المنشور

غزة المستباحة‮… ‬قفص كبير

يبدو لنا المشهد الدرامي‮ ‬محصورا في‮ ‬جحيم وفاجعة قطاع‮ ‬غزة،‮ ‬غير أن المشروع أوسع من بؤرة ذلك المكان الجيوديموغرافي‮ ‬الصغير،‮ ‬الذي‮ ‬بات بالفعل جديرا بان نطلق عليه قفصا وسجنا كبيرا من زمن روما العبيد،‮ ‬إذ على شعب‮ ‬غزة أن‮ ‬يصبح جميعهم من المقاتلين المجالدين،‮ ‬يدافعون عن أنفسهم أمام الوحوش الضارية،‮ ‬ولكن ليس بإمكان كل فرد أن‮ ‬يتحول إلى بطل تاريخي،‮ ‬مهما حاولنا شحنه بالحماس والآمال والغضب،‮ ‬فليس بمقدور الأمهات العزل ولا أطفالهن مواجهة صواريخ مدمرة من الفضاء ولا مجنزرات ودبابات تزحف كالثعابين تحيط بمنازلهم فتجرفها كيفما تريد ووقتما ترغب‮.‬ إذ العصابات الصغيرة المربوطة فوق جبهة الأطفال لن تنفع وحدها بتدشين الإرادة في‮ ‬سجن كبير اسمه‮ ‬غزة ومع قوة متغطرسة لا‮ ‬يردعها احد،‮ ‬فقد صار المجتمع الدولي‮ ‬والأمم المتحدة مؤسسة تجيد إصدار الإدانات ثم تنصرف من القاعة حتى إشعار أخر،‮ ‬إذ لا‮ ‬يمكن لمجتمع دولي‮ ‬أن‮ ‬يكون فاعلا ومؤثرا دون ضغط عربي‮ ‬محاط بقوى أخرى تقف معه وقت المحنة‮.‬ ‮ ‬ما نراه أمامنا على التلفاز‮ ‬يعكس حقيقة المشروع الكبير في‮ ‬الشرق الأوسط،‮ ‬فباسم محاربة الإرهاب‮ ‬يتم تدمير كل شيء دون مسوغات أو مبررات شرعية أو حتى‮ ‬غير شرعية،‮ ‬فالدبابات التركية الذاهبة إلى شريط الحدود العراقية‮ – ‬التركية محسوبة سيناريوهاتها في‮ ‬البيت الأبيض،‮ ‬فالمطلوب فقط تدمير حزب العمال الكردستاني‮ ‬كمنظمة إرهابية قرر العالم في‮ ‬أروقة الأمم المتحدة وضعها ضمن قائمة الإرهاب،‮ ‬وبذلك‮ ‬يحق للجهات المعنية ملاحقتها في‮ ‬كهوف وجحور ذلك الشريط الثلجي‮ ‬والجبلي‮ ‬الوعر،‮ ‬غير أن الولايات المتحدة مهتمة بحدود حركة الجيش التركي‮ ‬هناك فقط،‮ ‬إذ أصبح العراق خزان نفط استراتيجي‮ ‬للمستقبل الأمريكي،‮ ‬بينما قطاع‮ ‬غزة ليست إلا خلفية من القمامات في‮ ‬الفناء العالمي،‮ ‬ولا‮ ‬يهم ماذا‮ ‬يحدث لأطفال ونساء وشيوخ‮ ‬غزة طالما المطلوب رأس المنظمات الإرهابية،‮ ‬بينما تبعث الولايات المتحدة لإسرائيل ضوئها الأخضر والأسود،‮ ‬بان تفعل ما تريد دون حدود أو شروط وبشيك سياسي‮ ‬مفتوح حتى وان تم حرق القطاع كله،‮ ‬فشمشون الجديد‮ ‬يؤمن بفلسفة‮ “‬أفعل ما تشاء‮” ‬ولذلك لم‮ ‬يعد العالم‮ ‬يستيقظ على وقع ضحية هنا وضحية هناك،‮ ‬وإنما بمشروع تدميري‮ ‬واضح‮ ‬يؤسس لصيف لبناني‮ ‬ساخن‮.‬ ‮ ‬المهم تنظيف الخلفية المشاغبة بالصواريخ فيما لو قررت إسرائيل تصفية حساباتها مع حزب الله،‮ ‬إذ لا بد من استعادة هيبتها وهالتها من هزيمة‮ ‬يونيو‮٥٠٠٢‬،‮ ‬بعد فقد المواطن الإسرائيلي‮ ‬الثقة بجيشه الذي‮ ‬تم تأسيسه على أساس كونه الحامي‮ ‬والضامن لهم‮ ’‬وتحول إلى صورة منهارة في‮ ‬الذاكرة المجتمعية والمستوطنات الأمامية للقطاع‮.‬ ‮ ‬ما قامت به الولايات المتحدة من تحريك مدمرتها‮ “‬كول‮” ‬من مالطة إلى السواحل اللبنانية كان رسالة واضحة لطرفين هما سوريا وحزب الله من جهة‮’‬بعرض عضلاتها في‮ ‬مجتمع دولي‮ ‬انهار توازنه،‮ ‬ومن جهة أخرى رسالة لإسرائيل نقدم لكم حماية خلفية من البحر،‮ ‬وافعلوا ما‮ ‬يحلو لكم في‮ ‬القطاع،‮ ‬فهل بدا هذا التحرك عفويا أم فقط رسالة للوضع اللبناني‮ ‬الداخلي،‮ ‬بان الولايات المتحدة هذه المرة ستكون طرفا مباشرا في‮ ‬التنسيق مع إسرائيل في‮ ‬تسوية وضع لبنان والقطاع كمركزين‮ ‬غير مستقرين،‮ ‬بل وبات تهريب صواريخ الكاتيوشا من البحر أكثر خطورة على المواقع السكنية البعيدة كعسقلان،‮ ‬مما افزع إسرائيل،‮ ‬والتي‮ ‬لم تكن بحاجة إلى ذريعة،‮ ‬فهي‮ ‬تفعل ما تشاء حتى في‮ ‬الضفة الغربية دون احترام القيادة فيها،‮ ‬مما‮ ‬يضعها في‮ ‬حرج مكشوف،‮ ‬بأنها ليست إلا سلطة احتلال لا حول لها ولا قوة،‮ ‬وكل ما عليها هو تحميل اللوم كله على الحكومة المقالة بقيادة حماس‮.‬ ‮ ‬وفي‮ ‬الوقت ذاته ترفع صوتها المبحوح في‮ ‬بيانات وتصريحات الإدانة،‮ ‬فيتم الكتابة إلى الاتحاد الدولي‮ ‬والأمم المتحدة واللجنة الخماسية زائدا واحد،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬يدرك كل هؤلاء الأطراف الفرق بين احتلال استيطاني‮ ‬وعربدة عسكرية،‮ ‬ومقاومة بلغت حدا من التطرف لحماقات سياسية داخلية وخارجية،‮ ‬فقد تركت التنظيمات الدينية الدعوة،‮ ‬وباتت تحلم بالسلطة والدولة الدينية والسيطرة على سكان‮ ‬غزة،‮ ‬فلم‮ ‬يعد تكفين القتلى من الفلسطينيين مهما بالعلم الفلسطيني‮ ’‬وإنما بلون اخضر وكتابات دعائية للهيمنة أكثر منها تأكيد شعار الوطن والسلطة الفلسطينية،‮ ‬فمصطلحات حماس وشعاراتها تعلو على مفردات الوطن‮. ‬لا‮ ‬يختلف اثنان في‮ ‬مسألة واحدة خلقت ظروفا مهيأة لتدمير القطاع،‮ ‬باعتبار أن‮ ‬غزة تحولت إلى مستوطنة‮ “‬حماسية‮” ‬وسقط العالم بين خيارين سوداويين ذهب ضحيته العزل والأطفال من‮ ‬غزة،‮ ‬وتحول الخطاب الإعلامي‮ ‬والدعائي‮ ‬الإسرائيلي‮ ‬واضحا للعالم الآخر،‮ ‬الذي‮ ‬نهرع إليه مستنجدين نطلب الاستغاثة،‮ ‬بل ووجدنا المواطن العربي‮ ‬والحماس الإسلامي‮ ‬لا‮ ‬يتعدى تظاهرات السخط تثيرها انفعالات المشهد التراجيدي‮ ‬في‮ ‬غزة وتلك الهستيريا المؤلمة هناك،‮ ‬فصار قطاع‮ ‬غزة قفصا كبيرا لا‮ ‬يمكن الهروب من داخله،‮ ‬إذ في‮ ‬جغرافيا بلدان أخرى‮ ‬يحملن النساء أطفالهن،‮ ‬بحثا عن خيام اللجوء في‮ ‬جوار آمن‮ ’‬بينما قفص‮ ‬غزة محاصر بين البحر المسكون بالمدمرات العملاقة والمعابر المغلقة المخزية‮. ‬وبين أنظمة عربية منقسمة ومنظمات فلسطينية متطاحنة،‮ ‬ومواقف عربية تعيش حيرتها وتنظيمات متطرفة لا تعرف معنى التنازل،‮ ‬وتجيد البكاء وطلب النجدة كلما أدركت أن صراخ الوصول إلى تل أبيب حلما سرابيا،‮ ‬حتى وان استمعنا إلى خطب حزب الله والنص الإيراني‮ ‬الدائم أن إسرائيل ستمحى من الوجود وإنها كيان مصطنع‮. ‬هذا الدرس التاريخي‮ ‬الساذج لا‮ ‬يستقيم لمعادلات المنطق والحقائق السياسية على الأرض،‮ ‬متناسين ما‮ ‬يردده صقور إسرائيل بأنهم سيحرقون‮ ‬غزة،‮ ‬وهم أنفسهم الذين‮ ‬يخبئون قنابلهم النووية المصنوعة للحظة التدمير الجماعي‮ ‬والجغرافي،‮ ‬حال شعور إسرائيل أنها ستمحى من الوجود،‮ ‬كما‮ ‬يتم ترديده على مسامعنا منذ ستة عقود‮. ‬بين منطق الاستسلام والمغامرة‮ ‬يتم تقاذف الورقة الفلسطينية‮.‬

