وُلدت فكرة تنظيم وإدارة المجتمعات بواسطة آليات مبتكرة (بفتح التاء) ليست الديمقراطية سوى شكلها الأعلى والأرقى - في القرن السادس قبل الميلاد في مجتمع أثينا على أيدي حكماء وفلاسفة عظام لعل أبرزهم على الإطلاق أفلاطون وأرسطو. وقد عرف هذا ‘الابتكار’ التنظيمي الإداري الكلي، فيما بعد، طريقه إلى التطبيق بأشكال شتى على مر التاريخ والحقب، وذلك تبعاً لمستوى التطور المحرز في كل مجتمع من مجتمعات هذا العالم المنكمش مساحةً بفضل ثورات العلم والتكنولوجيا.
وهذه الوسيلة التي اهتدى اليها عقل الإنسان الحضري (بدءاً من مدينة أثينا الحضرية الراقية وليس من إسبارطة الفلاحية المتخلفة)، كوسيلة مناسبة لإعادة توزيع المداخيل والثروات، ولو بشيء من العدالة الاجتماعية والإنصاف، تطلب تطبيقها على أرض الواقع اجتياز دروب آلام وعرة مضرجة بالدماء والدموع والنكبات والحسرات، قبل ان تستقر على ما هي عليه اليوم في المجتمعات بالغة النضوج والتكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الداخلي، وأيضا قبل ان يجري تصديرها واستنساخ ‘موديلاتها’ في بقاع العالم المختلفة، بنسب توفيق ونجاح متباينة، وذلك تبعاً ‘لإملاءات’ الظروف الموضوعية ومدى جدية وحصافة أسلوب ‘النقل والتوطين’.
فكانت الحصيلة خبرات عالمية متراكمة وزاخرة بكل أنواع التجريب والتطوير، جنباً إلى جنب مع التحايل و’التلويص’، والتطبيق الرشيد والآخر المفرط في الحذر والتوجس. ولكنها في نهاية المطاف حصيلة رائعة بكل المقاييس، فقد أسهمت هذه الآلية الإدارية الحداثية في نقل المجتمع الإنساني من حالة التوحش والصراعات الضارية وأنماط الحياة الموحشة والعلاقات البشرية المتربصة والمريبة، إلى الحالة الحضرية والمتمدنة والمنفتحة التي نحن عليها اليوم.
فكان أن غدت الديمقراطية الآلية المتوجة عالمياً بلا منازع لإدارة المجتمعات وتنظيم شؤونها وشجونها بغض النظر عن كل تفريعات انتماءات أكانت قومية أو عرقية أو دينية أو ثقافية. وكان من الطبيعي أيضاً أن تتمتع هذه الآلية برسوخ متين وقبول مجتمعي عام شبه تام في المجتمعات التي كانت سباقة في الاهتداء إليها وتجريبها وتطبيقها حتى غدت أسلوباً للحياة لا تستقيم نواميس كافة مناحيها بدون مفاعيلها، وصارت جزءاً من تقاليدها. وهو رسوخ تحصَّل بفضل تراكم تجربة وخبرة تطبيقاتها التي تمتد لأكثر من مائتي سنة في البلدان ‘صاحبة الامتياز’ في زراعة بذرتها وتأسيسها تأسيساً مؤسسياً هيكلياً مادياً وثقافةً سائدة وممارسة (بفتح الراء) عبر كافة خطوط المجتمع وخلاياه وفئاته المختلفة.
القصد ينصرف هنا بطبيعة الحال إلى البلدان الغربية الأوروبية والأمريكية الشمالية التي تكاد تكون ‘جزراً معزولة’ بديمقراطيتها التوافقية المجتمعية المستقرة والرائدة.
هي نتاج متراكم لخليط من التجريب المختبر ممارسةً بمؤدى خضوعه للتعديل والتحسين، والتطوير إن استدعى الأمر، قبل أن يبلغ مستواه ‘الناجز’ والناضج. والذي لا شك فيه أن ذلكم التجريب هو الذي أفضى بتلك الدول (دول المركز الديمقراطي - إن جاز التعبير) إلى استلهام الرؤية الافلاطونية والأرسطية (نعم ما قبل الميلادية) البصيرة والثاقبة بشأن التطبيق الأمثل للأوالية الديمقراطية، وذلك بالمزاوجة بين الديمقراطية الشعبية (صناديق الصوت الواحد - لكل مواطن - الاقتراعية) والنخبوية (إنشاء هيئات تمثيلية، برلمانية، من غرفتين، بصلاحيات متقاربة). وهذه الأخيرة، كما نعلم مقاربة أرسطية (نسبة إلى أرسطو) بامتياز. وهي مقاربة تستهدف التغلب على التعسف في استخدام الأداة الديمقراطية والإسفاف في ممارستها.
واليوم ورغم نقل هذه ‘التقنية’ الإدارية الكلية من مواطنها الأصلية وأسواق رواجها إلى خارج الحدود نحو آفاق أرحب، وتعميم تجربتها بأشكال انتقائية ومستويات شتى، إلا أن الديمقراطيات الغربية تظل منفردة بعمق ‘أسواق رواجها’ واستقرارها وانتظام صيرورتها التاريخية. ولكن، وبما أن الديمقراطية الغربية هي الوليد الشرعي للرأسمالية الغربية كنظام اقتصادي اجتماعي قائم على الحرية الاقتصادية والأسواق الوطنية غير المقيدة (Deregulated)، باعتبارها وسيلة التنظيم والتوازن.. تنظيم العلاقة بين جهاز التسيير الكلي (الحكومة) التي يُفترض أن تمثل مصالح كافة المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الطبقية، وبين السوق الخاضع لقوانين الدورات الاقتصادية وقواه المندفعة لحد الجموح أحياناً نحو قطف أينع الثمار وأكثرها وأسرعها، وتوازن علاقات القوى المجتمعية صوناً للاستقرار والسلم الاجتماعي…. وإذ نزعم، اعتقاداً، أن للسياسة دورة (Cycle)، كما للاقتصاد، فإنه يصير من اللامعقول، ولم يسجل تاريخ التطور النهضوي والحضاري العالمي، إن هذا التاريخ يسير في اتجاه واحد صعودي مستقيم.
فلقد بدأت الديمقراطية في الغرب بأشكال تمثيلية متواضعة، سرعان ما تطورت وتمأسست وتشعبت مصادر وأدوات ممارستها، إلى أن وصلت إلى الشكل ‘المثالي’ لإقامة وتنظيم علاقة واعية، حضارية، بين الفرد والمجتمع وبين هذا الأخير والدولة، علاقة يضمن ثباتها واستدامتها نسق متناغم (نسبياً) من الأطر والتقاليد المتراكمة الذاهبة أعرافاً لا يقدح فيها عدم التقنين، والقوانين الخاضعة للتقويم والتصحيح بواسطة أواليات هذا النسق.
ولما كانت الاستدامة ليست كلية أو مطلقة، رغم الحضور الفاعل لآلية التصحيح الداخلية داخل ‘السيستم’ (النظام)، فان ترجيح كفة منطق السوق في عديد الحالات على كفة منطق ‘السيستم’ الذي يمثله جهاز التسيير الكلي وآلية عمله المركزية المتمثلة في الديمقراطية، لابد وأن يجعل الأخيرة تخسر نقاطاً لصالح قوى السوق التي يمثلها طواغيت رأس المال، وإن يعتور الضعف بعض مفاصلها، فتصدر القوانين والتشريعات بوحي من مصالح هذه القوى، محدثة اختلالاً في شروط التوازن والاستقرار والاستدامة.
يحدث ذلك في ظروف تتميز بطغيان فاحش لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وسيطرتهم التامة على مرافق حيوية مثل الإعلام وإمدادات الطاقة والنقل وقطاعات مفتاحية مثل القطاع المالي الذي يعيد انتاج الظاهرة الاوليغارشية، والبيروقراطية الحكومية غير الديمقراطية الموالية لمصالح رأس المال أكثر من تمثيلها وموالاتها لمنطق الدولة التي تدفع مرتباتها ومنطق المصلحة العامة بالإجمال.
