ربما كان الحكم مبكراً، أو متسرعاً بعض الشيء، على البرلمان البحريني وجدوى بقائه في ظل الأداء بالغ السوء الذي أظهره أعضاؤه حتى الآن، اعتباراً بقصر فترة الاختبار قياساً إلى عمر المجلس البالغ أربع سنوات. ولكن السؤال الذي صار يلح على الكثيرين من الناس، المحسوبين منهم على النخب وأولئك المحسوبين على الشارع أو الجمهور العام في ضوء المشاكل والتخبطات والتوريطات التي يزج المجلس نفسه فيها ويحاول بتهويشاته استدراج وجـر المجتمـع البحريني معه إلى مستنقعها الآسن.. السؤال هو: وهل يتعين علينا الانتظار حتى عام 2010 عندما يصبح في المتناول تنفس الصعداء حين يعاد طرح الثقة في أعضاء البرلمان من جديد عبر صندوق الاقتراع؟ هنالك من يقول بأن هذا هو المفروض الذي يتعين على الجميع التسليم بحقيقته، فهذه هي ضريبة الديمقراطية على أية حال. وإن مسيرة الشعوب والأمم نحو بلوغ ذرى التقدم والمجد لا تقاس ببضع سنين، وإن على الجمهور أن يتعلم من التجربة وأن يعي حجم المشكلة التي سببها لنفسه والمأزق الذي تسبب، بإرادته الاقتراعية الحرة – ولكن المطواعة – في إدخال البلاد فيه نتيجة لانسياقه الانتخابي وراء لمعان وبريق خطابات الفزعة الخدَّاعة والوعود المضللة التي لا تتناسب مع إمكانيات وقدرات أصحابها من غير ذوي الاختصاصات المدنية. أصحاب هذا الرأي يعولون على إمكانية يقظة عقل الناخب البحريني واستعادته وعيه المخطوف من قبل الجماعات الإسلامية المتَّكئة على خزان الطائفية واستثارة واستدرار تواطؤ العوام مع خطاباتها التفتيتية، المصلحية الضيقة في نهاية المطاف. وهذا التعويل مبني بطبيعة الحال على الأداء المخيب للرجاء الذي يؤدي به ‘أعضاء الفرقة البرلمانية’ والذي أفضى إلى نوع من القطيعة، باعتبارها مآل تحصيل حاصل، بين المجتمع والبرلمان. وهذا بالتأكيد رأي وجيه وسديد من الناحيتين المبدئية والقانونية، من حيث إن مبدأ سيادة دولة القانون هو الذي يجب أن يحكم العلاقة بين السلطات الثلاث والمجتمع. بما يستوجب من الجميع العمل على تأكيد قاعدتها وترسيخ ممارستها التي من خلالها فقط يصبح متاحاً مراكمتها على مر الأيام والسنين لتبلور وتشكل نفسها في صورة تقاليد لها مفعول وقوة أحكام وقواعد النظام العام التي سوف يصعب على أي متنطع فيما بعد القفز عليها حتى وإن لم تكن أحكاماً مدونة. بالمقابل هنالك أصوات أخرى متزايدة ترى أن ما يجري تحت قبة البرلمان البحريني لا يندرج في إطار التمرين الديمقراطي وتجربة الصواب والخطأ. فلو كان الأمر توقف عند هذا الحد من الأداء السلبي ولكن غير الضار، المندرج على أية حال ضمن السياق المتوقع للممارسة الديمقراطية الجنينية، لكان أمراً مقبولاً ومحتملاً. إنما أن يحول هؤلاء النواب، البرلمان إلى ساحة للشحن والتحشيد الطائفي وأن يعملوا بشتى السبل لإضفاء صفة الديمومة على هذه الممارسة المذمومة شعبياً وتكريسها تقليداً ممضاً في الحياة البرلمانية البحرينية الجديدة، فهذه مسألة لم يحتملها أصحاب الرأي الثاني الذين يرون أن هذا البرلمان يعمل بصورة منظمة ومتصاعدة على إشاعة الفرقة والانقسام داخل الصف المجتمعي البحريني الموحد بفطرته الاجتماعية والثقافية الغائرة الجذور التاريخية وبمزاجه الوطني والقومي العربي الحضري الذي لازالت رموزه التاريخية العتيدة محل تقدير واحترام المجتمع البحريني بكافة فئاته وأطيافه، وإن هذا البرلمان بدأبه في البحث عما يثير الفتن بدلاً عما يعزز الصف ويقوي اللحمة الوطنية، لا يمثل البحرين المعاصرة ولا تاريخها الحضاري النير…. فأين هو الصواب من الخطأ في هذين الموقفين من المجلس النيابي البحريني؟ القراءة الأولية للرأيين ولمذهبهما (أي لما يذهبان إليه) في التسويغ والتبرير، تشي بأن الموضوعية لا تنقص أياً منهما، وأن هذا الدفع الموضوعي يكاد يكون متكافئاً بينهما. فتجاوز الآلية الديمقراطية التي ارتضاها الجميع وسيلةً لتجسيد التمثيل الشعبي في صناعة القرار الكلي، لا يستقيم لا مع نص وروح الميثاق الوطني ولا مع المبدأ الديمقراطي نفسه الذي جعل من صندوق الاقتراع مرجعية حاكمة لكافة فرقاء العملية الديمقراطية. بالمقابل، وكما يرى أصحاب الرأي الثاني، فإن الالتزام بالديمقراطية والثبات على مبدئها، حتى لو كان الثمن التضحية بالوحدة الوطنية، لهو مذهب ساذج لا يستقيم مع المنطق العقلي. هي إذاً محصلة محيرة، وإن كان الجدل الموضوعي بشأنها، البعيد كل البعد عن العواطف والدوغما المُشَادة على ‘التفكير المستقيم’، يمكن أن يقود في نهاية الأمر إلى نتيجة هي أقرب إلى الواقعية منها إلى المثالية وإلى العملية منها إلى النظرية. فهل هي من مفارقات الزمن أن يتحول شعار ‘البرلمان هو الحل’ إلى ‘حل البرلمان هو الحل’؟!
صحيفة الوطن
28 مارس 2008
حل البرلمان هو الحل !