صحيفة الايام
9 مارس 2008

اقرأ المزيد

أحمد الربعي

ذهب أحمد الربعي‮ ‬إلى الموت مبكراً،‮ ‬أبكر بكثير مما‮ ‬يجب‮. ‬ذهب وهو في‮ ‬ذروة عطائه وتألقه ونضجه السياسي‮ ‬والفكري،‮ ‬وفي‮ ‬وقتٍ‮ ‬تحتاج الساحة الكويتية والخليجية والعربية إلى صوته الشجاع المدوي،‮ ‬وموقفه المقدام وهو‮ ‬يصارع القوى والأفكار والاتجاهات المعيقة للتقدم والبناء الديمقراطي‮ ‬الحقيقي‮ ‬وصون التعددية السياسية والفكرية والاجتماعية،‮ ‬ونبذ فكرة إملاء رأيٍ‮ ‬واحدٍ‮ ‬ونمطٍ‮ ‬واحدٍ‮ ‬من المعيشة والتفكير والسلوك على مجتمعات قائمة على التنوع والتعدد،‮ ‬الذي‮ ‬هو من طبيعة الأمور ومنطقها‮. ‬ أفق الحياة في‮ ‬التمايز لا في‮ ‬التماثل‮. ‬وكان أحمد الربعي‮ ‬أقرب ما‮ ‬يكون إلى هذه الفكرة العميقة في‮ ‬مقارعاته الفكرية وسجاله السياسي‮ ‬مع الآراء المتزمتة التي‮ ‬لا‮ ‬يروق لها أن تكون هناك فكرة أخرى في‮ ‬الرؤوس‮ ‬غير الفكرة التي‮ ‬تطيب لها لأنها لم تألف أن تتعايش مع الرأي‮ ‬الآخر وتجادله بالتي‮ ‬هي‮ ‬أحسن،‮ ‬لنترك،‮ ‬فيما بعد،‮ ‬للحياة أن تزكي‮ ‬الفكرة الصحيحة وتنبذ الخاطئة،‮ ‬على قاعدة أن البقاء للأصح والأصلح‮.‬ اجتاز أحمد الربعي‮ ‬معراجاً‮ ‬خصباً‮ ‬في‮ ‬حياته القصيرة،‮ ‬لكنها الحافلة،‮ ‬كأنه عاش أكثر من حياة،‮ ‬فهو إذ بدأ مساره مأخوذا بفكرة التغيير نحو الأحسن تنقل من الفكر القومي‮ ‬المتعصب إلى الفكر اليساري‮ ‬المتطرف ومنه إلى العقلانية السياسية التي‮ ‬لم تغير من جوهر انحيازاته لقيم التقدم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعبور بمجتمعات الخليج نحو آفاق الحداثة والاستجابة لتحديات العصر،‮ ‬وهي‮ ‬استجابة‮ ‬غير ممكنة إلا إذا زجينا بأنفسنا في‮ ‬أتون المستقبل،‮ ‬بدل النكوص إلى الوراء واجترار الخطاب البالي‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يقدنا إلا إلى المزالق التي‮ ‬نحن فيها اليوم‮.‬ كان أحمد الربعي‮ ‬ابن زمنه وابن الظروف المتغيرة من حوله،‮ ‬وبرهافة المثقف والمفكر والمناضل القادر على التقاط المتغيرات من حوله،‮ ‬طوّر خطابه السياسي‮ ‬والفكري،‮ ‬رافضا أن‮ ‬يقيد نفسه في‮ ‬بوتقة مغلقة،‮ ‬غير منفتحة على ما‮ ‬يدور في‮ ‬الحياة من أفكار ومن تجددٍ‮ ‬في‮ ‬الأحوال‮.‬ وفي‮ ‬هذا المسار لم‮ ‬يهب الربعي‮ ‬من إمكانية الوقوع في‮ ‬الخطأ حيناً‮ ‬وفي‮ ‬سوء التقدير حيناً‮ ‬آخر،‮ ‬إنها سمة المفكر الجسور‮ ‬غير الهياب الذي‮ ‬يلج دروبا‮ ‬غير مطروقة،‮ ‬ولأنها كذلك فان إمكانية أن تضل فيها خطواتك ولو لحين قائمة،‮ ‬ولكن هذا ضروري‮ ‬لتطوير الفكر والممارسة التي‮ ‬لا تتراكم بالمنجزات وحدها وإنما بالأخطاء أيضا،‮ ‬أما المراوحة في‮ ‬المكان نفسه اطمئناناً‮ ‬إلى‮ ‬يقينٍ‮ ‬اعتدناه،‮ ‬بينما الحياة تتطور في‮ ‬اتجاه مختلف عنه فلا تقود إلا إلى مهالك الأمم والشعوب،‮ ‬ناهيك عن الأفراد‮.‬ بغياب أحمد الربعي‮ ‬نفتقد رمزاً‮ ‬من رموز هذه الجسارة والجرأة،‮ ‬التي‮ ‬علمنا انه لكي‮ ‬نفكك منظومة الاستبداد العربية التي‮ ‬أدت،‮ ‬بين ما أدت إليه،‮ ‬إلى أنه أن وجد وطنه الكويت ذات صبيحة محتلاً‮ ‬من نظام صدام حسين،‮ ‬لن‮ ‬يتم إلا بتفكيك وتبديد الأفكار والمفاهيم التي‮ ‬صنعت هذه المنظومة الاستبدادية بكافة تنويعاتها وتجلياتها‮.‬ هذا القول ضروري‮ ‬لكي‮ ‬نمسك بالفكرة المتقدة التي‮ ‬طبعت خطاب أحمد الربعي‮ ‬في‮ ‬سنواته الأخيرة بصفته ناشطا سياسيا ووزيرا للتربية ونائبا في‮ ‬البرلمان وبصفته كاتبا أيضاً‮.‬
 
