتكتيل انشطتهم في العملين الطلابي والسياسي. تدافعت بمخيلتي هذه الخواطر عن الحاجة الملحة الى كتابة تاريخ الحركة الطلابية على اثر قراءتي للمقال التاريخي الصحفي الشائق للأستاذ جاسم مدير التربية الرياضية والكشفية وعضو اللجنة الأولمبية سابقا والذي تم نشره بمناسبة افتتاح أولمبياد بكين تحت عنوان «الدورات الاولمبية ومغزاها عبر التاريخ«، الوسط 8/8/2008م وهو نفس المقال الذي تم نشره قبلا تحت نفس العنوان في مجلة صوت البحرين/ العدد الثاني، من عام 1964 أي قبل مرور 44 عاما من الآن. ومع ان المقال يتناول تطور الالعاب الاولمبية منذ عصر الاغريق حتى عصرنا الحالي، تحديدا حتى عام 1964 وهي سنة دورة طوكيو إلا ان المقال قياسا لخبرة صاحبه الطالب حينذاك في كلية التربية الرياضية في القاهرة كان سلسا ورصينا وممتعا ينم عن موهبة كتابية ولم يفقد قيمته رغم مضي كل هذه السنين على نشره. والاهم من ذلك فان هذا المقال يرينا كم كانت الحركة الطلابية الجامعية تزخر بالنشاطات والكفاءات الثقافية والادبية والفنية والرياضية والاجتماعية المتعددة التي كانت تحتضنها تلك الروابط الطلابية (فروع الاتحاد الطلابي لاحقا) حتى في إطار طغيان العمل السياسي والانشطة السياسية على اهتمامات الطلبة، فما بالك لو اخذت تلك الانشطة حقها من الرعاية والاهتمام الاكبر من قبل الطلبة. واني لاتذكر جيدا في هذا السياق ان ثمة لجانا عديدة تهتم بالاهتمامات والهوايات الفنية والثقافية والرياضية والاجتماعية للطلبة وبضمنها اللجنة الرياضية وحيث كانت لها اخبارها ومقالاتها في مجلة «فرع القاهرة« الذي كان امتدادا للرابطة الطلابية العريقة التي انشئت عام 1955 في الدقي بالقاهرة. مهما يكن فان تدوين تاريخ الحركة الطلابية الجامعية في الخارج هو بحاجة الى تشكيل لجنة من الرعيل الطلابي الاول المؤسس للروابط الطلابية في الخارج واتحاد الطلبة على ان تبذل كل ما بوسعها للتسامي على الذات والنأي عن العواطف السياسية الجامحة وتوخي الحد الادنى من الموضوعية قدر الامكان والا فما من بديل سوى الاجتهاد لكتابة المذكرات التاريخية الفردية وهذا أضعف الايمان.

صحيفة اخبار الخليج
14 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

النفط رأس مال العرب (8)

سلعة (النفط) سلعةٌ حديثة رغم عفاريت الكيروسين والقار القديمة التي كانت تتراءى لبدو الصحراء ورغم الجمال المنبوذة التي تـُطلى بها. فهي سلعةٌ غربيةٌ اكتشفها وانتجها الغربُ عبر شركاته، فضخم من وجودها ودورها كما يفعل تجاه البضائع العصرية المركزية، كالفوسفات والذهب والفضة وباقي المعادن. لم يعرف العالمُ القديمُ السلعةَ المركزية التي تهيمنُ على البناء الاقتصادي هيمنةً كبيرةً بهذا الشكل، فهو يعيشُ على سلة كبيرة من البضائع، صحيح إن سلعة الذهب كانت تدوخه إلا أنها تبقى أداة نقد واكتناز.
إن تشكيلَ البضاعة المركزية في العالم الشرقي هو في حد ذاتهِ عمليةٌ جراحية خطرة تـُعمل لمريض بالجوع ومصاب بكل الأمراض القديمة، لكنها عمليةُ إعاقةٍ أكثر منها عملية علاج، فهي فقط تشفي الطبيب الغربي من نهمه للذهب. فالبضاعة الرئيسية المركزيةُ تقودُ إلى تورم الجسم، فالمجتمع النفطي يغدو نفطياً، والمجتمع الفوسفاتي يبقى فوسفاتياً، ومجتمع الحرير يبقى حريرياً، ويسيطر الشاي على الهند وسيلان، ويبقى العديد من أقطار أمريكا اللاتينية مصابة باستفحال الموز كبضاعة، وتحاول بريطانيا أن تجعل المجتمع الصيني أفيونياً فلا تقدر وتستطيع أن تجعل المجتمع الأفغاني حشاشاً، لمشكلات كبيرة في المجتمعات العربية الإسلامية(الصحراوية) عموماً خلافاً لمجتمعات العالم الثالث نفسه. إن الاستعمارَ يركزُ في