المنشور

خلط الأوراق في موضوع العمالة الأجنبية (1)

لقد تفاجأ الجميع بمسلسل الإضرابات الهندية ولذلك لم يكن هناك موقف موحد منها سواء من قبل أصحاب الأعمال أو وزارة العمل أو الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وكان التعامل مع كل إضراب بشكل مختلف. فبينما تم تقديم عدد من التنازلات لعمال شركة زخرياديس تم التعامل مع إضراب عمال شركة رابية من خلال تسفير قادة الإضراب. وكما أشرنا في عمود سابق إلى أن هذه الإضرابات ستستمر بشكل أو آخر وأنها لن تقف بسبب تراجع الحكومة الهندية عن قرار وضع حد أدنى لرواتب عمالتها في الدول الخليجية كما ترى وزارة العمل. المختصون يرون أن هناك خلطاً في الأوراق يتركز في نظرتنا إلى العمالة الوافدة وأن هذه العمالة شر مطلق، ومثالاً على ذلك ما ذكره وزير العمل مجيد العلوي أن هذه العمالة تماثل في خطرها «إسرائيل» والقنبلة النووية. والخلط الثاني في أوراق الإضرابات الأخيرة هو الخلط بين الأسباب القصيرة الأمد والأسباب الجذرية لهذه الإضرابات. أما الخلط الثالث فهو متعلق بموقف الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين من الإضرابات بوصفه ممثلاً ومدافعاً عن حقوق جميع العمال في البحرين سواء المواطنين منهم أو الأجانب. أما الخلط الرابع فهو قصر التعامل مع موضوع العمالة الوافدة من أبعاد إنسانية بحتة واستبعاد الجانب الاقتصادي من هذه القضية. ولنبدأ أولاً بالخلط الأول والخاص بطبيعة المجاز المستخدم في وصف تحديات العمالة الوافدة في منطقتنا، على حين سنترك المحاور الأخرى لمقالات قادمة. يبدو أن الخطاب الذي يماثل بين العمالة الأجنبية و”إسرائيل” والقنبلة النووية هو خطاب قوي فعلاً وفعال من الناحية الإعلامية، ولكنه بالدرجة نفسها قد يكون ساماً وخطيراً من ناحية تداعيات فهمه من قِبل الرأي العام وتفاوت تأويله من شخص إلى آخر، ويمكن أن يشجع بصورة غير مقصودة النزعات العنصرية أكثر من تشجيعه على اتخاذ سياسات عقلانية تنموية تختص بالعمالة المهاجرة. في كل الأحوال، إن تزامن هذا الخطاب مع الفترة التي شهدت عقد اجتماعات مجموعة كولومبو للدول المرسلة للعمالة الأجنبية في أبوظبي لا يمثل بأي حال من الأحوال «إطراءً» و «تقديراً» لهذه العمالة. إن كلمة «إسرائيل» تجسد أقصى ما يكرهه العربي والمسلم في منطقتنا. وإنها تستدعي الغضب والخوف والكراهية إلى حلبة التفكير فيتم تعطيل كل القوى السلمية الأخرى في عقولنا. أما «القنبلة النووية» فهي مجاز يعكس حالة إفناء ودمار للحياة بكل أنواعها. فهل نحتاج فعلاً إلى استخدام هذا المجاز في خطاب سياسي يفترض به أن يساهم في ضبط النفس والحكمة في التصدي لتحديات ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وسياسية في عالم أصبح يقيم فيه اعتباراً أكبر لأهمية التعدد الثقافي وتعايش الحضارات؟ إن استخدام مثل هذه المصطلحات لوصف «عمالة مهاجرة» لا يخدم تحسين الأمور بل دفعها بغير قصد الى مسار خاطئ بأشواك التعصب الأعمى. وللحديث صلة.

صحيفة الوسط
14 مارس 2008

اقرأ المزيد

أميركا غارسة الشرور ومصدرتها للعالم (3)

يبرز أمام الباحث والدارس لمسيرة تاريخ العلاقات الاجتماعية بين بني البشر على المستوى الإنساني، والعقائدي، وخصوصاً بين اليهود من أمة إسرائيل، وممن تبعهم من مختلف الأمم البشرية وأتباع نبي الله عيسى (ع) ممن تميزوا باسم النصارى؛ مما يجب الوقوف عنده بكل تأنٍ وتبصر، حيث على مستوى العلاقات الإنسانية بوابة ومدخل بناء صرح حضارات البشر عموماً وارتقائها بفعل الهجرات والتنقل، وما ينتج من هذه العملية من اندماجات، وتزاوج تولد فروعاً من قبائلَ بشريةٍ تنفي أي ادعاء بثبوت الأصل الأول، مثل ادعاءات اليهود الصهاينة حقهم الاستيراثي لفلسطين باعتبارهم امتداداً لبني إسرائيل، وأنهم من أتباع موسى (ع)، فيما الحقائق التاريخية تؤكد أن الهروب من مصر لم يقتصر على بني إسرائيل بل شمل السحرة الذين هددهم فرعون بقوله: «قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ» (طه: 71). هؤلاء السحرة وغيرهم الكثير من المصريين هم ممن آزروا دعوة موسى (ع) ووقفوا بجانبه بأكثر مما يقاس من مؤازرة بني إسرائيل الذين كان همهم الأوحد لا الدين الموسوي بقدر ما كان همهم سرقة مجوهرات النساء المصريات. وقد ظلوا سائرين في هذا السلوك من حب المال مروراً بعبادتهم العجل الذهبي، وما نقرأه من تطلعهم للسيطرة الاقتصادية على أموال العالم، في بروتوكولات حكماء صهيون. على أن الذي يهمنا الوصول إليه وتثبيته بصورة قاطعة في هذا البحث الاستقصائي هو إخراج ما يكمن بين السطور من وعد بلفور، إذ الحقائق التاريخية الثابتة هي أن اليهود كانوا عرضة للإبادات الاجتثاثية، والتدمير العرقي المنهجي على يد الجنود الصليبيين الانجليز. ولكن تغير موقف الحكومة البريطانية مع مسيرة التاريخ هل كان ناتج حقائق عن تأثير تلك الافكار والطروحات الشوفينية التي لفقها اليمين المسيحي الرجعي المتطرف، وأطلقها على أنها إرادات إلهية تم التعاقد عليها بين الرب والطهوريين الذين انتقلوا إلى العالم الجديد، أم أنها نتيجة لتطور اساليب الاستعمار، ووسائل اصطياده لحكومات العالم وعلى رأسها الحكومات العربية، إذ تفتق الفكر الاستعماري ووسائل أساليبه عما نتج عنه وعد بلفور وخلق دولة لليهود وتحت كومة من الأوهام الخيالية الملفقة على الله، والماسة في كثير منها بالقدسية الإلهية تلك الأوهام والأفكار والمفاهيم المغلوطة، لم يتم انشاؤها وانتقاؤها وتنفيذها بطريقة عشوائية، بل كانت بمثابة مخطط مدروس بعناية فائقة لكي يلبي ويجاري مرحلة جديدة من مراحل السيطرة الاستعمارية الغربية في طورها «البيو كولونيالي»؟ لم يكن وعد بلفور يهدف حقيقة إلى خلق دولة ما سميت «إسرائيل»، إذ إن هذا الاجراء ليس الا الوجه الظاهر من وعد بلفور، الذي يتم به تمويه الحقيقة التاريخية الثابتة وهي أن دولة «إسرائيل» ليست تجمعا يهوديا جعل الغرب فيه من وراء وعد بلفور من اليهود كلاب حراسة للمصالح الاقتصادية الغربية مهمتهم التنفيذية النباح في وجه حكام العالم العربي لاخفاتهم ودفعهم لشراء السلاح من أميركا ومن بريطانيا ومن فرنسا، لتسترد هذه الدول قيمة صفقات الاسلحة باليسار أموال النفط التي دفعتها لحكومات الخليج باليمين. والحكومات سائرة وغارقة في سذاجتها بحيث لم تعر التصريحات الأميركية المنادية والمؤكدة أن أميركا لم ولن تسمح للأمة العربية مجتمعة بالتفوق على «إسرائيل» وهذا الكلام فيه من الوضوح الفاقع بأكثر مما يحتاج إليه أدنى عقل بشري يملك أحط قدر من الاستيعاب والتفكير بأن الاسلحة التي تبيعها أميركا أو بريطانيا أو فرنسا للعالم العربي، إما أنها في تصنيف التطور التكنولوجي تعتبر خردة، وإما أنها اسلحة متخلفة تكنولوجياً قياساً للأسلحة التي تمد بها هذه الدول إضافة إلى ألمانيا، «إسرائيل»، ناهيك عن أنها مع كل نواقصها وعيوبها وتخلفها مكشوفة لدى «إسرائيل» بالوفاء والتمام. وهنا نستبق ما عسى أن نسمعه من نعيق ضفادع وشنشنات يستند أصحابها إلى ما تبديه «إسرائيل» من احتجاجات ونرفزة على صفقات الأسلحة ذات القيمة المليارية، إذ لا يرى فيها الا حركات تتصنعها «إسرائيل» ومناورات تكتيكية تستد المهمة الحقيقية لـ «إسرائيل» في خدمة المصالح الغربية وأميركا لكيلا يتحرر الصيد من الشرك، لأن في هذه الحالة تكون «إسرائيل» قد فشلت في مهمتها الموكلة إليها وتأول الأمور إلى لا مبرر لوجودها حارسا فاشلا! ويقينا أنه لم ينتبه إلى المخطط الحقيقي والجانب المخفي من وراء إنشاء دولة «إسرائيل» من مجموع حكام الدول العربية غير الزعيم القائد المحنك فقيد الأمة العربية، والشعوب التواقة للتحرر الوطني جمال عبدالناصر الذي وجه لطمة صاعقة إلى مخطط إنشاء دولة «إسرائيل» بعقد صفقة الأسلحة التشيكية، التي أطارت بصواب الرئيس الأميركي فوصفها بأنها «عمل خطير»، وسر الخطورة يكمن في أن عبدالناصر سلك طريق التحرر والانفلات من رتبة السيطرة الأميركية. فلو اقتدى حكام العالم العربي بنهج عبدالناصر وساروا على منواله في مناهجهم التسليحية لهزوا اقتصاد الغرب، وأجبروا دوله على الاختيار بين مصالحهم الاقتصادية أو «إسرائيل»، ولأصبح أولئك الحكام تيجان تتلألأ على رؤوس شعوبهم بدل ما هم عليه الآن من مواقع شكوك في نفوس شعوبهم يزورهم مسئول أميركي أو هم يزورون أميركا ليتصدروا بعض الصحف المتهدلة شفاه كتابها ومحرريها المتأتئة السنتهم والمتحشرجة بلاعيمهم بعبارات التميجد وتضخيم نتائج الاجتماع بين الطرفين فيما الحقيقة انها موضع شكوك الشعوب ولعناتها لسبب وجيه ظاهر وهو أن لا تكافؤ بين طرفي الاجتماع. وعند هذا المنعطف أرجو من القارئ الكريم ألا يغلب عليه الملل والتعب من طول المشوار ونحن نسير على طريق الكشف عن المستور من وجه عدونا الحقيقي اليمين المسيحي المخادع وعن سلوكاته الملتوية وأساليبه الخداعة لكيلا نستمر تحت دعاياته وإعلامه عن الإسلام المتطرف نحط من أنفسنا فيما الحقيقة الساطعة ان التطرف والتشدد وهو ثوب اليمين المسيحي وصفاته المتميز بها وهذا ما سنركز عليه بحثنا ودراستنا في المقال القادم وسأكتب على أني لست من مساندي التطرف من مختلف منابعه الإسلامية المسيحية أو اليهودية.