صحيفة الايام
9 مارس 2008

اقرأ المزيد

كلنا سائرون علي نهج السنبلة الأولى

تحت شعار ( نحو توطيد وحدة المنبر التقدمي وتعزيز دوره في مهمة البناء الديمقراطي ) انعقد في التاسع والعشرون من فبراير 2008  المؤتمران الاستثنائي والعادي الرابع  للمنبر التقدمي ( مؤتمر أحمد الذوادي ) ، وقد ناقش وأقر أعضاء المؤتمر  بروح رفاقية عالية ما جاء في مقترح التعديلات علي النظام الداخلي وكذلك فبما ورد في التقريرين السياسي والمالي المقدمين  من اللجنة المركزية للمؤتمر مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات والتعديلات التي أبداها الرفاق على هذين التقريرين وعلى تعديلات نظام الأساسي ، وقد جاء ذلك بعد أن قدمت كل الهيئات القيادية والقاعدية تقاريرها إلى اللجنة المركزية فضلا عن تقديمها أوراق الرؤى الفكرية والسياسية والتنظيمية التي ناقشها أعضاء المنبر واللجنة المركزية مناقشات مستفيضة سادتها روح ديمقراطية . غير أنه على الرغم من نجاح المؤتمر وعلى الرغم من أهمية القرارات التي اتخذها فإن ضرورة الإجابة على الأسئلة الهامة تظل قائمة وهي : كيف نقيم  وثائق المؤتمر وكيف نفعل قراراته  ؟ كيف نقيم مسيرة المنبر النضالية كيف نقرأ قراءته للأحداث ؟؟ هل احتاج المنبر لدعوة الدكتور عبد الهادي خلف التي أشار إليها في مقاله المنشور في صحيفة الوقت العدد 722 في 12 فبراير 2008 بأن على (المهتمين من أعضاء المنبر التصدي لمهمة تشخيص مواطن الخلل في مسيرة المنبر تمهيدا لطرح الحلول والمعالجات) ؟ بلا شك أن المتابع الحصيف المنصف المتجرد من نوازعه الشخصية، المتواجد في المعترك السياسي كل يوم على أرض الوطن من أعضاء المنبر الحاضرين في المؤتمر أو الغائبين عنه هم القادرون قبل غيرهم على تقييم التجربة تقييما يأخذ في الاعتبار أن قضايانا الداخلية سواء ما تعلق منها بجبهة التحرير أو تعلق بامتدادها في المنبر التقدمي يجب طرحها في إطارها الداخلي برغبة حل الصعوبات التي لا يخلو منها أي عمل حزبي في البحرين وفي غيرها، بغية تجاوزها وتذليلها، وليس عن طريق النشر الاستعراضي  عبر الصحف المحلية كما يفعل الدكتور، فهذه الوسيلة التي يستخدمها لا تهدف على الإطلاق لتعزيز الوحدة الداخلية للمنبر ولا تؤدى إلي تحقيق ما يدعو إليه، وإنما تتعمد الإساءة إلى تاريخنا وتشويهه، ونذكر الدكتور إن ما يكتبه عن المنبر لا ينال سوى الاستياء والاستهجان من الغالبية الساحقة من أعضاء المنبر ومناضلي جبهة التحرير. وأنا مقتنعٌ ومتفق مثل غيري مع الدكتور عبد الهادي (بأن من كانوا يرددون في نشيدهم أنهم مصممون على السير في درب النضال من أجل حرية الناس وسعادتهم رغم معرفتهم بصعوبة الطريق وطوله قادرون على امتلاك الجرأة على الاعتراف). لكنه اعتراف على ماذا؟ نختلف مع الدكتور بأن هذا الاعتراف لم يكن ولن يكون كما يتصور حول وجود مأزق حقيقي للمنبر ناتج عن قراءة مرتبكة لواقع البحرين السياسي ، بل إن المنبريين أكدوا في مؤتمراتهم السابقة وفي مؤتمرهم الرابع  بأنهم في قراءة واقعية وصحيحة لهذا الواقع، من خلال مناقشة وإقرار وثائقه بما فيها الرؤى الفكرية والسياسية والتنظيمية، وهذا يعني إن كان هناك ثمة من مأزق يعاني منه المنبر، فإنه لا يتمثل في هذه القراءة التي أثبتت الأحداث صحتها، بل يمتثل في ابتعاد الكثير من الرفاق اللذين ناضلوا في صفوف جبهة التحرير ومنهم الدكتور من أجل الاستقلال والحرية والعدالة الاجتماعية من أن يكونوا أعضاء في المنبر الذي يتسع لرأيهم ويحتاج لما كسبوه في مجرى النضال من خبرة وجسارة وهم يرددون (طريقنا أنت تدري )، ومرد هذا العزوف أسباب متعددة لعل أهمها الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها الجبهة وعلى وجه خاص ضربة 1986. أن مأزق المنبر لا يتمثل في موقفه من الأحداث التي تلت إقرار ميثاق العمل الوطني بل في ضعف وقلة الكادر رغم العمر المديد للجبهة الذي تخرج منها رفاق تعلموا مختلف المهام، وأن خروج المنبر من هذا المأزق لا يتطلب التحريض ولا الدعوة لأعضاء المؤتمر بفصل أو استبعاد أو التصدي (للمستشارين كما تحب أن تسميهم) والذين حصلوا على وظيفة حكومية، هي حق لهم كمواطنين لديهم عائلات والتزامات معيشية عليهم أن يوفوا بها كبقية خلق الله، وهؤلاء أثبتوا بجسارة إنهم رغم المنصب الحكومي مازالوا في المعترك السياسي اليومي يناضلون من أجل العدالة الاجتماعية، لم يغرهم رنين ذهب المُعِزّ كما يحب أن يردد، ولم يتنصلوا عن مبادئهم وتاريخهم المشرف الذي يعتزون به. كما لا يتطلب الخروج من هذا المأزق الكتابة الاستعراضية في الصحف، بل يتطلب تقييما للأسباب التي منعت رفاقنا اللذين انسحبوا من العمل السياسي لأسباب ذاتية وتنظيمية وأمنية ، ويتطلب رص الصفوف وتعزيز الوحدة الداخلية للمنبر وتفعيل رؤيته وبرنامجه السياسي وتنشيط هيئاته القيادية والقاعدية، وتقييم عمل المنبر بإيجابياته وسلبياته تقييما موضوعيا منصفا يبتعد عن المقاصد الشخصية أو التحريض . وفي هذا الإطار ينبغي التأكيد للدكتور بأن وقائع المؤتمر الرابع أثبتت  إنه ليس من بين أعضاء المنبر من تنصل لنهج السنبلة الأولى على مدان ، فكلنا سائرون على نهجه ولم نكن بحاجة إلى الدعوة كي نستعيد دورنا الذي لم يكنمُفتقدا ونحن ننفذ مهماتنا اليومية التي رسمها برنامجنا السياسي ونظامنا الداخلي . ولو كان عليا – حاضرا بيننا وهو حاضر بفكره وتاريخه النضالي – لكان هو أول من صدق وصادق على قراءة المنبر للواقع السياسي في البحرين. فهل كانت هذه القراءة مرتكبة وهل أضحى “التحالف” مع السلطة أهم بكثير من تنظيم العمل المشترك مع الشركاء في مظلة التيار الوطني الديمقراطي وأهم بكثير من تمتين التضامن مع القوى الوطنية الأخرى. بل وأهم من المحافظة على التماسك في صفوف المنبر نفسه كما كان يتصور الدكتور؟ هذه الأسئلة سنجيب عليها في مقال آخر بعنوان ( المنبر قراءة واقعية صحيحة للواقع ، وعمل مشترك فاعل ) سيتم نشره على الموقع لاحقا.
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