لكي لا يفلت الحوار الوطني
كان مؤتمر الحوار الوطني الثاني، الذي عقد يوم أمس الأول، محطة مهمة في العمل السياسي البحريني المشحون بقضايا كثيرة. وكان للمؤتمر أن يخرج بتوصيات تنزع إلى الوحدة الوطنية وتجسير المسافات بين القوى المختلفة سياسيا وأيدلوجيا، بما يسهم في صياغة حالة متقدمة من الحراك السياسي الحضاري الممكن له أن يسهم في حلحلة الملفات العالقة في أدراج الحكومة ومجلس النواب.
وكان المطلوب أن يعمل الجميع على تخفيف حدة المواقف إذا أراد الوصول إلى تقاطعات مع الآخرين وفق أجندة وطنية عامة شاملة، وليس أجندات خاصة يراد منها تسجيل أهداف في الوقت الضائع على حساب المواطن الذي بدأ يمل من جعجعة تصيب الرأس بالصداع ولا تنتج طحينا.
حدثت يوم أمس الأول مشادات على خلفية ما طرح في بعض أوراق عمل المؤتمر وخاصة تلك المتعلقة بقضايا التمييز الطائفي، وقضايا أخرى تتعلق بنشاط مؤسسات المجتمع المدني، وكادت أن تحرف المؤتمر عن الهدف الذي من اجله انعقد: الحوار الوطني، القائم على أساس احترام الآخر من خلال الإنصات لوجهة نظره ومناقشته في مواطن الصحة والتأكيد عليها وليس من خلال الانسحابات أمام وجهات النظر المختلفة. فهذا سلوك يعني عدم القدرة على الحوار أصلا، مهما كانت حالة (النرفزة) المصابة بها وجهة النظر الأخرى.
ربما ما حدث يوم أمس الأول هو انعكاس واضح لحالة الشد والجذب الحاصلة في مجلس النواب بسبب قضايا الاستجواب وموضوع التمييز الطائفي، حيث وقفت كتلة الوفاق مقابل بقية الكتل التي حولت مفردة التمييز بتكافؤ الفرص، وتكسرت على صخرة مواقفها الاستجواب الشهير.
لكن مؤتمر الحوار الوطني اكبر من الكتل النيابية مجتمعة، أو هكذا يجب أن يكون، نظرا لما يمثله من قوى سياسية فاعلة في المجتمع ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات. وكان على الذين أرادوا توتير أجواء المؤتمر أن يهدأوا قليلا ويعالجوا المسألة بروية وألا ينقلوا ما يجري في مجلس النواب من تطاحن طائفي إلى قاعات المؤتمر.
الآن وبعد أن انفض سامر المؤتمر فان على القوى الفاعلة فيه التوقف مليا أمام أي محاولات لجر هذا الحوار إلى الموقع الطائفي المقيت. فمسألة التمييز ومطبات الاستجواب اكبر من أن تشطبها وجهة نظر )منرفزة) أو انسحاب هنا، ورد غير حضاري هناك. فثمة استحقاقات لا يمكن إقصاؤها هكذا بأجندات خاصة بعيدة عن مصلحة المواطن الذي كان يحدوه الأمل بلجم الاصطفاف الطائفي الذي يتعمق كلما اشتد الوضع الإقليمي تأزما.
الوقت 31 مارس 2008
مؤتمر الحوار الوطني
أنْ يعقد مؤتمر يجمع في يوم واحد 500 شخصية من مختلف الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بحضور وزيرين ورئيس مجلس الشورى، فضلاً عن ممثلي بيت الأمم المتحدة الإنمائي، ورعاية معهد التنمية السياسية، أمرٌ له دلالته المهمّة في هذا الظرف الزمني.
اختيار المؤتمر شعار «الثوابت الوطنية فوق الانتماءات الطائفية»، وبحضور شوريين ونواب سابقين وحاليين (عدا الأصالة)، ومحامين ومثقفين وإعلاميين… يتضمن اعترافاً جماعياً بوجود خللٍ كبيرٍ في الداخل البحريني.
الأوراق المقدّمة وورش العمل المختلفة… كلّها تؤكّد وجود هذا الخلل، انطلاقاً مما نعيشه من هواجس ومخاوف واصطفاف طائفي، انتهاءً إلى التحذير من المستقبل المظلم الذي ينتظر هذا البلد إذا تركت اللعبة الطائفية إلى آخر مداها.
بعضهم تكلّم عن حقائق الوضع الطائفي ومظاهره وأمراضه، وبعضهم تكلّم عن مسئولية النظام والمجتمع والجمعيات ووسائل الإعلام، والبعض فكّر في حلول وتوصيات تنتظر التفعيل والالتزام… وهو أمرٌ تلفه طبقاتٌ كثيفة من الشك.
أهم ما في المؤتمر هو أن هناك إجماعاً على خطورة اللعبة الطائفية الجارية، وكثيرون استشهدوا بالمشهد العراقي واللبناني. بل إن بعضهم اعتبر المشهد البحريني هو الأصل، فهو النموذج «الديمقراطي» الذي يُراد أن يصدّر التفتيت الطائفي للمنطقة، والعياذ بالله!
كان من المستحيل أنْ تحضر خمس ورش عمل تعقد في آنٍ واحد، لذلك كان عليك أنْ تختار واحدة وتضحّي بالأخرى، رغم أهمية بقيّة الموضوعات مدار البحث. من هنا كان عليك أنْ تلم ببعض اللقطات هنا وهناك، لعلك ترسم بعض معالم الصورة الكلية.
لم يكن هناك خداعٌ للذات، أو تمنٍ كاذب، فالجميع جاء بمعتقداته وأفكاره ورؤاه؛ ليعرضها في هذا السوق الكبير. لم يكن أحدٌ يفكّر طبعاً بأنْ يقتنع بأفكار ومواقف الآخرين، ولم يكن ذلك مطلوباً أصلاً. يكفي أنْ تعرض ما لديك من أفكار وهواجس وتخوّفات وحتى عُقَد ليسمعك الآخر، فالمعرفة والتشخيص أول العلاج.
إبراهيم جمعان (جمعية الوسط)، كان مُصيباً جداً حين اعتبر الطائفية طريقاً لاغتيال الأمّة، وحذّر من تداعيات الإصطفافات الطائفية التي ستشمل أوجه حياة المجتمع كافة وزيادة تشطيره، وتعميق التخندق الطائفي، والاستقواء الديمغرافي، بما لا يَدع مجالاً للتعايش والتوافق، وهو ما سينتهي حتماً إلى سفك الدماء في المستقبل. وأشار إلى أنّ جيلنا انتهى… لكن المشكلة أننا نورّث المشكلة لأبنائنا، الذين سيتقاتلون ويتصارعون غداً في الساحة.
