اعتقد إن الشعوب العربية اليوم وبرغم حداثة عهدها بالتجربة الديمقراطية المتواضعة والإصلاح النسبي المحدود، والذي نعلم جميعا أن ثمة خطوط حمراء عديدة تعترض مسيرته فلا يستطيع القفز عليها أو تخطيها، ما يجعل مسألة التغيير الايجابي وتوسيع المشاركة الشعبية وتقاسم السلطة والثروات ذات نطاق محدود الدرجة والفعالية فيصير الأمل والطموح اكبر مما يتيحه الواقع، وضمن هذا الهامش المتاح يسعى دعاة الديمقراطية ونشطاء المجتمع المدني والسياسي والإعلامي والحقوقي لإشاعة وتعميق الثقافة الديمقراطية والحريات الأساسية المسؤولة وإيضاح أخطائها ومزالقها أيضا، ومعالجة ذلك بالمزيد من الكشف والمصارحة والشفافية لتكريس الديمقراطية وتقوية جرعاتها، وليس العودة عنها والتباكي على العهود الماضية، زمن العتمة، والقبضة الحديدية والاستقرار الهش والحريات المنعدمة والدساتير المعطلة والمحاكم الاستثنائية والصحافة المقيدة والسجون الرحبة والمنافي القسرية والطوعية والمعلومة المخفية. ولا احد ينكر إن مراحل ما قبل الديمقراطية وفي ظل المركزية الإدارية الرسمية قد تشهد الكثير من أوجه النمو الاقتصادي والتعليمي والصحي والخدماتي، وقد يعود ذلك إلى توافر الموارد المالية والرغبة في التطوير والتحديث من اجل إحداث نقلة نوعية للبلد تضعها في مصاف الدول المتطورة، لكن يصعب الحديث عن تطور من أي نوع دون تنمية سياسية ومناخ ديمقرطي وبنية تشريعية عادلة ومنصفة ومؤسسات دستورية وتمثيلية وشعبية ذات صلاحيات حقيقية وأحزاب سياسية ومنظمات أهلية حقوقية وصحافة مستقلة وتعددية سياسية، والاهم من كل ذلك حكم رشيد ومنفتح يقبل المساءلة والمحاسبة ويتعاون مع السلطات الشعبية ويمدها بالمعلومة ولا يضيق ذرعا بالحرية الإعلامية، ويستجيب لكل ما تقتضيه الحياة النيابية من مطالب وأسئلة تتعلق بالإيرادات الحقيقية للبلد وثرواته ومستقبله وحقوق مواطنيه واجياله القادمة، وتشارك في رسم كل استراتيجياته من اقتصادية وأمنية وسكانية وإسكانية وتعليمية، يصعب التغني بمرحلة تقصي الحريات المدنية للفرد وتنكر الحقوق الإنسانية التي ناضلت من اجلها الثورات الإصلاحية من بداية التاريخ والى يومنا هذا مهما أنجزت من تطور وتحديث. أن تطرح أي دولة نفسها كدولة قانون ومساواة وتكافؤ فرص ومرجعية قانون ودستور فيجب أن تخلق البيئة الكاملة المساعدة على تنفيذ القانون وإشاعة المساواة في كل مكان وبين جميع الطبقات، ولا تكون المؤسسات الرسمية هي ذاتها المتهمة بخرق القانون أو التلاعب عليه. إن التحول الديمقراطي قد يتزامن مع بعض أوجه الانفلات وسوء استخدام الحرية نتيجة حداثة التجربة وعدم نضجها، وقد تتعطل بسبب ذلك بعض المصالح أو تتأخر لكن كل ذلك وارد وطبيعي ومتوقع، فالتجربة الديمقراطية لا تؤتي أُكلها بين يوم وليلة كما إنها أيضا ليست ترفا زائدا عن الحاجة نطلبها اليوم ونستغني عنها في الغد، بل هي حاجة أساسية وضرورية ولا حياة لإنسان عصري دونها، وهي تتعزز بالممارسة المستمرة وبالتراكم، والذين يخشون امتدادها ونموها واتساع صلاحياتها هم في الغالب من تتضرر مصالحهم وتتقلص امتيازاتهم ويخضعون لمساءلاتها فيضعون العراقيل في طريقها ويساهمون في تعطيلها وتشويه صورتها. إن دور المثقفين والمفكرين والإعلاميين وقادة الرأي الديني والسياسي والاجتماعي يكمن في تعميق ثقافة الديمقراطية يوما بعد يوم والتصدي لكل خطابات ومنافذ الانغلاق الفكري والديني والسياسي والعمل كمرشدين ذوي ضمائر حية لتصويب التجربة وليس وعاظا ممالئين للسلطات الزمنية والدينية ولكارهي الإصلاح على اختلاف مسمياتهم.
ألأيام 17 يوليو 2008
تكريس الديمقراطية وليس التراجع عنها
المكتوب يُقرأ من عنوانه..!
إذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه كما يقولون، فإن عناوين الكثير من الأخبار والحوادث والقضايا التي تنشرها صحافتنا المحلية تستدعي أقصى درجات الانتباه والتأمل والتحليل على نحو أو آخر، كما أنها وقبل كل شيء تستوجب العمل بمنتهى الجدية على تحقيق كل ما يفرض إحقاق الحق ويحصن المجتمع بالعدالة والقانون.
ليس عسيرا أن نتوقف أمام عينة من هذه العناوين التي منها ما يرفع لدينا جرعة الغمّ والإحباط أو على الأقل يجعلنا مرهقين بالتساؤلات القلقة، ودعونا وقبل أن نمضي قدماً في هذا المجال أن نوضح أمرين:
الأول أن هذه العينة من العناوين تحمل في ثناياها وبالضرورة بذور خلل مسكوت عنه يشين المرحلة الراهنة، ويؤشر بأن ساعة الحسم حيال الكثير من الأوضاع والممارسات الخاطئة لم يحن أوانها بعد وللأسف الشديد.
أما الأمر الثاني، فهو أننا انتظرنا من مسؤول ما، أو جهة رسمية ما، أن ينفي أو يكذب، أو يوضح حقيقة هذا الذي نشر بل لم نسمع أو نقرأ صدى من أي نوع من جانب من يفترض انه المعني بما نشر، لا بالتصويب ولا بالتحقيق ولا حتى بالإحالة إلى من يهمه الأمر، ولأن لا أحد فعل ذلك حتى الآن على الأقل فلا يجب أن نلام إذا اعتبرنا أن ما نشر كان صحيحاً.