بيئة سياسية وثقافية ‮ ‬في‮ ‬أسوأ حالاتها‮!‬

يقال إن شر البلية ما‮ ‬يضحك،‮ ‬وهو كذلك‮. ‬فمن شاهد وقائع جلسة الثلاثاء‮ ‬26‮ ‬فبراير المنصرم لمجلس النواب البحريني،‮ ‬سيجد أن تلك المقولة البليغة تصح عليها تماماً‮.‬ فلقد كان المشهد عبارة عن أحد فصول الكوميديا السوداء التي‮ ‬أكثر البرلمان البحريني‮ ‬من عروضها المسرحية والتي‮ ‬باتت تنافس وصلات السيرك الاكروباتية ببهلوانيتها المثيرة‮.‬ نقول‮.. ‬مع أن هذه المشاهد الهزلية المحزنة قد‮ ‬غدت من عُدَّة‮ ‬‭(‬Tools‭)‬‮ ‬ومستلزمات‮ ‬‭-‬‮ ‬إن لم نقل مقومات‮ ‬‭-‬‮ ‬عمل المجلس،‮ ‬إلا أن جلسة الثلاثاء المذكورة،‮ ‬قد جاءت في‮ ‬حصيلتها استثنائية‮ ‬‭(‬Outstanding‭)‬،‮ ‬من حيث‮ ‘‬تألق‮’ ‬أعضاء المجلس في‮ ‬استعراض‮ ‘‬مواهبهم‮’ ‬الإبداعية في‮ ‬إظهار ألوان قزحية من الطيش والهيجان المنفلت العقال والتراشق‮ ‘‬اللفظي‮ ‬الهارموني‮ ‬البديع‮’!‬ نعم لقد كانت‮ ‘‬حفلة‮’ ‬فريدة بامتياز،‮ ‬إذ حفلت بكل ما هو مدعاة للفرجة والتندر والسخرية‮.. ‬ولكن ليس لحد الإبهار وإنما‮ ‬‭-‬‮ ‬ويا للمفارقة‮ ‬‭-‬‮ ‬لحد التقزز والاشمئزاز‮.‬ لقد قسَّم‮ ‘‬المحتفلون‮’- ‬على طريقتهم‮ ‬‭-‬‮ ‬قاعة البرلمان إلى حلبة مصارعة،‮ ‬انشطر فيها الجميع إلى فريقين متناطحين كل‮ ‬يدعي‮ ‬الوصل بليلاه،‮ ‬وهي‮ ‬هنا طائفته،‮ ‬مع أن أحداً‮ ‬من البحرينيين لم‮ ‬يفوضهم التحدث والتناطح والتشاجر باسمه‮.‬ ولذلك ما كان‮ ‬ينقص هذه وتلك من الفصول المسرحية السمجة هو الجمهور الذي‮ ‬ظل‮ ‬غائباً‮ ‬بصورة لافتة عن كل تلك العروض المتوالية فصولاً‮ ‬هزلية مشينة كما أسلفنا‮.‬ فلقد ملَّ‮ ‬الجمهور البحريني‮ ‬من استعراضات هذه الكوكبة‮ ‘‬الفذة‮’ ‬من نواب‮ ‘‬الشعب‮’ ‬الذين ورَّطتة بهم الدهماء في‮ ‬ليلة ظلماء ليس فيها قمر ولم‮ ‬يعد‮ ‬يحفل بمناكداتهم ومناكفاتهم المتواكبة مع خط سير رحلتهم المكللة والمجللة بعبق نفحاتهم الطائفية‮.‬ وهذه مفارقة جديرة بالدراسة‮. ‬فلم‮ ‬يعد هنالك أي‮ ‬نوع من التفاعل بين البرلمان وبين المجتمع الذي‮ ‬يفترض انه هو من أتى بأعضائه اإيه وأكسبهم عضويته و‮’‬رزتها‮’ ‬وامتيازاتها‮. ‬حتى صار البرلمان وكأنه إحدى الجزر المعزولة التي‮ ‬تشكل أرخبيل البحرين‮.‬ أما لماذا هجرهم الجمهور البحريني‮ ‬ولم‮ ‬يعد‮ ‬يعبأ بما‮ ‬يثيرونه من زوبعات بين الحين والآخر،‮ ‬فذلك مرده على أنهم لا‮ ‬يقوون على تمثيله وتمثيل مصالحه ومشاكله وتطلعاته،‮ ‬ولم‮ ‬يحاولوا فعل ذلك على أية حال لأنهم في‮ ‬واقع الحال منشغلون بما هو أهم،‮ ‬بالنسبة لهم،‮ ‬الا وهي‮ ‬أجنداتهم الحزبية والفئوية الطائفية الضيقة،‮ ‬وإشغال أنفسهم ومحاولة إشغال الناس معهم بأنساق طقوسهم الطهرانية التي‮ ‬تضعهم في‮ ‬مرتبة استعلائية واستخفافية بالآخرين وعدم الاعتراف لهم بحقهم في‮ ‬الاختلاف وفي‮ ‬العيش المشترك والمتسامح‮.‬ الأنكى من هذا أن الفريقين المتواجهين قد تنطعا وراحا في‮ ‬فزعة عنترية مفتعلة‮ ‬يتحدثان عمن‮ ‬يفترضه كل فريق منهما أنه عمقه الطائفي،‮ ‬فيدخلان في‮ ‬عراك هدف طرفيه إلهاب مشاعر الجمهور في‮ ‬الجانبين والتكسب الدعائي‮ ‬والفهلوي‮ ‬الرخيص من ورائها،‮ ‬مقدمين بذلك الدليل تلو الدليل على أن الديمقراطية في‮ ‬المجتمعات التي‮ ‬تغلب عليها المحافظة والمترددة في‮ ‬الانخراط دون خوف ولا هواجس في‮ ‬نظام العلاقات الدولية المتعاظمة العمق والتدويل،‮ ‬هي‮ ‬صناعة‮ ‬غير مكتملة الأركان لجهة جدواها،‮ ‬وزراعة في‮ ‬أرض‮ ‬غير خصيبة صعبة الإثمار‮.‬ لقد ثبت بالدليل القاطع أننا في‮ ‬البحرين نعاني‮ ‬من اختلال من تشوهات كبيرة وخطيرة في‮ ‬الفكر والثقافة،‮ ‬ومن نقص حاد في‮ ‬الوعي‮ ‬الاجتماعي‮ ‬ناهيك عن أبعاد هذا الوعي‮ ‬الوطنية والقومية والكونية‮.‬ إنها فعلاً‮ ‬بيئة مستجدة وصعبة للغاية،‮ ‬ولكنها،‮ ‬للأسف الشديد،‮ ‬جد مناسبة لكل أولئك الطارئين الذين لا‮ ‬يتورعون عن توظيف كل ما هو متاح من أدوات،‮ ‬حتى ولو كان الدين الذي‮ ‬يفترض أن‮ ‬يتم تنزيهه والنأي‮ ‬به عن ألاعيب السياسة والسياسيين،‮ ‬من أجل الظفر بمبتغياتهم‮.‬
 
صحيفة الوطن
8 مارس 2008

اقرأ المزيد

عيد المرأة بين الظلم والإنصاف

جمعتني‮ ‬قبل سنوات،‮ ‬وبالتحديد في‮ ‬بداية المشروع الإصلاحي‮ ‬لجلالة الملك،‮ ‬مع إحدى السيدات البحرينيات مناظرة تبحث في‮ ‬مفهوم الحرية بالنسبة للمرأة على اعتبار أننا مختلفتان في‮ ‬وجهات النظر،‮ ‬لكن السيدة المستضافة معي‮ ‬تفاجأت عندما اكتشفت أننا نلتقي‮ ‬في‮ ‬كل وجهات النظر بالنسبة للحرية‮. ‬والاختلاف فقط في‮ ‬ترجمة المفهوم،‮ ‬لقد كانت تعتقد أن الحرية هي‮ ‬حرية الجنس وعدم الالتزام بالشرائع الإسلامية،‮ ‬بينما حقيقة الأمر أن حرية المرأة هي‮ ‬قدرتها على تمويل نفسها اقتصادياً‮ ‬عندما تشتد الأزمات دون الحاجة لأحد ودون قيود من أطراف اجتماعية أو عائلية‮. الحرية ليست انحطاطاً‮ ‬أو مفسدة أخلاقية وإنما هي‮ ‬أروع مامنح الله لعباده،‮ ‬وقد قال الخليفة الثاني‮ ‬عمر بن الخطاب‮ ‘‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا‮’‬،‮  ‬نحن جميعاً‮ ‬مجبولون على الحرية،‮ ‬فالحرية تعني‮ ‬كسر القيد عن المعصم،‮ ‬وأثقل هذه القيود هي‮ ‬العادات والتقاليد البالية التي‮ ‬اعتدنا عليها ولم نستطع تجاوزها،‮ ‬وأكثر النساء تتفق على مفهوم الحرية الحقيقي‮ ‬وليس المفهوم المبتذل،‮ ‬الحرية هي‮ ‬الخروج إلى التعليم والعمل‮.‬ انتهى اللقاء بيني‮ ‬وبين تلك السيدة ولكن لم تنتهِ‮ ‬بعد المغالطة في‮ ‬معنى الحرية،‮ ‬عدد النساء في‮ ‬العالم‮ ‬يساوي‮ ‬ثلاثة مليار نسمة،‮ ‬وهذا العدد كبير‮ ‬يحتاج إلى جهود متتالية من نشر الوعي‮ ‬ليس مقابلة أو مقابلتين،‮ ‬وليس مقالاً‮ ‬أو مقالين،‮ ‬وإنما تحتاج التوعية إلى مؤلفات وكتب حول حقوق المرأة حتى‮ ‬ينتبه المجتمع ويعي‮ ‬دور هذه الإنسانة‮.. ‬أعتقد أن المشوار طويل ومحير ومربك ولكنه ليس مستحيلاً،‮ ‬لقد كان الجميع‮  ‬يعتقد أن الحرية تعني‮ ‬الدعارة،‮ ‬لهذا كان من حقهن كره هذه الكلمة،‮ ‬ومن حقنا أن نشرح للمرأة ماذا تعني‮ ‬هذه الكلمة،‮ ‬فإذا لم أكتب أنا وتكتب أنت ونكتب نحن فكيف‮ ‬يتحول الظلام نوراً،‮ ‬وأعتقد أنه ما زال هناك من‮ ‬يجهل معنى الحرية‮. ‬لهذا سجل التاريخ اسم نبوية موسى وهدى شعراوي‮ ‬على أساس أنهما سيدتان رائدتان في‮ ‬العمل النسائي‮ ‬في‮ ‬مصر،‮ ‬فقد أسست شعراوي‮ ‬أول جمعية نسائية في‮ ‬مصر،‮ ‬كان من بنودها إعطاء المرأة حقها في‮ ‬تقرير المصير،‮ ‬وصنع القرار،‮ ‬وتمكينها في‮ ‬مجتمعها بإسناد المهام القيادية لها،‮ ‬أما المرأة في‮ ‬سوريا ولبنان فكان شأنها مختلفاً،‮ ‬فقد كانت ظروف الحرب العالمية الثانية هي‮ ‬التي‮ ‬دفعت في‮ ‬هذا الاتجاه وغيرت حياة المرأة تغييراً‮ ‬نوعياً،‮ ‬فقد تسببت هذه الحرب في‮ ‬مجاعة كبيرة دفع بالمرأة أن تخرج إلى الشارع لكي‮ ‬تبحث عن رزقها‮. ‬يقول المؤرخ المعروف محمد جميل بيهم،‮ ‘‬كانت هذه البادرة مفاجأة لم تستعد لها البلاد،‮ ‬سواء أكانت عربية أم تركية،‮ ‬وكان لهذه المفاجأة من ثم تأثير عظيم على المرأة‮ ‬يرجع إليه ما حدث بعد،‮ ‬من تطور في‮ ‬أخلاقها سواء أكان ذلك في‮ ‬النواحي‮ ‬المستحبة أم في‮ ‬النواحي‮ ‬الأخرى المستنكرة‮’. (‬العربي،‮ ‬‭,‬31‮ ‬سنة‮ ‬ 1961). وكانت المفاجأة الثانية احتكار الدولة للقوت والسلع،‮ ‬ومصادرة ما كان منها في‮ ‬مستودعات التجار والزراع،‮ ‬وشفعت ذلك باحتكار وسائل النقل وإعلان حالة الطوارئ وتجميد الأموال في‮ ‬البنوك،‮ ‬فتصاعدت أثمان سائر الحاجات،‮ ‬وساد الذهول‮. ‬كانت بيروت تعتمد على دمشق وحلب في‮ ‬تأمين حاجتها من الحبوب،‮ ‬وكانت سلطات جمال باشا تمنع تصديرها إلا بإجازات‮: ‘‬وكانت هذه الإجازات تمنح بصعوبة،‮ ‬ولا تعطى إلا للمحاسيب،‮ ‬أو بواسطة هؤلاء وغيرهم من المرغوب فيهم من الموالين أو المرغوب فيهن من الحسناوات،‮ ‬هذا فضلاً‮ ‬عن طريق الرشوة‮’. ‬وكان الفقراء‮ ‬يبيعون ما بحوزتهم من ملابس وحلي‮ ‬ورياش،‮ ‬ولما نفدت،‮ ‬عمدوا إلى نوافذ بيوتهم وأبوابها فباعوها‮. ‬ثم اشتدت المجاعة حتى كنا نسمع في‮ ‬آناء الليل وأطراف النهار صراخ المعدمين‮ ‘‬جوعان‮.. ‬جوعان‮’‬،‮ ‬وهم بين ملقى على قارعة الطريق لا‮ ‬يستطيع الوقوف على قدميه،‮ ‬وبين ماشٍ‮ ‬على وهَنٍ‮ ‬يطارد الموت‮. ‬سنوات أربع تعاقبت،‮ ‬يضيف المؤرخ،‮ ‬وكانت كل واحدة منها أشد بلاء من التي‮ ‬سبقتها وأمرّ،‮ ‬ثم ذهبت وتنفس الناس الصعداء،‮ ‬ولكنها تركت ما تركت من آثار‮. ‬وكان اعتماد المرأة على نفسها،‮ ‬وجرأتها على مواجهة المصاعب،‮ ‬وصبرها على احتمال الشدائد،‮ ‬بالإضافة إلى اضطرارها إلى المداراة في‮ ‬ظروف كثيرة والمصانعة‮.. ‬كان كل هذا بعض هذه الآثار،‮ ‬وكان كل ذلك مصدر انقلاب عظيم في‮ ‬أخلاقها وشخصيتها‮’.‬ وهكذا‮ ‬يثبت التاريخ لنا أن المرأة تحملت جزءاً‮ ‬كبيراً‮ ‬في‮ ‬الحياة وما‮ ‬يصفه المؤرخون ماهو إلا قطرة في‮ ‬بحر،‮ ‬لهذا تنبه العالم الآن إلى مكانتها وقوتها وشجاعتها،‮ ‬فالمصائب أكبر درس‮ ‬يتعلم منه الإنسان‮. إن‮ ‬يوم المرأة العالمي‮ ‬قليل جداً‮ ‬في‮ ‬حقها ولا‮ ‬يستوعب كل ما قدمته وصنعته في‮ ‬الحياة،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬زرعت الحقول وأسست المصانع وصنعت الأجيال،‮ ‬هنيئاً‮ ‬لك أيتها الأم وأيتها السيدة والعاملة والطبيبة والممرضة والمحامية والأستادة في‮ ‬عيدك المتجدد الصاعد‮. ‬كل عام وأنتن والعالم العربي‮ ‬والمرأة الفلسطينية والعراقية بخير ونجاح‮.‬
 
