منذ نحو عقدين تنبهت إحدى الدول الخليجية الشقيقة إلى أن مناهج التربية والتعليم التي تُدرس في مدارسها قد أخذت تكتسب جُرعة سياسية تناسب هوى أحد تيارات الإسلام السياسي المعروفة. كما إن إدارات بعض المدارس والمناطق التعليمية في هذه الدولة الشقيقة، وتحت تأثير توجهات المسؤولين في وزارة التربية وميول بعض المدرسين الوافدين من دول عربية أخرى من المنتسبين أو المتعاطفين مع التيار السياسي ذاته قد منعت دروس الموسيقى في المدارس، وأوشكت أيضاً أن تمنع دروس الرسم.
بتوجيهات من رئيس تلك الدولة الخليجية الشقيقة جرى تغيير وزير التربية، وبعض طاقم الوزارة من كبار المسؤولين، وأُخضعت مناهج التربية إلى مراجعة شاملة، في سبيل تحريرها من جرعة التسييس التي شبعوها بها، وأعيد الاعتبار للمواد والمقررات الدراسية التي جرى استبعادها من قبل المسؤولين السابقين في الوزارة. تذكرت ذلك، وأنا أطالع التقرير المنشور في صفحة البرلمان من عدد الأمس من “الأيام” عن ازدياد وتيرة التدخل السياسي في العمل الإداري لمجلس النواب، وخلص التقرير إلى أن الأمانة العامة في المجلس ما هي إلا إحدى المؤسسات التي تتكالب تيارات الإسلام السياسي للسيطرة عليها، فهناك مؤسسات رسمية أخرى تشهد هذا التكالب.
ولا يمكن تجاهل المعطيات المتداولة عن تمكن ممثلي هذه الاتجاهات من الإمساك بمفاصل مهمة في عددٍ من وزارات وإدارات الدولة، للدرجة التي جعلت سمو رئيس الوزراء يدعو مؤخراً إلى فصل العمل الديني عن العمل الحكومي. نحن لا ندعو لاستبعاد أي مواطن بسبب انتمائه السياسي عن وظيفته؛ ففي دولة تنشد الديمقراطية من حق جميع المواطنين أن يختاروا الفكر أو الاتجاه الذي ينسجم مع قناعاتهم وميولهم، دون أن يؤثر ذلك على حياتهم الوظيفية والمهنية.
ولكننا نقف ضد أن تُستبعد معايير الكفاءة والتكافؤ في الفرص، وتُغلب عليها توجهات التمكين السياسي والإداري لفريقٍ سياسي بعينه، ليمارس من مواقع التمكين هذه، سياسة الإقصاء لغيره وفق معايير حزبية تارةً ومذهبية تارةً أخرى. وليس مصدر دعوتنا هذه، باعتبارنا ناشطين سياسيين، هو الدعوة لإحلال تيار سياسي آخر محل من يجري تمكينهم الآن، وإنما إحلال الكفاءات من أبناء وبنات هذا الوطن، وهم في جلهم غير منتمين سياسياً، ولا حتى متعاطفين مع هذا الاتجاه أو ذاك.
لا نحسب أن دولة تفكر ببُعد نظر يخفى عليها ما الذي يعينه أن تجد مفاصل ذات تأثير في أجهزتها الإدارية في أيدي اتجاهٍ سياسيٍ بعينه في المستقبل المنظور وغير المنظور حين يسعى هذا الاتجاه لفرض رؤاه وتصوراته وحتى أجدنته السياسية والفكرية على الأجهزة التي يمسك بمواقع القرار فيها، وما الذي سيتركه ذلك من تأثيرات على توجهات الحكومة التي يُفترض فيها أن تكون على مسافةٍ متساويةٍ من كافة مواطنيها وقواهم الاجتماعية. وهذا ما ندعو دولتنا للتبصر فيه.
صحيفة الايام
12 يونيو 2008
عن “التمكين” الإداري للبعض
مستقبل لبنان في عهد الرئيس سليمان
على مدى 30 عاماً ونيفاً منذ اندلاع الحرب الاهلية عام 19 1975م لم يرأس لبنان رئيس توافقي كاف يحظى بالاجماع او شبه الاجماع الوطني على الأقل بين مختلف فئاته وشرائحه وقواه السياسية والدينية، فمعظم الرؤساء الذين تعاقبوا على الرئاسة خلال هذه الفترة الطويلة، ان لم يكن كلهم، إما جاءوا الى سدة الحكم في ظل انقسام سياسي وطائفي خطير، وبعضهم بالقوة العسكرية، لا بل وبعضهم الآخر على ظهر دبابات الاحتلال الاسرائيلي ابان الاجتياح الاسرائيلي عام 1982م، وإما جاءوا الى الحكم في ظل غياب ارادة وطنية لبنانية كاملة مستقلة وبمباركة لوصاية سورية ابان وجودها العسكري في لبنان وعلى الاخص بعد انتهاء الحرب الاهلية منذ مطلع التسعينيات.
وحتى الرؤساء الذين نجحوا في تحقيق شيء من التوافق والاجماع الوطني فإنه سرعان ما يفشلون في الحفاظ على هذا الاجماع الوطني الهش الذي حققوه ويتركون الرئاسة او يجبرون على تركها بعد انقسام سياسي وديني خطيرين حول استمرار وجودهم في السلطة تميل كفته الى شبه الاجماع على رفضهم ورفض تمديد وجودهم في رئاسة الجمهورية ولاسيما حينما يتم هذا التمديد لهم بضغوط وتدخلات من الوصاية السورية كما حصل على نحو مفضوح امام الملأ العالمي في تمديد ولاية الرئيسين الاخيرين الياس الهراوي وأميل لحود على التوالي. وبعد اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين والذي تم بمقتضاه انتخاب الرئيس الجديد الحالي العماد ميشال سليمان تلوح اليوم في الافق بشائر عهد جديد مختلف كلياً عن العهود السابقة التي تعاقبت على الرئاسة طوال الحرب الاهلية وفي حقبة ما بعد هذه الحرب منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي حيث امتازت معظم عهود الرؤساء الذين تعاقبوا بالخضوع إما للإملاءات الاسرائيلية والامريكية وإما لاملاءات الوصاية السورية.
