المنشور

جرعة زائدة من الفضول

كل الناس في‮ ‬الحياة مراقبون،‮ ‬صحيح أن الأمر‮ ‬يتفاوت،‮ ‬نسبةً‮ ‬وعمقا،‮ ‬من شخصٍ‮ ‬إلى آخر،‮ ‬لكن ما من امرئ إلا وهو معني‮ ‬بمراقبة محيطٍ‮ ‬يضيق أو‮ ‬يتسع من الأشياء وكذلك من الناس الذين‮ ‬يهمه أمرهم،‮ ‬وفي‮ ‬بعض الأحوال حتى أولئك الذين لا‮ ‬يهمه أمرهم في‮ ‬جرعةٍ‮ ‬زائدةٍ‮ ‬من الفضول‮.‬ حتى ‬تقييماتنا وملاحظاتنا عن الناس وعن الأشياء إنما هي،‮ ‬في‮ ‬مقدارٍ‮ ‬معين،‮ ‬حصيلة هذا النوع من المراقبة،‮ ‬التي‮ ‬تصل في‮ ‬بعض الحالات إلى درجةٍ ‬من التركيز‮ ‬يضاهي‮ ‬الفراسة في‮ ‬دقة الحكم على الأمور وعلى طبائع وميول الأشخاص‮.‬ ثمة بشر‮ ‬يمتلكون هذه الحاسة النافذة في‮ ‬التقدير مُعتمدين على سرعة البديهة ودقة الملاحظة،‮ ‬وبالتأكيد على الخبرة المتراكمة المكتسبة في‮ ‬الحياة‮.‬ ويبدو أن المادة الخام للإبداع على أنواعه،‮ ‬خاصة الكتابة،‮ ‬هي‮ ‬تلك المستقاة من المراقبة‮.‬ أول ما‮ ‬يفعله المبدع هو،‮ ‬على الأرجح،‮ ‬تسجيل مشاهداته وإعادة تركيبها فيما بعد متوسلاً‮ ‬في‮ ‬ذلك مخيلته وأدواته الفنية المكتسبة‮. ‬إن الراوي‮ ‬في‮ ‬القصة أو الرواية إنما‮ ‬يسرد حصيلة مراقباته التي‮ ‬تبدو في‮ ‬بعض مظاهرها أشبه بالتلصص على عوالم الشخوص والنفاذ إلى دواخلهم‮.‬ لأنطون تشيخوف‮  ‬قصة عنوانها‮ “‬حكاية رجل مجهول‮”‬،‮ ‬عن خادمٍ‮ ‬يراقب تصرفات سيده،‮ ‬ويرويها مُركزاً‮ ‬على الجوانب الأكثر إثارة للغرابة والدهشة‮. ‬إن الراوي‮ ‬هنا‮ ‬يتلبس شخص الخادم لأن ذلك‮ ‬يمنحه فرصة الاقتراب الشديد من الشخص موضوع الحديث في‮ ‬أكثر الأماكن والأشياء خصوصية وتفصيلية،‮ ‬بدءا من طريقة وموعد نومه وساعة صحوه وطقوس ما بعد الصحو،‮ ‬ودخوله الحمام وارتدائه لملابسه وخروجه من البيت‮.‬ على أن في‮ ‬المراقبة أمر آخر جدير بالملاحظة هو ذاك الذي‮ ‬ألمح إليه ميلان كونديرا في‮ “‬فالس الوداع‮” ‬عن صنفٍ‮ ‬من الناس‮ ‬يشطرون أنفسهم إلى نصفين‮: ‬كائن مجرب وكائن مراقب‮.‬ ان الحديث‮ ‬يدور هنا عن شخصٍ‮ ‬واحد‮ ‬يتنقل بين منطقتين،‮ ‬في‮الأولى‮ ‬يكون هو صانع للحدث،‮ ‬وفي‮ ‬الثانية‮ ‬يصبح مراقباً‮ ‬لسلوكه،‮ ‬وفي‮ ‬الغالب فان الإنسان لا‮ ‬يجد المتسع من الوقت،‮ ‬وأحيناً‮ ‬لا‮ ‬يملك الوعي الكافي،‮ ‬لمراقبة تصرفاته،‮ ‬فلا‮ ‬ينتبه إلى البواعث الحقيقية لما‮ ‬يأتي‮ ‬به من سلوك‮.‬ إن مراقبة الذات تأتي‮ ‬في‮ ‬الغالب بعد أن‮ ‬ينجز الفعل ويهدأ الانفعال،‮ ‬وهذا‮ ‬يذكرنا بسؤال أثاره أحد الكتاب ذات مرة عما إذا كان بوسع الناس أن تخرج من ذواتها كما تخرج من البيت إلى الشارع‮.‬ يبدو أن الذات هي‮ ‬حصيلة مُركب من الأمرين‮: ‬التجربة والمراقبة‮. ‬إن الإنسان مجرب ومراقب لذاته في‮ ‬آن‮.‬ الفعل أو رد الفعل الآني‮ ‬والمنفعل نتاج منطقةٍ‮ ‬في‮ ‬هذه الذات،‮ ‬أما المراقبة فهي‮ ‬عمل ذهني‮ ‬بامتياز هدفه ترشيد الانفعالات وضبطها‮.‬ والمراقبة بهذا المعنى قد تكون خلاقة‮.. ‬ولكنها قد تكون قامعة أيضاً‮.‬

