المنشور

خذوا حذركم..!!



هناك
اسباب تحرّضنا على القلق، فحين يشعر المواطن بأن وضعه الاقتصادي وأمنه الاجتماعي
بات مهدداً مباشرة، وأن الخطر الذي يمس هذا الوضع بات على الأبواب فهو أمر يدعو
الى القلق حتماً وبلا منازع.. 


الحديث المرير عن الوضع المالي للدولة، والتحدي الناجم عن تفاقم
الدين العام والمديونية وتداعيات ذلك على الحاضر والمستقبل، والتحذير الشديد من
إجراءات تقشفية شديدة قد تمس المواطن بشكل مباشر وما يقدم اليه من خدمات وبرامج
حكومية من إسكان وخدمات صحية واجتماعية، والتلميح بانها قد تمس الرواتب، وهو
التحذير الذي اطلقه وزير المالية في تعليقه على مناقشة النواب في الأسبوع الماضي
على مشروع قانون بشأن تحديد سقف الدين العام الحكومي بـ60٪ من الناتج المحلي
محذراً إياهم من مغبة اقرار هذا المشروع، وبدا كما لو انه يقول بأنه ليس بالقانون
وحده تنصلح الأمور..!! 


هذا الحديث المرير، وذلك التحذير الشديد يعظمان حالة التوجس
والقلق لدى المواطن، هذا المواطن الذى يجد بأن عليه أن يتهيأ لتحمّل تبعات قرارات
صعبة مرتقبة ستفرض نفسها ان عاجلاً أو آجلاً، حيث لا يمكن ان يفهم المواطن مما دار
في مجلس النواب وردود وزير المالية غير هذه الحقيقة رغم تطميناته وقوله بـ(مالنا
عين نبدأ بالمواطن) ويضاف الى ذلك قوله: «إن الحديث الان عن المقتدرين والقادرين
على الإسهام اكثر فى البلاد لا المواطنين»، ولكن وزير المالية في نفس الوقت حذر من
تداعيات «تقييد» الدَّين العام «بالمشروع المطروح وهو أمر برأيه لا يعالج بتصويت
ولا قرار ولا قانون»، وجاء تأكيده بأن اقرار مشروع قانون للدين العام يحدد سقفه
بـ60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على إلزام الحكومة باتخاذ اجراءات
حال وصول الدَّين العام الى 40 في المئة لمنع وصوله الى تلك النسبة، على ان ترصد
في الميزانية المبالغ الكافية للوفاء بتقديرات الفوائد وإسقاط القروض، بأنه أمر
سيؤثر على المواطن، وهذا كلام وحده كافٍ ليعطي مبرراً لحالة التوجس والقلق لدى
المواطن. 


كان المأمول والمنتظر، بل كان من الواجب ان يطرح للمناقشة قبل
كل شيء، السياسة المالية والنقدية، وخطة الحكومة لمواجهة الدين العام الذى ارتفع
من 950 مليار دينار الى 10 مليارات دينار، وخطتها في مجال خدمة الدَّين العام
وتنمية الإيرادات وتغطية العجوزات، وأسباب الاقتراض ومسار الفوائد، والى اي مدى هي
قدرة الدولة على تمويل العجز من الاقتراض، وما هو حدود التعاون بين السلطتين
التنفيذية والتشريعية في مواجهة ومعالجة هذا الوضع، وفي إيجاد البدائل والوسائل
الفاعلة لزيادة الدخل دون ان يرهق المواطن بأعباء لا يتحملها، ولماذا تكون شركة
«ممتلكات» وهى الصندوق الاستثماري والسيادي للبحرين بمنأى عن اي اسهام في الموازنة
العامة؟..! 


المثير والمقلق في آنٍ واحد ان المواطن لا يعرف شيئاً عن كل
ذلك، وكأنه لا يجوز له ان يعرف شيئا، والمسؤولين الذين يفترض انهم معنيون لا يجدون
انفسهم ملزمين بأي توضيح للرأي العام البحريني للسياسة المالية والنقدية
والاقتصادية المتبعة او التي ستتبع لاحقا..!! لذا ستظل التأويلات والتفسيرات
والاستنتاجات والهواجس والمخاوف كثيرة في ظل غياب التفسير الرسمي الواضح والشفاف،
وفي وضع كهذا تقفز الى الواجهة قائمة من الاسئلة التي يبحث المواطن عن إجابات لها
بلا طائل، وكل يوم تزداد قائمة الاسئلة، ولعلي اطرح عليكم مجرد عينة من تلك الاسئلة
الحائرة: 
ـ وزير
المالية لفت في جلسة الأسبوع الماضي لمجلس النواب الى ان الحكومة تقترض 132 مرة في
السنة..! والمشروع المقدم من النواب يجبر الحكومة على اللجوء الى المجلس في كل مرة
ترغب فيه الاقتراض، والسؤال.. ألا يفترض ان تكون هناك رقابة على الأموال المقترضة؟
ثم ألا يفترض وجود سقف قانوني لإجمالي الدَّين العام يبقيه عند الحدود الآمنة؟ حتى
لا نظل نقترض لسداد فوائد قروض سابقة، ونعيد الاقتراض لتسديد فوائد قروض لاحقة، ثم
أليس ديوان الرقابة المالية والادارية في ملاحظاته على حسابات الدولة هو الداعي
الى وجود قانون خاص وشامل ينظم الدَّين العام وعملياته، ويحدد القواعد والظوابط
والسياسات والإجراءات المتبعة لعملية الاقتراض..؟ ومن دون الربط الخاطئ للإشارات
نذكر ونتذكر في هذا السياق كلام النائب الاول لمجلس الشورى وليس غيره حين نبّه الى
ان الحكومة اقترضت في عام 2011 مليار دينار والعجز 30 مليوناً، فأين ذهب
الفارق..؟!!! وهو سؤال وجيه لم يحظَ بإجابة حتى الآن.. 
  