صحيفة الوطن
8 مارس 2008

اقرأ المزيد

يوم المرأة العالمي

في‮ ‬هذا اليوم تحتفل المرأة في‮ ‬البحرين وفي‮ ‬ارجاء العالم‮ “‬بعيد المرأة العالمي‮” ‬احتفالا‮ ‬يضم العديد من الفعاليات والنشاطات المدافعة عن حقوقهن وعن قضاياهن وقضايا شعوبهن في‮ ‬سبيل التحرر والمساواة والكرامة الانسانية‮.‬ وفي‮ ‬هذه المناسبة تحية كبيرة لنساء بلادي‮ ‬اللواتي‮ ‬ومنذ عقود من الزمان انخرطن في‮ ‬العمل السياسي‮ ‬والنضال الوطني‮ ‬التقدمي‮ ‬الاممي‮ ‬من اجل دحر الاستعمار البريطاني‮ ‬دفاعا عن الوطن وعن الحرية والديمقراطية‮.. ‬تحية للمرأة العاملة التي‮ ‬لعبت دورا كبيرا في‮ ‬بناء هذا الوطن لتحقيق العدالة والمساواة في‮ ‬حق العمل والاجر وبقية الحقوق العمالية الاخرى‮.. ‬تحية لرائدات العمل الاجتماعي‮ ‬اللواتي‮ ‬كافحن الفقر والتخلف والجهل والامية ودافعن عن حقوق الامومة والطفولة‮.‬ ولان تحرير المرأة من القيود الاجتماعية والظلم الاجتماعي‮ ‬هو جزء من تحرير المجتمع فان الدفاع عن حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليس من شأن المرأة وحدها وانما من شأن الرجل المستبد ايضا،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فالدفاع عن حقوقها هو دفاع عن المجتمع وعن وحدته واتساقه وانتاجيته وتطوره‮.. ‬دفاعا عن العطاء والحب والحياة‮.‬ ‮ ‬واليوم ها هي‮ ‬المرأة البحرينية التي‮ ‬قدمت التضحيات تحصل على حقوقها السياسية التي‮ ‬تعد انجازا لها وللرجل ايضا‮.. ‬ها هي‮ ‬المكتسبات الاصلاحية تنصفها في‮ ‬حقها السياسي‮.. ‬حق الترشح والتصويت وبالتالي‮ ‬لم‮ ‬يكن من الممكن ان تتنازل عن هذا الحق رغم كل محاولات المد الاصولي‮ ‬الديني‮ ‬المتطرف المناوئ لحقها في‮ ‬الترشح،‮ ‬كما فعل في‮ ‬الانتخابات البرلمانية السابقة ويفعل الان بالنسبة لقانون الاحوال الشخصية الذي‮ ‬يحفظ ويصون حقوقها الاسرية‮.. ‬أليس من حقها وحق الرجل الذي‮ ‬يؤمن بالمساواة التصدي‮ ‬لدعوات التخلف التي‮ ‬تريد لها العودة الى العصور الحجرية التي‮ ‬تطالبها بالبقاء في‮ ‬المنزل لرعاية شؤونه والتفرغ‮ ‬لتربية الاولاد؟‮!‬ في‮ ‬حين ان حق المرأة في‮ ‬العمل‮ ‬يعني‮ ‬تحررها من تبعية الرجل اقتصاديا ومن استبداده الواقع عليها بفضل ثقافته الذكورية وسلطة المجتمع‮.‬ ان التحديات التي‮ ‬تواجهها المرأة اليوم كثيرة تتطالب نشر الوعي‮ ‬الحقوقي‮ ‬والتقدمي‮ ‬والثقافة المستنيرة والدعوة الى المساواة بين الرجل والمرأة،‮ ‬وتتطلب ايضا تشريعات تؤكد على محاربة ظاهرة العنف الذي‮ ‬يهددها ويهدد حريتها وانسانيتها‮.‬ وللذين‮ ‬يسعون الى اقصاء المرأة لمجرد انها امرأة او لمجرد انها‮ “تابع‮” ‬للرجل من خلال فتاوى اسلامية متطرفة لا تعترف باهليتها نقول لهم‮: ‬ان التقليل من شأن المرأة والنظر اليها بهذه الدونية اذلالاً‮  ‬لها وان النهوض بمجتمعنا نحو الرقي‮ ‬والتطور‮ ‬يكمن في‮ ‬تحرير المرأة من قيود التخلف وفي‮ ‬حصولها على حقوقها‮ ‬غير منقوصة‮.‬ فتحية للمرأة البحرينية ونساء العالم في‮ ‬هذا اليوم وفي‮ ‬هذه المناسبة التي‮ ‬قال عنها الشاعر السوري‮ ‬التقدمي‮ ‬سليمان السلمان‮:‬
مسار العيد
بين القلب والاجفان
فلا ترحل‮..‬
ربيع انت في‮ ‬مستودع الألوان
وانت الموعد الاجمل
وانت تفتح الدنيا وخصب العمر
عيد المرأة الانسان‮.‬
 
