التصريحات الأخيرة لوزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي و مناشدتها للمواطنين الذين أدرجت أرقامهم الشخصية على أول نسخة من قوائم “معونة الغلاء” بعدم مراجعتهم لمراكز التسجيل و المراجعة المعدة لهذا الغرض, تدعو إلى الاستغراب و الاستغراب و لا غير الاستغراب. دعونا نأخذها ” حبه حبه” عدد الذين يستحقون “معونة الغلاء” كما بينتها المصادر الرسمية هم في حدود 80 ألف أسرة, و الذين أدرجت أرقامهم الشخصية هم في حدود 10 آلاف, فإذا كانت سعادة الوزيرة تطلب من المدرجة أسمائهم عدم مراجعة مراكز التسجيل و المراجعة فهل تتمنى من ” 70 ألف أسرة المتبقية” المراجعة؟؟ “دربكة ” وزارة التنمية ” شرشحت” جميع المراجعين الذين راجعوا المراكز، فغالبية المراجعين من كبار السن، ولم تدرج أرقامهم بعد على قوائم المستحقين ” لمعونة الغلاء” و ردوا خائبين, إذا من هو الذي كانت تنتظره الوزارة و أنشأت له المراكز حتى يراجع ,هل هم ” المستحقين من الجن ” !!! كان أجدى بوزارة التنمية الاجتماعية أن تعلن مستحقي “معونة الغلاء” الذين لا تتوفر لديها المعلومات الكافية عنهم و مطالبتهم مراجعة مراكز التسجيل لاستكمال بياناتهم, أما أولئك الذين استوفوا الشروط و المعلومات لماذا تتعب الوزارة نفسها و تتعب نفسية المستحقين المعلن عنهم و غير المعلن عنهم, و تكرار الوزارة تصريحاتها بأن مستحقي أول دفعة هم من أكثر الأسر إيعاز, إن كان غائب على الوزارة هذه المعلومة فسوف نصرخ في أذنها بها ” حتى الذي مرتبه 1500 دينار بالزور يعيش في هالزمن، أشلون من كان معاشه 80″دينار و للوزارة أن تقدر و تقارن بين الذين يستلمون 1500دينار شهرياً و بين الذين يستلمون 80 دينار. عندها فقط ستتعرف الوزارة على الحجم الحقيقي لقائمة المستحقين الأكثر إيعازاً, و ستقودها الصدف أو ” الواقع” لأن تعي بأن كل تلك الأسر ينتظرون صرف “معونة الغلاء” على عجل.
خاص بالتقدمي
وزارة التنمية ” وين أذونك يا حبشي ؟!!”
عن خراب البصرة
في زمنٍ آخر غير هذا الزمن الرديء، كان اسم مدينة البصرة حين يرد إلى الذهن تنبعث معه أجمل الصور عن مدينة جميلة ترتاحُ على شط العرب، وتطوقها غابات النخيل الكثيفة التي تطبع المدينة بروحٍ هي منذورة لها. البصرة في الذاكرة هي أيضا مدينة النحو العربية التي دخلت في سجال من أثرى السجالات مع مدرسة أخرى لا تبعد عنها الكثير هي مدينة الكوفة. والبصرة إلى ذلك، هي البقعة التي على أرضها نشأت الحركات الفكرية والفلسفية والسياسية في التاريخ العربي الإسلامي، التي أضفت على العراق وعلى الحضارة العربية الإسلامية ما عُرفت به من خصوبة في الفكر، ومن احتكامٍ إلى العقل وارتقاء به إلى المصاف العائد له. ومن يستطع أن يكتب تاريخ الحداثة الشعرية العربية من دون أن يتوقف طويلاً أمام البصرة التي أعطتنا شعراء كباراً من وزن بدر شاكر السياب؟ الذي جعل من نهر صغير فيها اسمه “بويب” ذاكرة شعرية يعرفها القارئ العربي في أقصى الصعيد المصري أو في أبعد زنقة من زنقات المغرب الكبير. يمكن أن نستطرد في سرد مزايا وشمائل البصرة، فلا يعود بالوسع قول شيء آخر لو أن البصرة ظلت هي البصرة. لكنها لم تعد كذلك، فهي مستباحة اليوم من “زعران” الميليشيات المذهبية التي تتزيا بالأسماء شتى، وتضفي على صراعها بالسلاح الوافد إليها عبر الحدود هالات زائفة من القداسة في تبرير وتسويق صراع رخيص على السلطة في المدينة، التي يحسب كل من يسيطر عليها انه سيسيطر على العراق كله. أو لعل المتصارعين صراعاً دامياً في البصرة، يريدون من “أسر” المدينة في أياديهم أن يجعلوا منها ورقة تفاوضٍ في الصراع العبثي الجاري في البلد كله بين ملوك للطوائف دفعت بهم المصادفات وسخريات القدر إلى صدارة المشهد السياسي. كان يمكن لبلاد ما بين النهرين، لا بل كان يجب، أن يصبح لها حاضر غير هذا الحاضر البائس الذي قاده إليها المحتلون الآتون من وراء المحيط ليطلقوا من القماقم جهلة المذاهب والطوائف يتحكمون في البلاد وفي رقاب العباد. وكان يمكن للبصرة، رئة العراق على شط العرب، ومدينة السياب التي أعطتنا النحو والشعر وذاكرة النخيل، أن يصبح لها حاضر غير حاضر الصبية الموتورين الذين يعيثون خراباً في شوارع المدينة، مؤتمرين بأوامر رؤوس تلفها العمائم، السود تارة والبِيض تارة أخرى، مسكونة بشهوة السلطة.
صحيفة الأيام
8 ابريل 2008
النـواب والطائفيـة !!
خلونا من الاستجواب الذي كان من المفترض أن يتعامل معه النواب بأمانة ومسئولية وخلونا أيضاً من كل الاختلافات والتباينات التي كانت ولا تزال دائرة حول دستوريته وخاصة استجواب عطية الله الذي راهنت بعض الكتل البرلمانية لإسقاطه لمصالح سياسية لا يعلمها إلا الله ودعونا نسأل أليس من حق المواطن أن يطرح كافة الأسئلة حول تلك المراهنات والصفقات السياسية التي عرقلت الاستجواب؟
والأهم من ذلك أليس من حقه أن يسأل حول تلك “الفزعة” الطائفية البغيضة التي إن دلت على شيء فإنها تدل على التركيبة الطائفية للبرلمان؟؟
وبالتالي ماذا يستنتج هذا المواطن الذي لا حول له ولا قوة من هذه الاصطفافات الطائفية في حين أن رموز الفساد المالي والإداري أبعد ما يكونوا عن الرقابة والمحاسبة؟!