صحيفة الوسط
14 مارس 2008

اقرأ المزيد

أميركا غارسة الشرور ومصدّرتها إلى العالم

إن الباحث الهادف بصدق الموجه بحوثه ودراساته لتجريد الحقائق، وإظهارها بسطوعها الشفاف من تحت ركام الكذب، وما يلجأ إليه الكذابون، من المخادعين والمضللين من همهم في الحياة مصالحهم الشخصية، حتى لو أدى الأمر إلى خداع مصادر خيراتهم وتضليلها بدس السم لها في العسل، وذر الرماد في عيونهم للتشبيه عليهم، بخلط الأوراق، وإبراز الأسود أبيضَ والظلم عدلاً واعوجاج السير استقامةً والالتواءات حكماً، والتخبط حنكةً سياسيةً وثاقب بصر، فيما الحقيقة إنها تخبط أعمى يثير القلاقل ويجذر الانشقاقات! سأعتني في بحثي هذا بالتركيز على تاريخ نشوء الدولة الأميركية، بقدر ما تتسع له مجرد مساحات أوراق صحف يومية، كلٌّ له الحق في أن يحصل على حيّزه منها، منذ اكتشاف كرستوفر كولومبوس القارة الأميركية في العام 1492، بعد رحلته في 3 أغسطس/ آب، وهنا نقتبس الآتي: “حاملاً معه عدداً من اليهود، وكان اليهود بالفعل هم الذين مكنوه من تحقيق رحلته الأولى التي أضافت شيئاً جديداً إلى معرفة الإنسان وثروته باكتشاف، النصف الآخر من الأرض…”. “وكان هناك ثلاثة من اليهود المتسترين، يملكون نفوذاً ضخماً في البلاط الأسباني، أولهم لويس دي سنتاغيل وهو تاجر كبير الأهمية في فالنسيا وملتزم الضرائب الملكية، وثانيهم غابرييل سانشيز، وكان ناظر الخزينة الملكية، وثالثهم خوان كابريرد، أمين الملك ورئيس تشريفاته. وظل هؤلاء الثلاثة يعملون على إغراء الملكة إيزابيلا، ويشبعون خيالاتها بالأوهام مصوّرين لها خواء الخزانة الملكية، واحتمال قيام كولومبوس باكتشاف الذهب الخرافي في الهند الغربية ونجحوا في إقناعها بتقديم مجوهراتها لتمويل المشروع…”. “واشترك مع كولومبوس في الرحلة خمسة من اليهود على الأقل، وهم لويس دي توريز، الترجمان، وماركو، الجراح، وبييرنال، الطبيب، وألونزو دي لاكال وغابرييل سانشيز. وكان لويس دي توريز أول من هبط على اليابسة، وأول من اكتشف استعمال الطباعة، وأقام في كوبا حيث يقال إنه مؤسس السيطرة اليهودية على تجارة التبغ في الوقت الحاضر (راجع كتاب «اليهودية العالمية المشكلة الأولى التي تواجه العالم”، إعداد الصناعي الأميركي الكبير هنري فورد، ترجمة خيري حمّاد، طبعة 1991، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص 33 – 35). على إن مع بدء القرن السادس عشر بدأت موجات الرحلات الاستيطانية الغربية إلى العالم الجديد (أميركا) وكان على رأس المستوطنين وفي طليعتهم رجال الكنيسة من الغربيين، من مؤسسي محاكم التفتيش، وتجار صكوك الغفران، الذين ما إن استقر بهم المقام في أراضي العالم الجديد المكتَشَف حتى بدأوا يروجون لأفكارهم الميتافيزيقية والأصولية الرجعية النصرانية الحمقاء التي تبدّت بكل شراستها وبربريتها وهمجيتها أثناء الحملات الصليبية، التي كانت تهدف لا إلى تحرير الأماكن المقدسة من الاحتلال الإسلامي كما صوّرها القائمون على الكنائس النصرانية وغرسوها في عقول العامة من النصارى الملتفين حول رجال الكنائس بعمًى، فيما الحقيقة تتجلى وتتضح في الهدف الرئيسي من رحلة كرستوفر كولومبوس الاستكشافية، ننتقل إلى الآتي: “كتب كولومبوس في يومياته إن فرديناند وإيزبيلا سيكون عندهما الآن الأموال ما يكفي لغزو الأرض المقدسة” (كتاب قصة الحضارة.. ول وايريل ديورانت، الجزء الثاني من المجلد السادس، ترجمة الدكتور عبدالحميد يونس، ص 167). وقد كان كولومبس أول من غرس الشر في أميركا، إذ تفيدنا الحوادث التاريخية أنه أصبح تاجراً للعبيد إذ أرسل حملات لأسر 1500 وطني وأعطى للمستوطنيين أربعمائة من هؤلاء وبعث إلى إسبانيا بـخمسمائة مات منهم مائتان أثناء الرحلة وبيع الباقون في إشبيلية ولكنهم ماتوا بعد بضع سنوات بعد أن عجزوا عن تكييف أنفسهم مع المناخ البارد” (المصدر نفسه، ص 171). وتأسيساً على كل ما سلف – وهو ليس سوى قطرة من محيط – فلا عطب أن نقرأ من حوادث التاريخ ما فعله اليمين المسيحي الرجعي المتطرف الذي تشكل خطورته أضعافاً مضاعفةً من الخطورة التي يشكلها المتطرفون الإسلاميون. ونحن نرى محاولات هذا اليمين المسيحي المتطرف في أميركا يسانده حلفاؤه الأوروبيون مع أية دولة في العالم من امتلاك قوة تضاهي قوتهم، كما هو حاصل مع إيران، وكوريا الشمالية، وليس ثمة تفسير لمحاولات اليمين المسيحي المتطرف مع إيران وكوريا الشمالية من امتلاك التكنولوجيا النووية سوى خوفهم من أن تظهر دولة تشكل مع الدول الأخرى المحبة للسلام والأمن العالميين قطباً جديداً بعد انفلاش القطب الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو قطب آتٍ لا محالة، ليحد من عنجهية أميركا وحلفائها الأوروبيين. لقد دأبت أميركا على ترديد نشر الديمقراطية في العالم، متناسيةً تاريخها الملطخ بالسواد، وانحطاط أخلاق اليمين المسيحي الذي لم يتورع عن تزوير الكذب على الله، ذلك التزوير الذي اشمأزت منه نفسية أبوالعلاء المعري فقال عنه في إحدى قصائده من اللزوميات البيت الآتي:
يحدثونك عن ربّ العلا كذبا
وما درى بشئون الله إنسانا
ومن عربدة اليمين المسيحي المتطرف من أمثال هؤلاء كانوا أوائل المرتحلين الاستيطانيين، حيث كرسوا الأفكار العنصرية، وغرسوها في أفكار العامة من المهاجرين الاستيطانيين وعملوا على إعدادهم آيديولوجياً، كما سيأتي ذكره من اسطورة “الملايين الستة” (المحرقة) ومعبدين بها إلى إثبات أن أميركا “غارسة الشرور ومصدّرتها إلى العالم” بتثبيت بعض المقتطفات الآتية وصولاً إلى الحقيقة التاريخية الثابتة، ونبدأ بالتعاريف الآتية التي يتجاهلها كتّاب اليمين المسيحي ومنظروه وقادته.
إن مفهوم “الإبادة الجماعية هي التدبير المنهجي لمجموعة عرقية بإبادة أفرادها” (قاموس لاروس).
“إن الإبادة الجماعية هي، على غرار الوعد الإلهي في التوراة، عنصر تبرير لخلود دولة إسرائيل”. (توسغف المليون السابع، منشورات ليانا ليفي 1993، ص 588).
وهنا نقترب أكثر وأكثر من تثبيت أن «أميركا غارسة الشرور ومصدّرتها إلى العالم»؛ في محاولة لتفتيح عيون المندفعين بعمى وراء المشروعات الأميركية الإصلاحية التي تفضح كذبها ودجلها، بما تقوم به في العراق، من تدمير منهجي لشعبه فاق ما قام به صدام حسين، ولحضارته؛ حتى لا يتبقى له ماضٍ يرتكز عليه، ومنه ينطلق إلى المستقبل، ومن هنا نبدأ:
«هناك ثلاثة مصطلحات غالباً ما تستعمل لتعريف المعاملة التي أنزلها النازيون باليهود: الإبادة الجماعية، المحرقة أو الهولوكوست والشواه» ويتسع التعريف ليشمل بصورة أكثر وضوحاً وشفافيةً فيقول: «ولمصطلح الإبادة الجماعية من الناحية الاشتقاقية نفسها معنى دقيق: إبادة عرق، إذا افترضنا أنه قد وجد (عرق) يهودي كما كانت تدعي العرقية الهتلرية وكما لايزال يدعي القادة الإسرائيليون. وهنا يواجهنا منعطف جد خطير وحاسم يتمثل في التساؤل التالي الذي بين يدي من المراجع المختلفة المصادر بما فيها مصادر يهودية كلها تجمع على الإجابة على ذاك التساؤل أو السؤال بـ(لا)، هذا السؤال هو: هل حدثت، أثناء الحرب، (إبادة جماعية) لليهود؟… ويجيب المرجع المعتمد في هذه الدراسة الاستقصائية فيكرر القول: إن لمصطلح (الإبادة الجماعية) في كل القواميس، معنًى دقيقاً. فلاروس يعطي مثلاً التعريف التالي (الإبادة الجماعية هي التهديد المنهجي لمجموعة عرقية بإبادة أفرادها)». وهنا يتأكد المعنى عن الإبادة الجماعية خن خلال الحدث التاريخي الذي لو حاولت «إسرائيل» الالتفاف عليه، وساندتها أميركا في الأمر لذهبت التزويرات الصهيونية التاريخية التي لا أساس لها عن نفسها والتلفيقات اليمينية المسيحية الرجعية المفترية على الله إلى الجحيم ولعن الله الطرفين، تحقيقاً لقوله جل وعلا: «لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (آل عمران: 61)؛ لـ «أن هذا التعريف، حول الإبادة الجماعية، لا يمكن أن ينطبق حرفياً، إلا في حالة غزو يشوع لكنعان حيث قيل لنا، بصدر كل مدينة مفتوحة: (لم يبقَ فيها أحد على قيد الحياة)». (في الإعداد 21، 35 مثلاً). ويستمر الحدث التاريخي الثابت، الذي حاول أول رئيس لـ «إسرائيل» وايزمن الالتفاف عليه، بقوله في مذكراته النكرة التي حشد فيها من الأكاذيب، وأطلق لفكره العنان للتلفيق: «إن اليهود لا يقتلون»، ناكراً بذلك مجزرة دير ياسين (راجع كتاب «الأساطير المؤسسة للسياسات الإسرائيلية لروجيه جارودي، ترجمة حافظ الجماني، وصباح الجحيم، دار عطية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، يوليو/ تموز 1996، ص 165-166). ولمتابعة البحث والدراسة سنلتقي في الحلقة التالية للتثبيت – بصورة قاطعة – من هي أميركا، وما هي توجهاتها!