صحيفة الايام
8 مارس 2008

اقرأ المزيد

فيروز جاءت لأجلنا,, ولم تأتַ لكم

القنابل الاخبارية التي تنفجر بين يوم و آخر على هامش زيارة السيدة فيروز للبحرين و إحيائها حفلة “من ليالي العمر ولن ينساها حاضروها”, و التي تؤكد تلك الأخبار وجود تلاعب بالتذاكر بل و تؤكد وجود لوبي (لبناني) يعمل بشراسة على تأمين أكبر ربح ممكن من حفلة “السيدة الفيروز”. تذاكر الحفل التي انتهت بعد طرحها في شباكي التذاكر  بعد أقل من ساعة, بدأ المزاد “السوداوي” عليه بـ 80 دينار للتذكرة الواحدة, و تزايد سعر التذكرة بقرب الامسية حتى ثبتت بورصة التذاكر قبل أيام على سعر 250 دينار للتذكرة الواحدة. دعونا نتشارك الهم و “نفضفض ” بشكل جماعي, أسعار العقارات في ازدياد و أرخص “قرقور” ممكن للمواطن البحريني أن يحصل عليه يحتاج إلى قرض ميسير من أحد البنوك “الرحيمة”, الأسعار من غالي إلى أغلى بل حتى المواطن لا يستطيع شراء “جواريب” إلا في التخفيضات, الله يعز الحكومة سوف “تكرم مواطنيها بـ 50 ألف فلس” لنجدتهم من نار الغلاء, نواب الشعب “كل يوم هوشة وكل واحد يطالع الثاني على أساس انه من جماعتنا لو من الجماعة الظالين” وغيرها كثير من الهموم لو أفرغناها في البحر لتظاهر “السمج” يحتجون مضايقات أهل البر عليهم. فعاليات ربيع الثقافة هي موسم لكي نتنفس و لكي ننسنى ما نحن عليه و ننسى في لياليه ما تجره علينا السياسات “غير المحكمة”. و كم كانت تعلق على فعالية السيدة آمال كثير من “المنكودين” و كثير من القلوب المنكسرة, و كثير من الناس كانت لو تحقق لهم حضور فيروز فسينسون طويلا وضعهم “المعوج”, و لكن ذلك لم يحصل و فيروز ستغني للأغنياء, ستغني لمن لا يكترث أصلا لماذا تغني و سيحضر حفلها و ربما سوف يغلبه النعاس, و لكن في غد اليوم التالي لن يترك أحدا، إلا و قال له حضرت فيروز البارحة, و لكنه لن يجد من يشاركه مشاعره في حضور الحفل إلا “أقرانه” فهم الذي حضروا فيروز و نحن سوف نستمتع برائحتها. كم هو معيب أن تكون فيروز لمن يملك أكثر و كأنما نحن المعوزيين حرمنا حتى من الأمنية و الحلم, و كم هو معيب المتاجرة بصوت فيروز و المزايدة على صوتها في السوق السوداء.
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

حينما اعتلى الزعيم كاسترو بقراره قمة المجد

“لا أطمح ولن أقبل.. أكرر إنني لا أطمح ولن أقبل بتولي مهام رئاسة مجلس الدولة وقيادة القوات المسلحة”.. هذه العبارة التاريخية كتبها الزعيم الكوبي فيدل كاسترو بخط يده بتاريخ 28 فبراير 2008م.. حينما أعلن استقالته من منصب الرئاسة، بعد أن قاد بلاده (جمهورية كوبا الاشتراكية) طوال نصف قرن من الزمان.. جاءت مليئة بالتحديات والتضحيات. إن إعلان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو تقديم استقالته هو قرار شجاع، قد تميز به صاحبه القائد والمناضل عن سائر القادة والرؤساء بأنظمتهم الاستبدادية لدى العالم الثالث، والرازحة تحت أمرة البنتاجون الأمريكي بمهانة وإذلال.. استقال الزعيم الكوبي من مناصبه الرئاسية، بعد أن ضرب النموذج الوطني المقدس في تسجيل أروع التاريخ النضالي والبطولي، منذ اللقاء التاريخي الأول ما بينه وبين الثائر الأرجنتيني (ارنستو تشي جيفارا) في المكسيك عام 1956م، وتتويج ذاك اللقاء بإشعال الثورة الكوبية الاشتراكية التي أطاحت بنظام العميل الأمريكي الديكتاتور (باتيستا) عام 1959م.. وبعد أن أقام القائد الكوبي كاسترو، هو ورفاق دربه، وعلى رأسهم جيفارا وراؤول كاسترو، دعائم النظام الاشتراكي، كشوكة في خاصرة “السي. اي. ايه”.. وقلعة للمبادئ الماركسية الاشتراكية في وجه الامبريالية الأمريكية والرأسمالية الطفيلية. ولعل ما يبعث على القول فخرا انه مثلما استشهد المناضل الثائر أرنستو تشي جيفارا من أجل حرية الشعوب في دول افريقيا وآسيا، ومن أجل تحرير دول أمريكا اللاتينية، وذلك على خطى ودرب المناضل (سيمون بوليفار).. فان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو كان يستشهد في كل يوم عبر أعوام ثورته.. حاملا راية المسحوقين والمحرومين والطبقات الدنيا من المجتمع.. وذلك من أجل بناء المجتمع الاشتراكي بأيديولوجيته وأركانه ومفاهيمه، مدعوما بمبدأ العدالة الاجتماعية والأفكار الاشتراكية، وصون الكرامة الإنسانية للشعب الكوبي.. بحسب ما واجه الزعيم الكوبي بمؤازرة من شعبه، السياسة الأمريكية الغازية، والسياسة الأمريكية الامبريالية الاوليجاركية ابان الصراع الأيديولوجي والحرب الباردة، وكذلك خلال نهاية الحرب الباردة.. وخرج عبر خضم وقسوة المعارك منتصرا ضد كل دسائس وحياكة المؤامرات التي دبرتها “السي. اي. ايه” ضد نظامه الاشتراكي الصامد، رغم الحصار الاقتصادي ضد كوبا وشعبها، ورغم تحريض العملاء من الكوبيين المنفيين، وعملية إنزال القوات الأمريكية في خليج الخنازير عام 1961م، وحياكة الكم الهائل من المؤامرات لاغتياله، ورغم سعي عشرة رؤساء أمريكيين في البيت الأبيض من أجل القضاء على الزعيم الكوبي، والقضاء على الحزب الشيوعي الكوبي، والقضاء على النظام الاشتراكي الكوبي.. فإن تلك المؤامرات الدنيئة كافة قد باءت بالفشل مفعمة بنقطة سوداء في النظام السياسي الأمريكي، ووصمة عار على جباه رؤسائها الذين تساقطوا جميعهم مهزومين أمام النظام الكوبي الاشتراكي، في الوقت الذي ظل رئيسه شامخ القامة والقوام، وشامخ البأس والجبين. غني عن البيان انه بقدر ما تخلى الثائر ارنستو تشي جيفارا عن الكرسي والسلطة، وعن منصبه مديرا عاما للمصرف المركزي، ومن ثم منصب الوزير للصناعة في كوبا، وتنازله عن كل الألقاب والامتيازات والأضواء والشهرة.. فان الزعيم فيدل كاسترو عاش حياة متواضعة ونزيهة، لا يمتلك من رصيدها سوى قيم المبادئ الماركسية والإنسانية التحررية النبيلة، القائمة على منهجية مبدئية وثورية، وقيم أممية وأخلاقية، كانت تمثل قدوة مضيئة رائعة للشعب الكوبي، بل لشعوب دول أمريكا اللاتينية قاطبة، التي أكدت هذه الدول بدورها، أن الأفكار الاشتراكية الأممية لا تموت، وإنما هي حية جدليا في وجدان الشعوب، ماثلة ديالكتيكيا في ضمير التاريخ، بحسب ما تجدد مفاهيمها وحقائقها (نوعيا وكيفيا) في مختلف دول أمريكا اللاتينية (تشيلي ونيكاراجوا وفنزويلا والبرازيل وبوليفيا والاكوادور وبيرو والمكسيك).. ولعل تلك المبادئ الماركسية التي بقدر ما تسلح بها الزعيم فيدل كاسترو ونظامه الاشتراكي.. التي لولا هذه النظرية الفلسفية الثورية لما استطاع مواجهة هجوم الولايات المتحدة المسلحة بأحدث الترسانة التكنولوجية والنووية، طوال نصف قرن من الزمان.. ولولا مؤازرة الشعب الكوبي ودعمه لقائده الذي آمن هذا الشعب بنظامه، وآمن بقيادته، لما استطاع النظام الاشتراكي في كوبا مواصلة الصمود خلال فترتي الحرب الباردة، ونهاية الحرب الباردة.. ومن هنا كان لزاما أن يواصل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو مهماته الوطنية ومسئولياته المبدئية في تسلم قيادة البلاد، من أجل البناء في الداخل والنهوض بالمجتمع الاشتراكي، ومن أجل مواجهة وصد العدوان وحياكة المؤامرات الأمريكية من الخارج. ورغم تخلي الزعيم الكوبي كاسترو عن مناصبه الرئاسية في 28 فبراير 2008م فإنه رسخ مقومات الشخصية الكاريزماتية التاريخية، لإنسان أكد انه مناضل ثوري وأممي شجاع، ومناضل ماركسي أصيل تجسدت مقومات هذه الشخصية، بمقولته بعد استقالته من الرئاسة “لا أقول الوداع لأنني أرغب في الكفاح كجندي يحمل أفكارا، وأواصل الكتابة تحت عنوان أفكار الرفيق فيدل.. وسيكون ذلك سلاحا من ترسانة يجب الاعتماد عليها وبما سيسمع صوتي.. سأكون حذرا.. شكرا”.. ولعل هذا ما يرعب “السي. اي. ايه” والبنتاجون الأمريكيين، وخاصة إن هذا التصريح صادر عن زعيم ماركسي فرض نظامه الاشتراكي أمام أعتى دولة امبريالية وعسكرية تهيمن على العالم في ظل أحادية القطبية، بقدر ما أكد مبادئه وأفكاره الأممية على الساحة العالمية خلال نصف قرن من الزمان، ومثلما لاقى الدعم والمؤازرة من المعسكر الاشتراكي وفي مقدمته الاتحاد السوفيتي آنذاك، بحسب ما كسب احترام زعماء دول عدم الانحياز (جمال عبدالناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو) بقممها المتعددة.. وآخرها القمة التي انعقدت في هافانا في سبتمبر عام 2006م.. بحيث انتخب الزعيم فيدل كاسترو رئيسا رمزيا لها تقديرا لنضالاته وتضحياته وتاريخه.. وتجسيدا لعلاقته الحميمة مع أولئك الزعماء العظام.
 