فعلاوة على ان الرئيس الجديد سليمان جاء بتوافق وطني واضح من قبل مختلف القوى السياسية والدينية بعيداً عن أي شكل من اشكال التدخلات الاجنبية، امريكية كانت ام عربية، فإن سجل سيرته الذاتية النظيف الحافل بالمواقف التي تشهد له بالنزاهة والاستقامة والتجرد الوطني، ومن ذلك دوره في تصدي الجيش اللبناني للاعتداءات الاسرائيلية على جبهة البقاع خلال التسعينيات، وكشف عدة شبكات تجسس اسرائيلية، ودوره ايضاً في التصدي لاعمال المنظمات الارهابية في مخيم نهر البارد وكذلك التصدي للعدو الاسرائيلي ودعم المقاومة حتى تحرير الجنوب عام 2000م. وما كان الرئيس سليمان ان يحقق كل هذه الانجازات العسكرية والوطنية لولا ما قام به مقدماً من دور وطني في الحفاظ على وحدة المؤسسة العسكرية الوطنية وسط اخطر ظروف من الصراعات والانقسامات بين القوى السياسية والدينية يمر بها وطنه.
وقد جاء خطاب القسم الذي القاه الرئيس العماد ميشال سليمان امام البرلمان الذي انتخبه بشبه الاجماع ليعزز من هذا الرصيد الوطني وذلك لما تضمنه من مرتكزات مبدئية متوازنة تشكل القواسم المشتركة لتوافق اللبنانيين على اختلاف مشاربهم السياسية والدينية. ومما لا شك ان هذا السجل الوطني النزيه الذي يتمتع به الرئيس الجديد المنتخب والذي عزز من رصيده بخطاب القسم وبما باشره حتى الآن من خطوات واجراءات مشجعة للحفاظ على مكتسبات الوفاق الوطني في الدوحة.
على ان نجاح الرئيس الجديد في تعزيز واستثمار رصيده الوطني السابق لكسب رصيد شعبي جديد في ادارة دفة الحكم انما يتوقف على عاملين رئيسين: الأول: مدى تفهم الفرقاء اللبنانيين الذين توافقوا على انتخابه لدوره كرئيس لدولة ذات سيادة ولكل اللبنانيين وبما يقتضيه هذا الدور من مهام وسلطات تعلو على ارادات الاحزاب والفئات. ومن ثم حاجة الرئيس لدعم وتعاون مختلف القوى والاطراف للقيام بهذا الدور والمهام والسلطات. الثاني: مدى قدرة الرئيس الجديد نفسه على ارساء نهج دائم يرتكز على الوقوف قدر الامكان محايداً حياداً ايجابياً وطنياً بعيداً عن تجاذبات الفرقاء في الداخل بما يحفظ الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية، وبعيداً عن ضغوط وتدخلات القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. بحيث تكون المصلحة الوطنية العليا الجامعة لكل اللبنانيين هي الفيصل في سياساته الخارجية ومواقفه تجاه القوى الكبرى ولاسيما اذا ما تسنى وقوف الى جانبه حكومة وحدة وطنية تتفهم هذا الدور وتلعبه الى جانب رئيس الدولة.
ولعل واحداً من القرارات الصغيرة الرمزية والكبيرة في دلالاتها التي اقدم عليها الرئيس سليمان مؤخراً والتي لا تخلو من مغزى عميق ودلالات سياسية ليس على صعيد لبنان فحسب بل والعالم العربي قراره بازالة جميع صوره واللافتات التي تمجده بمناسبة انتخابه من الشوارع والميادين العامة. وكما نعلم جيداً فكم أدى تاريخياً الافراط في مثل هذه المظاهر داخل الدول العربية، والتي تتم لاشباع نزوة العظمة لدى قائد الدولة العربية، في تكريس ظاهرة عبادة الفرد ناهيك عن صرف الملايين من الخزانات العربية على ذلك.
صحيفة اخبار الخليج
11 يونيو 2008
غداً سيفوت الأوان
لا نرمي إلى أن نلتمس لمجلس التعاون الخليجي عذراً أو أعذاراً في قصور أدائه، وإنما لنقرر حقيقة أن هذا المجلس عمل وسط ظروف إقليمية معقدة، ربما لم تشهد منطقة أخرى في العالم العربي مثيلاً لها على مدار ربع القرن الماضي. لكن تقرير هذه الحقيقة لا يمكن أن يُعفي المجلس من مسؤوليات ما يؤخذ عليه من تقصيرات، تجد تعبيراتها في أن طموحات شعوب المنطقة وتطلعاتها تجاه المجلس أكبر بكثير من الذي أنجزه حتى الآن طوال الفترة التي انقضت منذ قيامه، وفي أن المسافة بين اتخاذ القرارات وتنفيذها ما زالت مسافة طويلة.
فالمجلس لا يسير بالوتيرة المفترضة منه في اتجاه أن يكون وحدة اقتصادية إقليمية وسوقاً مشتركة وأن يكرس مفهوم المواطنة الخليجية بما تعنيه من حرية التنقل من دون جوازات أو معابر حدودية ومن مساواة في الحقوق والواجبات، ومن توحيد لأنظمة التعليم والثقافة والخدمات وسواها، فضلاً عن إقامة الهياكل السياسية الموحدة التي تتمتع بمقدار من الاستقلالية عن سيطرة حكومات المنطقة. الإقليم الخليجي منظوراً إليه من زاوية الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون يبدو منظومة بشرية وجغرافية محدودة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن دولنا محاطة بثلاث دول مفصلية ذات عمق بشري واستراتيجي وتاريخي وجغرافي واقتصادي أيضاً.
فهناك إيران التي يتراوح عدد سكانها اليوم بين ٥٧ و٠٨ مليون نسمة، في حين يبلغ عدد سكان اليمن نحو عشرين مليون نسمة، ويتوقع المراقبون أنه خلال عشر سنوات سيكون عدد سكان هذه الدول المحاذية قرابة مائة وسبعين مليون نسمة، فيما لن يتجاوز عدد سكان دول مجلس التعاون أربعين مليوناً أو خمسة وأربعين مليوناً خلال هذه الفترة. وليس المراد من إيراد هذه الحقائق رسم صورة متشائمة أو سوداوية لمستقبل هذا الإقليم، لأن بوسع دوله أن تحول دون ذلك إن هي تبصرت في شؤون المستقبل بجدية وبُعد نظر، والتفتت إلى الشأن التنموي والسياسي وفق هذه الرؤية. ليس لدينا هامش كبير من الوقت نؤجل فيه اتخاذ القرارات الصعبة باتباع سياسات جديدة وجريئة، والذهاب نحو تنفيذها بجسارة، عبر معالجة ديناميكية تأخذ في الاعتبار الجديد في نظم الإدارة والتعليم والتمثيل السياسي والمشاركة الشعبية. علينا أن نفعل ذلك الآن، فغداً سيفوت الأوان.
صحيفة الايام
11 يونيو 2008
هذه تسيبي ليفني.. فهل ستصافحونها مجددا؟!