 
صحيفة الوسط
22 فبراير 2008

اقرأ المزيد

الدكتاتورية المخملية والديمقراطية المستأنسة في الوطن العربي

لعل ما ينطق به واقع الأمم المتحررة ان ديمقراطية أنظمتها المتطورة، ما هي إلا حصيلة للنهضة الإنسانية والعلمية والتكنولوجية الكبرى، تخللتها مراحل تاريخية بالغة القسوة والصعوبة من الصراعات السياسية والاجتماعية والفكرية والفلسفية والطبقية، التي اتسمت بروائع تضحيات شعوبها، بحسب ما جاءت حافلة بعطاءات عباقرتها وأقلام فلاسفتها وعقول مفكريها، الذين حملوا مشاعل الحرية والأنوار، وتجشموا أعباء ومخاطر الكلمة “الجريئة”، ونشروا مبادئ الحرية بنسج ملاحم التضحيات البطولية، من أجل تحقيق الديمقراطية بأبعادها السياسية والاجتماعية والمدنية، وفي سبيل مبدأ التعددية وحرية الفكر والرأي والمعتقد، ضمن عملية المشاركة الحقيقية في صنع القرارات السياسية، على أساس مبدأ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع أمام القانون والدستور لدى دولة المؤسسات والقانون، والقائمة على مفاهيم فصل السلطات الثلاث ومبدأ تداول السلطة. وهكذا جاءت نضالات المعارضة السياسية المستنيرة في الوطن العربي، مماثلة لنضالات أولئك الفلاسفة الذين مهدوا لأكبر الثورات الإنسانية والاشتراكية الكبرى، بل شاركوا في صلب قضاياها وأتونها.. جاءت نضالات الأحزاب العربية وخاصة الأحزاب الشيوعية، ذات الانتماءات الأيديولوجية الاشتراكية والتقدمية، التي قادت جماهير الشعب العربي على طول الساحة العربية منذ عقود من الزمان.. عبر نضالات جاءت معبرة عن إرادة الشعب ورغبته.. منسجمة مع حقوق الإنسان وحرياته.. نضالات هذه الأحزاب الجماهيرية والتقدمية والمدعومة بحقائق التاريخ النضالية والمقرونة بالوثائق التاريخية، والموثقة بتداعيات الأحداث السياسية والاجتماعية والثورات الوطنية.. بقدر ما ارتبطت تلك التضحيات برحلة عذابات البطولات الوطنية والمبدئية، التي في ضوئها دفع هؤلاء المناضلون الثمن غاليا، وقدموا ضريبة الاستشهاد وضريبة السجون والمنافي والمعتقلات، سواء خلال مرحلة الاستعمار الأجنبي أم مرحلة التحرير والاستقلال الوطني، التي هي الأخرى تخللتها قوانين حالات الطوارئ والأحكام العرفية لدى مختلف أقطار الوطن العربي. ولكن على الرغم من ذلك كله فان العديد من أنظمة الدول العربية قد تفاعلت مع ما يستجد على الساحة العالمية من تحولات ديمقراطية، بقدر ما تجاوبت مع نضالات الشعوب العربية وتضحيات معارضتها السياسية، وخاصة منها الأحزاب التقدمية، وذلك بإدخال بعض الإصلاحات السياسية والاجتماعية والدستورية.. ولكن ما يبعث على حيرة المعارضة السياسية وتساؤلاتها ان هذا التفاعل اتسم بالتجميل السياسي.. وان ذاك التجاوب جاء مغلفا بأساليب ديماغوجية (منقوصا ومبتورا أحادي الجانب) بقدر ما كان متناقضا وجسامة تضحيات المعارضة السياسية، وبحسب ما تؤكد تداعيات هذا التجاوب وحقائقه أنها تصبح لصالح النظام السياسي الرسمي بالمقام الأول، الذي يحاول بأي حال من الأحوال أن يرسخ دعائم حكمه وأركان تنظيماته وقوانينه وأنساقه بأكبر قدر من البقاء والاستمرارية على كراسي السلطة.. وذلك بمحاولات هذا النظام الرسمي أو غيره إقناع الرأي العام المحلي الشعبي، والرأيين العربي والعالمي، بديمقراطيته.. ولكنها تظل ديمقراطية في الصورة والمظهر من دون المحتوى والجوهر، مهما سعى هذا النظام العربي أو ذاك من وضع الرتوش والمكياج والديكور على ديمقراطيته.. ولكن هذا النظام الرسمي العربي يظل بالمقابل عاجزا عن إعطاء صورة حقيقية وإيجابية لجوهر هذه الديمقراطية.. لكون ديمقراطيته تعكس بماهيتها أنها ديمقراطية مستأنسة بطابع من الأوتوقراطية المخملية. وإصلاحات سياسية شكلية وترقيعية مفعمة بسياسة الالتفاف على مواد الدستور، ومحاولة ترجمتها حسب مقاسات النظام السياسي، بقدر توظيفها لسياسته الاستبدادية في ظل نظام حكم الفرد ونظام الحزب الحاكم، بحسب تطويعها لخطاب الدولة القطرية، القائم على التقاليد البطريركية.. الأمر الذي يدفع عادة بهذا النظام العربي أو الآخر الى تهميش الجمعيات والمؤسسات السياسية وأحزاب المعارضة الوطنية والتقدمية وإقصاء مؤسسات المجتمع المدني عن المشاركة الفعلية في اتخاذ القرارات السياسية. ويكفي استدلالا بهذا الصدد معاناة الكثير من الأحزاب والجمعيات السياسية التجاهل والإبعاد والتهميش.. بحيث غالبا ما يعلن قادتها ورموزها الوطنية الكثير من سلبيات السلطة التنفيذية، إزاء تغييب المعارضة السياسية التقدمية عن دورها الوطني المحوري.. وتهميش مختلف الأحزاب والجمعيات السياسية المستنيرة والديمقراطية، ومنها الشروط القاسية إزاء تشكيل الأحزاب السياسية، التي بموجبها تشترط الحكومة عدم السماح بتشكيل أي حزب سياسي جديد، ما لم يشفع الطلب بتوقيع خمسمائة مؤسس يرفع إلى السلطة التنفيذية.. ومعارضة الحكومة تشكيل أي من لجان التنسيق ما بين الأحزاب أو الجمعيات السياسية ما لم تعط موافقة من الحكومة.. واستفراد الحكومة في البت في أي تعديلات تجرى على مسودة قانون الأحزاب والجمعيات السياسية والأهلية، بقدر تجاهل السلطة التنفيذية تلك الملاحظات والفِكَر التي تبديها مؤسسات المجتمع المدني حول هذه التعديلات. وثمة شكوى أليمة لمختلف الأحزاب والجمعيات السياسية وبالأخص المحسوبة على التيارات والانتماءات التقدمية، من عجز في ميزانياتها، وذلك لضحالة ما يرصد من مخصصات التمويل المادي لها الذي لا يفي وسد أبسط متطلباتها ومصاريفها ونشاطاتها وفعالياتها وحقوقها السياسية والاجتماعية المشروعة.. ورفض العديد من الأنظمة العربية توقيع بعض الاتفاقيات الدولية، وخاصة المتعلقة بحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب.. كما ان التداخل في المهمات السياسية التنفيذية والتشريعية والقضائية ما بين السلطات الثلاث هو ظاهرة تبدو واضحة الجلاء لدى الكثير من سياسات الحكومات العربية مما يؤدي الى تهميش عملية المشاركة السياسية، ومبدأ الفصل ما بين السلطات الثلاث. من هذا المنطلق.. منطلق مفاهيم الدكتاتورية المخملية للحكومات العربية، واتسامها واقترانها بمفاهيم الديمقراطية المستأنسة والمهمشة.. فإن العديد من قادة الأحزاب التقدمية والماركسية، ذوي الصوت القوي للمعارضة السياسية، غالبا ما وصفوا الانتخابات البرلمانية بأنها “مسرح عرائس” حينما لا يملك البرلمان السلطة الحقيقية التشريعية والشعبية المنوطة به.. “في ظل غياب إصلاح دستوري وفي ضوء تهميش العقد الاجتماعي”، بحسب ما يصرح به قادة الأحزاب والجمعيات السياسية.. الأمر الذي يدفع بالعديد من متخذي القرار السياسي في الوطن العربي إلى أن ينطق لسان حالهم “بأن النقد الموجه من قبل الأحزاب المعارضة للسلطة الى تراجع الإقدام ونبع الحماسة للانتخابات البرلمانية، وتقليل الإقبال على هذه الانتخابات لنسب انخفضت كثيرا، مثلما حدث في المغرب عندما تراجع الإقبال على الانتخابات وانخفض عدد الناخبين من 67,4% عام 1984م الى 51,6% لانتخابات عام 2002م”. لعل القول في نهاية المطاف يبقى صحيحا إن الدكتاتورية المخملية والديمقراطية الشكلية المستأنسة في الوطن العربي تمثلان غطاء للسيطرة المحكمة بمصادرة الحريات العامة المنشودة وتهميش الديمقراطية والأحزاب والجمعيات السياسية، ليس هذا فحسب ولكن تمثلان أيضا تهميشا للدستور والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني.. ونستطيع القول بهذا الشأن ان هذه الأنظمة العربية ستخسر احترام شعوبها ومعارضتها السياسية بمزيد من اللامبالاة، بحسب ما تفتقد دعم وعقول مفكريها وعلمائها وعباقرتها، ما لم تسع حكومات هذه الأنظمة الى تعزيز المشاركة الشعبية مشاركة فعلية ضمن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع في ظل ديمقراطية قائمة مفاهيمها على مبدأ الشفافية واستقلالية القرار والمشاركة في صنع القرارات الخاصة والعامة وتمتع كل فرد بحقوقه السياسية والاجتماعية والمدنية في ظل القانون والدستور.
 
صحيفة اخبار الخليج
14 مارس 2008

اقرأ المزيد

شيء من الذاكرة (2)