تعالوا نمعن وندقق في هذه العينة من العناوين التي نشرت في صحافتنا في الآونة الأخيرة التي تبعث على الدهشة والتساؤل، مع تنويه بأنه من حق كل واحد منا أن تكون له قراءته الخاصة، وفهمه الخاص، ورؤيته الخاصة حيال هذه العناوين ومضامينها:
ـ ديوان الرقابة يكشف ” فساداً” بالبلديات…!!
ـ متنفذون استولوا على ١١ مقبرة كبيرة تابعة إلى ١١ منطقة في المنطقة الشمالية ” تصريح لرئيس مجلس بلدي الشمالية”.
ـ متنفذ يحول مقبرتين إلى قسائم سكنية بكرانة تستفيد منها ٤ قرى ” تصريح للنائب سيد مكي الوداعي”.
ـ متنفذون يستولون على ساحل مساحته ١٤١ ألف قدم بعراد مخصص للمنفعة العامة.
ـ متنفذون ومسؤولون كبار يقطعون أرزاق سواق الأجرة “تصريح للنائب إبراهيم بوصندل”.
ـ متنفذون يستولون على ٧٣ أرضا في سار ” تصريح لرئيس مجلس بلدي الشمالي”.
عينة أخرى من العناوين التي فيها أيضا من بواعث الغيظ الشيء الكثير، نعرض بعضها لعلنا بذلك نهتدي إلى ما يكمل الصورة:
ـ مناشدة ولي العهد وقف نزيف الأموال في طيران الخليج.
ـ جهات نافذة تلغي توزيع إسكان النويدرات.
ـ بتلكو ترفض الانصياع لحكم القانون وعودة المفصولين.
ـ تقديم فندق للنيابة العامة منع مفتشاً من أداء مهامه.
ـ غازات المصانع والنفايات دمرت ساحل المعامير “عضو مجلس بلدي الوسطى وليد هجرس”.
تلك عينة، مجرد عينة من العناوين، ولا ينبغي أن نلام إذا اعتقدنا بأن هذه العينة تعبر عن خطأ يمكن أن نستخلص منه ما ينبغي أن يوضع على محمل الجد، مع إدراكنا أنه لا يوجد شيء أسوأ من الإحساس بان هناك من لا يريد لهذا الخطأ أن يصوّب، ولا للقانون أن يفعّل ولا للعدالة أن تأخذ مجراها.
لذلك يبقى رفع شأن دولة القانون، أو تفعيل سيادة القانون أو حكم القانون هو العنوان البارز، والملف الأبرز، لأنه بالقانون تنظم الحياة، وتمنح الحقوق، وتمنع المظالم، وتبنى ركائز التنمية و الرقي وهكذا لو كان القانون مطبقاً بحسم ومباشرة ودون تفرقة على الجميع دون استثناء لما بلغنا أوضاعا جعلتنا نتخلف عما ينبغي لنا أن نكونه، ولما تعمقت الخلافات والتباينات والتجاوزات وارتفعت وتيرة الهواجس ووجدنا من ظهر ليستولي على حقوق الآخرين، ولما تراكمت الهنـّات هنا وهناك وهنالك، ولما ظهر من يتحدى أحكام القضاء ويعطلها، ولما ظهر كائن من كان ليتحدى شرطي مرور ويقول له: ألا تعرف من أكون وابن من أكون في رسالة لها دلالتها !!!.
لو كان القانون مطبقاً بحسم وعلى الجميع في مواقع العمل والإنتاج لما ظهر في الشارع مسؤول أو موظف في توقيت الدوام، ولما برزت مظاهر الفوضى والتسيب والإخلال بواجبات الوظيفة العامة، ولما أصبحت الرشوة وان استظلت بعبارة “الإكرامية” أو “الهدية” طقساً يومياً لا يرى كثير من الناس بديلاً عنه لانجاز المعاملات والمصالح ناهيك عن تحصيل الحقوق.
لو كان القانون مطبقاً بحسم وعلى الجميع لما سمح بان يحصل على وظيفة من هو ليس مؤهلاً لها في وجود من هو أفضل وأكفأ وأحق، ولما سمح للواسطة والمحسوبية أن تكون باباً لكثير من الخرافات والتجاوزات، ولما ظهر لنا بعض من عينوا في “الوظائف الكبيرة” ليشعرونا بأنهم “مسنودين” ليتمتعوا بحصانة تغنيهم عن أي مساءلة أو تبعات الفشل في تحمل أعباء المسؤولية، بل ولما امتلأت الإدارة عندنا بالتفضيلات الشخصية التي استبعدت الاعتبارات الموضوعية وأفسدت الكثير من القواعد الإجرائية، ولما وقعنا في براثن البيروقراطية.
لو طبق القانون بحسم ومباشرة على الجميع لما حصل على وحدة سكنية أو شقة من ليس له أحقية فيها، بينما أصحاب الحاجة الفعليين لا يجدون مأوى وتصدمهم كل يوم إعلانات الشقق الفاخرة وفيلات الشواطئ الخلابة بأرقامها الفلكية التي يستعصي على المواطن المغلوب على أمره أن يستوعبها.
لو كان القانون مطبقاً بحسم وعلى الجميع دون استثناء لما سمح للبعض من أصحاب “المقاصد والمصالح والنفوذ” أن يتخطوا القانون ويمسحوا آثام أيديهم لتصبح نظيفة بالقانون، أو يجعلوا من القانون مطية لتنفيذ مآربهم.
لو كان القانون مطبقاً وبحسم على الجميع لما ظهرت اعتراضات هنا واحتجاجات وهالات غضب هناك، ولما عانى الضعفاء الأمرين للوصول إلى حقوقهم، ولما اهتزت حقوق المواطن أصلاً.
لو كان القانون مطبقاً وبحسم على الجميع لاستطاع المجتمع أن يحاسب كل مسؤول مقصر أو مهمل أو فاسد، ولما استشعرنا أننا نعيش في ظل محن تبدو للعيان مستعصية على الحلول، ولما كانت هناك ضبابية فيما يخص ضبط مالية الدولة وجوهر القضايا المستقبلية.
أخيراً وليس آخراً لو كان القانون مطبقاً وبحسم على الجميع وساري مفعوله وأحكامه على الجميع دون استثناء لما انتهك البعض قيم العدالة والمساواة، ولأصبح بمقدورنا حقاً أن نسير بثبات في عمليات التصدي للفساد في كل مفاصل العمل اليومية والذي يندس في كل ركن يختفي فيه القانون.