يا جماعة إن ما يجري اليوم تحت قبة البرلمان يكشف عن مدى خطورة اللعبة السياسية التي باتت خيوطها تدار بشكل طائفي ويكشف أيضا أن غياب القوى الديمقراطية والتقدمية عن السلطة التشريعية قد أخل بتوازنات المجلس وبإنجازاته والفضل يعود كما هو معروف للقاصي والداني إلى المراكز الانتخابية العامة وإلى المال السياسي الذي قال كلمته في الانتخابات البرلمانية الماضية!!
لماذا انشغل نوابنا بالطائفية وضاع الاستجواب وضاعت معه الرقابة؟؟ الجواب ليس صعباً أو معقداً بل هو بسيط جداً ويتلخص في أن بعض الكتل البرلمانية استهوتها هذه اللعبة القائمة ليس على الانحياز الطائفي فقط وإنما أبضاً على الانتهازية والتستر على التجاوزات وهنا كان بودنا أن تنحاز للوطن والمواطن لأن المواجهة الحقيقية تكمن في الرقابة والتشريع وتكمن أيضاً في إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة!!
وإذا كانت جميع الكتل ساهمت بشكل أو بآخر نحو التصعيد الطائفي فإن تجارب الشعوب التي تعاني من انقسامات طائفية ومذهبية ماثلة في الأذهان ولعل العراق أهم مثال على ذلك وبالتالي فإذا كنا في أتم الحرص على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والاجتماعي فإن الطريق الوحيد لتحقيق ذلك يتمثل في تكريس حقوق المواطنة وفي إشاعة المساواة والحريات التي لا يزال تيار الإسلام السياسي مصراً على انتقاصها وتقيدها بقيود تعود إلى عصر الظلام!
ولعل موقفهم السلبي من قانون الأحوال الشخصية والثقافة والصحافة يعكس بوضوح تام أهداف وغايات هذا الإصرار!!
إذًا فالإشكالية هنا ليس في أهمية الاستجواب وإنما في النفس الطائفي الذي رافق هذه الأداة الدستورية المشروعة.
وإلى الذين يسعون اليوم داخل المجلس التشريعي وخارجه إلى إثارة الفتن الطائفية في المجتمع البحريني المتعايش والمسالم والمتسامح نقول لهم بإيجاز:
رغم كل المصالح الحزبية والعقائدية التي تقف وراء تأجيج الطائفية.. فإن التاريخ الوطني لهذا الشعب الداعم للوحدة الوطنية طيلة مراحله النضالية والسياسية هو الكفيل بالقضاء على هكذا مشاريع وهكذا توجهات خطرة على الاستقرار.
خاص بالتقدمي
قوة الحوار
مع مضي سنوات على بدء الإصلاحات في البحرين لا يمكن الحديث بأن التمييز الطائفي قد انتهى تماما، بل إن آثاره لا تزال مستمرة. لكن الحديث يجب أن يجري الآن عن المسألة الأهم: التمييز بمختلف أشكاله، على أساس طبقي أو سياسي أو طائفي أو جنسي أو قبلي أو الأصل القومي. إذا كان من خصائص التحولات الديمقراطية أن تطفو على السطح ظواهر سلبية ترسل لنا إشارات الإنذار لكي نقوم بتشخيصها، ثم التغلب عليها أو حتى إزالتها لتفسح في الطريق أمام التطور الديمقراطي، فإن من أهمها ظاهرة الاصطفاف الطائفي التي تتقوى ليس كرد فعل على التمييز فقط، وإنما كوسيلة للهيمنة في المجتمع بهدف تقاسم بعض من السلطة والثروة والنفوذ السياسي والاجتماعي وتطويع التحولات السياسية لصالح هذه أو تلك من القوى المتنفذة على مختلف المستويات. ويفهم أي متتبع للوضع أن السلطة السياسية تبقى أهم لاعب في هذه الحلبة، وهي الطرف الأقوى الذي يستطيع أن يساعد في تخفيف الغلواء الطائفية أو أن يستفيد منها تحت مسوغ توسيع قاعدته الاجتماعية عبرها.
برز هذا الخطر بشكل يبعث على القلق عام 2005 عندما شهد البرلمان مواجهات طائفية بدأت تنسحب على الشارع. في داخل البرلمان لعب نواب كتلة الوطنيين الديمقراطيين دور الإطفائي إذ جعلوا من أنفسهم جسرا موصلا بين الاتجاهات الطائفية، وممتصا للصدمات بينها. وفي الشارع السياسي تداعت قيادتا المنبر الديمقراطي التقدمي والوسط العربي الإسلامي لدراسة الآثار السلبية للإصفافات الطائفية الحاصلة. ومن هنا بدأت الإرهاصات الأولى لفكرة مؤتمر الحوار الوطني. ثم دعا التنظيمان إلى لقاء حضرته كل القوى السياسية الخمس عشرة في مقر ‘التقدمي’ لتنتقل هذه الفكرة إلى برنامج عمل أمام لجنة التنسيق بين القوى السياسية. وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2006 انعقد مؤتمر الحوار الوطني الأول الذي ساعد كثيرا في امتصاص بعض الآثار السلبية للشرخ الطائفي. دورة البرلمان الحالية تميزت باستقطاب طائفي شديد، وغاب فيه ذلك الجسر الموصل بين القوى ذات الطبيعة الطائفية. مثل هذا الجسر كان يمكن أن يمثله ‘نواب’ من ‘التقدمي’، ‘وعد’، ‘الوسط’ أو غيرها من القوى غير الطائفية. لذا كان الصدام سيد الموقف في هذه الدورة. وانعكس ذلك على الشارع بأسوأ مما كان عليه الحال عام .2005 ولم تصبح هذه الدورة زمنا ضائعا على الشعب والبلاد، بالضبط كما كانت فترة تغييب الديمقراطية في السبعينات – التسعينات، بل