إنتاجِ سلعةٍ واحدة كبرى في البلد المعني، مثلما يقوم في المصنع بتخصيصِ أصبعٍ واحدة للعامل من أجل العمل تاركاً كلَ جسدهِ الباقي معطلاً، وكما أنه يجعلُ العاملَ معوقاً في مصنعه فإنه يجعل شعوباً كثيرة معوقة عن المشي التاريخي الطبيعي. وفي حين ان بضاعة الشاي الهندي تظهر كجزء طبيعي من الزراعة الهندية، مثل الموز في أمريكا الوسطى، لأنها تظهرُ في شبكةٍ من البضائع القديمة المختلفة، الناتجة من كيانٍ زراعي ومدني له تاريخٌ مهم، إلا أن بضاعةَ النفط مختلفةٌ فهي تظهرُ فجأة من باطن الأرض المجدبة وحولها قفار وصحارى واسعة، ومن هنا كان ظهورها وتفجرها يُربط بشكل سحري وأنه جزء من نشاط الجن. لقد ظهرتْ عبرَ استكشافٍ غربي، علمي، فهي بضاعةٌ لها علاقة بتطور المحركات والطاقة، وبالبحث الغربي عن مصادر لطاقةِ المصانع والآلات الظامئة أبداً للنار، وجاء هذا النشاطُ الاسكشافي ككلِ حركةٍ علمية مرتبطاً بالحاجة الضرورية لقوى الإنتاج، وفي هذا الوقت كان التفسخُ يتوالى على الامبراطورية العثمانية آخر امبراطورية جمعتْ المسلمين على الجوع، فكان تفكيكُ هذه الامبراطورية يتناغمُ مع انفتاحِ شهيةِ الدول الغربية للاستعمار، ومع ظمأ مصانع الآلات الثقيلة لطاقة رخيصة كبيرة، فاشتغلت اليدان السياسيةُ والعلميةُ على تقديم البلدان شبه الصحراوية والصحراوية كبضاعةٍ سياسية كبيرة على مائدة غداء العواصم الغربية وآلاتها. وهكذا اختلفتْ بضاعةُ النفط عن بضاعةِ الشاي الهندي، فهي بضاعة مرمية في الصحراء البعيدة، لا تربطها وشائج بالمدن، وهناك رجال القبائل يمرون دون أن يعبأوا بهذه الرمال الخالية. فليس ثمة شبكة تربطها بمدن أو بزراعة، وليس ثمة أحد يملكها، فهي (معجزة). يقول باحث روسي (تعود نشأة هذا النظام بأشكاله الأولية إلى مطلع القرن العشرين. وقد ارتبطت نشأته هذه، من جهة، ببروز الحاجة الموضوعية للصناعة الثقيلة إلى كميات كبيرة من الطاقة، ومن جهة ثانية، بتسارع تطور الرأسمالية)، (نفط الشرق الأوسط والاحتكارات الدولية، إليكسندر بريماكوف). وقد اعتبر شيوخ القبائل والمسئولون (بضاعة النفط) وقتذاك كأي بضاعة تتشكلُ في أرضهم؛ فيذكر الباحثُ السابق: (إلاّ ان حجم هذه المدفوعات كان يُحتسب على نحو غريب جداً. كان صاحب الأرض من أبناء البلاد يحدد حجم هذه المدفوعات ليس على أساس الربح، الذي تحصل عليه الشركات النفطية الأجنبية صاحبة الامتياز، إنما على أساس قيمة المحاصيل والريع والضرائب، التي يجمعها من السكان المحليين، الذين يمارسون اقتصاداً طبيعياً (قبائل الرحل، بعض المزارعين، تجار المدن وسواهم)، (المصدر السابق). وهذا الاستغراب الذي يبديه المؤلفُ ليس في مكانه، فهنا تقوم الإدارةُ الإقطاعية العربية بما هو طبيعي، فالبناءُ الاجتماعي التقليدي هذا يفرضُ مقاييسَهُ الاقتصادية على البضاعة الجديدة التي تغدو لهذه الإدارة أنها لا تختلف عن البرسيم والماء. (وبالفعل، بموجب اتفاقيات الامتيازات الأولى كان الحكام المحليون يحصلون على عائدات زهيدة للغاية. دارسي، مثلاً، كان يدفع للشاه 16% من أرباح إنتاج النفط الإيراني وتصديره – وكانت شركة «أنكلو – بيرشين اويل« تحسم من هذا المبلغ نسبة 3% تدفعها لمشايخ العشائر مقابل حماية الامتياز. وبموجب اتفاقية 1925 تعهدت شركة «نفط العراق« بدفع 4 شلنات للحكومة المحلية مقابل الطن الواحد من النفط المستخرج، أي ما يعادل تقريب 1 على 8 من سعر التصدير)، (السابق) إن رؤية الإدارات المحلية للنفط بهذه الطريقة هي جزءٌ من العلاقات الاجتماعية السائدة داخل هذه المجتمعات، وهي القضية الحاسمة في المسألة، وهي إدارات من اقتصاد عتيق يصطدم بأكثر الاقتصاديات تطوراً في العالم.
 