بقي أن نقول إن دولة القانون يعني أن الدولة تحصن نفسها بالقانون، تمارس القانون في كل تصرفاتها السياسية والقضائية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والأخلاقية وتخضع هذه التصرفات لقواعد ثابتة ومستقرة لجهة واجباتها أو لجهة حقوق المواطنين فيها، وفي دولة القانون يحصن المواطن بنصوص وأحكام القانون ويحق لكل مواطن أن يطالب الدولة باحترام تلك القواعد والاحتكام عند خرقها إلى القضاء الذي في دولة القانون هو قضاء مستقل بكل معنى الاستقلالية وهو بذلك دعامة أساسية للدولة والسلطة والمواطن التي توفر له دولة القانون كل حقوقه الأساسية غير القابلة للتجزئة والإنقاص والتشويه.
الأيام 18 يوليو 2008
هكذا تكلمت المرأة
“إن الرجل الأمريكي الذي انتصر على الطبيعة انتصارا متميزا هو نفسه اشد الناس خوفا من طبيعة المرأة، ومن الأنوثة بحد ذاتها. وقد اخترع الأمريكي صورة كاريكاتيرية للذكورة. وهي المبالغة في الذكورة، فلا حساسية، بل خشونة ومنطق ووقائعية. أما الأوروبي فلم يحقق مثل هذه السيطرة على الطبيعة، لكنه لم يشعر بالاغتراب الكامل عنها، ولذلك عاش بارتياح اشد وهو في حالة من الصداقة مع المرأة والطبيعة الأنثوية”. قائلة هذا الكلام هي أناييس ين التي ولدت في باريس مطلع القرن العشرين وتوفيت في الولايات المتحدة عام 1977. والقول هذا يأتي في سياق سلسلة شهادات ضمها كتاب بعنوان “هكذا تكلمت المرأة”.
شاركت في الكتاب مجموعة من أشهر النساء الأديبات المعاصرات عن تجاربهن الأدبية، متوقفات بشكل خاص أمام هاجس المرأة المبدعة، على نحو ما تفعل اناييس ين نفسها. تتحدث الكاتبة عن امرأتين في داخلها في مرحلة من مراحل إبداعها المبكرة: امرأة محبطة، مرتبكة وحائرة، وأخرى تهم بالوثب صوب المشهد، وقادرة على الفعل، بامتلاء وغزارة. لكنها بعد حين وجدت في نفسها الكثير من المرأة الثانية، فلم تعد محبطة ومرتبكة، لكنها وصلت إلى مرحلة من النضج والإدراك. وإنها باتت قادرة على التمتع بالأشياء من غير قلق وخوف مرحلة الشباب، ومن غير حالة اللا يقين، لذا فبالإمكان القول انه ومع مرور الزمن انتصر جزء من الذات على الجزء الآخر. أديبة أخرى مشاركة تحذر من التعاطي مع ما تكتبه النساء بوصفها نصاً نسائياً، من المستحيل تماما أن نصل إلى مسافة اقرب للنفاذ إلى الحقيقة عندما نقرأ عملاً لامرأة مبدعة بوصفها امرأة. رغم ذلك فإن الاطلاع على تفاصيل ما ترويه المشاركات يفتح آفاقاً رحبة لرؤية أن حساسية المرأة تجاه بعض مظاهر المعاناة الخاصة بالمرأة لا بد أن تترك أثرا مختلفا عن ذاك الذي يظهر عند الرجل.
ليس عبثاً أن محرر الكتاب أو ناشره اختار له هذا العنوان بالذات: “هكذا تكلمت المرأة”. انه يرغب في حملنا على رؤية شهادات تقولها النساء تحديدا، عن أنفسهن بصفتهن نساء، وعن إبداعهن بوصفهن نساء مبدعات وليس مبدعات فحسب، علنا نمسك ببعض المداخل لولوج تجاربهن الإبداعية ونحن على بصيرة أوسع.
الأيام 17 يوليو 2008
لهم أموالنا ولنا جلودنا العارية!
الإخوة الأعزاء ملاك البنوك الوطنية والأهلية والتجارية والاستثمارية والمساهمين فيها بسخاء فائض! أرجو بحب شديد ألا ينزعج أحدكم مني إذا أبديت تجاهه ضيقاً أو حقداً أو حسداً، نظير إعلانه بين فترة وأخرى أرباح بنكه الهائلة أو ضخه جوائز مالية تقدر بمئات آلاف الدنانير على المشتركين في ‘يا نصيبه’ الدائم، ذلك أن هذه الأرباح والجوائز هي في نهاية الأمر ‘تتكرش’ من ‘عرق’ المدخرين لأموالهم في خزائنكم من الفقراء والبسطاء ومحدودي الدخل ومن كل الموظفين في المؤسسات الحكومية والخاصة الذين يستلزم استلام مرتباتهم فتح حساباتهم بالضرورة في بنوككم.
لو أحصينا الأرباح والجوائز المالية في غضون سنوات قليلة لوجدناها تتجاوز الملايين، ولوجدنا المنافسات والمضاربات المالية قائمة وبشكل شره بين البنوك نفسها، من يدفع أكثر؟ من يربح أكثر؟ من يبحث عن منافذ أكثر لاستنزاف آخر ما تبقى من ‘خردة’ في جيوب ‘عامة الناس’؟
كل البنوك تزعم أنها تيسر خزائنها للقروض الشخصية والعقارية والاستثمارية، كل البنوك توزع بالملايين ‘بروشرات’ التسهيلات التي تقدمها للمواطن والمقيم وغيرهما، ولكن إذا جئنا للحقيقة، لأرض الواقع، نرى العكس تماماً، إذ تزداد الأرباح على كاهل المواطن يوماً عن آخر، والرسوم الإدارية وغيرها تتفرع لتستنزف من المواطن أرباحاً إدارية أخرى للبنوك، وكل ‘تأخيرة’ دفع قسط وراءها أرباح تبرر بألف ‘تخريجة’ ووراءها أيضاً التزام ‘قهري’ بدفع هذه التأخيرة وإلا ‘البنفيت’ لك بالمرصاد، فلا أمل لك بعدها في اقتراض أي مبلغ مالي ما لم تف بدفع كل أرباح البنك مقدماً وربط عنقك مضطراً قرب بوابته كـ’قربان’ أمانة.