عندما قال أحمد سالم كلمته ومشى بتمتمته، خطا بضعة خطوات إلى الأمام بمحاذاة ‘دولاب الباليوز’ باتجاه ‘فريج الفاضل’ .. توقف فجأة، ثم نظر إلى ساعته وأخذ يتلفت بنظرات بعيدة، يراقبنا أحياناً ويرصد البحر والساحل والمارة في آن، أحياناً أخرى، كأنه ‘مخبر سري’، أو ‘حرامي’ يحوم في مكان ليسرق ما يتيسر له من غنيمة، أو ربما خرج مبكراً لموعد ينتظره مع عشيقة، لكـنه عاد إلى الوراء، فَقَطَعَ ‘الأسكلة’ [1] الى آخر نقطة فيها وجلس على حجر كبير من أحجارها المترامية يقرأ كتابه. كنا، الصبية الخمسة، واثقين أن أحمد ولد ‘سالم خطر’ [2] ليس مخبراً سرياً، لأننا لم نكن من المنشغلين بالسياسة آنذاك، أو المغرمين بالتحدث فيها، ولم نظنه البتة، ‘لصاً’ يتعقب ‘أكياس’ نقودنا، فقد كان الكل يعرف أننا من الفقراء ومصروف اليوم الدراسي لكل واحد منا ‘آنتين’ (أي 12 فلساً فقط) وكنا نضرب أسداساً في أخماس قبل شراء ‘روتية وسمبوساية’ وهي القيمة الفعلية لهذا المبلغ الزهيد لشراء تلك الوجبة الرئيسة: ‘السندويتشه’ في المدارس، ونواجه في كل يوم دراسي هذه المسألة الملحة التي تداعب تفكيرنا: نقضي على ‘الآنتين’ في أية فسحة؟!، إذا تناولنا ‘الوجبة’ في الفسحة الأولى من اليوم الدراسي،، نجوع في الثانية، وإذا أكلنا في الفسحة الثانية حتى نهاية الدوام لآخر جرس يقرع، ‘الفسحة الأخيرة’ لا نشتهي تناول الغذاء في البيت فيما بعد، فيما نحن ننظر إلى أبناء الذوات والميسورين وهم محلقون على ‘أكياس مملوءة بالسنبوسة، وساندويتشات الجبنة والجام، وأيضاً الكبدة، وفي يد كل واحد منهم قنينة ‘بيبسي كولا، أو كوكا كولا أو فانتا’ يهضمون بها وجباتهم الدسمة، في حين نحن الخمسة وغيرنا كثيرون، لا خيار لنا غير ‘دَفْع الروتية السنبوسة’ بماء حنفية المدرسة الذي لا زالت ملوحته تذكرنا بتحايلنا على هضم الوجبة اليتيمة من الفم إلى البلعوم .. إلى المعدة بشكل سلس ننافس بها أولاد الذوات. هكذا .. وأكثر، وكان يتطلب من أبناء الفقراء إذا أرادوا تقليد أولاد الميسورين لشراء ‘غرشة بيبسي’ يتقاسمونها فيما بينهم، على المشتري أن يصوم ثلاثة أيام لتوفير مبلغها (أربع آنات- 25 فلساً آنذاك) ومبلغ ‘سندويتشته أم السنبوسة والروتية’. ورغم صعوبة الصيام أو التوقف عن الصرف ثلاثة أيام دراسة وأكثر (كي نتبرجز) نحتال على ذلك بسرقة ‘الماو والصفر’ من ‘كيبل’ محطة الكهرباء، أو الذهاب إلى البحر والعمل على بانوش بيت عمران أو بيت حجي مكي، أو العمل في إجازات الصيف بأعمال تحرمها القوانين الدولية على مستخدمي الأطفال، الذين من المفترض أن يكون مكانهم الطبيعي مقاعد المدرسة، والإجازات للاستمتاع وإعطاء الطفولة معناها الحقيقي الذي عرفناه فيما بعد من بطون الكتب، أو من سفراتنا لدول الغير، وتعلمناه من السياسيين والحقوقيين القدماء الذين لو لا هم، ولو لا وعيهم وتضحياتهم وشجاعتهم لما أكمل أحدنا تعليمه الجامعي في الخارج عن طريق تنظيماتهم السرية التي كنا نسميها ‘وزارة التربية الموازية للحكومة آنذاك’. كثير منا تساءل أثناء صباه، ربما أمام ‘إمام الجامع، أو والده، أو والدته، أو أصدقائه: لماذا خلق الله الناس فقراء وأغنياء؟، وكان الجواب يأتي في قوالب جاهزة لا تتعب التفكير، وكأن الكل قرأ على يد شيخ واحد: هذه هي الدنيا، وسبحانه تعالى له حكمة في تقسيم الأرزاق، فيقسمها على عباده الصالحين كما يشاء، فمن له نصيب يقدمه له ويحصل عليه .. ولا اعتراض على هذه القسمة. ذات مرة، سألت والدي (رحمه الله) بنية الفهم والاقتناع ليس إلا: إذاً، لماذا لم نكن نحن من الأغنياء، وهم (الميسورين) القلة في منطقتنا يصبحون فقراء؛ ألسنا من عباده الصالحين؟!. انزعج الوالد كثيراً، وصار يوبخني، وكأنني قلت قولاً قبيحاً، أحسده على راتبه الذي لا يتجاوز العشرة دنانير (مائة روبية) حتى أوائل السبعينات؛ فصاح في وجهي بصوت عالٍ: ‘هل تعترض على قسمة ربك .. واما بنعمة ربك فحدث’. لا، أريد أن أفهم فقط …. لماذا نحن فقراء وهم أغنياء؟ لماذا ‘خرجيتنا’ آنتين بالكاد تكفي لـ’روتية وسمبوساية’ واحدة (للأمانة كانت من الحجم الكبير)، وهم، أبناء الذوات، يأكلون ساندويتشات بأصناف مختلفة من الطعام الشهي، ويدفعون ما يهضمونه بالبيبسي كولا، ونحن نهضمه بماء حنفية المدرسة غير الصالح للشرب، والموجع في زاوية قرب الحمامات لغسل الأيدي، وأحيانا، الأرجل من الأتربة؟!. آنذاك، كانت تشغلنا هذه الأسئلة ـ أسئلة الجوع والحرمان ـ أكثر من انتفاضة مارس ,1965 وما يجري على الساحة من أحداث دامية، وإنْ كانت تتوارد أنباء على أسماعنا عن كل من تمَّ اعتقاله، أو إصابته برصاص من أبناء حيّنا الفقير، ونتوجع لآلام أهاليهم المنكوبين، كما نتابع تجمعات الشباب، ونسمع منهم آخر الأخبار في المناطق الأخرى المشتعلة: كم شخص قتل، وكم شخص أصيب أو اعتقل، وكانت الأجواء مشحونة، ومنطقة رأس الرمان ليست استثناءً، حتى صار الصبية في أعمار (10و11و12 عاماً) يفكرون بأشياء أكبر من سنهم، وصاروا يشاركون من حيث لا يدرون في فعل المنتفضين. (وللحديث بقية)

[1] ‘الأسكلة’: مرفأ سفن مبني من أحجار البحر بطول نحو مئة متر أو أكثر إلى الخور الأول لبحر رأس الرمان.
[2] أول سائق رأس رماني لسيارة بابكو المعروفة بسالم خطر، حتى أخذ هذا اللقب والد أحمد سالم.
 