بدءا على الارجح من أواسط سبعينيات القرن وتحديدا منذ انحراف الرئيس المصري الراحل انور السادات بزاوية 180 درجة عن مبادئ ثورة يوليو والخط السياسي المعروف للزعيم الوطني العربي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومن ثم تقربه من الولايات المتحدة ورفعه شعار انها تملك 90% من أوراق حل الصراع العربي الاسرائيلي وان حرب اكتوبر هي آخر الحروب، الى آخر شعارات التراجع والتخلي عن كامل مبادئ ثورة يوليو منذاك شاع في الكتابات السياسية ووسائل الاعلام العربي تعبير “عرب أمريكا”، والذي أطلقته القوى والتيارات الوطنية والقومية العربية للدلالة على بروز تيار يميني عربي جديد لا يتوانى عن الاجهار بتفويض أمريكا لرعاية مشاريع سلمية تسووية لا تلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولا الحقوق العربية كافة.
فيما كانت بيانات القمم العربية حتى ذلك الوقت لا تتردد على الاقل من تدبيج الادانات المشددة بلهجة حادة لاسرائيل وجرائمها العدوانية بحق الفلسطينيين واللبنانيين، بل ولا تجد غضاضة أيضا من توجيه لوم خجول للولايات المتحدة لعدم ممارستها الضغوط على اسرائيل للتخلي عن تلك السياسات العدوانية.
في ذلك الزمان من أواسط وأواخر السبعينيات كان لم يمر على نكبة فلسطين سوى نحو ثلاثة عقود وكان التطبيع مع العدو الاسرائيلي والذي مازال يعد حينها من أكبر المحرمات لا يجرؤ أي زعيم أو قائد دولة عربي مجرد التفكير فيه أكثر ما وصل اليه خروج أكبر دولة عربية عن الصف العربي ألا هي مصر بعقد صلح منفرد مع هذا العدو عام 1979 بقيادة انور السادات نفسه عراب هذه السياسة الانحرافية التي ابتهج لها عرب أمريكا فيما بعد رغم ظهورهم بمعارضتها في حينها.
اليوم وقد مرت ثلاثة عقود اضافية على تدشين هذه السياسة وليمر بذلك 60 عاما بالتمام والكمال على النكبة التي خاض حربها ويا للمفارقة التاريخية ثلاثة جيوش دول عربية واقعة تحت تأثير الاستعمار الغربي، بصرف النظر عن هزيمتها في هذه الحرب غير المتكافئة، فما هو المشهد السياسي الرسمي للعلاقات العربية الاسرائيلية عشية وغداة احتفال “اسرائيل” بعيد انتصارها على العرب في هذه النكبة الكارثة؟ لعل القاء نظرة سريعة على صورة واحدة من هذا المشهد ليختزل لنا على نحو مكثف حجم التغيرات المريعة المذهلة التي آلت اليه الاوضاع العربية بعد 60 عاما في ظل سباق التخاذل عن نصرة القضية الفلسطينية والتنكر لابسط مستلزمات الواجب القومي.
فقبيل أيام قليلة من ذكرى النكبة اي قبيل احتفالات اسرائيل بانشائها طارت الارهابية الصهيونية الاسرائيلية الى بعض الدول الخليجية لتصافح بيديها النجستين الملطختين بدماء أبرياء شعبنا العربي الفلسطيني ايدي “عرب” من الذين كانوا حتى السبعينيات يطلق عليهم “عرب امريكا” ولم يجدوا غضاضة اليوم من البوح والتبجح بالتطبيع مع العدو الاسرائيلي والظهور مع قادته الارهابيين في صور استفزازية علنية أمام شعوبهم. ولم تمر سوى أيام قليلة من بدء احتفالات اسرائيل بستينية انشائها حتى فجرت صحيفة “ذي صنداي تايمز” قنبلة من العيار الثقيل للسجل الارهابي لهذه الارهابية المتغطرسة ليفني والمرشحة ان تتولى رئاسة الحكومة الاسرائيلية لتكون ثاني امرأة صهيونية ارهابية تتولى هذا المنصب بعد الارهابية الراحلة جولدا مائير.
فقد كانت الوزيرة ليفني منخرطة في جهاز الموساد الارهابي الدموي ولعبت دورا رئيسيا في تجنيد عملاء لاغتيال قادة المقاومة المدنيين في أوروبا خلال الثمانينيات. لا بل انها، كما تشير الصحيفة البريطانية، كانت من ضمن فرق الكوماندوز الذين شاركوا في تلك التصفيات الارهابية، ومنها عملية تصفية الشهيد الفلسطيني مأمون مريش في اثينا عام 1983م. وكانت ليفني قبل ضلوعها في هذه الاعمال الارهابية ضابطة في جيش العدوان الاسرائيلي، وقد عملت بعد انخراطها في الموساد الى جانب أكفأ ضباط الاستخبارات الارهابيين من رجال الصاعقة الاسرائيليين لتخطيط وتنفيذ الكثير من العمليات الارهابية التي راح ضحيتها عشرات القادة من منظمة التحرير والمقاومة الفلسطينية.
أكثر من ذلك فقد كانت ليفني ابنة نجيبة لابويها الارهابيين التي عددت “الصنداي تايمز” عمليات كثيرة تورطا في ارتكابها بحق المدنيين ابان الانتداب البريطاني على فلسطين. هذه هي تسيبي ليفني يا عرب، وهذا هو سجلها الارهابي الملطخ المجلل بالعار والملطخ بدماء الابرياء المدنيين وقادة النضال الوطني الفلسطيني المشروع والذي تطلق عليه حكومتها وأمريكا “ارهابا”، فهل ستصافحونها مجددا أم ستحتفظون بذرة من الحياء أمام شعوبكم التي لطالما ظلت كرامتها مستباحة ردحا من الزمن على أيديكم؟!
صحيفة اخبار الخليج
10 يونيو 2008
كيانات وُجدت لتفكك
أوروبا تتوحد، ومحل الكيانات – الدول ينشأ اتحاد يأخذ شيئاً فشيئاً من سيادة تلك الدول في اتجاه بلورة هوية أوروبية مشتركة، أما عالمنا العربي – الإسلامي فيزداد تفككاً، وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فعلينا توقع انبثاق كيانات جديدة أصغر فأصغر. يدفعنا ذلك إلى مشارف الاستنتاج، فنقول إن الدولة- الأمة في أوروبا قد استوت إلى مرحلة النضج، التي لا تجعلها خائفة من الاندماج في كيانٍ أوسع، يُثريها وتثريه.