صحيفة الايام
12 ابريل 2008

اقرأ المزيد

حول مؤتمر الإصلاح السياسي‮ ‬في‮ ‬الخليج

أهمية المؤتمر السنوي‮ ‬الثالث لمركز الامارات للدراسات والبحوث الذي‮ ‬انعقد في‮ ‬مطلع هذا الشهر في‮ ‬ابوظبي‮ ‬تحت شعار‮ “‬الخليج العربي‮ ‬بين المحافظة والتغيير‮” ‬تكمن في‮ ‬تلك الاوراق التي‮ ‬تمت مناقشتها بوضوح حول مستقبل الاصلاح السياسي‮ ‬في‮ ‬منطقة الخليج‮.‬ وفي‮ ‬هذه الاحتفالية السياسية التي‮ ‬كانت برعاية حكومية اكدت قراراتها وتوصياتها على جعل الاولوية للمشاركة السياسية والارتفاع بمستوى المشاركة الديمقراطية،‮ ‬ويعتقد المشاركون في‮ ‬المؤتمر ان الضمانات الرئيسية لهذا الاصلاح تتمثل في‮ ‬قيام دولة مدنية لا دينية تضمن الحرية والمساواة والتعددية وهذا‮ ‬يعني‮ ‬ان الاشكالية الاساسية الاولى التي‮ ‬تواجه الاصلاح السياسي‮ ‬في‮ ‬المنطقة تقليص دور الدولة المدنية لحساب الدولة الدينية التي‮ ‬تسعى الى تسييس الدين،‮ ‬ومن المهم القول هنا ان الحفاظ على مكانة الدين الروحية لا تتم الا بفصله عن الدولة وعن السياسة حتى لا‮ ‬يكون عرضة للمتاجرة والاستغلال من قبل السلطة الدينية المتزمتة ومن القوى التكفيرية التي‮ ‬اساءت للدين وللدولة المدنية من خلال الاعمال الارهابية واثارة النزعات الطائفية والمذهبية،‮ ‬والعداء لمجمل التحولات الديمقراطية التي‮ ‬تشهدها بعض دول المنطقة‮.‬ ورغم التغطية الاعلامية المحدودة لهذا الحدث المهم الا ان بعض الصحف المحلية والخليجية تناولت المؤتمر باهتمام واضح وينبغى ان نشير هنا الى مقتطفات من رؤى اصلاحية اشارت اليها هذه الصحف ولعل اهمها ما قاله القطري‮ ‬حسن الانصاري‮ ‬رئيس مركز الخليج للدراسات والبحوث حول العلمانية في‮ ‬الخليج التي‮ ‬تعتبر في‮ ‬نظر تلك القوى العدو الاول لها‮ “‬نحن خليجيون ولكن نحن قبائل وطوائف وخلفيات مختلفة،‮ ‬انا ابحث عن دولة مدنية لست ابحث عن دولة ضد الدين بل دولة محايدة لا تغلب طائفة على طائفة اخرى‮”.‬ وحول الاجندة الاسلامية المتطرفة الداعية الى قيام دولة اسلامية تساءل‮ “‬عندما‮ ‬يقولون ان الاسلام هو الحل اسأل‮: ‬هل هو اسلام الوهابية؟‮! ‬هل هو اسلام اخوان المسلمين؟‮!‬ هل هو اسلام حزب الله؟؟ وهذا‮ ‬يجعلنا ان نتساءل‮: ‬عن اية دولة اسلامية‮ ‬يريد لها الاسلام السياسي‮ ‬ان تقام في‮ ‬منطقة الخليج؟؟ واما سعد بن طفله العجمي‮ ‬الليبرالي‮ ‬الكويتي‮ ‬ووزير الاعلام السابق‮ ‬يعتقد‮ “‬ان الدولة الدينية تتناقض مع الحداثة ومع مبادئ الحكم الرشيد التي‮ ‬حددتها الامم المتحدة واولها تداول السلطة‮”.‬ وقال ايضا‮ “‬انا ضد ان نكون دولاً‮ ‬اسلامية نحن دول مسلمة وضد تغييب الدين لكن اريد ان اسمو بالدين عن السياسة‮”.‬ هناك معوقات كثيرة اعاقت الديمقراطية والاصلاح السياسي‮ ‬بشكل عام في‮ ‬الدول العربية التي‮ ‬يطمح الاسلام السياسي‮ ‬فيها الى استلام السلطة والامر لا‮ ‬يختلف ايضا بالنسبة لبعض النظم الحاكمة التي‮ ‬لا تزال ترفض الاصلاح السياسي‮ ‬لمصالح اجتماعية وطبقية لم تكف اجهزتها البوليسية من قمع الشعوب‮!!‬ في‮ ‬الدول الخليجية رغم تطورها الاقتصادي‮ ‬الهائل الا ان مشاكل بعضها السياسية والاجتماعية تتزايد كل‮ ‬يوم ولا‮ ‬يمكن ان تقضي‮ ‬على الاسباب الجوهرية التي‮ ‬ادت الى ذلك الا بالاصلاح السياسي‮ ‬واشاعة الديمقراطية،‮ ‬والاهتمام بحقوق المواطنة،‮ ‬ومن هنا تكتسب تحذيرات ابتسام الكتبي‮ ‬استاذة العلوم السياسية في‮ ‬جامعة الامارات اهمية خاصة وخصوصاً‮ ‬عندما قالت‮: “‬لقد ظل التناقض قائماً‮ ‬من عدم اعتراف الدولة بوجود تلك العلاقة الجدلية بين التحديث والديمقراطية التي‮ ‬لا ترى فيها هذه الدول الا نموذجاً‮ ‬غربياً‮ ‬لا‮ ‬يخص المجتمعات العربية ولا‮ ‬ينسجم مع تقاليدها وطبيعتها‮” ‬وفي‮ ‬مقابل ذلك لم تتردد الكتبي‮ ‬في‮ ‬الاشارة الى اهمية فصل السلطات الثلاث التشريعية والتنفذية والقضائية والى التخلي‮ ‬عن سياسة التمييز الواقع على المرأة او لصالح الطائفية والمذهبية والقبلية‮.‬ ومن جانب آخر،‮ ‬حذرت الكتبي‮ ‬دول الخليج من النتائج السلبية التي‮ ‬قد تنشأ عن سوء توزيع الثروات قائله‮ “‬في‮ ‬سنوات الرخاء الاقتصادي‮ ‬تكون اعين مواطني‮ ‬المجلس مغمضة عن كل الاخطاء وعن الحقوق السياسية ولكن في‮ ‬حال التراجع لا تبقى العيون مغمضة فالشعوب تبحث عن جهة تعلق عليها الفشل ولا‮ ‬يمكن ضبط المواطن في‮ ‬جو من المعاناة الاقتصادية‮”‬،‮ ‬على كل حال دول الخليج على صعيد المشاركة السياسية لا‮ ‬يمكن ان نضعها في‮ ‬سلة واحدة لان هناك من التجارب لا‮ ‬يمكن تجاهلها كما هو الحال في‮ ‬الكويت والبحرين،‮ ‬ولكن ومما لا شك فيه ان الخليج في‮ ‬امس الحاجة الى اصلاحات سياسية واسعة تضمن كافة الحقوق لشعوب المنطقة ولا‮ ‬يمكن في‮ ‬وسعنا تحقيق ذلك الا بالمشاركة الشعبية في‮ ‬صنع القرار‮.‬

