المنشور

متى يتوقف النواب عن إدهاشنا..؟!


 
تابعنا.. وقرأنا.. وصدمنا.. ولم نصدق ما جرى.. وخلصنا الى ان الكيل قد طفح… 
نعم.. الكيل قد طفح من علل أصابت الحياة البرلمانية.. ومن أداء برلماني مفجع.. منكوب بعاهات مستديمة، ومن نواب أعفوا أنفسهم من العمل بما يجب ان يفعلوه من اجل الناس.. وبدوا انهم أعجز من ان يتحملوا مسؤولية العمل البرلماني الحقيقي، في المنهجية، والدور، والسلوك، والمنطق.. والأهداف والغايات الكبرى..!! 

فعلاً الكيل قد طفح، ومن تابع وتفرج على مجموعة النواب في الاسبوع الماضي، في مشهد استثنائي يضاف الى ما سبقه من استثنائيات يزخر بها المسرح البرلماني، هي اليوم معروفة للجميع، يمكن ان يخلص الى ان الكيل قد طفح حقاً ولم يعد بمقدور الناس ان يعولوا على النواب في شيئاً، هؤلاء النواب الذين ضبط عدد منهم في جلسة الاسبوع الماضي وهم غارقون في بحر شتائم أتقنوا في توجيهها لبعضهم البعض، وأظهر هؤلاء تميزهم اللافت بمهارات وملكات خاصة في البذاءة، وحسناً فعلت بعض مواقع ومنتديات التواصل الاجتماعي حين وثقت هذه المهارات وإضافتها لرصيد النواب في سجل إنجازاتهم باعتبارها علماً وفناً..!!

الجلسة إياها استهلها النواب بـ«هوشات» واختتموها بـ«هوشات»، تداول فيها النواب كلاماً من 
نوع «سد بوزك»، و«احترم نفسك» و«جب واسكت»، و«بكسّر ضروسك» و«اسكت أحسن لك»، 
 و «واعرف مع من تتكلم».. كل ذلك وغيره منشور وموثق واحتل عناوين الصحف المحلية، وكشفت ايضا بان الخلافات والمهاترات والعنتريات بين النواب أوشكت ان تصل الى استخدام الأيدي والتهديد بالدوس  في البطون..!! 

الى هذه الدرجة وصل حال مجلسنا النيابي، وإلى هذا المستوى وصل بعض من يفترض انهم يمثلون شعب البحرين، وإلى هذا المنحى من التصدع والاهتراء في العلاقات البينية بين النواب والى هذا الحد من التعسف في التغييب للسلوك البرلماني المقبول ولا نقول الديمقراطي، وإلى هذا الفقر في الأداء المحبط للهمم.. المشهد برمته، الأخير وقبله من مشاهد اخرى توالت تباعاً في المسرح البرلماني، كلها لم تثبت فقط حالة استخفاف طبقة نيابية بالعمل البرلماني، وعدم قدرة النواب على تحريك ما هو ساكن، وإنما علاوة على ذلك شكل ما حدث مبرراً للمطالبة بان يكون السلوك البرلماني بمستوى المسؤولية المفترضة، وبمستوى يرضي العقل والضمير.. وأحسب ان هذا أمر يتفق عليه البحرينيون، جميع البحرينيين الذين يستفزهم ما آلت اليه التجربة البرلمانية، ويرون بانها بددت احلاماً، وغيبت ضمائر، وبعثرت طموحات، وباتت التجربة واهنة بكل المقاييس.. وهذا حديث ممض وثقيل على النفس، في المرحلة الراهنة خصوصاً انها تفرض الكثير من الجدية، وأقصى قدر من المسؤولية في كل شأن ومجال وميدان..