وفي ظل هذا الاختلال بين الاواليتين .. أوالية الدولة المستندة إلى أداة حكمها الديمقراطية وأوالية السوق الجامحة بجشع روادها، لاغرو أن تهدر هذه الدولة مبادئها الديمقراطية والحقوقية الإنسانية فتعقد صفقات تسلح وتبرم عقود اقتصادية بمليارات الدولارات مع أنظمة طالما صنفتها كأنظمة دكتاتورية وتعاملت معها على هذا الأساس، وأن تتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان على نحو سافر ومستفز في بلد آخر لقاء التمتع بحظوة وأسبقية الفوز بحصة من عقود التلزيم، وأن يتم التغاضي أيضاً عن حصار شعب بأكمله (غزة مثالاً وحسب) بينما تعاقب قوانين الديمقراطية الأوروبية من يترك كلبه داخل سيارته لوهلة ريثما ينهي معاملة له داخل أحد المصارف.
واقع الحال أن الديمقراطية الغربية قد تعرضت في العقدين الأخيرين لسلسلة من الاختراقات المهمة من جانب مراكز قوى رأس المال المالي، ما أثر سلباً على قدرتها في ممارسة وظيفتها الحقوقية الأصلية، الأمر الذي يُتوقع أن يؤدي إلى تنشيط جبهة العمل النقابي في مواجهة نهم رأس المال وتعدياته غير المسبوقة. ولذلك لربما تطلب الأمر أن تتواضع الديمقراطيات الغربية قليلاً وتخفف من غلواء اعتدادها بنفسها، وان تعيد تقييم دورها التاريخي في ظل العولمة الكاسحة التي تتسم بعض افرازاتها بتنمر الرأسمالية على الديمقراطية داخل المعاقل الرئيسية للنظام الرأسمالي العالمي. ففي ظل هذه العولمة لم يعد مسوغاً الفصل بين الوطني وفوق الوطني، ولن يعد أمراً معقولاً أو مقبولاً أن يكون النظام الرأسمالي ديمقراطياً داخل حدود مراكزه وغير ديمقراطي خارجها!
صحيفة الوطن
26 يناير 2008
الديمقراطيات المعتدة
الأجور في البحرين – بدأت متوافقة مع الحياة وانتهـت بالنفـور 1-2
هل أوفى المعاش كل احتياجات المواطن في كل المسارات التعليمية على مدى 50 عاماً وحتى الآن؟ لنرى!
لقد انفتح أمام الشباب أفق أوسع للدراسة خارج البحرين من بداية الخمسينات من القرن الماضي، بدأ بإرسال الطلبة المتفوقين إلى لندن وبيروت والقاهرة وغيرها، ثم توسعت البعثات حتى شملت دولاً أخرى، ورغم العدد القليل الذي بدأت به الحكومة إلا أنها كانت تحرص على الموازنة في إيجاد وظيفة لهؤلاء بعد تخرجهم.
وكان المعاش بعد التخرج مجزياً ويغطي الحاجة الماسة في المعيشة، ومع تزايد وتيرة التعليم الجامعي في الداخل والخارج، وتخريج أعداد هائلة من الطلبة، بدأت الفجوة تزداد بين الوظيفة وبين الخريجين، وبدأ التفكير بدراسة احتياجات السوق ولكن بشكل غير مجدٍ.. اللغز المحير هو كيف سُمح للجامعات بالعمل على تخريج دفعات ليس لها رصيد وظيفي؟! فكلما تراكمت السنين ازدادت الهوة بينهما، وقد ترتب على ذلك ازدياد البطالة وازدادت على إثرها المشاكل السياسية.
صحيح أن الأجور كانت متدنية في الستينات وأوائل السبعينات لكنها كانت تفي بالغرض المطلوب، فمعاش الموظف البحريني الجامعي لم يكن يتجاوز 60 ديناراً، ومعاش خريج الثانوية لم يكن يتجاوز 35 ديناراً. وبين سنتيّ 1973-1975 تضاعفت المعاشات بسبب الارتفاع في أسعار النفط، ليصل معاش الجامعي إلى 250 والثانوي إلى 100 دينار.
وقد كانت الأوساط الاجتماعية تتحدث عن معاش النائب في البرلمان ( 300 دينار ) على أنه عالٍ جداً وبأن الحكومة قد اشترته بهذا المعاش لأن الدينار كانت له صيحة عالية وقيمته الشرائية أعلى بكثير من قيمته الحالية. بيد أن هذه الزيادة في مرتبات الموظفين قد ساعدت الموظف البحريني على أن يتجاوز بداية غلاء الأسعار والنهوض به لمستوى الاكتفاء الذاتي.. واستمرت الزيادة بعد غلق المجلس الوطني – وكانت الحكومة تريد أن تُنسي الناس فكرة المجلس الوطني، بعد أن أغلقته، فانتهجت سياسة توزيع الأراضي وبلورت فاعلية وزارة الإسكان على أرض الواقع. وبدأت البنوك تمنح تسهيلات لأجل البناء. وأخذت الحكومة تمنح قروضاً بالتقسيط المريح ومساكن تمليك وشقق وغيرها.. وعلى هذا الأساس تحسنت حياة المواطن واتسعت رقعة الحياة بشكل منظم، وأخذ المواطن ينام الليل مرتاحاً.
بدأت أسعار الأراضي المخصصة للسكن تزداد قيمتها منذ عام 1975 ولكن بشكل معقول. وكان الموظف باستطاعته أن يشتري أرضاً لسكناه. ولم ترتفع الأراضي بشكل مذهل إلا مع بداية القـــــرن الجــــــديــــــد (2004-2008 ) بسبب السماح للخليجيين بأن يتملكوا في الأراضي المخصصة للسكن وليست فقط الأراضي التجارية. حيث وصلت الأسعار إلى أقصاها في عام 2007 ثم تلاها غلاء الأسعار في مواد البناء وفي الغذاء والملبس والدواء. وكان المواطن يعول على تعليم أبنائه المجاني، في جامعة البحرين بالذات حين انخفضت أسعار المناهج بعد المكرمة الملكية.
لكن، ومع السماح لعدد هائل من الجامعات الخاصة بالعمل، أصبحت هناك طفرة في الأسعار الجامعية أيضاً. أما جامعة البحرين التي تعد رخيصة بفضل المكرمة الأميرية التي تلت ظهور الدستور والميثاق فهي الآن ملاذ الطبقة الوسطى والفقيرة. ومن شدة زحمة الطلبة وقوة برامجها أصبح التخرج منها ليس بالشيء السهل ( حسب تصريح المدير التنفيدي للعمليات في مجلس البحرين للتنمية الاقتصادية كمال أحمد في برنامج كلمة أخيرة تاريخ 11-1- 2008 ) حيث قال’إن 70٪ من خريجي طلبة البحرين يلحقون بالجامعات و50٪ من هذا العدد يتسربون لسبب أو لآخر خلال السنتين الأوليتين مما يجعل الطالب يخسر فترة الدراسة تلك بينما المجتمع بحاجة إليه’.
الجامعات الخاصة تعتبر جديدة، ورغم حداثتها إلا أن الطلبة والطالبات يفضلون الدراسة فيها على جامعة البحرين، وهذا يزيد من الإرهاق والثقل على كاهل أولياء الأمور، الذين يتقاضون أجوراً لا تتناسب والوضع الحالي. فالعقلية الاستهلاكية التي غزت عقول الطلبة بالإضافة إلى التضليل الذي تقوم به هذه الجامعات، في سبيل الترويج لبرامجها وشهاداتها هما السببان الرئيسيان اللذان يدفعان بالطلبة البحرينيين إلى الالتحاق بالجامعات الخاصة.
صحيفة الوطن
26 يناير 2008
مركز قلم البحرين
الدفاع عن حرية الرأي والتعبير مسألة لا تقبل النقاش فهي حق كسائر الحقوق السياسية والمدنية لا يجوز ان تخضع لحالات الطوارئ كما يحدث في بعض الانظمة العربية التي تقف ضد الانسان وكرامته او لرغبات لا تحترم القدرات الابداعية ولا ثقافة الآخر وتحت حجج دينية متشددة تعاقب الابداع والعقل والثقافة وتزيد من مساحة تضييق الخناق على الديمقراطية وان كانت تتشدق بها هنا وهناك، فان هذا التشدق كثيرا ما يكون كاذبا ومنافيا لمبادئ الديمقراطية التي هي شرط اساسي لارتقاء الشعوب وتقدمها، لان الديمقراطية هي في الاصل ثقافة وتربية وليست مجرد شعارات طارئة وهي ايضا ممارسات وتطبيقات ووعي في مجالات الحياة المختلفة.