إنها أصبحت موضوعيا تهدد بمواجهات طائفية لا سمح الله. هذه هي اللحظة التي لا يمكن تأجيلها لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الثاني الذي حان موعده وجرى تأجيله قبل بعض الوقت. وفي يوم السبت، 29 مارس/ آذار ,2008 في فندق كراون بلازا في العاصمة المنامة حضر ما بين 400 و 500 شخص افتتاح مؤتمر الحوار الوطني الثاني تحت شعار: ‘الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية’. وعلى مدى أشهر حضّرت لهذا المؤتمر لجنة التنسيق بين الأحزاب (الجمعيات) السياسية برئاسة الدكتور على البقارة، مسؤول العلاقات السياسية في المنبر الديمقراطي التقدمي وبدعم من معهد التنمية السياسية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في مملكة البحرين، وبالتنسيق مع اتحادات وجمعيات المجتمع المدني وعدد من الشخصيات الوطنية. كما حضر جلسة الافتتاح رئيس مجلس الشورى والنائب الأول لرئيس مجلس النواب ووزيرا دولة. مجرد انعقاد المؤتمر بحضور كامل الطيف السياسي (فيما عدا جمعية الأصالة) والاجتماعي البحريني شكل أفضل رد على الحالة السائدة. ولا ينقص من ذلك أن بعض ممثلي الاتجاهات الطائفية السياسية أو الشخصيات التي تذكي وتستفيد من نيران الطائفية قد نفست من بعض مكنونها في المؤتمر. لا بأس. ألم ينصحنا قبل أكثر من قرن المؤرخ والفيلسوف الاسكتلندي توماس كارليل (1795 – 1881) بأنه ‘إذا أردت أن تثني أحدا عن ارتكاب فعلة ما، دعه يتحدث حول هذا الموضوع : فكلما أكثر الناس الكلام كلما قل لديهم الميل للفعل’. غير أن منظمي المؤتمر لم يأخذوا بتلك النصيحة منعزلة، بل وبالحكمة التي أطلقها قبل أكثر من أربعة قرون الكاتب والفيلسوف الأخلاقي الأسباني غراســـــــيان بالتاسـار (1601 – 1658) بأن ‘التعقل في الكلام أهم بكثير من جميل الخطابة’. وبالفعل فقد توزع المؤتمر بعد الافتتاح على أربع ورش ناقش في كل منها عددا من الأوراق حول المحاور الرئيسية: ‘المجتمع المدني والوحدة الوطنية’، الإعلام والوحدة الوطنية’، ‘القوانين والتشريعات المناهضة للطائفية’، ‘التمييز والطائفية’. المفهوم والمعنى وانعكاساتهما على الوحدة الوطنية’. وخرجت بالتوصيات اللازمة. أجمع المؤتمرون على خطورة استمرار السياسات والنزعات الطائفية على المجتمع البحريني في وسط عربي يهدد بنقل العدوى في شكل عنف ودمار. وطالبوا بتأكيد قيم المواطنة المتكافئة ونبذ مظاهر التمييز بكافة صوره وشددوا على أن ‘الانتماء الوطني هو ضمانة الحفاظ على النسيج الموحد للمجتمع القائم على التعددية الطائفية والاجتماعية والسياسية’، حيث يقتضي ذلك العيش المشترك والنضال المشترك من أجل تحقيق المهام الديمقراطية. وأكدوا مسؤولية الدولة في لعب دورها كضامن للوحدة الوطنية ‘عبر تكريس قيم المواطنة المتكافئة والتعامل مع مكونات المجتمع المختلفة وأفراده بروح المساواة، وتعميم الخدمات الاجتماعية على مناطق المملكة بعدل ومساواة، ومحاربة مظاهر التمييز في التوظيف والترقية وسواها، أياً كان باعث هذا التمييز طائفياً أو مذهبياً أو قبلياً أو سواه’. وأدان المؤتمر القوى التي تعمل على توظيف ‘ما في التاريخ الإسلامي – العربي من محطات خلاف وانقسام لتحقيق أهداف مضرة بالمصلحة الوطنية العليا’. وطالبوا بـ ‘تكريس ثقافة المواطنة المتكافئة من خلال المناهج التربوية في الجامعات والمدارس، ومن خلال البرامج الإعلامية في التلفزيون والإذاعة وفي المطبوعات. ووجهوا نقدا لاذعا إلى النواب المساهمين في إحداث الشرخ الطائفي، مطالبين المجلس الوطني والمجالس البلدية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات ووسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية بأن تلعب دوراً إيجابيا في صيانة وتعزيز الوحدة الوطنية. كما طالبوا بتعديل النظام الانتخابي والدوائر الانتخابية بعيدا عن الاعتبارات الطائفية، وبما يتيح لكل القوى ن تجد لها موقعا في المجالس المنتخبة. هل من أثر إيجابي سريع وملموس لانعقاد المؤتمر؟ نعم، هذا ما تقوله بعض أحداث الأسبوع الماضي. خطب الجمعة لعدد من أئمة المساجد – شيعة وسنة – أكدت ضرورة محاربة الطائفية بكل أشكالها. وقد أفضت بعض الوساطات إلى تأجيل مسيرة الجمعة في مقابل وعود من السلطات بالإفراج من المعتقلين في أحداث الفترة الأخيرة. ورغم بعض المنغصات ناقشت الصحافة والإذاعة والندوات نتائج المؤتمر بشكل واسع وإيجابي وبروح المؤتمر لا تزال تكتب المقالات. هل سيستمر الأثر الإيجابي للمؤتمر؟ هذا ما ننتظر الإجابة عليه من ممارسات القادة السياسيين وقادة القوى الطائفية الذين يمكن أن يرتفعوا فوق الطرح الطائفي.
