المنشور

هـــل مــن فسحـــــــــة أمـــــــل؟!


فسحة أمل.. هل يمكن أن يشهد هذا العام الجديد الذي استقبلناه قبل أيام ولادة فسحة أمل باهرة الوضوح، تعيد السكينة إلى قلوبنا، والطمأنينة إلى نفوسنا، وتجعل كل منا غير خاضع لغواية من يمارسون الخطيئة فى حق عقولنا، وبشكل الذي يجعلنا بحق قادرين على حماية أنفسنا من رعاعنا، هؤلاء الذين لم ينتجوا لنا سوى الخيبة تلو الخيبة، والفشل تلو الفشل، وبددوا طاقاتنا فى إثبات البديهيات والثوابت الوطنية..!!

البديهيات يعلمها الجميع، بمن فيهم ذوي العقول الفجة والبارعون في ارتكاب حماقات تجاهل أو تغييب هذه البديهيات وهم كثر، فعلوا ذلك ويبدو أنهم سيظلون يفعلون ذلك دون مواربة في هذا العام، وفي كل عام، لحسابات تكاد ان تكون معلومة بل هي معلومة بالفعل، او هؤلاء أجادوا بتخابث تحويل أزماتنا الى فرص، ومغانم، ومنافع، وهيمنة، وهذا وحده كافٍ بالنسبة لهم، ولا أحسب أن هذا كله قد خاف على ذوي الفطنة..!!

المواطن البحريني الممسك بحبال الأمل، والذي ليس أمامه خيار سوى الأمل بأن يعوض عليه عام 2016 ما هو باعث على الأمل حقًا، عوضًا عن تلك الخيبات المتراكمة في العام المنقضي وما قبله، خيبات جعلت العنوان الطائفي والمذهبي الأكثر بروزًا، ودفعت كل شأن وطني الى منحى مظلل وطائفي، خيبات شجعت عقلية الشقاق ومست الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي..

صحيح، إنه في مستهل كل عام جديد ألفنا مراجعات حصاد السنة المنصرمة، ومحاولة رسم خطى مشوار زمني جديد على هدى ما تراكم من خيبات وإخفاقات ونجاحات ودروس، غير أنني أفضل اليوم أن نضع الماضي وشجونه وتراكماته وراء ظهورنا، ومع أمل أن تتركز الجهود على ما يفتح لنا آفاقًا جديدة من العمل الوطني الذي يجعلنا نتجاوز حال المراوحة التي نحن فيها، أعلم بأن هذا كلام لا يعجب البعض، ولكن الظروف الضاغطة والتحديات الداخلية والإقليمية التي تلقي بظلالها علينا بشكل أو بآخر، والبعد الاقتصادي والاجتماعي، وما بات يزخر به واقعنا من آفات ومعضلات بما فيها إفرازات العبث الذي حصل في نسيجنا الاجتماعي، كل ذلك وغيره يفرض ان تعي كل القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني وقادة الرأي والفكر وكل الأطراف الغيورة على مصلحة البحرين العمل كوحدة مجتمعية خالية من العقد والحساسيات والمفاضلات المصطنعة، بما يضمن خلق تربة تفوت الفرصة على الانتهازيين والطائفيين وأصحاب الحسابات قصيرة النظر، وفتح الباب لدينامية فعالة وفعل مشترك يزيح عن العقول جميع الاغلال التي يريد ان يضعها البعض للحيلولة دون تلاحم وطني حقيقي يضمن النجاح للجميع،ويجرجنا من حالة لمحافظة على المراوحة.. والعودة بنا إلى خانة الصفر كأن شيئاً لم يكن تلاحم لا يكون موضع منافسة على أدوار، أو مكاسب آنية، أو بهرجات إعلامية عقيمة، وباختصار تلاحم يخلق مناعة ضد النهش في بعضنا البعض، وهذا كلام نسارع، ونقول حتى لا يعتب أحد على أحد، بأنه موجه إلى الجميع..!!

وبالنسبة للقوى السياسية الوطنية الديمقراطية فالمطلوب منها أن تتداعى الى عمل وطني مشترك ومنسق يجسد دون شك أهم المراهنات المقبلة في الأجندة الوطنية، ويمثل أسمى الخيارات وأصدقها للعمل السياسي وسط موجة التزاحم وحتى التصادم بين الأراء، وأن تدرك هذه القوى مسؤولياتها في هذا المنعطف الدقيق بترجيح كفة التوافق الوطني على أية خيارات، وأن تتبنى مبادرات.. مبادرات واعدة لتعزيز العمل الوطني وكل ما يعوزه الموجب الوطني ولا يجعلهم مشغولين ومنشغلين ومتشاغلين عن هذه المبادرات، وأحسب أن حالة الترقب في هذا العام الجديد لمثل هذه المبادرات واردة يتطلع إليها الكثير من المواطنين الذين أنهكتهم حال المراوحة الراهنة، وهو ترقب مشروع يعكس حرصًا على إنقاذ البلاد من الحالة المقلقة، كما مطلوب من الدولة حوار وطني جاد بكل ما تعنيه الكلمة من جدية تؤكد بأنه لا تراجع عن إنجاز العملية السياسية المستهدفة كما هي في ميثاق العمل الوطني، والمساعي لتأمين هذا الهدف وإيقاف تصديع الوحدة الوطنية، والتمسك بكل ثوابتها ومقوماتها، وعدم الإنكباب على ما يخلق المعوقات والإعاقات والخروج من حال المراوحة، هل يمكن أن يكون هذا الهدف خارج دائرة الالتباس وغموض النصوص والتأويلات والمواقف، من أولويات وإنجازات هذا العام..؟!

هذا هو المطلوب والمأمول بالذات لا أكثر كثيرًا ولا أقل قليلاً، البدأ فى التهيئة لهذا الأمل.. أمل واضح المعالم، لا يكون بين بين، أمل مقرون بخطة عمل تدلنا الى طريق السلامة، وتحقق أسباب العافية لنا جميعًا، ونعلم بأن من أسوأ الأشياء أن نمنح المواطن أملاً زائفًا بسوق الأمنيات..سيكون من الخطا الفادح ان نفقذ الأمل.. وحتى لايصير هذا الأمل هلوسة يحتاج من الواقع ان يقنعه أو يدعمه او يحييه ويبقيه حتى لا يقتل في نفوس الناس..  المطلوب أمل حقيقي وإلا فإن حصيلة هذه السنة ستكون كالسابقة مريرة ومخيبة للآمال وما أتعس الشعوب التي يموت فيها الأمل..!!
 


الثلاثاء 5 يناير 2016