صحيفية اخبار الخليج
11 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

أولمبياد بكين بعيون سياسية (7)

التحدي الاقتصادي والحضاري

الآن وقد فعلتها الصين في حفل الافتتاح حيث قدمت مساء الجمعة الماضي على مسرح «عش العصفور« ببكين تحفة فنية اشبه بالمعجزة غير المسبوقة في تاريخ الأولمبياد وذلك على امتداد أربع ساعات.. تحفة هي كانت أشبه بالملحمة الاسطورية الفنية المتناغمة والمتكاملة في الأضواء والملابس الملونة والموسيقى الفلكلورية والحركات الابداعية الاخرى وفي طريقة اشعال الشعلة الفريدة من نوعها، وحيث استطاعت بذلك ان تبهر عيون اكثر من اربعة مليارات انسان في العالم تابعوا فصول الملحمة كما تشير تقديرات المراقبين، الآن وحيث لم يتبق للصين سوى ان تعزز هذا النجاح الفني سوى بنجاحات رياضية متقدمة منتظرة في مضامير السباقات ولو في ابرز الالعاب الأولمبية.
نقول الآن وقد تحقق كل ذلك فان السؤال الذي يفرض نفسه: هل تجني الصين اقتصاديا وحضاريا وتبرز ليس كقوة اقتصادية كبيرة بل وكقوة اقتصادية وسياسية عظمى على المسرح الدولي في ضوء كل ما أنفقته من اموال طائلة خرافية على الأولمبياد؟ بعبارة اخرى ما هي العوائد الاقتصادية والسياسية والثقافية الاجتماعية الحضارية المنتظرة من مقابل كل ما أنفقته الصين على الأولمبياد التاسع والعشرين الذي استضافته من اموال ونفقات طائلة وجهد كبير؟ قبل الاجابة على هذا السؤال الكبير الذي سيظل في تقديرنا محور تحليلات المحللين الاقتصاديين والسياسيين المراقبين لاتجاهات ومؤشرات الاقتصاد الصيني بعد نهاية الاولمبياد ولسنوات عديدة مقبلة، لعل من المفيد هنا قبل ذلك التذكير ببعض أبرز المؤشرات والتقديرات التي انفقتها بكين على الاستعدادات والتحضيرات الكبيرة على الأولمبياد منذ نحو عشر سنوات والتي بلغت ذروتها خلال السنوات الاربع الماضية. في الواقع ان ارقام الكلفة الاجمالية لما صرفته بكين على الاولمبياد متفاوتة بين المراقبين ومتضاربة بما في ذلك تضارب حتى الارقام الرسمية: – احدى وكالات الانباء اشارت الى ان الصين منذ فوزها باستضافة الاولمبياد خصصت 350 مليون يورو سنويا حتى انتهائه. – احد المحللين الرياضيين اشار الى ان ما هو مرصود للدائرة الأمنية في اللجنة الاولمبية الصينية يصل الى 3،1 مليار يورو لتوفير الأمن والنظام طوال البطولة بمعدل شرطي واحد لكل 9 لاعبين. ويقدر ما وظفته بكين لحماية الدورة بـ 100 ألف رجل أمن من الشرطة والجيش والقوات الخاصة. – المسرح الرئيسي الذي جرت على ارضه معجزة الصين الفنية في حفل الافتتاح الا هو ملعب «عش العصفور« والذي اعتبرته مجلة «تايم« الامريكية الأروع بين 100 أفضل تصميم معماري في العالم وصممه المعماريان السويسريان الكبيران هيرتزوج ودو ميورون، قُدرت تكلفته بنصف مليار دولار، هذا بخلاف تكاليف انشاء 12 ملعبا مؤقتا و8 ملاعب دائمة شيدت جميعها خصيصا للدورة، دع عنك 11 ملعبا آخر ليصل اجمالي الملاعب المسخرة للدورة الى 31 ملعبا، ولا يعرف عما اذا يدخل في عداد هذه الملاعب ملاعب الجامعات الصينية. كما يصل اجمالي العاملين في انشاءات وتجديد هذه الملاعب الى 30 ألف عامل عملوا على مدار الساعة لتجهيزها. – قدرت الميزانية التي رصدتها بكين لتنقية هوائها والتقليل من التلوث بـ3 m,12 مليار دولار امريكي، هذا بخلاف الحملات الواسعة النطاق لأعمال تجميل المدينة وتزيينها وطلاء جدرانها وتزهير ميادينها وشوارعها، ناهيك عن اعمال التمائم الخمسة الدُمى المعروفة بـ «فووا« وغيرها من الرسومات والاعلانات وخلاف ذلك. – لا تتوافر حتى الآن ارقام محددة ودقيقة عن كلفة استضافة العدد الكبير من ضيوف العالم، وعلى الاخص قادة الدول (90 رئيس دولة) المسئولون والوزراء (160 وزيرا) والشخصيات المهمة الاخرى الرسمية وغير الرسمية. – لا تتوافر كلفة او خسائر نقل المصانع الملوثة للبيئة الى خارج بكين، وعلى الاخص اكبرها ألا هو مصنع الحديد والصلب وهو رمز لفخر الصناعة الصينية في هذا المجال رغم قدمه. – لا تتوافر كلفة تسخير جهاز الدولة الذي يعمل فيه 6 ملايين موظف حكومي للتحضير للأولمبياد، دع عنك مؤسسة الحزب (الحزب الشيوعي) والتي يصل عدد اعضائها الى 75 مليون حزبي، فضلا عن منظمة الشبيبة، في حين يصل عدد الجيش الى مليونين وثلاثمائة الف جندي. – كما لا توجد ارقام دقيقة نهائية لتكاليف كل الخطة المرورية المنفذة، وخطوط المواصلات المختلفة الجديدة، أما توسعة المطار (انشاء جناح كبير عملاق نموذجي فيه) فتصل الى 6،4 مليارات دولار، وقد تم اجلاء 10 آلاف مواطن بسببه وازالة منازلهم، وتم تسخير 50 ألف عامل لتشييده. واستخدم ما لا يقل عن 500 ألف طن من الحديد من اجل ذلك، اما نظام نقل الحقائب والأمتعة فقد كلف 250 مليون دولار، وليس معروفا ايضا على سبيل المثال عما يدخل في عداد ذلك خطوط المترو المخصصة لنقل الركاب داخل المطار. مهما يكن فان ما تقدم ذكره من ارقام بعض مجالات وبنود انفاق بكين على تحضيرات استضافتها الاولمبياد التاسع والعشرين ليست سوى عن بعض من ابرز هذه المجالات والبنود، وبالمثل فإن ما أشرنا اليه من مجالات لم تتوافر ارقام عنها او لم نقف عليها تحديدا ليست سوى امثلة، او غيض من فيض، من مجالات متعددة لا حصر لها، لذا وبناء على ما تقدم يظل السؤال المعلق: ما هي العوائد المتوقع ان تجنيها الصين في سياق لهثها الذي لا يكل نحو النهوض الحضاري المعاصر في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية؟ ذلك ما سنحاول الاجابة عليه غدا.
 