ـ إذا كان
المبرر لرفض مشروع قانون الدَّين العام المطروح منذ عام 2008 كونه لا يتّسم
بالمرونة، ويضع قيوداً على قيام مصرف البحرين المركزي ووزارة المالية بإصدار أدوات
الدَّين العام في السوقين المحلي والخارجي، فهل هذا يعني بان ليس هناك حاجة ولا
ضرورة لتنظيم عملية الدَّين العام وتوقيتات الاستدانة وموجباتها، ومعرفة كيفية
ادارة هذا الدَّين بصورة محكمة وشفافة..؟! 


ـ ما سياسات تنويع مصادر الدخل التي سمعنا عنها كثيرا، ماذا
حققت من نتائج هذه السياسات؟ ثم ما توجهات الدولة في مجال التخصيص، وهل هي واقعية
ومدروسة هذه التوجهات ان وجدت؟ ثم، هل الصناعة التي هي حجر الزاوية في مستقبل
اقتصاد اي بلد، التصديرية بوجه خاص، يمكن بظروفها وأوضاعها الراهنة ان تكون مصدر
رئيسي من مصادر الدخل، وهل السياحة يمكن ان تكون هي الأخرى ركيزة من ركائز التنويع
الاقتصادي، وهل الظروف والبيئة الاجتماعية والمقومات كلها تسهل عملية النهوض
الحقيقي بالواقع السياحي؟ وهل صناعة الخدمات المالية والمصرفية في الوضع الأمثل
وبالقدرة التنافسية المفترضة فى الظروف والأوضاع الراهنة؟ ثم هل هناك استراتيجيات
واضحة مدروسة ومتفق عليها لإدارة الاقتصاد الوطني، ثم لماذا لا يطرح موضوع كفاءة
وفعالية هذه الادارة والرؤية المستقبلية للاقتصاد البحرينى لنقاش عام، على الاقل
في مجلس النواب ان كان النواب قادرين على فعل ذلك؟ ثم ما التصور فيما يخص اعادة
هيكلة الادارة الحكومية، وبرأي ما انه سيكون من الخطأ الفادح انحصار محاولة اعادة
الهيكلة في بعض عناصرها مثل دمج بعض الأجهزة او إلغاء بعض الأجهزة، او تبسيط
الاجراءات او تقديم الخدمات في اطار الحكومة الإلكترونية بل تتناول تلك العناصر
وغيرها ولكن في اطار رؤية جديدة لدور الادارة الحكومية تأخذ بعين الاعتبار أحداث
تغيير جذري في الكثير من الأسس والمفاهيم التي تؤدي الى تبنى منطق التركيز على
التخطيط والنتائج والأداء المؤسسي الرفيع والنزيه القابل للقياس بدلاً من التركيز
على منطق الاجراءات البيروقراطية والترهل والجمود وانخفاض الكفاءة..!!  

يضاف الى ذلك اسئلة من نوع: هل يتم التكامل والتنسيق الفعليين
بين الوزراء والجهات الرسمية، بحيث تتكامل جهودهم في خانة واحدة هي خطة تنمية
البلاد وتطوير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..؟ وهل هناك إدراك حقيقي
مدروس البعيد عن الاجتهادات الشخصية لهذا الوزير او ذاك لما يمكن ان يعرف بفقه
الأولويات التي ينبغي التركيز عليها حتى على المدى البعيد، والتي لا ينبغي تجاهلها
او تأجيل تنفيذها لكون نتائجها بعيدة المدى والتعجيل بها ليس ضرورياً، لأنه ان
تأخر سيكون المعنى ان هذا المدى الطويل سيكون أطول وأبعد، ولا ننسى ان كثيرا من
مشاكل الحاضر التي نعاني منها يرجع الى التردد في مواجهتها في وقت مبكر بذريعة
انها تقتضي حلولاً بعيدة المدى..!! 

تلك عينة من الاسئلة الحائرة التي لا نهاية لها ولا إجابات
تطمئن الناس الذين سيظلون ينتظرون الإفصاح والتوضيح لما هم مقبلون عليه، خاصة في
ضوء من لمح لهم بان تصحيح الوضع لا يمكن ان يتحقق من دون تضحيات من جانب الناس
المجتمع، واعتقد بانه لكي تكون التضحيات مقبولة يجب ان يرتبط ذلك ببرنامج إصلاح
اقتصادي حقيقي له من المصداقية التى تقنع الناس بما يستوجبه من تضحيات وان كانت
صعبة، ولكن في ظل هذا الصمت والغموض فان الناس يشعرون بانهم مهددون، وان عليهم ان
يقبلوا بالقسمة والتصيب، فخذوا حذركم..!!!

 

حرر في:   24  نوفمبر 2015