صحيفة الايام
12 ابريل 2008

اقرأ المزيد

عن الفساد الأكبر‮..!‬

ينبغي أن نُعذر فيما ينتابنا من شعور بالغيظ والقلق والجزع من هذا الكلام الخطير الذي قيل في خصوص وقائع الفساد الأسطورية التي حدثت فــــــــي “ألبا”، أحد أعمدة اقتصادنا الوطني التي تؤرق الضمير الوطني وتستفزه إلى أبعد حدود الاستفزاز رغم أن في هذا الموضوع كلاماً كثيراً لم يقل..! ما قيل في ندوة عامة هو أخطر من ذلك الذي نشر قبل الندوة المنسوب إلى صحيفة امريكية.. وفي كلا الحالتين فإن ما ظهر على الملأ من مجموعة خطايا وأخطاء بالشركة لم يكن مفاجئاً إلا للذين يحسنون الظن، فما ظهر هو أعمق مما هو متداول، بل يبدو أنه الجزء الظاهر من جبل الثلج الذي يزخر بالغوامض من الألغاز والأسرار المحجوبة مفاتيحها التي يستعصي علينا فهمها وتفسيرها. لقد بات معلوماً من هذا الذي نشر حتى الآن على خلفية الدعوة التي اقامتهــــا “ألبا” في محكمة أمريكية على شركة الكوا – في خطوة لا بد أن نحتفي بها ونقدرها – إلى أي مدى ضاعت الحدود بين قدسية المال العام، وشهوات المنافع الخاصة، وإلى أي مدى ضربت بعرض الحائط هيبة القانون وكل القواعد الإدارية والمحاسبية والرقابية من خلال ما تم من تزوير في المعاملات، وإنشاء شركات وهمية، وتآمر مع بعض من كانوا يديرون دفة المسؤولية في “ألبا” الذين حصلوا على عمولات غير قانونية ورشى بلغت قيمتها ملياري دولار على مـدى 15 سنة. أما الذي قيل في الندوة العامة التي عقدت بالمنبر الديمقراطي الأسبوع الماضي فهو على قدر كبير من الأهمية والخطورة ويشكل شهادات إدانة صارخة لم تأتِ من فراغ، وللعلم فإن كل ما عرض بالندوة من أرقام، ومعلومات، ووثائق كفيل في دول أخرى يحاسب فيها المسؤولون عن أفعالهم وتجاوزاتهم ومآلات سياساتهم أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، وتفتح ملفات وملفات، هذا للإحاطة والعلم فقط. يهمنا من هذا الذي أثير في الندوة الساخنة شقين، الأول ما طرحه رئيس نقابة عمال “ألبا” على البنعلي الذي بدا أنه عارف ببعض بواطن الأمور، حينما كشف وبلغة الأرقام التي أذهلت الجميع عن مسار الحسابات المصرفية في بنوك بعينها، كيف كان الفساد معشعشاً في كل مفاصل الشركة على مــــدى 15 عاماً وأكثر، وكيف أن ذلك كان حصاد مسلسل من التجاوزات والانحرافات والاختلالات التي يشترك فيها واحد أو أكثر من أهل القرار مع بعض أهل الإدارة، وكيف انشئوا شركات وهمية مهمتها تقديم عطاءات مرتفعة السعر، وكيف صار المال العام مالاً سائباً استطاع واحد أو أكثر ممن مسكوا دفة “ألبا” في فترة من الفترات ممن ليسوا أهلاً للثقة ولا للمسؤولية أن يمارس في شأنه ما يشاء دون حسيب أو رقيب، وكيف أثر ذلك على منظومة القيم الإدارية والإنتاجية والسلامة المهنية وظروف وأوضاع العاملين، والانتقاص من حقوقهم وتحسين ظروف معيشتهم وحتى على أجورهم، وكل ما ليس معقولاً صار معقولاً وعادياً فــي “ألبا” بفضل من لا نزال نعتقد بأنهم محصنون من المساءلة. أما الشق الثاني فهو الذي يتصل بما عرضه النائب السابق عبدالنبي سلمان من وقائع مثيرة كشف فيها إلى أي مدى بلغ الجو التآمري للسيطرة على مقـدرات “ألبا” حينما حاولت الشركة الأمريكية السيطرة على 26٪ من “ألبا”، وكيف قام من أسماهم بــ “قوى الفضيلة” في البرلمان في الفصل التشريعي الأول بتعطيل فتح ملف الفساد بالشركة، حينما أخضع هذا الملف لمساومات بعد تقرير ديوان الرقابة المالية لعام 2003 الذي حذر آنذاك من التلاعب في أسعار مادة الأمونيا. كل ما طرح في شأن ملف الفساد في “ألبا” مسكون بقدر كبير من الغموض، ومئات من علامات الاستفهام والتعجب، وأحسب أن من ضمن أخطر ما أثير في الندوة في إطار الشق الأول، أن الأموال التي نهبت عن طريق عمليات الرشوة والفساد بالشركة على مدى السنوات العشرين الماضية بلغـــــــــــــت ٨ مليارات دولار ونضع خطاً أحمر أو أكثر تحت هذا الرقم المذكور، مليارات دخلت في  جيوب الذين ورطوا الشركة في عقود طويلة الأجل تمتد حتى عام 2019 بموجبها يباع سعر الطن من الألومينيوم بمبلغ 1600 دولار فيما سعر السوق يبلغ 2943 دولاراً.. !! نستشعر بغصة حين نتابع التفاصيل، وما عرض في الندوة، نُشر في هذه الجريدة وفي غيرها في ١ أبريل الجاري، وما نشر غيض من فيض، وما نشر خطير حقاً، وما لم ينشر أخطر، والجهات المعنية أو يفترض أنها معنية لم تصدر توضيحاً أو تصحيحاً أو تكذيباً لهذا الذي نشر لعله يخفف من وقع الصدمة علينا، ولكنها آثرت التزام الصمت وكأنها لم تقرأ ولم تسمع، أو إن الأمر لا يعنيها وليس في حسبانها أن يعنيها هذا الأمر. أياً تكن نتائج مجريات هذه القضية، وأياً كان مسار الجهد الذي يتبناه المنبر الديمقراطي لجعل هذه القضية محوراً لنشاطات وفعاليات مختلفة لجعلها قضية رأي عام بالتعاون مع العديد من الجمعيات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، وأياً تكن جدية ومصداقية النواب هذه المرة الذين أعلنوا بأنهم سوف يحملون على عاتقهم مسؤولية طرح ملف فساد “ألبا” وجعل هذا الملف من أولويات العمل البرلماني والرقابي في الفترة المقبلة. أياً كانت نتائج وجدوى ذلك فإن المهم بالنسبة لنا كيفية التعاطي مع هذه الفضيحة، والأهم هو النتيجة التي ستثبت إلى أي مدى هي دوائر القرار على قناعة بأن هناك مشكلة، وإلى أي مدى هي جادة في الإصلاح ومحاربة الفساد والإفساد في “ألبا” بل حيثما وجد في أي موقع، المشكلة الحقيقية تكمن في الإجابة على هذا السؤال وإثبات مدى جديتنا في التعاطي مع ملف الفساد برمته الذي هو جزء أساسي من أي إصلاح حقيقي، ومن أي رؤية اقتصادية واعية، وهذه الجدية والمصداقية هما الأمر الذي بات ملحاً بل شديد الإلحاح.
 
