المنشور

ميخائيل نعيمة المتنقل بين اللغات



لا أذكر
بالضبط متى حدث ما سأرويه الآن، لكن المؤكد أنه كان في نهاية السبعينات الماضية أو
بداية الثمانينات وكنت حينها أدرس في بيروت، حين حضرتُ ندوة أقامها المركز الثقافي
الروسي، السوفييتي في حينه، لتكريم ميخائيل نعيمة.
كان الرجل يومها في أرذل العمر، هو الذي عاش نحو قرن بكامله،
ولكنه مع ذاك بدا في صحة ذهنية مدهشة، وألقى كلمة شَكَر فيها جهة التكريم، ونُقل
مضمون الكلمة إلى الحاضرين عبر مترجم إلى العربية، لأن نعيمة ألقاها بالروسية،
وبطلاقة واضحة. 


كان وفد ثقافي سوفييتي أتى خصيصاً لحضور هذا التكريم، وبعد أن
فرغ نعيمة من كلمته علَّق أحد أعضاء الوفد بالقول، وهو يثني على معرفة نعيمة
باللغة الروسية: لقد تحدث بلغة بوشكين. 


معرفة ميخائيل نعيمة بالروسية آتية من إقامته خمس سنوات للدراسة
في أوكرانيا في الحقبة القيصرية، مطالع القرن العشرين، وهناك فتن الرجل بجمال
الطبيعة وطيبة الناس وعمق الثقافة، لكن أمراً ما، يقال إن له علاقة بقصة حب لم
تكتمل، حمله على العودة إلى لبنان. 


لم تكن اللغة الروسية هي وحدها ما أتقنه نعيمة من اللغات، وإنما
أتقن أيضاً اللغة الإنجليزية، فهو سرعان ما غادر لبنان مع جبران خليل جبران، ضمن
من هجروه من أدباء المهجر إلى الولايات المتحدة التي مكث فيها عشرين عاماً.
هذه المعرفة الضليعة باللغة الإنجليزية أهَّلت نعيمة ليورد
ملاحظات غايةً في الدقة على الترجمة التي وضعها خليل مطران إلى العربية لمسرحية
«تاجر البندقية» لشكسبير، في مقالة ضمنها فيما بعد كتابه “الغربال”. 

رجَّح نعيمة أن خليل مطران ترجم المسرحية نقلاً عن الترجمة
الفرنسية لا عن النسخة الإنجليزية مباشرة، ودلل على ذلك ببعض المفردات الواردة في
الترجمة الآتية من السياق اللغوي الفرنسي، ثم أورد أمثلة أخرى عما عدَّه سوء تصرف
من المترجم، مُرجحاً أن يكون ما أهمله خليل مطران من فقرات وعبارات ومشاهد في
الترجمة مهملاً في الترجمة الفرنسية التي ترجم عنها مطران النص.

لكن ذلك لم يحمل نعيمة على إيجاد العذر للمترجم «فلا يجوز لرجل
نبيه مثله أن ينقل شكسبير إلاّ من مصادره الأصلية». وختم نعيمة مقالته المطولة
ناصحاً المترجم إذا لم يكن حظه من الإنجليزية كحظه من الفرنسية أن يستعين على درس
الأصل بمن تؤهله معارفه باللغة الإنجليزية لفهمه حق الفهم.

 

حرر في:
23/11/2015