كنا نتمنى من هذه البنوك التي تتفاخر بأرباحها نصف السنوية والسنوية وجوائزها المالية الشهرية والدورية والتي يحصدها بعض من لم يدخر في خزائنها غير بطاقة اشتراك في المسابقة لا تتجاوز عشرين أو خمسين ديناراً، بينما ‘تهرب’ هذه الجوائز عمن رهن بيته وعنقه وأمواله لهذه البنوك، كنا نتمنى أن تستثمر هذه الأرباح لتخفيف الأرباح نفسها عن المواطن جراء أي قرض يقترضه من هذه البنوك، وتقدم التسهيلات التي تذهب لصالح الوطن وتنميته، مثل الدراسة والمشاريع الخيرية والإنسانية والاستثمارية بجانب مساهمتها في بناء مراكز للإنتاج الفني والمهني والإبداعي التي يستفيد منها كل مواطن يعيش على أرض هذا الوطن ويفيد بها بالمقابل وطنه، كنا نتمنى أن تذهب بعض أرباحه كمنح وبعثات لتدريس الموهوبين في شتى المجالات، ليشكل من جانب آخر رافداً موازياً للجهات التنموية في البلد.
ما الذي تفعله هذه البنوك من أجل الوطن والمواطن؟ نادرة هي تلك التي تسهم بين فترة وأخرى في تعضيد المشاريع الخيرية، ولكن أن نجد مثلاً بنكاً أو مؤسسة استثمارية تهتم بتشجيع اقتصاد المعرفة أو استثمار الثقافة والفن، فذلك يكاد يكون من المحال، باستثناء بنك أركبيتا الذي لا يمكن أن يتجاهل أحد دوره في رفد المشاريع الإنسانية والثقافية والفنية والأثرية ودعمها باستمرار، ومثله نحتاج لأكثر من بنك يعي هذا الدور.
أعود ثانية للأرباح والجوائز المالية وأتساءل: إذا كانت هذه الأرباح والجوائز المالية هي في واقع الأمر أموال ورواتب المواطنين وغير المواطنين الذين يفتحون حساباتهم في هذه البنوك، فلماذا لا يستفيدون منها بشكل يخفف عنهم أعباء الديون والحياة؟ ولماذا يحق للبنوك هذه أن تستفيد من هذه الأرباح لبناء فروع ومؤسسات استثمارية لها في كل مكان وزاوية في الوطن وأن تتاجر بأموال هؤلاء الناس بمزاجها؟ لماذا لا تفكر في مشروع يعنى بضرورة تقليل حلقات القيود والأغلال التي حاصرت بها هؤلاء الناس؟ لماذا تسعى إلى توريط الناس بمغريات بنكية أخرى كلما استفحل الحصار المالي على أعناقهم؟ لماذا صار المواطن البسيط بالذات يخشى على مستقبله ويشعر أن لا أمان ولا ضمان من بنوك تجعله تابعاً لها باستمرار، خصوصاً مع غياب الرقابة والحماية اللتين تضمنان له على الأقل حقه في الاعتراض على من يأتمن أمواله في خزائنه ومستودعاته؟
البنوك تضع المواطن أو المقترض حين تستدعي حاجته الاقتراض منها، أمام تسهيلات ومغريات لا مثيل لها، ويندر أن تقدمها بنوك أخرى، ولكن ‘حين يطيح الفاس في الراس’ تجعل هذه البنوك من هذه التسهيلات والمغريات ‘خناقة’ على رقاب المقترضين، بمجرد طلب المقترض إعادة جدولة أقساطه أو تخفيفها مؤقتاً نظراً ـ مثلاً ـ للغلاء الذي فتك برواتب الناس بشكل مروع أو زيادة أعبائهم الاقتصادية.
من حق أي مواطن أن يتساءل: لماذا تتباهى هذه البنوك بأرباحها وجوائزها المالية التي هي في حقيقة الأمر أموال غالبية المواطنين في هذا الوطن، وتعلنها في كل سانحة إعلامية وفي مختلف المناسبات، بينما ‘تستخسر’ على هؤلاء المواطنين خصوصاً المتضررين منهم أن يطلبوا منها حفظ ماء وجوههم وتخفيف الأعباء الربحية عنهم، والتي لم يستثمروا منها غير جلودهم العارية؟
الوطن 16 يوليو 2008
اعذروهم إن أوجعت ظهورهم.. سكاكينكم ..
في لحظة حميَّة، حمل الناشط البيئي محمد جواد حسين نفسه واعتصم عند أحد مصانع المعامير رافعاً لافتة تقول ‘إذا استحال إيقاف المصنع.. فيكفي ما قدمته المعامير من ضحايا’، فما كان من السلطات إلا أن اعتقلته حتى أفرجت عنه أمس الأول..
سؤالي هو: لم أفرجتم عنه ؟! لماذا لم تعدموه جزاءً له على فعلته النكراء ليكون عبرة للآخرين؟!
فليسمح لي الأخ محمد، ولكن كلمة الحق تقال.. مالك أنت وشأن التلوث في المعامير؟!
ماذا لو توفي 12 شخصا من المعامير العام الماضي بمعدل شخص لكل شهر؟! شخص ووواحد في شهر وتعتبر ذلك كثيراً؟!
ولماذا تنصبون العداء لهذه المصانع المسكينة؟! تريدون منهم أن يغلقوا مصانع تدر الآلاف شهرياً من أجل صحتكم؟! تريدونهم أن يشجروا المنطقة للحد من تبعات السموم أو يركِّبوا أجهزة تنقية مكلفة؟! ألا تعرفون أن كلفة الشجرة الواحدة تصل لـ 500 دينار!!
ألا تخافون الله لتشقوا على المصانع وتكلفوها آلافاً مؤلفة من الدنانير التي كدّ فيها عمّال السخرة الآسيويون؟!
مالكم يا أهل المعامير لا تفقهون نقيراً؟!
ثم لماذا تأتون كل حين على ذكر حادثة تسرب الغاز التي وقعت في 2004 وتسببت في 54 حالة اختناق و4 حالات إجهاض.. ولماذا تذكِّروننا على الدوام بمئات الشباب الذين اختطفهم السرطان في السنوات الأخيرة؟! ألم تقل لكم وزارة الصحة أن هواءكم نقي..؟! ألم تؤكد لكم الهيئة العامة للحياة الفطرية -مراراً- أن الغازات بريئة مما يصيبكم؛ لماذا تعاندون إذن؟! هل سمعتم قط أن هناك جهة حكومية تكذب؟! معاذ الله لم نر منهم يوماً إلا الصدق؛ فيما نراكم يا شعب البحرين تمتهنون الكذب حتى صار لكم ديدناً!!
