المنشور

زمن مواثيق الشرف… !!



إذا كان
من نية، من رغبة، من توجه، من إصرار بجعل ميثاق الشرف الطوعي والتوافقي الذي وقع
عليه رؤساء تحرير الصحف المحلية مؤخراً وبرعاية وزير الاعلام، يستهدف حقاً نبذ
الفتنة والفرقة والتعصب والكراهية ورفض التخوين والطائفية ووقف كل ما يثير الضغائن
والازدراء والتحريض وما يمس الوحدة الوطنية بشكل أو بآخر، وكل ما يشكل أولاً
وأخيراً معاول هدم وتدمير المجتمع فذلك غاية المراد وأمر مرحب به ومطلوب وخير البر
عاجله.. بل إننا نقول ونؤمن بما نقول بأنه لا خير في أي مبادرة أو خطوة او مشروع
وعلى اي مستوى وفي أي مجال لا تتبنى او تدعم تلك الأهداف.  
قد يكون مبكراً الحكم على ما سيؤول اليه حال هذا الميثاق، وإذا
كان لدينا اكثر من سبب، بل اسباب قوية للترحيب بقوة وبحماس بفكرة ومرامي الميثاق
وبأهدافه التي أخذ الجميع علمًا بها، وهي الأهداف التي نحسب انها توفر عنصر جذب
بالنسبة للكثير من البحرينيين، بل احسب انهم الغالبية ممن يرفضون استمرار محاولات
هتك النسيج الوطني، والطعن في الثوابت الوطنية، وكل ما يعد جريمة بحق الوطن
والشعب، خاصة من جانب من حولوا الأزمة الى فرصه، والذين ظهروا من كل حدب وصوب
وكانت ولا زالت لهم صولات وجولات وبطولات وهمية في سبيل تعميق الأجواء التي تنمو
فيها الشروخات والجروح والخيبات، وتتأجج فيها بلا اكتراث مشاعر الناس وتتغيب فيها
البصيرة، وأرادوا ان تكون هذه الأجواء المشينة والمنهكة مزمنة بالطول والعرض كي
يظل الجميع في هذه الارض يتلقون وعلى الدوام من الهم والغم والقلق والمرارات جرعات
مضاعفة وبنكهات مختلفة، وهذا أمر لا يحتاج الى اجتهادات..  
لا نريد أن نعرّج على الشكل دون المضمون فيما يخص ميثاق الشرف
الجديد فهو بيت القصيد الآن، ولكن أظن ان من المهم قبل ذلك ان نذكر ونستحضر ميثاق
«صحفيون ضد الطائفية» الذي تبنته جمعية الصحفيين البحرينية في الثالث من مايو 2008
والذي كان الهدف منه مواجهة الخطاب الطائفي بكافة اشكاله، ثم ميثاق الشرف الذي
وقعه في سبتمبر 2012 ووسط هالة اعلامية لافتة اكثر من 360 من اعضاء الأسرة الصحفية
والإعلامية من محررين وكتّاب وناشطين ومؤسسات، وتم ذلك بحضور رئيس الاتحاد الدولي
للصحفيين وهو الذي قال خلال تدشينه حفل تدشين عملية التوقيع بأن هذه الخطوة تأتي
في مرحلة يراد فيها تكريس عدم التسامح والصراعات المجتمعية، كما نذكر ونستذكر
بميثاق الشرف للإعلام المرئي والمسموع في 6 يونيو 2012 والذي قيل بأنه يمثل خارطة
طريق ومنهج واضح لتعزيز قيم المسؤولية في مجال الاعلام، والحفاظ على المصالح
والمكتسبات الوطنية.  
نعود إلى ميثاق الشرف الذي وقعه رؤساء تحرير الصحف المحلية،
والذي قال عنه وزير الاعلام «بأنه الاول من نوعه في تاريخ الصحافة البحرينية، وأنه
يجسّد وعي القائمين على هذه الصحف بأهمية الالتزام بأداء وأخلاقيات المهنة على أسس
تراعي المصلحة العليا للوطن والمواطنين ونبذ الفرقة والتعصب والكراهية»، هذا
الميثاق رمى حجراً في مياه راكدة حين فرضت الحاجة الى التذكير مجدداً بمجموعة من
المبادئ التي يفترض ان تحكم العمل الصحفي بدءاً من العمل على ترسيخ أواصر المودة
والوحدة الوطنية، وتجنّب ما يثير التمييز او التشهير او الفتنة او التفرقة بين