ان الخطوة التي اقدم عليها عدد من المثقفين والكتّاب البحرينيين والمتمثلة في إشهار »مركز قلم البحرين« خطوة صائبة طالما توجهاتها الدفاع عن حقوق الفرد والجماعات في التعبير والابداع وعن المنجزات الابداعية البحرينية وعن الديمقراطية عموماً، ولا سيما بعد ان تعرضت الثقافة والابداع اساساً الى إقصاء وتهميش من قبل خطابات اصولية دينية متطرفة لاتزال تعارض وتمانع وتصطدم بحرية الرأي والتعبير وبالتعددية.
يقول الاديب فريد رمضان رئيس اللجنة التحضيرية للمركز ان اشهار مركز القلم في البحرين سيساهم بدوره في تطوير بنيات العمل الديمقراطي الذي يتطلبه عمل جميع المؤسسات الاهلية والرسمية عبر تطوير العديد من القوانين ومن اهمها بالنسبة لنا مشروع قانون الصحافة والنشر، اضافة الى الدفاع عن حق التعبير والدفاع عن حق الكتّاب وصيانة كرامتهم، اضافة الى دفع عجلة ترجمة الادب البحريني الى لغات اخرى من خلال التعاون مع شبكات مراكز الاقلام الاخرى والمنظمة الأم.
ومن هنا فالدفاع عن حق التعبير المكفول دستوريا هو دفاع عن الرأي الآخر الذي دائما ما حاول نوابنا مصادرته في جلسات برلمانية كان هدفها التأكيد على الاحتكام الى قانون المطبوعات رقم »٧٤« الذي يعرف الكتّاب والمثقفين والصحافيين الى عقوبة الحبس وهو ما يلقي بالمسؤولية على جميع قطاعات المجتمع من مثقفين وحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني الحداثية الاخرى التي تسعى الى نشر ثقافة حرية الرأي والفكر وحمايتها من القوانين المقيدة ومن العقول المسكونة بثقافة الماضي ونقصد هنا بثقافة الجمود والتعصب!!
وفي هذا الوضع المشحون بعقائد متزمتة التي كثيرا ما تتدخل في شؤون الحريات الفردية والعامة ولا تتورع عن فرض الوصايا على هذه الحرية.. ما أحوجنا الى .. مركز القلم البحريني.. ليساهم في تعزيز مناخ الحريات وخاصة ان منطلقاته الاساسية المستمدة من ميثاق »منظمة القلم العالمية« التي تأسست عام »١٢٩١« تعمل كما يقول .. رمضان.. من اجل صحافة حرة ونزيهة وتعارض الرقابة المستبدة في اوقات السلم، كما وتؤمن المنظمة ان التقدم الضروري للعالم في الاتجاهين السياسي والاقتصادي يجب ان يفرض انتقادا حرًا للحكومات والمؤسسات والادارات المختلفة وفي الوقت الذي تتطلب فيه الحرية حدودًا طوعية فان على اعضاء المنظمة ان يأخذوا على عاتقهم محاربة التجاوزات التي تصدر عن الصحافة من نشر للاخبار الكاذبة وتزوير وتشويه للحقائق لخدمة اهداف ومصالح سياسية وشخصية.
ونظرًا لتزايد الحاجة الى منظمات المجتمع المدني المستنيرة ذات الاهداف والتطلعات الديمقراطية والتقدمية فان إشهار »مركز القلم البحريني« يعتبر دعماً للمثقفين البحرينيين الذين يدافعون عن الحريات والديمقراطية التي تتوافق مع الانفتاح السياسي الذي تشهده البلاد.
ونعتقد ان تأسيس مثل هذا المركز في بلادنا يعتبر حدثاً مهماً للغاية ومما لا شك فيه ان هذا التجمع، وهذا المركز ليس إلا دعوة حريصة على حماية الابداع البحريني وحريصة ايضا على ممارسة حقوق الادباء والكتّاب البحرينيين في جو يسوده المساواة والحرية.. فهنيئاً للكتّاب وادباء البحرين وللبحرين عامة هذا المركز الادبي الحضاري الذي يعد نجاحه في مسار الحركة الادبية رافدًا للقوى الديمقراطية والتقدمية في البلاد.
صحيفة الايام
26 يناير 2008
عن بلد المليون نخلة
قرأت في عدد الأمس من “الأيام” ما قاله الناشط البيئي غازي المرباطي من أن أشجار النخيل المزروعة على طوال جسر الشيخ خليفة بن سلمان تتعرض للانتحار الجماعي بسبب التلوث الذي يلف المنطقة وبسبب العطش الذي تعاني منه نتيجة لعدم ريّها بصورة منتظمة. هذه النخيل، حسب المرباطي، تكلف الدولة آلاف الدنانير، حيث إن سعر كل نخلة منها يتراوح بين ٠٢١ و٠٥١ ديناراً، ومع ذلك فإن الجهة المعنية في وزارة البلديات، بدلاً من الاهتمام بهذه النخيل ورعايتها بدأب، كي تتغلب على السموم التي تهب عليها من المناطق الصناعية الملوثة، تتركها تموت، لتقوم باستبدالها بأخرى، لتواجه المصير نفسه. يشير غازي المرباطي إلى أن منطقة الجسر المشار إليه منطقة ملوثة، حيث تتصاعد منها الغازات التي تسبب موت هذه الأشجار وعدم ضرب جذورها في الأرض، لكن ليس هذا هو السبب الوحيد في ذلك، فعدم اهتمام الوزارة بريها بشكل منتظم يفاقم المأساة. حال النخيل الميتة على جسر الشيخ خليفة ليس سوى عينة على حال البيئة الخضراء في البحرين، وعلى حال التشجير في بلادنا عامة، وليس هذا الجسر وحده الذي يعاني من الأمر، فما أكثر الجسور والشوارع والدورات القاحلة في البلاد، بما في ذلك في المناطق الحيوية في المنامة والمحرق وسواها. ونكاد لا نشعر بأن هندسة زراعية من نوع ما موجودة في التعامل مع ما يمكن أن ندعوه المسطحات الخضراء، ويلاحظ انه تجري أحيانا بعض الهبات لتشجير دوار ما أو جسر ما، كما هو الحال مع الجسر القديم بين المنامة والمحرق، ولكن سرعان ما يُهمل ما جرى زرعه من حشائش، ويترك بلا ري أو عناية، ليكون مآله الموت. أذكر أن الشاعر العربي الراحل نزار قباني حين زار أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، هاله ما شاهده من خضرة نضرة في شوارعها، التي تمتد في بعضها صفوف النخل على شكل غابات كثيفة، قال قولة شهيرة ظلت تذكر له، فحواها إن الشيخ زايد رئيس الدولة يومها، الذي كان يسهر بنفسه على عملية التشجير لا يمكن أن يكون إلا شاعراً، فهذا الحرص على جمال المدينة وأناقتها ينم عن روح شخص مرهف الذائقة. ولأن نزار قباني كان يعرف أن مكان هذه الغابات من الأشجار والنخيل، كان قبل سنوات قليلة فقط مجرد كثبان من الرمال، فعلينا تخيل مقدار الدهشة التي انتابته. في حال بلادنا يبدو الأمر عكسياً تماماً، فالمساحات الهائلة من الخضرة التي كانت تُزين بلادنا في جهاتها المختلفة تتوارى وتتحول إلى غابات من الاسمنت والكونكريت، ونعجز حتى عن تشجير جسر حيوي أو ميدان يقع في قلب العاصمة، ناهيك عن ما حلّ بالمساحات الشاسعة من غابات النخيل بلونها الزيتوني الجميل، أو بالحقول الممتدة من الخضروات، التي باتت حيزاً صغيراً يكاد لا يُرى. إن وصف البحرين ببلاد المليون نخلة غداً وصفاً فولكلورياً يردد في الأغاني والأناشيد المدرسية فحسب، فالنخل الذي كان يعانق السماء، يموت واقفاً بسبب العطش تارة، وينحني ميتاً بسبب سموم التلوث تارة أخرى.