صحيفة اخبار الخليج
11 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

محمود درويش

‮»‬أيها الموت انتظر حتى أعد حقيبتي،‮ ‬فرشاة أسناني‮ ‬وصابوني‮ ‬وماكنة الحلاقة والثياب‮. ‬هل المناخ هناك معتدل،‮ ‬وهل تتبدل الأحوال في‮ ‬الأبدية البيضاء،‮ ‬أم تبقى كما هي‮ ‬في‮ ‬الخريف وفي‮ ‬الشتاء،‮ ‬هل كتاب واحد‮ ‬يكفي‮ ‬لتسليتي‮ ‬مع اللاوقت أم أحتاج مكتبةً،‮ ‬وما لغة الحديث هناك دارجة لكل الناس أم عربية فصحي‮«.‬ كان محمود درويش في‮ ‬هذا النص المدهش المأخوذ من جداريته،‮ ‬قصيدته الشهيرة‮ ‬يهجس بالموت،‮ ‬هو الذي‮ ‬اختبره مرة،‮ ‬فرآه مثل النوم فوق‮ ‬غمامة بيضاء‮.‬ والى الموت ذهب درويش بجلال‮ ‬يليق بشاعر مثله،‮ ‬وبإنسان كبير مثله،‮ ‬لكن الموت في‮ ‬حالته هو حضور في‮ ‬الأبدية لمن كتب الملحمة الفلسطينية شعراً‮ ‬في‮ ‬المعراج الطويل الذي‮ ‬قطعه،‮ ‬إنسانا ومناضلاً‮ ‬وشاعراً،‮ ‬منذ رحيله الأول إلى لبنان،‮ ‬وهو طفل،‮ ‬عن قريته الربوة‮ ‬يوم جرى احتلالها،‮ ‬ثم عودته إلى الجليل‮. ‬منذ صباه ومطالع شبابه المبكر الواعد بنبوغ‮ ‬الشعر،‮ ‬مناضلاً‮ ‬في‮ ‬صفوف الحزب الشيوعي‮ ‬وكاتباً‮ ‬في‮ ‬صحافته،‮ ‬دفاعاً‮ ‬عن الهوية الوطنية للفلسطينيين الذين أبوا أن‮ ‬يُقتعلوا من ديارهم،‮ ‬وصمموا على البقاء بوجه الآلة الصهيونية العنصرية‮.‬ في‮ ‬رحيله الأول إلى موسكو،‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬يعد منها إلى الجليل،‮ ‬إنما إلى القاهرة،‮ ‬قال‮ »‬لم أعد قادراً‮ ‬على تحمل البقاء في‮ ‬وطني‮ ‬المحتل،‮ ‬ولكني‮ ‬أحيي‮ ‬كل الصامدين هناك‮«.‬ لم‮ ‬يكن ثمة مدعاة ليعتذر الشاعر لأنه‮ ‬غادر الوطن‮. ‬ما أكثر ما ضاقت الأوطان بأجمل وأروع أبنائها،‮ ‬وشردتهم في‮ ‬صقيع المنافي‮ ‬ووحشتها،‮ ‬فما بالنا إذا كان الوطن‮ ‬يدار من حكم عنصري‮ ‬أراد أن‮ ‬يمسخ هوية من تبقى من عرب على أراضيه‮. ‬ لم‮ ‬يكن ثمة مدعاة للاعتذار،‮ ‬لأن محمود درويش‮  ‬لم‮ ‬يبارح فلسطين أبداً‮ ‬في‮ ‬كل المنافي‮ ‬التي‮ ‬طوحت به الدنيا فيها،‮ ‬دون أن‮ ‬يتخلى عن شروط الشعر وصفائه،‮ ‬بالشكل الذي‮ ‬أدخله في‮ ‬ذاكرة الشعر العربي،‮ ‬لا الفلسطيني‮ ‬وحده،‮ ‬أحد أبرز صناع حداثة هذا الشعر وجماله‮.‬ كما كل مناضلٍ‮ ‬مبدع عانى محمود من التباس السياسة بالفن،‮ ‬لكنه لم‮ ‬يهرب من انحيازه لقضية شعبه بحثاً‮ ‬عن ملجأ آمن من تبعات السياسة وكُلفها الباهظة،‮ ‬كما‮ ‬يفعل الكثيرون الذين احترفوا التنظير للأدب المجرد من المعنى،‮ ‬أسعفته في‮ ‬ذلك موهبته النادرة التي‮ ‬جعلت من فلسطين شعراً‮ ‬يعيش بوصفه شعراً،‮ ‬لا بوصفه قضية سياسية عابرة تموت حين‮ ‬يكف الحدث اليومي‮ ‬عن توهجه‮.‬ بهذا المعنى ارتقى محمود بشعره وبفلسطين إلى المقام الكوني،‮ ‬إلى الحلم الإنساني‮ ‬في‮ ‬أبلغ‮ ‬تجلياته‮.‬ حين استوى إلى منصة الصالة الثقافية في‮ ‬البحرين منذ عامين بادر الجمهور الذي‮ ‬ضاقت به مقاعد القاعة،‮ ‬فافترش الحضور الأرض‮ ‬يصغون إليه،‮ ‬انه مدين بالاعتذار للبحرين وشعبها لأنه تأخر في‮ ‬المجيء إليها‮.‬ كانت تلك أكبر وأعمق تحية توجه من شاعر بوزنه‮. ‬لكن البحرين التي‮ ‬أتاها كانت قد ذهبت إليه منذ عقود،‮ ‬لأنه لو اختار أن‮ ‬يصمت في‮ ‬ذلك المساء،‮ ‬لاستمع إلى الجمهور‮ ‬يقرأ أشعاره التي‮ ‬حفظ الكثير منها عن ظهر قلب‮.‬
 
صحيفة الايام
11 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

‬اقـتـصـاديـات الكونـكـريـت


 
 