صحيفة الوقت
7 ابريل 2008
من الجهود العربية لمكافحة الغلاء
فيما ملحمة علاوة “الخمسين دينارا” تتواصل فصولها الطويلة، وفيما تلد مع اشراقة كل يوم فصولا ومتاهات جديدة لا أول لها ولا آخر، وفيما الاجور على حالها ثابتة لا تتزحزح، وفيما أسعار السلع الغذائية الاساسية تواصل ماراثونها في الصعود الصاروخي.. نقول: فيما كل ذلك يحدث فان عددا من الدول العربية تقدم لنا دروسا جديرة بالاقتداء في مساعيها للتخفيف من حدة الغلاء. ومهما كانت هذه “المساعي” في تلك البلدان شكلية أو محدودة وغير كافية، فانها على الأقل قياسا بما هو جار عندنا تعد أفضل بكثير من حالنا الذي يسير حثيثا من سيئ الى اسوأ. ولنتناول في هذه العجالة لماما بعض جهود مكافحة الغلاء في مصر والسعودية والامارات. ففي مصر، وبعد ان بلغ السيل الزبى في غلاء الاسعار، ولاسيما اسعار الرغيف وشحة المعروض منه تعمل اجهزة رقابية عديدة الآن لسد الثغرات التي تؤدي لظاهرة طوابير افران الخبز. وجرى ضبط العديد من المخابز التي تنتج خبزا غير مطابق للمواصفات، كما ضبطت محلات كثيرة تعمد لتخزين الطحين المدعوم لبيعه في السوق السوداء. وقامت الحكومة بفتح منافذ عديدة للبيع والتوسع في تطبيق آلية فصل انتاج الخبز عن بيعه. رئيس الوزراء أحمد نظيف اطلق دعوة لتأسيس صندوق أهلي تديره المؤسسات الاهلية للإنفاق على الاسر الفقيرة والمحدودة الدخل وتطوير الوحدات الصحية وبناء المستشفيات والجامعات الأهلية. الرئيس مبارك اعلن قبل أيام اعفاء عدد من السلع الغذائية والاساسية المستوردة من بينها الخبز من الرسوم الجمركية بغرض تخفيف أسعارها ولو نسبيا في السوق والرقابة على مدى التزام التجار بذلك. في السعودية فانه بالاضافة الى التدابير الجادة التي اتخذتها الحكومة والتي سبق ان أشرنا اليها، فقد وجه الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض تحذيرا صارما الى التجار من استغلال موجة الاسعار العالمية للمغالاة في رفع اسعار السلع الغذائية. كما دشن موقعا لمؤشر ارتفاع اسعار المواد الغذائية والتموينية. وقد لوحظ دور المؤشر وفعاليته في الحد من ارتفاع بعض أسعار المواد الغذائية. وتنفيذا لأوامر خادم الحرمين شكلت لجنة حكومية لجرد مخزون الأرز توطئة لاتخاذ آلية حاسمة لتخفيض اسعاره من خلال صرف اعانة الأرز. ومن المعروف أن هذه السلعة هي من اهم السلع الغذائية الاساسية لشعوب بلدان الخليج العربي. كما نبه الأمير سلمان أصحاب الشركات والمؤسسات التموينية بضرورة ان تكون أسعارهم مناسبة وأرباحهم معقولة داعيا اياهم إلى تجنب المغالاة في رفع الاسعار. ومن جانبها قامت امانة الرياض بإنشاء غرفة عمليات خاصة لتلقي الشكاوى من المواطنين مباشرة على الاسعار اللافتة المبالغ فيها لاتخاذ الاجراءات الرادعة بحق أصحابها بعد التأكد من ذلك، وتم فتح خط ساخن للمواطنين للاتصال بالغرفة رقم (940). في الامارات، وفي اطار الجهود العديدة التي تبذلها الجهات الرسمية والاهلية لمكافحة الغلاء والتي تناولنا جوانب منها في مناسبة سابقة بهذه الزاوية، أكد فيصل عرشي نائب مدير عام جمعية ابوظبي التعاونية ان الجمعية لن تتراجع عن موقفها ضد الغلاء، ولن تتخلى عن قرارها ببيع السلع والمنتجات الاستهلاكية بسعر الشراء، هذا على الرغم مما تعرضت له الجمعية الآن من عقوبات “تأديبية” على موقفها الوطني هذا، إذ عمد 14 تاجرا وموردا الى وقف التعامل مع جمعية أبوظبي ورفضوا تزويدها بمنتجاتهم.. وتقوم هذه الجمعية الآن مع الجمعيات التعاونية الاخرى بجولات محلية وخارجية لإفشال تلك العقوبات “التأديبية” وذلك من خلال التعاقد مع موردين جدد لتوفير المنتجات التي فرض التجار الاحتكاريون حظر توريدها للجمعية كعقاب لها على عدم التزامها ببيعها للمواطنين بأسعار الغلاء الجديدة. وتم تشكيل تكتل موحد بين الجمعيات التعاونية لرفض الانسياق مع موجات الغلاء بلا ضوابط والاصرار على نهج بيع السلع في الجمعيات بنفس سعر شرائها. وبعد، فمتى تشمر جمعياتنا التعاونية عن سواعدها للانخراط الجاد في معركة مكافحة الغلاء؟ وهل من دور منتظر يعوّل على صناديقنا الخيرية في هذه المعركة بأي سبل كانت ومهما كانت ضئيلة؟ أم هي يا ترى حاضرة دائما وأبدا للمناكفات الطائفية؟!
صحيفة اخبار الخليج
7 ابريل 2008
عن الفساد في “ألبا” – ٢
قلنا أمس إن الطريقة التي سيجري عبرها التعاطي مع قضية الفساد في “ألبا” ستُظهر مدى الجدية في التعاطي مع ملف الفساد برمته في مختلف المواقع، فإن تمت تسوية الأمر من وراء الكواليس، ومن ثم طوي ملف القضية كاملا، على نحو ما جرى مع حالات فساد أخرى أقل أهمية، فان تصدعاً إضافيا سيصيب مصداقية محاربة الفساد الآخذة في المزيد من التآكل للأسف الشديد. أما إذا ظهر أن هناك جدية وحزماً في الذهاب بالملف إلى نهاياته المنطقية، أو التي يجب أن تكون منطقية، أي تحديد المسؤولين ومحاسبتهم، فإننا بذلك نكون قد أعطينا بعض الأمل للناس في مستقبل الإصلاح في شقه الاقتصادي، وخاصة في الجانب المتصل بمحاربة الفساد. خلصنا في حديث الأمس ان شركة “الكوا” ابتزت “ألبا”، مستفيدةً من مناخ الفساد الذي جرى على خلفية الرشى والعمولات، بأن تتنازل عن ٦٢٪ من أسهم حكومة البحرين في الشركة لصالحها، وبالفعل فانه في سبتمبر ٣٠٠٢، وقبل انتهاء عقد التصدير بثلاثة شهور وُقعت مذكرة تفاهم مع “الكوا” بموجبها تبيع “ألبا” الحصة المطلوبة، أي ٦٢٪ للشركة الأولى، على أن تسجل لصالح “الكوا” مباشرة أو لإحدى شركاتها الوهمية. المضحك المبكي انه حين تم الإعلان عن التوقيع على تلك المذكرة صُوِّر الأمر على انه انجاز كبير للبحرين، في معرض تسويق الفكرة للرأي العام المحلي. تم البيع مقابل مليون طن من المادة الخام في العام الواحد، حتى يتم استكمال تسديد قيمة الحصة مع بقية الرسوم الإدارية الأخرى، وجرى كل ذلك عبر وسيط كندي الجنسية، أردني الأصل ومحامي الشركة، اللذين كانا على اتصال مع المسؤولين الواردة أسماؤهم في القضية المرفوعة الآن من قبل “ممتلكات”. يبدو أن مراجعة من نوعٍ ما للأمر قد تم بموجبها انسحاب البحرين من تلك الصفقة المجحفة، حين بات من الصعب تبرير أو اخفاء خسارة البحرين لهذه النسبة العالية من حصتها في الشركة، فضلاً عن أن الصفقة ستعطي “الكوا” قوة تصويتية في قرارات الشركة، إضافة إلى مصالح أخرى للشركة ستترتب على ذلك. لكن جهود المستفيدين من تلك الصفقة لم تتوقف، حيث واصلوا مساعيهم لإقناع الحكومة بإيجاد توافقٍ مع “الكوا” حول الصفقة. وبلغ الأمر مستوى ابتزازيا خطراً حين ضغط محامي “الكوا” على البحرين بقوة لتمرير الصفقة، وإلا فانه سيعرقل انضمام البحرين إلى اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا، بحجة انه سيكون صعباً عليه دعم موقف البحرين الراغبة في الانضمام لها. للحديث تتمة
صحيفة الايام
7 ابريل 2008
العملات الخليجية والدولار.. رسُّونَا على بر!