رؤية نقدية لمشروع قانون المنظمات والمؤسسات الأهلية غير الهادفة للربح .
أرست المحكمة الدستورية العليا المصرية في حكمها الشهير القاضي بعدم دستورية قانون الجمعيات الأهلية رقم 153 لسنة 1999 المصري ، عدة مباديء بشأن تأسيس وممارسة نشاط وحل الجمعيات من أهمها :
1- أن حق الفرد في تكوين الجمعيات هو حق أصيل ولا يجوز وضع القيود على ممارسته و أن المواثيق الدولية قد اهتمت بالنص عليه مثل المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة رقم (22/ 2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي حظرت وضع القيود علي ممارسة هذا الحق .
2- أن منظمات المجتمع المدني هي واسطة العقد بين الفرد والدولة إذ هي الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد عن طريق بث الوعي ونشر المعرفة ومن ثم تربية المواطنين علي ثقافة الديمقراطية والتوافق في إطار من حوار حر بناء وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعي ومساعدة الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة.
3- أن حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع وأن هذا الحق يتعين أن يتمخض عن تصرفً إرادي حر لا تتداخل فيه الجهة الإدارية بل يستقل عنها ومن ثم تفعل هذه الحرية إلي قاعدة أولية تمنحها بعض الدول قيم دستورية في ذاتها لتكفل لكل ذي شأن حق الانضمام إلي الجمعية التي يري أنها اقدر علي التعبير عن مصالحة وأهدافه ليكون عضواً فيها وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ عن حريته الشخصية،
4- أن ضمان الدستور لحرية التعبير عن الآراء بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها ولا تكون منها فائدة، ومن ثم فإن حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير مكوناً لأحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير إتباع الوسائل الموضوعية والإجرائية التي يتطلبها الدستور أو يكفلها القانون .
فهل جاء مشروع قانون المنظمات الأهلية متوافقا مع هذه المباديء- والتي يحق لنا أن نسترشد بها لما يتمتع به القضاء المصري من عراقة ، ولتشابه احكام القانون المصري في كثيرا من احكامه مع مشروع القانون – أم شكل انقلابا عليها وعلى أحكام الدستور ؟
نصت المادة (27) من دستور البحرين على أن حرية تكوين الجمعيات والنقابات، على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سلمية، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون ، بشرط عدم المساس بأسس الدين
والنظام العام . ولا يجوز إجبار أحـد على الانضمـام إلى أي جمعيـة أو نقابة أو الاستمرار فيها ، كما نص العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية -الذي صادقت حكومة البحرين عليه وأصبح جزء لا يتجزأ من القانون الوطني – في المادة 22 منه على الحق في تكوين الجمعيات على انه :
لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه.
و لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق
ان حكومة البحرين قيدت وجود نشاط مؤسسات ومنظمات العمل الأهلي من خلال التشريع الحالي المعمول به ( المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 1989 ) وهو ما جعله محلاً للانتقاد من قبل منظمات ومؤسسات أهلية، ويأتي المشروع القانون الحالي ليقوى من قبضة وزارة التنمية على العمل الأهلي ، بحيث يحفظ لها قدرتها على الإشراف والتدخل في للجمعيات الأهلية، بإعطاء حق حل الجمعيات إلى الجهة الإدارية، فبموجب مشروع القانون تقوم الجهات الإدارية بالهيمنة والإشراف والتدخل في عمل الجمعيات الأهلية ، ومظاهر هذه الهيمنة و التدخل تتمثل فيما يلي :
حالات واسعة لرفض تأسيس المنظمة
أن المادة ( 7) من مشروع القانون وان نصت إيجابيا على اكتساب المنظمة الشخصية الاعتبارية بإجراء الوزارة قيد المنظمة في السجل ، أو بمضي ستين يوما من تاريخ تقديم طلب القيد دون رد الوزارة ، غير هذه الايجابية تمحوها ما نصت عليه هذه المادة من ضرورة ( مراعاة حكم المادة السابقة ) إذ بالرجوع لهذه المادة السابقة وهي المادة (6) نجدها تبيح للوزارة الحق في رفض طلب التسجيل في حالات واسعة تتصف بالعمومية منها إذا كان نشاط أو مقر المنظمة يتعارض مع النظام العام بمنظومته الثلاثية ، الأمن العام ، الصحة العام ، السكنية العامة ، أو كانت أغراض المنظمة مخالفة للأنظمة القانونية المعمول بها في مملكة البحرين وهذا يشكل وصاية وهيمنة على تأسيس الجمعيات الأهلية فالأصل أن الشخصية الاعتبارية تثبت بمجرد تقديم الجمعية أوراق التأسيس لوزارة المعنية ، غير ان مشروع القانون اوجب على ممثل جماعة المؤسسين أن ينتظر ستين يوما فإذا لم يتلقى خلال تلك الفترة أية اعتراضات من الوزارة اعتبرت الجمعية مشهرة بقوة القانون أما إذا تبين لها خلال الستين يوم المشار إليها أنه من بين أغراض الجمعية نشاطا مما تحظره المادة 6 وجب عليها رفض طلب القيد بقرار مسبب يخطر به ممثل جماعة المؤسسين، ولذوي الشأن حسب نص المادة (8 ) حق التظلم من هذا القرار الى وزارة التنمية الاجتماعية خلال ثلاثين يوما من تاريخ العلم على أن يبت في التظلم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه للوزارة ، ولذوي الشأن الطعن على هذا القرار أمام المحكمة الادارية المختصة خلال ستين يوما من تاريخ إخطاره به وفق الإجراءات المقررة.
ولا يقتصر تدخل وزارة التنمية في تأسيس المنظمة برفض طلب التأسيس في حالات تتصف بالعمومية ، بل يمتد إلى ما نصت عليه المادة (9) بحق الوزير وحده في تشكيل لجنة التظلمات للبت في تظلم المنظمة من رفض الوزارة لطلب التأسيس
فا يا لها من لجنة محايدة !! إذ كيف يمكن قبول أن الجهة التي تصدر قرار رفض التأسيس هي الجهة ذاتها التي تبت في طلب التظلم من القرار ؟
ومعنى ذلك أيضا انه لا يجوز للمنظمة الطعن في قرار التظلم أمام المحكمة إلا بعد صدور قرار من لجنة التظلم وهذا لا يعد و أن يكون سوي قيداً رئيسياً علي حق اللجوء للقاضي الطبيعي مباشرة حيث كفل الدستور حق التقاضي للناس جميعاً ويرهق الخصومة بقيود إجرائية روتينية تمنح الوزارة وقتا لتميع حق الافراد في تأسيس جمعياتهم .
حتى فتح الحساب لدى البنك يتطلب موافقة الوزارة
المادة 16 من مشروع القانون وان أجازت للمنظمة تلقى وجمع التبرعات وان تقيم الحفلات والأسواق الخيرية والمعارض وغير ذلك من وسائل جمع المال في سبيل تدعيم مواردها المالية ، غير ان ذلك مشروط بموافقة الوزارة ،
كما ان المادة (48 ) تشترط ذات الموافقة للحصول على أموال من الخارج ، والواقع ان ذلك لا يساعد على تدعيم أو تنمية موارد المنظمة المالية بل يعيقها ، وكان الأجدر هو التعامل بمبدأ الإخطار أي انه على المنظمة متى تلقت تمويلا أن تقوم بإخطار وزارة التنمية الاجتماعية بهذا التمويل و على الوزارة أن تقوم بعمل الرقابة اللاحقة على كيفية تصرف تلك المنظمة في هذا التمويل.من خلال التقريرالمالي للمنظمة .