صحيفة الوقت
13 مارس 2008

اقرأ المزيد

حكايات من تاريخنا “55”

لوحة شرف أندية الاستقلال تفخر انديتنا التي باتت كلها أو معظمها اليوم “رياضية” وجرى حصر نشاطها في هذا المجال وحده لا غير.. تفتخر بما تحصده من ميداليات وكؤوس او الفوز ببطولات الدوري في المسابقات المحلية والعربية والاقليمية، في حين تنسى ان الفخر الأعظم الذي يحق لها ان تتباهى به وسيظل يخلده التاريخ على امتداد عصوره وحقبه المقبلة هو دورها التاريخي الاستثنائي المساهم في صنع استقلال الوطن عشية انسحاب القوات البريطانية من ترابه والوقوف صفا واحدا مع الجمعيات والمؤسسات الأهلية الاخرى في وجه المطامع الشاهنشاهية الامبراطورية الايرانية الرامية الى قضم اراضي الوطن وإلحاقها بإيران، ومن ثم احباط وإجهاض تلك المطامع من خلال تلك الوقفة الجماعية الشجاعة الحازمة بالتصويت لصالح استقلال الوطن وعروبته في ظل دولة عربية مستقلة ذات سيادة بقيادة العائلة الحاكمة، وذلك كما عبر عنه ممثلو ورموز الشعب البحريني بمختلف مذاهبه وفئاته وقواه السياسية للمبعوث الدولي فيتوريو وينسبير جيوشياردي اثناء مهمته لتقصي رأي شعب البحرين حول المصير الذي يرغب فيه بعد جلاء القوات البريطانية وإلغاء اتفاقيات الحماية الاستعمارية، وهي المهمة التي يصادف هذا اليوم مرور 38 عاما على تكليفه من قبل أمين عام الأمم المتحدة بها. وفيما يلي نثبت ادناه قائمة بأسماء الاندية والفرق الرياضية والجمعيات التي صوتت او عبرت جميعها لصالح استقلال الوطن وعروبته وسيادته على أراضيه أمام المبعوث الدولي اثناء قيامه بمهمته الفائقة الأهمية تلك، والتقائه بممثلي كل تلك الاندية والفرق والجمعيات كل على حدة. وتعد هذه القائمة بحق بمثابة لوحة الشرف الوطني في تاريخ هذه المؤسسات منذ تأسيسها حيث كتبت أسماء الاندية والجمعيات فيها بأحرف من نور.. أسماء سيخلدها تاريخنا الوطني أجيالا متعاقبة حتى قيام الساعة، واقترح على كل الاندية والجمعيات المعنية الاتفاق على ان يكتب القائمة خطاط بحريني لتتم بروزتها لاحقا إلى جانب الوثيقة الاصلية وتعليقها في واجهة مدخل كل مؤسسة: أولا: أسماء الجمعيات: جمعية رعاية الامومة، جمعية فتاة البحرين، جمعية الهلال الأحمر، اتحاد الاندية الوطنية، غرفة تجارة وصناعة البحرين، اسرة الأدباء والكتاب، جمعية الفنانين البحرينيين، صندوق التعويضات التعاوني، مؤسسة الرياضة البحرينية، مجموعة من رجال الدين، مجموعة من المحامين، مجموعة من الصيادلة. ثانيا: أسماء الأندية: نادي العروبة بالمنامة، نادي الخريجين بالمنامة، النادي الأهلي بالمنامة، نادي البحرين بالمنامة (بالمحرق)، نادي الاصلاح بالمنامة (بالمحرق)، نادي النسور بالمنامة، نادي الجزائر بالمنامة، نادي الاتفاق بالمنامة، نادي الشعاع بالمنامة، نادي الشروق بالمنامة، نادي الولعة بالمنامة، نادي الفردوسي بالمنامة، نادي اليرموك بالمنامة، نادي الترسانة بالمنامة، نادي العاصفة بالمنامة، نادي النيل بالمنامة، نادي أم الحصم بالمنامة، نادي التاج بالمنامة، نادي القضيبية بالمنامة، نادي النعيم بالمنامة، نادي البسيتين بالمحرق، نادي الاتحاد بالمنامة، نادي النصر بالمحرق، نادي الخليج بالمحرق، نادي النهج بالمحرق، نادي شعلة الشباب بالمحرق، نادي شط العرب بالمحرق، نادي المحرق الثقافي بالمحرق، نادي التقدم بالمحرق، نادي الزلاق بالزلاق، نادي عالي بعالي، نادي الرفاع الغربي بالرفاع، نادي مدينة عيسى بمدينة عيسى، نادي الديه بالديه، نادي الخميس بالخميس، نادي الصفا بالديه، نادي جدحفص بجدحفص، نادي باربار بباربار، نادي سنابس بالسنابس، نادي الدراز بالدراز، نادي شباب الدراز بالدراز، نادي الصاعقة بالدراز، نادي البديع بالبديع، نادي الارشاد ببني جمرة، نادي توبلي بتوبلي، نادي النبيه صالح بالجزيرة، نادي داركليب بداركليب، نادي النويدرات بالنويدرات، نادي المعامير بالمعامير، نادي الرفاع الشرقي بالرفاع، نادي المالكية بالمالكية، نادي سترة بسترة، نادي كرزكان بكرزكان، نادي الحالة بالمحرق، نادي التعارف بالمحرق، نادي الجيل بالمحرق، نادي الجزيرة بالمحرق، نادي المريخ بالمحرق، نادي النهضة بالحد، نادي الدير بالدير، نادي سماهيج بسماهيج، نادي الهداية بسماهيج، نادي قلالي بقلالي، نادي اللؤلؤ بالمنامة، نادي الوطني بالمنامة، نادي اليقظة بالمنامة، نادي الجفير بالجفير، نادي العربي بالمنامة، نادي اتحاد الريف بشهركان. ثالثا: أسماء الفرق الرياضية وغيرها: فرقة النجوم الموسيقية بالمحرق، فريق الخلود الرياضي بالمنامة، فريق النهضة الرياضي بالمحرق، فريق الهلال الرياضي بالمحرق، فريق الوحدة الرياضي بالمحرق، فريق كوكب الرفاع الرياضي بالرفاع، فريق شباب البديع الرياضي بالبديع، فريق النويدرات الرياضي بالنويدرات، فريق المحرق الرياضي بالمحرق، فريق عراد الرياضي بالمحرق، فرقة الأنوار الموسيقية بالمنامة. ومن نافلة القول: ان العديد من الأندية والجمعيات والمؤسسات المتقدم ذكرها لم يقتصر او ينحصر دورها في ذلك الموقف فحسب، رغم اهميته التاريخية، بل لعبت دورا تاريخيا وطنيا مشهودا قبل وبعد هذا الموقف في الدفاع عن القضايا الوطنية والشعبية المهمة.
 
