المنشور

خلوة ما بعد النفط


قبل فترة أجرى موقع إلكتروني خليجي ما يشبه الاستطلاع بين مرتاديه حول صورة منطقتنا الخليجية بعد انخفاض أسعار النفط. وكما هو متوقع، فإن الصورة التي رسمها المشاركون لهذا المستقبل بدت متشائمة وسوداوية، وهذا هو الأمر المنطقي ما لم يجر الاستعداد لهذه المرحلة، فعندما ينضب النفط أو تشهد أسعاره سقوطاً مدوياً فإن العجز سيحل محل الفائض، وستجد الحكومات نفسها مضطرة للاقتراض، وتحمّل التبعات الكثيرة الناجمة عن ذلك، ما يجعل بلدان المنطقة أمام أزمات جدية غير مسبوقة.

خلوة «ما بعد النفط» التي جرت في «باب الشمس» تقدم نموذجاً إماراتياً يحتذى به في توفير الجاهزية الضرورية لمواجهة تحديات المستقبل. والمستقبل مقصود هنا في معناه الواسع، لا القريب فقط، فهذا الأخير باتت معالمه بالانخفاض الكبير في أسعار النفط في السوق العالمية، وقد يكون هذا الانخفاض، حتى لو طال، مؤقتاً كسوابقه، فتصحح السوق الأسعار مرة أخرى، حتى لو لم تعد إلى المعدلات الكبيرة التي بلغتها.
 
ولكن التعويل على أمر مثل هذا سيجعل من جهود التعامل مع انخفاض أسعار النفط مجرد ردة فعل آنية، بينما ذهبت خلوة «باب الشمس» إلى أمر آخر هو وضع الخطط التي يكون فيها اقتصاد الدولة بكامل عافيته حين يجري توديع آخر بئر من النفط، ففرضية تجاوز أزمة أسعار النفط الراهنة في المستقبل فرضية لا يعول عليها، فحتى لو حدث هذا التجاوز فإن ذلك لا يلغي إمكانية تكراره بوقع أكبر وبطاقات ونتائج أشد وخامة.

في خلوة «باب الشمس» تظهر دولة الإمارات من جديد ما تتحلى به إدارتها للملف الاقتصادي والتنموي من حكمة وحصافة وبعد نظر، جعلت من اقتصادها واحداً من أقوى اقتصادات المنطقة، وأكثرها قدرة على مواجهة التحديات، وأكثرها جاهزية للتعاطي مع أية متغيرات مفاجئة، بفضل توفر الإرادة السياسية الواعية بمخاطر المستقبل والقادرة على صوغ الاستراتيجيات الضرورية للتعامل الناجع معها.

منطلق هذه الإدارة الإماراتية الناجعة هو إدراك أن النفط ثروة غير متجددة وناضبة، وحتى قبل نضوبها فإن أسعارها عرضة لتقلبات دراماتيكية تجعل من الصعب الركون إليها وحدها في وضع الخطط التنموية. وبالتالي فإن التعويل هنا يجب أن يكون على تعدد مصادر الثروة، لتشييد اقتصاد منسجم ومتماسك، وهذا لن يتحقق إلا ببناء ثروة بشرية منتجة ومبدعة يمكن التعويل على طاقاتها ومداركها في التعامل في رسم صورة المستقبل.
 
 
حرر في: 01/02/2016