أن تدخل الوزارة في الشئون المالية للمنظمة يصل إلى ابسط المسائل وهو فتح حساب لدى أحد البنوك المعتمدة ، إذ تتطلب المادة 46 أخذ موافقة كتابية من الوزارة . فهل يعقل هذا ؟
انتهاك حرمة مقار المنظمات
إمعانا فى فرض الهيمنة ، يجيز مشروع القانون للوزير في المادة 13 تشكيل لجنة يمكن وصفها بالمخابراتية من موظفي الوزارة كي تتدخل بشكل سافر في شئون المنظمة بزياراتها دون إذن وبشكل عشوائي بغرض الاطلاع على سجلاتها ، خلافا لما نص عليه الدستور على ان للمساكن حرمة ، لا يجوز دخولها أو تفتيشها بغير إذن أهلها ( م 25 من الدستور ) .
سلب اختصاصات الجمعية العمومية
ومجلس الادارة
المادة(19) من القانون تعطي الوزير الحق في ان يشكل لجنة إدارة مؤقتة للمنظمة ، في حالات منها إذا أصبح عدد أعضاء مجلس الإدارة غير كاف لانعقاده وتعذر لأي سبب تكملة النصاب القانوني ، أو ارتكبت ( الجمعية ) من المخالفات ما يستوجب هذا الإجراء ولم يرى الوزير حلها .
فمن خلال مطالعة هذا النص يتضح مدى منهجية واضع المشروع في التدخل الدائم والسافر في الشئون الداخلية للجمعيات، فكان من الأجدر أن تنص المادة سالفة البيان على أنه في حالة ما أصبح عدد أعضاء مجالس الإدارة لا يكفي لانعقاده صحيحا تحدد مدة زمنيه لاجتماع مجلس الإدارة يكون بمن حضره من الأعضاء وتصدر قراراته بأغلبية الحاضرين ويكون من حق هذا المجلس الدعوة إلى عقد جمعية عمومية طارئة الانتخاب مجلس إدارة جديد بغير حاجة إلى تدخل الوزير .
أن التدخل غير المبرر في شئون مجلس إدارة الجمعيات و سلب اختصاصات الجمعية العمومية يمتد إلى ما أجازته المادة 37 للوزارة بطلب عقد اجتماع لمجلس الإدارة عند الضرورة ، وبما أوجبته المادة 38 من ضرورة إرسال صورة للوزارة من محاضر اجتماعات مجلس الإدارة .
غلق المنظمة بموجب قرار من الوزير وحلها بموجب حكم قضائي
لاسباب مليئة بالعبارات الفضفاضة
لم يكتف مهندس مشروع القانون بكل ما سبق إيضاحه من تدخلات الوزارة والوزير في الشئون الداخلية للجمعيات الأهلية بل جعلهما – أي الوزارة والوزير – الحكم والفيصل والخصم في كل أمور الجمعية فقد منح وزير التنمية الاجتماعية مكنة غلق المنظمة لمدة لا تزيد على سنتين وطلب حلها من خلال ما نص عليه فى المادة (53) في حالات كثيرة تتصف بالعمومية و مليئة بالعبارات الفضفاضة .
عقوبات غليظة تصل لحد الحبس
نصت المادة 95 من مشروع القانون على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد عن ألف دينار وبأحدي هاتين العقوبتين في حالات تسع ، ودون إخلال بعقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات ، كما نص فوق ذلك بعقوبة الغرامة بمبلغ لا يتجاوز خمسمائة دينار لكل مخالفة اخرى لهذا القانون وللقرارات التي يصدرها الوزير ، وهذه العقوبات تتعارض مع فلسفة العمل الأهلي التي تقوم علي الجهد التطوعي و الغير ربحي للمشاركة في التنمية وجاءت بقصد محاصرة و ترهيب الجمعيات فيما تقوم به من نشاط .
ما مَدى دٌستورية المرسوم بقانون رقم 56 لسنة 2002 !!!
تقديم :
يعد المرسوم بقانون العفو الشامل رقم 10 الصادر بتاريخ 5 فبراير 2001 من أهم الأدوات التي أصدرها جلالة الملك لحظة تدشين المسيرة الإصلاحية ومن أهم الخطوات لتحقيق المصالحة الوطنية نحو تحقيق الوئام والاستقرار الاجتماعي والسياسي في البحرين ، إذ ترتب على هذا العفو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين .
غير أن إصدار المرسوم بقانون رقم 56 لتفسير مرسوم العفو الشامل في 23 أكتوبر 2002 على انه لا يشمل عفوا عن الضحايا فقط بل يشمل أيضا عفوا عن أولئك اللذين ما رسوا التعذيب وقتلوا الضحايا قد شكل صدمة كبيرة لعدد غفير من أولئك اللذين ناضلوا من أجل العدالة الاجتماعية وفي سبيل الحرية والديمقراطية ودخلوا السجون وتعرضوا للأذى البدني والنفسي ومن أولئك اللذين فقدوا عائلهم شهيدا في تظاهرة أو في السجن إذ وجد هؤلاء في أحكام هذا المرسوم حماية للجلاد فيما ارتكبه من تعذيب خلال حقبة أمن الدولة ، فنال وما يزال من المسيرة الإصلاحية ومن تحقيق المصالحة الوطنية المنشودة ، وقد كشف الواقع منذ تاريخ صدور هذا المرسوم أن الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البحرين الذي كان ينشده مرسوم العفو الشامل لم يتحقق ولن يتحقق دون حل عادل ومنصف يشمل جميع الشهداء وضحايا التعذيب وفي إطار وطني . ودون التقيد بأحكام المرسوم 56 لأنها تخالف أحكام الدستور والمواثيق والاتفاقات الدولية و تعتدي عليها ، وأوجه المخالفة هي كما يلي :
هل تحتاج أحكام المرسوم بقانون العفو الشامل إلى تفسير؟
جاءت النصوص القانونية للمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2001 بالعفو الشامل عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني ، صريحة واضحة ، على أن المستفيدين من العفو الشامل هم فقط الموقوفون والمتهمون والمحكوم عليهم ، وليس من بينهم من مارسوا التعذيب مع هؤلاء بصفتهم موظفين عموميين ، وأسانيدنا في ذلك هي :
جرائم التعذيب التي ترتكب من الموظف العام لا تخضع لإحكام المادة 185 من قانون العقوبات و لا تختص بها محكمة أمن الدولة.
1- نصت المادة الأولى من المرسوم بقانون العفو الشامل على أنه ( يعفى عفواً شاملاً عن الجرائم الماسة بالأمن الوطني التي تختص بنظرها المحكمة المنصوص عليها في المادة 185 من قانون العقوبات والتي وقعت من مواطنين قبل صدور هذا القانون ) .
وبالرجوع إلى المادة 185 من قانون العقوبات المشار إليها نجدها تتعلق فقط بالجرائم المنصوص عليها في الفصل الخاص بجرائم أمن الدولة الخارجي والداخلي في المواد من 112 إلى 184 من قانون العقوبات ، وأن المحكمة المختصة بنظرها هي محكمة أمن الدولة ، ولا علاقة لها على الإطلاق بجرائم التعذيب التي يرتكبها الموظفون العموميون ولا بالعقوبة المقررة لهذه الجرائم ، إذ لا تقع هذه الجرائم ضمن المادة 185 من قانون العقوبات التي أشار إليها المرسوم بقانون العفو بل أن هذه الجرائم – أي جرائم التعذيب - تقع في الباب الثاني من قانون العقوبات الخاص بالجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وبالفصل المتعلق بإساءة استعمال الوظيفة والنفوذ ، وان المحكمة التي تختص بنظر هذه الجرائم ليست هي محكمة أمن الدولة المنصوص عليها في المادة 185 بل هي المحكمة الجنائية العادية .
2- كما أن نص المادة الثالثة الفقرة الأولى من المرسوم بقانون العفو الشامل جاءت صريحة وواضحة على أن العفو يشمل فقط الموقوفين والمتهمين والمحكوم عليهم ، وهو ما يجعلنا أمام وضوح النص أن نتساءل كيف أجاز مشرع المرسوم بقانون 56 لنفسه أن يفسر هذا النص الواضح على أن العفو الشامل يشمل أيضا أولئك اللذين ارتكبوا جرائم التعذيب والقتل ؟؟
أن من ارتكب فعل التعذيب بصفته موظفا عاما ، لم يتم توقيفه حتى يكون موقوفا ، ولم توجه إليه تهمة ارتكاب فعل التعذيب حتى يكون متهما ، ولم يحال إلى القضاء حتى يكون محكوما ، ومن ثم لا ينطبق عليه العفو الشامل .