من يتابع تصريحات وزراء المال والاقتصاد ومحافظي المصارف المركزية في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي تطالعنا بها الصحافة من حين لآخر، توازيًا مع احتدام الجدل بشأن جدوى استمرار ارتباط العملات الخليجية، فيما عدا الدينار الكويتي، بالدولار الأمريكي، في ظل انهيار العملة الأمريكية، لابد وأن تتملكه الحيرة من اضطراب وعدم تناسق هذه التصريحات. حتى أن هذا التضارب في التصريحات راح ينسحب على الوزراء أنفسهم الذين يصرّحون بالشيء وبضده في آنٍ معًا مع اختلاف بسيط في الفارق الزمني بين التصريحين. إذ في حين يثير أحد التصريحين الانطباع بوجود توجه لإعادة النظر في الارتباط بالدولار، فإن التصريح التالي لا يترك مجالاً للتأويل بشأن استمرار عملية الربط بالدولار. حتى أصبح موضوع ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، مادة دسمة لتأويلات وتكهنات الصحافة والمحللين الاقتصاديين والماليين والمشتغلين في الحقل الاقتصادي العالمي. فمن قائل بأن دول مجلس التعاون مقدمة لا محالة على إعادة النظر في سعر الصرف الثابت الذي يربط عملاتها بالدولار الأمريكي، بما يشمل ذلك فك الارتباط كليًّا بالعملة الأمريكية، ومن قائل إن التفكير يتجه لتقليص حصة العلاقة بين هذه العملات والعملة الأمريكية بتوزيع سعر صرف الربط على أكثر من عملة عالمية بينها الدولار .. وهكذا. وكما هو معلوم فإن مثل هذه التكهنات تغذي الشائعات التي يطلقها المضاربون في أسواق القطع الأجنبي عن عمد للاستفـادة مـن فروقـات السـوق الصاعـد BULL MARKET والســــوق المتراجع (PIG MARKET)، ما يؤدي إلى تعريض العملة محل المضاربة إلى التقلبات السعرية غير المستقرة، وهو ما ليس في صالح الاقتصاد على صعيديه الكلي والجزئي. ولذلك لابد من الشفافية والوضوح في هذا المجال من جانب السلطات النقدية الخليجية. فهنالك ظرف غير طبيعي يتعرض له الدولار الأمريكي، وهو ليس ظرفًا طارِئًا كما تدلّل على ذلك الوقائع وكما تعكسها تقارير وتصريحات بعض مراكز الأبحاث والأكاديميات والاقتصاديين الأمريكيين، وانما هو حالة اختلال هيكلي في الاقتصاد الأمريكي سوف تحتاج لبعض الوقت (بضع سنوات كما تقدر ذلك بعض الأوساط الأمريكية) لإصلاحه أعطالها. وقد رأينا كيف ارتفعت أسعار عملات دول التعاون في المعاملات الآجلة تحت تأثير رهانات المستثمرين والمضاربين على ان ضعف الدولار والمخاوف من دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود ستدفع دول التعاون إلى تغيير سياسة ربط عملاتها بالدولار، فذهبت توقعات هؤلاء إلى ان الدرهم الإماراتي والريال القطري سيرتفعان بنسبة 3,3٪ و 7,4٪ على التوالي خلال هذا العام واستقرار سعر صرف الريال السعودي في التعاملات الفورية عند أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر وهو 63,3 ريال للدولار. وهذه هي النتيجة على أية حال. تقول الاقتصادية في ‘دويتشة بنك’ كارولين جرادي ‘إن انخفاض الدولار بدرجة أكبر من شأنه زيادة الضغوط التضخمية في دول مجلس التعاون وإلقاء الضوء على عدم ملاءمة السياسة النقدية التي تقودها الولايات المتحدة’. حيث وصل التضخم في دول التعاون إلى مستويات غير مسبوقة منذ 27 عاما، إذ بلغ 7٪ في السعودية و74,3٪ في قطر. هذه التطورات التي رفعت من سقف الاجتهادات بأن تعمد دول التعاون إلى إضفاء الطابع الرسمي على هذا الارتفاع لأسعار صرف عملاتها مـع الدولار (تصحيحًا للمعادلة السعرية التي تؤكّد أن العملات الخليجية مقومة بأقل من قيمتها بما يتراوح بين 20 – 30٪) لاحتواء التضخم الجارف، هي التي دفعت أوساط القطاع المالي للاعتقاد بأن دول التعاون التي تسعى للحصول على تمويل هذا العام قد تحجم عن الاقتراض بالدولار الأمريكي لتجنب تكاليف الاقتراض الإضافية في حال رفعت حكوماتها قيمة عملاتها. ومع ذلك، ورغم تزايد الضغوط التضخمية التي اضطرت على سبيل المثال قطر للتدخل وفرض ضوابط (REGULATIONS) على أسعار العقار، ورغم توصيات عديد الخبراء ومؤسسات المال الدولية مثل ألن جرينسبان رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ومجموعة ميريل لينتش المالية، الا ان الوضع لازال على ما هو عليه، ولازال نزف التضخم يفعل فعله في الاقتصادات الخليجية. حتى خيار رفع قيمة العملات APPRECIATION مقابل الدولار، إذا لم يكن بالإمكان فك الارتباط به، لازال قيد التداول الإعلامي وحسب.