أما الدولة الوطنية، أو القطرية إن شئنا، في عالمنا العربي – الإسلامي فقد شارفت على مرحلة إفلاسها التام، قبل أن تنجز مهمتها، في بناء كيانات حديثة، قوية ومتطورة. نواة تمزق هذه الكيانات وانحلالها إلى عشائر وقبائل ومذاهب كامنة في بنيتها الهشة من الأساس. هذا ما يلحظه كيسنجر في مقالته موضوع الإشارة في حديثنا يوم أمس، فالحدود التي رسمت الدول والكيانات القائمة هي صنيعة المنتصرين في الحرب العالمية الأولى الذين قسموا بلدان هذه المنطقة بشكلٍ اعتباطي، يوائم توزيع الغنائم فيما بينهم، وما اتفاقية سايكس – بيكو إلا التعبير الأبلغ عن هذا “الترسيم” الاعتباطي.
هل نذهب أكثر في هذا الاستنتاج، لنقول إن الغرب، خاصة بريطانيا وفرنسا وهما يتقاسمان مناطق النفوذ في منطقتنا كانتا “تقيمان” كيانات وجدت لتتفكك بعد حين، لا لتبقى. إنه افتراض ينطوي على وجاهة، إذا ما عاينا هذا الهجين الغريب الذي تشكلت منه هذه الكيانات. وفاقم من ذلك أن من حكموها لم يتوفروا على برامج واضحة لبناء دول حديثة، تمتلك أسباب القوة والمنعة، وتحقق لشعوبها ما هي في حاجة إليه من عيشٍ كريم وحياة حرة، فلا هي أمنت لقمة العيش ولا فضاء الديمقراطية، مما جعل من هذه المجتمعات على حافات الانفجار الذي ظل مؤجلاً حتى حانت لحظته، التي يعدها كيسنجر واحدة من ثورات ثلاث في عالم اليوم.
في كلماتٍ أخرى، أضاعت هذه الحكومات فرصة أن تصهر الهجين الذي منه تشكلت هذه الكيانات في دولٍ للمؤسسات والقانون، قائمة على الحقوق والواجبات المتكافئة لمواطنيها، وتتخطى عناصر ما قبل الدولة، في اتجاه بناء الدولة. يبقى السؤال الأصعب عن حدود مسؤولية التدخلات الخارجية في دفع الأمور نحو هذا المآل، وكما في حال “اصطناع” كيانات كثيرة في المنطقة، حين كان لفعل فاعل خارجي أكبر الأثر فيه، فإن تفكيك هذه الكيانات إلى وحدات أصغر، لا يبدو أنه يجري بعيداً عن تأثير فعل فاعل خارجي مشابه. مع فارق أن مركز القرار انتقل من لندن وباريس، إلى ما وراء المحيط، في واشنطن.
صحيفة الايام
10 يونيو 2008
ثقافة التضامن “ماراثون طويل”
بعد عرض قائمة أسماء الموقعين على ميثاق، “صحفيون ضد الطائفية”، والتي أطلقتها جمعية الصحفيين، ودعت فيه إلى المشاركة والتضامن مع هذه الحملة، باعتبارها شعارا وحملة وطنية تهم مجتمعنا كافة، في أجواء بدت فيه اللحمة الوطنية التاريخية معرضة للاختراق الطائفي، والنهش من داخل نسيجنا الاجتماعي، الذي كان ذات يوم أكثر تماسكا وتداخلا وصلابة. وقد شارك فيها لفيف من الكتاب والصحفيين والإعلاميين والمثقفين، غير أن من يستعرض الأسماء الموقعة لا يجد تلك الأسماء التي يستوجب مشاركتها، ليس كون الميثاق مشروعا نابعا من جمعية مهنية وضعت على عاتقها حمل رسالة الدفاع عن الحريات، بل وانطلقت إلى أبعاد أكثر أهمية وسياسية تؤثر مباشرة وغير مباشرة على أوضاعنا في شتى المجالات.
فالطائفية داء إذا ما استشرى وترسخ، فان مظاهره الأعمق والأبعد تعرض المجتمع إلى درجات متباينة من الصدامات اليومية والكراهية المستشرية والعزلة الاجتماعية والإنسانية والمهنية إذا ما وجدت مجالاتها الخصبة، والطائفية أخصب مجال لها. ومن هنا علينا أن نتفاعل بقوة مع أي حملة تضامنية أو تحمل في عمقها أفكارا احتجاجية رافضة إلى تلك الظاهرة السياسية الخطيرة.
دون شك إن غياب الأسماء المهمة في حياتنا الثقافية والفكرية والسياسية لا يعني أنها تقف في وجه فكرة مواجهة ورفض الطائفية، فهي ظلت وستظل تاريخا من المواقف المعادية للطائفية منذ أن حملت أفكارا قومية ويسارية وغيرها من أفكار وطنية منذ فترة الخمسينات، وقد تمنيت أسماء مهمة اعتلت منبر الصحافة والإعلام والثقافة والكتابة منذ أن كنا صغارا ورأينا فيهم نبل المواجهة والرفض لتمزيق وطننا، بل جاء هذا الميثاق الصحفي في فترة لتوها على غياب احد أبرز طلائع الصحافة الأستاذ المرحوم حسن الجشي، الذي رفع راية محاربة ومناهضة الطائفية ناعتاً إياها بتعبير، الطامة الكبرى، فكان يقرأ بنبوءة عميقة وبعيدة عن تلك الطامة. فإذا لم يضع الأستاذ الجشي لتلك الأزمة والعلة حلولا وتحركا سريعا يومها، فانه بالضرورة أشار إلى مسألة هامة هي ضرورة التماسك لوحدتنا الوطنية في زمن كان ينتمي إليه إعلاميا ورمزا من رموز صحافته الوطنية ووجها من وجوه الحركة الوطنية يومها.
من غابوا بفعل الوقت والانشغال واللامبالاة وظروف أخرى، فإننا لسنا الجهة التي ترى في غيابهم تخاذلا أو نكرانا لدور الصحافة والحريات في مواجهة الطائفية، بل نتفهم حقيقة الالتباس والارتباك الاجتماعي والسياسي والمهني، فمن غاب عن التوقيع كانت لديه أعذاره ونحن لن نرى في غيابهم تعمدا أو انصرافا عن أهمية التضامن، ولكن ما نرمي إليه في مقالتنا تلك الدلالة والقيمة السياسية للمجتمع المدني الذي عليه بناء وتكريس ثقافة جديدة وديمقراطية، يتعلم ويعلم الشارع السياسي والاجتماعي فيها قيمة واتساع المشاركة في كل ما هو يعكس الضرورات، وان نجعل من القضايا الكبرى محل اهتمام مهما كانت مشاغلنا ومواقفنا المتناقضة واختلافاتنا وغيرها من القضايا الفكرية والسياسية.
