ما إن أنهى الرئيس الأمريكي جورج بوش جولته الأخيرة بعدد من بلدان المشرق العربي و”إسرائيل” والتي واجه خلالها عاصفة من الاحتجاجات الشعبية العربية بسبب سياسات إدارته المؤيدة والداعمة بقوة لإسرائيل والمعادية لمصالح الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعبان الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي والعراقي الواقع تحت الاحتلال الأمريكي، حتى قام بوش بجولة مماثلة لبلدان القارة السوداء “أفريقيا” التي طالما عانت طويلا من استعباد أبنائها على أيدي أجداده من البيض الأمريكيين، كما عانت ومازالت تعاني من النهب المنهجي المنظم لخيراتها وثرواتها الطبيعية على أيدي المستعمرين الأوروبيين القدامى الكولونياليين قبل استقلال البلدان الإفريقية، ثم على أيدي المستعمرين الجدد وبضمنهم الأمريكيون. ومثلما كان أحد الأهداف الرئيسية من زيارة بوش الأخيرة للمنطقة الضغط على دولها لتشديد الحصار والعزلة على سوريا وايران. فقد كان احد الأهداف الرئيسية من زيارة بوش للبلدان الخمس الإفريقية التي زارها (بنين، وتنزانيا، وغانا، ورواندا، وليبيريا) مواجهة نجاح التجارة والاستثمارات الصينية المتعاظمة في أفريقيا. وكان مؤلما حقا أن دولة بنين التي كانت إحدى الدول المستقلة المعروفة بنظامها الوطني المعادي للسياسات الأمريكية هي محطته الأولى، كما مما لا يخلو من مغزى ومفارقة ساخرة معاً أن تأتي جولة بوش لأفريقيا بعد فترة قصيرة من اعتراف عدد من الولايات الأمريكية بجريمتها بحق الأفارقة السود واعتذارها عن استعبادهم طوال حقبة طويلة. في حين إن زيارته لإفريقيا ليست في واقع الحال سوى شكل من أشكال محاولة النهب الجديد المخاتل لثروات بلدان القارة السوداء. ومع إن بوش حاول أن يغطي على الأهداف الحقيقية لزيارته بادعاءاته الزائفة الجوفاء بأن بلاده مهتمة بمشاكل ومآسي القارة الإفريقية، وان للولايات المتحدة التزاما أخلاقيا ومصلحة أمن أساسية في مساعدة أفريقيا كي تتغلب على الأمراض والفاقة وعدم الاستقرار، وان أمريكا ليس هدفها استغلال موارد أفريقيا بل شراءها وتنميتها، إلا إن من الثابت بكل وضوح أن عين بوش إنما كانت مركزة أساسا على نفط أفريقيا وأسواقها، وذلك بغرض إيجاد مرتكزات للمصالح الإستراتيجية العسكرية في القارة الإفريقية، ومحاصرة تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وعدد كبير من دول القارة، ولن يغير من هذه الأهداف المبطنة قيامه بزيارة المستشفيات لعلاج الإيدز والملاريا في تنزانيا وتوقيعه هناك أكبر قرض من خلال مؤسسته التي أطلق عليها “تحدي الألفية” بقيمة 698 مليون دولار لتمويل بنية تحتية في مجالي المياه والطاقة. وعلى الرغم من الانحسار الحالي الذي تشهده حركات التحرر الوطني الإفريقية والوهن الذي تعاني منه قوى اليسار والديمقراطية الإفريقية بالتوازي مع اختلال ميزان القوى العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة “الاشتراكية” لصالح الولايات المتحدة لتتفرد بهيمنتها على الساحة الدولية، فإن الشعوب الأفريقية وقوى الخير والحرية والسلام فيها هم من الاتساع بما لا يمكن لبوش استغفال هذه الدول بمخططات ومشاريع إدارته الماكرة ذات الأهداف الاستغلالية.. فليس غريباً والحال كذلك أن تندلع الاحتجاجات والتظاهرات العارمة ضد الرئيس بوش في البلدان الإفريقية التي حط فيها رحاله. ولعل أقوى الشعارات والهتافات المنددة بزيارته جاءت بلغة بسيطة ومعبرة “بوش لص النفط” حينما حل “ضيفا” غير مرغوب فيه بتنزانيا. وكم كان هذا الشعار يليق بأن يرفع في وجهه أثناء زيارته لبلداننا الخليجية قبيل قيامه بالجولة الإفريقية.. فالنفط يبقى في مقدمة الأهداف الرئيسية لجولتي بوش لمنطقة الشرق الأوسط وللقارة الإفريقية.
صحيفة أخبار الخليج
26 فبراير 2008