المنشور

نحن والقوى الإقليمية



لم تتغير أجندة القوى الإقليمية حولنا خلال العقود الماضية، رغم تغير
النظم السياسية فيها، فالأمر ليس مرتبطاً بطبيعة النظام السياسي، وإنما بمصالح
الأمم. 
  
وعلينا، على سبيل المثال، أن نتذكر أن امتلاك القدرة النووية، كان في
الأصل هدف شاه إيران السابق، الذي لم يتمكن من بلوغه قبل إطاحته ، ولكنه ظلّ هدفاً
قائماً بلغه مَن حكموا إيران بعد قيام الجمهورية الإسلامية. 


وعلينا
أن نتذكر أن تركيا حتى في ظل هيمنة الجيش عليها على مدار عقود كانت تلعب دوراً
إقليمياً مهماً وتسعى لتوسيعه، مستقوية بعضويتها في حلف «الناتو»، وهي عضوية ظلت
مستمرة بعد صعود أردوغان وحزبه إلى السلطة، كمرتكز من مرتكزات العقيدة العسكرية
والسياسية للدولة. 


الشيء
الذي استجد هو أن البلدين باتا يحكمان من نظامين إسلاميين ما أضفى غطاء دينياً على
توجهاتهما في السياسة الخارجية، التي ظلت، في الجوهر، ثابتة. وبالنظر إلى اختلاف
مَذهبيْ من يحكمون البلدين ارتدى التنافس بينهما طابعاً مذهبياً، يعيد إلى الأذهان
التنافس الصفوي – العثماني، الذي هو تنافس على النفوذ والمصالح. 


في
غياب المشروع الوطني الخاص بكل دولة عربية، وغياب المشروع القومي العربي الجامع،
وتعمق الانقسام المذهبي في المجتمعات العربية الذي من مصلحة اللاعبين الإقليميين
تعميقه وتجييره لأهدافهما ، صار السُنّة العرب يهللون للنموذج التركي في الحكم،
ويحتفلون بنجاحات حزب العدالة والتنمية الحاكم كما لو كانت نجاحات لهم، وصار
الشيعة العرب يهللون لكل ما يعتبرونه نجاحات تحققها إيران كما لو كانت نجاحات لهم
هم. 


مشروع
تركيا ليس في جوهره مشروعاً سُنيّاً، ومشروع إيران ليس في جوهره مشروعاً شيعياً. 


هناك
مشروع قومي تركي، وهناك مشروع قومي إيراني، وما العباءة المذهبية إلا وسيلة من
وسائل تمكين المشروعين، في ظل حالة الهشاشة والتمزق التي يعانيها العالم العربي. 

لم
يعد أحد يتحدث عن المشروع القومي العربي الذي تربت عليه أجيال منذ بواكير الفكر
النهضوي العربي، وغابت الروافع الاجتماعية والفكرية والهياكل الحزبية والتنظيمية
الحاملة لهذا المشروع أو توارت، فوجدت القوى السياسية الناشطة، وجلها تمثل الإسلام
السياسي بكل تلاوينه، ضالتها في التعلق بمشاريع ليست مشاريعها الخاصة وإنما هي
مشاريع لدول أخرى، من مصلحتها أن يظل العالم العربي مجزأً، ومفككاً وفاقداً
للإرادة السياسية.

وفي
غمرة هذا كله جرى السكوت عن أهم وأخطر مشروع تدميري للمنطقة ونعني به المشروع
«الإسرائيلي»، الذي بات في مأمن من أي مساس عربي منه.

 

حرر في:
25/11/2015