تكاد الفورة الاقتصادية المندلعة اليوم في بلدان مجلس التعاون الخليجي لا تضاهيها أية فورة سابقة بما فيها طفرتا 1973 و 1979 النفطيتان وتداعياتهما الاقتصادية.
فالفورة الاقتصادية الحالية (Economic boom) تتسم ‘بطول النفس’ مدفوعة بأسعار نفط محلقة عالياً ليس في الأفق القريب ما يشي بإمكانية لجمها.
ولعل بيانات الموقف المالي للاقتصادات الخليجية للسنوات الخمس الأخيرة تكشف عن حجم هذه الطفرة التي تجتازها المنطقة والتي تمتلك قوة دفع متجددة لخمس سنوات أخرى قادمات على أقل تقدير.
فلقد اقترب إجمالي الناتج المحلي الخليجي من حاجز التريليون دولار سنوياً (حوالي 750 مليار دولار العام القادم).
ومع بقاء أسعار النفط على هذا المستوى من الارتفاع (التذبذب حول مائة دولار للبرميل) فإن إيرادات دول مجلس التعاون يمكن أن تقفز في غضون السنوات العشر القادمة إلى حوالي 7 تريليونات دولار.
وقدَّرت نشرة ‘ميد’ الاقتصادية الشرق أوسطية الصادرة في الحادي والثلاثين من مارس الماضي حجم المشاريع المعلنة والأخرى قيد الإنشاء في الخليج بأكثر من 2 تريليون دولار بزيادة قدرها 40٪ عنها قبل عام.
نعم هنالك صعود تاريخي غير مسبوق لمؤشر نمو إجمالي الناتج ومعدل تراكم الثروة وحصة الفرد في الإجمالي، وفوائض كبيرة في الموازنات العامة. وكل ذلك بفضل أسعار النفط المرتفعة وحصيلة إيراداتها.
ومن الطبيعي، والحال هذه، أن ترتفع معدلات الاستثمار، الحكومي والخاص، وبحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر في سبتمبر أيلول2007 فقد ارتفع إجمالي الإنفاق العام بالنسبة للدول العربية مجتمعة بنحو 14٪ في عام 2006 ليصل إلى 348 مليار دولار كان نصيب الدول المصدّرة للنفط نحو 58٪ من حجم الارتفاع في الإنفاق. ورصد التقرير خصوصاً ارتفاعاً في الإنفاق الجاري في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين يفوق ما حصل في عام ,2005 مقابل تراجع الإنفاق الرأسمالي في البلدين، وارتفاعه في كل من سلطنة عُمان والكويت وإلى حد ما في السعودية وقطر.
وبحسب نفس المصدر فإن مبلغ الـ 700 مليار دولار الذي أعلنت عنه دول مجلس التعاون الخليجي كمخصص إنفاق لعام ,2006 يشكل أكثر قليلاً من نصف فائضها الجاري التراكمي المتوقع للفترة 2006-.2010 وهو يشتمل على مخصصات إنفاق على مشاريع استثمارية ضخمة في قطاع النفط والغاز وفي صيانة وتوسيع البنية الأساسية وفي القطاع العقاري.
هذه فقط بعض البيانات المعبرة عن طبيعة المرحلة التي تجتازها الدورة الاقتصادية الانتعاشية في دول مجلس التعاون. الأرقام الأولى التي توضح ارتفاع حجم الإنفاق الجاري في البحرين والإمارات تعكس نوعية السياسات المالية التي اتبعت في البلدين في عام 2006 لمقابلة تحدي التضخم المتصاعد وتراجع القدرة الشرائية للجمهور واستمرار دور القطاع الحكومي في القيام بدور اسفنجة امتصاص جزء من فائض قوة العمل الوطنية في السوق.
وبيانات ارتفاع الإنفاق الرأسمالي في الكويت وعمان والسعودية تعكسان استمرار حالة التوسع الإنفاقي في الأقنية التقليدية (في مثل هذه الأوقات من الطفرات الاقتصادية) مثل البنية الأساسية والقطاع الهيدروكروني (بما يسهم في تعظيم ثقله في الاقتصاد ومزاحمة القطاعات الجديدة الصاعدة)، وثالث أوجه هذا الإنفاق، وهو الأهم، القطاع العقاري.
ولا يعني ارتفاع منسوب الإنفاق الجاري في الحالة الأولى تراجع الإنفاق الاستثماري، أبداً فموازنة المشاريع في البحرين لعام 2005-2006 على سبيل المثال كانت الأضخم في تاريخ البحرين، وقد ذهب النصيب الأكبر منها للبنية الأساسية ومشاريع الإعمار والعقار.
ولا جدال في أن مجالات أخرى هامة مثل الصحة والتعليم كان لها نصيب من غلة الإيرادات النفطية الضخمة.
ولكن حظ هذه القطاعات من الاهتمام الحكومي والإيرادات النفطية كان ضمن السياق الطبيعي لسياسة توزيع وتوجيه الإنفاق، ولم يكن ليختلف عما حدث لها خلال طفرتي 1973 و.1979 فلم نشهد مثلاً خططاً نوعية للاستثمار في التعليم النوعي بالاستفادة من الفوائض المالية الضخمة في استقطاب خيرة العقول الأكاديمية لإنشاء معاهد علمية متخصصة.
وإنه رغم مجيء الفرصة لدول التعاون لثالث مرة (بعد فرصتي 1973 و1979)، فإنها أعادت تقريباً إنتاج ذات السيناريو التنموي السابق، فلم يتم على المستوى الفردي ولا على المستوى الجماعي (من خلال مجلس التعاون)، في هذه المرة أيضاً، الاهتمام بجوانب البحث والتطوير ( R & D   ) بإنشاء مراكز أبحاث علمية تطبيقية، ولا حتى اعتماد خطة لإنشاء نواة علماء المستقبل.
إنما الذي استقطب الاهتمام والتركيز الأكبر حقيقة هو القطاع العقاري الذي طبع المرحلة الجديدة بطابعه، حيث شهدنا ردم مساحات واسعة من الأراضي البحرية لإنشاء الجزر الصناعية العمرانية والمجمعات السكنية (الفارهة أساساً)، وإنشاء الفنادق والأبراج وناطحات السحاب، حتى أصبح التكالب على العقار في الآونة الأخيرة، سيد الموقف الاقتصادي في دول التعاون، في استعادة لافتة ومتوجسة لما حصل لسوق الأسهم قبل ذلك. فكان أن سجلت الأسعار أرقاماً فلكية غير معقولة (مثلما لم تكن كذلك المستويات اللامعقولة التي بلغتها الأسعار السوقية للأسهم من قبل). فسجل متوسط مؤشر الأسعار العام لقطاع الأراضي التجارية والاستثمارية في دول المجلس في شهر مايو الماضي وحده ارتفاعاً نسبته 20,3٪، كان الأعلى في دولة الكويت التي ارتفع فيها متوسط سعر المتر المربع للأراضي التجارية 50,7٪ رافعاً بذلك متوسط سعر المتر المربع إلى 2688 دينار كويتي مقابل 17800 ريال في المملكة العربية السعودية و1000 دينار في البحرين. بينما ارتفع قطاع الأراضي السكنية في دول المجلس في نفس الشهر بنسبة 2,9٪، بما أسهم في رفع حاصل المتوسط الشهري لأسعار الأراضي السكنية بنسبة 77٪ خلال العام الجاري مقارنة بالمتوسط الشهري للأسعار التي كانت سائدة في عام .2005 والشيء نفسه ينطبق على المباني التجارية المصممة للمكاتب وعلى قطاع الشقق السكنية والفلل.
والنتيجة انه رغم مئات الدراسات والأبحاث والندوات والمؤتمرات التي ظلت تصدح على مدى العقد الماضي بتوصياتها وتأكيداتها على أهمية الانخراط في قطاع الصناعات القائمة على المعرفة.
 
 
اقتصادات الكونكريت “2-2”
 