إن طرح كل مبادرة ذات قيمة سياسية واجتماعية علينا أن نغذي بها جيلنا الجديد ونعّلمه ماذا يعني قيمة التضامن والاستنكارات والاحتجاجات على كل ما هو معاديا ويمس قضايا الإنسان والمجتمع والحرية. من تقاعسوا عن التوقيع أو وجدوا في الوثيقة تمثيلا لجهة ما؛ فإنهم وقعوا في تفسيرات ضيقة في رؤاها، فمن يقرأ النص والأفكار والجهة الداعية لها يكتشف أن مجتمعنا المدني وظروفنا السياسية تتجه نحو تنشيط أفكارا ايجابية شتى.
وكما هو اليوم، فان في المستقبل قد تنطلق مبادرات وقضايا تدعونا أن نتحرك بسرعة وروح جماعية وإرادة واحدة في مناهضة الحرب والتمييز الاجتماعي والعنصري والجريمة وكل أنواع التدمير والعنف والتشديد على السلم والسلم الأهلي، وتناشدنا بأهمية وقيمة الدفاع بقوة عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، فان علينا أن نتوقف أمام كل قيمة كبرى وعظيمة في تاريخ الإنسانية التي كثيرا ما رفعت رايات خفاقة ودافعت عنها، مهما تبدلت الظروف والمراحل واستجدت المتغيرات، يبقى الإنسان والمجتمع في حراكه المستمر وصراعاته مركزا أساسيا في صلب عملية التغيير. وعلينا التعلم والتحرك في أجواء مفتوحة وجديدة وديمقراطية، إذ لا يمكن تأسيس المجتمع المدني بالزعيق، بقدر ما هو نشر الثقافة التضامنية لما هو مهم ونبيل يخدم حياتنا السياسية والأخلاقية والمجتمعية، مثل مناهضة الطائفية التي علينا أن لا نغمض العين عن كل الأصابع الأخطبوطية التي تحاول التغلغل في كياننا ونسيجنا الوطني. من ماتوا وهم يناهضون الطائفية سيظلون بذاكرة وطنية رائعة، ومن يواصلون وهم أحياء يرفعون راية مكافحتها بكل الطرق يبقون دائما هم مشعل حريتنا ونهضتنا ونسيجنا الوطني الصلب.
لهذا نحتاج لفعاليات كثيرة تفوق توقيع هام من قبل جمعية مهنية، إذ اعتبر ذلك ليس إلا انطلاقة ومبادرة خيرة للمستقبل؛ فالحرب على الطائفية ماراثون طويل.. وطويل مثال كل معاناتنا ورغبتنا في حياة أفضل لشعبنا ووطننا، وقد منحنا مشروع الإصلاح ساحة جديدة لكي نركض في الاولمبياد البحريني، فلا يجوز أن نخشى التعب واللهثان والتعثر والعطش، بل وإمكانية فقدان الثقة في النفس بأننا سنسقط من منتصف الطريق.
صحيفة الايام
10 يونيو 2008
خطر الخلل السكّاني
لا يمكن لأحدٍ التكهن بمستقبل الدول الخليجية في ظل الازدياد المطرد في أعداد العمالة الوافدة في هذه المنطقة للحد الذي أصبح فيه المواطنون هم الأقلية في أوطانهم والعمالة الوافدة هي المسيطرة على سوق العمل وعلى التركيبة السكّانية, ورغم تحذيرات المختصين من مخاطر الخلل السكّاني في الدول الخليجية إلا أنّ جميع هذه الدول تسير على خطى الإمارات العربية المتحدة التي أصبح فيها نسبة المواطنين لا تزيد كثيراً على 10 في المئة من مجمل السكّان.
فجميع الدول الخليجية تعاني من هذه المشكلة بنسب مختلفة إذ بلغت نسبة المواطنين في قطر أقل من 16 في المئة وفي البحرين تقارب عدد المواطنين مع عدد السكّان الأجانب.
وفي حين لا ننكر ما لهذه العمالة من فضل في تطوير البنى التحتية إلاّ أنها في المقابل قد استنزفت العديد من الثروات الطبيعية التي كانت ستغطي الاحتياجات الطبيعية للمجتمع وفق الزيادة المعقولة في عدد السكّان فهذه الأعداد الكبيرة تحتاج إلى المياه والكهرباء والسكن, ما يعني نضوب المصادر الطبيعية للمياه نتيجة الاستنزاف الجائر و تحويل وبناء المزيد من محطات توليد الكهرباء وتحويل المناطق الخضراء والمزارع إلى مناطق سكنية لاستيعاب العدد المتزايد من السكّان, وذلك فضلا عن اختفاء الأحياء الشعبية وازدياد معدلات الجريمة واضمحلال الهوية الوطنية للشعوب الخليجية.
المختصون يرون أنّ المنطقة تواجه أكثر من خطر في المستقبل إنْ لم يتم تغيير نمط التنمية فيها وبالتالي تغيير اتجاه العمالة من القطاع العقاري إلى القطاعات الصناعية والإنتاجية, فمن المعروف أنّ القطاع العقاري يحتاج الى أعداد كبيرة من العمالة التي تكون في غالبيتها غير ماهرة وغير مدرّبة في حين تحتاج القطاعات الصناعية وخصوصاً الصناعات التقنية الى عمالة أقل تكون مدرّبة تدريباً جيّداً للتعامل مع الآلات الحديثة .
الباحث الاقتصادي جعفر الصائغ وجّه في إحدى الندوات تحذيراً خطيراً الى الدول الخليجية حين قال:” إنّ دول المنطقة ستظل في أمان متى ما ظلت العمالة الأجنبية مسلوبة الحقوق, ومتى ما وعت العمالة الأجنبية لحقوقها فإنّ الدول الخليجية ستتعرض الى كارثة خطيرة”.
إنّ المنظمات الحقوقية والعمالية والدول المصدرة للعمالة تضغط الآنَ على الدول الخليجية من أجل تقديم المزيد من الحقوق لهذه العمالة كحرية التعبير وتشكيل النقابات العمّالية وحرية الإضراب ورفع الأجور وتحسين السكن, وكل ذلك سيتحقق إنْ عاجلا أو آجلا وسواء شئنا أم أبينا.
الوسط 6 يونيو 2008
قبل أن تصبح عسكر وسافرة الديه الجديدة..
قلنا بالأمس إننا مقبلون على مستقبل مكفهر.. فالبحريني لا يملك إلا أن ينظر للمجنسين على أنهم من أخذوا عنه (عنه لا منه) بيته ووظيفته ومقعده الدراسي.. والمجنس بدوره لا يقبل أن يُزدرى؛ أو يعامل كدخيل وهو يحمل جنسية لا فرق فعلياً بينها وبين جنسية أعتى شخصيات هذا البلد..