صحيفة الأيام

11 أبريل 2008

اقرأ المزيد

باب المجهول وقد انفتح

على دول عربية عدة أن تكون مستعدة لمواجهة الأسوأ، إذا هي لم تتدبر أمورها في الشكل الذي يتعيّن عليها أن تتصرف به إزاء موجات الغلاء ونقص الغذاء التي تواجهها. ويفاقم من الحال ما نعرفه من أن هذه الدول تعاني من أزمات على صعد عدة، يتشابك فيها المعيشي بالسياسي، حيث تطالب القوى السياسية والاجتماعية المختلفة فيها ليس بالنهوض بأوضاع مواطنيها الحياتية فقط، وإنما أيضاً بحل أزمة المشروعية السياسية، عبر توفير مقادير جدية من الحريات العامة، ومن المشاركة في الحكم وطريقة التصرف في الثروة. صحيح أن لموجة الغلاء وأزمة الغذاء التي تجتاح العالم كله أسباباً عدة، حيث تتضافر عوامل في خلق هذا الوضع، أبرزها الارتفاع القياسي لأسعار الوقود وتدني مخزون الأغذية وتنامي طلب المستهلكين، مع ازدياد عدد السكان على ظهر الكوكب. ولكن في نهاية الأمر فإن البلدان التي تدار بأساليب الحكم الرشيد، والأقل فساداً، وتتمتع بأداء اقتصادي وإداري كفوء، تظل أكثر مقدرة على تجنب الخضات الاجتماعية الكبيرة الناجمة عن ذلك. أما في العديد من بلداننا فإن المصير المتوقع واحد: إن لم تقم الحكومات بدعم المستهلكين، فلا يوجد خيار آخر أمام المستهلك، سوى تخفيض حجم استهلاكه الغذائي. ويبدو هذا أمراً مرعباً بالنسبة للغالبية الساحقة من البشر الذين يعيشون عيش الكفاف، خاصة أن الفلسفة الاقتصادية الرائجة الآن، والتي تغذيها آليات العولمة الاقتصادية تنحو أكثر فأكثر نحو تقليص دور الدولة كضامنٍ للرعاية الاجتماعية، تاركة لآليات السوق، في أكثر صورها فوضوية أن تفعل فعلها في إفقار الغالبية و”تسمين” أقلية مرفهة، وسحق الفئات الوسطى. حسب تقارير اقتصادية موثوقة فإنه منذ ديسمبر 2007 واجهت 37 دولة أزمة غذاء، ويقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إنه يواجه عجزاً في التمويل يبلغ نصف مليار دولار هذا العام لإطعام 89 مليون شخص محتاج حول العالم. وتشهد بلدان عربية مفصلية اضطرابات اجتماعية حادة، على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية الحيوية، ورغم التدابير التي تجد الحكومات نفسها محملة على الإقدام عليها لاحتواء مظاهر التذمر والاحتجاج، فإن قدرات هذه الحكومات على معالجة الأمر تظل محدودة، بالنظر إلى شبكة المصالح المتنفذة ومعدلات الفساد المرتفعة، مما يفتح باب المجهول على كل الاحتمالات.