صحيفة الوطن
6 ابريل 2008
ضرورة الحوار الوطني من خلال مشهد مؤتمره الثاني
بدا الحوار الجدّيّ واهناً، ناهيك عن ‘الحوار الوطني’، في مؤتمره الثاني الذي جرى لاهثاً، مسرعاً ومختزلاً في يوم السبت 29 مارس/ آذار الماضي، متخذاً من شعاره (الملتبس) ‘الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية’ ركيزته الأساس.
ولنا أن نتساءل.. ما هي ‘الثوابت الوطنية’ هذه التي يجب أن تكون فوق ‘الانتماءات الطائفية’، وكأن الانتماء في حد ذاته شائبة ونقيصة؟ في اعتقادي المتواضع ما لم تحدد هذه الثوابت الوطنية سيتحول الشعار نفسه إلى حمّالة أوجه، كل يغني على ليلاه من خلال ثوابته انطلاقاً من رؤيته وفهمه لواقع مجتمعه والوجود الإنساني ككل. بمعنى أن الإشكال لا يأتي من الانتماء مهما كان صغيراً أو فرعياً – حتى الأسريّ منه – بل العلة موجودة في المعلول، أي في من يجني ثمار الاستخدام السلبيّ/ المصلحيّ لأي انتماء، حتى ‘الوطنية’ منها؟
طغت مسألة ‘الطاعون الطائفي’، بمعنى الاستخدام السياسيّ/ المصلحيّ، على جُلّ موضوعات المحاور/ المحاضرات الأربع (المكتوبة سلفا) التي ألقيت بالتفاصيل على المتلقين (المشاركين) ولذلك لم يسعف المستمعين الوقت الكافي للإسهام في ذلك ‘الحوار’ المرجو. كان المشهد أشبه بقاعة في إحدى الجامعات – محاضر ومتلقي- بدل أن تكون ورشة عمل حقيقية، يتسنى للحضور- يومئذ – المشاركة الفعالة وأن يستفيد المؤتمرون من الجهد المبذول الذي يجب – على أية حال- أن يشكر ويقدر عليه أصحابه.
وقد تهيأ للبعض – بسذاجة معهودة – إن ما يسمى بـ ‘التمييز الوظيفي’ هو لُبّ المشكلة الطائفية، وأن ‘الحكم’ – لوحده – مسؤول عن هذا الإشكال المستعصي. وما على ‘الدولة’ إلا أن تشغل هؤلاء (مدعي الإقصاء الوظيفي) في الجيش، الدفاع، الداخلية والأماكن الحساسة وأن يتقدم ‘الوجهاء والأعيان’ لتسلّم المناصب الوزارية السيادية وبعد ذلك ستتبخر الطائفية من أرض البحرين! ناسين هؤلاء السادة ومريديهم البسطاء من القوم، الذين يحملون هذا الرأي العام السائد – للأسف – أن تركيبة البحرين الديمغرافية والنزاعات التاريخية التي أدت إلى عدم الثقة والتوجس بين قطبيّ الرحى (الغالبية الشيعية والأسرة والحكم) لا تسمح بتطبيق المُرتجى من التوقعات! بجانب أن الوزارات السيادية كانت وستظل في الأفق المنظور من نصيب أفراد العائلة الحاكمة والمقربين منها. وأن التمييز، في شتى المجالات، سلاح بيد الأقوياء والشركاء من الطرفين وسيف مسلط على رقاب غالبية المواطنين في البحرين من دون استثناء، يستشري خصوصاً بين فقراء الطائفتين الكريمتين شيعة وسنة، أعاجم وعُرب! وجوهر التمييز هو طبقي بامتياز بعيداً عن الظاهر (أو المتظاهَر) على السطح، الأمر الذي يجري النفخ فيه والزعيق حوله وكأن الجزء الآخر من الناس يعيش في العسل! ولأن الجميع مشغولون أو منشغلون بهذا الهاجس أو الوحش الخرافي المسمى ‘الطائفية’، الأشبه بأسلحة الدمار الشامل المنخرة للنسيج الاجتماعي لمجتمعنا البحريني المعاصر. بودي أن أبين وجهة نظري من خلال بديهيات أولية عدة، من الممكن أن تتلخص في النقاط الآتية:
(أولاً): للطائفية جذور من الموروث التاريخي التقليدي، أي أنها ظاهرة موضوعية لا يمكن القفز عليها برغبات ‘إرادوية’ وإن كان لابد من تقليل آثارها المدمرة وذلك بالعمل الجدّي الجامع بصبر وأناة ونفس طويل الأمد ونضال شاق ودؤوب متعدد الجوانب من أجل إحلال وعي وطني عقلاني تنويري عصري جامع محل الوعي الاجتماعي والثقافي التقليدي السائد الآن.
(ثانياً): رغم أن الطائفية بالنسبة لنا كانت ومازالت صناعة محلية بامتياز إلا أنها ظاهرة منتشرة في أغلب المجتمعات البشرية الأخرى لكن للطائفية هنا سند خارجي وامتداد إقليمي مقبل – خصوصاً – من الضفتين.
(ثالثاً): الجميع ينعت الطائفية بأسوأ الصفات ويتبرأ منها ولكن الكثرة الغالبة تمارسها عملياً على أرض الواقع، كونها أسيرة الفكر الطائفي، بوعي أو من دونه. فالممارسة الطائفية لا تتجسد في المستوى الرسمي فحسب بل هي منتشرة في أذهان ووجدان الناس، وكل قوم (طائفة) يستأسد في عرينه ضد الآخر!