صحيفة أخبار الخليج
7 مارس 2008

اقرأ المزيد

الطابق الثالث‮..‬ هل هو حل لأزمة السكن؟


كانت المنازل البحرينية تبنى من الخوص والجريد،‮ ‬وبالطبع لا‮ ‬يمكن أن تبنى إلا على الأرض،‮ ‬وبما أن المساحة واسعة والأراضي‮ ‬مجانية فلا‮ ‬يوجد أي‮ ‬تفكير في‮ ‬بناء منازل فوق السطوح،‮ ‬وكانت المساكن أشبه بالمساكن المشاعية،‮ ‬كل شخص باستطاعته أن‮ ‬يحوط أرضاً‮ ‬ويبنيها‮. ‬ولما اتخذت الحضارة البحرينية خطوة إلى الأمام في‮ ‬تشييد المنازل العالية بدأت ببناء طابق علوي‮ ‬وكان المنزل حينها‮ ‬يبنى من الجص والطين والصار‮ (‬صناعة محلية وفورية تشبه الإسمنت‮) ‬وكان البحرينيون‮ ‬يتندرون على المنزل الذي‮ ‬يعلوه طابقاً‮ ‬ثانياً‮ ‬فيسمونه بيت الغرف‮. ‬وللآن هناك عوائل تسمى بهذا الاسم لأنها أول من بدأ ببناء طابق علوي،‮ ‬وحتى إن هناك قرية تسمى الغريفة‮.‬ ولكن عندما ارتفعت أسعار الأراضي‮ ‬بدأ الشعب البحريني‮ ‬في‮ ‬رحلة طويلة من المحنة،‮ ‬وقد‮  ‬استمرت الحكومة في‮ ‬السبعينات والثمانينات وجزء من التسعينات توزع الأراضي‮ ‬على العوائل أو الشباب المحتاج،‮ ‬وعندما ارتفعت أسعار الأرضي‮ ‬توقفت الحكومة،‮ ‬وصار الناس‮ ‬يشترون الأرض ويرهنوها لدى البنوك إلى أن‮ ‬يحلها الحلال،‮ ‬مع العلم أن هناك أراض شاسعة لا زالت براري‮ ‬بأسماء المتنفذين بالإمكان بناء مدن كاملة عليها‮.‬ حقيقة الأمر أن المساكن الآن في‮ ‬مأزق شديد،‮ ‬وإذا استمرت الأحوال هكذا فإن الزحمة السكانية والعوائل التي‮ ‬ستفترش الثرى ستكون أكثر من المتوقع،‮ ‬على كل حال لا‮ ‬يحلم الشاب الآن أو الشابة بشراء أرض على الإطلاق‮. ‬لأن الأرض تساوي‮ ‬سبعين ألف دينار‮. ‬والمرتبات باقية على حالها اللهم إلا أن هناك منفداً‮ ‬صغيراً‮ ‬لسد الفاقة بسبب الزيادة البسيطة في‮ ‬المعاش،‮ ‬هكذا عاش الشعب البحريني‮ ‬فترة من الزمن لم تكن بالحسبان،‮ ‬يتنعم بالأرض الذي‮ ‬وهبها الله‮  ‬إياها‮. ‬لكن الآن الأرض ومن عليها ملك للمتنفذين‮. ‬والسؤال كيف نستطيع حل هذه المعادلة الصعبة؟ الشقق أو الإيجار أو علاوة السكن أو ماذا؟ كلها جرعات مسكنة مؤقتة،‮ ‬المشكلة الآن عويصة وحتى التفكير في‮ ‬الخارج القريب كالإمارات مثلا أصبح حلماً‮ ‬ذلك لأن الأرض السكنية تقارب ثلاثة ملايين درهم،‮ ‬والشقة‮ ‬600‮ ‬دينار في‮ ‬الشهر،‮ ‬هذا إن وجدت‮. لقد دأب الشعب البحريني‮ ‬بالضغط على نفسه في‮ ‬سبيل حل مشاكله المعيشية،‮ ‬إما بالعمل المضاعف أو بتراكم ديونه أو بالتقليل من الإنجاب أو بالهجرة لفترة زمنية لكن الأمر أصبح مختلفاً‮ ‬الآن،‮ ‬حيث أخذ المواطن‮ ‬يقسم منزله إلى كانتونانت صغيرة‮. ‬والمنزل أصبح‮ ‬يتسع إلى خمس عوائل ولعدد كبير من الأطفال‮. ‬ثم جار على البهو والحديقة‮. ‬وفي‮ ‬خطوة جديدة أخذ‮ ‬يلغي‮ ‬المجلس ويطلب الزاوية المنفرجة حتى تفرج له‮.‬ وفي‮ ‬خطوة جديدة من نوعها أصدرت وزارة البلديات مشكورة تراخيص ببناء الطابق الثالث،‮ ‬مشهد لم‮ ‬يألفه أحد‮. ‬ولا‮ ‬يعرف نعمته إلا الآباء الذين ضاقت بهم الحياة‮. ‬والآن بإمكانك عزيزي‮ ‬القارئ أن تتجول في‮ ‬قرى ومدن البحرين لكي‮ ‬ترى بأم عينيك أولئك البنائين الآسيوين وهم‮ ‬يرتفعون عالياً‮ ‬لكي‮ ‬يشيدوا الطابق الثالث‮.‬ نعم،‮ ‬هناك حدث جديد وهام‮ ‬يطرح نفسه على الساحة ألا وهو الطابق الثالث،‮ ‬لم‮ ‬يتوقف‮ ‬غني‮ ‬ولا فقير ولا معدم عن اللجوء إلى هذا العمران المنفرد الجديد،‮ ‬وسترى الأعمدة والسكلات ترتفع وترتفع لكي‮ ‬تبني‮ ‬الطابق الثالث للجيل الثالث من الغلاء‮. ‬حقاً‮ ‬نستطيع تسمية هذا الجيل بجيل الطابق الثالث لكن السؤال ما مدى تغطيته لمشكلة الأراضي؟ وهل سيخفف من الازدحام؟ وإلى أي‮ ‬حد‮ ‬ياترى؟‮  ‬

 صحيفة الوطن
7 مارس 2008

اقرأ المزيد

ســــــــــؤال‮ ‬يثير المواجـــــع‮.. !‬

أول وأهم ما‮ ‬يعنيه هذا الذي‮ ‬تكشف في‮ ‬شركة‮ “ألبا‮” ‬من تجاوزات وانحرافات جسيمة،‮ ‬في‮ ‬قضية تشكل برأينا واحدة من أكبر وأغرب واعقد قضايا الفساد في‮ ‬البحرين،‮ ‬هي‮ ‬أن قيمة الرقابة والمساءلة والحساب على مدى سنوات طويلة‮ ‬غيبت ولم تنل حظها الحقيقي‮ ‬في‮ ‬ساحة الأداء العام،‮ ‬إلى درجة خرج فيها البعض باعتقاد مؤداه أن كل مال عام صار مالاً‮ ‬سائباً‮ ‬يستطيع من واتته الفرصة أن‮ ‬يمارس في‮ ‬شأنه من أفعال وتصرفات وتجاوزات دون أن‮ ‬يفكر في‮ ‬حسيب أو رقيب أو فرملة أو سؤال،‮ ‬لذلك لم نسمع بأن من اعتدى على مال عام،‮ ‬أو انحرف،‮ ‬أو أفسد،‮ ‬أو أخطأ،‮ ‬أو تجاوز أو أهمل بقصد أو بغير قصد،‮ ‬مهما كان شأنه ومركزه ومقامه ونفوذه قد أخضع للحساب بأية صورة كانت‮.‬ ذلك خطأ جسيم فتح الباب على مصراعيه لكي‮ ‬يضرب الفساد بجذوره ليــــــس‮ “‬ألبا‮” ‬فقط،‮ ‬وإنما في‮ ‬شركات ومؤسسات ووزارات وأجهزة رسمية عديدة،‮ ‬دون أن نجد أحداً‮ ‬انشغل أو أبدى اهتماماً‮ ‬من أي‮ ‬نوع بضرب معاقل الفساد وملاحقة ومساءلة المفسدين وإصلاح حال الإدارة العامة والعمل العام،‮ ‬وهي‮ ‬العناوين التي‮ ‬كانت ولا تزال الأكثر جاذبية لدى المواطن الذي‮ ‬تحرقه لوعة اتساع مواقع الاهتراء والفساد والهدر أينما كانت‮.‬ واذا كان ثمة إحساس طاغ‮ ‬بأنه مهما انفتح ملف فساد هنا أو هناك أو هنالــــك،‮ – ‬ما أكثر الملفات الواجب فتحها‮ – ‬أو جرت محاولات ظرفية أو موسمية خجولة بفتح ملف صغير في‮ ‬هذه الشركة أو تلك الوزارة،‮ ‬فإن القدر المتيقن لنا بأن ذلك لا علاقة له بخطة رسمية شاملة لمواجهة قضايا الرشوة والفساد والعمولات والصفقات‮ ‬غير المشروعة،‮ ‬وإلا فما معنى أن تستمر مثل تلك التجاوزات الفادحة في‮ “‬ألبا‮” ‬على مدى ‮٥١ ‬أو ‮٧١ ‬سنة مضت،‮ ‬ولا تتحرك جهة رسمية أو طرف ما،‮ ‬لا من مجلس الإدارة السابق أو الأسبق،‮ ‬الذي‮ ‬لا نعرف حقيقة مدى الخطأ والصواب فيما‮ ‬ينسب إليه من تصرفات أو مسؤولية،‮ ‬ولا الرقابة الداخلية إن وجدت،‮ ‬ولا دور أي‮ ‬وزارة أو جهاز‮ ‬يفترض أن‮ ‬يكون معنياً‮ ‬بصورة مباشرة أو‮ ‬غير مباشرة برقابة ومتابعة أداء الشركات الحكومية ووضع اللوائح التنظيمية التي‮ ‬تضع قدر الإمكان حداً‮ ‬لمظاهر الانحراف الصارخة كتلك القضية المتداولة الآن بشأن‮ “ألبا‮”‬،‮ ‬رغم أنها ليست قضية الفساد المالي‮ ‬والإداري‮ ‬الوحيدة التي‮ ‬شهدتها هذه الشركة خلال العامين السابقين،‮ ‬إلى جانب تلك التي‮ ‬شهدتها شركات كبرى عديدة تابعة للحكومة،‮ ‬وكلها تصب في‮ ‬مجرى الفساد المالي‮ ‬والإداري‮ ‬والسرقات الكبرى،‮ ‬ناهيك عن تلك التي‮ ‬كشف عنها ديوان الرقابة المالية في‮ ‬تقاريره،‮ ‬والتي‮ ‬للأسف لازال‮ ‬ينظر لها أو‮ ‬يتم التعامل معها باعتبارها مجرد‮ “‬ملاحظات‮” ‬قيل بأنها ستخضع للمتابعة والدراسة والتقييم،‮ ‬دون أن نسمع بأن مسؤولاً‮ ‬ما حوسب على ما ثبت بحقه من وقائع،‮ ‬أو أن النيابة العامة كلفت بالتحقق مما ذكر من تجاوزات‮.‬ القضية الأخيرة لـ‮ “‬ألبا‮” ‬اللافت فيها أمور أربعة،‮ ‬الأمر الأول هو طبيعة أعمال التزوير والتحايل والطرق الملتوية والرشاوى التي‮ ‬دامت على مــــدى ‮٥١ ‬أو ‮٧١ ‬عاماً،‮ ‬والأمر الثاني‮ ‬هو حجم الرشاوى التي‮ ‬قدمت لطاقم الفساد فــي‮ “ألبا‮” ‬والسرقات التي‮ ‬تمت فيها والتي‮ ‬بلغت نحو ملياري‮ ‬دولار أن لم‮ ‬يكن أكثر،‮ ‬ولكم أن تتصوروا كم مشروعاً،‮ ‬وكم بيت إسكان،‮ ‬وكم مصنعاً‮ ‬وكم وظيفة‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوفره ويؤسسه هذا المبلغ،‮ ‬أما الأمر الثالث فهو‮ ‬يتعلق بوزن المتورطين في‮ ‬هذه القضية،‮ ‬وهم قطعاً‮ ‬ليسوا مسؤولين من الدرجة الثالثة،‮ ‬أو حتى الثانية،‮ ‬بل أن ما كشف‮ ‬يشير إلى تورط مسؤولين كبار من العيار الثقيل جداً‮ ‬كانوا ممسكين في‮ ‬يوم من الأيام بمقاليد الأمور بالشركة‮.‬ أما الأمر الأخير فهو ذو دلالة،‮ ‬وهو إن صحيفة أمريكية هي‮ ‬التي‮ ‬كشفت عن لجوء‮ “‬ألبا‮” ‬إلى رفع دعوى لدى محكمة فيدرالية أمريكية ضد شركة‮ “آلكوا‮” ‬الأمريكية،‮ ‬أكبر شركة ألمونيوم في‮ ‬العالم،‮ ‬بتهمة الضلوع في‮ ‬مؤامرة طوال ‮٥١ ‬عاماً‮ ‬شملت المبالغة في‮ ‬الأسعار وأعمال تزوير وتقديم رشاوٍ‮ ‬إلى واحد أو أكثر من المسؤولين الكبار ممن كانوا معنيين بدفة إدارة شؤون‮ “‬ألبا‮”،‮ ‬واذا كانت الصورة محملة بتفاصيل كثيرة نأمل أن تتكشف في‮ ‬الأيام المقبلة،‮ ‬إلا أن كافة الأسئلة التي‮ ‬أثارتها هذه القضية لا ندري‮ ‬إلى متى تبقى معلقة بغير إجابة،‮ ‬فنحن لم نعرف على وجه التحديد لماذا لم تبادر‮ “‬ألبا‮” ‬أو شركة‮ “ممتلكات‮” ‬التابعة لها‮ “‬ألبا‮” ‬أو أي‮ ‬جهة مسؤولة،‮ ‬أو حتى النيابة العامة بإصدار بيان‮ ‬يوضح للرأي‮ ‬العام هنا في‮ ‬البحرين حقيقة هذا الذي‮ ‬جرى في‮ ‬واحدة من أكبر الشركات التي‮ ‬تشكل أحد أعمدة الاقتصاد البحريني،‮ ‬بيان‮ ‬يفرحنا حينما‮ ‬يعلن بأنه قد تم وضع اليد على ملف فساد جديد بالشركة له تشعبات ومنافع فاضت مالاً‮ ‬حراماً‮ ‬ولزمن طويل على قلة من أصحاب الباع والطول،‮ ‬وأن القضاء البحريني‮ ‬سيكون معنياً‮ ‬بهذا الملف على الأقل فيما‮ ‬يخص الأطراف البحرينية المتورطة،‮ ‬بيان‮ ‬يفرحنا أكثر حينما تؤكد لنا هذه الجهة المسؤولة أو تلك بأن زمن حماية أو تحصين المرتكبين والمتجاوزين والفاسدين قد انتهى،‮ ‬وسيكون أياً‮ ‬كان ومهما كان تحت طائلة المساءلة والمجاهرة والملاحقة،‮ ‬بيان‮ ‬يؤكد للجميع بأن ثمة قناعة باتت الآن راسخة،‮ ‬قناعة تؤكد وتفعل توجهاً‮ ‬يرى بأن مكافحة الفساد هو البوابة الأهم للإصلاح،‮ ‬وبأن ذلك أحد مرتكزات الرؤية والاستراتيجية الاقتصادية التي‮ ‬يضعها مجلس التنمية الاقتصادية‮.‬ في‮ ‬كل الأحوال سيبقى سؤال مهم‮: ‬هل‮ ‬يحق لنا كمواطنين أن نفرط في‮ ‬التفاؤل ونرفع سقف توقعاتنا ليس حيال قضية فســاد‮ “‬ألبا‮” ‬وإنما كل القضايا المماثلة إلى المستوى الذي‮ ‬نظن‮ – ‬رغم أن بعض الظن إثم‮ – ‬بأن الرؤوس الكبيرة والدروع الواقية المتورطة في‮ ‬هذه القضية لن تكون في‮ ‬ظل المشروع الإصلاحي‮ ‬محصنة ضد أي‮ ‬مساءلة أو عقاب،‮ ‬بل سيتم وبكل جرأة وشفافية تحريك النيابة العامة هنا في‮ ‬البحرين وليس في‮ ‬أمريكا ضد الفاسدين في‮ ‬قضية‮ “‬ألبا” ‬وحيال‮ ‬غيرها من القضايا؟‮!‬ سؤال لا نملك إجابة عليه،‮ ‬ولكن أقل ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬يقال عنه بأنه‮ ‬يثير فينا المواجع‮..! ‬

صحيفة الايام
7 مارس 2008

اقرأ المزيد