صحيفة اخبار الخليج
13 مارس 2008

اقرأ المزيد

الأمل آخر ما‮ ‬يموت

ذات‮ ‬يوم من عام ‮٤٨٩١ ‬كان في‮ ‬هافانا،‮ ‬عاصمة كوبا البعيدة‮. ‬هناك رأى بغتة تمثالاً‮ ‬مذهلاً‮ ‬لدون كيشوت على ظهر جواده وبيده رمحه‮.‬ إنها الصورة المألوفة لدون كيشوت،‮ ‬ولكن هذا التمثال كان محبوكاً‮ ‬من الخيزران،‮ ‬وقد أعطاه هذا الخيزران قوة لا‮ ‬يمكن توقعها‮. ‬ إن قضبان الخيزران استطاعت إظهار عضلات الحصان بشكل لم‮ ‬يسبق له أن رآه في‮ ‬أي‮ ‬تمثال سابق،‮ ‬ثم انتبه إلى الرجل الذي‮ ‬يمتطي‮ ‬الحصان،‮ ‬أي‮ ‬دون كيشوت نفسه،‮ ‬الخيزران ذاته الملفوف ليشكل كتفيه وزنديه وصدره وفخذيه أظهره شخصاً‮ ‬خيزرانياً،‮ ‬للمرة الأولى‮ ‬يبدو دون كيشوت أمامه نحيلاً‮ ‬وقوياً‮ وليس هزيلاً،‮ ‬وكان نحوله نحول شخص كله أعصاب متوترة،‮ ‬وهي‮ ‬أعصاب توحي‮ ‬بالقوة والعزم والإرادة‮.‬ وبالإضافة إلى ذلك كان فيه عضل‮. إنه العضل الذي‮ ‬نعرفه عند لاعبي‮ ‬الكاراتيه وفنون القتال،‮ ‬عضلات الأجسام المفتولة التي‮ ‬ليس فيها‮ ‬غرام واحد زائد‮. ‬كل ما تراه من الجسم لازم له،‮ ‬كل ما فيه عزم وقوة وفحولة‮.‬ حين شرح ما رآه كتب‮: “‬لو أنني‮ ‬استطعت تصوير ذلك التمثال لفزت بأجمل صورة‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحصل عليها مصور للرجل المثالي‮”. ‬وسيتخذ من ذكرى هذا التمثال في‮ ‬هافانا البعيدة توطئة لشرح موقفه من فكرة الرجل الذي‮ ‬يواجه قدره،‮ ‬مواجهة مستحيلة مع أخطاء العالم،‮ ‬وهذا ما فعله في‮ ‬حياته كلها،‮ ‬وما فعله بخاصة منذ أن أخذ‮ ‬يصارع الموت،‮ ‬هو الذي‮ ‬جبل على حب الحياة‮. ‬ صاحب هذه الحكاية هو الراحل ممدوح عدوان الذي‮ ‬ظل حتى رمقه الأخير على خط الدفاع الأمامي،‮ ‬على جبهة الثقافة،‮ ‬منافحاً‮ ‬عن فكرة المقاومة‮. ‬بل كان مقاوماً‮ ‬للهزيمة،‮ ‬هو الذي‮ ‬يدرك شأنه شأن أي‮ ‬مبدع كبير،‮ ‬بما‮ ‬يملك من رهافة حس وبصيرة‮ ‬يقظة،‮ ‬أن هزيمة النفس،‮ ‬هزيمة الذات هي‮ ‬الهزيمة الحقيقية التي‮ ‬تجعل من الهزيمة الشاملة قدراً‮ ‬لا راد له‮.‬ لذا فإنه كان‮ ‬يعمل من موقعه‮: ‬مسرحياً‮ ‬وشاعراً‮ ‬وكاتباً‮ ‬للدراما ومترجماً‮ ‬للآداب العالمية‮. من أجل الانتصار للحياة،‮ ‬من أجل أن‮ ‬يظل الأمل باقياً،‮ ‬ليس فقط لأن الأمل آخر ما‮ ‬يموت،‮ ‬كما تقول حكمة روسية،‮ ‬وإنما من أجل بلوغ‮ ‬تلك الحال التي‮ ‬لا‮ ‬يعود بوسع الأمل فيها أن‮ ‬يموت‮.‬
 