3- تلك هي النصوص القانونية التي جاء بها العفو الشامل واضحة وضوح الشمس الضاحية ، لا تحتاج إلى تفسير ، ويكون مشرع المرسوم بقانون 56 التفسيري لم يخالف الدستور فحسب بل خالف ما هو مستقر عليه عند فقهاء القانون بأنه لا يلجأ إلى التفسير التشريعي إلا إذا كان النص المراد تفسيره غامضاً يخشى معه التباس فهمه على المخاطبين به .
أوجه مخالفة المرسوم بقانون56 للدستور والاتفاقيات الدولية
نصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من المرسوم بقانون العفو الشامل ( ومع عدم المساس بحقوق الغير لا تسمع الدعاوى المترتبة على العفو …. ) ، وجاء المرسوم بقانون 56 ليفسر كلمة ( الغير ) على إنه كل مضرور من أي جريمة مما صدر بشأنها العفو .
وإذا كان صحيحا هذا المعنى لمفردة الغير ، فإنه لا صحة على الإطلاق أن معنى الغير ينصرف للموظف العمومي الذي عذب الموقوف والمتهم والمحكوم عليه والشهيد ، بل ينصرف هذا المعنى إلى المجني عليهم الذين أحاق بهم ضرر مادي جراء الجرائم التي شملها العفو ، وبالطبع ليس من بينهم أولئك اللذين ارتكبوا التعذيب ، ذلك أن هؤلاء لم يلحق بهم ضرر بل هم فاعلين له وقد جرم الدستور .
كما فسر المرسوم بقانون 56 عبارة ( ولا تسمع الدعاوى المترتبة عن العفو ) على إنها تعني ( عدم سماع أية دعوى أمام أية هيئة قضائية بسبب ، أو بمناسبة الجرائم محل العفو ، أيا كان الشخص رافعها ، وأيا كانت صفة المقامة ضده ، سواء كان مواطنا عاديا ، أو موظفا عاما مدنيا أو عسكريا ، وأيا كانت مساهمته في تلك الجرائم ، فاعلا أصليا ، أو شريكا ، وذلك خلال الفترة السابقة على هذا القانون ) .
وهذا النص مثل سابقه يفسر نصا واضحا في المرسوم بقانون العفو الشامل هو عدم سماع الدعاوى المترتبة عن العفو المتعلقة فقط بالموقوف والمتهم والمحكوم عليه وليست تلك الدعاوى التي ترفع من الضحية ضد الجلاد الموظف العام ، لان جرائم هذا الأخير تخضع في قانون العقوبات للفصل الخاص بالجرائم المخلة بواجبات الوظيفة وإساءة استعمالها ولا تخضع على الإطلاق للجرائم محل العفو الشامل كما أوضحنا سلفاً ، غير أن مشرع مرسوم بقانون 56 حشر في تفسيره الموظف العام المدني والعسكري مهما كانت مساهمته في الجريمة ، بغية تحصين مقترف التعذيب من المحاكمة والعقاب .
وإذا كان المرسوم بقانون 56 كما أوضحنا قد صدر بهدف حماية الجلاد سواء كان مدنيا أو عسكريا مما ارتكبه من جرائم، بعد تفسير قسرى لإحكام العفو الشامل ، فأنه يكون قد خالف ما نص عليه الدستور من أحكام تتعلق:
بتجريم التعذيب. ( المادة 19 البند (د) من الدستور ) .
ومعاقبة من يرتكبه . ( نفس المادة السابقة ) .
وحق الإنسان في السلامة البدنية والذهنية . ( نفس المادة السابقة ) .
وحق الأفراد في التقاضي ( المادة 20 البند ( و) من الدستور ).
وعدم جواز أن ينال تنظيم الحق من جوهره ( المادة 31 من الدستور ) .
ولا تقتصر مخالفة المرسوم بقانون 56 على أحكام الدستور بل تمتد هذه المخالفة لإحكام ومبادىء الاتفاقيات والمواثيق الدولية وعلى وجه خاص اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1984 وانضمت إليها البحرين سنة 1998 فصارت جزءاً من التشريع الوطني لمملكة البحرين ، وتتمثل هذه المخالفة على وجه التحديد فيما يلي :
1- حق كل من تعرض للتعذيب في أن يرفع شكوى إلى السلطة المختصة
إذ نصت الاتفاقية في المادة 13على انه ( تضمن كل دولة طرف لأي فرد يدعى بأنه قد تعرض للتعذيب في إقليم يخضع لولايتها القضائية ، الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاتها المختصة وأن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وبنزاهة …. ) . والمرسوم بقانون 56 لا يضمن هذا الحق بل يعتدي عليه .
2-إنصاف من يتعرض للتعذيب بتعويض عادل وإعادة تأهيل
إذ نصت الاتفاقية في المادة 14 البند أ على إنه تضمن كل دولة طرف في نظامها القانوني ، إنصاف من يتعرض لعمل من أعمال التعذيب وتمتعه بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه …. ) . والمرسوم بقانون 56 يتجاهل مثل هذا الحق .
لكل ما تقدم من أسباب فأن المرسوم بقانون 56 يستحق المقصلة ، حتى لا يكون حجر عثرة في المصالحة و الإنصاف لضحايا ولشهداء البحرين .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن كتلة النواب الوطنيين الديمقراطيين قد تقدمت في الفصل التشريعي الأول المنصرم لرئيس مجلس النواب بطلب الطعن في عدم دستورية المرسوم بقانون 56 إلى المحكمة الدستورية لذات الأسباب التي أشرنا إليها غير أن الرأي الملتوي الملتف على الحقيقة للمستشار القانوني لمجلس النواب حال دون إحالته للمحكمة الدستورية ، يقول سعادة المستشار في رأيه المقدم للجنة التشريعية والقانونية حول الطعن وبدون إن يتناول أسباب الطعن أو يرد عليها ( أولا : أن المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2001 ، والمرسوم بقانون رقم 56 لسنة 2002 قد صدرا وفقا لإحكام الدستور ، ثانيا: إن المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2001 لم يشمل الجرائم المتعلقة بإساءة استعمال الوظيفة والنفوذ …. ) .( انظر الوثيقة رقم ف1 د3 – م ر – م ق – 94 المؤرخة في 29 ديسمبر 2004 ، الصادرة من مجلس النواب ) .
هكذا ينتهي المستشار – ويبدو أن رأيه دائما مؤثر – إلى نتيجة بعيدة كل البعد عن أسباب الطعن غير إنه يقر بوضوح إلى أن مرسوم العفو الشامل لا يشمل الجرائم المتعلقة بإساءة استعمال الوظيفة مما يعني إن المرسوم بقانون 56 كان على خطأ حين فسر مرسوم العفو على أنه يشملهم .