صحيفة الأيام
10 ابريل 2008

اقرأ المزيد

“عذاري”.. العين والحديقة والقرية

ما من عين مياه طبيعية أطبقت شهرتها الآفاق في منطقة الخليج كمثل “عين عذاري” البحرينية، ولعل أبرز سبب لذيوع صيتها في بلدان المنطقة ارتباط اسمها بالمثل الشعبي الدارج “عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب” والذي يُضرب عندما تُحجب الخيرات أو الحقوق عن أصحابها الأولى بالعطاء وتمنح للبعيدين الذين لا يستحقونها أو من هم آخر من يستحقها، وهو المثل الذي استمده الفلاحون من حال مسارات ترع العين حيث تروي الحقول البعيدة عن العين فيما الحقول المجاورة لها لا تستسقي منها بصورة مباشرة. عين عذاري ستشهد بعد أيام قليلة حدثاً “سعيداً” مهماً في تاريخ حياتها المديد، إذ سيتم افتتاح حديقة الألعاب الجديدة رسميا. ويُعد هذا الحدث هو الحدث الثاني السعيد في خلال أربع سنوات وذلك بعد افتتاح بركة السباحة التي شيدت تماما في موقع العين الأصلية التي جفت بعد إهمال “بشري” جسيم ومعروف، وتم تأجيل الافتتاح المحدد حينذاك بعدما لقي شاب يافع مصرعه غرقا فيها قبيل أن تفتتح رسميا. وبعد أسابيع قليلة من الافتتاح نشرت تقارير صحفية تثبت تعرض قاع البركة الجديدة للتصدعات والتشقق. ” عذاري” العين، وباعتبارها ارتبطت في المخيلة الشعبية بالعين القديمة التي سبحت في مياهها البلورية أجيال متعاقبة من البحرينيين على امتداد قرون، فقد انتصر منطق تعميم الخير، بجعل البركة حقا مشاعا للجميع من دون رسوم تجارية استثمارية، وإن كان مستوى خدماتها ورقابة صيانتها ليس كافيا. أما عذاري الحديقة الجديدة الزاخرة بآليات الألعاب الضخمة والتي احتلت أماكن كبيرة من المساحات الشاسعة المغطاة بالخضرة والأشجار الوارفة والنخيل الباسقة التي جرى تجريفها لصالح تلك الألعاب الجديدة..”عذاري” بالألعاب هذه لن تكون حقا مشاعا للجمهور بمختلف فئاته كعذاري العين، فعذاري الألعاب لن تكون أسعارها لعبة لكل من هب ودب، إذ إن سعر بطاقة الدخول خمسمائة فلس، فإذا ما كانت العائلة مكونة مثلا من 6 أفراد فعلى رب الأسرة أن يدفع ثلاثة دنانير ثمنا لست تذاكر، هذا بخلاف أسعار الألعاب التي تبدأ من 300 فلس وتصل إلى دينار واحد. ورحم الله زمان تلك الحديقة الروضة الغناء القديمة التي كان يقصدها في السبعينيات والثمانينيات آلاف المتنزهين من مختلف فئات الشعب وتعج بالزوار ليلا وفي عطلات نهاية الأسبوع، وحيث لا موطئ قدم حينذاك في موقف السيارات. فماذا عن عذاري القرية؟ القرية التي كانت تجاور العين تماماً والتي ارتبط اسمها باسم العين، كما ارتبطت حياة أهلها المعيشية بها زراعة ومياها وغسلا.. وذلك على مدى عقود وقرون؟  ليس سرا أن نكشف أن هذه القرية تعد واحدة من القرى التي هي في طي النسيان تماماً، فأهاليها بعد افتتاح الحديقة هم أجدر الناس بمثلهم الشعبي “عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب” حيث ستكون أسعارها بعيدة المنال عن جيوبهم الخاوية كما هي بعيدة المنال عن السواد الأعظم من المعدمين وذوي الدخل المحدود.. وهذا المثل الشعبي الجديرة به القرية يذكرنا تماما بجنة دلمون “المفقودة” النائية الجديرة هي الأخرى باسمها حيث اسمها اسم على مسمى من حيث أسعارها التي تبدأ من سعر الدخول بـ 12 دينارا، على أن أهالي عذاري جديرون بمثلهم الشعبي منذ عقود طويلة كقرية منسية على الخريطة لكنها محسودة باسمها الرنان الدارج يوميا على ألسنة البحرينيين عند ذكر المثل أو لدى الإشارة إلى العين أو الحديقة. فعذاري القرية تكاد تكون هي القرية الوحيدة التي لم يطلها العمران الإسكاني حيث مازالت أكثر بيوتها إما قديمة وإما آيلة للسقوط، على الرغم من أن عدد بيوتها لا يصل إلى مائة بيت، وعلى الرغم من أن سكانها أقل من 500 نسمة. وإذا كانت الخدمات الإسكانية لم تف الحد الأدنى من طلبات أهالي القرية فإن خدمات المجاري هي الأخرى لم تستكمل، في حين أن معظم طرقها الداخلية لم ترصَف، كما أن أعمدة الإنارة تكاد تكون شبه معدومة. أما مسجدها فهو المسجد الوحيد الذي يستخدَم ليس للصلاة فقط بل لجميع المناسبات والأغراض الشعبية المتعددة، وبخاصة في ظل توقف بناء مأتمها الوحيد لغياب الدعم المالي الكافي. هذه القرية التي كانت طوال حقب من الزمان محتجبة عن الأنظار من جميع الجهات حيث تقبع في قلب الحقول الجميلة المجاورة لها والتي أصبحت أثرا بعد عين والتي كان لأهاليها الشأن الأعظم في ارتباطاتهم وخدماتهم للعين وسيبانها وتنظيفها.. هل يأمل أهاليها هؤلاء في شيء من الدولة برد الاعتبار لقريتهم التي طال نسيانها بعد ان يتم قص شريط افتتاح عذاري الألعاب الجديدة وتعم الفرحة الجميع؟! 
  
صحيفة أخبار الخليج
10 ابريل 2008

اقرأ المزيد

الوفد‮ ‬غير الحكومي

شن الوفد غير الحكومي الذي ذهب إلى جنيف لحضور جلسات مراجعة سجل البحرين في حقوق الإنسان، هجوماً على تركيبة الوفد الرسمي الذي ترأسه وزير الدولة للشؤون الخارجية نزار البحارنة، إذ انه تكون من طيف واحد فقط. واعتقد جازماً أن الوفد غير الحكومي عمل بما عمل به البحارنة، إذ اقتصر وفد جمعية حقوق الإنسان على طيف واحد، وكذا حال المنظمات غير الحكومية الأخرى، وإن دعا احد قياديي جمعية حقوق الإنسان قبل مغادرته بأيام قلائل بعض الشخصيات للمشاركة في الوفد، ولكن على طريقة عزيمة الـ “…..”. لا يعني ذلك إننا لا نتحفظ على طريقة تشكل الوفد الرسمي، بل ننتقد هذه الممارسة التي وقع فيها الوفد غير الحكومي أيضاً، ولنا أن نتساءل، لماذا لم يتم تشكيل وفد من كافة الهيئات والمنظمات، على أقل تقدير تلك التي شاركت في التحالف لدعم البحرين لعضوية مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أما الدعوات الشفوية التي أطلقها صاحبنا الحقوقي فهذه مردود عليها، لأن الإبل لا تورد هكذا. كما أن التقرير الموازي الذي أعدته الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عليه ما عليه من مؤاخذات، كان بالوسع تجاوزها لو تم إشراك مؤسسات المجتمع المدني في إعداده مثل هذا التقرير الذي ستطلع عليه الكثير من المنظمات الدولية. علينا أن لا نشير إلى عيب الآخرين، والعيب فينا، فبذلك ستكون مصداقية هذه الجمعيات التي تتصدر الدفاع عن حقوق الإنسان مهزوزة، لا قيمة لتقاريرها. ما يمكن أن نقوله هو يكفي التفكير في السيطرة ولننظر إلى المصلحة العامة، وهذه الدعوة لا تقتصر على الحقوقيين فقط، بل تشمل حتى العمال والكادحين، فماذا يعني أن تكون المحاصصة في الأمانة العامة للاتحاد العام لعمال البحرين ٨ مقاعد للوفاق و٣ لوعد و٢ للتقدمي، إذا أين معيار الكفاءة التي ما فتأ قيادي في الاتحاد بالحديث عنها طيلة المرحلة الماضية، وعندما اقتربنا من وضع الأوراق في الصناديق، حان وقت الصمت، ونسيت كل الكفاءات، وجاء وقت المحاصصات. يكفينا ذلك ولنفكر في المصلحة أولا.
 