استطراداً في مقال الأسبوع الماضي الذي ناقشنا فيه ظاهرة قيام نوع من ‘الاقتصاد الجديد’ (المبتكر) في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أسميناه مجازاً اقتصاد الكونكريت (Concrete Economy)، نقول بأنه إذا كانت الطفرة النفطية الأولى 1973-1974 التي سجلتها أسعار النفط (والإيرادات النفطية لدول التعاون ترتيباً) أول قفزة نوعية تسببت في إنتاج ظاهرة جيوش العمالة الأجنبية التي باتت تملأ الأمكنة، وإذا كانت الطفرة النفطية الثانية في عام 1979 على خلفية اندلاع الثورة الإيرانية وتوتر الأوضاع في منطقة الخليج، قد أطلقت العنان لمختلف أشكال الأنشطة الريعية والطفيلية التي نافست وزاحمت ريعية الاقتصادات الرسمية، بل إن الاقتصادات الرسمية بادرت إلى مغادرة مواقعها الريعية واتجهت نحو فروع وأنشطة اقتصادية إنتاجية أسهمت في ترفيع حصة القطاعات الإنتاجية لاسيما الصناعات التحويلية الأساسية (وتفريعاتها فيما بعد) في هيكل إجمالي النواتج المحلية الخليجية، وهو ما دفع الأنشطة الريعية والطفيلية الناشئة آنذاك (إبان الطفرة الثانية) للمسارعة لشغل المكان الريعي الذي أخلته الدولة، فإن الطفرة النفطية الثالثة قد حازت الفضل حصرياً في إطلاق اقتصاد الكونكريت الذي أغرق مناطق شاسعة من البحر واليابسة بالكتل الإسمنتية الصماء، ما أشاع شعوراً عاماً مكتوباً بالاختناق القادم في مناحي الحياة الخليجية المختلفة.
فهذا النمط من ‘التسلق والتوغل’ التنموي، براً وبحراً، بالكاد يوافق أهداف الألفية للتنميةMillennium Development Goals (MDGs) وبالكاد يحقق شروط الاستدامة سواء المدمجة فيها أو المتكرر ورودها، منذ اعتمادها في قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام ,1992 في الاتفاقات والمعاهدات والبروتوكولات والتقارير الدولية.
وهذا ناتج من أن هذه الهجمة العقارية لا تحركها دواعي تنموية بقدر ما تحركها مضاربات محمومة منفلتة العقال أوصلت سعر المتر المربع من الأرض إلى أرقام فلكية أحالتها إلى ما يشبه الألماس الذي لا تقترب منه سوى حفنة الأثرياء.
طبعاً ارتفاع أسعار مواد البناء، لاسيما الحديد والإسمنت على الصعيد العالمي، بمرافقة الانخفاض الكبير في سعر صرف الدولار مقابل بقية العملات العالمية، أسهما بقسطهما في وجه الارتفاع المهول في سعر العقار في كافة دول التعاون.
ولكنها المضاربة والمضاربون هم الذين أحدثوا الفارق في المعادلة السعرية وجعلوا سافلها عاليها، واضعين الاقتصادات الخليجية لأول مرة في تاريخها الحديث، أمام تحدٍ تضخم من نوع جديد.. تضخم يكاد ينأى بنفسه عن سلة السلع والخدمات الرئيسة التي يسجل ارتفاعها قياساً إلى متغير أساس، المقياس الكمي للتضخم، ولكنه في حقيقة الأمر يكاد يكون محور عملية تشكيل وتضخيم أكلاف الإنتاج بسبب الطبيعة الخاصة للدورة الاقتصادية الخليجية.. تضخم هو أقرب إلى ما أفرزته الأزمة الدورية لعامي 1957-1958 من عجز الأزمة ذاتها عن إيقاف حركة ارتفاع الأسعار في الاقتصاد الرأسمالي، حيث بدأت إعادة النظر في نظرية التضخم بالحديث، ابتداءً من النصف الثاني من الستينات، عن نوع جديد من التضخم هو تضخم التكاليف، أي تضخم الأسعار المثبتة أو التضخم من جانب العرض، ومن ثم أصبح التضخم نوعين هما تضخم الطلب وتضخم التكاليف.
وقد ساعد على ظهور نظرية تضخم التكاليف إن ارتفاع الأسعار لم يعد يأخذ طابع الارتفاع المتراكم والشامل بل شكل الارتفاع الحاد في أسعار بعض قطاعات الاقتصاد الوطني، كما هو بالنسبة لقطاع العقار الخليجي في الحالة التي نحن بصددها، وهو ما يفتح المجال عندئذ أمام ظاهرة استمرار ارتفاع الأسعار حتى في أوقات الركود الاقتصادي. فالنقود بتضخم أو انكماش قيمتها، هي في نهاية المطاف أداة للتعبير الكمي عن الظواهر الاقتصادية والنقدية.
وإذا كان التضخم في سبعينات القرن الماضي ظاهرة نفطية مثلما كان ظاهرة مستوردة، فإن التضخم الحالي محقون، بالإضافة إلى ما سبق، بعوامل داخلية تتصدرها المضاربة (إلى جانب التوسع في الإنفاق العام الذي بيَّنه التقرير الاقتصادي العربي لعام ,2007 والتوسع في الاستهلاك الخاص أو النهائي).
صحيح أن هذه العوامل كانت حاضرة حتى في ظاهرة تضخم السبعينات، بما في ذلك المضاربة متجسدة على نحو ساطع في مضاربات سوق الكويت للأوراق المالية وما أفضت إليه من أزمة سوق المناخ الشهيرة، إلا أن طغيان عنصر المضاربة بصورة جنونية في المرحلة الحالية المرتبطة باقتصاد الكونكريت، واتساع حجمها ونطاقها، هو المستجد المميز لهذه الظاهرة التي تعيد إلى الأذهان عملية تعمير منطقة قناة السويس في السبعينات التي شكلت مصدراً لإنفاق عام واستهلاك خاص ومضاربة مجنونة على الأراضي والمباني والمساكن، وهو الأمر الذي أدى إلى الإخلال بهياكل الأجور إخلالاً خطيراً لم يلبث أن عم الاقتصاد المصري بأكمله.
بهذا المعنى فإن ظاهرة ‘البوم الاقتصادي’ (الكونكريتي) الحالية، سوف تفضي إلى مضاعفة تكلفة عملية التنمية (وتعويقها على المديين المتوسط والبعيد)، والمزيد من إضعاف القوة الشرائية للدخل (نتيجة الارتفاع العام للأسعار) وإضعاف الثقة في العملة ترتيباً والإطلالة من جديد على باب عبء الدين العام.

 