(رابعاً): صحيح أن المسؤول الأساس عن انتشار’الطائفية/ المذهبية’، هو نهج الاستمرارية في تطبيق سياسة ‘فرق تسد’ المنبثقة من التركة الاستعمارية، المستخدَم بواسطة الأجنحة المحافظة انطلاقاً من مصالحها (شكل من أشكال إعاقة تفعيل مشروع الإصلاح) ولكن هذه المصلحة الطبقية المحافِظة للامتيازات تعود بالنفع المادي والمعنوي لجهات عدة في النظام وخارجه من الصفوة المتميزة والنُّخب الفاعلة، ذي المنحى الطفيليّ.
(خامساً): تركيبة الجمعيات السياسية الدينية – الطائفية والمذهبية – الفاعلة مسؤولة عن تفشيها، كون ‘الطائفية/ المذهبية’ زادها التسويقي الأهم بُغية الاحتفاظ بجماهيرها الدّهماء المستجيبة للشحن العاطفي المبني على الطائفة الواحدة العائدة لهذه الجمعية أو تلك.
(سادساً): ما يزيد الطين بلة ليس ضعف القوى التنويرية الحديثة بتلاوينها ومشاربها فحسب بل إن الجمعيات السياسية تلك، على تناثرها ووهنها، مخترقة – في الواقع – بعناصر مشحونة بالحس والفكر الطائفيين وان كان أصحابها يتشدقون بالفكر العروبي أو الأممي وذلك راجع أساساً للضعف الفكري والنظري في تلك الجمعيات النخبوية التي تعاني من الأمرّين، فقر الكم والكيف. قلة عدد الأعضاء والقاعدة الهشة، المتجسدة في شُح الكوادر العمالية الكادحة والمثقفة ذوي المصلحة الأولية لسيادة الوعي الوطني الحق.
(سابعاً): عدم وجود تشريعات واضحة ملزمة تحد من الطائفية في شتى المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الحقوقية، الثقافية وغيرها.. من هنا كم هو مهم أن يبادر أصحاب القرار بسن تشريعات وقوانين عصرية جسورة في شتى الميادين، تُفعّل وتطال، قضايا وحقوق المرأة والأسرة، الحريات العامة، الجمعيات الخيرية، الضمانات الوظيفية، الاجتماعية، الصحية، الإسكانية، والبيئية، الجمعيات/ الأحزاب السياسية، النقابات العمالية والجمعيات النسائية.
(ثامناً): أخيرا لابد من أن تعمل جميع قنوات المجتمع المدني، بآلية ‘منسجمة’ لدحر الطائفية.. على أن أقوى علاج ناجع لهذا الداء النهّاش، بجانب مختلف قوى الضغط المجتمعي، يأتي من حركتين عارمتين في مجتمعنا وهما الحركة العمالية والحركة النسائية كونهما منظمتان جماهيريتان عابرتان للطوائف والتخلف في آن واحد.. ولذلك كلما استقوى عود هاتين القوتين الجبارتين واتحدت فصائل كل منهما فإن أفول الطائفية لقريبُ.
صحيفة الوقت
6 ابريل 2008
معرض الكتاب في الميزان
لعل الدعوة التي وجهها وزير الإعلام جهاد بوكمال غداة انتهاء معرض الكتاب الأخير إلى الكتّاب والمثقفين لتقييم المعرض وابداء ملاحظاتهم على نواقص وسلبيات معرض هذا العام، هي خطوة شجاعة في الاتجاه الصحيح تحسب له وذلك باتجاه تكريس منهج الشفافية والمصارحة في العمل الإداري العام. وإذ نشكر الوزير على هذه البادرة، فاننا نود ابداء الملاحظات التالية استجابة لدعوته: أولا: عدم قيام عدد من دور النشر بإجراء خصم على الأسعار باعتراف هذه الدور نفسها وبحجج واهية. ثانيا: لقد بشرت الوزارة مقدما الجمهور بالترخيص لكل عناوين الكتب باستثناء حالات محدودة جدا جلها الكتب التي تمس الأديان والمذاهب أو تتعارض مع الاخلاق العامة، لكن ثبت بعدئذ ان عددا غير قليل من الكتب تم حظر عرضها لأسباب سياسية بحتة، وحتى التي جرى سحبها لأسباب “دينية” على ما يبدو، كسحب نسخ كتاب الزميل عبدالله خليفة “عمر بن الخطاب شهيدا” بعد ثلاثة أيام من عرضه وتمكن عدد كبير من زوار تلك الأيام الثلاثة من شرائه، فاننا نعتقد ان هذا التصرف خانه شيء من اللباقة، إذ كان من الأفضل التنازل ولو اضطرارا عن هذا الاجراء مراعاة ليس لصاحب دار النشر المعنية بل مراعاة ايضا لسمعة المعرض وحرية التعبير أمام جمهور المعرض الذين من بينه زوّار عديدون من البلدان المجاورة. ثالثا: غاب الكثير من العناوين والاصدارات الجديدة عن أغلب دور النشر الكبرى العريقة، ولم يتم إحضار سوى عناوين جديدة محدودة، وبطبيعة الحال فان وزارة الاعلام لا ذنب لها في هذا الموضوع، لكن بإمكانها في المعارض القادمة ان تطلب مقدما من دور النشر المشاركة إحضار ما لا يقل عن 75% مثلا من اصداراتها الجديدة وألا تقل نسبة الخصم عن 25%. رابعا: ان تاريخ فترة المعرض كان محل شكوى الغالبية العظمى من الزوار، ولاسيما من ذوي الدخول المحدودة أو المتوسطة، وذلك لأن الشطر الاعظم من ايام المعرض جاء قبل ميعاد تسلم مرتبات هذه الفئات، ومن ثم فانه يمكن تلافي هذه الاشكالية مستقبلا من خلال اختيار التوقيت المناسب كفترة العشرة الأيام الواقعة بين أواخر الشهر وأوائل الشهر الجديد. خامسا: إذا كانت شكوى معظم الزوار تنصب على غلاء اسعار الكتب ووقوع ايام المعرض في فترة افلاس الزوّار قبل تسلمهم مرتباتهم فان شكوى اصحاب دور النشر في المقابل انما تنصب على ارتفاع اسعار ايجار المحلات (الاجنحة) مما يدفعهم ذلك إلى تبرير تدني نسبة الخصم على اسعار الكتب او عدم اجرائها اصلا. على ان هذه الملاحظات، التي نتمنى كما نتوقع ان تتقبلها وزارة الإعلام برحابة