الشيخ صلاح الجودر، تناول مظاهر موجعةً أخرى، بالإشارة إلى ما وصلنا إليه من انحدار طائفي، بعد أنْ أصبحت هناك روضاتٌ للسنة وأخرى للشيعة، وأصبح التلميذ هذه الأيام يسأل مدرّسه: أنت سني أم شيعي؟ وقال إنه من الصعب في هذا الزمان أنْ تكون وطنياً وتحارب الطائفية، وذكّر بتجارب الشعوب الأخرى التي ابتليت بهذا المرض العضال، من قبرص وإيرلندا إلى لبنان. وقال: «هذه الكيانات الطائفية الموجودة تجعلني لا أصدّق أنه لا يوجد برنامجٌ للصدام في المستقبل».
لم ينتظر أحدٌ من المجتمعين أنْ يخرجوا بعلاجٍ قاطعٍ لأصل الداء، فالمؤتمر لا يملك عصا موسى، ولكنه على أقل التقادير خطوةٌ أولى على طريق طويل.
الوسط 31 مارس
إغاثة.. أم استعمار جديد؟
التدخل ‘الإنساني ـ الإغاثي في قضايا حقوق الإنسان، النزاعات العرقية، الطائفية، الإبادة الجماعية، تغيير الأنظمة المستبدة وتنصيب حكام جدد، نشر الديمقراطية.. إلى آخره من ‘محاسن ومساوئ’: هل هو شكل من أشكال إحياء استعمار جديد، أم هو التزام مبدئي بقواعد القوانين الدولية وهيئة الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن، وهل كل ذلك يندرج ضمن حجج ومفاهيم وتعبيرات، ومصطلحات عصرية جميلة شكلياً، قبيحة في المحتوى الذي يراد بها باطل؟؟. ما هي معايير الدول التي تحتاج إلى إغاثة إنسانية، ولأي سبب يعتبر التدخل العسكري تحت مسمى، شرعياً، وتحت أية يافطة يكون الكيل بمكيالين، ومن الذي يقرر أحقية تغيير أنظمة ‘مستبدة’، أو ‘مارقة’، أو ‘معقل للطغيان’؟؟. في استطلاع للرأي أجرته الخدمة العالمية لـ’البي بي سي’ في العام 2006 ، وشارك فيه 28 ألف شخص من مختلف البلدان حول التأثير الذي تمارسه ابرز الدول على الموقف في العالم، طُرح سؤال: هل هو تأثير ايجابي ام سلبي؟، حيث ضمت القائمة المطروحة للتصويت 12 دولة هي بريطانيا وفنزويلا وإسرائيل والهند وإيران وكندا والصين وروسيا وكوريا الشمالية والولايات المتحدة وفرنسا واليابان. وبحسب أحد ضيوف برنامج ‘بانوراما’ لقناة ‘روسيا اليوم’ التلفزيونية حول موضوع ‘ الدول المارقة: في زيادة او نقصان؟’ بث أخيراً، قال إنه ‘بعد تحليل نتائج هذا الاستطلاع، خرج علماء الاجتماع باستنتاج مفاده: ان ‘الناس لا يثقون بالبلدان التي تعتمد على القوة العسكرية’، فيما تحظى بقدر أكبر من الثقة والاحترام الدول التي تتقيد بما يسمى ‘قوة اللين’، اي السبل السياسية والثقافية والأيديولوجية في التعامل مع الآخرين. ملحق ‘بانوراما لكل الأطياف’، لهذا اليوم، يعرض عدداً من المواضيع في شأن مفاهيم فقدان الشرعية للأنظمة، ومن يتخذ قرار التدخل، هل ذلك من اختصاصات مجلس الأمن الدولي، أم سلطة قضائية دولية مختصة في مجال القضاء، على نظام يؤخذ عليه ‘إنه يضطهد شعبه’؟ أو مساعدة شعب منكوب بالمجاعة وبحروب أهلية أو سياسة تمييزية، أو لنظام ‘منبوذ’؟ وما نتائج هذه التدخلات والذرائع التي أوجبت هذه التدخلات، كما حدث في دول عربية وعالمية مثل، (العراق، الصومال، السودان، لبنان، أفغانستان، كوسوفو، هاييتي، سيراليون، أو ما يجري الحديث عنه بقوة هذه الأيام لحرب محتملة على إيران)، ما هي تداعياتها، آفاقها: أين أصيبت، وأين أخفقت، وماذا تخفي وراءها من عسكرة؟!. في بحث نشرته مجلة ‘مقارنات’ في العددين 6و7 (2003) للناشط والباحث الحقوقي العراقي عبد الحسين شعبان حول القرار الدولي 1441 ضد العراق و’فتيل الحرب’، قال شعبان: ‘صدر لحد الآن نحو 60 قراراً منذ الغزو العراقي للكويت عام ,1990 وإذا كان القرار 687 يشكل علامة بارزة في سلسلة القرارات، وبخاصة بعد انتهاء حرب الخليج وتحرير الكويت، فإنه كبّل سيادة العراق وجرح كرامته وارتهنت موارده، فبموجب هذا القرار، وعلى أساسه صدرت قرارات أخرى وطل الشعب العراقي يدفع الثمن’. وأضاف شعبان، إن ‘القرار 688 الصادر في 5 نيسان/ أبريل ,1991 ويكاد يكون القرار الوحيد من بين جميع قرارات مجلس الأمن الذي انتصر للشعب العراقي، حين تحدث عن كفالة حقوق الإنسان لم يصدر ضمن الفصل السابع، ولهذا ظل يتيماً، كما أصبح تائهاً لأنه لا أحد يرعاه، فلا مجلس الأمن الذي أصدره جعله ضمن أولوياته، ولا الولايات المتحدة التي تصر على تطبيق العراق لجميع القرارات الدولية، تصر على تطبيقه أسوة بالقرارات الأخرى، ولا الحكومة العراقية التي وافقت على قرارات دولية مجحفة، ومذلة توافق عليه، ليمكن إجراء التغيير سلمياً والاحتكام إلى الشعب، ولا المعارضة العراقية، بما فيها الوطنية أعملت الجهد والفكر وعبأت الطاقات والإمكانات لكي تدفع بهذا القرار إلى الصدارة وتدعو المجتمع الدولي إلى اعتماده بدلاً من الحلول العسكرية’.* بماذا نفسر كل ذلك؟ من ينظر.. لا بد أن يرى!.