صحيفة الأيام

10 أبريل 2008

اقرأ المزيد

الوعي.. الطريق لعمــل ثقافــي ناجــح


تشكل الثقافة ركيزة من ركائز التطور الفكري لدى الأفراد نساء ورجالا في أي مجتمع، فهي بمثابة نضال طريقه صعب وطويل ويحتاج إلى إدارة قوية ونفس طويل وصبر من أجل العمل التطوعي.
فالنضال يحتاج إلى حماس مستمر ومثابرة والثقافة تحتاج للتثقيــف الذاتي وتثقيف الجماهير بالأفكار التي تنشد الرقي والتقدم في المجتمع.
لذا ترتبط الثقافة بالنضال اليومي الذي يحتاج إلى روح كفاحية من أجل الدفاع عن مصالح النساء كافة وتحديداً الكادحات والبسيطات من العاملات وربات البيوت سواء في المدينة أو الريف.
فعملية التغيير في أوضاع المرأة من سيئ إلى وضع أفضل تحتاج إلى أجندة خاصة في العمل النسائي في ظل العادات والتقاليد المحافظة التي ترفض التغيير والتجديد يساعدها في ذلك فئة اجتماعية محافظة ومؤثرة في المجتمع، فهذا الطريق ليس مفروشاً بالورود.
إذا المشاركة في العمل التطوعي النسائي من قبل المرأة المثقفة والواعية تدفع بالعمل للأمام وتعطي حافزاً لتطوير العمل النسائي.
فالمهام المتشعبة التي تقع على الجمعيات النسائية تتطلب منها التنسيق فيما بينها من خلال المشاريع والبرامج المشتركة وتقوية العلاقات بالمنظمات والاتحادات النسائية العربية والدولية للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في هذا المجال.
ومن أهمية دور الجمعيات النسائية، نشر الوعي في صفوف النساء والتعريف بالقضايا والهموم التي تهم المرأة، وإيجـــاد التفكـــير العقلاني وإعطاء الحوار أبعاده الاجتماعية والثقافية لكي تترسخ القناعة القوية والصلبة لدى المرأة في الوطن وتتعود على احترام الرأي والرأي الآخر، ونستمر في مضاعفة جهودنا التوعويـــة والتثقيفـــية على كل الأصعـــدة؛ لتحقيق طموحــات وتطلعات النساء وخاصة البسيطات منهن ومن أجل تحسين أوضاعهن المعيشية والأسرية.
ومن هنا تأتي المطالبة بقيام الجمعيات النسائية بالدور الريادي في عملية التغيير في حياة المرأة التي تعاني في ظل هيمنة الفكر الذكوري في المجتمع، ويتوجب على النساء الانخراط في الأنشطة والفعاليات التي تقيمها الجمعيات النسائية وحثهن على المشاركة والتواصل من دون توقف حتى تتقلص ظاهرة العزوف عن العمل التطوعي، وتشجيع النساء على الانضمام للجمعيات النسائية بصفتها المؤسسات المعبرة عن طموحاتهن وآمالهن وتطور أنشطتها النسائية من خلال التنسيق فيما بينها، فالمهام عديدة والتحــدي أمامنا كبــير، فعلى سبيل المثال لا الحصر قانون الأحوال الشخصية، والذي ناضلــت المــرأة البحرينــية من أجله لعقود طويلة ومازالت مستمرة في ذلك، وكذلك ممارسة العنف ضد المرأة ومن اجل ذلك لابد أن تعطي المرأة البحرينية أهمية خاصة للتثقيف سواء على مستوى الحقوق أو الواجبات والوقوف في صف الجمعيات النسائية المنادية والداعمة لتلك المطالب المشروعة لبناء مستقبل مشرق للمرأة والأسرة.
 الوقت 9 ابريل 2008

اقرأ المزيد

صخب النواب — !

