لقد تفاجأ الجميع بمسلسل الإضرابات الهندية ولذلك لم يكن هناك موقف موحد منها سواء من قبل أصحاب الأعمال أو وزارة العمل أو الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وكان التعامل مع كل إضراب بشكل مختلف. فبينما تم تقديم عدد من التنازلات لعمال شركة زخرياديس تم التعامل مع إضراب عمال شركة رابية من خلال تسفير قادة الإضراب. وكما أشرنا في عمود سابق إلى أن هذه الإضرابات ستستمر بشكل أو آخر وأنها لن تقف بسبب تراجع الحكومة الهندية عن قرار وضع حد أدنى لرواتب عمالتها في الدول الخليجية كما ترى وزارة العمل. المختصون يرون أن هناك خلطاً في الأوراق يتركز في نظرتنا إلى العمالة الوافدة وأن هذه العمالة شر مطلق، ومثالاً على ذلك ما ذكره وزير العمل مجيد العلوي أن هذه العمالة تماثل في خطرها «إسرائيل» والقنبلة النووية. والخلط الثاني في أوراق الإضرابات الأخيرة هو الخلط بين الأسباب القصيرة الأمد والأسباب الجذرية لهذه الإضرابات. أما الخلط الثالث فهو متعلق بموقف الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين من الإضرابات بوصفه ممثلاً ومدافعاً عن حقوق جميع العمال في البحرين سواء المواطنين منهم أو الأجانب. أما الخلط الرابع فهو قصر التعامل مع موضوع العمالة الوافدة من أبعاد إنسانية بحتة واستبعاد الجانب الاقتصادي من هذه القضية. ولنبدأ أولاً بالخلط الأول والخاص بطبيعة المجاز المستخدم في وصف تحديات العمالة الوافدة في منطقتنا، على حين سنترك المحاور الأخرى لمقالات قادمة. يبدو أن الخطاب الذي يماثل بين العمالة الأجنبية و”إسرائيل” والقنبلة النووية هو خطاب قوي فعلاً وفعال من الناحية الإعلامية، ولكنه بالدرجة نفسها قد يكون ساماً وخطيراً من ناحية تداعيات فهمه من قِبل الرأي العام وتفاوت تأويله من شخص إلى آخر، ويمكن أن يشجع بصورة غير مقصودة النزعات العنصرية أكثر من تشجيعه على اتخاذ سياسات عقلانية تنموية تختص بالعمالة المهاجرة. في كل الأحوال، إن تزامن هذا الخطاب مع الفترة التي شهدت عقد اجتماعات مجموعة كولومبو للدول المرسلة للعمالة الأجنبية في أبوظبي لا يمثل بأي حال من الأحوال «إطراءً» و «تقديراً» لهذه العمالة. إن كلمة «إسرائيل» تجسد أقصى ما يكرهه العربي والمسلم في منطقتنا. وإنها تستدعي الغضب والخوف والكراهية إلى حلبة التفكير فيتم تعطيل كل القوى السلمية الأخرى في عقولنا. أما «القنبلة النووية» فهي مجاز يعكس حالة إفناء ودمار للحياة بكل أنواعها. فهل نحتاج فعلاً إلى استخدام هذا المجاز في خطاب سياسي يفترض به أن يساهم في ضبط النفس والحكمة في التصدي لتحديات ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية وسياسية في عالم أصبح يقيم فيه اعتباراً أكبر لأهمية التعدد الثقافي وتعايش الحضارات؟ إن استخدام مثل هذه المصطلحات لوصف «عمالة مهاجرة» لا يخدم تحسين الأمور بل دفعها بغير قصد الى مسار خاطئ بأشواك التعصب الأعمى. وللحديث صلة.
صحيفة الوسط
14 مارس 2008