* ’مقارنات’ مجلة غير دورية يصدرها مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية ـ العدد 6 و7 ص42)
صحيفة الوقت
3 ابريل 2008
ما الذي يغيظ في مؤتمر الحوار الوطني؟!
قلنا مرة انه ليس مطلوبا من مؤتمر مثل مؤتمر الحوار الوطني ينعقد لمدة يوم واحد أن يحل مشكلة في حجم مشكلة الطائفية التي تنخر في المجتمع، وليس من شأن كل مؤتمرات الدنيا التي تتصدى لقضايا كبرى أن تحلها خلال أيام أو ساعات انعقادها. ما تفعله هذه المؤتمرات هو أنها تسلط الضوء على أبعاد القضية التي تدرسها وتسهم في خلق رأي عام حولها، وهذا ما أفلح مؤتمر الحوار الوطني الذي أقيم نهار السبت الفائت في تحقيقه بنجاح بشهادة كل المنصفين الذين حضروا المؤتمر أو تابعوا أعماله. لكن هناك من يغيظه أن ينجح سواه فيما أخفق هو فيه، ففي جرة قلمٍ واحدة ألغيت جهود عدة جمعيات سياسية انهمكت في العمل المخلص وبصمت خلال الشهور الماضية، بعد أن عادت الروح إلى لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية بعد موتها، حيث انصرفت هذه الجمعيات بدأب ومثابرة في التحضير لهذا المؤتمر، ووضع محاور البحث التي كان عليه أن يناقشها، وأمنت حشداً فعالاً من الفعاليات السياسية والحقوقية والمهنية والإعلامية والبرلمانية في الجلسة العامة للمؤتمر وفي ورشه المتخصصة، وأتاحت لوجهات النظر المختلفة في المجتمع أن تعبر عن رأيها تجاه قضية الطائفية التي تشغل الجميع بمنتهى الشفافية والوضوح والصراحة. ونفاجأ بعد نجاح المؤتمر والصدى المشرف الذي تركه في المجتمع وفي وسائل الإعلام ولدى الأوساط السياسية الشعبية والرسمية بمن يقول انه كان على المؤتمر أن يناقش قضايا أكثر حيوية. فليكن! لا مانع من مناقشة قضايا أكثر حيوية، لو تفضل المتفضلون وسموا لنا عنواناً واحداً يمكن أن يحظى بمثل هذا القبول والاجماع من كل القوى المشاركة في المؤتمر أكثر من موضوع الطائفية الذي اختارته لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية التي يتشرف المنبر التقدمي برئاستها في دورتها الراهنة ممثلا في د. علي البقارة عضو مكتبنا السياسي ومسؤول اللجنة السياسية فيه. ثم انه بودنا أن نسأل من يروا في نجاح مؤتمر الحوار الوطني فشلاً، فيطالبوا بتفعيل لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية، في أي سبات عميق هم نائمون، فمن الذي نظم المؤتمر وأشرف عليه ووجه الدعوات للمشاركين، وعقد سلسلة من اللقاءات مع الجهات المهنية بمن فيهم الجهات الرسمية والنيابية التي شاركت في المؤتمر، أليس هي لجنة التنسيق التي يطالب من يطالب بتفعيلها، وهم خير العالمين أن هذه اللجنة بعثت بعد موات بجهود المخلصين والمثابرين من ممثلي الجمعيات السياسية، الذين سيواصلون دأبهم في سبيل أن تحافظ على حيويتها بعد أن تنتقل رئاستها إلى جمعية أخرى تكريساً للممارسة الديمقراطية.
صحيفة الايام
3 ابريل 2008
الصين والغرب.. وقضية “التيبت”
كانت الصين الشعبية في عهد زعيمها الراحل ماوتسي تونج من الدول الاشتراكية الكبرى المتهمة بالإرهاب وتصدير الثورة من قبل الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. وقد عانت الصين طويلا بسبب العزلة وسياسات الحصار والحرب النفسية التي ظلت أمريكا وحلفاؤها تشنها عليها طوال ما يقارب أربعة عقود منذ ثورتها عام .1949 وقد قامت القيادة الجديدة التي جاءت بعد رحيل ماوتسي تونج ممثلة في تنج هسياوبنج بمراجعة جذرية للسياسات والشعارات المتطرفة والتي تتخذ منها القوى الغربية ذريعة لتأليب الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي على الصين كبعبع شيوعي يهدد السلام العالمي، ولتبرير مواصلة هذه القوى وعلى رأسها الولايات المتحدة مختلف أشكال الحصار السياسي والاقتصادي المضروب على الصين. وبالتالي فقد أطلقت الصين مشروعا إصلاحيا منذ عام 1978 في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ومن مرتكزات هذا الإصلاح على صعيد السياسة الخارجية التعايش السلمي بين الأنظمة الاجتماعية المختلفة ونبذ التدخل في الشئون الداخلية. أما على صعيد الإصلاح الاقتصادي فقد تم اعتماد سياسة “اقتصاد السوق” والتخفيف من الهيمنة المفرطة للدولة على الاقتصاد وتشجيع الاستثمارات الخاصة. وبفضل هذه السياسة الإصلاحية حققت الصين قفزات ملفتة في النمو الاقتصادي وبرزت كقطب دولي ند منافس للقوى الاقتصادية الكبرى في الأسواق الدولية. لكن بالرغم من هذه الوجهة الجديدة التي انتهجتها الصين منذ عام 1978 كدولة مسالمة تنتهج طريقها الخاص لم يترك الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بكين وشأنها، فقد جرى تخفيف أساليب المجابهة الحادة التي كان يعتمدها الغرب بأساليب جديدة فمازالت الولايات المتحدة تثير زوابع بين الحين والآخر تجاه الصين متهمة إياها إما بتقليد بضائعها، وإما بانتهاكاتها لحقوق الإنسان ولا تفوت واشنطن أية فرصة تلوح أمامها للمضي في إشهار حربها النفسية ضد بكين، وهكذا كان أحد أهداف زيارة الرئيس بوش الأخيرة لعدد من البلدان الإفريقية تطويق ومحاصرة عقود ومشاريع الاستثمارات الصينية الناجحة مع هذه البلدان والتي تشكل منافسة للاحتكارات الأمريكية والغربية في الأسواق الإفريقية. وتكشف أحداث إقليم التيبت الأخيرة بجلاء مواقف الغرب والولايات المتحدة المنافقة وسياساتهما المزدوجة المتخبطة تجاه الصين، فقبل اندلاع أحداث التيبت بأيام قليلة كانت الولايات المتحدة قد تكرمت على الصين بحذفها من قائمة الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي العتيد الخاص برصد أوضاع حقوق الإنسان في جميع بلدان العالم مع أن واشنطن هي من أكثر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان، ومع أن أوضاع حقوق الإنسان في الصين هي بنفس مستوياتها السابقة سواء نظر إليها أنها أوضاع سلبية أم أوضاع إيجابية. وهذا بلا شك يكشف لنا جانبا من سياسات التخبط التي تتبعها واشنطن تجاه بكين. ومثال آخر على ازدواجية السياسات الأمريكية المراوغة تجاه الصين نجده في الموقف من جزيرة تايوان، ففي الوقت الذي ما برحت فيه الولايات المتحدة تؤكد رفضها لفصل تايوان عن الصين، بما في ذلك رفضها لأي استفتاء يهدف إلى انضمامها إلى الأمم المتحدة كدولة مستقلة، فإن لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب لا تجد غضاضة من إعلان دعم الولايات المتحدة لإجراء “انتخابات ديمقراطية” لتقرير مصير تايوان مما أثار حفيظة بكين باعتبار ان هذا القرار يتعارض مع مبدأ “صين واحدة” كما يتعارض مع قبول الصين في عام 1971 في الأمم المتحدة كدولة واحدة تمثل كل الصينيين. وفي الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن في فبراير الماضي شطب الصين من قائمتها السنوية الخاصة بحقوق الإنسان في العالم فإنها لا تتورع عن دس أنفها في أحداث التيبت وشن حرب نفسية جديدة ضد بكين متهمة إياها بسلب حقوق أهالي هذا الإقليم القومية وانتهاك حقوقهم الإنسانية، في حين تتجاهل كليا أعمال التخريب والتدمير والحرق الواسعة التي مارسها المحتجون في منطقة التيبت وهي الأعمال التي أدانها زعيم المعارضة التيبتية الدالاي لاما نفسه وإن على استحياء وهو الزعيم الذي يحظى بتشجيع ودعم الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة. ومع أن الغرب وأمريكا درجوا على إدانة أشكال العصيان والاحتجاجات النضالية، وعلى الأخص في البلدان الواقعة تحت الاحتلال كفلسطين، ووصفها بـ “الإرهابية”، إلا أن هذا الغرب لم يكتف بتأجيج الوضع الملتهب في التيبت فحسب بل التزم الصمت المريب تماما إزاء تلك الأعمال التخريبية الواسعة النطاق ضد الإقليم والتي كلفت الصين خسائر باهظة كبيرة ستعود بالوبال على أهالي التيبت أولا قبل غيرهم من الصينيين. ولعل توقيت اشتعال أحداث التيبت مع اقتراب موعد أولمبياد بكين المقرر في صيف هذا العام يلقي بظلال من الريبة على مدى عفوية هذه الأحداث. إذ ان الشكوك تحوم بقوة حول وجود أيد غربية خفية في تأجيج الوضع وصب الزيت على النيران، فمن المعروف أن النجاح المتوقع لأولمبياد بكين سيعني نجاحا كبيرا للدولة الصينية وسيفتح آفاقا واعدة لتنشيط سياحتها وأسواقها الداخلية وهذا ما يثير حفيظة وحنق الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، علما بأن معظم الدول الغربية أعلنت التزامها بالمشاركة في الأولمبياد احتراما لمبدأ إبعاد السياسة عن الرياضة.
صحيفة اخبار الخليج
2 ابريل 2008
عن الشخصية الخليجية
حدثتني زميلة عن حوار دار بينها وبين مثقف عربي كان في زيارة لمنطقة الخليج للمرة الأولى. قالت إنه أبلغها باندهاشه لما رأى من تطورات،لكنه قال ما معناه إنكم شعوب مرفهة نزلت عليها النعمة بالصدفة ولم تحسنوا التصرف فيها، لأنه يعتقد أن المظاهر الخارجية الجميلة والمبهرة لا تعكس وعياً ولا تقدماً حقيقياً. قالت الزميلة إن كلامه لم يرق لها وإنها حاججته من زاوية أنه من الاستخفاف النظر إلى أهل الخليج هذه النظرة البائسة، وإن افتراض مجتمعات الخليج مجتمعات خالية من الهموم والمشاكل المعيشية والاجتماعية افتراض بعيد عن الواقع، لأن أشكال تجليهذه المشكلات إنما يتخذ لدينا صوراً أخرى مختلفة عن تلك التي تتجلى بها في البلدان الأخرى. وأضافت: ثم، لماذا الحديث عن الثراء في الخليج وحده. إن حياة الشرائح المرفهة في البلدان العربية الأخرى لا تقل استعراضية ومظهرية وبذخاً عن حياة أثرياء الخليج، وإن النمط الاستهلاكي قد عم المنطقة العربية كلها في العقود القليلة الماضية وإن كان بنسب مختلفة، وإن هذا النمط يتمظهر هنا كما يتمظهر هناك وإن هذه القسوة في النظرة إلى الخليج وأهله ليس بها ما يبررها، خاصة حين لا يجري الالتفات الكافي إلى أن في الخليج، كما في البلدان العربية الأخرى، ثقافة وفكراً وفناً.. الخ. في هذا الرأي عناصر صحة كثيرة، بل لعله قد يكون صحيحاً في إجماله، لكن هذا القول يجب ألا يصرفنا عن الانتباه إلى أننا مسؤولون بمقدار، لا أظنه قليلاً، عن الصورة النمطية المشوهة لدى بعض أشقائنا العرب عنا. علينا الاعتراف أولاً بأن حجم التغيرات التيشهدتها بلداننا التي جاءت على شكل طفرة أو فورة فيها من العفوية الشيء الكثير، قد أحدثت هزة نفسية وقيمية عميقة في نفوسنا، وإن مجرد عقد المقارنة بين الأجيال السابقة والأجيال الجديدة كافياً ليرينا أن الجيل السابق كان أكثر توازناً وتواضعاً وانسجاماً مع محيطه ونفسه من الجيل الجديد الذي اعتاد على الخدمات السهلة التي تقدم له دونما عناء، وتكونت لدينا سيكولوجيا مرضية قوامها التظاهر والمباهاة والاستعلاء التي تخفي للأسف خواء وسطحية. من المفهوم ألا ترضينا الصورة السلبية القائمة عنا لدى بعض أشقائنا، ولكن المطلوب أن نعمل نحن على تبديد العناصر التي خلفناها بأيدينا في تكوين هذه الصورة بأن نقيم مجتمعات مؤسساتية حديثة، وأن نهتم بإيجاد تعليم عصري ينمي الشعور بالمسؤولية الوطنية، وأن نتوجه نحو بناء شخصية متوازنة لا يصرفها حاضرها عن التبصر في تبعات غدها حينما لا تعود الثروات بنفس الحجم وبنفس العوائد.