وما قصة أهل الحد اللي ‘طالعين طلعة’ هذه الأيام؟! ماذا لو جاورتكم المصانع.. ماذا لو نصت الشروط البيئية على أن الفاصل المسموح به بين المصانع والمناطق السكنية يجب أن لا يقل عن 5 كيلومترات و’قربت’ الحكومة المصانع حبتين وقلصت المسافة لـ10 أمتار.. ماذا تريدون، أن ينقلوا المصانع للصخير ورأس البر يعني.. إذا نقلنا المصانع هناك أين سنخيم وأين سنذهب للقنص؟! لماذا انعقدت ألسنتكم؛ أجيبونا!!
لا تصيبنّكم يا أهل الحد عدوى أهل المعامير وسترة وتوبلي فتغدوا من المكروهين.. ربما ستسلبكم المصانع صحتكم وتزيد معاناتكم – القائمة أصلاً- مع الأورام السرطانية، ولكن كله يهون في سبيل التجارة والصناعة.. ثم إن الموت علينا حق.. فلا تجرحوا إيمانكم بالاعتراض على قضاء الله وطاعة أولي الأمر..
ولتعلموا أن الدولة عفت – من طيبها- عن محمد جواد رغم جريمته، ولكن للصبر حدود.. وللبيئيين وأحلافهم المتصدين للأمر نقول: الحكومة ‘أبخص’ بمصلحة مواطنيها، فلا تدسوا أنوفكم فيما ليس لكم شأن فيه.. أما لأصحاب المصانع المعلنين والمخفيين فنقول: لا تأخذونا بذنب السفهاء منا.. في المرة القادمة التي تصفعوننا فيها على خد.. سنقلب لكم خدنا الثاني.
الوقت 16 يوليو 2008
قضية نموذجية في العمل المطـــلبي
على مدار عامين ونصف يتحرك النشطاء العماليون الذين فصلوا من عملهم في شركة “ألبا” إبان مرحلة قانون أمن الدولة، خاصة في فترة الحراك النقابي والعمالي النشط بين السبعينات والثمانينات، من أجل الحصول على تعويضات جراء ما لحق بهم من تعسف، وبعائلاتهم وأبنائهم من أذى جراء قطع أرزاقهم، لا لشيء سوى دفاعهم عن حقوق الطبقة العاملة، بما فيها الحق في تشكيل النقابات. هؤلاء النشطاء لم يتعرضوا فقط للفصل من أعمالهم، وإنما تعرضوا أيضاً للاعتقال والسجن لعدة سنوات جراء مواقفهم المشرفة هذه.
في ظروف البحرين الجديدة، حيث يتيح هامش الحريات المتاح خوض معارك مطلبية ناجحة، كان مقر المنبر التقدمي خلال العامين والنصف الماضيين يستضيف بصورة دورية عشرات من هؤلاء العمال، من اجل متابعة ملفهم، ورسم خطة التحرك مع الشركة والجهات المعنية من أجل بلوغ حل مشرف للقضية، ينالون على أساسه تعويضاً مالياً عما تعرضوا له.
خاض العمال، من خلال نقابة “ألبا”، وعلى رأسها النقيب الشاب والنشط علي البنعلي، مفاوضات صعبة مع إدارة الشركة، لم تخلُ من صعوبات جدية، حيث أصرت الشركة على استبعاد بعض من وردت أسماؤهم في القائمة المقترحة لأنها ترى أن شروط التعويض لا تنطبق عليهم، إلى أن جرى في نهاية المطاف تثبيت قائمة بأسماء اثنين وثلاثين نقابياً وناشطاً عمالياً من مناضلي سنوات الجمر، بينهم اثنان من أبرز النقابيين الذين غادروا الحياة الدنيا في ظروف إنسانية صعبة هما الراحلان عزيز ما شالله وحميد عواجي، رغم ممانعة الشركة، حتى مرحلة متقدمة في المفاوضات، في إدراج اسميهما على قائمة مستحقي التعويض، بينما أصرت الشركة على استبعاد اسم المناضل العمالي الراحل إبراهيم سلمان الذي اعتقل وشرد من وطنه سنوات.
بفضل الموقف الصلب لأصحاب القضية ولنقابة ” ألبا “، وبجهدٍ مشكور من النائب عادل العسومي أمكن في نهاية المطاف دفع مبالغ التعويض المستحقة التي نجحت النقابة في رفع سقفها لتبلغ تسعة عشر ألفا وأربعمئة دينار لكل عامل. مع ذلك فإن إدارة الشركة جعلت الفرحة منقوصة، حين استبعدت ثلاثة أسماء أخرى من القائمة التي جرى الاتفاق بينها وبين النقابة عليها، دون مسوغ يُعتد به، وهو أمر يتعين على الشركة سرعة المبادرة في تصحيحه، لينال كل ذي صاحب حق حقه الذي هُضم في سنوات العسف التي حُكمت فيها البلاد بقانون أمن الدولة البغيض.
هذه القضية، إن بدت في الظاهر قضية صغيرة، فإنها تقدم نموذجاً ناجحاً في العمل المطلبي المثمر الذي تخوضه الطبقة العاملة البحرينية، وتدلل على مهارة حركتها النقابية اليوم في إدارة العمل المطلبي والتفاوض الجماعي، كتجسيدٍ للوحدة العمالية، التي من خلالها يمكن نيل الحقوق. كما إن النجاح في مثل هذه القضية هو، في بعض معانيه، يشكل جانباً من الوفاء لمرحلة نضالية مشرفة من تاريخ طبقتنا العاملة ولجنودها المجهولين الذين بفضل تضحياتهم وتفانيهم ونكرانهم للذات أمكن لطبقتنا العاملة أن تنال ما نالته اليوم من مكتسبات بعد إصلاحات جلالة الملك.
الأيام 16 يوليو 2008
في الأزمة الكهربائية
تبدو الانقطاعات الكهربائية التي تشهدها مناطق واسعة متفرقة من البحرين بين الفينة والأخرى والتي كان أسوأها شمولاً وطولاً انقطاع ظهيرة أحد أيام الاثنين من الشهر الفائت.. تبدو هذه الانقطاعات وكأنها بروفات مبكرة تنذر بما هو أسوأ مع تقدم الصيف ووصول الحرارة إلى ذروتها خلال شهري يوليو الجاري وأغسطس المقبل.