الأربعون مليون دينار وحبة “البندول”
هناك حيرة نيابية في أمر الأربعين مليون دينار التي أمرت الحكومة بصرفها لدعم السلع الضرورية، لإعانة المواطنين على مواجهة الغلاء المضطرد في الأسعار، ويظهر هذا من خلال التضارب، الذي يبلغ حد التناقض، في أقوال النواب الذين يذهبون مذاهب شتى، حين يتحدثون عن أوجه الصرف المحتملة لهذا المبلغ. الحيرة النيابية، وما تجره من تساؤلات شعبية متواترة عن الأمر، دليل جديد على التخبط الذي يعكس الأداء العام. حتى الآن لا أحد يعلم بالضبط ما هي المعايير التي اعتمدتها الحكومة لتحديد مبلغ الأربعين مليون دينار للمساعدة في التخفيف من غلواء الغلاء، في كلمات أخرى موجزة: لماذا أربعون مليون دينار بالذات، لماذا لا يكون المبلغ أقل أو أكثر، واستطرادا: طالما اعتمد هذا المبلغ دون سواه فما هي أوجه وطريقة صرفه. ما يمكن استشفافه من تصريحات النواب أن لا أحدا منهم لديه إجابة وافية مقنعة على ذلك، مع أن الكثيرين منهم هللوا للأمر في بدايته، وعدوه فتحا مبينا، ومكسبا انتزعوه من الحكومة، مع أن المراقب الحصيف، وحتى غير الحصيف، يعرف أن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك. يفترض أن الوضع المالي للبحرين في الفترة الحالية مريح أكثر مما كان عليه في أي وقت آخر، بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط، وبوسع الدولة أن تقوم بالكثير على صعيد النهوض بالوضع المعيشي للمواطن وتحسين الخدمات الاجتماعية الضرورية المقدمة إليه. لذا قال الكثيرون إن المبلغ المرصود لا يعد مبلغا كبيرا، وكان على مجلس النواب قبل سواه أن يقول ذلك للحكومة بشكل واضح، بدلا من هذا التخبط في التصريحات والمواقف والأقوال. لكن المشكلة لن تنتهي هنا، فحتى المبلغ المرصود عرضة لأن يتوه في دهاليز البيروقراطية الحكومية المعتادة، ولا يجد طريقه إلى أيادي المواطنين المكتوين بنار الغلاء إلا بعد عناء ومشقة، دون أن نغفل ما يجري تداوله من أن المبلغ المرصود هو حتى الآن مبلغ على الورق، وان المبلغ الفعلي الذي سيصرف سيكون اقل من ذلك بكثير. على أن المشكلة الفعلية تقع في مكان آخر. فالأربعون مليون دينار ليست أكثر من مسكن، والمسكن، كالبندول مثلا، مفيد لأنه يريحنا مؤقتا من أعراض المرض، لكنه لا يعالج المرض ذاته. وماذا سنفعل بعد أن يصرف المبلغ المذكور وينتهي تأثيره المؤقت، هل ستعاود الدولة صرف مبلغ آخر مماثل، والى متى ستفعل ذلك؟! الأمر يحتاج إلى معالجة جذرية أخرى، تؤسس لعلاقة مختلفة مع المال العام،وطريقة التصرف في الثروات الوطنية، وتوظيفها في استراتيجية اقتصادية واضحة، يجب أن تؤسس ليس فقط على أساس كفاءة الأداء، وهو أمر مفتقد حتى الآن، وإنما أيضا على أساس تلبية الاحتياجات المعيشية المتزايدة للمواطن، المعني بمواجهة أعبـاء الحيـاة المتزايـدة، وبأن يوفر لقمة كريمة لأبنائه وسكـن لائــق لعائلتــه، وخدمات صحيــة وتعليميــة وبلدية تليــق ببلـد نفطــي مثــل البحرين.
صحيفة الايام
هل يتنحّى برويز مشرف؟!
قد يجبر الجيش الباكستاني برويز مشرف ويدفعه للتنحي مثلما عمل بالجنرال أيوب خان عام ,1969 ومثلما أرغم يحيى خان على التنحي عن الحكم أيضا عام ,1971 وتسليم السلطة لمدني هو ذو الفقار علي بوتو حيث طبق الديمقراطية وكان من أفضل الرؤساء الذين تناوبوا على رئاسة باكستان، لكن لم يحالفه الحظ فقد قام ضياء الحق -كان يسمى ضياع الحق- لأنه أهدر دم هذا الوطني والديمقراطي الذي أحب شعبه وقام بإعدامه، من ناحية أخرى فإن وضع مشرف ضعيف ويكرهه الشعب ويشير له بأصابع الاتهام بقتل بنازير بوتو، إذا، لماذا استعجلت السيدة بوتو على مصيرها؟
لماذا لم تقيّم الأمور السياسية وتنتظر قرار الشعب حتى وإن تأخر ذلك خمس سنوات جديدة، مثلاً، لماذا لم توازن الأمور موازنة تامة وهي التي رأت والدها فوق المقصلة؟ لماذا لم تنتظر حتى تتحسن الأوضاع؟ والجواب يكمن في كونها متحدية جدا وتمتلك الشجاعة ولها جماهير واسعة في باكستان، وربما سئمت من الغربة والتشرد وقررت العودة خشيت من عدم فاعلية حزبها بالشكل المطلوب، فجاءت لتعطيه جرعة منشطة، ولكن هذه المرة كانت هي نفسها الجرعة المنشطة للوضع لتغيير هذا الوضع المشين!، وهذا يحدث لأكثر الأحزاب في الدول الإسلامية كون القادة يتسمون بالعجلة واختزال المواقف.
وبلد مثل باكستان، الجيش يلبي أمنيات الشعب، في بعض الأحيان، فليس غريبًا تلبيته هذه المرة في إزاحة برويز مشرف وإنهاء هذه الحقبة السوداء التي يمر بها شعب باكستان، ومن طبيعة جنرالات الجيش أن يمتلكوا اقطاعيات ضخمة من الأراضي وعلى رأسهم برويز مشرف الذي باع كل شيء واباح لنفسه أن يملك الأرض ومن عليها.
ومن شراهته وتسلطه على رقاب هذا الشعب أنه وظف 1200 ضابط في مراكز اساسية في القطاع العام، وعلى سبيل المثال، يدير العسكريون تسع شركات كهربائية من أصل 12 شركة. كما تم وضع ضباط رفيعي المستوى في منصب سفير أو نائب عميد جامعي.
حتى القطاع الخاص يرغب في تشغيل المتقاعدين العسكريين في الصناعات العسكرية والبعض يستخدم نفوذه في تجارتهم الخاصة وبيعها في الأسواق. المعيب في الأمر أن ذلك يحدث في وضح النهار وأمام الناس الذين يزدادون فقرا كل يوم والأغنياء يزدادون غنًى وشراهة، وبالمقابل يزداد النفود السياسي للعسكريين ويستخدم لبناء امبراطورية تجارية لاتعرف قيم الشفافية، لأنها ربيبة الدولة في كل شيء، ولهذا فهي غير مراقبة وبعضها لا يدفع مستحقات الدولة، منذ عام 1958 والطغمة العسكرية تعزز نفوذها في باكستان وهي لا تنوي التخلي عن الحكم حاليا من نفسها إلا الشعب قادر وفي حلبة الصراع أن يحقق الغلبة ويزيح الجاثوم المتربع على صدره..
يوجد في باكستان 20 مليون فلاح بدون أرض والأراضي المشاعة البالغة مساحتها 6,37 مليون هكتار والعسكر في باكستان له الحظ الأوفر في امتلاك هذه الملايين من الهكتارات، فقد خصص له 68,4 مليون هكتار استلم منها لحد الآن 8,2 مليون هكتار، بالإضافة إلى ذلك يحصل هؤلاء على تسهيلات في توصيل الماء إلى مزارعهم مما سهل عليهم الدخول في سوق العمل الزراعي، وهذا يدفع بدوره إلى فسح المجال لهم في التسويق الزراعي.. هذه السياسة أول من رسمها هو الاستعمار البريطاني، وبتوزيع الأراضي الاستثمارية على الضباط يعني ان الجنرالات في الجيش يتحولون يوما وراء يوم إلى اصحاب المليارات، وعلى المستوى القضائي فإن المحكمة العليا متهمة بأنها اطلقت سراح 61 ارهابيا اوقفتهم اجهزة المخابرات وهذا ما اثبط قوى الأمن، والحرب ضد الإرهاب ليست الا حجة للحد من استقلالية القضاء والحريات العامة، واجهزة المخابرات هي التي اوجدت المجاهدين في المناطق القبلية.
فهل كانت السيدة بوتو على علم بذلك؟ قد يكون الجواب نعم، ومن يدري فلربما دمها قد يكون الشرارة الأولى أو بداية لنهاية حقبة إقطاعية عسكرية بغيضة، لأن الشعب الباكستاني ومعه بقية الشعوب قادر على تحويل هذه المعادلة الصعبة لصالح حريته واستقلاله.
هذا ما يراهن عليه غالبية المواطنين الباكستانيين، يراهنون بالأساس على حزب الشعب الباكستاني التي تتزعمه بنازير بوتو وبقية الأحزاب الديمقراطية الأخرى.