صحيفة الايام
2 ابريل 2008
لا نعلم عنها إلا خيراً
الصناديق الخيرية التي عمت أرجاء مناطقنا، التي لا نعلم عن ظاهرها إلا خيراً، بل ونتعاطف في كل أمر تتعرض له، ولا تتقبله، ونقف ونصفق لها إذا ما عرضت لنا تقاريرها ومصروفاتها على المحتاجين. في كل هذا الظاهر هو عمل جميل، نشد على يد من يقوم به، فأهل البحرين بكافة أطيافهم وصورهم مقدامين في العمل التطوعي ويشددون على التكافل الاجتماعي، ولكن هذا العمل بدأ يأخذ شكلا آخر، مخططا له وممنهجا من قبل بعض الفئات. فبعض الصناديق الخيرية قبل ان تجتمع جمعياتها العمومية لانتخاب إدارة جديدة لها يتم التحشيد بطريقة فجة لإسقاط هذا المرشح وإنجاح غيره ليس لمعيار الكفاءة ولكن لحجج واهية كأن يقال ان لحيته لا تمثل الحد الشرعي، او ان مرجعيته الدينية ليس متوافق عليها، او انه لم يصوت للمرشح الفلاني الذي تم تزكيته من قبل تلك المؤسسة الدينية وكأن الصندوق الخيري ملكاً لطرف دون طرف. المهم عندهم ان يكون أعضاء الصندوق الخيري من لون واحد وفكر واحد، فهل نلوم من يشكك في طريقة توزيع المساعدات الإنسانية، والخوف ان تعمم تجربة بعض الصناديق الخيرية في الانتخابات الماضية على الجميع ويكون عرفاً مقبولاً بدلاً من ان يكون مستنكراً، فالتوزيع يشمل الأسر التي تقف وتساند المرشح المزكى من قبلهم. لا نريد أبدا ان يكون هناك تشديد من قبل الوزارات المعنية على العمل الخيري، ولكن ما نريده هو ان تكون الصناديق الخيرية شاملة للجميع، لا تقصي أحداً ولا تستهدف أحداً، ان يكون همها سد رمق الفقراء اياً كانوا، بغض النظر عن توجهاتهم الاديولوجية او الطائفية، لماذا يأخذ العمل الاجتماعي والخيري منحاً “مطأفن”، فيكون في منطقة واحدة صندوقان خيريان وربما أكثر. هل الدين يقول لا تشبع هذا الجائع لأن ثوبه قصير، ولا تكسو ذلك العريان لأن ثوبه طويل.. سئمنا من طرح مثل هذا النوع من المواضيع ولكن لا نستطيع ان نصمت على من يريد ان يجر النار الى مؤسسات المجتمع الخيرية.
صحيفة الايام
2 ابريل 2008
الحوار الوطني..
يجب علينا على الدوام أن ندرك تمام الإدراك أن كل واحد مسؤول حيال هذا المناخ التعبوي المليء بقدر كبير من التجاذبات والاستقطابات والممارسات المجهزة بحساسية استقبال كل ما يتسم بنفس طائفي، وينمي الذهنية الطائفية. هناك من هو مسؤول بالممارسة، وهنالك المسؤول بالفكر المتعصب، والمسؤول بالغطاء، والمسؤول بالقرار وصيانة الوطن، والمسؤول باختلاق مؤامرات، ومتآمرون وتبادل الاتهامات، والمسؤول بالوكالة، والمسؤول بالإيحاء، والمسؤول بالمجاراة، والمسؤول بالصمت. إذن الإدانة لا تستثني أحداً.. وأحسب أن العلة فينا جميعاً، بل إنها تزداد تفاقماً كلما ألقينا تبعاتها على الآخر، وانخرطنا في تكريس الفوارق والتناقضات والتوترات، وشرعنا الأبواب لكل ما قد يسقطنا في فخ الحسابات الخاطئة التي تؤدي حتماً إلى نتائج وقراءات خاطئة حصادها بالضرورة نتائج كارثية. إنه موضوع على قدر من الجد يستحيل تجاهله أو التقليل من خطورته؛ فتجاهل الواقع هو هروب من المعالجة، والتغاضي عن الخطورة والخطأ جريمة بحق الوطن، والتلفع بالصمت والإنكار مصيبة بحق الناس، لذا سيبقى هذا الموضوع تحدياً للمجتمع المدني وقواه الفاعلة، ومن هذه الزاوية يجب على القائمين والمشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الذي ينعقد غداً – السبت – أن يثبتوا بأنهم على وعي بكل ذلك، وأن يؤكدوا أن هذا الحوار هو ثمرة جهد وفعل وطني نوعي صادق مدرك لدقة المرحلة التي نمر بها، ولخطورة تبعات الجنوح بالسياسة إلى الطائفية، ما جعل واقعنا مليئاً بشطحات وتشنجات وضغوطات وصنوف التعبئة التي تمس في الصميم الثوابت الوطنية التي يتبناها المؤتمر شعاراً وجعلها فوق الانتماءات الطائفية التي لم يبالغ المفكر وعالم الدين العراقي إياد جمال الدين في ندوته بمعرض الكتاب قبل أيام حينما وصفها بسلاح دمار شامل، ومرة أخرى بأنها لا تقل عن النازية. نعلم جيداً، أن البعض حتى وإن جاء تحت دعوى الحوار، بمقدوره أن يحمل معاول هدم أي حوار والتشويش عليه أو تفريغه من مضمونه، وأن يخضع الحوار لتأثيرات اعوجاج السياسة أو لأجندات سياسية معينة وللحسابات والقراءات الخاطئة، ولطالما انتابنا حزن عميق غداة بعض طاولات الحوار أو الحلقات الحوارية أو المنتديات العامة التي استهدفت حوارات حول بعض قضايا الشأن العام، حيث بلغ الكلام فيها أقصى حدته وغليانه وتطرفه من قبل من تعودوا زراعة الشوك وتوتير الأجواء، وإيقاع الشارع البحريني في بلبلة هو في غنى عنها، في ترجمة لما عانت منه تلك الجهود من “آفات حوارية”، حينما أريد من هذه الحوارات أن تكون أداة ابتزاز وضغط وتحفظ على هذا المفصل أو ذاك، والمتتبع لها