والإنصاف يقتضي منا ألا نلوم أياً منهما؛ فكلاهما ينوء بأكلاف التجنيس السياسي وضريبته الثقيلة.. التجنيس السياسي الذي نُعِدُّه الكبوة الأكبر والأخطر للبحرين في تاريخها الحديث، عندما استجابت لمشورة عمياء من المستشارين الأجانب الذين – نفخوا – بجدارة في هواجس الحكومة إبان الانتخابات لينفذوا أكبر عملية تجنيس في تاريخ البحرين أفضت لتجنيس 38 ألفاً و225 شخصاً(1) – على الأقل – خلال الانتخابات فقط. وهاهي الحكومة الآن قد تورطت خصوصاً لما وجدت أن من جنسوا – عشوائياً وعلى عجل – لم يكونوا بالموثوقية والوداعة التي كان عليها أسلافهم ممن جنسوا بروية وفق القانون..!!
فعلى صعيد أمني؛ تفجرت المشاكل والقضايا والسرقات. إسكانياً؛ تزايد العبء، وأصبح الناس أقل تسامحاً وصبرا فيما يتعلق بتأخر طلباتهم الإسكانية لعلمهم أن مجنساً ما قد حصل على المسكن قبلهم. سياسياً: صارت مسألة التجنيس مشنقة تعلق لذوي القرار كل يوم. وكلها سنوات – واذكروا ما أقول- وسينقلب هؤلاء على المجتمع والبلد الذي اضطهدهم مطالبين بإدخالهم في نظام المحاصصة المعمول به سراً في توزيع المناصب والوظائف العامة.
وإن كنتم تؤمنون – كمحدثتكم – بأن الماضي قد مضى واننا أولاد اليوم.. فسترون أن نهاية هذا النفق لا يجب أن تكون بائسةً كما تشير الطلائع.. إذ مازال بالإمكان معالجة هذا الوضع ومنع استفحاله لو تضافرت القوى لما فيه الخير والصالح..
ومبادرة ذلك يجب أن تنطلق من الحكومة من منطلق ‘اللي شبكنا يخلصنا’؛ بأن تَعِدَ الحكومة سراً أو علانية بوقف التجنيس بعيداً عن سدةّ القانون؛ على أن تتوج هذه المصالحة بتعديل قانون الجنسية لسنة 63 وتوابعه بالعودة لقانون 1955 الذي يسمح – فقط – بتجنيس من أقام باستمرار في البلاد لمدة لا تقل عن 10 سنوات؛ شريطة أن يكون مالكاً لملك غير منقول؛ ولم يرتكب أية جريمة، وأن يحسن التكلم باللغة العربية وأن يملك الأهلية القانونية والمادية والثقافية لكي يكون بحرينياً.
والأهم من ذلك.. أن تفعّل الحكومة البند الثامن من قانون الجنسية الخاص بسحب الجنسية ممن يدان خلال 10 أعوام من تجنسه بأية جريمة تمس الشرف والأمانة؛ وسيكون ذلك كفيلاً بتنقية المجنسين من العناصر الرديئة التي تعتريهم..
من جهتنا.. كعامة وشعب.. علينا أن نجاهد أنفسنا لتخطي و’بلع’ هذا الواقع في حال ما أعطت الحكومة أي مؤشر إيجابي بشأن هذا الملف.. كما وعلينا تجنب اضطهاد المجنسين ما أمكن لئلا يترعرع الناشئة منهم على الحقد – حقداً – يدفعهم لأعمال انتقامية ضد المجتمع والنظام، يتحولون بفضله لبؤر توتر تزيد وضعنا – المعقد أساسا – تعقيداً وتأزماً..
(1) وفقاً للخبير القانوني د.حسين البحارنة، الوقت 9 كانون الثاني 2007
صحيفة الوقت
9 يونيو 2008
المال والأحزاب السياسية
ديمقراطية بدون أحزاب سياسية متكافئة الفرص. وإن أحد أهم علائم جدية أي مشروع إصلاحي تكمن في الموقف من الأحزاب السياسية ودورها دون محاباة. بل أنها تعكس الحالة العامة لرقي الدولة. مفكر القرن الثامن عشر الفرنسي أغيسو قال بحق إن ‘الإدارة المتطورة هي تلك التي تتمتع فيها كل الأحزاب بإمكانات متساوية’.
لا تزال القوى السياسية البحرينية تشتكي من تقييدات قانون الجمعيات السياسية رقم (26) لسنة .2005 غير أن شكاواها أصبحت تتعالى في الفترة الأخيرة من ضعف أوضاعها المالية التي تمنع أكثرها، من لعب الدور المناط بها في مقابل القوى التي تمتلك قنوات واسعة، مرئية وغير مرئية، لتدفقات الأموال الطائلة. إن مبلغ 4 ملايين دينار (نحو 6,10 مليون دولار اميركي) التي جرى عنها الحديث لتمويل 15 جمعية سياسية من قبل الدولة للعامين 2006-2007 يعتبر زهيدا جدا إذا ما قورن بإمكانات الدولة وبالدعم المقدم لمنظمات أخرى غير سياسية، وكذلك بالمقاييس العالمية.
من المفيد أن تجري دراسة مقارنة جدية لتجارب عدد من البلدان المتقدمة في هذا المضار للخروج بالنموذج الأمثل لتمويل نشاط الأحزاب السياسية من قبل الدولة بشكل خاص. ولفتح الطريق أمام مثل هذه الدراسة نتطرق هنا بعجالة إلى بعض من التجارب العالمية. وأهمها ثلاث: ألمانيا، فرنسا وروسيا. ألمانيا هي من أوائل من أدخل نظام تمويل الأحزاب في تشريعاتها. أما فرنسا ففي كافة مجالات بناء الدولة تشكل جاذبية عالية للدول الفتية، بما في ذلك نظامها لتمويل الأحزاب السياسية. أما روسيا فدولة عظمى، لكنها تتشابه مع بلداننا من حيث ظروف التحولات الديمقراطية.
تشير التجارب العالمية إلى نوعين من تمويل الدولة – مباشر وغير مباشر. يتجسد الثاني في مجانية استخدام قنوات الإعلام الرسمية، توفير المقرات المناسبة للأحزاب وكتلها النيابية، التسهيلات أو الإعفاء الكلي من الضرائب والرسوم، مجانية المراسلات البريدية. ويمارس التمويل غير المباشر اليوم في خمسين دولة من العالم. أما التمويل المباشر فتمارسه 53 دولة عن طريق مخصصات تحددها ميزانية الدولة. وتختلف طريقة تحديد حجمها من بلد لآخر. ورغم أن كثيرا من بلدان العالم يربط تمويل أنشطة الأحزاب بالانتخابات، إلا أن عملية التمويل تستمر حتى في السنوات التي لا تجرى فيها انتخابات.