المتابع للضجيج الذي يثيره النواب يندهش كثيرا مما يحدث على الساحة السياسية، ومن ذلك ” الشو”  الاستعراضي السياسي، الذي لا يلعب بطولته كتلة نيابية بعينها، بل كل الكتل، أو كل النواب، ويقاسمهم البطولة أو يشاركهم في العرض بعض أعضاء المجالس البلدية وبعض اللذين يتصدرون الواجهة، وإن كنا  على قناعة بأن ثمة أبطال آخرين للعرض لا يقفون خلف كواليس المشهد السياسي وإنما يتدخلون في النص الأصلي كيفما يشاؤوون. ما يجري في الساحة الآن له وقع الصدمة على الكثيرين، وبات الرهان أو كاد على المجلس النيابي خاسرا بسبب الخلافات التي قد تبدو ثأرية أو المناكفات ذات النفس الطائفي والتي تجاوزت كل الحدود إلى درجة أن أصبحنا على قناعة بأن النواب أصبحوا يبحثون دوما عن أمر يختلفون حوله. ورغم ثبوت تهمة طأفنة العمل النيابي وليس هذا تجنيا على ” أصحاب السعادة” النواب، مهما ادعوا غير ذلك، ورغم لقاءات التصالح وتطييب الخواطر والتصافي بين الحين والآخر، مع تصريحات من هذا النائب أو ذاك على التمسك بالثوابت أو التلاحم والأسرة الواحدة، فإن النتيجة كما هي، اتهامات واتهامات مضادة، ومناكفات ومناكفات مضادة، ومواقف هزلية، وتصريحات استعراضية فارغة من المضمون والمحتوى، وأن لم تكن فارغة ونشاز فهي فاقدة لأدنى مصداقية ولا تتسق مع هذا الذي يردده النواب على أسماعنا من حرصهم على خير المواطن ومصالح المجتمع، حيث لا نرى إلا المزيد من التوتر والتشنج والشحن الذي هو بالنهاية يصب في خدمة مشاريع التأزيم الفئوي والمذهبي والطائفي، الأمر الذي يبعث على التشكيك في نوايا الجميع. الوقائع لا تنسى ولا تمحى، وغض الطرف عن قضايا جوهرية يمكن أن تشكل قواسم توافق وتلاقي مشتركة كالموقف من قضايا الفساد، وأمامنا الآن أكبر وأخطر قضية فساد في ” ألبا” والإصلاح السياسي، والإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري وقضايا التنمية، وقضايا البطالة والإسكان والفقر وكيفية التعامل مع المستقبل،  وغيرها من القضايا وما  أكثرها كلها وغيرها قضايا لنا جميعا مصلحة مشتركة ولا بد أن نتحالف بشأنها الآن قبل الغد. رغم المواقف الكثيرة لنواب، المواقف المثيرة لقدر كبير من الالتباس شكلا و مضمونا، والتي ليس من قبيل المبالغة وصفها بأنها ضد المواطنة والديمقراطية، فإننا سنفترض بأن الكل مدرك بأن ثمة ضرورة لعمل نيابي مشترك لا بد أن يظهر ويصبح جاهزا للتفعيل في شأن تلك القضايا والملفات الكثيرة التي تهم الناس والتي لا يجب أن يكون حولها أي نوع من الاختلاف والخلاف. أن السياسة فن الممكن، وقيل أن السياسة أن تقبل اللعب مع جميع الأطراف مهما كانت التناقضات، ولكن نوابنا حولوا واقعنا السياسي إلى ما يشبه السيرك وكأن هناك رغبات دفينة في عدم التلاقي، أو أنه ليس هناك جدية للوصول إلى شئ مفيد، وظهر من يبرز هذه الحالة في إطار صراع بين الموالاة والمعارضة، حتى فرصة الحوار الوطني” فركشها” النواب وبعض ممن ألفناهم أن يجعلوا من مثل هذه المناسبات فرصة لمناكفات جديدة وزرع الخلافات والفتنة، ورغم محاولة بعض الأطراف إضافة بعض ” الرتوش”، والقيام بمحاولات تجميل وإضافة مساحيق على المشهد العام، إلا أن الشق الواقعي والحياتي يثبت بأن تلك المحاولات لا تقدم ولا تؤخر، وأن ما يقال أو يرفع من شعارات تنبذ الطائفية هي مجرد شعارات فضفاضة لا قيمة لها على أرض الواقع. نعلم جيدا أنه لا يجب أن نضع رؤوسنا في الرمال، حيث ليس من المصلحة تحت أي حساب أو اعتبار تجاهل فصيل سياسي كالوفاق، كما ليس من المصلحة تجاهل الفصائل السياسية الأخرى في الساحة، الكل فرقاء في ملعب سياسي، وليس من الحكمة تجاهل هذه الحقيقة، والفرقاء يختلفون وتتباين رؤاهم وتوجهاتهم،  ولكن من المصلحة والواجب أن تنصهر رؤاهم واجتهاداتهم في بوتقة واحدة هي بوتقة حب الوطن وتقديم مصلحته على أي مصلحة أخرى، وهذا لا بد أن ينعكس إيجابيا على عملية الإنجاز وتسريع القوانين لأن الاتفاق على الخطوط العريضة والمبادئ الأساسية سيحد من المواجهات الصدامية كلما طرح موضوع أو مشروع أو استجواب مما يؤزم العلاقة  ويجعل النوايا تسوء أكثر وأكثر. أما استمرار حالة التردي السياسي الشديد الراهنة من أجل السيطرة على مقاليد ومجريات الأمور، أو لتحقيق أهداف معينة، والمضي في تأزم هذه الحالة وطأفنة كل قضية تهم المواطن،  ووقوف ” الحكومة” موقف المتفرج وهو خطأ جسيم بلا ريب، أمام هذه الحالة سيكون علينا انتظار الأسوأ في القادم من الأيام، وما نريده باختصار إعادة النظر في سياسة الصراخ والارتفاع إلى المسئولية المدركة لتبعات هذا الذي يجري الآن ومن ثم أعمال العقل فيما ليس معقولا وعبثيا، وعليكم أن تتصوروا ماذا يمكن أن يترتب على ذلك— ! 
  
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

عن الفساد في‮ “ألبا‮” (3)