وإذا كان أحد المسؤولين أكثر صراحة من احد مسؤولي الهيئة في التبشير بهذا المستقبل الكهربائي القاتم المظلم الذي تنتظره البلاد فمن الواضح جيداً ان هيئة الكهرباء ليس لديها حلول سحرية فورية لمواجهة لا الأزمة الكهربائية الراهنة ولا كما هو متوقع حسب تصريح المهندس الجودر بتحول هذه الأزمة إلى كارثة في السنوات القليلة المقبلة وبخاصة في ظل تزايد السكان وزيادة المشاريع العمرانية والاستثمارية وجل ما تستطيع هيئة الكهرباء فعله هو عبارة عن حلول ترقيعية بتحسين ما يمكن تحسينه من الخطوط الكهربائية وتجديد ما يمكن تجديده من مجمعات ومحطات توليد كهربائية فحتى المحطات الجديدة أو الموسعة أو المحسنة هي عاجزة عن مواجهة الأزمة، كما من الواضح جيداً إن مشروع الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون لم يصل إلى مرحلته النهائية بعد ليكون جاهزاً للتنفيذ.
كما يبدو أيضا ان البحرين هي أكثر دول المجلس تعرضاً للأزمة الكهربائية. ومن إحدى محاولات الحلول التي تبذلها منذ زمن طويل للتخفيف من حدة الأزمة القيام بإعلانات وشعارات توعوية للمواطنين لترشيد استهلاك الكهرباء، لكن من الملاحظ ان هذه الإعلانات والشعارات يغلب عليها طابع الرتابة واللغة الإنشائية الخشبية غير المثيرة والجذابة. وبهذا المعنى فالوزارة بحاجة الى استقدام خبراء إعلاميين ولغويين يتعاونون مع المهندسين والفنيين الكهربائيين لاستنباط اقوي وأفضل الشعارات والإرشادات الجذابة والمؤثرة في وعي المواطن لحضه على الترشيد في استهلاك الكهرباء ما أمكن ذلك سبيلاً.
والى جانب ذلك فإنه بات مطلوباً من هيئة الكهرباء بصورة ملحة أن تنظم برامج ومقابلات تلفزيونية توعوية حول هذا الموضوع فضلاً عن تكثيف التواصل مع الصحافة، ورب احد يقول ان الأزمة إنما يتحملها الأثرياء والميسورون وأرباب الأعمال والشركات الكبرى بالدرجة الأولى وليس المواطنون من ذوي الدخل المحدود، وهذا لا ريب صحيح، لكن يظل من الصحيح أيضا ينبغي ان نعترف بأن نسبة غير قليلة من المواطنين من محدودي ومتوسطي الدخل ليس لديهم إحساس كاف بأهمية ترشيد الاستهلاك وليس لديهم رقابة صارمة على نسائهم أو على أبنائهم للالتزام بهذا الترشيد، وبخاصة ونحن اليوم كآباء أمام أجيال جديدة لا تتحلى بأدنى شعور من المسؤولية تجاه ما يكابده آباؤهم من معاناة مريرة في توفير لقمة العيش.
لكن هذا لا يعني في المقابل ألا يكون لهيئة الكهرباء دور في التشديد على مدى احتياجات البلاد في التوسعات الاستثمارية وتفعيل الرقابة الميدانية على أعمال التسليك وإحجام استخدام الطاقة في كل مشروع استثماري او عمراني كبيرين.
اخيراً فإن الملاحظ ايضاً غياب دور الجمعيات البيئية في بث التوعية بضرر الإفراط في إنتاج واستخدام الكهرباء على البيئة كمصدر للتلوث وأحد أسباب الاحتباس الحراري، لا بل حتى إرشادات وإعلانات الكهرباء التوعوية خالية تماماً من هذه المسألة رغم اهميتها. ولأن هيئة الكهرباء والجمعيات البيئية غابت تماماً عن اليوم العالمي لإطفاء الكهرباء لمدة ساعة واحدة والذي نظمه في ربيع هذا العام الصندوق العالمي للحياة البرية بالتعاون مع المنظمات البيئية العالمية لتكثيف توعية المستهلكين بمخاطر الإفراط في إنتاج الطاقة الكهربائية ليس على الموارد المالية فحسب بل على البيئة. ولعل لسان حال الطرفين بأن البحرين ليست بحاجة الى ساعة لتوقيف الكهرباء باعتبارها تشارك على طريقتها الخاصة بالاقتصاد في الكهرباء بالانقطاعات الجبرية لساعات طويلة طوال الصيف.