ولكل من نظم التمويل في هذه الدول أهدافه السياسية المحددة. لكن الأهداف الأساسية تبقى ممثلة في ضمان استقلالية أكبر للأحزاب السياسية عن المجموعات واللوبيات الصناعية المالية والتقليل من عدم تكافوء الإمكانات في التنافس السياسي بين الأحزاب. فهذا يرسخ مبدأ المساواة الديمقراطية ويعطي لكل مشاركي العمل السياسي إمكانات متساوية للانطلاق. وأخيرا يضمن ذلك إيجاد معايير التحكم في تدفقات المال للأحزاب وتضمن الشفافية الضرورية في أنشطتها.
وضعت في هذه البلدان نماذج لتمويل الدولة للأحزاب، بحيث لا يحصل على الدعم إلا من حظي على، أو تخطى حصة معينة من دعم الناخبين. ففي ألمانيا تحصل على تمويل الدولة الأحزاب التي حصلت على ما لا يقل عن 5,0% من أصوات الناخبين أو 1% في الانتخابات المحلية. في فرنسا يجب أن تبلغ هذه النسبة 5%. أما في روسيا فتوفر الدولة التمويل في حال حصلت قائمة الحزب الفيدرالية على 3% من أصوات الناخبين الذين صوتوا أو حين يتم انتخاب 12 مرشحا في الدوائر الانتخابية ذات المرشح الواحد، أو عندما يحصل مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة الروسية على ما لا يقل عن 3% من أصوات الناخبين الذي شاركوا.
هناك دول تطبق نموذجا خليطا من الاثنين مثل أسبانيا. في بعض البلدان يوزع قسم من المخصصات (البرازيل 10%، إيطاليا 15%) كمنح متساوية بين جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان. وعدا المخصصات التي يتم توزيعها طبقا لنتائج الانتخابات في بعض البلدان (النمسا، إيطاليا، أسبانيا وغيرها) توضع مبالغ نقدية خاصة تحت تصرف الكتل الحزبية في البرلمان.
وتختلف هذه الدول في طريقة تحديد الحجم العام لتمويل الأحزاب السياسية. في ألمانيا يتم تعويض الأحزاب عن نفقاتها في الانتخابات بنتيجة حاصل ضرب 70,0 يورو في عدد إجمالي الناخبين في المنطقة الانتخابية، و85,0 يورو إضافية عن كل ناخب عندما يتعدى عددهم 4 ملايين شخص. ويوزع هذا المبلغ على الأحزاب في تناسب طردي وعدد الأصوات التي حصلوا عليها. وفي فرنسا تخصص الميزانية سنويا مبلغا ثابتا لدعم الأحزاب السياسية بمقدار 80 مليون يورو. وبخلاف ألمانيا لا يوزع هذا المبلغ حسب عدد الأصوات، بل تناسبا وعدد ممثلي الحزب في البرلمان. في روسيا يحدد المبلغ الإجمالي بمقدار 5 روبلات ( 2,0 دولار) مضروبا في عدد الناخبين المدرجين على القوائم في آخر انتخابات للدوما أو لرئاسة الدولة. ويوزع هذا المبلغ طردا وعدد الأصوات التي حصل عليها هذا الحزب أو ذاك في الانتخابات.
لتفادي التأثيرات السلبية لاعتماد الأحزاب على تمويل الدولة كلية أدخل في التشريع الألماني معيار حقوقي يحدد سقفا لإجمالي تمويل الأحزاب بمقدار 133 مليون يورو في السنة، أو 532 مليون يورو للدورة البرلمانية الواحدة. وبالعكس، في فرنسا جرى منذ منتصف التسعينات ترسيخ اتجاه أن التدفقات الأساسية في ميزانيات الأحزاب السياسية تأتي بدرجة أساسية من تبرعات الأشخاص الطبيعيين، وبدرجة أكبر الأشخاص الاعتباريين، وخصوصا الشركات الصناعية والمؤسسات المالية الخاصة. وبذلك نشأت إمكانية تحول الأحزاب إلى لوبيات لتأثير مجموعات المال صاحبة القدرة. وهذا ما حدا بفرنسا في العام 1995 من جديد إلى إصدار قانون يمنع تمويل الأحزاب من قبل المؤسسات والشخصيات الاعتبارية الخاصة. ومنذ تلك اللحظة أصبحت جميع الأحزاب تعتمد في حملاتها الانتخابية وأنشطتها اليومية على تمويل الدولة بالكامل.
إن دراسة أكثر تعمقا لهذه النماذج المختلفة من تمويل الدولة للأحزاب السياسية يتيح لنا الخروج بالنموذج الأمثل لظروف بلادنا ومنطقتنا وحاجات قواها السياسية لتلعب دورها المطلوب ولتشكل مكونا هاما من مكونات البناء السياسي لدولنا.
صحيفة الوقت
9 يونيو 2008
قمة روما تشبع جياع العالم كلاماً
عبر وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني الذي استضافت بلاده مؤخراً قمة الأمن الغذائي العالمية عن خيبة أمله في البيان الختامي الذي تمخضت عنه القمة وقراراتها باعتبارها لا ترقى الى ادنى الطموحات التي يتطلع إليها جياع شعوب العالم. كما عبر فراتيني عن “قلقه” لأن قادة الدول الذين اجتمعوا في روما لم يتوافقوا على تدابير اكثر طموحاً في ظل وضع طارئ ومأسوي على الصعيد الغذائي. على ان وزير الخارجية الايطالي بدا وكأنه متفاجىء بنتائج القمة ويريد ان يقنع نفسه ويقنع العالم بصدق صدمة تشاؤمه منها وكأنه يتوقع ان تتمخض القمة ببيان وقرارات غير التي خرجت بها في حين لم يكن سوى المغفلين والبلهاء في العالم هم الذين يتوقعون ان تخرج هذه القمة المهزلة بأكثر مما تمخضت عنه.