صحيفة الوطن
22 يناير 2008
عطفاً على ما قاله صلاح الجودر
الشيخ صلاح الجودر من بين رجالات هذا الوطن المخلصة، في ذوده عن الوحدة الوطنية للشعب وللمجتمع، وفي انفتاحه، وهو رجل الدين المعتدل المتسامح، على القوى والفعاليات الأخرى وعلى مؤسسات المجتمع المدني، حتى لو لم يكن يشاطرها الرأي في كل شيء، ولكنه يغلب دائما ما هو مشترك وجامع، وينحي جانبا ما هو باعث على الفرقة. وقد شاركنا الشيخ الجودر في بعض الأنشطة التي أقامها المنبر التقدمي، كان آخرها مشاركته في الورشة التي أقمناها منذ شهور قليلة عن »واقع العمل البلدي« في البحرين بصفته عضوا في المجلس البلدي لمدينة المحرق في الفصل البلدي السابق، وبالمثل فانه يشارك في أنشطة أخرى تقيمها الجمعيات الوطنية، ويحضر العديد من فعالياتها ومهرجاناتها الخطابية، على نحو ما فعل في الاعتصام الذي أقامته الجمعيات السياسية احتجاجا على زيارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش للبحرين منذ أيام. وقد كتب الشيخ الجودر في هذه الصفحة من »الأيام«، شاكيا من بعض التصرفات التي شهدها هذا الاعتصام، خاصة منها رفع صور الشخصيات الدينية الإيرانية، التي عرضها بعض المشاركين في الاعتصام أمام كاميرات المحطات التلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى، التي كانت تغطي الاعتصام. وليس الشيخ صلاح الجودر وحده من أثاره وأزعجه هذا التصرف، وإنما الكثير من المشاركين، الذين يرون بأن من رفع تلك الصور والأعلام إنما أرسلوا بذلك رسالة أخرى غير تلك التي كنا نبتغيها من مشاركتنا في الاعتصام المذكور. ما هي الرسالة التي نريد توجيهها للرأي العام إذا كنا سنعرض صور القيادة الإيرانية في نشاط أريد منه التعبير عن قضية تعني المجتمع البحريني وفعالياته السياسية والاجتماعية كافة، ولم تقم إرضاء لإيران أو لأي جهة أخرى كائنة من كانت. الجودر قال في مقاله إن ما جرى جعله يعيد النظر في أمر مشاركته في أية أنشطة مقبلة، طالما كانت هذه الأنشطة ستخرج عن مبتغاها الأساس، وتوجه وجهة أخرى غير تلك التي من أجلها أقيمت. في الكلمة التي ألقيتها في الاعتصام قلت إننا نختلف مع السياسة الإيرانية في بعض المسائل، ولكننا ضد أن تكون إيران هدفا لأي عدوان تتعرض له من قبل الولايات المتحدة، وضد أن تستخدم أراضينا أو مياهنا الإقليمية منطلقا لأية عمليات عسكرية تستهدف إيران، وأن يجري النأي بوطننا عن مخاطر وتبعات الأمر. لم نشارك في الاعتصام نصرة للقيادة الإيرانية، ولا كراهية في الشعب الأمريكي الذي نحترم تاريخه وثقافته، وإنما ضد السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الحالية التي تقدم الغطاء لاستمرار العدوان الإسرائيلي على أشقائنا في فلسطين، الذين يسقط العشرات منهم كل يوم شهداء وجرحى، وضد الاحتلال الأمريكي للعراق الذي فكك نسيج الدولة الوطنية هناك وحل الجيش، وحول البلاد إلى ساحة اقتتال طائفي ومستودع للإرهاب والتطرف، وضد مجمل السياسة الأمريكية على الصعيد الكوني التي تتسم بالغطرسة وتمجيد القوة. شكوى الشيخ صلاح الجودر تنبهنا جميعا إلى ضرورة التبصر في أمر الخطابات الفئوية والطائفية التي تطغى على الكثير من الأنشطة التي تقام، وتسبب حرجا للكثير ممن يشارك فيها ابتغاء إيصال رسالة وطنية جامعة مختلفة الفحوى عن تلك الخطابات التي لا تفعل سوى تعميق الشروخ المذهبية.
صحيفة الايام
22 يناير 2008
تناسـل الأسـئلة اليائسـة
ما زلت أذكر وقائع ندوة علمية عقدت في المغرب كان عنوانها “أسئلة المغرب المعاصر”، وهو عنوان جاذب لكل معني أو مهتم بقضايا التحول السياسي – الاجتماعي والثقافي في البلدان العربية جميعها.
والمغرب وإن كان بعيدا عنا جغرافيا، فإنه قريب إلينا في كونه مجتمعا عربيا متحولا، شأنه في ذلك شأن أي بلد عربي آخر في المشرق أو المغرب. وتدعو للاهتمام المحاور التي ناقشتها الندوة المذكورة والمشاركون فيها، وهي محاور تلامس قضايا من نوع “الهوية، والمواطنة، والديمقراطية، والحداثة”، وهي كما نرى أشبه بالمظلة الواسعة التي تطرح أكثر القضايا إشكالية وإلحاحاً في واقعنا العربي على إطلاقه.
وفي مجتمع يتمتع بهامش معقول من حرية التعبير، كما هو حال المغرب اليوم، فإن مناقشة تذهب بهذه المسائل نحو العمق يمكن أن تفضي إلى نتائج تستحق الدراسة والتمحيص، بل إن مناقشة مثل هذه يمكن أن تسفر عن توصيات ونتائج وخلاصات تمثل قدراً من التعميم على بلدان أخرى، أو على الأقل تتيح إمكانية الاسترشاد بها أو استيحاء أفكار منها، خاصة حين نقرأ أن الندوة طالبت الحكومة بالنظر في عمق إلى القضايا المطروحة وسن مشاريع قوانين إصلاحية بعيدة المدى وفق استراتيجية واضحة وإرادة ممنهجة وذلك بغية الحد من تناسل الأسئلة اليائسة من قبيل “ما جدوى الثقافة، وما جدوى التعليم؟”.
ومثل هذه الأسئلة اليائسة تخصنا جميعا، وتخصنا هنا في بلدان الخليج العربية بصورة عميقة، أخذا بعين الاعتبار أننا ما زلنا نعد مجتمعات فتية في انفتاحها على العصر وعلى العالم، وهي بالكاد تؤسس لتقاليد ثقافية وتربوية متينة وراسخة، فإذا بنا نداهم بطوفان الثقافة الاستهلاكية التي “تحتفل بالمظاهر وتفصل بين الوسيلة والهدف، وبين الذات وموضوعها، وتعيد إنتاج الأزمات وتعمقها، وتشجع ثقافة التهميش والإقصاء”.
نود في هذا السياق أن نشير إلى بعض عناوين الأبحاث التي قدمت في الندوة المذكورة “نحو ميثاق للإصلاح الثقافي”، “أبعاد ورهانات الإصلاح التربوي بالمغرب”، “الثقافة المغربية في أفق القرن الحادي والعشرين”.
مثل هذا النوع من المناقشات، في صورة مؤتمرات وطنية موسعة ومعمقة، وفي صورة مناقشات في الصحافة ووسائل الإعلام، هو حاجة لمجتمعات الخليج عامة حين تنطرح أمامنا قضايا قد تكون أكثر دقة وحساسية في أشكال تجليها عندنا منها في البلدان العربية الأخرى.
إن جزءاً كبيراً من هذه القضايا مغيب أو مسكوت عنه، وليس مطروحا حتى على شكل أسئلة. وطرح الأمور والظواهر للنقاش لا يعني بالضرورة إمكانية حلها الفوري، لأن قضايا من هذا النوع هي أكثر عمقا وتعقيدا وتشابكا من أن تحل بين عشية وضحاها، ولكن مجرد إثارة الأسئلة، وجعلها مدار بحث دائم، مما يفضي إلى تفريعات جديدة ومعالجات متنوعة، هو المدخل السليم لوعي المجتمع بمشاكله، والوعي بالمشكلة هو نصف حلها.
صحيفة الأيام
21 يناير 2008