أخبار الخليج 15 يوليو 2008
دور العبادة والسياسة
بين وزارة العدل وجمعية العمل الإسلامي سجال عنوانه استخدام دور العبادة لأغراضٍ سياسية. الوزارة احتجت لأن الجمعية المذكورة عقدت جمعيتها العمومية الأخيرة في صالة ملحقة بمأتم سار، فأوقفت عنها الدعم المالي الشهري ما لم تبادر إلى تصحيح الوضع بإعادة الانتخابات في مكانٍ آخر. والسجال أخذ أو كأنه يأخذ طريقه للقضاء، الجمعية رفعت دعوى ضد الوزارة لأنها أوقفت عنها الدعم المالي دون وجه حق كما ترى الجمعية، والوزارة رفعت أو سترفع دعوى ضد الجمعية لأنها خالفت قانون الجمعيات السياسية بإجراء انتخابات قيادتها في مكانٍ يُصنف على انه من دور العبادة. سبق أن أبدينا رأينا في هذا السجال، وقلنا إننا، ومن حيث المبدأ ضد استخدام دور العبادة على إطلاقها لأغراض العمل السياسي والحزبي، وقلنا أن الحوار هو السبيل الأجدى، وأشدنا بحكمة جمعية الوفاق حين تحاشت معركة لا مبرر لها، فعدلت عن عقد مؤتمرها في مأتم، وأقامته في خيمة بساحة عامة، ونصيحتنا لأخوتنا في العمل الإسلامي ألا يجعلوا من هذه المسألة قضية كبرى، لأن الدور المطلوب منهم يتخطى الاستغراق في هذا السجال. على صلة بهذا الموضوع نريد أن نسأل الأخوة المسؤولين في وزارة العدل عن قولهم في خطيب جمعة يعتلي المنبر ليخطب في الناس قبل أن يؤمهم للصلاة، فينهيهم عن تنظيم اعتصام مشروع ومصرح به، يحتجون فيه على إقامة مصنع للاسمنت في منطقة سكنهم، لأن في ذلك ضرر لهم ولأطفالهم. وما قولهم أيضاً في أن هذا الخطيب، الذي قيل بأنه من جنسية عربية، تمادى في الأمر فقال أن في تنظيم الاعتصام عصيان لأُولي الأمر، لكأن أولي الأمر يريدون الضرر لأهل منطقة الحد حيث خطب الإمام في أحد مساجدها، وحيث يُشيد المصنع المذكور. تحدثت الصحافة عن ما جرى، لكننا لم نسمع قولاً من المسؤولين في وزارة العدل الذين وضعوا على عاتقهم، مُحقين، مهمة الوقوف ضد الاستخدام السياسي لدور العبادة. ولكن السياسة واحدة، أكانت من موقع الموالاة أو المعارضة، فما لا يجوز لجمعية معارضة يجب ألا يجوز لجهة أو لخطيب أو إمام أراد أن يجعل من ننفسه منافحاً عن الحكومة، في شأن هو في جوهره شأن سياسي، حين نهى الناس عن استخدام حقٍ مشروع كفله لهم القانون والمشروع الإصلاحي لجلالة الملك في أن يعتصموا ويحتجوا ويتظاهروا سلمياً دفاعاً عن حقوقهم. سنقول عن وزارة العدل أنها تُكيل بمكيالين، حين ترفع الصوت عالياً ضد جمعية سياسية عقدت مؤتمراً في مأتم، وتصمت صمت القبور عن خطيب، لا عن خطباء، يوظفون المنابر سياسياً، لا لتزيين أعمال الحكومة فحسب، وإنما للتعريض بمن له رأي مخالف في أداء الحكومة. مطلبنا بسيط: الاحتكام إلى نصوص القانون في أن لا تجير أماكن العبادة تجييراً سياسياً لا لصالح الحكومة أو ضدها أو ضد سواها من قوى المجتمع. تعالوا نتفق على كلمة سواء.
صحيفة الايام
15 يوليو 2008
هتلر وفرانكو في مقصورة المباراة
كلما عبرنا من قرن إلى آخر نجد جنون الكرة ومحبتها وعشقها يزداد دون حدود، بل وتزداد موجة الموضات والاحتفائية المحمومة بكل مباراة، وتتصاعد تلك الحالة مع الدورات الرياضية والمنافسات الحادة، ويفرح المضاربون في السوق السوداء بموسم البيع، حيث تصل أسعار التذاكر إلى حالة الجنون لمجرد استعداد رجل عادي الدخل شراء تذكرة المباراة النهائية لكي يتذكر طوال حياته انه كان »حاضرا« وعاش معركتها ولوحاتها الفنية وسمع الأغاني والشتائم وكل مفردات العصبية والتشنج والتوتر، واستعداد كل واحد للصدام والمشاحنة إذا ما تم استفزازه وهو في حالة الهزيمة والانكسار.
وتتسع دائرة جنون القرن الحادي والعشرين ظاهرة تصاعد حضور النساء في المجتمعات المختلطة، بل وانكسارها وانكماشها التدريجي في المجتمعات المحافظة المغلقة، إذ اخترقن النساء حلقة التابو فذهبن إلى حلبة المباريات، وان كن قليلات العدد في مجتمع مازال ذكوريا، ولكن الجنون والموضة المشتركة بين النساء والرجال في مجتمع مختلط هو ذلك التفنن في الماكياج والملابس وكل ما يمكن تخيله فلا احد يهتم بساعة الجنون، فالجميع ذاهب لمعركة جميلة وكرنفال رياضي وكل شيء فيها محتمل إذ تختلط الدموع بالفرح والزعيق والصراخ بالتوتر وبكل ألوان الغضب والعنفوان إلى حد الصدام العنيف دون خوف أو تردد من شرطة مدججة، فعندما يغضب المنهزمون فلا شيء يردعهم، وعندما يثور الهستيريون فلا يمكن إرجاعهم عن دائرة النار فقد فقدوا السيطرة على مشاعرهم وعواطفهم المجروحة. لهذا من الأفضل تركهم في التنفيس بأقل ما يمكن من الفعل وتجنيبهم الدخول في حلبة العنف والدم.
أما الجنون الآخر والموضة المتصاعدة هو اهتمام رجال الأعمال بصورة اكبر بتوسيع حلقة »البزنس« وتصاعد أسعار اللاعبين والمضاربة بهم خفية، فمن جهة يقدم سمسار تسعيرة عن طريق مندوبه ثم يذهب آخر من نفس المافيا ويرفع السعر، فإذا بأندية أخرى تسعى محاولة وبسرعة لاختطاف ذلك اللاعب والتوقيع معه بسرعة وحجزه قبل أن يصطاده طرائد البزنس المقنّعين بلعبة رفع الأسعار مما يجعل النادي مالك »العبد الجديد« مضاربا جيدا في جني المزيد من الربح.
كما يتفنن رجال الأعمال في الدعاية والإعلان وإنتاج سلع التسويق المتعلقة بالنادي واللاعبين، بحيث غرقت الأمكنة والمحلات بالفانيلات والقبعات وكل ما يمكننا تصوره من فن التسويق وتسليع الإنسان الرياضي والمشجع المهووس، فهناك ضحية دائما يتم استغلاله واستغلال عاطفته واندفاعه اللامحدود وتعلقه بحب لعبة شعبية جذبت معها في العقدين الآخرين كل النخب دون استثناء، فوجدناهم وقد صاروا في عالم الكرة الجزء الحاضر في المنافسات الرياضية الهامة، فباتوا يتحلقون الطاولات ويحجزون أمكنتهم في أغلى الفنادق ويتسامرون في أمسية ساخنة حول من بالإمكان أن يفوز في هذه المباراة ؟ ومن هو الفريق الذي سيصل إلى نهائي الدورة الساخنة ؟
هذا ما جعلني اقلب أوراقي وأتابع الناس وهم يركضون بقوة لمتابعة دوري كأس الأمم الأوروبية مؤخرا، وتخيلت أن الفوهرر هتلر بيننا وصديقه فرانكو حاضرا لحظتها، وكيف كانا يتبادلان التحايا من بعيد، إذ يبعث برقية كل واحد للآخر، متمنيا للنازية والفاشية الانتصار فذلك هو انتصار لشعوبها وقيمها وأفكارها.