صحيفة الوطن
10 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

مجالس للاسترخاء و”الباقي‮” ‬على الله‮!!‬

هل دور المجالس البلدية والنيابية هو إقامة دورات رياضية ودراسية وأسواق خيرية وفعاليات اجتماعية مشابهة وأحيانا أقل أهمية؟‮ ‬
للأسف الشديد هذا ما نلحظه بوضوح لا تعوزه‮ (‬كشافات‮) ‬أو عدسات طبية أو مناظير فلكية،‮ ‬إذ أن أكثر ممثلي‮ ‬مجلسينا البلدي‮ ‬والنيابي‮ ‬ينسون المهام المنوطة إليهم والتي‮ ‬هم دونوها ولونوها وبروزوها في‮ ‬برامجهم الانتخابية قبل الوصول إلى قبة المجلسين،‮ ‬فكلهم قبل‮ (‬التشرف‮) ‬بكرسي‮ ‬المجلس سيفعلون لأهالي‮ ‬مناطقهم ومواطني‮ ‬البحرين ما‮ ‬يرضي‮ ‬الله ويرضي‮ ‬ضمائرهم ويرضي‮ ‬من منحهم الثقة للقيام بهذه المهمة الوطنية الجسيمة،‮ ‬وكلهم أقسموا اليمين على ذلك،‮ ‬وكلهم أعلن تصديه للفساد ومرتكبيه دون رجعة،‮ ‬وكلهم وعدنا بواحة خضراء لا مثيل لها إلا في‮ ‬مخيلتنا‮ (‬المجهدة‮)‬،‮ ‬كلهم أعلنوا أمام الملأ بأنهم أهل للأمانة والمسؤولية المناطتين إليهما،‮ ‬ولكن ما إن دخلوا معترك‮ (‬الحياة‮) ‬تبدلت وعودهم،‮ ‬ولم نسمع إلا ضجيجاً‮ ‬وصراخاً‮ ‬وكيل تهم‮ ‬يتقاذفونها فيما بينهم وكما لو أن المجلسين صار أشبه بـ(مدرسة المشاغبين‮)‬،‮ ‬وحتى‮ ‬يسلموا من استنكار ورفض منتخبيهم وأهالي‮ ‬مناطقهم لا بد من‮ (‬ترضية‮) ‬تسعفهم من شر المآل،‮ ‬وللترضية لديهم طرق عدة،‮ ‬من هذه الترضيات كما أسلفت إقامة دورة رياضية أو دراسية أو تكريم فريق رياضي‮ ‬وإن لم‮ ‬ينجز شيئاً‮ ‬يذكر طيلة تأسيسه،‮ ‬والاشتغال في‮ ‬مجال‮ (‬تخليص‮) ‬جوازات سفر أو سكن أو ما شابه،‮ ‬والتبرع بكم‮ (‬كارتون‮) ‬عصير وكم‮ (‬كيس‮) ‬مكسرات لزواج أحد أبناء أو بنات المنطقة خاصة ممن قدموا لممثلهم أصواتاً‮ ‬تقدر بثمن،‮ ‬والتوسط لأبناء من‮ ‬ينتمون إلى جمعيتهم للدراسة الجامعية،‮ ‬وقس على تلك‮ (‬المزايا‮) ‬البلدية والنيابية لممثلينا الأشاوس الكثير‮.. ‬
يا جماعة هل هذه مهام المجلسين؟ هل نلحظ ممثلوا المجالس البلدية والنيابية في‮ ‬دول أخرى‮ ‬يضطلعون بهذه المهام؟ أم أن مهامهم تتجاوز هذه الأمور التي‮ ‬من الممكن أن‮ ‬يضطلع بها أهلها مباشرة من خلال مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬والأندية الرياضية والجمعيات والصناديق الخيرية والجمعيات النسائية والنقابات العمالية،‮ ‬تتجاوزها إلى ما هو أبعد؟‮ ‬
هل حاول ممثلونا مثلاً‮ ‬الجلوس على طاولة واحدة مع بعض العمال والنقابيين للاستماع إليهم وما هي‮ ‬ملفاتهم الملحة في‮ ‬الوقت الراهن؟ هل حاول هؤلاء الممثلين استيعاب محنة العاطلين وطالبي‮ ‬العمل وأصحاب الأجور المتدنية؟ هل اجتمعوا مع وزراء معنيين بهذا الشأن وتدارسوا المشكلة من منطلق أبناء الوطن وليس أبناء الحارة أو‮ (‬الفريج‮) ‬أو الجيران؟ هل قدموا دراسات حول التلوث البيئي‮ ‬في‮ ‬المملكة أم اكتفوا بالزيارة الميدانية لمصانع البيئة والتدوير في‮ ‬فرنسا؟‮ ‬
إنها مهام ليست بسهلة ولا تنتظر نهاية إجازة الخمسة أشهر حتى تحل؟‮ ‬
وحتى الإجازة‮ ‬يستثمرها بعض هؤلاء الممثلين للمجلسين لشغل فراغ‮ ‬أبناء المنطقة بما‮ ‬يسليهم داخل الوطن ويخفف ويقلص حجم‮ (‬التأنيب‮) ‬لضمائرهم أثناء قضائهم إجازتهم خارج البلد،‮ ‬علماً‮ ‬بأن فراغ‮ ‬الصيف له من‮ ‬يتصدى له من أهل الشأن،‮ ‬في‮ ‬وزارة التربية والتعليم ووزارة التنية الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة ومركز سلمان الثقافي‮ ‬وغير هذه المؤسسات الحكومية والخاصة‮.. ‬
وأخيراً‮ ‬وليس آخراً‮.. ‬هل دور هذه المجالس‮ ‬ينتهي‮ ‬عند انتخاب وترشيح وتزكية ممثليها هل هؤلاء الممثلين‮ ‬يفهمون هذه المجالس على أنها مكان‮ (‬للجلوس‮) ‬والاسترخاء من بعد إجهاد ولهاث للوصول إلى أحد مقاعد المجلسين الوثيرة؟
 