فئات المجتمع، مروراً بعدم نشر عبارات طائفية او تخوين مكونات المجتمع وإثارة
النعرات او التحريض على بغض طائفة او طوائف من الناس او الإزدراء بها او التحريض
وما يبث الشقاق في المجتمع والمساس بالوحدة الوطنية، وانتهاءً بالالتزام بالا تكون
أي صحيفة أداة لإثارة الفرقة او الطائفية، وان تكون حريصة على تجنب التصنيفات
المذهبية، او استخدام المفردات والمصطلحات والعبارات والصور المثيرة للجدل
والتأويلات، وتلك أهداف بات من المهم والضرورة والمصلحة التمسك بها والالتزام بكل
مقتضياتها، وهذا يفرض ويفترض بان حداً فاصلاً وحازماً قد وضع لبعض الممارسات عير
الحميدة في صحافتنا، هذه التي تتجلى في مقالات وأعمدة رأي وأخبار وتقارير فيها من
تصفية الحسابات وإثارة الضغائن اكثر مما فيها من الغيرة على الوطن والمستقبل..  
نعلم بأن المنكبين والمنقبين عن جدوى «مواثيق الشرف» عندنا وعند
غيرنا قد يجدون بأن فكرة المواثيق هي عقيمة ومعدومة الجدوى، بل وأنها ابتذلت في
واقعنا العربي بعد ان أصبحت «علاقات عامة» وليس سياسات عامة يلتزم بها، ووجدنا
مواثيق شرف في كل قطاع ومجال وميدان، اسوأ ما في هذه المواثيق او في معظمها ان
المطاف انتهى بها الى ما يرسخ القناعة بان وجودها وعدمه سواء، اذ بقيت دون إرادة
او قرار يترجمها الى واقع وممارسة، بل انها فتحت باباً للتأويل وسوء الفهم، او
الاختلاف حولها في الرؤى والتقديرات والدافع والقراءات والحسابات والتباينات في
مفهوم قيم المسؤولية المهنية والوطنية وضوابط حرية الرأي والتعبير، لذلك هناك ما
يبرر تلك الحساسية التي تنتاب البعض عند الاعلان عن مشروع أي ميثاق شرف، وننسى او
نتناسى ان القيم والمبادئ لا تملي على الناس، او على هذا الصحفي او ذاك الإعلامي،
او على هذه الجريدة او تلك، كما نعلم ان اللغة العربية محيط متلاطم الأمواج لا
تتوقف في الدلالات والإشارات والتلميحات والمترادفات أحسب انها لا توجد في اي لغة
أخرى، ومن يريد ان يتجاوز الظوابط غير الملزمة التي يقتضيها هذا الميثاق او ذاك،
يمكن ان يتلاعب بالألفاظ ويمارس الغمز واللمز وما هو بعيد عن نزاهة التناول ويصب
في مجرى إثارة الحساسيات التي تغذى بالنهاية ما هو متوفر في سوق الصراعات
والمماحكات والمناكفات وتوسع المناخات التي تضرب أهداف ميثاق الشرف عرض الحائط،
حتى وان جاءت بذريعة حرية الرأي، ونحن على يقين بان هناك الكثير من الجرائم ترتكب
تحت هذا العنوان..! لذا لم يكن غريباً ان يظل عدد من محترفي الخطاب الطائفي
ومنتجاته، ومنهم من وقع على ما ذكر من مواثيق سابقة يواصلون وبقدرة فائقة على
نهجهم بشكل او بآخر يستعيدون ويكررون دون ملل نفس الافكار، نفس الخطاب، نفس المراوحات
والمروغات وما يعد رجساً من عمل الشيطان، يفعلون ذلك كما لو انهم يؤدون وظيفتهم
الطبيعية، او يقومون بعمل بطولي، وأحياناً كما لو انهم اصحاب موقف وقضية..
!!  
لم يكن مستعصياً ان نلاحظ ذلك، لذا سيظل من المهم جداً جداً ان
يأخذ ميثاق الشرف الجديد مداه الحقيقي في الالتزام والتنفيذ بحسم وجدية، وسيكون
هذا أمر مدهش ومذهل بحق لأسباب أحسبها معلومة للكافة..!! ولن يشفع لأحد ممن يريد
أن تبقى المحصلة مريرة ومخيبة للآمال. 
  
15 ديسمبر 2015