ما نقوله هنا لا يُلمح لسيدة بعينها، بل هي كلمة يغص بها الخاطر منذ أمد طويل، منذ أن قررت دول الخليج المتعطشة – لاعتراف وإطراء المنظمات الدولية – أن لا مناص لها من تمكين المرأة. ولتحقيق هذه الغاية زجت بزمرة منتقاة من نساء المجتمع المخملي للصفوف الأولى؛ أملاً في أن تساهم تلك الخطوة في تلميع صورهم و’تبييض’ سجلاتهم الحقوقية ‘المبقعة’.
وقبل مزيد من الخوض في ذلك دعنا نقول؛ إننا لسنا من دعاة نظام الكوتا أو المحاصصة أو أي نظام رديف يغلب الاعتبارات الشخصية على تلك المهنية. لسنا من دعاته نقول؛ ولكننا نتفهم وجهة النظر الداعية إليه والتي ترى ضرورة إقحام النساء في المشهد العام لتألفهن الجماهير وتمتحن قدراتهن وحنكتهن. حتى إذا ما تبلورت لدى المجتمع قناعة بان المرأة ندّ لا تثريب عليه؛ رُفع هذا النظام؛ ليبدأ عصر جديد من التنافس على المواقع لا بناء على الجنس والتصنيف، بل على التفوق والمقومات الشخصية والفكرية.
في وجهة النظر تلك وجاهة نعم، بيد أننا نرى أن الخطوات التي اتخذت تماشياً معها لا تقدم بقدر ما تؤخر.. فكثير * من النخبويات اللاتي أولين مواقع قيادية أولينها للسبب الخطأ.. بعضهن أولينها لاعتبارات عائلية؛ دينية أو أيديولوجية.. بعضهن أولينها تقديراً لأزواجهن أو لآبائهن أو لعائلاتهن أو.. تقديراً لخدماتهن وولائهن.. وهو ما ضرب عميقاً بفكر التمكين وما ينضوي عليه من طموح لصياغة وعي مجتمعي جديد.
قد يقول قائل: وهذا يسري على الرجال ولا نرى من ينبري لرفضه.. والحقيقة أننا نزدري تلك السياسة بالمطلق – سواء أطالت النساء أو الرجال- بيد أننا نمقتها ونرى خطورتها أكثر عندما يأتي الأمر للنساء؛ ولنا في ذلك عذر. فطريق المرأة – كما خبرناه – وعّرٌ صلد.. مجتمعنا يرى الرجل ناجحاً حتى يثبت العكس والمرأة فاشلة حتى تثبت العكس.. أضف لذلك أن فشل الرجل يعلق عليه فيما يُسحب فشل المرأة على بنات جنسها أيضاً. وحتى تتغير موازين هذه المعادلة المعوجّةّ نحن بحاجة لقياديات ‘استثنائيات’ يدخلن المعترك السياسي والإداري ليخترقن التفكير النمطي ويغيرن الصورة لتعبيد الطريق للأخريات.
أستشهد في ذلك بالآتي:
في 1941 عندما كانت الحضارة الأوروبية ترى المرأة كائناً ضعيفاً لا يصلح بالقطع لتحمل القتال؛ واقتضت الحرب تجنيد النساء في القوات المسلحة لسد النقص، جندت بريطانيا في البدء نساءً فارعات الطول قويات البنية من عاملات المصانع وسكك الحديد لتجنب التصادم مع المعارضين.. فلما قُبلت الفكرة ووافق مجلس اللوردات على تشريع ينظمها يُسرت الشروط للباقيات.
بالطبع لسنا نطالب هنا بنساء ‘أبضايات’ فالعمل السياسي لا يتطلب مواصفات جسدية كتلك التي يتطلبها العمل العسكري بقدر ما يتطلب مواصفات فكرية وقيادية. ولكننا نروج لحقيقة أن مهمة الفوج الأول هي الأصعب؛ وبالتالي فإنها تطلب اختيارات أكثر حكمة.. ودقة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
نشدد على كلمة ‘كثير’ الواردة أعلاه لكي لا نبخس الأخريات حقهن؛ خصوصاً وأن منهن نساء مذهلات تفوقن على أندادهن الرجال.. بمراحل.
صحيفة الوقت
4 اغسطس 2008