صدر، لا تقلل بأي حال من الاحوال من الجهود الكبيرة التي بذلتها الجهات المعنية في الاعداد الجيد والراقي للمعرض من حيث النظام والتنسيق والتعامل بحس حضاري وذوق عال مع أصحاب دور النشر والزوار على حد سواء حتى لدى قيام ممثلي وزارة الاعلام بأي اجراءات غير محبذة لهم كما شهد بذلك الزوار واصحاب دور النشر انفسهم. كما تقتضي الامانة هنا الاشادة بالاهتمام الكبير والمتواصل الذي بذله وزير الاعلام نفسه ووكيل الوزارة والمساعدون لهما للاطمئنان على حسن سير المعرض وفعالياته طوال أيام المعرض.. وعموما نستطيع القول ان هذا المعرض هو افضل معرض منذ سنوات طويلة قياسا بالمعارض السابقة. *** ضيوف التلفزيون منذ دخول البحرين اجواء الانفراج السياسي في مطلع الالفية الجديدة دخل تلفزيون البحرين بدوره مرحلة نوعية جديدة من الدينامية والحراك في برامجه الثقافية والسياسية، وعلى الاخص خلال العامين الأولين من هذه المرحلة 2001م و2002م، وذلك بالنظر إلى الهامش النسبي المتاح في حرية التعبير والرأي المتوافر لضيوف هذه البرامج. وان كانت الطموحات مازالت اكبر باتجاه ليس ترسيخ هذا الهامش فحسب بل توسيعه، ولا شك أن الآمال معقودة بقوة على وعود سعادة الوزير الجديد جهاد بوكمال الذي وعد بحماية وتطوير حرية التعبير في مختلف وسائل الاعلام المكتوبة (الصحافة) والمرئية والمسموعة. ولما كانت البحرين تتبوأ مكانة رائدة بين بلدان المنطقة في نخبتها الثقافية والسياسية المتميزة، وحيث إن جميع فضائيات المنطقة، بلا استثناء، تمنح ضيوف برامجها السياسية والثقافية وغيرها مكافآت مالية سخية، رغم ان العديد منهم أقل في مستوياتهم الثقافية والسياسية من ضيوف التلفزيون البحريني، وحيث لطالما شكا هؤلاء من بخل فضائيتنا المزمن بإحجامها عن منح ضيوف برامجها ولو مكافآت رمزية، ليست بالضرورة مضاهية لمكافآت الفضائيات الخليجية، على الرغم من سخاء كرم هؤلاء الضيوف بأوقاتهم الثمينة ومعلوماتهم القيمة في التحضير لهذه البرامج.. لكل ذلك فإن ضيوف تلفزيوننا من النخبتين الثقافية والسياسية الذين لطالما وُعدوا بشيء من الانصاف خلال السنوات السبع الماضية دونما ان يقبضوا سوى الريح يعولون على وعود الوزير الجديد ان يأخذهم بعين الاعتبار في برامج التلفزيون المقبلة ضمن خطته التطويرية المنتظرة.
صحيفة اخبار الخليج
6 ابريل 2008
عن الفساد في “ألبا”
قضية الفساد في شركة “ألبا” تصلح لأن تكون اختباراً حقيقيا لتوجهات الإصلاح، فعلى الطريقة التي سيجري بها التعامل مع هذه القضية، سيظهر مدى جدية جهود محاربة الفساد، خاصة وان هناك قضايا فساد أقل شأنا من هذه، والمتورطون فيها لا يملكون “الحصانة الاجتماعية” التي يحظى بها المتورطون في قضية الفساد في “ألبا”.
وفي هذا الإطار أقام المنبر التقدمي الأسبوع الماضي ندوة قيمة عن “أبعاد قضية الفساد في ألبا” تحدث فيها كل من النائب السابق عبدالنبي سلمان، وعلي البنعلي رئيس نقابة العاملين في “ألبا”، اللذان سلطا الضوء وبالتفصيل على قضية تشغل الرأي العام في الوقت الحاضر، وتعد حالة نموذجية لأوجه الفساد التي تعشعش في العديد من المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية.
عبدالنبي سلمان شرح في مداخلته أن قضية الفساد في “ألبا” تتجسد في تقديم رُشى وعمولات غير قانونية، تورط فيها أكثر من مسؤول، حيث إن شركة “الكوا”، وباتفاقٍ مع مسؤولين في “ألبا” تعمدت زيادة سعر المادة الخام المباعة لـ “ألبا”، ليذهب الفرق في السعر إلى شركات وحسابات وهمية، حيث تم ربط الشركة بعقود تنتهي في عام ٩١٠٢ بسعر مجحف للطن مقابل ما يُباع به في السوق العالمي حالياً. وظلت الرشوة ودفع العمولات من قبل “ألبا” مستمرة، جنباً إلى جنب مع محاولة الاستحواذ على حصة من الشركة بأسعارٍ أقل، في ظل الابتزاز والتخويف بأنه سيتم قطع إمدادات “ألبا” من المادة الخام. ومع توقيع عقد عام ٥٠٠٢ حاولت “الكوا” فرض شروط مجحفة إضافية على “ألبا”، حيث اتخذت العملية مساراً آخر من خلال المطالبة بـ ٦٢٪ من أسهم حكومة البحرين في الشركة البالغة ٧٧٪، وبسعر مجحف لا يتجاوز ٠٠٦ مليون دولار، في الوقت الذي قدرت فيه القيمة الحقيقية لتلك النسبة بمليار دولار، على أن تدفع مقابل تصدير مليون طن سنوياً من المادة الخام، أو أن يكون الخيار الآخر زيادة ما تدفعه “ألبا” لـ “الكوا” من سعرٍ على شكل زيادة في السعر والعمولات. وقد تمّ تجديد العقد مع “الكوا” أكثر من مرة، دون النظر إلى عروض المنافسين، أو حتى مجرد الاستفسار حولها، والملفت ان أياً من أعضاء مجالس الإدارة المتعاقبة لم يطرحوا على أنفسهم السؤال: “لمصلحة من يكون ذلك”؟
ولو جرى التدقيق في تفاصيل الدعوى المرفوعة أمام محاكم بنسلفانيا، لوجدنا فيها من التفاصيل ما يدوخ الرأس فعلاً حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الفساد المالي والإداري في غياب آليات الرقابة الشعبية والبرلمانية التي منعت عمليا نحو ٣ عقود. للحديث تتمة.
صحيفة الايام
6 ابريل 2008