حسب بعض المعطيات الواردة في الورقة التي قدمها رئيس نقابة “ألبا” علي البنعلي فان بعض المتنفذين في الشركة استلموا رشاوى بلغت قيمتها 60 مليون دولار سنوياً، وآلية ذلك هي أن تدفع الشركة الموردة للمادة الخام ما تبلغ نسبته بين20٪ إلى 35٪ من المبلغ على شكل رشاوى، لقاء أن يرسوَ على هذه الشركة عقد التوريد الذي تبلغ مدته 15 عاماً. تضاف تكاليف الرشاوى إلى سعر المادة الخام، وتتحمل “ألبا” شراءه بسعر أغلى من السوق العالمي، فيما يذهب الفارق إلى الجيوب الخاصة. وتصل مبالغ الرشاوى التي دفعت نتاج هذه الصفقات غير الشرعية ما يتراوح بين ١٢١مليون دينار و٢١٢ مليون دينار، ابتداء من العام 2004. ومن نماذج ذلك أن “ألبا” تدفع حوالي 4.6 مليون طن من المادة الخام كل ٣ شهور، على أن تقوم الشركة المتورطة في الصفقة، أي “الكوا”، بإرسال شحنات المواد الخام على دفعات، وبين مستندات الشحنة وجدت فاتورتان إحداهما من “الكوا” بنصف الكمية أي 2.3 مليون طن، والفاتورة الثانية بالنصف الباقي، ولكنها مسجلة باسم الوسيط الذي أشرنا إليه في الحلقة السابقة من هذه المقالات. في نتيجة الأجل الطويل لهذه الصفقة والبالغ 15 عاماً، وهو ما تعمد الوسطاء توريط المسؤولين في “ألبا” فيه، لقاء الرشاوى التي دُفعت، فان “ألبا” تبيع الطن الواحد من منتجها بسعر 1600دولار فقط، فيما متوسط سعر هذا الطن في السوق يبلغ 2900 دولار، وفي بعض السنوات فاق السعر هذا المتوسط. علينا بعد ذلك تصور حجم خسائر الشركة، والتي يقدرها البنعلي بـ 200  مليون دولار سنوياً، نتيجة الجشع والأنانية التي تجعل البعض يقدم مصالحه الشخصية على المصلحة الوطنية العليا. ويتم ذلك نتيجة تلاعبٍ مُحكم، حيث تتأسس شركة وهمية، تتصل بالشركات الفعلية لتقديم العطاءات من خلالها، وبعد أن يرسو العقد على الشركة الوهمية، تقوم بإغلاق أبوابها بعد أن تستلم آخر فاتورة من “ألبا”. يمكن الذهاب أكثر في الإشارة إلى أوجه فساد محقق في “ألبا”، حين نقرأ أن مشروع الخط الرابع أنجز بكلفة 1.2 مليار دولار في عام 1992، فيما مشروع تكليس الذي أنجز بعد ذلك بنحو ٩ أعوام، أي في عام 2001 أنجز بكلفة لم تتعد 400 مليون دولار فقط. ويمكن الاستطراد بالإشارة إلى أن مشروع الخط الخامس أنجز في عام 2003 بمبلغ 1.7 مليار دولار، فيما قامت شركة “دوبال” في إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة بانجاز نفس المشروع، وبعد ذلك بعام واحد “2004” بكلفة 1.2 مليار دولار فقط. والسؤال يطرح نفسه: أين ذهبت أموال هذه الفروقات الشاسعة؟
 
صحيفة الأيام

9 أبريل 2008
 
 

اقرأ المزيد

من هموم العائلة البحرينية

تتقلص يوماً بعد يوم ، السلّة الغذائية للعائلة البحرينية ، لتتناسب عكسياً مع إرتفاع معدلات التضخم المتصاعدة ، فكلما إرتفعت أسعار السلع من متطلبات المسكن و المأكل والملبس و  الدراسة والعلاج ، كلما انخفضت وتراجعت مفردات السلة الغذائية ، أي ما تحتاجه العائلة البحرينية في وجباتها الغذائية اليومية ، التي هي قوام ديمومة حياتها . إن العدد المتزايد من الأسر البحرينية قد إنقطع بالأكراه القسري عن تناول الكثير من المواد الغذائية اللازمة للحفاظ على وجبات غذائية صحية ، أو أن بعض أفراد  هذه الأسر قد آثر التنازل عن تناول بعض هذه المواد الغذائية الضرورية لصالح أفراد الأسرة الآخرين ، نتيجة للسياسات المتّبعة وإرتباط الدينار البحريني بالدولار الأميركي ، حيث فقد الكثير من قوّته الشرائية، حسب الدراسات الأقتصادية المتخصصة ، فلنأخذ مثلاً، مادة الحليب ومشتقاتها، ومنها مثال واحد وهو الحليب، فقد بلغ حتى صباح يوم 31 مارس 2008 م ، للعبوة من ماركة نيدو سعة 2,5 كغم سعر 7,795 دينار بحريني ، كما هو لدى أسواق جيان. لقد تلاشت أحلام الأسرة البحرينية بأجمل الأيام التي لم نعشها بعد ، إذ رمت سهام الجشع وسوء الإدارة طائر الفرح في ليل الغلاء المظلم . ها هي الأمومة البحرينية المعذبة تنتابها وساوس القادم من الأيام، وأيادي الأبوّة البحرينية الكادحة خالية من فيء الوطن في حيرة القوامة العائلية، حيث تنام على وسادة القروض وغلاء المعروض من السلع الضرورية وهموم توفير متطلبات الصحة والدراسة والسكن والعيش الكريم لأبنائها. هاهي الطفولة البحرينية تحرم من السعادة والمرح بسبب غلاء المواد الغذائية والدراسية وحتى الألعاب ، ناهيك عن متعة السفروفوائده الكثيرة وذكريات السياحة والفرجة ، وهي تعيش في بيوت عمودية صغيرة مكتظة بالأنفس والمشاكل الناجمة عن تردّي الوضع الإقتصادي وشحّة المداخيل أو في شقق ضيقة مزدحمة.  ها هي الشبيبة البحرينية التي ضاع مستقبلها المنظور بين أوهام الوعود و واقع الأزمات ، فأين لها بالتحصيل العلمي وقد سدّ الغلاء فسحة الأمل أو يكاد ، وشتّان بين أبناء الذوات و ( عيال الملحة )..بين الرفاهية والتعاسة .. بين الغنى والفقر.. بين القصور والأكواخ .. بين السيارات الفارهة والنقل العام.. بين التخمة والجوع .. وبين وبين . إن الخطر الداهم الناتج عن تكبير الهوّة الطبقيّة التي تفصل المتنعمين عن المستضعفين تزداد بأضطراد وبشكل مخيف. لكن الأمل الحقيقي في نهاية سعيدة وحلول جادة لمطاف الأزمات الخانقة ، منوط بوحدة مكونات شعبنا المتآخية وقواه الحيّة ، بعيداً عن الطائفية البغيضة والإثنية المتعصبة ، فالوحدة هي سلاح شعبنا الأمضى في الدفاع المستمر والصبور والثابت بصدق المطالبة بالحقوق المشروعة وبالوسائل السلمية المتاحة وصولاً إلى غدٍ أفضل وفجر يومٍ بهيج .
 
إضــــــــــاءة

نــحـن هـنــا …                             
  
نُـضيء أقــبـاسَ الـمـنى …
                          ويُُــزهـر الـلـيــلُ بــنـا…    
 
ونسلك الـطـريـقَ رغـمَ الشـوكِ والـقـتـامْ…
                                               لــنـبـلـغَ الـمـرامْ…
ونـخـلُـنـا يـفـيـقْ…
                      ويسـتـقي الـوئــامْ…
 
والـنـورسُ الـرفـيــقْ …
                         يعانـقُ الـقـلـوبَ بـالـسلامْ
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد