المنشور

شيخوخة نظرية الدولة الريعية

على الرغم من التحولات النوعية الكبرى التي شهدها العالم في المائة سنة الأخيرة على الأصعدة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية، وبرغم التطور الكبير الذي حققه علم الاقتصاد السياسي على أيدي علماء من مختلف المدارس والاتجاهات ومن مختلف بلدان العالم، لازال بعض رموز حرسنا القديم في بعض مدارس علم الاقتصاد السياسي يجترون ما كانوا استنسخوه من نظريات ومقولات ومفاهيم اقتصادية هي نتاج عصارة جهد عقلي وفكري لأعلام اقتصادية غربية فذة لم يكن ممكناً تحقيق كل هذه المنجزات الاقتصادية والاجتماعية العظيمة في عالمنا اليوم لولا إسهاماتها الكبيرة والمتميزة في إطلاق وتطوير مدارس الاقتصاد التنموي بمختلف توجهاتها. ولكأن هؤلاء العلماء الاقتصاديين عندما صاغوا وقدموا نظرياتهم ومفاهيمهم الاقتصادية، كانوا يفكرون في تأبيدها، أي جعلها صالحة لكل زمان ومكان، وليس إخضاعها بين مرحلة وأخرى للتقييم وإعادة التقييم في ظل الظروف والمستجدات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة التي تحيط بكل ما حولها وتؤثر فيه قطعا بهذا الاتجاه أو ذاك. فما النظرية الاقتصادية في نهاية المطاف سوى محاولة لتفسير العلاقة المنتظمة داخل كينونة الظاهرة الواحدة موضوع البحث والتقصي، فإن تغيرت عناصرها أو طرأ تغير ما على مدى انتظام وثبات علاقة هذه العناصر بعضها ببعض، فلابد وأن تتغير النظرية أو المفاهيم التي ثبتت على أساسها.
وهكذا فإننا لو عدنا إلى مفهوم الريع، كما هو مُكْتَشَف نظري بالـغ الأهمية (ومتداول فيما بعد)، لوجدنا أنه قد ارتبط بالأرض وما تدره على مُلاَّكها من عوائد مالية لم يُبذل في اكتسابها وحيازتها أي جهد أو نشاط إنتاجي تنجم عنه قيمة استعمالية أو قيمة تبادلية، ناهيك عن أنه هو نفسه ليس له قيمة كقوة عمل مبذولة يمكن قياسها كمياً.
ولذلك فإن ظهور مفهوم الريع لابد وأن يرتبط بالتركيبة الاقتصادية الاجتماعية لنظام القنانة (الإقطاعي)، والنظام الرأسمالي الذي نهض على أنقاضه، وبمعنى آخر بالأرض واستثمارها من قبل الملاك الزارعين المستغلين لعمل الأقنان في أسلوب الإنتاج الإقطاعي، ومن قِبَل هؤلاء والمستأجرين الرأسماليين للأرض في النظام الرأسمالي.
وإنه وبسبب محدودية الأراضي الخصبة والأخرى القابلة للزراعة، فإن ذلك يوفر لملاك الأراضي الخصبة خصوصاً والأراضي الزراعية بشكل عام، فرصة احتكارية للحصول على ريع تفاضلي يفوق ذلك الذي يحصل عليه ملاك الأراضي الأسوأ من حيث الخصوبة.
ولا شك أن هذه القراءة المتعمقة لعلاقات الإنتاج في مجتمعات الاقتصاد الطبيعي ولاحقاً مجتمعات الاقتصاد القائم على الربح الرأسمالي، والتوصيف الدقيق لها، قد عُدَّ حينها كشفاً تقدمياً، وإضافة متميزة لنظريات ومفاهيم الاقتصاد السياسي العالمي.
 من دون أن ننسى لفت الانتباه في هذا المضمار إلى ما كانت تذهب إليه بهذا الصدد المدرسة الفيزيوقراطية في الاقتصاد السياسي فيما يتعلق بالاقتصاد الطبيعي وتحديداً الاقتصاد الزراعي، حيث غاير الفيزيوقراطيون، ومنهم رائدا هذه المدرسة الشهيرة في الاقتصاد السياسي في القرن الثامن عشر ‘ف . كيني’ و ‘تورغو’ النظرية المركانتيلية التي ظهرت في القرن الخامس عشر أي في المرحلة الأولى من صعود الرأسمالية عندما كان الرأسمال الصناعي لا يزال مندغماً في الرأسمال التجاري، وطبقتها الدول الأوروبية في القرن الثامن عشر. وبموجبها فان النقود (وليس الإنتاج الزراعي كما يذهب إلى ذلك الفيزيوقراطيون) هي ثروة الأمة، الأمر الذي يتوجب عدم إخراجها من البلاد وإنما العمل على زيادة إدخالها إليها. حاصل القول أن عدداً من المفكرين الاقتصاديين وبعض أقرانهم المجتهدين في بلدان العالم الثالث، قاموا في مراحل تالية، بإسقاط هذه المقولة (الريع) على عديد الأنشطة الاقتصادية التي تشترك في طبيعتها مع ظروف وطبيعة العمل في الرقعة الزراعية وعلاقات العمل والإنتاج التي تحكم أطرافها وهم ملاك الأراضي الزراعية، ومستأجريها بغرض الاستثمار، والفلاحين الأُجراء.
ويعتبر نشاط إنتاج النفط حالة مثالية لتَجَسُّد تلك المقولة، وبالتالي سهولة إسقاطها عليه. حيث ذهب التنظير الاقتصادي الآسيوي إلى أن عملية استخراج وإنتاج النفط في الدول البترولية هي نشاط لا يعدو أن يكون ريعياً، وأن اقتصاد صناعة النفط هو بالضرورة اقتصاد ريعي، اعتباراً بغياب الجهد الإنتاجي الواضح والملموس لملاك الحقول النفطيــة (وهم هنا حكومات الدول النفطية)، حيث تجود الأرض عليهم بما هو مخزون في باطنها من ذهب أسود لا يد لهم في تصنيعه.
ولكن ذلك كان في الماضي عندما كانت الصناعة النفطية في بلدان الاكتشافات النفطية الجديدة (العالم ثالثية)، ومنها بلدان الخليج والمنطقة العربية عموماً، مختزلة في نشاط الاستخراج (Extracting) فقط. فلقد تغير المشهد النفطي كثيراً وتغيرت بصورة أكبر موازين القوى بين الشركات النفطية العالمية وبين الحكومات المستقبلة لرأس المال النفطي وشركاتها النفطية الوطنية التي نشأت وسلمت زمام أمور الصناعة النفطية في بلدانها. فلم تعد الصناعة النفطية في هذه البلدان مقصورة على الاستخراج وإنما تطورت بصورة كلية مع إنشاء المصافي النفطية التي ‘تصاهرت’ وتكاملت فيما بعد مع الصناعة البتروكيماوية فكانت النتيجة إشادة مجمعات بتروكيماوية ضخمة تنتج اليوم العديد من اللدائن والخامات البلاستيكية واللقائم البتروكيماوية المختلفة التي فتحت الباب أمام قيام صناعات تحويلية (تفرعية) أفقية ذات قيمة مضافة عالية. وحتى أنشطة الاستكشاف والتنقيب البترولي لم تعد كما كانت عليه من بدائية تكنولوجية، وإنما هي تغيرت بصورة كلية، نظراً للتطور التكنولوجي الهائل الذي أصابها وأدى إلى إطالة أعمار الآبار وتعظيم وترشيد الإنتاج وجعل التنقيب البحري في المياه العميقة أمراً ممكناً ومجدياً في نفس الوقت.. الخ. فضلاً عن بروز الشركات النفطية الوطنية التي أُنشئت مطالع السبعينيات، وتحولت مع الوقت إلى لاعب أساسي في ميدان الاستكشاف والتنقيب والتكرير، ليس على المستوى الوطني وحسب، وإنما على المستوى الدولي بارتيادها أسواق نفطية خارجية في ميادين الاستكشاف والتنقيب والإنتاج وحتى التوزيع.
ولذلك فإنه لم يعد مسوغاً من الناحية العلمية الاقتصادية ومن الناحية العملية الواقعية، الاستمرار في ترديد مفاهيم اقتصادية تجاوزتها الحقائق الاقتصادية على الأرض.
 
صحيفة الوطن

5 فبراير 2008

اقرأ المزيد

هل من مرحلة ما بعد رفح ؟

في 27 يناير 1944 استطاعت قوات جبهتي لينيجراد (بطرسبورغ) وفولخوف اختراق دفاعات الجيش الألماني الثامن عشر محطمة قواه الأساسية. حدث ذلك بعد أن استمر حصار لينينجراد 879 يوما متواصلة. كان هتلر قد أمر بمسح لينينجراد من على وجه الأرض، وحكم على سكان المدينة القاطنين على ضفاف نهر النيف بالموت جوعا وبردا. لقد كسر الاقتحام البطولي طوق الموت من حول قرابة ثلاثة ملايين نسمة من سكان لينينجراد و 300 ألف آخرين كانوا قد نزحوا إلى هذه المدينة البطلة من بلدان البلطيق والمناطق الروسية المجاورة قبيل الحصار.
حدث ذلك قبل 65 عاما. وهاهو التاريخ يعيد نفسه بشكل أو بآخر.
مساء الثلاثاء/ليلة الأربعاء 23 يناير 2007 عبرت مائتا امرأة فلسطينية بوابة رفح إلى الحدود المصرية. بعدها فجر فلسطينيون خمس قنابل على الأقل محدثين خمس فجوات كبيرة ليندفع مئات الآلاف إلى أشقائهم المصريين طلبا للغذاء والدواء والوقود. وإذا كان من الصعب وضع علامة تساوي بين الأبعاد العسكرية والإستراتيجية والمعنوية لاقتحام حصار لينينجراد إلى الداخل وحصار غزة إلى الخارج، إلا أن ما تفعله الصهيونية العنصرية بحق أهلنا في فلسطين لا يختلف عما مارسته الفاشية الألمانية بحق البشرية. 
تحت حجة ردع صواريخ القسام التي تطلقها حماس على أهداف مدنية وغير مدنية إسرائيلية، تعلن إسرائيل غزة “قطاعا معاديا”، وترد بعقوبات جماعية ضد مليون ونصف المليون نسمة من سكان غزة لتحكم عليهم بالجوع والمرض والظلام والبرد وصولا للموت. وبعد أن أغلقت إسرائيل كل نقاط العبور على الحدود مع غزة أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين ” الأنروا” أنها غير قادرة على إيصال معونات الغذاء لحوالي 860 ألفا، أو أكثر من نصف سكان غزة من الذين يحصلون على هذه المعونات. وحتى الأسبوع الماضي سجلت أكثر من 80 حالة وفاة بسبب نقص العلاج والدواء. ووصلت نسبة الفلسطينيين في قطاع غزة الواقعين تحت خط الفقر ( 2 دولار يوميا للفرد ) نحو 70% من السكان، كما بلغت البطالة 70% أيضا.
بعد موجة الاحتجاجات العالمية والعربية اضطرت إسرائيل للتظاهر بأنها ستخفف مؤقتا الحصار الشامل الذي ضربته الجمعة 18 يناير، بعد أن انخفض عدد الصواريخ التي تطلقها حماس من مائة خلال عدة أيام إلى أربعة فقط يوم السبت، وأقل من ذلك يوم الأحد. ولكي تواجه “الأنروا” مهامها العاجلة طالبت بمعونة عاجلة بقيمة 9.8 مليون دولار، وآجلة بقيمة 60 مليون دولار.
ليس من شك أن الدول الخليجية والعربية الأخرى وغيرها من دول العالم ستمد يد العون إلى “الأنروا”. لكن مصير قطاع غزة ومسألة الدولة الفلسطينية ومصير الشعب الفلسطيني لم تبد أمام خطر الضياع كما هي عليه الآن. وضع جميع الأشياء يشير إلى أن حلا لا يلوح في الأفق برغم الإقرار بحق الفلسطينيين في دولتهم الوطنية المستقلة والوعود بقرب قيامها. وعندما اقترحت الراعية الدولية خارطة الطريق في ربيع عام 2003 ، فقد طرح ذلك على رئيسين قويين في طرفي النزاع : الزعيم ياسر عرفات وشارون. وواضح أن الأمر يختلف الآن مع كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت. الأكثر من ذلك أن الراعي الأكبر – الولايات المتحدة الأميركية – سيظل منشغلا عن القضية لفترة طويلة. فالرئيس بوش مثله مثل عباس وأولمرت. وإذا كان المرجح أن الرئيس الأميركي القادم سيكون ديمقراطيا فسيتطلب الأمر وقتا حتى يقدم صيغته لحل المسألة الفلسطينية والعربية – الإسرائيلية. وأيا كان الرئيس فسيجد أمامه إرثا ثقيلا ووقتا طويلا يصرفه قبل أن يصحح الأخطاء ويسد الثغرات التي أحدثتها الإدارة الحالية.
هذا الفراغ الحاصل – القاتل على سوداويته يبعث من الجهة الأخرى على طرح سؤال : أليس هو الظرف المناسب لأن تهب الدول العربية لملء هذا الفراغ ، فتتصرف بوعي، كما تصرف أهالي غزة بعفوية، ليعبر العرب من جديد إلى صيغة يقدمونها للعالم وتباركها دول عظمى كروسيا والصين وغيرهما لحل القضية الفلسطينية والنزاع العربي الإسرائيلي على أساس عادل ودائم ؟
وصولا إلى ذلك أمام العرب حلقة مفرغة تقع في قلب القضية الفلسطينية وتشكل حجر عثرة كأداء على طريق التحرك نحو مشروع الحل : إن أي تسوية غير ممكنة بدون حماس،لأنها تسيطر فعليا على قطاع غزة، كما أن لها نفوذها بين فلسطينيين كثيرين في الضفة الغربية، ولذلك فازت في انتخابات ديمقراطية يصعب تجاهلها. كما أن أية تسوية بحماس هي الأخرى غير ممكنة في الظرف الراهن لأنه ليس لدى حماس موقف واضح من مسألة التسوية. لقد اتسمت مواقفها بالتناقضات منذ وصلت إلى السلطة. ومنذ أدت حكومة هنية القسم في 29 مارس 2006، فإنها ظلت تسير كالعرجاء. تركت الرئاسة الفلسطينية تفاوض، بينما هي تصدر ردود أفعال متضاربة يصعب أخذ أي منها بجدية، كأن لا مكان لإسرائيل على الأرض والقبول بمبدأ دولتين عربية “ويهودية”.
وضع حماس “الأعرج” على ضبابيته هو الآخر يوحي بإمكانية عبور حماس من مواقع التشدد المتزمت إلى التعاطي السياسي الباحث عن حل واقعي، بشرط أن يكون لهذا العبور حاضنة عربية قوية تسهله.
أما ما هو مشروع الحل ؟ فعلى الأقل المبادرة السعودية التي أجمع عليها العرب في قمة بيروت وأضحت تسمى مبادرة السلام العربية.
صحيح أن الأوضاع الراهنة لا تشكل الظرف الصحيح لاتخاذ القرار الصحيح بشأن القضية الفلسطينية، لكنه هذا هو الظرف الأنسب لكي يبدأ العرب استعادة الأخذ بزمام المبادرة منذ الآن. فهل سنشهد مرحلة ما بعد رفح ؟

صحيفة الوقت

4 فبراير 2008
 

اقرأ المزيد

‮”‬الوعي‮” ‬الطائفي‮ ‬والوعي‮ ‬الوطني‮!‬

سأعود للحديث عن مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في مارس المقبل، في حينه. ولكن لا بأس من الحديث الآن عن أمر أراه مهما، على صلة بفكرة هذا المؤتمر وموضوعه وآلية تنظيمه. المؤتمر تنظمه لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية، وهي كما شرحنا، في أكثر من مناسبة، صيغة إجرائية للتنسيق بين جميع الجمعيات السياسية المسجلة لدى وزارة العدل، على اختلاف ميولها وتوجهاتها السياسية والفكرية، وتستمد مشروعيتها من شرعية الجمعيات التي تنسق بينها، ويرأس المنبر التقدمي هذه اللجنة في دورتها الحالية. مؤتمر مارس القادم اخترنا له موضوعاً نراه يشكل محوراً من محاور الجدل السياسي والاجتماعي في البلاد في الفترة الراهنة، وفي أفق تطورها القادم أيضا، هو موضوع الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر التفتيت والتشظي الطائفي، الذي يمكن أن نجد أنفسنا منزلقين إليه بوعي أو من دون وعي، إذا ما استمرت الأمور تدار بالذهنية السائدة في أكثر من موقع من مواقع المجتمع والدولة. قدر هذا المجتمع أن يتعايش بتحضرٍ ووعي مع تكوينه المركب، وأن يجعل من هذا “التركيب”عامل إغناء وإثراء لنسيجه الوطني، لا عامل تنافر وبغضاء، مع ما يمكن أن يجره ذلك من تبعات لا تحمد عقباها، ولنا عظة وعبرة في ما يجري في أكثر من بلد عربي من تداعيات نرى بأم العين ما جرته وتجره من كوارث. علينا مواجهة “الوعي” الطائفي بالوعي الوطني، لأن الأول وعي زائف كونه يحجب القواسم المشتركة التي تجمع بين بشر متعددي الطوائف يعيشون في مجتمع واحد عليهم أن يقتسموا خيراته بالتساوي، ويواجهوا، سوية، تحديات العيش المشترك. الوعي الوطني الذي ننشده هو الذي تربينا عليه نحن في تنظيماتنا التقدمية والديمقراطية التي صهرتنا جميعا في بوتقة النضال المشترك من اجل الحقوق الاجتماعية والسياسية والوطنية، كحاصل للتطور الاجتماعي – الاقتصادي الذي جمع أبناء الشعب في أماكن العمل المشتركة. فبات العامل السني، ابن المحرق مثلاً، مع العامل الشيعي، ابن سترة مثلا، جنباً إلى جنب في مصنع التكرير في “بابكو” أو في  مصهر الألمنيوم في “ألبا” يواجهان وضعاً واحداً جاءت به علاقات الإنتاج الرأسمالية، التي وإن عمقت الفارق الطبقي، فإنها وحّدتْ الشغيلةَ في قضية كبرى تتخطى انحداراتهم المذهبية المختلفة. منذ سنوات هناك انبعاث مقلق لهذا “الوعي” الطائفي الذي كان قد توارى، لأن هناك من يريد أن ينبش في الطبقات الذهنية السفلى لدى العامة، بتأجيج الموروثات التي يمكن استنفارها في التحشيد الطائفي، من الجانبين، ولكل من يفعل ذلك، هنا أو هناك أسبابه، التي تعبر في جوهرها عن مصالح يراد تأييدها. هذا الموضوع بحاجة إلى نقاش معمق حوله، يتجاوز حدود المجاملات والتظاهر، أمام وسائل الإعلام بأن كل شيء على ما يرام، وهذا النقاش المعمق مدعو لأن لا ينصرف، هو الآخر، نحو التأجيج واستثارة ما يفرق، وإنما نحو التشخيص العلمي الذي من شروطه أن يكون المتصدون لهم أنفسهم أحرارا من اللوثة الطائفية والمذهبية بكل تلاوينها.

صحيفة الأيام

4 فبراير 2008

اقرأ المزيد

على وتر الهم



الغلاء من امامكم : والبحر من ورائكم


 
تجتاح البحرين منذ فترة ليست بالقصيرة، موجة غلاء فاحش يستشري تصاعدياً بمرور الوقت و جشع البعض و تقاعس الحكومة، ماينذر بأوضاع اقتصادية متردية و ازمة معيشية خانقة تلقي بظلالها القاتمة على الغالبية العظمى من ابناء شعبنا.
ان هناك عوامل ذاتية و موضوعية ، أدت و ستؤدي إلى المزيد من النتائج و التداعيات الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية الكارثية على مستوى الوطن المبتلي بشئون و شجون الممارسات الخاطئة و البعيدة عن اي تخطيط علمي يلتمس الحلول الحقيقية الناجعة و السبل الناجحة لتفادي ما حل و يحل وسيحل في قادم الأيام التي كان المخلصون يتمنون ان تكون الأجمل و التي لم نعشها بعد.
يقولون ان موجة الغلاء عالمية و اقليمية ، وهي جاءت كنتيجة للعوامل المناخية و البيئية و الكوارث الطبيعية و تباطوء الإقتصاد العالمي في مفاصله المؤثرة و ارتفاع اسعار النفط ، ومحلياً ايضاً بسبب ارتباط العملة الوطنية بالدولار الأمريكي  وتدني قوته الشرائية وضعفه مقابل العملات الاخرى.
و ان مشترياتنا من مصادر انتاج معظم المواد الإستهلاكية تأتي من مناشئ ذات سلة عمولات اقوى من الدولار الأمريكي سعرياً. كل ذلك لا يعفي الحكومة من واجباتها الملحة و الفورية، و عدم الإكتفاء بالبالونات الترقيعية كما حدث مع تخصيص أربعين مليون دينار بحريني لمكافحة الغلاء حيث تناهبتنا سيوف الوعود و التصريحات المتناقضة، فصارت كرة الدعم يتلاقفها بعض الشوريين مطالبين بحل، ويتقاذفها النواب بين من يزعم الدعم بـ 200 د.ب لكل من يعمل في القطاعين العام و الخاص و المتاقاعدين، من ذوي الدخل المحدود، ثم اعلن عن مبلغ 70 او 50 د.ب  لكل اسرة بحرينية، وجاءت الطامة الكبرى باعلان احد النواب بأن مبلغ 40 مليون د.ب لم يتبق منه سوى مبلغ 8 مليون د.ب بعد أن استقطعت الحكومة مبلغ 32 مليون د.ب لتغطية مبالغ الدعم السابقة.
أن ملف الغلاء هو ملف عابر للطوائف و الاثنيات بإمتياز، وهو محل إجماع وطني، بعد أن إنكشف الستر بشكل واضح فاضح عن تردد الحكومة في طيه بالسرعة المرجوة ، فبات خطره الداهم يضيف طوابيراً إلى جيش المعوزين المتكاثر كل يوم، فهاهي الطبقة الوسطى تتآكل و تضمحل تدريجياً و يثري الطفيليون و يزداد الأغنياء غنى و تموت احلام العاطلين المؤجلة إلى مستقبل مبهم.
ان الملفات الرئيسة العالقة المتراكمة، كالإسكان و التجنيس و التمييز و الحريات و البطالة و الفساد و الأراضي و التنمية المستدامة و الصحة و البيئة وغيرها، تستدعي بالضرورة و بالحاح، وحدة قوة شعبنا الحية و مكوناته المتآخية، في بوتقة وطنية تلتزم بواجباتها المناطة بها وتستخلص الحقوق ضمن الأطر السلمية.
 ان الخطاب هنا .. للعاطلين و المحرومين و متدني الأجور و كل من يعاني من غلاء الأسعار و كل غريب في وطنه لأن ( الجوع في الوطن غربة ) .
ان لسان الحال يخاطبنا : الغلاء امامكم .. و البحر من ورائكم و قد احرقت سفن الصمت .
لتتوحد كل الجهود الخيرة ولترتفع عالياً أكف القلوب المعذبة و لتحلم كل العيون المؤرقة بغد افضل و لنبادر جميعاً للمطالبة بالحقوق، و كما قيل ( ما ضاع حق وراءه مطالب ) .
 فلناطلب الدولة بتوظيف الوفرة المالية النفطية، في تنويع مصادر الدخل و توفير فرص العمل المجزي و الحياة الحرة الكريمة للمواطنين و التوزيع العادل للثروة و الإرتفاع بمستوى الدخل ليناسب الأسعار.
 
أيها الناس أصيخوا للنداء :                أرفعوا اصواتكم ضد الغلاء
أقذفوا من حجر الوعي على                آسن الغفلة في بركة ماء
وخذوا الحق غلاباً .. هكذا                 قد تعلمنا دروس البسلاء
 
نشرة التقدمي العدد 59
يناير 2008

اقرأ المزيد

الحركة العمالية والخيارات الصعبة‮

تمر الحركة العمالية ونقاباتها البكر في البحرين بظروف صعبة ومعقدة من عدة أوجه، خاصة بعد أن صّوت بعض النواب في المجلس على التعددية النقابية في المنشأة الواحدة، مما ترك حالة من الارتباك والقلق لدى التيارات الأخرى في الجمعيات السياسية، المهتمة مؤخرا بالحركة العمالية.
خاصة في الفترة الأخيرة، عندما اكتشفت أن ذلك الحصان الهام ينبغي امتطاؤه وتحويله إلى ورقة ضغط سياسية في المستقبل القريب أو البعيد، وهو أيضا مربط الفرس ولجامه للحركة العمالية البحرينية، الذي سيشكل حالة خطرة فيما لو فكرت القوى والتيارات السياسية محاولة تجييرها لمصالحها السياسية على حساب مصالح العمال وحدهم، كمصالح نقابية ومهنية قبل أي نوع من أنواع الانغلاق وتوريط الحركة العمالية ونقاباتها على أساس من التشرذم والادلجة العمياء والحزبية الضيقة، التي تقود في نهاية المطاف إلى الانقسامات والصراعات الداخلية بين العمال، وتؤثر على وحدتهم ومصالحهم وحركتهم النقابية والعمالية دون غيرها.
 محاولة الحركة النقابية تخطي حسابات الجمعيات السياسية وصراعاتها وخلافاتها السياسية والفكرية، مهما كان لون هذه الجمعية أو تلك، يسارية، دينية أو قومية، فما يهم الحركة العمالية هو تحقيق برنامجها النقابي وأهدافها وشروطها المهنية العادلة، والعمل على تحسين ظروفها المعيشية والنظر إلى حركتها ومستقبلها، بعد تأسيس وخلق مناخ صحي مشترك للحركة النقابية في البحرين، والتعلم من تجربة الماضي، سواء تلك التي كانت شبه علنية في فترة السبعينات أو السرية طوال عمرها وعملها الصعب المحاصر.
ما يستوقفنا هنا الحالة المستعصية والممكن حلها فيما لو جلست كل الأطراف النقابية لمناقشة “ظاهرة التعددية النقابية” كظاهرة جديدة في البحرين، بطرح عدة تساؤلات هل تقبلها بالمطلق أم ترفضها بالمطلق أم تناقشها كحقيقة متداولة، بعد أن اقرها بعض من نواب المجلس، ويرفضها ويتحفظ عليها بعض نواب الشورى، وهي بانتظار موافقة عاهل البلاد عليها. لهذا على الحركة العمالية والنقابية التحرك بأقصى ما يمكن لمعالجة هذا الوضع التاريخي الدقيق لوضع الطبقة العاملة في البحرين إزاء المسألة النقابية، شريطة أن تترك لنفسها مساحة من الحرية بان تتحاور باستقلالية نسبية عن هيمنة الجمعيات السياسية، وان كان هذا الموضوع من الصعب التملص منه أو التحرر من هيمنته المطلقة.
 وبهذا يقع على عاتق النقابيين التأكيد لقيادات الجمعيات السياسية بأهمية اللحظة الراهنة، والمصالح الحيوية للحركة العمالية والنقابية البحرينية بضرورة رصّ صفوفها، خاصة وان الحركة العمالية في البحرين تخرج للعلن بتجربة مريرة مختلفة بعملها تحت ضوء الشمس، مشدودة بعوامل تاريخية وسياسية عدة، فمستويات الوعي العمالي متعددة، والتكوين الثقافي لها مختلف، يؤثر على هضمها وإدراكها لمعنى العمل النقابي والمصالح العمالية، التي ينبغي وضعها في مقدمة كل المصالح، وهي فوق جميع الاعتبارات الطائفية والعرقية والمذهبية والانتماءات الحزبية والسياسية.
 فمن يصوتون للانتخابات النيابية من العمال هم أكثر حرية في خياراتهم وانتماءاتهم السياسية، غير أنهم يجدون أنفسهم محاصرين ومشوشين في معرفة معنى خياراتهم النقابية، التي من الضروري أن توحدها فلسفة واحدة هي مصالحهم المشتركة داخل المؤسسة الواحدة من جهة، ومصالحهم الواحدة في الحركة النقابية اجمعها، والتي تتمحور في برنامج نقابي محدد المعالم، حتى وان باتت الحركة العمالية بين شقي الرحى وقائمة على خيار حر للتعددية النقابية بحجج واهية لا تنسجم من الناحية التاريخية الحرجة للتوجه بتشكيل عدة نقابات في المؤسسة الواحدة، في بنية اجتماعية وعيها لا يزال يعيش تحت مؤثرات ثقافية طائفية وقبلية وغيرها.
 ما ينبغي فهمه هو أيهما أكثر تناسبا وفعالية للطبقة العاملة وحركتها النقابية في واقعنا الحالي؟ إذ ليست البحرين بتركيبتها وتعدادها نموذجا ،عليه احتذاء مجتمع أمريكي رأسمالي متطور، كان يرى في التعددية فرصة للتفتيت على أساس رأسمالي صناعي، وليس على أساس حزبي مذهبي، في واقع يتشكل لتوه كواقعنا، ويحاول أن يجد مخارج ونماذج تعبر عن وحدة الشعب، ولن تكون تلك الوحدة إلا في تعبيراتها النقابية.
من يسعون للضرب والتأكيد على التعددية، نهمس إليهم إنكم تغرزون المسمار الطائفي مرة أخرى في جسد الشعب، ولكن هذه المرة في أهم مفصل من مفاصله، وهي قواه الإنتاجية. من ينادون بهذه الروح التقسيمية في الحركة العمالية، عليهم أن يقبلوا بأن يكون أول أيار إجازة للنقابات اليسارية، وتعبيرا عن من الذي من حقه الإجازة السنوية؟
 
صحيفة الأيام

 3 فبراير2008

اقرأ المزيد

مخصص ال”40″مليون دبنار


 قضية ساخنة





مخصص ال “40” مليون دينار !!!


تفتق ذهن الحكومة عن فكرة تخصيص مبلغ 40 مليون دينار قيل انه لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، ووضع الحلول الآنية والمستقبلية لمشكلة غلاء الأسعار.
أما ذهن المجلس النيابي الذي تلقف هذا المبلغ للتقرير بشأن كيفية إنفاقه وتوزيعه، فقد “إحتاس”  ووقع في “حيص بيص” بيزنطي لم يثمر سوى تصريحات ساذجة، أفصحها وأشهرها ما أعلنه أكثر من نائب باستعراض “بطولي” من إن المبلغ سوف يوزع على المواطنين بواقع 50 دينار لكل أسرة بحرينية، وزادت على ذلك النائبة لطيفة القعود بحصر توزيع المبلغ على الأسر المحتاجة التي يجب عليها أن تتقدم بطلب تثبت فيه استحقاقها لمبلغ الخمسين دينار.
أي إن نواب الشعب الذين يقررون لأنفسهم المكافآت ومخصصات التقاعد المجزية، يعاملون الشعب على إنهم مجموعة ” طراروة” لا بد من معاملتهم على هذا الأساس كما تعامل ألاف الأسر المحتاجة التي تقف في طوابير شهريا لتتلقى معونة الشئون الاجتماعية.
 
الآن نحتاج إلى تعليقاتكم واقتراحاتكم حول صرف مبلغ إل ” 40 ” مليون دينار و إليكم ما تم  اقتراحه بشأن هذا المبلغ: 
 
أولا:      إنشاء شركة مساهمة برأس مال مصرح به قيمته مائة مليون دينار ورأسمال مدفوع قيمته 40 مليون دينار يكون حملة أسهمها هم الأسر البحرينية جمعاء من دون تفريق ساذج.
ثانيا:      أن تختص هذه الشركة بالاستثمار في المجال العقاري كشركة رديف لشركة ممتلكات العقارية الحكومية بحيث تستفيد الشركة الجديدة من عقود التعهيد(Outsourcing)  في تشيد مساكن بسيطة للمواطنين مع استثمار جزء آخر في محفظة استثمارية متنوعة،  توزيعا للمخاطر وتحقيقا لأفضل عائد على رأس المال متوفر في السوق في حينها.
ثالثا:       يتم توزيع عوائد الأسهم (Dividends) على العوائل البحرينية سنويا بحسب صافي الربح المحرز.
 

اقرأ المزيد

علاوة الغلاء

يبدو إن المواطن على حق حينما شبه الـ “40” مليون دينار التي خصصتها الحكومة لمواجهة غلاء الأسعار “بيض الصعو” الذي تسمع عنه ولا تراه أو تلمسه،  لان صرف هذه “العلاوة” طالت وطولت والمواطن البائس يحترق من الأسعار ومن الوعود، وكذلك من النواب الذين زاد نشاطهم وتضاعف في المجالس الأهلية وفي الديوانيات بشكل غير عادي أملا في تحسين الصور رغبة في تعويض ما فات، ولكنهم نسوا أو تناسوا إن الأربعين مليون دينار كانت مفاجئة لهم عندما التقوا بالحكومة مع إن المماطلة والتلكؤ في صرف مخصصات الدعم مسألة يجب إن تحسم بين النواب واللجنة الوزارية فان من المهم هنا مساندة مقترح النواب المعني بدعم كل الأسر البحرينية التي لا يتجاوز دخل رب الأسرة فيها عن “1500 دينار” بخلاف رأي اللجنة الوزارية التي تصر على احتساب “50دينار” للأسر المحتاجة فقط ، كأن اغلب الأسر البحرينية لا تعاني من تكاليف الحياة المعيشية الباهظة والمرهقة!!
وفي هذا الجانب هناك ما يلفت النظر ألا وهو إن جهاز الحكومة للمعلومات يفتقد إلى المعلومات الدقيقة عن عدد ومستوى دخل هذه الأسر وهذا بحد ذاته مشكلة يترتب عليها تعقيدات ربما تعيق صرف هذه “العلاوة” ولا ندري ماذا سيفعل هذا الجهاز فيما لو طلب منه توفير الإحصائيات الدقيقة من بحوث ودراسات لها علاقة بالتخطيط الاقتصادي والاجتماعي والتنموي!!
على أية حال إن عدم توافق النواب مع اللجنة الوزارية بشأن تحديد آلية صرف العلاوة.. يعني في النهاية إن المواطن سوف يدفع ثمن هذه المماطلة وهذا التأخير وبالتالي على الجهتين أن تفكرا في حلول سريعة لعلها تنقذ ما يمكن إنقاذه لان الأوضاع المعيشية لا تحتمل ولا الانتظار يحتمل، وصرف هذا الدعم يتأخر شهرا بعد شهر.
 والذي لا يطاق ولا يحتمل أكثر أن ينسب بعض نواب الإسلام السياسي الـ ”40 ” مليون لانجازاتهم!! وبالطبع هذا الادعاء لا ينطلي على المواطن الذي يدرك جيدا مثل هذه المزايدات والادعاءات!!
صحيح إن الحكومة قد أقرت هذا المبلغ بشكل فوري مما فاق تصور النواب والأكثر من ذلك اختطفت الأضواء عنهم ولكن هل هذا المبلغ كاف ليغطي جميع الأسر البحرينية المستحقة؟
ولو افترضنا إن هذه المشكلة قد تم تسويتها وبالطبع هذا هو المهم على الأقل في الفترة الحالية، ولكن ماذا عن علاج ظاهرة غلاء الأسعار في المدى البعيد؟  ما هي الإستراتيجية الوطنية التي يجب أن تعد على صعيد الحكومة والنواب والشورى مع العلم إن الأخير كان بعض أعضائه في حالة تردد أو هروب من عضوية لجنة “الغلاء” التي شكلت متأخرة بحجة أنهم ليسوا من ذوي الاختصاص!!
إن غلاء الأسعار ظاهرة شأنها شأن الفقر أو الظواهر الأخرى التي تحتاج إلى استراتيجيات وطنية واضحة، ومن هنا نعتقد أن النائبة “القعود” قد لامست الجرح فيما طالبت أن لا يقتصر الدعم على صرف “علاوة الغلاء” خلال “12” شهرا فقط بل يستمر طالما وجد التضخم لان وحسب اعتقادها لا توجد بوادر ولا إشارات بان التضخم سينخفض، وبالتالي من المهم توسيع مفهوم الأسرة ليشمل اكبر عدد من المواطنين.
اذاً من المهم أن نتعامل مع الغلاء أو أية أزمة اقتصادية أو اجتماعية بجدية وشفافية وأن نبحث ليس عن الجذور والأسباب فحسب وإنما أيضا عن الحلول القريبة والبعيدة، ودعونا من الوعود والمسكنات المؤقتة وتصريحات بعض النواب التي لا تخلو من مزايدات وتلميع الصور!!
 
صحيفة الأيام

2 فبراير 2008

اقرأ المزيد

أين إنسانية الديمقراطية الغربية من خنق‮ ‬غزة؟

حسناً فعلت السلطات المصرية عندما هي سمحت عملياً للجموع الغفيرة من المحاصرين الفلسطينيين إسرائيلياً باجتياز معبر رفح الحدودي الفلسطيني المصري للدخول إلى الجانب المصري من الحدود للتزود بحاجاتهم من الغذاء والدواء والوقود.
وحسناً فعل الرئيس المصري حسني مبارك عندما أعلن أنه أمر شخصياً قوات الأمن المصرية المرابطة على الجانب المصري من الحدود وتحديداً في موقع معبر مدينة رفح الفلسطينية، بعدم التعرض للفلسطينيين العابرين عبر منفذ رفح باتجاه الأراضي المصرية من دون الاعتبار للاتفاق الثلاثي الفلسطيني الإسرائيلي الأوروبي الخاص بالإشراف على معبر رفح الحدودي. فلقد كان موفقاً إلى أبعد الحدود عندما عبر عن مشاعر كل العرب وكل الضمائر الإنسانية بالقول إن مصر لن تسمح بتجويع سكان غزة.
فالوضع الإنساني الكارثي الذي أوقعت إسرائيل سكان قطاع غزة فيه لا يمكن أن تصمد أمامه مثل تلك الترتيبات الأمنية الصلبة والصارمة الخالصة المصالح الإقليمية والدولية والمجردة من أي مبعث إنساني.
ناهيك عن أن هذه الترتيبات الأمنية والتفاهمات السياسية التي تحاكي المصالح أولاً والعنصر البشري ثانياً والبعد الإنساني عاشراً، تقع على تضاد مع قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني الذي تشكل اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولات الثلاثة المضافة إليها في عام 1977 ، صلب موضوعه واستهدافاته التي تعكسها مجموعة قواعده الحامية في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة للذين لا يشاركون في القتال (من المدنيين والأطباء وعمال الإغاثة والأشخاص الذين لم يعودوا قادرين على المشاركة فيه، كالجرحى والمرضى والجنود الغرقى وأسرى الحرب).
ومعلوم أن المؤسسة القائمة على حماية ودعم القانون الدولي الإنساني هي اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تعمل بشكل فعلي في أكثر من 50 دولة بعدد من العاملين يصل إلى حوالي 9000 ، وهو، أي الصليب الأحمر الدولي، يعتبر منظمة ذات صلاحية قانون دولي جزئية، تأسست كاتحاد تابع للقانون السويسري ومقرها جنيف.
وتنص الاتفاقيات والبروتوكولات سالفة الذكر بوضوح على الاعتراف بحق اللجنة الدولية للصليب الأحمر في توسيع نشاطات بعينها مثل تقديم المساعدة للجرحى والجنود المرضى وضحايا غرق السفينة،  وزيارة أسرى الحرب وتقديم المساعدة للأشخاص المدنيين.
وقد قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالفعل بتوجيه رسالة تحذيرية للمجتمع الدولي مفادها أن غزة تتجه نحو الكارثة الإنسانية وأن بناها التحتية تنهار، بفعل الحصار الإسرائيلي.
ومع ذلك فقد كانت تلك الرسالة التحذيرية مجرد صرخة في وادٍ قفر ليس لخفوت صوتها وإنما لأن الجميع كانوا قد صموا آذانهم كي لا يسمعوا أنين الأمهات والأطفال والشيوخ المرضى والجوعى. لا بل إن الأمر لم ينته عند هذا الحد من تكلس المشاعر وخيانة الضمير الإنساني، وإنما تعداه إلى ما هو أدهى وأمر. فرئيس الدولة العظمى في العالم جورج دبليو بوش يعلن عن قلقه من السماح للفلسطينيين الجوعى والمخنوقين منذ يونيه من العام الماضي بعبور الحدود إلى مصر للتزود بحاجياتهم من الغذاء والدواء. ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تناشد السلطات المصرية كي تتحرك للسيطرة على معبر رفح، أي لإبقاء سكان غزة البالغ عددهم مليون ونصف المليون نسمة تحت الحصار والضغط المادي والنفسي والمعنوي.
هذا الكلام لا يبتعد كثيراً عن تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت الذي قال فيه صراحةً بأن حكومته لن تدع سكان غزة يعيشون حياتهم الطبيعية. وهو ما تنفذه إسرائيل على الأرض، حيث أغلقت كافة المعابر المؤدية من وإلى القطاع وقطعت عن سكانه إمدادات الوقود اللازمة لتشغيل محطة الكهرباء الوحيدة وتزويد قطاع النقل، وفي ذات الوقت تقوم بشن غارات يومية بالطائرات والصواريخ والمدفعية والتوغلات من أجل حصد أكبر عدد من الأرواح سواء من نشطاء حماس والجهاد وفتح أو المدنيين، بمعنى أن ما تنفذه إسرائيل من سياسة عقوبات جماعية وإبادة تدريجية، ومنظمة، لسكان قطاع غزة، يحظى بمباركة الإدارة الأمريكية!
 ماذا يسمى هذا؟
هل نحن فعلاً في القرن الحادي والعشرين أم أننا قطعنا رحلة سفر عبر الزمن ارتدادية نحو عصر الهمجية الأولى؟
أوليس هذا الغرب الأمريكي والأوروبي الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لمجرد صدور تصريح أو تلميح هنا أو هناك بأن إمدادات البترول إلى الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلي بصورة عمياء وسافرة ستتأثر ما لم تكف هذه البلدان عن إيذاء العرب وتهديد مستقبلهم، هو نفسه الذي يصمت تواطؤا على قطع إسرائيل لإمدادات الوقود عن سكان قطاع غزة، وهي، أي إسرائيل – ويا للمفارقة – التي تتزود بصورة منتظمة بالغاز المصري لتشغيل محطاتها الكهربائية وصناعاتها؟
تتحجج إسرائيل في حربها المفتوحة عسكرياً واقتصادياً ضد قطاع غزة بانطلاق الصواريخ منها لاستهداف مستعمرة سيدروت الإسرائيلية. ومع أن هذه الحجة لا تصمد أمام بدائية هذه الصواريخ وانعدام فاعليتها العسكرية إزاء الترسانة الحربية الإسرائيلية المسخرة في الحرب ضد القطاع وسكانه، فماذا تعلل إسرائيل حربها ‘الجوالة’ ضد مدينة نابلس وبعض مناطق الضفة الغربية؟
فلا صواريخ تنطلق منها ولا عمليات عسكرية تشن منها، بل على العكس، فقد بادرت القوى الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية لإحكام سيطرتها على المدينة وحظرت المظاهر المسلحة فيها.
بعد كل هذا الذي جرى في غزة وعلى مرأى ومسمع العالم كله، نتساءل:
 هل يمكن أن يتخلق وضع في أي مكان في العالم بهذا المستوى وهذا السطوع من الجرائم الفظيعة المرتكبة ضد مليون ونصف المليون إنسان هم أصلاً ضحايا احتلال عنصري فشل العالم كله على مدى أكثر من نصف قرن في وضع حد له وإنهاء معاناة شعب بأكمله من سوء طالعه أنه ابتلى بطغمة استعمارية هي أكثر الاوليغارشيات نفوذا وتدليلاً لدى دهاقنة الرأسمالية العالمية وخزين إيديولوجيتها الاستغلالية البشعة؟
مع ذلك لا تخجل واشنطن على الإطلاق من الوقوف وحيدة في الميدان، ميدان مجلس الأمن الدولي، لتقارع وتصول وتجول دفاعاً مستميتاً عن جريمة خنق غزة جماعياً على أيدي العصابة الصهيونية الغاصبة، والحيلولة دون صدور قرار هزيل يناشدها بالرفق بضحيتها!
علي أية حال، ليس هذا ما شغل ويشغل بال الكثيرين في العالم العربي وهم يتابعون مسلسل الغارات والقتل اليومي والحصار التجويعي المرعب في غزة. إنما الذي كان شاغلهم الرئيسي هو الموقف الرسمي العربي من الجريمة. فأين هو الإبداع والتجلي الذين يفترض أن يميز الدبلوماسية العربية، بمدارسها العريقة المختلفة، من قضية إنسانية رابحة بكل المقاييس لدرجة أن الاونوروا لم تتردد في وصف جريمة تجويع وخنق غزة بالعمل البربري؟
لماذا لم يسارع النظام الرسمي العربي لرفع دعوى قضائية في محكمة لاهاي الدولية ضد ما تقترفه إسرائيل بحق سكان غزة باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، على أن تواكبها حملة إعلامية منظمة، بالصوت والصورة، في أجهزة الميديا الغربية لإبراز الجوانب الإنسانية في المأساة وتعرية إسرائيل أخلاقياً أمام الرأي العام الدولي؟
هو سؤال سيظل يبحث عن إجابة إلى أن يستفيق ويستقيم حال النظام الرسمي العربي.
 
صحيفة الوطن

2 فبراير 2008

اقرأ المزيد

يا ليتنا كنا معهم

لفت انتباهي قبل فترة وجيزة في إحدى الصحف المحلية خبر مؤطر يلفت النظر مفاده بأن حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قرر خلال جولة تفقدية في بعض الإمارات إنشاء ( 40 ألف فيلا) للمحتاجين و إعدادها للسكن و أمر بتخصيص ميزانية ذلك المشروع ( 4 مليارات دولار) ” يعني بالبحريني 1512000000 دينار “. ودعا إلى أن يتم الانتهاء وعلى وجه السرعة من جميع الفلل وإعدادها للسكن في مدة لا تتجاوز 4 سنوات.  في نفس اليوم وقعت عيني على إحدى الصحف المحلية الأخرى تبشر المواطنين بأن الحكومة تعتزم البدء في مشروع لإنشاء 100 ألف (( وحدة سكنية)) خلال 25 سنة (( ربع قرن)). الفرق بين الفلل الإماراتية و الوحدات السكنية البحرينية في كمها 60 ألف وفي فترتها الزمنية 21 سنة !!! أي أن الإمارات إن شاءت سوف تنتهي من بناء 100 ألف فيلا  في مدة أقصاها 10 سنوات،و الكل يعرف مفهوم “الفيلا” عند الإماراتيين وهي تختلف اختلافا كليا، و تكاد أن تكونا مفردتين مختلفتين عن ” الفيلا البحرينية. لإخواننا الإماراتيين الهناء و البركة في فللهم، لست بحقود ولا بحاسد لما هم عليه من عز، وبلادي وإن جارت علي عزيزة، لكل دولة خصوصيتها وإمكانياتها ولن أخادع نفسي فإمكانيات إمارة “دبي” تفوق بكثير “مملكة البحرين” ولكن حال المواطن المعدم لا يطلب الفلل المفروشة  و السيارات الألمانية الفاخرة ولا يطلب المستحيل. رفع مستوى المعيشة لكل المواطنين ليس حلما ورديا صعب المنال, فكيف لمواطن أن يحب بلده وهو يشيح وجهه متعمداً كل مساء عن أطفاله حتى لا يلمح غرق أعينهم في بحر من دموع؟ هو واقع شئنا أم أبينا، ولا أحد يستطيع نكران ذلك لأنها ليست محصورة في محافظة دون أخرى أو على مجموعة من الناس. الفقر لا يعرف هوية و يخرق الجيوب الواهنة دون رحمة. قبل أن ننادي بالمواطنة يجب أن تملئ بطون من تتنادون فيهم بواجب المواطنة إلى ذلك نقول ” ناموا جياع الشعب نامي، حرستك آلهة الطعام”. 
 
خاص بالتقدمي

اقرأ المزيد

الهــم الـوطنـي

عندما نتفحص المشهد العام خلال الأيام الماضية فإننا سنحصد شعوراً بالحزن والأسى، ٣ محطات تحديداً، نتوقف عندها وأرجو أن لا نلام إذا اجتهدنا واعتقدنا بأنه سيكون من سوء الحظ، أو لسوء التفكير، وقصر النظر إذا لم نستخلص من غير مبالغة بأن ثمة قاسما مشتركا يجمع فيما بينها.
المحطة الأولى عن رحيل نموذج فريد من رجالات البحرين.
والمحطة الثانية فهي عن مؤتمر الحوار الوطني المقبل. كيف يأخذ مداه ويستقيم مبناه، ويرتفع معناه.
أما المحطة الثالثة فهي عن التجليات الأخيرة لفريق من النواب ذات طابع كاريكاتوري، أخطر ما فيها أنها باعثة على حالة من الاحتقان والتأزيم  وإثارة النعرات الطائفية.
بالنسبة للمحطة الأولى، فإننا من خلالها نتحدث عن علي بن يوسف فخرو، فهو شخصية متميزة لا مراء، ولأن كلمات الإنصاف أخذت تترامى في حقه منذ وفاته قبل أيام وحتى الآن، فإنه قد يكفيني من أمر هذا الرجل الفذ أن أشير إلى بعض الملامح التي لمستها عن قرب حينما كان رئيساً للغرفة التجارية على مدى سنوات.
الرجل لم يكن من المحترفين بالمتاجرة بأوجاع الوطن، ولذا كان يتمتع بقدرة عالية على الصراحة والجرأة مع كبار المسئولين وصناع القرار، لم يتوان عن مصارحتهم بما كان يؤمن به، ووصلت هذه الصراحة في بعض الأحيان إلى ما اعتبره البعض بأنه مس خطوطاً حمراء، ورغم ذلك كان هؤلاء يكنون له الاحترام والتقدير، سمعته يقول ذات مرة: أنا من النوع الذي لا يخاف.. العمر واحد والرب واحد، كان من المهمومين بالوطن.
في حديث لي معه ذات مرة عن أوضاع البلاد، أذكره في دلالة لها معنى أنه قال: العاقل، المتنور، الفاهم لا يمكن أن يضحك عليه لا باسم السياسة ولا باسم الدين ولا باسم الطائفية، كان لا يصادر اعتراض معترض، ولا يضيق بمجادل، ولا يخشى رأي مخالف.
هو رجل لم يصبح تاجرًا كبيرًا، بل شيخ تجار البحرين كما يصفه كثيرون، لأنه لم يحصل على العطايا والهدايا والمناصب، ولم يصبح وجيهاً من كبار الوجهاء من الفراغ، أو لأن هناك من أراد أن يفرضه علينا وجيهاً كما هو حال كثيرين ممن يعدون أنفسهم وجهاء، بل لأنه كان يدرك ويعي ويكرر بأن الوجاهة نعمة من الله، والوجاهة مسؤولية إذا لم تسخّر هذه الوجاهة لخدمة الناس والمجتمع فلا قيمة لها، ولا قيمة لمن يحملها.
بهذا المعنى، وبهذه القناعة لم يتوان الرجل في أن يمد يده لمساعدة كل محتاج، سعى إلى خدمتهم، يزور مجالس عزائهم وأفراحهم، حتى مع تقدم عمره ومعه تلك العصا التي يتكئ عليها، كان يزور القرى والمدن، كان يشعر براحة عندما يزور مواطناً بسيطاً يقدم له واجب العزاء أو التهنئة في فرح، وكان يتعامل بأبوية مع الجميع، كان يتمنى لو يرى “بنكين أو ثلاثة من بنوكنا الوطنية” تندمج لتنتج كياناً ومصرفاً “جامبو” لأن رؤيته في أن ذلك مصلحة وطنية قبل أن تكون مصلحة كبار المساهمين.
كان ينتقد توجهات العولمة، ويحذر من تبعاتها، فاجأ الجميع وهو يلقي كلمة في إحدى المناسبات بأن خرج عن سياق النص المكتوب الذي يشير إلى تحديات العولمة، وقال: “يقولون لنا إن هناك مخاطر للعولمة، بل هي الملعنة وعليكم أن تأخذوا حذركم من هذه الملعنة”.
فوجئ بعد ختام كلمته بان قام عدد من الحضور اهتموا بإشارته العارضة تلك ليشاركوه الوصف، ويقدموا له التهنئة على هذه التسمية الجديدة الواضحة الدلالة للعولمة.
عندما تبنى فكرة احتفال الغرفة بمرور 50 عاماً على تأسيسها في ديسمبر 1989 والتي كانت من المناسبات المتميزة للغرفة، ودعم هذه الفكرة واجتمعنا معه عدة مرات ناقش معنا كل صغيرة وكبيرة.
كان حريصاً بأن يرتقي بقيمة الفكرة والهدف.. حيث كانت دوافعه من هذا الاحتفال فقط، أن يسلط الضوء على واقع حال الغرفة، وأنه في رحاب هذه الذكرى كان لا يريد فقط الاعتراف بجهود من كانت لهم بصمات في سجل هذه المؤسسة كمؤسسة وطنية إنمائية، وإنما أيضاً يرى في الاحتفال صورة تعبير وفاء وتكريم عرفاناً بالفضل لأهل الفضل من الرواد والأوائل الذين قامت الغرفة بجهودهم وإخلاصهم وأفكارهم، وكذلك الذين تابعوا مسيرتها وأغنوها بجهدهم وتعاونهم.
كان صاحب مواقف واضحة وجريئة وداعماً للثوابت، وداعياً إلى الشفافية في أمور الدولة. كان رافضاً إقحام الوطن في دهاليز سياسة المصالح، وكان يذهب خلاف ما هو في قناعة البعض في هذه المسائل، كان يرفض الطائفية ويمقتها، ويرى بأن الوحدة الوطنية صمام أمان للبلاد والعباد، قال ذات مرة وهو يسترجع بذاكرته إلى الوراء: “زمان ما كان عندنا هالشيء”.
فعلاً كان نموذجاً فريدًا تستحق مسيرته أن توثق.
أما المحطة الثانية فهي عن الحوار الوطني الذي تستعد الجمعيات السياسية لإقامته في 15 مارس المقبل. أهم ما ينبغي الانتباه إليه بشأن مؤتمر الحوار الوطني المقبل إلا يكون محصورًا داخل النخبة من قيادات الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
ولكي ينجح هذا الحوار ويأخذ مداه الحقيقي فإنه يتعين علينا أن نتلافى الأفخاخ التي يريد أن يزرعها البعض في طريقنا ليس فقط بالتسليم بالقدر الحاصل في واقعنا، وإنما أيضاً بملامسة بؤر التفجير وزرع بذور الفتنة والانقسام وتأجيج النفس الطائفي والمذهبي.
نتلافى هذه الافخاخ، ونخلص الحوار من أي سلبيات قد تشوبه، وفي سبيل أن يحظى الحوار بالأهمية التي يستحقها بما يحصن البلاد بنسيج الوحدة الوطنية على قاعدة الحوار والتفاعل وإعطاء الأولوية للإنسان أولاً وقبل كل شيء؛ فإنه من الواجب والمصلحة والحصافة أن نتنبه إلى وجوب غلبة النوايا الحسنة وحسن الظن، وبجدوى الحوار الوطني والإيمان بدوافعه وأهدافه لكي يستطيع أن يؤدي غرضه ويصل إلى غاياته، وضرورة الابتعاد عن الآفاق الحوارية التي لطالما انتابت كثيرا من الحوارات في سائر البلاد العربية، وما زالت تعيق تطور الحوار الحقيقي وتعطل مضامينه وتعرقل تحقيق أهدافه، ولعل من ضمنها تلك الخطب الرنانة والآراء التي تتسم بالقولبة الجامدة، والأفكار والآراء التصادمية الممجوجة والمستهلكة، المسموعة والمرئية والمقروءة في كل الوسائل.  إن هدفنا من الحوار يجب أن ينصب إلى جعل كل بوادر الفرقة والانقسام مستحيلة.
أما المحطة الثالثة فنوجزها في تساؤل، إلى أين يأخذنا بعض النواب الذين دأبوا على إثارة كل ما يبث سموم الفرقة والنعرات الطائفية والمذهبية. ليس مستساغاً من أي نائب الحديث عن الشعارات والعناوين البراقة عن الوطن ومصلحة الوطن والوحدة الوطنية، بينما هم يضربون بمواقفهم وأطروحاتهم الوحدة الوطنية في الصميم، ينتجون الفرقة ويكرسون الانقسام عن علم أو غير علم، عن قصد أو غير قصد.. فرحمة بنا وبالوطن يا جماعة.

صحيفة الأيام
1 فبراير 2008

اقرأ المزيد