المنشور

فيروز .. أيقونة الفرح



ذات مرة خاطب الشاعر
مرسي جميل عزيز المثقفين العرب، قائلاً: «فيروز
هي عدة شغلكم». يومها عقّب أحد هؤلاء المثقفين مؤيداً ما ذهب إليه عزيز: «إن في قلب كل من قرأ جملتين، مساحة ضوء لفيروز وأغانيها». ونظن أن في قلب كل مواطن عربي مساحة ضوء لفيروز التي أَحالتْ أوقاتنا إلى مشاوير من الهناء وساهمت في صوغ أحلامنا عن الحب والوطن والفرح والحزن، وأخذت بأيدينا بعيداً إلى بيوت «ممحية» وراء حدود العتمة والثلج
والريح، وإلى ليالٍ باردة تدفئها نيران مواقد ناعسة في ضيعٍ تلقي برأسها على أكتاف جبال شماء. 
  
مجّدت فيروز الحب في أوج لحظات تجليه، في أغانٍ باتت لنا ذاكرة فنية وموسيقية مشتركة غطت الوجدان العربي  بغناءٍ هو للوجود سر، وبناي يبقى خالداً بعد أن يفنى الوجود كما في قصيدة جبران الشهيرة التي غنتها. 
  
الزمن الرحباني – الفيروزي ينتمي إلى زمن آخر كان فيه لبنان في أوج عافيته الثقافية والفنية، قبل أن تندلع الحرب الأهلية بكل عبثيتها
وجنونها فتدمر معالم تلك المرحلة، ولكن الفن عابر للزمن. إن تراث الرحابنة وفيروز يظل طازجاً، كأنه أُبدع البارحة. 
زياد الرحباني، ابن عاصي وفيروز، المتماثل والمتباين في آن مع المدرسة الرحبانية، الواصل لها والخارج على صرامة بعض قواعدها، أخذ بفيروز إلى مناطق جديدة، دافعاً بها بجرأة نحو مغامرات في الكلمة وفي اللحن لم تكن مألوفة عند عشاق صوتها وأغانيها. 
  
على خلاف المفردات
العذبة الحالمة للأخوين الرحباني المفعمة بالحنين، فإن الكلمة المغناة عند زياد
مأخوذة من الحياة: بسيطة وعفوية وحارة، فهي تنأى عن المعجم الرحباني المعروف بتراكيبه اللغوية الشفافة
والمرهفة، ولكنها تقدم وهجها الخاص الذي يُحَّول المحكي واليومي إلى جملة شعرية وموسيقية تنفذ إلى أعماقنا. 


تحضرني ذكرى المرات التي حضرت فيها حفلات
فيروز في أماكن مختلفة وعلى مدار حقب زمنية متباعدة بعض الشيء: في بيروت على مسرح
البيكاديللي، وفي دبي على مسرح جامعتها الأمريكية، وفي البحرين في فضاء قلعة عراد
الأثرية. 


في كل المرات كان صوت فيروز ينسل خيوطاً من
جمال وعذوبة في حميمية القاعات أو في الفضاء المفتوح، يأخذنا، كما ألفناه، إلى مروج الزنبق والياسمين، وإلى أيام حبلى
بالممكن – المستحيل، إلى خلطة الحب الحزينة – الفرحة. 


تظل فيروز، كما كانت دائماً، أيقونة أفراحنا وأشجاننا، وصفة أملنا في كل الأوقات. 

 

حرر في: 24/11/2015