صحيفة الايام
13 مارس 2008

اقرأ المزيد

التنسيق بين القوى الوطنية في انتفاضة مارس 1965

مع البدايات الأولى للانتفاضة تحركت القوى الوطنية، كل يريد أن يأخذ مكانه في الانتفاضة. تحركت الفصائل القومية وتحركت جبهة التحرير الوطني البحرانية وتحرك البعثيون. منذ بداية الأحداث عملت الفصائل القومية على الالتقاء والتنسيق، وكانت الفصائل المتواجدة آنذاك هي حركة القوميين العرب وتنظيمها الطلابي والناصريين وحركة الثوريين العرب(فصيل منشق عن حركة القوميين العرب).  جرت لقاءات تمهيدية وتنسيقية بين ممثلين عن الفصائل القومية منذ البدايات الأولى للانتفاضة قبل أن يتم اعتقال أي من كوادرهم القيادية. دخلوا في حوارات  مهدت  لعقد الاجتماع التوحيدي للقوى القومية في الفترة التي تلت أول مظاهرة كبرى نظمتها حركة القوميين العرب في المحرق يوم الجمعة 12 مارس 1965. عقد الاجتماع يوم 12 أو 13 مارس وقد حضر عن القوميين العرب أحمد الشملان وعلي الشيراوي مؤسس الاتحاد الطلابي التابع للحركة وممثلا عنه، وربما حضر عيسى الذوادي، وعن الثوريين العرب حضر علي ربيعة ومحمد جابر صباح، وعن الشباب الناصري حضر الشهيد محمد بونفور. وقد تم الاتفاق بين الفصائل على توحيدها تحت مظلة جبهة واحدة باسم جبهة القوى القومية وعلى أن تصدر باسمها كافة البيانات. أما على مستويات العمل النضالي الأخرى فقد ظلت كل مجموعة تعمل شبه مستقلة تحت لواء فصيلها. تتابعت الأحداث بسرعة فبعد مظاهرة المحرق الكبرى يوم الجمعة 12 مارس، سيّرت جبهة التحرير مظاهرة حاشدة في المنامة يوم السبت 13 مارس طافت شوارع العاصمة ابتداء من منطقة السوق. وفي اليوم نفسه تحركت مظاهرة كبيرة في سترة، كما استمرت المظاهرات في المحرق. أمام اتساع المظاهرات صدرت أوامر للشرطة باستخدام الرصاص إضافة لمسيلات الدموع في تفريق المتظاهرين، وسقط في هذا اليوم ثلاثة شهداء من سترة والمحرق. وتداركا لتفاقم الأوضاع ومحاولة لامتصاص النقمة أصدرت الحكومة بيانا في اليوم ذاته 13 مارس أعلنت فيه تشكيل لجنة حكومية للنظر في أوضاع العمال المفصولين. فما كان من القوى الوطنية جميعا إلا أن تنادت لترد على البيان الحكومي ببيان صدر في 15 مارس موقعا بستة أسماء هي حركة القوميين العرب، جبهة التحرير الوطني، حزب البعث(بمسمى آخر) وثلاث فصائل قومية طلابية وعمالية. وقد طرحت الحركة الوطنية في البيان مطالبها التي تضمنت إلى جانب إعادة العمال المفصولين مطالب أخرى أهمها رفع حالة الطوارئ وإطلاق الحريات. تواصل الحوار بين حركة القوميين العرب وجبهة التحرير، وقد كانت علاقتهما قبل انتفاضة مارس مشوبة بالشد والجذب، فقد كان القوميون يحذرون الناس من جبهة التحرير بأنهم شيوعيون ملحدون ويستنكرون علاقتهم مع حزب تودة الإيراني ويتهمون جبهة التحرير بتشجيع الهجرة الإيرانية. ومع بدء الانتفاضة قرر الطرفان وضع الخلافات جانبا وجرى اتفاق على إصدار نشرة مشتركة وعلى العمل المشترك في فعاليات الانتفاضة وفي المواجهات سواء في المحرق أو في المنامة. وقد تمخض عن تلك الحوارات صدور بيان موقع باسم جبهة القوى القومية والتقدمية. ثم اختلف الطرفان على التسمية فأصر القوميون على مسمى جبهة القوى القومية والتحرير على مسمى جبهة القوى التقدمية وعادت البيانات تصدر منفصلة باسم كل جبهة على حدة فصدر أول بيان باسم جبهة القوى القومية بتاريخ 18 مارس وصدر أول بيان باسم جبهة القوى التقدمية بتاريخ 20 مارس. رغم ذلك لم يفسد الاختلاف بين القوميين والتحرير للود قضية حيث فرضت الأحداث تواصل التنسيق والتعاون. وقد لعبت دورا ايجابيا في هذا المجال علاقات الزمالة والصداقة التي ربطت بين بعض الوجوه القيادية من الطرفين. فقد شاءت الصدف العام 1964 أن  يعمل في مكان واحد ثلاثة من القوميين وواحد من جبهة التحرير، إذ التحق علي الشيراوي وعيسى الذوادي وأحمد الشملان وثلاثتهم من كوادر القوميين العرب بالعمل في مصنع الكوكاكولا لصاحبه عيسى الجلاهمة والتقوا مع عبدالله البنعلي(عضو لجنة القيادة في جبهة التحرير) الذي كان هو الآخر يعمل في المصنع ذاته وكان هو المخول الوحيد من صوب جبهة التحرير للتنسيق مع القوميين. وقد شكلت زمالة الأربعة في مجال عمل واحد نواة التنسيق أو المطبخ الأول الذي خرجت منه أشكال التعاون بين الطرفين. وأثناء الانتفاضة وقد فرضت الأحداث نفسها بدأ التنسيق بين الطرفين، وقد بدأت لقاءات البنعلي مع علي الشيراوي وعيسى الذوادي باعتبارهما في مرتبة تنظيمية أعلى من مرتبة الشملان. وبعد اعتقالهما تواصل التنسيق بين البنعلي والشملان. أما أوجه التعاون والتنسيق فقد كانت متعددة نذكر منها:
- صدور بيانين بشكل مشترك.
- كان لدى جبهة التحرير منشور تريد توزيعه فطلبت من القوميين توزيعه بين جماهيرهم في منطقة الجسر بين المنامة والمحرق الذي كان محاصرا حينها فقاموا بتوزيعه.
- جرى تنسيق بين كافة القوى الوطنية في المظاهرات والمسيرات من حيث تحريك المظاهرة والشعارات المرفوعة والهتافات والأراجيز. وظهر التنسيق واضحا في التجمعات أمام مسجد الشيخ حمد بالمحرق. حيث كان أربعة ملثمين يتسللون بعد انتهاء الصلاة لداخل المسجد ويغلق الباب دونهم يمثلون القوميين العرب(أحمد الشملان) وجبهة التحرير(محمد السيد) والشباب الناصري(محمد بونفور) والبعثيين(عبدالوهاب بوكمال)، فيتناوبون على إلقاء خطب عبر مكبر الصوت على الجماهير المحتشدة في الساحة أمام المسجد.
- أمدت جبهة التحرير القوميين العرب بالورق وطبعت المنشورات المشتركة، كما أمدتهم ببعض المسدسات والقنابل اليدوية وقامت بتدريب بعض عناصرهم على استخدام السلاح.
- القوميون الذين كانوا يتمتعون بالثقل والانتشار في المحرق ويتوفرون على بعض المخابئ قاموا بتدبير أماكن متعددة للقاءات والنوم لعناصر الطرفين مع بعضهم البعض. كما قاموا باخفاء عناصر التحرير وبتهريبهم خارج البحرين.
- كان لجبهة التحرير دور في نقل بعض جرحى الانتفاضة للعلاج في الخارج حيث تم تسفير بعض المصابين للعلاج في سوريا. 
استمر التنسيق بين الطرفين حتى نهاية مارس حيث انقطع الاتصال بينهما حينما نشرت المخابرات أسماء الناشطين وصورهم وتضاعفت الملاحقات في المحرق فقامت جبهة التحرير بسحب عناصرها من الساحة. وواصل من بقي من كوادر القوميين العرب نشاطهم بتنفيذ عملياتهم وإصدار بياناتهم من المخابئ وعادت جبهة التحرير لإصدار نشرتها “الجماهير”. أما بالنسبة لتنسيق القوى القومية مع حزب البعث فكان يغلب عليه طابع المشاركة الفردية من جانب البعثيين. وقد كان لبعض أعضائهم مشاركات كبيرة وتضحيات فقد تعرض عدد من عناصرهم للاعتقال والتعذيب. نسقوا مع القوى الأخرى كأفراد ثم شارك قسم منهم بشكل تنظيمي. في بداية الانتفاضة نزل توقيع حزب البعث على أول بيان مشترك للقوى الوطنية بمسمى آخر ثم اختفى اسمهم في البيانات اللاحقة.

خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

وزير الإعلام.. ومعرض الكتاب

لم تعد معارض الكتاب اليوم كسالف عهدها في العقود الماضية من القرن العشرين، وتحديدا خلال السبعة العقود الأولى منه، مجرد سوق بيع وشراء لكتاب بمختلف انواعه فلقد اصبح معرض الكتاب الدولي منذ مطالع السبعينيات بمثابة حدث وعرس ثقافي كبير يحتل مكانة وأهمية فائقة في الحياة الثقافية والعلمية لأي دولة يجرى فيها تنظيم هذا المعرض، ويعكس نجاحه تطور تلك الحياة الثقافية والعلمية للدولة وما تلعبه الدولة والفعاليات الثقافية والادبية والعلمية من دور في هذا التطور يعكس بدوره حضارة البلد الذي يجرى فيه تنظيم المعرض، وقياسا بتجربة البلدان الاوروبية والغربية الديمقراطية في تنظيم معارض الكتاب وبخاصة تجربة ألمانيا في تنظيم معرض فرانكفورت السنوي الدولي الكبير مازالت تجارب البلدان العربية في تنظيم معارض الكتاب متخلفة على الرغم من عراقة تجارب بعض العواصم العربية نسبيا كالقاهرة وبيروت ودمشق. وتتجلى مظاهر تخلف معارض الكتاب العربية عادة في عدة نواح:

1- سوء تنظيم المعرض من مختلف الجوانب كتنظيم الدخول والخروج، وضيق الاجنحة وممراتها وسوء عرض الكتاب، وعدم وجود دليل مطبوع لما هو معروض من كتب في كل الاجنحة ودور النشر مما يرهق معه المشتري او الزبون لدى عملية البحث عن الكتب التي يرغب في شرائها، والأسوأ من ذلك فانه قد برزت في السنوات الاخيرة ظاهرة أجنحة الكاسيتات والسيديات الدينية التي يعمد بائعوها الى رفع مكبرات اصواتها الى أعلى حد في وقت واحد وهي متجاورة.