تعتريه الدهشة ويأخذه العجب عندما يتوقف عند التفاصيل والجزئيات، خاصة حينما يجد من طالب بالحوار مع الآخر هو الذي سعى لمصادرة الآراء التي تتعارض معه. ومن هنا، فإن مؤتمر الحوار الوطني غداً يجب ألا يكون مجرد جلسات وورش عمل عقيمة عبثية تغرق في ثرثرة السجال وديماغوجية الطرح والتكرار والشعارات الجوفاء، حتى لا تكون النتيجة قشاً فارغاً بلا محصول. الجمعيات السياسية الثلاث عشرة المنظمة للمؤتمر، وقوى المجتمع المدني المشاركة فيه، بافتراض النيات الطيبة للجميع التي للأسف لا تؤدي دوماً إلى الهدف المنشود، هذه الجمعيات ليس عليها أن تلقي خطباً منبرية تطرب الأسماع قد تتوافق مع هوانا أو تستثير حماسنا، أو تتبنى مواقف تتسم بالبهرجة الإعلامية أو رفع العتب وتسجيل حضور، ولكنها لا تشكل خطوة واحدة فاعلة توقف هذه الاستمرارية في إحداث شرخ في وحدتنا الوطنية بما يتجاوز حدود الاحتمال، وإنما على هذه الجمعيات مهما اختلفت في الرؤى والأفكار والتوجهات والمواقف والأجندات حيال الملفات السياسية المهمة، أن تفهم وتستوعب أن العمل الديمقراطي الحقيقي لا يعني مطلقاً اتفاق الجمعيات والقوى على كل الموضوعات والملفات المطروحة والتي تشغل بال الجميع، ولكن هذا لا يعني قبول مواقف إقصاء الآخر، أو تبني أجندات طائفية أو حسابات مصلحية آنية أو الارتهان لهذا الطرف أو ذاك، أو إسقاط نقاط التلاقي والقواسم المشتركة، وخلق جوٍ مليء بالمنغصات الفئوية والطائفية التي تستهلك طاقة اندفاع مجتمعنا. وإذا كان من المزعج حقاً هو أن السياسة التي ينتهجها من يفترض أنهم أرباب السياسة، بالأخص من مسؤولين ونواب وبعض من تصدروا واجهات تحت مظلة الشأن العام ما زالوا يريدون لنا أن ننساق إلى أجندات سياسية معينة، ومناكفات غير محسوبة النتائج والعواقب، ويهرولون وللأسف في اتجاه يدفع إلى انحسار الانتماء الوطني ويبرز الانتماءات الطائفية والمذهبية والقبلية وحتى المناطقية؛ فإنه سيكون باعثاً على إزعاج أكبر، وقلق أكبر إذا لم يستطع مؤتمر الحوار أن يشكل إضافة نوعية تساهم في تبني جهد وطني صادق ومؤثر في مواجهة آفة الطائفية بكافة وجوهها في السياسة، وفي المجتمع، وفي وعي الناس، وإلا سنخرج بلا نتيجة، وسنجد كما قلنا حصاد المؤتمر قشاً فارغاً بلا محصول، ولا ريب أننا سنجد أنفسنا بعد ذلك أمام أكوام قش بمواجهة العواصف. الجميع غداً أمام امتحان عليهم أن يثبتوا فيه بأنهم متمسكون فعلاً بالثوابت الوطنية، وأنها فعلاً فوق الانتماءات الطائفية بعيداً عن اعوجاج السياسة ورخص الشعارات المبتذلة.
صحيفة الأيام
28 مارس 2008
أميركا غارسة الشرور ومصدرتها للعالم (4)
يخطئ من يظن، ولو للحظة خاطفة بمقدار رمشة عين، أو يصدق بمقدار ذرة، أن أميركا في ظل حكم اليمين المسيحي الذي تتميز سلوكياته وأخلاقه وجميع أدبياته الاجتماعية بالتشدد على المستويين الديني والسياسي. فعلى المستوى الديني، الذي تحاربه أميركا لدى العرب والمسلمين، وتمكنت من تسخير عدد كبير من الكتاب والمثقفين لسوط أنفسهم، وصب لعناتهم على الأصولية الإسلامية، مثل هؤلاء ممن ضحلت ثقافتهم وتسطحت مداركم وعجزت عن الغوص إلى أعماق التاريخ، والوقوف على ما يمكننا أن نراه مسجلاً في الفصل الثاني من الصفحة 183 من كتاب «من أجل صهيون»، ما يفضح وينظر من الاقتراب من أميركا وينفر النفوس من ادعاءاتها الكاذبة ومواقفها المتناقضة. وهنا أعلن عن موقفي المحايد من قضايا استغلال الدين من جانب أميركا ومحاربته لدى الطرف الآخر، كإنسان ارتكز على المفاهيم العلمانية، المؤسسة على الجدل الديالكتيكي المبني على الأخذ والعطاء ومبني على الأفكار الشوفينية الهاربة بسبب عجزها الطبيعي إلى الميتافيزيقيا. لا نريد أن نضيع أي جهد فكري أو زمني لمناقشة كومة السفسطائيات والانفلاتات اللسانية التي ضجت بها العبارة المقتبسة، فذلك الهذر الفكري وتفصيل المعاني لتنسجم مع غايات وأفكار وأهداف اليمين المسيحي من الوضوح بحيث لا تخفى على لبيب. ولذلك فضلنا أن نواصل بحثنا لنطلع على ما يلي: «احتل الدين مكانة رئيسية في الحياة اليومية للأمة الأميركية بكل طبقاتها واتجاهاتها على مر القرون… وفي مرحلة الثورة على الإنجليز والاستقلال كان «الآباء المؤسسون» يعبرون في خطبهم ومقولاتهم الحماسية عن مزيج متكامل من المشاعر الوطنية والدينية. ثم عندما شهدت أميركا أخطر مرحلة… عند اندلاع الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب كان كل من الطرفين يلجأ إلى الدين لتبرير موقفه… وإن رجال الكنيسة كانوا في حركة دائمة مع الجنود يعقدون جلسات الصلاة يومياً ويشرفون على مواساة الجرحى ويصلون على الموتى في ساحة المعركة. وبعد أن استعرضنا عمق التأثير الديني في تكييف سلوك