المنشور

استحقاقات مؤتمر باريس للمناخ


أخيراً وبعد مفاوضات ماراثونية عسيرة، هددها الفشل في بعض مراحلها، أُسدل الستار في ضاحية لا بورجيه الباريسية على أهم مؤتمر عالمي لتغير المناخ بعد مؤتمر كيوتو لعام 1997 الذي أُقر فيه بروتوكول كيوتو الذي استغرق التفاوض بشأنه خمس سنوات منذ إنشاء اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ في عام 1992، ليكون برنامجا تنفيذيا لذلك البروتوكول والذي انقضت مدته البالغة 4 سنوات (من عام 2008 إلى 2012).
 
كان مؤتمر الأطراف ال 17 الذي عقد في مدينة ديربان بجنوب إفريقيا خلال الفترة من 28 نوفمبر إلى 9 ديسمبر 2011، قد اتخذ قرارا حمل رقم 1/‏CP.17 قضى بإطلاق عملية ترمي إلى وضع بروتوكول أو صك قانوني آخر أو وثيقة متفق عليها لها قوة قانونية في إطار الاتفاقية تسري على جميع الأطراف، من خلال إنشاء هيئة فرعية في إطار الاتفاقية بموجب هذا المقرر سُميت ب «الفريق العامل المخصص والمعني بمنهاج ديربان للعمل المعزز» (The Ad Hoc Working Group on the Durban Platform for Enhanced Action – ADP)، وأن يبدأ هذا الفريق عمله على سبيل الاستعجال في النصف الأول من عام 2012، وأن يقدم تقارير عن تقدم أعماله إلى الدورات المقبلة لمؤتمر الأطراف، وأن يكمل عمله في أقرب وقت ممكن، وعلى ألا يتجاوز عام 2015، و ﺑﻬدف اعتماد البروتوكول المذكور أو الصك القانوني أو الوثيقة المتفق عليها التي لها قوة قانونية، في الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف بحيث يبدأ نفاذ النص المعتمد وتطبيقه ابتداء من عام 2020  .
 
وهكذا كان، ففي مؤتمر الأطراف ال 21 الذي أنهى أعماله مؤخرا (من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2015) في باريس، أنهى «الفريق العامل المخصص والمعني بمنهاج ديربان للعمل المعزز» مهمته وتمكن من تسليم نص مسودة الاتفاق الجديد لتغير المناخ إلى رئاسة المؤتمر (وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس) الذي عرضه بدوره على الاجتماع العام لأطراف التفاوض الذي عقد مساء الثاني عشر من ديسمبر 2015 لإقراره في جلسة تاريخية شهد حضورها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وآل غور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق (في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون) وحشد كبير من كبار الوزراء والمسؤولين من كافة أنحاء العالم، ومختلف أجهزة الميديا العالمية التي حضرت خصيصا لتغطية هذه اللحظة التاريخية الفارقة في حياة الكوكب الأرضي.
التقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
 
(Intergovernmental Panel on Climate Change)، ومنها التقرير التجميعي الذي يضم أجزاء التقرير التالية: المناخ 2013: الأساس العلمي الفيزيائي، تغير المناخ 2014: الآثار والتكيف وهشاشة الأوضاع، تغير المناخ 2014: التخفيف من تغير المناخ – يؤكد بأنه حتى بالنسبة لأفضل السيناريوهات، لا يزال أفضل تقدير لمعدل الاحترار بحلول عام 2100 أدنى من 4 درجات مئوية. فقد كان كل عقد من العقود الثلاثة الأخيرة على التوالي أكثر احتراراً عند مستوى سطح الأرض من أي عقد سابق منذ عام 1850. ومن المرجح أن الفترة من عام 1983 إلى عام 2012 كانت أدفأ فترة 30 عاماً خلال فترة ال 1400 سنة الأخيرة في نصف الكرة الأرضية الشمالي الذي ينطبق عليه هذا التقييم. ويتوقع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بأن زيادة درجة الحرارة في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط ستتسبب في أن تصبح المناطق الجافة أكثر جفافاً.
 
مما تقدم يتضح أن العالم مقبل على كوارث مناخية، بحسب التقرير، إذا ما بقي العالم يشتغل اقتصاديا على النمط السائد حالياً (Business As Usual)، حيث إن ارتفاع درجة الحرارة بواقع نحو 4 درجات فوق المعدل المسجل قبل الثورة الصناعية (1750-1850)، بنهاية القرن الحالي، سوف يفضي إلى الكوارث التي يحذر منها التقرير، وبضمنها ارتفاع منسوب مياه المحيطات والبحار، وغمر مناطق جزرية وساحلية بكاملها. ولذلك جاء نص المادة ال (2) في اتفاقية باريس لتغير المناخ الجديدة، بأن الهدف العالمي هو ألا يتجاوز ارتفاع درجة الحرارة أقل من درجتين مئويتين بل والعمل على جعل هذا الارتفاع عند حدود 1.5 درجة. وليست بلداننا الخليجية استثناءً من هذا السيناريو المفزع بالنظر لكونها محاطة بمياه البحار من الشرق والغرب والجنوب. هذا فضلا عن الآثار الاقتصادية الخطرة التي سوف تنجم بالضرورة عما يسمى تدابير الاستجابة (Response Measures) التي تتخذها مختلف البلدان الأعضاء في الاتفاقية للوفاء بالتزاماتها في خفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري وفي مقدمها غاز ثاني أكسيد الكربون، إضافة إلى الالتزامات التي رتبتها الاتفاقية الجديدة على دول مجلس التعاون بضرورة الشروع في اتخاذ المبادرات لخفض انبعاثاتها، بما يعنيه ذلك من تخصيص أموال إضافية لهذه المبادرات وبالتالي ارتفاع تكاليف عملياتها الإنتاجية وخفض تنافسية منتجاتها وخدماتها ترتيباً. إضافة إلى اضطرارها لإبطاء دورتها الاقتصادية لتقليل حجم انبعاثاتها.
 
 
حرر في:   31/01/2016