بتلك الروح عادة يدون الساسة رسائلهم ويتمنون لأفكارهم أن تكون سائدة في كل مجال، فالفخر والاعتزاز القومي نعرة وعصبية دائمة لتلك القيادات، بل وصارت لدى قطاع واسع من الناس إلى درجة »استملاك« مشاعرهم المريضة وأصبحوا مستعدين للتقاتل والصدام مع الطرف المنتصر. ما جعل هتلر يحتار هو وصول اسبانيا لنهائي المباراة وقد جلس الفوهرر هادئا قبل صفارة الحكم، وحالما بدأت صفارة الحكم بدأ يتقافز كالفأر فيما اخذ فرانكو يزعق »فيفا اسبانيا« متناسيا الأفكار المشتركة لقيمهم، ومع كل ضربة اسبانية يفرح فرانكو ويصفر وجه الفوهرر فضاع تواضعه وهدوءه واخذ بعدها يتحسس مسدسه بهدوء مع اقتراب انتهاء موعد المباراة. وعندما اخذ اليأس يدخل قلب الفوهرر كان الفرح يشحن قلب فرانكو الاسباني المشحون بحماس الماتادور، فيما هاج الثور داخل كيان هتلر. وبدلا من أن يسل فرانكو سيفه ليقتل الثور الهائج، فان اختراق الهدف في مرمى هتلر كان كافيا لجعل الفوهرر يسل مسدسه ويضعه في صدغ فرانكو ويرديه قتيلا، فالهزيمة لألمانيا من أي طرف كان حتى من »رفاق الدرب« لا يجوز، فألمانيا بلد لا يعرف الهزيمة. بعدها اكتشف الجمهور حماقة هتلر وكل مجانين الحرب في ألمانيا فهم عرّضوا البلاد لحربين مدمرتين خسروا فيها منجزاتهم.
التعلم من المباراة يجعلنا نتعلم من الحرب، بأن لا احد بإمكانه أن يكون منتصرا دائما، فمن غابوا عن المقصورة في فيينا هذه المرة سيكون آخرون محلهم مستقبلا، المهم أن يتعلم الجميع تجرع الكأس كأس المرارة وكأس الفرح والنشوة العابرة. فالماكينة الألمانية هذه المرة أصابها العطب !! فرشاقة الماتادور الاسباني، كانت أسرع واخف من حركة وثقل »الثور« الألماني.
صحيفة الايام
15 يوليو 2008
مجلس التعليم..استيقظ أيها الزوج المخدوع
أصدرت وزيرة التربية والتعليم العالي الكويتية نورية الصبيح صباح أمس قراراً يقضي بوقف إلحاق الطلبة الكويتيين بالدراسة في تسع مؤسسات تعليمية نالت البحرين شرف احتلال 3 مراكز منها.. إذ شمل المنع سبع معاهد ‘لاحظوا معاهد’ مصرية مغمورة: كمعهد الجزيرة بالمقطم، ومعهد الفراعنة للحاسب الآلي، والمعهد العالي للدراسات التكنولوجية بالإسماعيلية.
أما مملكة البحرين فتضمن القرار وقف التحاق الطلبة بالجامعات’ التالية:
– 1الجامعة الخليجية في الكليات التالية: كلية التربية، الهندسة، إدارة الأعمال، وكلية الحقوق .
– 2 جامعة دلمون للعلوم والتكنولوجيا في كلٍّ من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، والحقوق.
3- جامعة العلوم التطبيقية في الكليات التالية: كلية الحقوق، وكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية .
بالطبع ليست تلك هي المرة الأولى التي تعبر فيها الكويت عن ضيقها من مستوى الجامعات البحرينية فقد سبق هذا القرار قرارٌ يقضي بعدم الاعتراف بشهادات بعض الجامعات البحرينية، ولكن البحرين سخرت علاقاتها المتينة مع الكويت لإلغائه.. وقدمت البحرين – ممثلةً في مجلس التعليم العالي- وعوداً غليظة للجميع بضبط الجامعات والنهوض بها.. بما فيها الصحافة التي نبرت مثالب تلك الجامعات وحذرت منها..
ومحدثتكم هي إحدى من شيموا ليعلقوا الحديث عن تجاوزات الجامعات تحت راية ‘أن العمل جار’ وأن المشكلات ‘ستؤول الى زوال’.. ومرت الأشهر الطوال ولم يتغير في الأمر شيء.. فلازالت تلك الجامعات تتماهى مع كل شرط وتتحرر من كل قيد.. ومازالت إدارة التعليم العالي – كالزوج المخدوع- آخر من يعلم بما يجري داخل أسوار الجامعات..
فمسؤولونا الطيبون ينطلي عليهم ما يرونه في الزيارات المعدة سلفاً وتخيل عليهم ‘استعراضات’ رؤساء الجامعات.. ويظنون أن كل ما يقال عن جامعاتنا في الداخل والخارج كذبٌ مفترى.. وأن من ينتقد الجامعات ما هو إلا كذاّب أشر يريد ضرب مكانة البحرين التعليمية لصالح جامعات دول الجوار.. متجاهلين أن من ينتقد الجامعات فإنما يفعل ذلك من حرقة قلبه على سمعة البحرين وعلى شباب البحرين؛ الذين يسعدهم في البدء أن يروا أن المرحلة الجامعية أسهل من الإعدادية وأن يحصلوا على درجات عالية لم يحصلوا مثلها في الروضة حتى إن هم ما تخرجوا ودخلوا سوق العمل كانوا أشبه بمن رُمي في البحر دون أن يُعلم السباحة..!!
أما الطلبة الخليجيون الذين يدرسون في جامعتنا فقصتهم أدهى.. فهم يدفعون الرسوم – أحياناً من دولهم- وقد يقصدون البحرين للتروح والتنزه.. أما حضور المحاضرات بل وحتى الامتحانات فغير ضروري.. المهم أن يصل الشيك ولا ضير في بعض الهدايا للمدرسين.. وعندما يأزف الموعد القانوني للتخرج ترسل لهم الشهادة – حيث هم- بالبريد المسجل!!
أنكروا المشكلة كما تشاؤون وكابروا بقدر ما تستطيعون.. اليوم أصدرت الكويت قراراً ضد بعض جامعاتنا ‘وهناك من سيرد اسمه عاجلاً أم آجلاً’ وغداً ستكون السعودية وبعدها الإمارات.. وستغدو البحرين مضرباً للأمثال في الشهادات المضروبة..!!
فهل هذا هو ما نريد..؟!
الوقت 13 يوليو 2008