وما ذلك إلا لسبب واحد في منتهى البساطة وهو ان الذين تداعوا الى هذه القمة الانقاذية لانقاذ جياع العالم من الهلاك لم يكونوا، وعلى الاخص الكبار منهم، سوى المتسببين بالدرجة الاولى في الكارثة الغذائية العالمية الراهنة وفي مقدمتهم بالطبع الولايات المتحدة وحلفاؤها من الدول الصناعية الغربية الكبرى الاوروبية. وفي الوقت الذي لا أحد يريد ان يعترف بالمسببات الحقيقية السياسية الاقتصادية لكارثة الجوع الحالية والمرتبطة مباشرة بموجات ارتفاع الغلاء التي ضربت مختلف دول العالم قاطبة فإن المتسببين الرئيسيين في خلق الكارثة يحاولون عبثاً التفتيش عن عوامل هامشية ليلقوا عليها كامل المسؤولية مثل دور الوقود الحيوي في صنع الازمة والنقص في انتاج المحاصيل الزراعية.. إلخ.
ودون التقليل من تأثير هذه العوامل في خلق الازمة الا انها تبقى في النهاية عوامل مساعدة وليست عوامل رئيسية سياسية – اقتصادية. ولعل جاك ضيوف المدير العام للفاو (منظمة الاغذية والزراعة) التي نظمت القمة هو من اكثر كبار المسؤولين في القمة الذين اقتربوا من التلميح للجذور والابعاد السياسية للأزمة وان كان حذراً بحكم منصبه الدولي في هذه المنظمة من توجيه اصابع الاتهام مباشرة الى جهات دولية بعينها، حيث صرح في افتتاح القمة قائلا: “ان مشكلة الأمن الغذائي “طبيعتها سياسية” ويتعين المسارعة الى اتخاذ الاجراءات الشجاعة التي يفرضها الوضع لتجنيب العالم وضعا خطيرا”.
وهكذا لم تكن قمة روما على مستوى المسؤولية الانسانية العالمية مطلقا، فحينما تعترف القمة بوجود 37 دولة في احتياج انقاذي عاجل لمساعدات غذائية من الخارج، وحينما تعترف باشراف ما يقرب من مليار انسان على الهلاك من الجوع الشديد او سوء التغذية من جراء الارتفاعات الحادة في اسعار المواد الغذائية، وحينما يشير امين عام الامم المتحدة بان كي مون الى القيود المفروضة على التجارة وفرض الضرائب كأحد عوامل خلق الازمة.. نقول حينما يجري الاعتراف بكل ذلك ولا يخرج عن القمة سوى ذلك البيان الهزيل الذي لا يغني ولا يسمن عن جوع بالمعنى الحرفي والمجازي لهذا القول المأثور، فما كل ذلك الا تأكيد غياب الحد الادنى من الشعور بالمسؤولية الانسانية العليا وغياب الاحساس بتأنيب الضمير تجاه عشرات ملايين البشر المنكوبين بالكارثة والذين ينتظرون حتفهم تباعاً من جرائها في أي لحظة.
لم يستطع جاك ضيوف ازاء مهزلة هذا البيان الختامي سوى مناشدة قادة العالم لتأمين 30 مليار دولار سنوياً لتفعيل منتوج قطاع الزراعة لانقاذ العالم وستظل هذه المناشدة مجرد “مناشدة”. أما اكثر التصريحات مدعاة للسخرية المبكية فقد جاءت على لسان مساعدي ضيوف نفسه بأن القمة نجحت في “توليد وعي جديد بمسألة الفقر وارتفاع اسعار المواد الغذائية المتزامن مع النقص الكبير في انتاج المحاصيل الزراعية”. وإذ كان تقرير للبنك الدولي صريحاً قبل ايام من القمة بدعوته الى اصلاح السياسات المؤدية الى الغلاء فإن هذا البنك يتناسى او يتجاهل دور سياساته ونصائحه وسياسات الولايات المتحدة التي تهيمن عليه في خلق الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة برمتها والتي افضت الى موجات ارتفاع الاسعار والبطالة وتدني الاجور والتسريحات الجماعية من العمل. اما وقد لم يخرج من قمة روما سوى عسل الكلام فإن الكلام يظل كلاماً لا يلقم افواه مليار جائع في العالم.
معونة الغلاء ها هي الشهور تمضي اثر الشهور، ومازالت ملحمة توزيع معونة الغلاء على متدني الاجور في القطاعين العام والخاص على حالها محلك سر لا تكاد تتحرك فيما ملحمة موجات الغلاء تتواصل آكلة الاخضر واليابس ان يكن ثمة اخضر يتيم تبقى في حياة هؤلاء الناس المعيشية. لقد زهق هؤلاء الناس من ذوي الاجور المتدنية وملوا من الانتظار الذي امتهن كرامتهم امتهاناً، دع عنك امتهانها من تواضع المعونة حتى زهدوا في الكلام والمطالبة بها او الاستفسار عن موعد ولادة القائمة الجديدة حيث لم تصدر سوى قائمتين لا تغطيان الشطر الاعظم من المستحقين. ولم يبق لهؤلاء الغلابة من أمل سوى تدخل سمو رئيس الوزراء شخصياً لوضع حد سريع لهذه المماطلة ومسلسل التعقيدات البيروقراطية التي تحول دون ولادة قوائم المستحقين مرة واحدة.
هكذا مر “يوم البيئة” الشكوى من ظاهرة انحسار العمل الجماعي في مختلف مؤسسات المجتمع المدني هي شكوى عامة ومزمنة إذ باتت افضل الجمعيات حالاً هي تلك التي تحظى بثلة من الاعضاء الفاعلين الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين. على أن المأساة تعظم حينما يكون في عداد هذه الجمعيات جمعيات تعظم الحاجة الماسة لدورها وفعاليتها في المواقف واللحظات الحرجة العصيبة التي تواجه الناس خلالها قضايا طارئة بحكم اختصاص تلك الجمعيات في ظل غياب كامل لتلك الجمعيات وكأنها غير موجودة فلا تجد الناس من يناصرها ويتضامن معها في تلك المواقف.
واذا كنا بالأمس قد اشرنا غير مرة لغياب دور الجمعيات الحقوقية شبه الكامل عن قضية الثمانية، فلننظر اليوم الى الغياب الكلي لجمعيات البيئة عن احداث ووقائع متلاحقة تمس ليس اوضاع البيئة فحسب، بل وتمس المصدر الاساسي لفئة من الناس ألا هو “البحر”، حيث يعلن الصيادون احتجاجاتهم على الردم الحثيث المتواصل لما تبقى من مساحات محدودة جداً من سواحلهم ومرافئهم التي اضحت نائية عن قراهم بفعل الدفان المستديم في ظل صمت مطبق من قبل تلك الجمعيات البيئية، والاغرب من هذا ان يحدث كل ذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للبيئة والذي لا يكاد احد يسمع بفعالية تذكر في الاحتفال بهذه المناسبة.
صحيفة اخبار الخليج
9 يونيو 2008