2- محدودية تنوع الكتب المعروضة، فكثير من الاجنحة ودور النشر يكون هدفها من الاشتراك في المعرض هو الترويج لكتبها البائرة القديمة والقليل منها من يعتني بتقديم الجديد من الاصدارات الجديدة التي تستقطب اهتمام وجاذبية المثقفين والقراء. ولعل مما يسهم في هذه المحدودية تشديد الرقابة على الكتاب.

 3- ارتفاع اسعار معظم الكتب المعروضة وتدني نسبة الخصم حيث لا تتجاوز في أحسن الأحوال 20%، وهي النسبة الشكلية الوهمية المخادعة التي عادة ما يجود بها اصحاب دور النشر والمكتبات حتى في الأيام العادية خارج المعرض.

 4- تشديد الرقابة على الكتاب المعروض ولاسيما في السنوات القليلة الاخيرة. واللافت ان معايير الرقابة على الكتاب أضحت معايير تتسم بضيق الأفق الفكري سياسيا وادبيا ودينيا، ومن ثم طغيان المعايير الشمولية الدينية والاخلاقية والسياسية على المعايير المتسمة بالمرونة وسعة الافق، ومن المفارقات ان هذه المعايير كانت في عصر ازدهار الشموليات العربية اكثر تطورا من عصر الانفتاح السياسي والإصلاحات الراهن وهو ذاته عصر تطور وسائل الاتصال مثل الانترنت والفضائيات والهاتف النقال حيث لا معنى البتة لمصادرة المعلومة أو الكتاب في ظل تمكن القارئ من الحصول عليها من خلال تلك الوسائل الحديثة المتطورة.

5- جمود ورتابة الفعاليات الثقافية والأدبية المصاحبة لمعارض الكتاب العربي، هذا إذا ما تم اصلا تنظيم مثل تلك الفعاليات، اذ تكون الندوات والمحاضرات التي تنظم على هامش هذه المعارض روتينية تقليدية تفتقر الى التجديد والتشويق، كما تكاد وجوه الضيوف التي يتم استضافتها هي هي، وكذا الموضوعات التي يتم اختيارها لتلك الندوات والمحاضرات، وغياب التغطية الاعلامية الكافية والمتميزة للمعرض وفعالياته من قبل وسائل الاعلام الجماهيرية ولاسيما من قبل التلفزيون.

 واذا كانت هذه المظاهر المتخلفة التي تميز معارض الكتاب العربية قد تجلت حتى في المعارض العريقة صاحبة الشهرة كمعارض الكتاب الدولية السنوية في القاهرة وبيروت ودمشق فانها بلا شك أكثر بروزا في معارض الكتاب الخليجية وبضمنها معرض الكتاب البحريني المعروف بعراقته وتميزه بين معارض المنطقة. ولعل مما زاد الأمر سوءا ان الوزارة المعنية بتنظيم هذا المعرض “وزارة الاعلام” تولى حقيبتها في فترة سابقة رجل أبعد ما يكون عن الثقافة والاعلام وتغلب على خلفيته الفكرية النزعة المحافظة مما انعكس على ضيق معايير جهاز الرقابة وتشدده في حظر الكتب، وإذ يتولى الوزارة حاليا رجل عرف بانفتاحه الليبرالي جهاد بوكمال وحيث سيكون معرض الكتاب الجديد أول حدث ثقافي مهم في ظل ولايته الجديدة للوزارة فهل نأمل في ان يكون معرض الكتاب الوشيك الذي سيفتتح بعد أيام عرسا ثقافيا جديدا يستعيد مجد عراقة هذا الحدث الثقافي العلمي الكبير بما يليق بمكانة البحرين الثقافية في المنطقة، وذلك من خلال قدرة الوزير بالتعاون مع الجهة المنظمة “مؤسسة الأيام” على التصدي لمظاهر التخلف الخمسة المذكورة التي ميزت معارض الكتاب العربي جميعها في السنوات الأخيرة؟ ومن ثم هل يمكننا ان نتفاءل بأن يجعل الوزير جهاد بوكمال هذا المعرض الظاهرة الاستثناء بين المعارض العربية في تجاوزه كل او معظم تلك المساوئ الخمسة؟! نأمل ذلك.. ولننتظر لنر.

صحيفة اخبار الخليج
12 مارس 2008

اقرأ المزيد

ناقصات حظ ‮!‬

من ضمن ما قيل في‮ ‬انتقاص المرأة،‮ ‬وانتشر في‮ ‬عالمنا العربي،‮ ‬المقولة الرائجة انهن ناقصات عقل وحظ،‮ ‬وقد روجها جهال الأمة ليقزموا دور المرأة وليقصوها عن مكانتها‮.‬ فإبعاد المرأة‮ ‬يعني‮ ‬تعطيل نصف المجتمع،‮ ‬وبالتالي‮ ‬يمكننا القول ان مجتمعاتنا تعمل بنصف قدرتها،‮ ‬ونتيجة لذلك فإن مستوى التنمية سيكون منقوصاً‮ ‬بدرجة النصف،‮ ‬في‮ ‬جميع المجالات التي‮ ‬لا‮ ‬يسمح بدخولهن فيها‮.‬ وفي‮ ‬المقولة التي‮ ‬ابتدأنا المقال بها بأنها ناقصة للعقل والحظ،‮ ‬فإني‮ ‬لن اتوقف عند العقل،‮ ‬لأن الحديث عن ما قدمته المرأة في‮ ‬المجال الطبي‮ ‬والهندسي‮ ‬وبقية المواقع أبلغ‮ ‬مني‮ ‬في‮ ‬الرد على من‮ ‬ينتقص عقلها‮.‬ ولكن هل هي‮ ‬ناقصة حظ؟ الجواب بالنسبة لي‮ ‬إذا ما نظرنا الى واقعنا العربي‮ ‬فسأقول نعم،‮ ‬هي‮ ‬ناقصة حظ،‮ ‬والسبب في‮ ‬ذلك سيطرة من لا‮ ‬يعرف مكانة المرأة في‮ ‬المجتمعات،‮ ‬فهو‮ ‬ينظر لها بانها كالنعل‮ ‬يلبسه حين ما‮ ‬يشاء وينزعه وقت ما‮ ‬يشاء،‮ ‬أو كما قال احد رجال الدين المتعجرفين بان المرأة خلقت للمطبخ والفراش،‮ ‬في‮ ‬تغافل تام عن ما نسب الى فضليات التاريخ الإسلامي‮ ‬كفاطمة وعائشة‮ (‬رض‮) ‬ودورهن في‮ ‬المجتمع وتحركاتهن‮.‬ لا‮ ‬يحتاج الأمر الى استنباط فقهي‮ ‬واستدلالي‮ ‬لمعرفة قدر المرأة في‮ ‬جميع الأديان،‮ ‬وبدلاً‮ ‬من تعقيد الأمور وفلسفتها،‮ ‬لنبحث قليلاً‮ ‬لنجد الكثير من الومضات في‮ ‬حق المرأة فهي‮ (‬ريحانة وليست بقهرمانة‮).‬ ولكن ما عساني‮ ‬ان أقول في‮ ‬من‮ ‬غلبه هواه عن قول ما‮ ‬يجب ان‮ ‬يقال في‮ ‬المرأة‮.. ‬رغم أنهم لا‮ ‬يستطيعون مفارقة النساء،‮ ‬فالعجب العجاب ان تسمع مروية‮ ‬يرددها رجال الظلام ان‮ (‬أعدى عدوك زوجتك التي‮ ‬تضاجعك‮)‬،‮ ‬فهل‮ ‬يقبل عقل أي‮ ‬مستنير كان وأي‮ ‬ذي‮ ‬لب وبصيرة ان‮ ‬يقال عن زوجته مثل هذا الحديث،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬تسهر ليلها خوفاً‮ ‬من سعلة تخرج من زوجها او ابنها،‮ ‬وتأتي‮ ‬لي‮ ‬يا من حفظت حديثين وآيتين دون ان تعرف تفسيرها ومعناها لتروي‮ ‬عن فلان بن فلان ان فلاناً‮ ‬قال‮ (‬لا‮ ‬يفعلن أحدكم أمراً‮ ‬حتى‮ ‬يستشير،‮ ‬فإن لم‮ ‬يجد من‮ ‬يشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها،‮ ‬فإن في‮ ‬خلافها البركـــــــة‮)‬،‮ ‬فهل تريدوننا ان نسلمكم رقابنا لتتولوا عليها‮..‬ 

صحيفة الايام
12 مارس 2008

اقرأ المزيد