المنشور

في صومعة عبد الرحمن منيف


 
في ختام مقالة ضافية لي بعنوان «بروفايلات لعبد الرحمن منيف» ضمنتها كتابي الأحدث: «الكتابة بحبر أسود»، تحدثتُ عن جانبٍ آخر لا يعرف عنه الكثيرون في شخصية منيف، هو ولعه بالفنون التَّشكيلية، وأن صداقة عميقة انعقدت بينه وبين الفنان التَّشكيلي السّوري المقيم في ألمانيا مروان قصَّاب باشي، كان الاهتمام بالفن التشكيلي أحد مرتكزاتها.
 
ووقعت عيني في الأيام القليلة الماضية على مقالة قديمة ممتعة لمروان باشي نفسه عنوانها: «عبد الرحمن منيف: عندما يرسم الكاتب»، وهي مقالة تقدم لنا هذا الجانب المغفل عن منيف.
 
يحكي باشي أن صديقاً مشتركاً بينه وبين منيف سأله ذات مرة ، وهما عائدان من دمشق إلى برلين ، ما إذا كان قد رأى من قبل صومعة عبد الرحمن منيف، فأجاب باشي بالنفي، فعلى الرغم مما بينه وبين منيف من صداقة، إلا أنه كان يجلس في كل مرة يزوره في بيته في الركن نفسه بعد أن يتأمل ما جمعه منيف من لوحات، ثم يتبادلان الحديث ساعات طوال حول اهتماماتهما ومشاريعهما المشتركة.
 
عقد مروان باشي العزم على أن يأخذ بنصيحة الصديق المشترك ويطلب في أول زيارة له لدمشق من منيف أن يأخذه إلى تلك «الصومعة»، وهذا ما حدث حين ولجا سوياً ذلك المكان المنزوي في داره.
 
جال باشي في الأعمال الفنية المعلقة على ما تبقى من فراغ في الحائط بين الكتب، وتمعَّن في الطاولة التي سهر عليها منيف الليالي، وعليها كتب عدداً من رواياته ، فشعر أنه يرى فيها الشاهد الصامت على ولادة الكثير من أعماله.
 
ولأن عين الرسام تشبه عين الباشق في البحث عن الولائم البصرية ومواقعها، كما يقول باشي، فإنه لاحظ فيما لاحظ على تلك الطاولة بعض التخطيطات بالحبر الأسود كانت غريبة عليه، وأثارت فضوله فسأله إذا كان بالإمكان رؤيتها، فأجابه منيف بنوعٍ من الحذر والتردد: تفضل.
 
لم تكن تلك الرسوم تحمل أي توقيع عدا بعض التواريخ والأسماء التي وردت في كتاب منيف «سيرة مدينة»، وراح يتأملها وهي بين يديه معجباً بها وبطريقة رسمها، قبل أن يسأله عمن رسم هذه التخطيطات الجميلة فأجابه منيف بابتسامة تنطوي على بعض الخجل والحرج أنه هو من رسمها، مضيفاً أنها للتسلية فقط.
 
لم يخفِ مروان باشي مفاجأته بما رأى. لقد اكتشف وجهاً آخر خفياً لصديقه، كان يجهله على ما بينهما من صداقة متينة.
 
حرر في: 28/01/2016