هل يوجد لدينا خيار مختلف عن خيار الديمقراطية وهي تنمو، وتتطور وتنمية متراكمة يشعر الفرد بمؤثراتها الحياتية ويلمس معطياتها يوما اثر يوم؟ لهذا علينا أن نؤمن بأن خيارنا الحقيقي هو تلك الحقيقتين المتداخلتين السياسية والاجتماعية اللتين حملهما لنا المشروع الاصلاحي رغم كل العثرات ولم نكن جميعنا راضين عنها، ولكننا واصلنا نقدنا وملاحقتنا لترسبات ومتبقيات تلك الترسبات المحيطة بجسد وداخل الدولة والمجتمع نتيجة فضاء وهوامش الديمقراطية. وليس بإمكان أي دولة أو مجتمع اجتثاث جذوره بالسهولة المتخيلة، وإنما بوضع مناهج وأسس للتغيير فهي سبيلنا التاريخي الوحيد وعلى طرفي الصراع في الدولة والمجتمع التكاتف حولها، وإلا ستفرز عملية التجاهل والتغافل عنها ظواهرها الشرسة التي من أبرزها الطائفية؛ ففيها دمار الطرفين فخطر الطائفية لا يعرف أحدا عندما ينفجر كالشيطان ويبلغ العنف فيه التدمير الجامح دون توقف وبروح عصبية عمياء. سبيلنا التاريخي الوحيد أن نمسك بخيطنا الأساسي لنمضي في مواجهة الماضي المظلم من أجل حياة أفضل، وقد قدمها الإصلاح كمنفذ للسيطرة على الاحتقان في خطوته الأولى، ثم الخروج من دائرة النفق والدخول في مربع أوسع من الحياة السياسية والديمقراطية حلقتنا الجديدة بدائرة أعمق تحقق نجاحها التنمية الحقيقية للمجتمع وبصورة عادلة.
الانتقال من البؤس إلى تنمية محسوسة
ولكي تتجنب الدولة والمجتمع حالة الانفجار الدائم والصدام العنيف؛ فلا بد من تنمية عاجلة وصادقة ومحسوسة وقائمة على برنامج تنموي فاعل تحققه الثقة والشروط الملموسة من أهمها مسألة التمييز الاجتماعي وبعضها قد يصطدم مع جزء من ثقافتنا ونهجنا الحياتي، وهو شرط ضروري لتحقيق تنمية أفضل لتوزيع الثروة والدخل الوطني؛ فلا يمكن أن تتسارع الحلول في ظل وضع ديمغرافي أسرع مما نتصور، فثقافة القرية البحرينية – دون استثناء – بل ومدنها تحتاج إلى تنظيم النسل فوحده يساعد على تحسين التنمية من نواح عديدة. مثل هذا الشرط لن ينجز ما لم تساهم في برنامجه أطراف عدة لكي ينجح في إقناع الناس بأن جزءاً من رفاهية الفرد وتحسين خدماته أيضا هو ذلك الاخطبوط السكاني لثروة نفطية متآكلة، فلن تنجح برامج تخطيط وتنمية سليمة دون تعاون الأطراف جميعها باعتبارها حلقة واحدة، وعلى رأس تلك الحلقة الدولة ورجال الدين، فلدى كل منهما عوامل تأثير كبيرة في الوعي الاجتماعي وفي شكل الإنفاق والتوزيع وسد ثغرات مستفزة في ظرف سياسي حساس يعزز روح الطائفية بدلا من مكافحتها مهما حاولنا التبرير والتقليل من المخاوف المؤثرة.
مما نخاف في الداخل؟
يبدو سؤالنا واضحا وبسيطا، ولكنه من المختلف الإجابة عليه. ربما ظواهر عدة تولد أحزمة التفخيخ والانفجار الاجتماعي كالفقر والبطالة والطائفية، أما المناهج والسلوكيات الأخرى كالفساد المالي والإداري؛ فإن السيطرة عليهما أسهل طالما وجدت الإرادة الصادقة والمستمرة في ملاحقة الحيتان وليس الأسماك الصغيرة. تبقى عناصر تفرز وتؤثر في بعضها البعض.. فالبطالة عنصر متداخل مع حالة الفقر، فكلما زادت البطالة تعمقت ظاهرة الفقر، وكلما تمت مكافحة تلك الظاهرة تراجعت نسبته، هذه المعادلة سهلة في علم الاقتصاد ولكنها صعبة في واقع حياة تتخللها ظواهر فاسدة، لهذا تتكاثر وتتعمق ظواهر أخرى كالجريمة وتستعيد نفسها شبح الطائفية فهل بالإمكان تجنب هذا الخطر الداخلي المتضخم كالسرطان القاتل؟ الإجابة نعم متى ما رغبنا في بناء شراكة حقيقية في وطن يقدم لكل أبنائه شعورا بالمواطنة والانتماء ولِولاء واحد ولمرجعية واحدة لا تعلو عليها مرجعيات سياسية أخرى هما الدستور وشرعية الحكم التي قبلت كل أطراف الخلاف بمرجعيته وأقسمت على صونه. ومن دون أن نقتل الطائفية من مهدها فان المخاوف ستبقى كابوساً ليلياً دائماً للأمن الاجتماعي والتنمية وكل مشروع إصلاحي يرغب بنقل البحرين نحو ألفية أكثر استقرارا من الماضي المزدحم بالاحتقانات والصدام والألم.
صحيفة الايام
30 مارس 2008