صحيفة الوطن
10 اغسطس 2008

اقرأ المزيد

طبيعة دور القوى السياسية في البحرين

انطلاقاً واستكمالا لفكرة إمكان الاستفادة المرجوّة من سقف الحريات العامة وهامش الحراك السياسي القانونيّ والسّلميّ المتوفر، نتيجة التغيير المجتمعيّ المشهود الذي رأته البحرين في مستهل القرن، متجسداً في بنود الميثاق (فبراير/ شباط 2001) والدستور (فبراير/شباط 2002)، المنظّمة للإطار الإجرائيّ والقانونيّ لمشاركة المواطنين في العملية المجتمعية والسياسية الجارية. وضرورة تعزيز المشاركة تلك، للدفاع عن المنجزات الأولية التي تحققت من المشروع الإصلاحي المأمول، ودفع حركة الاصطلاح والتنوير والتقدم التدريجيّ خطواتٍ للإمام. كل هذا باعتبار هذه المشاركة الواعية والضرورية في هذا الحراك السياسي/ المجتمعي هو السبيل الوحيد والأوحد، للقيام بدور المواطنة المسؤولة من قبل جُلّ مواطنين بلدنا لتحقيق أمانيهم ومطالبهم المشروعة في حياة أفضل لهم، سواء جاءت المشاركة على شكل فرديّ أو من خلال المشاركة الميدانية لمجموعات الضغط السياسية في المجتمع المدنيّ المتمثلة في الجمعيات السياسية، ولو أنها(الجمعيات السياسية) لم تتأطر بعد، في نمطٍ حزبي عصريّ مأمول حتى الآن، وهو الشرط الأساس الذي من دونه – بالطبع – لا يمكن الحديث عن مجتمع ديمقراطي مؤسساتي حقيقي.
إلا أن الجمعيات السياسية اليوم في مملكة البحرين(على كثرتها)، التي تتمتع بحدٍّ معقولٍ من مساحة العمل والنشاط، لم تثبت حتى الآن قدرتها الفعلية على الفهم النظريّ والتطبيقيّ المتوقع منها، في فن العمل السياسي العلنيّ والطريقة المثلى لتعاملها مع واقع بلدنا المعقّد والمتداخل مع الوضع الإقليمي والعربي والدولي بشكلٍ يكون من شأنه جذب كثرةٍ من المواطنين والاستفادة من قواها الكامنة لتشكيل ضغطٍ مجتمعيٍّ جامعٍ ومتناغمٍ للدفع الايجابي لتحسين الظروف المجتمعية وليس للشحن السلبيّ السائد المتّسم بالنشاط المناطقيّ والفئويّ والطائفيّ، الذي لم يحقق شيئا يذكر فحسب، بل تسبب في إبعاد غالبية المواطنين عن المشاركة السياسية، بعد أن أصيبوا بالإحباط الشديد وخيبة الأمل والملالة من أنشطة الشأن العام واختاروا جادة اللامبالاة وتركيز اهتمامهم الأساس لشؤونهم الفردية الخاصة والغوص في أحلامهم الذاتية.
يستدعى الإنصاف تبيان أن تلك الجمعيات السياسية، الفاعلة منها خصوصاً، هي في الواقع جديدة على النشاط السياسي، تعمل في ظروف موضوعية ملتبسة محلية وإقليمية ودولية، غير واضحة المعالم. إضافة إلى أن أصحاب القرار لم يتمكنوا بعد من الإتيان ببرنامج تنموي متكامل أو نهج استراتيجي للتنمية الشاملة لحل المعضلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ناهيك عن المنغصات الكثيرة المعيقة للرافعة السياسية الأساس للحراك السياسي، ألا وهي الجمعيات السياسية.
لكن هذا الظرف الموضوعي غير المؤاتي لا يجب، بأي حال من الأحوال، أن يشكّل سداً منيعاً من مغبة مواصلة النشاط والحركة مستفيدة من شحذ الهمّة والعزيمة والمبادرات (الظرف الذاتي). ومن أجل أن تنجلي الصورة يجب أن نشير باقتضاب وبإيجاز شديد لأهم هذه القوى الموجودة في الساحة السياسية على أن نرجع بالتحليل والتفكيك لتركيبة وأدوار وأهداف كل منها في مقارعة أخرى:
أولا، أبرز جمعيات ‘الإسلام السياسي’ بشقيه السني والشيعي وهي:
* ‘جمعية المنبر الوطني الإسلامي’، تأسست على يد عناصر من جمعية الإصلاح (جمعية دينية/ سنية كانت تعمل بشكل علنيّ وبسندٍ رسميّ منذ عقود) كذراع سياسي لها، تحمل فكر وأهداف حركة الإخوان المسلمين.
* ‘جمعية الأصالة الإسلامية’، جمعية إسلامية/ سنية تأسست على يد عناصر من الحركة السلفية العلنية في البحرين.
* ‘جمعية الوفاق الوطني الإسلامية’، تأسست على يد عناصر ‘حركة أحرار البحرين’ السرية (نشطت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين)، لها مرجعية مذهبية/اثني عشرية. وتدين فكرياً وفلسفياً بالنمط التشريعي لسلطة ‘ولاية الفقيه’ القائمة بين فترتيّ غياب الإمام ‘المهدي’ ورجوعه.
* ‘جمعية العمل الإسلامي (أمل)’، تأسست على يد عناصر ‘جبهة التحرير الإسلامية’ السرية (نشطت في العقدين الأخيرين من القرن الماضي) لها مرجعية مذهبية/ الأثني عشرية، ولكن غير معروف مدى تقبلها لفكرة حاكمية ‘ولاية الفقيه’.
ثانياً: ابرز الجمعيات السياسية الوطنية/ الديمقراطية:
* ‘جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي’، تشكلت من بقايا وأشلاء بعضٍ من عناصر التنظيم السري الأم (جبهة التحرير الوطني) الذي كان قد تأسس في 15 فبراير/ شباط 1955 على يد مؤسسه الشهيد ‘حسن نظام’ وبمعونة صفوة صغيرة من مريديه أهمهم المرحومين، ‘إيرميك منصوريان’، ‘حسن محمد صالح’، ‘علي مدان’، ‘محمد حسن كشتي’، و’أحمد الذوادي’.
‘جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)’، أول تنظيم سياسي علني يتشكل بعد إطلاق الميثاق الوطني، تأسست في بادئ الأمر، على يد كوادر قادمة من ثلاث مجموعات سياسية (التحرير/الشعبية/البعث)، ثم ما لبث إلا أن سيطرت على مجلس إدارتها الأول عناصر ومريدو ‘الجبهة الشعبية في البحرين’ (تأسست سريا في بداية السبعينات) بعد أن صارت لهم الغلبة والأكثرية.
* ‘جمعية التجمع القومي الديمقراطي’، تأسست على يد العناصر البعثية، الذين كان يقودهم سابقاً المرحوم ‘جاسم فخرو’ (كان أول رئيس لجمعية العمل).
* ‘جمعية الوسط العربي الإسلامي’، جديدة على العمل السياسي. تأسست على يد صفوة صغيرة من الناصريين والقوميين الإسلاميين.
* ‘جمعية ميثاق العمل الوطني’، نخبوية وجديدة على العمل السياسي، تتسم بسياسة ليبرالية وسطية قريبة من الحكم.
* ‘جمعية التجمع الوطني الديمقراطي’، تأسست على يد مجموعة صغيرة منشقة من مناصري (الجبهة الشعبية).
هذا باختصار شديد وضع أهم الجمعيات السياسية المفترض أنها تشارك إيجاباً أو سلباً في الحراك السياسي، سنرجع في مقال لاحق لتفتيت وتحليل بنية وأهداف واستراتيجية كل جمعية سياسية على حدة.
 
صحيفة الوقت
10 اغسطس 2008

اقرأ المزيد