صحيح أننا نستطيع ان نعثر على نماذج كثيرة مشابهة لمثل ما حدث في برلماننا وأشرس من سباب وشتائم ومعارك بين نواب في كوريا، وأوكرانيا، وكوسوفو، والهند، ونيبال، واليابان، وفي دول اخرى، ولكن الصحيح ايضا ان كل ذلك لا يمر مرور الكرام وكأن شيئاً لم يحدث؛ لأن هناك الناس يحاسبون من يمثل عليهم ولا يمثلهم، ويراقبون من يصعد باسمهم ولا يفعل لهم شيئاً، ويتصدون لانهيار قيم الأداء والالتزام، ويحاسبون حساباً عسيراً كل نائب لا ينهض بمسؤولياته وواجباته الوطنية، ولأن طبيعة المناخ المواتي والتربة المهيأة والثقافة الانتخابية في تلك الدول او بعضها لا تسمح بذلك، وتقطع الطريق لمن يريد ان يستعبط الناخب باسم الدين او الفئة او المذهب او الطائفة، كما ان قيمة الضمير حاضرة على الدوام، وليست غائبة على الدوام، ولذلك وجدنا هناك نواباً امتلكوا شجاعة الاعتذار عما اقترفوه تحت قبة البرلمان من أقوال وتصرفات ومزايدات ومزادات ومنكرات وآثام تمس العمل البرلماني، رغم ان دوافع عراكهم وتضاربهم في الغالب هو إطار لتنافس على تحسين أداء الدولة، والدفاع عن حقوق الناس، او الكشف عن فساد او فاسدين، وليس عراكاً على امتيازات ومكاسب ومزايا شخصية، وضعف في تحمل المسؤولية، وتزايد حب «الشو الاعلامي».. انهم هناك، في كثير من الدول يحسبون للرأي العام والمنابر والناخبين ألف حساب واعتبار، وليس مجرد سلع انتخابية، لا تعرف إلا ايام الانتخابات..!! 

نعود الى ما حدث في مجلسنا النيابي، وعلينا في هذا السياق ان نذكر بان هذه ليست المرة الأولى التى يتعارك فيها بعض النواب، فهناك حوادث مماثلة بشخوصها، وأسبابها، واصدائها، ويمكن الرجوع إليها عبر جوجل او من خلال أرشيف اي جريدة محلية، ولم نجد على إثرها نائباً واحداً، واحداً فقط يعتذر، بل ظل من ظل يمارس الخلل الى حد العبث، وظل بعضهم في حالة ارتجال وارتحال عن العمل البرلماني الحقيقي، لا يجيدون إلا المدح والإشادة، والمناورات والرغبات والمراوغات والمراوحات والمناكفات واللقاءات الثنائية مع الوزراء بذريعة بحث القضايا التي تهم الشعب.. وينسون او يتناسون ان مثل هذه القضايا تناقش تحت قبة البرلمان.. ذلك وغيره مما يزخر به الواقع البرلماني يظهر مدى الخلل في تأدية البرلماني لواجباته ومسؤولياته، وهو الخلل الذي ادى الى قصور يندر ان يكون له مثيل في القيام بالواجبات الرقابية بشكل صحيح، فضلاً عن الضعف الملحوظ في الأداء التشريعي، الأمر الذي حول الممارسات البرلمانية الى ممارسات شكلية، ونستطيع في هذا المجال ان نذكر بالكثير من الملفات التي تعاطى معها النواب بدءاً من الموازنة العامة، وبرنامج عمل الحكومة، والدَّين العام، وتقارير ديوان الرقابة المالية والادارية، مروراً بالاستجوابات، وسرقة مشروع الاستجواب إياه، ولجان التحقيق، والصلاحيات، تلك عينة ليس إلا، والحصيلة والمخرجات مريرة ومخيبة للآمال، لتبقى الاعمال الكبيرة في البرلمان تنادي من يقوم بها، من ينبري إليها، من يتحمل مسؤولياتها، لا أحد، طبعاً لا أحد..!! 

وإذا كان ثمة نواب يمعنون ولا يتوقفون عن إدهاشنا في السلوك والأداء والانجاز، والحديث عنهم هو استعراض لعناصر مشهد الحياة في بلدنا، لذا سيكون من قبيل قصر النظر، اذا ظننا ان من مصلحة البحرين ان تظل التجربة البرلمانية على حالها.. حال اللامبالاة والمراوحة والجمود، وسنبقي في هذه الحلقة المفرغة اذا عجزنا عن انتاج برلمان افضل نوعاً بسعر كلفة أقل، والكلفة هنا سياسية واجتماعية واقتصادية، لا وقت للمراوغات والتراجعات ولكنه وقت تصحيح المسار.. يجب على كل منا ان يعلم هذا وإلا ينسى ما عليه تذكره على الدوام.
 
الثلاثاء 16 فبراير 2016