الأميركان وأخلاقهم ومواقفهم من شعوب العالم، تلك المواقف المؤسسة على أفكار خيالية مصاغة بعبارات أدبية انتقائية ناشزة اللحن على الإيقاع السمعي، وجارحة للضمير العقائدي الديني الذي كثيراً ما يعبرون عنها بافتراءات تحط من منزلة الله وتسيء إلى عظمته. مثل هذه العبارة: «اعتقاد المستوطنين الطهوريين (وهو اعتقاد مزوّر على الله)، بأنهم على علاقة تعاهدية مع الله، وبأنهم شركاء في مهمة حددها الله لهم في هذا العالم». وهكذا يحط اليمين المسيحي من منزلة الله بوضع أنفسهم مساعدين له متجاهلين أن المطلق بلا حدود والقادر على فصل ما يريد بلا عون من أحد. وبالإضافة إلى ما أبديناه من آراء وملاحظات، ارتأينا أن نحرز بحثنا ببعض من آراء وأفكار جاءت في المسار التاريخي على لسان مستوطنين غربيين فلنقرأ معاً التالي: «وكانت مظاهره، الدين، واضحة في سلوك الأميركيين، ساسة وأفراداً عاديين، في الحربين العالميتين والحرب الكورية وحرب فيتنام، لكن أثر الدين كان أكثر ما يكون وضوحاً في الأحداث التي سبقت إنشاء دولة (إسرائيل)…». ولما أن الشكوك تنتابنا بشأن التخرصات وهزال التنبؤات الدينية التي صاغها اليمين المسيحي المتطرف بشأن اليهود، هذا اليمين المسيحي لم تكن توجهاته تنطلق من معتقدات دينية مجردة بل هي حالة يتم فيها استغلال الدين لتكريس مصالح اقتصادية وهذا أمر يعزز شكوكنا حول كومة التوجهات الدينية نحو «إسرائيل»، وفي التالي ما يعزز شكوكنا، ويدحر إلى حد كبير تخرصات ونبوءات اليمين المسيحي الذي لا يتورع عن الكذب والتلفيق على الله: «فإن العودة الثانية – عودة المسيح – لا تتحقق إلا إذا كان اليهود يعيشون في (إسرائيل) المسترجعة»، والحقيقة أن ليست هناك أرض اسمها «إسرائيل»، كما ليس هناك يهود إسرائيليون بل هناك أقليات يهودية ذات جنسيات مختلفة بعدد اختلاف حكومات العالم التي يعيش اليهود في نطاقها الجغرافي ويتنقلون بجوازات سفر تلك الحكومات، وما أدل على تخبط اليمين المسيحي بشأن اليهود و «إسرائيل»، من عدم الاستقرار في التعبير. ومع تقدمنا في البحث والاستقصاء، تبرز أمامنا الكثير من الدلائل والإثباتات التي تؤكد أن التجمع اليهودي في فلسطين ليس بتجمع شعب حول حكومة بقدر ما هو تجمع عصابات مافيا وقتلة حول زعماء مافيا متخصصين في خلق الاضطرابات، وإثارة القلاقل في أهم منطقة في العالم تمر بها مصالح الدول وتستقر فيها أهم ثلاث ديانات سماوية. وإن الكثير من معطيات التاريخ لا تشجع على الركون والأخذ بما ابتدعه أقطاب اليمين المسيحي المتطرف، وما حشده هذا اليمين من افتراءات وتنبؤات تعظيمية حول حفنة من بشر مشردين في شتى أنحاء العالم، من جنسيات لا عد لها ولا حصر، ومن أصول مبهمة تقادم عليها الزمن، وحولها بفعل التنقل والاندماج إلى أقليات تعرف بجنسيات البلدان التي يعيشون فيها، دونما أي تمييز بينهم وبين شعوب تلك البلدان، فيما الحقيقة التي يمكن أن يستخلصها أي دارس متتبع للمشكلة اليهودية التي زعزعت استقرار العالم، هي في حقيقتها الموقف العنصري المسيحي من اليهود، كما أن تجميع اليهود في فلسطين ليس إلا تحقيقاً للفصل العنصري بين اليهود والمسيحيين، إذ تؤكد هذه الحقيقة المعطيات التاريخية إذ يقول المؤرخ البريطاني سيسيل روث، «أبعد المسيحيون اليهود عن النشاط العادي، وحصروهم بالنشاطات التي أدت إلى توفير مواصفات خاصة لعلاقاتهم الدولية ولقدرتها على التكييف وفطنتهم». وما يؤكد الموقف المسيحي العنصري، وأن إقامة دولة «إسرائيل» ليست إلا حلقة في سلسلة الأحقاد المسيحية العنصرية لليهود والتضحية بهم في سبيل المصالح الاقتصادية الغربية الأميركية، وما استماتة أميركا في الدفاع عن «إسرائيل» في حقيقة إلا دفاعاً عما تمثله عصابات المافيا اليهودية من حراسة وحفظ للمصالح الرأسمالية الغربية، هذه المهمة الحقيقية لما يسمى بدولة «إسرائيل»، لو انتبه لها حكام العالم العربي وأفشلوها لما كان اليوم لـ «إسرائيل» من وجود، ولكن الميّت لا يسمع نحيب أهله! إن التجمع اليهودي في فلسطين ليس إلا بمثابة «الطلقة والضحية» وأخيراً، نقتبس العبارة التالية: «كان الصليبيون الإنجليز خصوصاً غلاظاً في اضطهادهم لليهود، إذ حرموهم من التمتع بثرواتهم غير الشرعية في الوقت الذي كان الجنود يحاربون من أجل طرد المسلمين من الأرض المقدسة والانتقام للصليب»، فالمستهدفون بالإبادة اليهود والمسلمون على حد سواء، وما عجز المسيحيون عن تحقيقه عبر التاريخ منذ الحروب الصليبية، فإنهم يحققونه اليوم بالتقاتل بين اليهود والفلسطينيين. وغداً ستتدخل الشعوب العربية والإسلامية ولن تقف إلى ما لا نهاية حبيسة أنظمة مهترئة عميلة متخاذلة، وهي ترى مصيرها القومي وبقاءها في خطر داهم.
صحيفة الوسط
1 ابريل 2008