المنشور

جينات الطاغية


هل يسعف علم النفس في تحليل سلوك الطغاة؟ يبدو أن هذا ما فطن إليه علماء النفس حين اهتموا بتحليل السير الذاتية للطغاة والمستبدين ، لرؤية العوامل والارتكاسات النفسية في حياة هؤلاء منذ الطفولة التي جعلت منهم شداداً غلاظ القلب.

وحسب توصيف أحد الكتّاب، فإن كل الطغاة الكبار كانوا يوماً أطفالاً بهم براءة ووداعة الأطفال أو هكذا يفترض.
إن رؤية صور قديمة لهتلر الطفل أو موسوليني الطفل أو إيفان الرهيب الطفل ، تدل على أنهم كانوا في وقفاتهم ونظراتهم يشبهون بقية الأطفال.

طبعاً ليس بوسعنا الحديث عن هولاكو أو تيمورلنك أو الحجّاج لأننا لم نر لهم صوراً، سواء كانوا رجالاً أو أطفالاً، ولكن من المنطق الافتراض أنهم كانوا في طفولتهم كبقية الأطفال، أبرياء، مرحين أو حتى متجهمين، ولكنهم لم يكونوا طغاة بعد.
ويقال إن صغار الجلادين من الذين يستخدمون عادة في أجهزة القمع لممارسة التعذيب الجسدي ، يجري اختيارهم بعناية ليكونوا من ذوي تكوينات نفسية خاصة وانحدارات اجتماعية متدنية ، تجعلهم أقرب إلى النقمة على المجتمع ، خاصة إذا كانوا من أوساط عائلية تعاني التمزق، ويخضعون لتربية خاصة قاسية تنمي النزعات العدوانية في دواخلهم.

اطلعت مرة على دعوة لدراسة جينات الطغاة دراسة فاحصة متأنية، حتى يستفاد منها في منع طغاة المستقبل من الوصول إلى مواقع السلطة التي تجعل منهم ديكتاتوريين وقتلة، فبالاستفادة من خريطة جينات من عرفه التاريخ من طغاة ، يمكن الحيلولة دون صعود طغاة جدد إلى الأماكن والمواقع التي تجعلهم يمارسون طغيانهم على الجماعة.
وهي تبدو دعوة طوباوية بعض الشيء، لكن صاحب الدعوة أورد هذا القول في سياق حديث عن ضرورة دراسة الظاهرة الاستبدادية: كيف تنشأ نواتها؟ كيف تتطور؟ كيف تنمو بالاستعانة بمناهج بحث مختلفة ، منها منهج التحليل النفسي، بالإحالة طبعاً إلى مؤسسه سيغموند فرويد.

وهي دعوة مغرية، لولا أن كتاباً يناقش السيرة الذاتية لفرويد نفسه مطبقاً منهج التحليل الذي وضعه عليه شخصياً، بلاحظ أنه واجه، أي فرويد، في حياته أعراض هستيريا تعود جذورها إلى طفولته المبكرة بما يخضع استنتاجاته، هو نفسه، للمساءلة.

وأياً كان الأمر، فإن شخصية الطاغية أو الديكتاتور أعقد من أن تدرس من زاوية واحدة. إنها شخصية معقّدة، تتطلب منهجاً مركباً لتحليلها من جوانبها كافة، بما فيها الجانب النفسي، إن لم يكن لتفادي تكرارها، فعلى الأقل للاتعاظ من ظروف تشكلها.
 
حرر في: 25/01/2016